جزء ٢١

5.3K 173 11
                                    

الفصل الواحد والعشرون .(1)..
-لم تدري كم من المسافات قطعتها خلال جولة تمشيتها علي البحر ،فكانت شاردة تماما ولم تنتبه أنها ابتعدت عن الفندق مسافة لابأس بها بل وضلت الطريق أيضا ، فتوقفت فجاءة وتطلعت حولها بريبة فالليل طغي علي المكان بأكمله ، أبتلعت ريقها بهلع وبتلقائية امتدت يدها لجيب بنطالها الواسع تفتش به عن هاتفها لتكتشف أمر نسيانه ،فضربت جبهتها بخفة مع قولها بضجر:-
-ياربي هرجع أزاي بس دلوقتي !..
ثم عادت تنظر حولها بأمل فربما تجد من يدلها علي طريق العودة ، وعلي بعد مترات منها كان هناك ضوء ساطع متسلل من مكان مرتفع أشبه بالهضبة ، وكانها وجدت ضالتها فسارت بخطوات راكضة نحوه علي تلك الرمال حتي قاربت علي الوصول إليه فأتضحت لها رؤيته فهو عبارة عن مطعم معلق في نهاية الشاطئ ومجهز بالخشب وكأنها برجولة تلمع بالسماء ، رفعت رأسها لتحدق به بإندهاش وأعجاب في أن واحد !  وحينما دققت النظر رأت حشد من الناس بداخله منهم من يتناول الأكلات البحيرية وماشابه ومنهم من يلعب طاولة ويحتسي الشاي في جو شعبي درجة أولي ! وهنا رفض عقلها فكرة الأستعانه بذلك المجسم الغريب او بمن داخله هي فقط تبحث حوله عن طرق عامة ورئيسية فقط فلذلك تحركت بحماس شديد !

.......................
_جلس علي تلك الطاولة الخشبية في ذلك المكان المريح لأعصابه وقد خلع سترته والقاها علي المقعد الفارغ جواره كما أنه فك ازرار قميصه للمنتصف وأرتخي في جلسته يراقب من في المكان بإبتسامة صافية ، فهنا يوجد جميع  الطبقات دون تفرقة مكان شعبي من الدرجة الأولي ولكنه يفضله وبشده ، لم يكن مطلقا من هواه الهروب من العمل ولكن وجبة سمك أصيلة يشتهيها وخاصة من هنا تستحق المغامرة وبشدة !..
تنهد بإرتياح وبينما هو ينقل بصره للجهة الأخري فأنخضت عيناه قليلا ليلمح طيفها في الأسفل تتحرك ببطء وتنظر حولها بحيرة وكأنها تبحث عن شئ ما ، ضيق عيناه بفضول شديد وليتأكد ايضا من هويتها وبالفعل كانت هي !
فهمس بأسمها مع إندهاش ملامحه:-
-رقيية !.
ولم ينتظر ثانية حيث هب من مقعده علي عجالة وراح يهبط تلك الدرجات الخشبية في لمح البصر ..
اما هي كانت تلتف بجسدها وتشرأب برأسها لعلها تجد شئ ولكن بلا جدوي فزفرت بضييق وقد أيقنت اللتو أنه لامفر من اللجوء لذلك المجسم الغريب وبينما هي تستدير ناحيته علي مضض أرتطم جسدها فجاءة بجسده الصلب وبصدره العريض فشهقت بقوة وتراجعت خطوة للخلف بهلع ! وعلي عجاله رفع كفيه معتذرا :-
-أنا أسف !..
حملقت به بصدمة جامحة ولم تلفظ بشئ فالحقيقة وجوده أمامها الأن أمر يرعبها ويربكها أكثر من أمر ضياعها ودائما هو الأسبق بحديثه حيث سألها بجدية تامة :-
-أنتي بتعملي أييه هنا ؟!.
ابتلعت ريقها عدة مرات قبل أن تجيبه بخفوت:-
-أصل اا أنا يعني نزلت عشان أتمشي وزو
فقاطعها هو بإبتسامة واثقة وقد وضع كلتا يديه في جيب بنطاله :-
-وتوهتي ومش عارفه ترجعي مش كده !..
أحمر وجهها خجلا فأخفضت رأسها قبل أن تهزها بنعم !
ثم عادت ترفعها مجددا مع قولها بضيق وهي تلتفت حولها :-
-أنا والله كنت واخده بالي من الطريق كويس بس مش عارفه ايه اللي حصل فجاءة كده ، الظاهر أني سرحت ومشيت بعيد عن الفندق شويه !.
تتحدث بإنزعاج من حالها وكأنه سوف يلومها أو يعنفها لفقدانها الطريق ،كانت الأبتسامة معلقة علي ثغره ولكنها تلاشت ليخبرها بعدما أرتفي حاجبيه لأعلي وبتنهيدة:-
-هو في الحقيقة أنتي بعدتي شوييتن حلويين أووي عن الفندق !..
وبجملته هذه أربكها أكثر فرأي الهلع في مقلتيها بوضوح ،فعضت علي شفتيها وقالت:-
-ياخبر !..
ثم أكملت علي عجالة :-
-طب هو ممكن حضرتك تعرفني الطريق ازاي وانا هعرف أرجع لوحدي !..
كانت تتحدث بلهفة يشوبها الرجاء وكأنها طفلة في الثامنة من عمرها ضلت منزلها ولم يعرف أحد طريقه سواه !..
-هنرجع مع بعض !..
أتسعت مقلتيها فجاءة عقب جملته ، فزاد من صدمتها تلك وهو يخبرها بثبات  :-
-بس الأول هنتعشي مع بعض !.
هزت رأسها نافيا سريعا:-
-لالا اا
ضيق عيناه ليسألها بمراوغة :-
-أييه مش عاوزة ترجعي الفندق ؟!.
ثم دنا منها خطوة أخري لتتقلص المسافة بينهما فلم تعد تذكر :-
-ولا مش عاوزة تاكلي معايا دي حاجة تانية !..
....................
_جلست معه  علي الطاولة مرغمة ،مجبره لم تعرف أين كان عقلها حينما انصاعت له وصعدت خلفه الدرج الخشبي لتكن معلقه معه في لأعلي هكذا ، فلولا حاجتها له في ظرف مثل ذا لم تفعلها مطلقها، ففركت كفيها بتوتر ملحوظ ثم أخذت توزع نظرها بين الأمواج المتلاطمة في الأسفل وبين المكان الغريب عليها كليا  ، لم يغفل هو عن حركاتها بينما أملي علي النادل طلبه ليجعله ينصرف ثم ثبت أنظاره عليها قبل أن يقول بنبرة قائمة :-
-علي فكرة العشا في الفندق خلصان من يجي ساعة !..
أستطاع أن يجذب أنتباهها له ليكمل بإبتسامة لم تصل لشدقييه :-
-يعني تقدري تعتبري ده بدل فاقد !..
أومأت برأسها إيجابا بعدما جاملته بإبتسامة مصطنعة  ثم عاودت النظر لمياه البحر بصمت تام ! فسمعته يتنهد بصوت مسموع وبنبرة جامدة:-
-لو حاسه أنك قاعدة معايا غصب عنك تقدري تقومي وحالا كمان!.
التفتت له هذه المره بجسدها كليا وقد طوت ثغرها بحرج ليكمل بجمود دون أن يرمش :-
-وفي الحالتين أنا ملزوم أني أوصلك !...
تننحنحت بهدوء بينما عيناها تزوغ في المكان ومالبثت أن قالت بإيجاز:-
-أنا مش مضايقه !
رمقها بإمعان وقد ضيق عينييه بشك :-
-مش عارف اصدقك !
ثم اعتدل قليلا لينظر في عينيها مبأشرة :-
-عينيكي بتقول عكس كده !.
أحمر وجهها جراء ذلك فأمسكت بكوب الماء امامها وأرتشفت منه القليل وبعدما تركته أخذت  تعدل من حجابها بإرتباك وبنصف إبتسامة :-
-المكان هنا مش غريب شويه !
ثم جابت بنظرها المكان وقد رفعت كتفيها بتعجب:-
-بعييد عن الناس وتصميمه غريب كأنه برج ،ده غير الناس اللي فييه اا
قطعت حديثها فجاءة وطالعته بحذر قبل أن تلقظ:-
-مش شبهك ولا أنت كمان شبههم !.
هي تغير مجري الحديث بطريقتها البسيطة، لم تبوح بما يجول في عقلها عن حق ،عن رغبتها الحقيقة ،عن رفضها للأمر الواقع الذي وضعها به، وهو يفهم لعبتها هذه ولكن لم يجاريها بل تحدث بمنطقية :-
-هقولك علي حاجه واعتبريها نصيحه ، لما تبقي بتعملي حاجة غصب عنك ماتخافيش من اي حد ولاتتكسفي وقولي أنا مش عاوزة كذا ماتسمحيش لحد يجبرك علي حاجه انتي مش حباها أيان كان مين !..
وبنظرة صارمة منه ونبره لها مغزاها أكمل :-
-حتي لو كان الحد ده أنا !..
أرتجفت في مقعدها لم تنكر ذلك ، ثم تطلعت له لتهمس بصوت ضعيف :-
-حضرتك ليه بتقول كده !؟
مط شفتييه للإمام قبل أن يهتف بلا أكتراث:-
-نصيحة مش أكتر !..
أما هي صمتت تماما بل وانكمشت في مقعدها !
................................
_كانت بصعوبة بالغة تسيطر علي انفعالاتها امامه وقد راودها شعور أن كذبتهما سوف تكشف الأن ، أعدت له كوب الشاي بأعصاب مرتخية ثم جلست علي مقعد مجاور لتهتف بإبتسامة مصطنعة وهي تعتذر عن الفوضي  من حولها :-
-متأخذنيش بقا ياسامر علي الكركبه دي العيال الله يهديهم بقا قاطعين نفسي طول اليوم وهديين حيلي !.
سامر ببشاشة:-
-ربنا يخليهملك يارب !
ثم اكمل بجدية تامة وهو يبحث بعينيه:-
-أومال رقية فيين ؟ ليه مش تساعدك هي مش هنا ؟ ..
شجب وجههها بشكل ملحوظ وبإرتباك :-
-ر رقية أصل نزلت الجامعة عندها محاضرات مهمة اووي اه !.
قطب مابين حاجبيه بتعجب:-
-معقول لحد دلوقتي في الجامعة؟!.
ابتلعت ريقها بهلع ثم علي عجالة :-
-لا مش في الجامعة  ، قصدي يعني انها خلصت جامعتها وأتصلت قالتلي انها هتزور واحدة زميلتها اصلها بعافية شويه !.
-لا ربنا يشفييها !
هي وقلبها بات في قدميها:-
-يارب ياخويا يارب!.
ثم سألته بفضول :-
-هو أنت يعني كنت جاي هنا عشانها؟ !..
اومأ برأسه أيجابا ثم تنهد بصوت مسموع :-
-الحقيقة أنا كنت جاي عشان اخدها ننقي العفش بتاعنا ما أنتي عارفه كلها كام شهر خلاص ونتجوز وقبل ما اجي هنا خالتي قالتلي أنها قاعدة معاكي فعشان كده جيت أخدها !
ولكنه مط شفتيه بضيق:-
-بس مظنش انه هينفع اليوم خلاص والوقت أتأخر !..
رباب بتأييد :-
اه طبعا ياخويا ده خلاص الليل دخل علينا !
ثم لحقت جملتها الأولي بأخري وبجدية :-
-بص ياخويا أنت أحسن حاجة تعملها تتصل بيها وتحددوا مع بعض ميعاد مش أقل من اسبوع او حاجه !..
رمقها بإندهاش جلي علي ملامحه:-
-أسبوع!.
ارتبكت ثم لحقت ذاتها بتمثيلية من صنعها اللتو حيث قالت بشفقة مصطنعة:-
-اصلها ياحبة عيني عندها هم مايتلم في الجامعة ايشي ميد ترم وابحاث وموال ده أغلب الوقت قاعده قدام كتابها ااه والله !..
-الله يكون في عونها !..
قالها بهدوء تام ثم هز رأسه بالموافقة قبل أن يهتف بخشونة:-
-تمام اللي تشوفيه ،هكلمها واتفق معاها !
وهنا تهللت أساريرها وبشدة :-
-عين العقل ياخويا !.
ولكنه عاد يهتف بحرج :-
-أيوة بس أصل أنا مش معايا رقم ليها !
شههقت بقوة وكأنها تفاجئت بالأمر :-
-يادي الكسوف ، وده يصح يعني ياسامر خطيبتك ومش معاك رقمها لالا يعني !.
أخفض راسه خجلا بعدما تنحنح ،لتهتف هي مجددا بنبرة ذات مغزي:-
-بس أدينا فيها اهو ،خد رقمها مني !..
.......................
-نفث دخان سيجارته بشرود تام بينما عيناه مثبته علي صورتين أمامه أحدهما لفتاة شقراء غاية في الجمال والأخري تخص تلك الدميمة التي لم تدخل حياته بمحض الصدفة بل هناك من دفعها في طريقه لتستحوذ علي تفكييره وأهتمامه ! وكأنها العوض الذي سيجعله ينسي ماعاشه في أحضان تلك الشقراء الفاتنة والمثيرة، فلذلك لم يسمح لزيجتها تتم بسلام دون أفسادها فهو الأحق بها والجدير بها ! اطفئ سيجارته في المنفضة أمامه ثم أحتضن صورتها بكفه وغامت عيناه بقسوة مخيفة بشدة ليهتف:-
-الجمييلات دايما بيخونوا أما الباقيين للأسف معندهمش المؤهلات لكده !.
ثم أبتسم بشر قبل أن يمزق تلك الصورة بل ولحقت بها الأخري ، فنهض من الأريكة وسار في أتجاه النافذة لعله يستنشق هواء نقي غير هواء غرفته المحمل بالنيكوتين ورائحة الخمور ، وعلي حين غره أنفتح الباب لتدلف منه السيدة "ماجدة " ولتصيح :-
-ممكن أعرف واحد زيك عاوز اييه من بنت زي دي !..
وأختتمت جملتها بإلقاء نسخة من ملفها الجامعي علي فرأشه فراح يمسكه بفضول شديد لتتيع حدقتاها تدريجيا ثم بغضب :-
-والله عال يامعالي الدكتورة بتجسسي عليا ،هو ده اللي بتعلميه لطلابك  !.
سارت نحوه بعنف هاتفه :-
-طبيعي اعمل كده ! لما أحس أني أبني هيضيع نفسه تاني لازم اعمل كده !..
القي الملف بطول ذراعه وتابع صياحه بوقاحة:-
-والله حياتي وانا حر فييها بقا !..
-لامش حر ،أنت مش عايش لوحدك وانا أمك وليا حق عليك !.
أبتسم بتهكم ساخر :-
-وحقي أنا بقا ! تتجسي عليا مش كده !؟..
ماجدة بصرامة وقد رفعت أحدي حاجبيها:-
-افهمها زي ماتفهمها يابيبرس بس في النهاية انا أم وبتحاول تنقذ أبنها !.
-من ميين ؟!.
-التوي فمها بحزن شدييد مع قولها :-
-من نفسه !.
ثم تابعت حديثها الحاد ولكن تحذره:-
-أديني بقولك يابيبرس أبعد عن البنت دي لاهي من مقامك ولا أنت من مقامها !..
رمقها بنظرة غير مبالية ثم اولها ظهره وببرود تام :-
-بس أنا مش ناوي أبعد عنها !
أستدارت لتكون في مواجهته مبأشرة وبإنفعال :-
-ليه عاوزة منها أيييه ؟!.
ثم ضيقت عيناها بتخميين ولكن بإستنكار :-
-تكونش شفقان عليها وعاوز تعالجها !؟.
أبتسم من زاوية فمه بخبث وقال:-
-ومين قال أني عاوز أعالجها !
رمقته بتوجس شدييد ليكمل جملته وعيناه تحدق  بالحائط أمامه :-
-أنا عاوزها زي ماهيا كده !..
..يتبع

لم أكن دميمة يوماWhere stories live. Discover now