الفصل السادس والعشرون ج٢

Start from the beginning
                                    

_ لم تندهش كثيرًا، فقد كانت تعلم من الأساس أنه لن يتركها، فهو ليس بالشخص السيء وكانت على يقين أنه هو من سينقذها... لكن باتت أفعاله متناقضة، لا تعلم بما تفسرها، فيا ترى ما هي خطط "مؤمن الصياد"؟
ابتسمت بداخلها، وانفرجت أساريرها لكنها لم تُبدي أية ردة فعل .... بقيت جامدة باردة..
وتحدثت بنبرة يشوبها الجمود: يبقى خير وبركة يا باشا، جات من عند ربنا، نصيب بقى .

_ قال عاصم بقوة وعزيمة وقد استفزه برودها: متقلقيش يا دكتورة أنا وراكي ومش هسيبك أبدًا وهعرف مين إللي وراكي كمان ... وعن قريب هوصل للحقيقة.

_ أسوة بثبات تُحسد عليه: تمام يا حضرة الظابط بالتوفيق إن شاء الله، أنا كدا أمشي ولا في حاجة تانيه أعملها ..
تمالك أعصابه وقال بغيظ: لا كدا تقدري تمشي .. بس أمضي الورق ده..
وشرعت أسوة بإمضاء الأوراق لكن إخترق أسماعها حديثهم
_ عاصم باشا لازم تتحول للتحقيق
عاصم: تمام ... هي تمضي الورق ونمشي..

_ شعرت بشعور غريب يعتريها ولم تنجح بتفسيره لكن سرعان ما انتهت من إمضاء الأوراق... وخرجت سريعًا من هذا المكان الذي يضيق بها ذرعًا محاولة التنفس والشعور بالحرية التي سُلبت منها.

أخذت تسير وهي تتماسك فقد فقدت قواها وتلفت أعصابها من تلك الإحداث المتتالية .
تيبست بأرضها عندما وجدته واقفًا على أحد جوانب الطريق مستندًا على سيارته بهيئتة التي تهتز لها القلوب .
تنفست بهدوء وأجمعت شتاتها المُبعثر، وأخذت تعبر الطريق بحذر لتقف أمامه بثبات، وارتسمت على محياها إبتسامة باردة .
:كنت واثقة إنك هتعمل كدا ... بس الغريبة إزاي قدرت تعملها، يا ترى إنت مين بالظبط.
_ مؤمن بوجه خالي من التعبير إلا من السخرية التي تلون بها حديثة: الحمد لله على سلامتك يا دكتورة ... كفارة .. وتكون آخر الأحزان
_ لم تبالي بسخريته وقالت: عمومًا إنت معملتش جِمِيله، إنت ورطتني في المشكلة دي وطلعتني منها طبيعي جدا .. كدا نبقى خالصين وأقدر أخد يزيد ومعتدش هتشوف وشي تاني وأظن كدا مهمتي خلصت وشغلي معاك إنتهت..

_ قال ببرود وهو يدور ليركب سيارته: اركبي العربيه يا دكتورة، لسه الكلام منتهاش
_ نفخت بضيق وفروغ صبر: معتدش في كلام بينا، وقبل ما اركب لازم توعدني إنك هتوديني عند يزيد علشان أخده وتسبني أمشي ..
_ قبض على يده بشدة وقال بغضب مكتوم: أنا محدش بيملي عليا أوامر، وأنا قولت اركبي علشان معملش حاجه مش هتعجبك.

_ فتحت باب السيارة وجلست، فهي بالأساس لم يعد لديها طاقة للمجادلة ولم تعد تمتلك القوة على الوقوف ..
وقالت بضيق: أنا عايزة أفهم حضرتك عايز أيه تاني، مش كفاية إللي حصل والمرمطه دي، مش مكفيك دا كله ... أنا هاخد يزيد وأمشي، لو سمحت سيبني في حالي ..
_ نظر لها بتحذير كي تصمت وتكف عن الحديث وقال بسخرية وهو يناظرها من أعلى لأسفل: إللي يسمع كتر كلامك ويشوفك ميقولش دي واحده لسه طالعه من التخشيبة .. كتر كلامك مش ماشي مع منظرك وشكلك خالص ..
قال جملته الأخيرة وأعينه تمر على حالتها المرزية ووجهها الشاحب..
_ نجح بالفعل بجعلها تصمت، ونظر إلى الجهه الأخرى بلامبالاه منتهاه ..
أراحت رأسها بإرهاق وتعب، وعقلها يخطط لما هو آتٍ بعد أن إنقلبت حياتها رأسًا على عقب، والتسائلات لا ترحم عقلها..
بجانب الفضول الذي يلحَّ عليها لمعرفة ما يريده منها ثانيةً فيكفيها ما حدث إلى الآن، لن تستطيع تحمل المزيد..

الصمت الباكيWhere stories live. Discover now