القشّة الثانِية

6.9K 786 509
                                    

𓆩𔓘𓆪


"قُندس

همهمتُ لَه فِي شُرود وَ نظرِي رهِينة للفرَاغ، بينمَا لِيو توقَّف عَن الجرِي فِي شكلِ حلقَة ليعودَ بأدراجِه نحوِي يلتقطُ أنفاسَه بجانبِي بصعوبَة. 

لكننِي جَفلت حالمَا أدارنِي نحوَه لأطرفَ بعينَاي فِي ارتِباك 

"مَا الذِي يحدُث معكِ بجدِّية؟" 

"ماذَا تقصِد؟ تتحدَّث وَ كأننِي لستُ طبيعيَّة اليومَ يَا هَارت"

"حسنًا أنتِ قلتِها بنفسِك! أينَ ذهنكِ هذَا اليَوم؟ وَ حتَّى الأَمس خلالَ العشَاء، الجمِيع لاحظَ شرودكِ وَ أنكِ بالكادِ قَد مسستِي طبقكِ وَ تناولتِي بضعَ لقيمَات. كانَ الأمرُ صعبًا علَي لكونِي لَا أستطِيع إكمالَ طبقكِ!" 

تبسمتُ فِي غيرِ تصدِيق لمدَى ولعِه بالطَّعام، لكنَّه محِق.. 

وَ كلُّه بسببِ آيدِن، كالعادَة.. 

قبضتُ علَى أطرافِ المقعدِ الخشبِي آخذُ نفسًا عميقًا. أحتاجُ لإسكاتِ الضجيجِ الذِي يزلزلُ دواخلِي 

"هَارت، هَل.. يوجدُ لآيدِن أَخ؟" 

ترقبتُ ملامِحه فِي لهفَة، وَ قَد اهتَزت حدقتَيه المحيطِية ليتوقَّف عَن تجرعِ الشرَاب، حيثُ وضعهَا بجانبِه يبللُ حلقَه.

"مِن أينَ لكِ بهذَا؟" 

"عمُّكَ مَن ذكرَه أمامِي، قالَ لِي أنّ لآيدِن شقيقٌ أكبَر، وهُو يكونُ.."

"هايدِن"

ل لَم أتوقَّع أَن يكونَ صريحًا معِي تجاهَ هذَا! ملامِحه قَد تصلَّبت وَ هُو يتلمَّس رأسَ القارورَة بأنامِل مرتجفَة. 

لماذَا ذِكر هايدِن قَد أربكَه؟ 

قضمهُ لشفتَيه بتلكَ الطريقَة، إدخالُه للهواءِ لصدرِه فِي عُمق وَ زفيرُه المنهَك. 

"يبدُو أنَّ آيدِن قَد جمَع مَا لدَيه مِن الحصَّى الأسوَد وَ ألقَى بِهم جميعًا فِي بحيرةٍ مَّا، لِذا لَم يعُد بإمكانكِ الحصولُ علَى واحدَة حتَّى" 

هَل يشيرُ للحصَى بالأسرَار؟ أهذَا يعنِي أنَّ آيدِن لَا ينوِي إخبارِي أبدًا عَن مكنونِه؟ ليسَ وَ كأنَّه سيفعَل.. 

آيدِن مثلَ منزلٍ مهجُور، خالٍ مِن الأبوابِ وَ النوافِذ، وَ العفَن قَد بقيَ عالقًا فِي الداخِل وَ لَا منفذَ لَه للخرُوج. 

لكِن لِيو مِن السهلِ الحدِيث مَعه، علَى عكسِ البقيَّة، حَيث تقاسمتُ مَعه فطيرَة بعدمَا أخرجتهَا مِن المندِيل، لأنبِس بنبرَة لَا توحِي لَه مدَى فضولِي 

"إِن كانَ لآيدِن أَخ، فلماذَا هُو ليسَ معكُم؟" 

لَا أريدُه أَن يظُن أننِي أحاوِل التنبيشَ فِي دفاترِهم القديمَة، بينمَا هذَا مَّا أفعلهُ فِي الحقيقَة.. 

أتاراكسياWhere stories live. Discover now