الفصل الثامن والأربعون "48"

Start from the beginning
                                    

_ تشنجت عضلات فكه وتبعثر غضبه وذهبت تساؤلاته أدراج الرياح، انحنى نحوها وهو يراها منهارة بجنون..
جلس على عقبيه أمامها والحسرة احتلت داخله ووشىَ الخوف بقلبه، لترفع يدها اليُسرى الباقية على حالها وتشبثت بقميصه تُهلوث:-
شوفت .. كمان حصلي أيه، بجد دلوقتي .. أتمنى أموت وأرتاح بقى..

_ شعر وكأن خنجر مسموم استوطن قلبه وتسابقت أنفاسه الهادرة، كَوْب وجهها المُتصبب دمعًا بين راحتيه وهو يمسح على وجنتيها برفق، وقال بلهفة:-
متخافيش .. مفيش حاجة هتحصل، إهدي أنا هنا موجود مش هيحصلك أيّ حاجة مؤذية ولا هسمح أنا بكدا ..
إنتِ إهدي وبس فهماني..

_ تأملت أعينه الملهوفة الذاعرة بأعينها المُبللة الناعسة، نمت إبتسامة رقيقة على فمها ورمت برأسها على صدره بينما يدها ما زالت مُتشبثة بياقته ويده تربت على ظهرها وتُمسده صعودًا ونزولًا.
همست بإرهاق:-
أنا تعبت أووي.

وشعر برأسها يثقل فأدرك أنها فقدت الوعيّ مُنهارة، تملكه الرعب فحملها على الفور من تحت ذراعيها كطفلة على صدر أبيها..
أرقدها على الفِراش على مِهل، وسحب هاتفه بتوتر وخوف يستدعي الطبيب في الحال....

               -****************************-

فطن الإرهاسات وتتبعها ووصل لغايته المنشودة، بوقتٍ قياسي كانت سيارته التي تدل على مدى غضب من يقُودها تقتحم هذا الحيّ الصغير وتقف بالتحديد أمام هذا المبنى المُتهالك القديم..

تجمهر أفراد الحيّ من هول الإزعاج وخرج أصحاب الدكاكين ومن يتسامرون داخل المقاهي يقفون يُشاهدون هذا الغاضب الذي هبط من مركبته يركض نحو المدخل..
وهو يجأر بصوت عالٍ شق الضوضاء وعلا عنها:-
ســــــــــارة  .......  ســـــــــــارة  ...  إنتِ فــــين
اخـــــرجيلي...

هبت "سارة" التي كانت تغرق على سجادة الصلاة باكية تتوسل الله أنّ يُهديها إلى المخرج بعدما أُجبرت على رفع قضية الخُلع..

_ صالح .. صالح جه، أكيد وصله تنبيه وعرف ..
يارب عديها على خير ..

سمعت صوت الطرق العنيف على باب المنزل، فرّت خارجة من الغرفة لكنها تفاجأت بالباب يسقط مُتهشم ووالدتها تنوزي بجانب شقيقتها التي تُمسك برأسها باكية..
هَلّت أمامها طلته التي افتقدتها كثيرًا لتظل مُتخشبة بأرضها مُنكمشة على ذاتها ..
بينما "صالح" فتعلقت عيناه بعينها وقلبه ينتفض بقوة داخل سجن ضلوعه وجرى حُبها مجرى دمه واشتياقه لها بات يُألمه..
هرول تجاهها وسحبها بعناقٍ حار يروي بها شوقه ويطفي بها لوعته وغمرتهم حرارة الوجدان..
تهلل وجه "سارة" وسقط دمعها وهي تُبادله العِناق بحرارة  وقد بُعِثت المسرة في نفسها  ونفسه..

وفيما هي داخل أحضانه أخذ يُردد بعشقٍ صافٍ:-
وحشتيني يا سارة، وحشتيني يا حبيبة قلبي ..
ليه كدا يا قلب صالح .. هُونت عليكِ تسبيني كدا يا روحي.

الصمت الباكيWhere stories live. Discover now