العفو المأمول

1.4K 42 16
                                    

التسامح اقتصاد القلب فهو الذي يوفر نفقات الغضب و تكاليف الكراهية و ثمن إرهاق الأرواحك

شعر بباب مكتبه يُفتح بهمجية جعلته يجفل قبل أن يترأى له ذلك الرجل الخمسيني الغاضب و على الفور نهض شاه السمر قائماً ليترك مكتبه و يقف في منتصف الغرفة مقابل والد زوجته و هو يدس كفيه داخل جيوب بنطاله قائلاً ببرود مستفز و هو يبادل توبال النظرات الغاضبة حتى يظن الناظر إليهم أنهما سليتهمان بعضهما في أي لحظة
- مرحباً...
قال عمر كلمته قاصداً إثارة حنقه و التظاهر باللامبالاة و قد نجح في هذا نجاحاً باهراً لأن و بطبيعة الحال لم يُرضي توبال هذا البرود الذي يقابله به الإبليكيجي فهتف بإحتدام مخلوطاً بثبات مزيف
- بما أنك لا تجيب على إتصالاتي قلت لآتي لك بنفسي.
قال توبال و صدره يعلو ويهبط من شدة الغضب ملجماً رغبته المتأججة في الصراخ به حتى ينقطع صوته
أما من طرف السينيور فكانت إبتسامته الباردة مازلت متلألأة على شفتيه و هو يسمع جملة الرجل و بعد إنتهائها أخرج كفه من جيب بنطاله و طرقع بأصابعه في الهواء متداعياً محاولته للتذكر سبب إنشغاله ثم أجاب بنبرة باردة و مستفزة أكثر من ذي قبل
- لم أكن أريد إضاعة وقتي في الحديث معك بدلاً من قضاء وقتي مع عائلتي
إحتدت نظرات شاه السمر أكثر و أقترب منه أكثر و هو يزأر مستكملاً حديثه بتحدي أكبر
أثار غضب توبال حقاً و فتخ فوهة البركان
الخاص بالأب
- خاصةً و أنا أعلم في ماذا تريد أن تحادثني...و أنا لن أفعل هذا في دفنتي.. أسمعتني ؟
حينئذٍ طفح كيل توبال من طريقة عمر و إهماله التام لفارق السن الكبير بينهم فوجد نفسه من دون وعي يتمسك بطرفيّ معطف بذلته و هدر به بقوة جعلت جميع عروق وجهه تبرز بوضوح
- إنها إبنتي أنا...ملكي أنا...إياك و الإعتقاد بأنك أحق بها مني أو أهم مني عندها...أقسم لك لولا معرفتي بتعلق إبنتي بك لأحرقتك حياً يا هذا
كاد يستكمل صراخه الغاضب و لكنه سمع قهقة الشاب الأسمر تقاطعه و سرعان ما تحولت إلى إبتسامة ساخرة منه و من كلامه قبل أن يعيد تكرار كلمات توبال بسخرية لاذعة
- إنها حبيبتي أنا...روحي و زوجتي...صحيح إنها إبنتكَ و لكنك لست أحق بها مني و لست أهم منها عندي ولا أهم مني عندها...دعني أنا أخبرك ماذا أنت عندها...أنت مثال للخذلان... مثال للجبن...أنت أكثر الناس كرهاً على قلبها...أنت من تكره سماع أسمه...أنت من تركها و هرب أيها الأب...أنت من دمر حياة إبنتك يا توبال بيه...و أنا لن أطلب من دفنة مسامحتك أبداً...أسمعتني ؟...أبداً...و إذا أحزنتها أقسم لك سأنتقم منك أشد الإنتقام
و بعد وصلة نظرات طويلة ترك ملابسه و أخفض توبال رأسه بإذعان و إنخفضت نبرته متحولة إلى النادمة فجاة و هو يتمتم بأسف و ندم حقيقيان
- أنا لازالت لا أعلم كيف فعلت ذلك حقاً ؟...كيف هربت كل هذه السنوات دون أن يرتجف قلبي شوقاً لهم ؟ و لكن ها قد إشتقت إليهم...ها قد ذبلت روحي من الندم...ها قد عدت
بالرغم من ظهور الندم جلياً فوق ملامحه و داخل صوته إلا أن ملامح وجه الأسمر لم ترتخي و قلبه لم يرق البتة بل رد على كلامه بجفاء واضح
- ها قد عدت...عدت متأخراً...عدت بعدما دملت الجروح...عدت بعدما تخلوا عنك...مثلما تخليت عنهم في الماضي...فهُم ليسوا تحت رحمتك لترحل وقتما تشاء و تعود وقتما تشاء و يسامحوك أيضاً وقتما تشاء
و في نفس اللحظة التي إنتهت فيها عبارات السينيور عاد الغضب يجري مجرى الدم في أوعية جسم الرجل الخمسيني و لم يعلم لمَ تحديداً
هل بسبب إسلوب الشاب الفظ ؟ أم بسبب صدق كل كلمة تفوه بها ؟...فشاء من شاء و أبى من أبى يجب أن نعترف بأنه المسبب الأول والأخير لكل هذه الخصومات...أو ربما سبب وابل الغضب ذاك هو شعوره بالغيرة الشديدة من حب إبنته الشديد لهذا الرجل بينما لا تطيق النظر إليه من على بُعد أميال فقد كان واضحاً وضوح الشمس من نظرات عيناه ثقة السينيور المتناهية في إنه الفائز بإكتساح في هذه المقارنة
في جميع الأحوال أصابه الغضب و إنتهى الأمر و لهذا عاد يحملق في عيون الزوج الواثقة بعيون باتت تضاهي الليل في ظلامه من شدة الغضب و نطق و هو يضغط على كل كلمة تخرجها أحباله الصوتية
- أنت وباء و أصاب إبنتي...أنت من جعل قلبها الأبيض قاسياً بهذا الشكل...و لكن دعني أخبرك شيئاً...قريباً جداً حينما نوضع في مقارنة أنا سأفوز
و قبل أن يعلق الرجل على ما قاله توبال و قبل أن يسمح له بمعارضته ترك المكان و رحل بنفس الهمجية التي دخل بها إلى الغرفة
منتقلاً بعدها إلى مكتب داريا متسائلاً بإستفهام بعد رؤيته لمكتب إبنته فارغاً
- أين دفنة هانم ؟...ألم تأتي اليوم ؟
نظرت داريا إلى مكتب الفتاة الشابة ثم أعادت رأسها إلى الرجل مجيبة بنبرة عملية للغاية خيبت آمال الرجل في ملاقاة إبنته اليوم
- آتت و لكنها تراجع بعض الأمور الخاصة بالسوقيات...هل ترغب في إخبارها شيء عاجل ؟
حرك رأسه نافياً وجود أمراً عاجلاً و قرر مضطراً أن يرحل عن المكان بأكمله و هو يجر أذيال الخيبة وراءه
...........................................................................

أميري  العاشق.  Where stories live. Discover now