الفصل السادس والخمسون "56" ج2

Start from the beginning
                                    

كانت تتحدث من بين مخاضها وهي تنظر لأعلى باكية فأصاب الألم قلب أسوة وبقت تقف حائرة عاجزة عن تقديم يد العون لها، ابتلعت ريقها وقالت بهمة وبسالة:-
- أنا مش فاهمة حاجة بس قوليلي أعمل أيه وأنا مستعدة أعمل أي حاجة..

بسمة ضعيفة انبلجت على فم الفتاة ورددت بضعف:-
- كنت عارفة إنك بنت حلال، خدي الشنطة دي هتلاقي فيها ملاية وغيّار .. خلاص أنا حاسة بيه وربنا هيسرها عليا وهولده بسلام ساعديني .. وخديه امسحيه ولبسيه ..

اصفر وجه أسوة خوفًا وقلقًا .. فكيف ستلد الفتاة في مثل هذا المكان؟!
لكنها تركت التساؤلات جانبًا وهي ترى ألمها يزداد وتضغط بأسنانها على قطعة قماش بينما يندفع كثيرًا من الدماء والماء من بين ساقيها..
جثت أسوة تدعمها وتفعل ما تُمليه عليها وتشجعها أن تدفع بقوة وتتنفس بعمق..
ومن بين ألآم الفتاة ودموعها نادت ربها نداء يعج بالحُرقة:-
- يارب ساعدني وابني ينزل بسلامة واحميه بحمايتك يارب العالمين ... يارب احفظ حبيبي وجوزي آدم يارب ابعد شرها عنه ونجيه منها يارب..

ولم تلبث سوى القليل وأطلقت صرخة محملة بألمٍ جم وعقبها خروج طفلٍ بحجم الكف على يديّ أسوة الصغيرتان واللتان أصبحتان ملطختان بدم يشهد على حلول أحدهم للحياة..
شعرت بمشاعر متناقضة وهي تحمل بين يديها طفلٍ خُلق للتو وأيضًا شاهدت ولادته بل وسحبته من رحم أمه، نظرت له بدهشة وهو ساكن مغمض العينان بينما استرخت والدته تتنفس براحة مغلفة بالوجع..
ابتسمت أسوة ثم قامت بضربه بخفة على ظهره ليصرخ صرخة الحياة كما علمت بمادة 'الأحياء' توسعت ابتسامتها وأخذت تنظفه من الدم وجعلت تُلبسه برفق وتلفه جيدًا وقربته من أمه التي مدت ذراعيها بشوقٍ جارف وفور أن استقر بينهم اقتربت من أذنه اليمنى وأخذت تردد الأذان وهي تبكي وتزداد في البكاء بينما كانت دهشة أسوة تزداد من هذا الفتاة..
قالت من بين بكاءها:-
- كان نفسي بابا هو إللي يأذن في ودنك يا يزيد وهو كان منتظر اللحظة دي أووي بفارغ الصبر بس حسبي الله ونعم الوكيل في إللي حرمته منها..

تسائلت أسوة بعدم فهم:-
- إنتِ مين؟ أنا مش فاهمة حاجة .. ومين دول إللي عايزين يقتلوكي، هو في حاجة كدا !! البلد مش سايبة.

ولدهشة أسوة وضعته بين يديها وهتفت وهي تعتدل ببطء وتمسح ساقيها بتعب شديد وهي بالكاد يُغمى عليها:-
- أنا لازم ألحقه، هيقتلوه ويدمروه لازم أنقذه ولازم يزيد يفضل معاكِ.

- يزيد!

ابتسمت وقالت وهي تنظر له بحنان:-
- أيوا يزيد آدم العشري ..
نظرت لأسوة باستنجاد وأكملت:-
- أنا عارفة إللي بطلبه منك مستحيل وصعب، بس أنا لازم أعمل كدا علشان خاطر يزيد لو هضحي بحياتي علشانه، أهم حاجة إن أبعده عن الخطر وأبعده عن أي أذى، هي لو علمت بوجوده مش هتتردد ثانية واحدة إنها تتخلص منه..
أنا واثقة فيكِ وعارفة إنك قدها وقدود؛ لأن أكيد ربنا بعتك ليا وقت الشدة دي استجابة لدعواتي..
يزيد هيبقى معاكِ .. خدي يزيد وابعديه عن هنا خالص لو هتروحي أخر الدنيا..

الصمت الباكيWhere stories live. Discover now