روحي!

1.5K 39 10
                                    

سنلتقي مجدداً يا حبيبي و سأخبرك
كم اشتقت إليك، كم اشتقت لعيونك الساحرة و لأنفاسك العطرة، و لهمساتك الدافئة و لأحاسيسك المترفة، حبيبي ها أنا أقف بين يديك و ها هي الأحاسيس تناجيك ، و ها هو القلب يناديك و المشاعر تسبح في محيط عينيك...ما أصدق دموع العيون المشتاقة
و نبض القلوب في جوف الحبيب ،
حبيبى أريدك أن تعلم إنك تسكن شلالات شرايني ، تسكن في قطرات دمي التي تسير في عروقي

دخلت غرفتها في منزل جدتها و أقتربت من سريرها تتابع ذاك السهل من الدموع على مخدتها و أثار الدموع الباقية على وجنتيه
فرفعت أطراف أصابعها الرقيقة تمسح دموعه العالقة على وجنتيه بإبتسامتها العذبة الجميلة حينئذٍ بدأت أعين السينيور تُفتح رويداً رويداً
و الإرهاق الشديد واضح فيهم وضوح الشمس في سماء أيام فصل الربيع و لكن ما أن رأها
حتى ظهرت إبتسامة عريضة فوق شفتيه السمراء
- Defne...Buradasınız..!
" دفنة...أنتِ هنا "
أقتربت شفتيها من وجنته و وضعت قُبلة صغيرة فوقها تزامناً مع إحتضانه لها بكل ما أوتي من قوة و كأنه يشبع روحه من وجودها الذي هو على علم تام أنه مؤقت و حين وقعت أسيرة إحضانه لم تتردد أبداً في إخباره كم تبدو الحياة قبيحة و مزرية من دونه و كم تشتاق لشخص كان وجوده بجانبها كافياً كي لا تخاف أو تتأذى قط
- أشتقت لك كثيراً...الحياة بدونك جارحة جداً
شهقت شهقة باكية مختنقة فزاد من أحتضنها حتى أعتصرها في أحضانه و ألمها و هو يحاول جاهداً نطق تلك الأحرف القاسية التي كانت بمثابة قطع زجاج في حلقه
- أشعر بالضعف المميت...العجز سيقتلني
همس بصوت باكي متألم قبل أن تشعر بدموعه تهبط على وجنته مرة أخرى فتكلمت و هي تمسح دموعه مجدداً راسمة إبتسامة حانية تدفئ القلوب
- سأنتظرك يا حبيبي...و لكن أرجوك أسرع
بعدها رمقته بعد ذلك بنظرة وداعية عاشقة أخيرة قبل أن تنهض من فوق الفراش لترحل لو لم تشعر بتلك اليد التي تشبثت بذراعها و نبرة صوته المنكسرة الراجية تمتم
- lütfen gitme...
" أرجوكِ لا تذهبي..."
و لكن للأسف الشديد كان رجائه عديم الفائدة لأن أميرته الحمراء تحركت نحو الباب لتفلت يده بسبب بُعد المسافة بينهما و بعدها إختفى ذاك الملاك من أمام أعينه

بدأ هاتف السينيور بالرنين مُعلناً تحطم ذلك الحلم الجميل و العودة إلى واقعه المرير الخالي تماماً من دفنته و حينما أدرك شاه السمر حقيقة أن ما عاشه للتو لم يكن سوى حلماً من نسج خياله إلتجأ إليه عقله المسكين ليهرب به من الواقع الأليم أخرج تنهيدة طويلة الأمد مُحملة بكل أشكال الألم و بعد ذلك ألتقط هاتفه ليلغي المكالمة الهاتفية الأتية من سنان و يرى أن الساعة الثامنة والنصف صباحاً فأغلق هاتفه و ألقى رأسه على وسادة سرير حبيبته القديم يتنفس هواء يخنقه...هوائه خالي من رائحة حبيبته العطرة و سريره خالي من دفئها و أذنه محرومة من صوتها و بالرغم من ذلك الغطاء السميك الذي يحاوط جسده أملاً في تدفئته فأن جسده مازال أسيراً لصقيع الوحدة
و بعد العديد من الثواني التي أستمر فيها على تلك الحالة المتدهورة كلياً بدأ يجمع شتات نفسه و يحاول بكل ما أوتي من مقدرة مدها بالقوة و الصلابة فلقد قضى ليلة كاملة مكبل اليدين و هذا وقتاً كافياً جداً يجب عليه أن يستعيد توازنه حالاً...و لكن كيف ؟...هل إستعادها ؟...هل يعلم أين هي حتى ؟ لا
إذاً كيف يستعيد توازنه و صلابته و هو لم يُعيد ما أفقده توازنه برحيله ؟ كيف يتظاهر بالقوة و قلبه العليل يتداعى حتى كاد المرض يقتله ؟ فحتى إذا كان يستطيع تصنع الصرامة في أحلك الظروف فخسارة دفنة أمراً مغايراً كلياً...أمراً لا يتحمله قلبه ولا تستطيع أقنعة الجمود التصدي له
أغمض عينيه يرجو من عقله الصمت و أزاح الغطاء لتلامس قدميه الأرض الخاصة بغرفة دفنته في منزل توركان و من ثم بدأت أقدامه تتحرك بخطوات بطيئة نحو الخارج فقلبه المسكين لا يرغب البتة في مفارقة مكاناً يحتوي على دفنة...ولو حتى القليل جداً منها
و لكنه إضطر أسفاً إغلاق باب الغرفة ورائه و الهبوط إلى الطابق السفلي حيثما كانت تقف توركان في المطبخ و تسكب الحساء الساخن في الأطباق
- Günaydın Turkan teyze...
" صباح الخير خالتي توركان..."
ألقى الرجل تحية الصباح و هو ينتهى من درجات السلم و يذهب إلى حيث تقف و قبل أن يسترسل حديثه معتذراً عن مبيته ليلة البارحة و يستأذن بالرحيل تكلمت المرأة العجوز و هي تحمل طبقين و تتجه نحو الطاولة
- صباح الخير يا بني...لقد أحضرت لنا الفطور تعالى لنأكل معاً
وضعت اطباق الحساء الساخن فوق الطاولة بجانب أطباق الجبن و الخضراوات المقطعة و الزيتون و أكواب الشاي الساخنة و بعد ذلك أبعدت كرسيه قليلاً لتدعوه للجلوس مما أضطره للذهاب و الجلوس بجانبها على الطاولة و لكن هذا لم يمنعه من الإفصاح عن عدم رغبته في تناول الطعام بشكل مهذب
- ellerinize sağlık Gerçekten Türkan teyze, ama hiç iştahım yok
" سلمت يداكِ حقاً خالتي توركان و لكن ليست لدي شهية أبداً "
كان صوته الذي يغيم عليه الكآبة و الحزن صادقاً تماماً في أنه لا يريد تناول الطعام و لكن هل يعقل أن يتجادل أحد مع توركان في أمر الطعام ؟! هذا يستحيل حدوثه كإستحالة ظهور الكائنات الفضائية الآن في منزلها
- لا يمكن يا عمر...لم تشرب الشاي معي ليلة البارحة ولا ترغب في تناول الفطور الآن...ألا ترى وجهك يا بني...؟ الإرهاق الشديد بات ونسياً عينيك و وجهك شاحب كالموتى...أنت تخيفني حيال سبب تلك الحالة التي أصبحت فيها
لم يجيبها...لم يفصح عن الألامه...كالمعتاد إنعقد لسانه و تبخرت أحرف اللغة التركية من عقله...ينظر إلى عينيها الخائفتان...يفكر في ملايين الأسباب التي تمنعه من البوح...
ماذا سيحدث لتلك العجوز المريضة بضغط الدم و السكري حين يخبرها إن حفيدتها اختطفت ؟ لن تتحمل الصدمة...إذا كان هو لا يتحملها و ينسج أحلاماً وردية ليدواي قلبه العليل المتحطم...ماذا ستقول ؟ ماذا ستفعل؟ و الأسوأ ماذا إذا وقفت هي أيضاً ضده ؟
ماذا إذا أتهمته بالتقصير هي أيضاً ؟
و من جهة أخرى فهو في أمس الحاجة ليشعر بالدعم...يريد أن يطمئن أن هناك أحد يفهم ما يمر به في عدم وجودها...أنه يحتاجها...أن يفهم مدى حبه لها و مدى خوفه عليها...كفاه لوم و إتهامات فلو يعلمون ما يفعله عقله به من لوم و قلبه الذي يحرقه من الإشتياق و الخوف لرأفوا به بحق
و لم يستعيد وعيه إلا مع إحساسه بتلك اليد العجوز التى إحتضنت يده بحنو يريح العقل
و تحدثت مبتسمة إبتسامة حانية
- هل تعلم أنك مثل دفنة تماماً ؟...كانت حينما يشغل بالها أمراً محزناً تلوذ بالصمت و تعبث بطعامها بشرود كما تفعل أنت الآن تماماً...عمر يا بني صدقني الصمت سيحرقك أكثر...أنا أعلم جيداً منذ لحظة مجيئك هنا ليلة البارحة أن هناك أمراً ما يؤذيك...لقد كانت عينيك يحدقان بي بضعف شديد لم أعاهده منك
و عندما طلبت مني البقاء في غرفة دفنة
تأكدت من ظنوني...هناك أمر متعلق بدفنة يحزنك...كن صادقاً معي يا صغيري هل تشاجرتما ؟...أنت بمثابة سرادار يا عمر و رؤيتك بهذا الحال يؤلم قلبي...أرجوك يسرني أن تعتبرني في مكانة السيدة أمينة و تخبرني
صمت صمتاً طويل تلاه خروج شهقة خافتة و كأنه لم يكن راغباً في خروجها من الأصل
هناك أمر متعلق بدفنة يحزنه ؟ لا يوجد أمر متعلق بدفنة يحزنه...بل يحرقه حياً...يهشم عظامه...يجعل الأكسجين النافذ من رئتيه عبء ثقيل جداً عليه...الكلام عن دفنة أو حتى مجرد التفكير بها يذكره بعجزه الشديد و رعونته في حمايتها من جهة و من جهة أخرى يخاف عليها كما لم يخاف قط
هل هي بخير ؟...كيف تأكل ؟...و ماذا عن أدويتها ؟... هل يأذونها ؟ هل تطاول عليها أحد ؟ و إذا كان هو الحر الطليق قضى ليلته في قعر جهنم فكيف كانت ليلتها و هي حبيسة في مكان مجهول مع أناس لا يفقون في الرحمة شيئاً ؟ ماذا تشعر تجاهه الآن ؟
هل غاضبة منه ؟ هل تلومه على ما هي فيه ؟
أم أنها تشتاق إليه و تحتاجه مثلما يحدث معه؟
- أرجوك كفى...سأحترق
غمغم بصوت خافت محدثاً أفكار عقله المتصارعة و التي ستؤدي بحياته في أي لحظة إن لم تتوقف
و لكن الشئ الذي لم يكن السينيور على دراية به هو أن غمغمته كانت مسموعة للمرأة العجوز التي سرعان ما نهضت من على طاولة الطعام ممسكة بيده متوجهة نحو الأريكة
لتجلس و تجلسه بجانبها و من دون سابق إنذار أمتدت يدها لتضمه إليها بحنان أم تحتضن أطفالها الصغار
- أنت كإبني يا عمر...و أنا لا أحب رؤية أولادي تعساء...أفضي بما في داخلك فأنا أعرف تمام المعرفة أنك لست بخير إطلاقاً
ما بك يا عمر ؟ ماذا يُخفي صمتك هذا ؟
كلما ذكرت أسم دفنة أرى الدموع تتجمع في عينيك و يختنق صوتك...كما أنني عندما صعدت إليك ليلاً لأراك رأيت أثار الدموع في عينيك و على الوسادة... ما الذي حدث بينك وبين دفنة...؟ فحتى إذا أقسمت لي فلن أصدق أن العشاق تشاجروا... إذاً ماذا حدث ؟
لقد كنت تمتم بأسمها طوال الليل حقاً أخفتني
و قد كانت كلمات توركان تريحه حقاً و تشجعه على الكلام و إحتياجه الشديد لمن يقف في صفه يمنعه من الصمت فخرجت شهقاته المختنقة تباعاً و بعدها نطق أخيراً
- دفنة...لقد إختطفت...أخذوها مني في لحظة...لقد ذهبت لمقابلة إيسو البارحة صباحاً و بعدما خرجت من المقهى...إختطفوها
إزدادت حدة شهقاته و إزدادت قوة إحتضانها له و بدأت هي الأخرى في البكاء المكتوم
- ماذا تقول ؟ كيف ؟...إبنتي...يا إلهي ما الذي تعيشه الآن...؟ من الذي إختطفها ؟ و لما ؟ ستعيدها إليّ أليس كذلك ؟
سألت و سألت و سألت و لم تعرف التوقف عن الأسئلة الأشبه بالهذيان ولا عن البكاء الذي تزداد حدته مع كل لحظة تمر و بالرغم من هذا لم تتوقف يدها عن المسح على شعر شاه السمر برفق و كأنها تواسيه
- سأعيدها أقسم لكِ...
إبتعد عن أحضانها الدافئة و رفع شفتيه مقبلاً رأسها مودعاً إياها قبل أن يستجمع قواه و يبدأ في النهوض و الترجل إلى الباب قبل أن تستوقفه توركان متمسكة بذراعه بلطف لتديره إليها و تعانقه بهدوء
- Herşey iyi olacak..
- كل شيء سيكون بخير ..."
إيماءة بسيطة متززعة الثقة كانت إجابة السينيور على تلك الجملة التشجيعية و بادل الجدة العناق بهدوء و من ثم تحرك إلى خارج المنزل إلا أن توركان أوقفته مجدداً و هي تسأله بصوتها الحزين الخائف
- ستعيدها يا عمر أليس كذلك ؟
سمع سؤالها فعاد أدارجه حيثما تقف و قبل ظهر يدها بإبتسامة هادئة ممزوجة بالثقة المستمدة من اللامكان
- سأعيدها أعدكِ بهذا خالتي توركان
و كانت تلك الجملة نهاية لقائهما حيث عادت توركان إلى منزلها و إتجه السينيور إلى باسونيس متمنياً أن تختطفه مهام عمله من أفكاره المتألمة الخائفة و مشاعره المحطمة
........................................................................

أميري  العاشق.  Where stories live. Discover now