خلفَ قضبانهمَا

24.5K 1.5K 4.1K
                                    

𓆩𔓘𓆪

كلُّ شيءٍ قَد تجمّد مِن حولِي.
أغصَان الأشجَار توقّفت عَن التّراقص، والطُّيور مَا عادَت تحلِّق فِي عرضِ السّماء.
لَم يعُد البقيّة يتحدّثون خارجَ الغرفَة ولَا رائحَة الطّعام تصِل إلَي.

كلُّ شيءٍ قَد توقّف عندَ اللحظَة التِي وضعتُ فيهَا أحجارِي جانبًا معلنَة رغبتِي فِي إيقافِ اللعبَة. أطالِع حدقتَي آيدِن اللتَان اختارتَا الثّبات أمامَ عينَاي دونَ أن تلوذَا بالفِرار.

وقَد حافظتُ علَى جعلِ ملامحِي حيادِية كَي لَا أجعلهُ يتماشَى مَع الوجهِ الذِي أظهِره لَه، أن يظُن أننِي مُستاءة فيُلبِّي استيائِي، أو يَظن أننِي غيرُ منزعجَة فينجرِف وراءَ تبلُّدي.

لكننِي استسلَمت..
لَم أعُد أرِيد دورَ المُحقق هذَا، إذ ألقيتُ بنصوصِي علَى الأرض أنتظِر مِنه أن يختصِر بقيةَ الصّفحات علَي قبلَ أن أستقِيل، أن يخبرنِي بالخُلاصة ويمنحنِي الدّور الحقيقِي الذِي كنتُ أؤدِّيه منذُ البدايَة بالنّص الذِي كتبَه بحبرِه الشفّاف غيرِ المَرئي.

غيرَ أنّ شفتَيه لَا تزالَان تحتَ إمرَته، وكأنّه لَم يكُن جاهزًا لهذَا المشهَد الذِي خرجَ عَن النّص ولَا يوجُد حِوارٌ احتياطِي فِي صفحاتِه.
لكنّه اختارَ حجبَ عينَيه اللّتان تعكِسان صورتَه الحقيقيّة دونَ تكسُّرات بإسدالِ ستائرِه كمَا الضّباب الأسوَد، ليصبِح الأمر أكثرَ تشوشًا بالنِّسبة لِي.

أنَا لَا أريدُه أن يخرسنِي برسمِ مزيدٍ مِن الخربشاتِ علَى نفسِه، أريدُه أن يمحِي بعضهَا علَى الأقَل لأنّ ممحاتِي قَد تقلّصت حدّ الإختفَاء وأنَا أحاوِل مسحَ تلكَ الخطُوط العوجَاء مِن علَيه..

لكننِي تَوجَّست لإقترابِه منِّي بخطواتٍ بطيئَة ولَا ملامِح تتضِّح علَى وجهِه، وقَد انتبَهت ليدِه التِي تسلَّلت نحوَ خاصرتِه مُخرجة مُسدَّسه الذِي لمعَ تحتَ أشعَة الشّمس السّاطعة مِن خلفِي، ولَم أكَد أستوعِب فعلتَه حتّى اتّسعت حدقتَاي لفوَّهته التِي إلتصَقت بجبينِي جاعلةً مِن أوصالِي تتصلّب كحالِ لسانِي.

م مَا خطبُ تلكَ الهالَة التِي تحيطُه؟
هَل قلتُ شيئًا كانَ ينبغِي علَي إبقاءُه فِي الدّاخل؟

أم أنّه يحاوِل إخافتِي فَحسب؟

"أجيبينِي، ماذَا تعتقدِين أننِي سأفعَل الآن؟ تفجِير رأسكِ الأحمَر الذِي يطرحُ أسئلَة خارِج حدودِ إطارِك، أم العودَة للورَاء؟"
رطّبت حلقِي لجفاءِ نبرتِه ولسانِي يرفضُ الحدِيث، أهُو غاضِب لكونِي عرفتُ بمَا حاولَ حجبَه عنِّي منذُ البدايَة؟
أم أنّه منزعِج لسببٍ آخَر أجهلُه؟

ربمَا ليسَ لِي سِوى مسايرتُه بدلًا مِن التّراجع كالعادَة، إذ أبقيتُ رأسِي مرفوعًا نحوَه وحدقتَاي تحاولانِ البَحث عَن خاصتَيه، لأنبِس بنبرَة ثابتَة لَا تكشفُ لَه عَن اضطراباتِي
"لَا أعلَم، كلّما ظَننت أننِي أستطِيع الإجابَة عَنك فيمَا يخصُّك اضطرُّ دومًا لمسحِها حتّى اهترَأت الصفحَة. لكِن مَا أعلمُه جيدًا هُو أنّكَ لَن تقومَ بقتلِي"

أتاراكسياWhere stories live. Discover now