الفصل الرابع والأربعون "44"

Beginne am Anfang
                                    

_ ما أرادته "فراولة" قد كان، أمسكت بقدح الشايّ بين يديها قائلة برضا: الله يصلح حالك يا بنتي ويرضى عنك.

استقامت "ليلى" وذهبت للداخل وما زالت مُتجاهلة "ليث" لم تلتفت إليه وكأنه ليس معهم ..
بينما أشرقت الشمس بعسلتيّ "ليث" وهو يُتابعها حتى أفلت عنه للداخل..

_ تنحنح بخشونة وتنفس بعمق ثم نظر لوالدته التي أخذت تتابع أحد البرامج المعروضة على شاشة التلفاز وإبتسامة عريضة على ثغرها، استقام يُخاطبها برفق: بعد إذنك يا أمي هغير هدومي بس علشان متأخرش..

_ أجابته وما زالت الإبتسامة حليفة فمها: وماله يا قلب أمك الله يعينك وييسرلك طريقك ..
رحل للداخل وكلمات والدته المُتوارية لم يفهمها سوى بحسن خاطر، والمُراد منها أعمق مما هو ظاهر ..

= وقف أمام حُجرة المطبخ وبعض التوتر يستحوذ عليه فهُمّ لم يتحدثا مُنذ شهر تقريبًا، وضع يده خلف رأسه مُحاولًا أن يُنفِذ هذا القلق ودخل مُتحججًا بشرب الماء ..

أمّا "ليلى" فقد شعرت بدخوله لمُحيطها لكن لم تُبالي وظلت على حالها تُحضر الطعام بهدوء بارد كأنها بمفردها..
وذلك المسكين ينكوي بنيران قلبه ويذهب هُنا وهُناك مُحاولًا بدء حديث معها ..

▪︎ رفع عددًا من أكواب الماء لا بأس بها يحتسيها، وتشجع أخيرًا، ومن بين محاولاته المُخفقة نجحت واحدة ولم يستطع سوى نُطق كلمة واحدة يعشق حروفها كُلًا على حِدة .. اسمها الذي ينسج أحبال الوِد بين أوتاره: ليـلــــى !

_ لم تُبدي ثمة ردة فعل كأنها صماء عن حديثة بينما هي تسمع، اقترب "ليث" أكثر مُخترقًا حدودها ثم رفع يده ووضعها على كتفها برفق ويُكرر النداء على أسماعها: ليلى!

_ أطبقت على جفنيها بشدة وهي ما زالت مُستديرة  مُوجهة ظهرها له، تنفست عِدة مرات وأجابت بنبرة مليئة بالحِدة والحزم: نعــم !!

_ أخترق صوتها الحاد قلبُه مُحدثًا جرحًا على شغافه، وتسائل بصوتٍ حاني: هنفضل كدا لغاية إمتى يا ليلى؟

_ اشتدت قبضتها على حبة الطماطم التي بين يديها، ونطقت بقسوة مُكررة كلماته: إنتَ نسيت يا حضرة الظابط ولا أيه ... أنا هنا مُجرد ضيفة ومينفعش اتعدى حدودي وهانت خلاص كلها أيام معدودة وأخويا هياخدني..

_ تضرج وجهه بالغضب من ذاته؛ تلك الكلمات خرجت من خلف قلبه وقذفها بسبب غضبه حينها من الأشياء التي تُخبئها عنه وتُدثرها بغموضها لكنه أبدًا لم يقصد جرحها ولا قول هذا الحديث الأحمق ..
اقترب أكثر منها حتى بات لا يفصلهم شيء، وانحنى لمستوى أذنها وهو يستنشق رائحتها العذبة التي غزت قلبه، وهمس بصوتٍ رقيق مُغري: أنا آسف يا ليلاي، حقك على قلبي الغبي، البيت بما فيه ملكك يا مُعذبة الفؤاد، يا صهبائي.

وتابع بصوت يقطُر أشد قصائد الغزل:-
"فُؤادي بَين أضَلاعي غَريب .. يُنادي مَن يُحِبُّ فَلا يُجيب"
                                                    [قيس بن الملوح]

الصمت الباكيWo Geschichten leben. Entdecke jetzt