الفصل الثالث والأربعون

182 11 1
                                    

( بعد عدة أيام )

خرج من شقته يرتدي قبعة تخفي نصف وجهه تحسبًا لأي موقف ، فعلى الرغم من أن لا أحد يدرك هويته في العاصمة وعلى الرغم من أن تعامله مع من يحيطون به شبه منعدم إلا أنه لا يملك إلا اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة خاصةً بعد أن أدرك وجود ليث العامري في العاصمة .. !
ركب سيارته وغاص بأفكاره إلى الشهور الماضية التي مر معظمها وهو ساقط في غيبوبة تامة ليستفيق بعدها ثم يعلم أن والده قد أعلن وفاته ثم نقله إلى العاصمة بسرية تامة خوفًا عليه من جنون آل العامري ..
زفر بملامح مغلقة وهو يستعيد الفترة التي قضاها في المستشفى بعد استفاقته وهو الذي لم يتمكن من الحركة لفترة طويلة وظل حبيسًا للفراش والمقعد المتحرك إلى أن تمكن من السيطرة على جسده من جديد بالعلاج الطبيعي والتمارين واستطاع مغادرة المستشفى ليكتشف أن والده قد اشترى له شقة في العاصمة مقررًا دفنه هنا وابقاء خبر نجاته سرًا لا يعرف عنه سواهما
لكنه سأم ..
سأم إخفائه عن العالم
سأم بقاءه بمفرده
سأم حياة الاشباح التي يعيشها
وهذا ليس اليوم فقط ولكن منذ أن أدرك مصيرها ..
منذ أن توصل لما أراد فعلم أن أهلها زوجوها لقريبها المتزوج والقوا بها في العاصمة فلم تعد منذ ما حدث إلى الوادي مرة أخرى .. !
خلع قبعته بغضب دفين وهو يستعيد ذلك اليوم حين استطاع رؤيتها من جديد ...
كانت أخرى غير التي اعتادها
تعبيراتها ، طريقة مشيها
حتى ملابسها كانت مختلفة 
لم تكن فضة العامري التي كانت تتبختر في مشيتها وكأن من خلقها لم يخلق لها مثيل !
وهنا أدرك فداحة فعلته بعد أن رأى نتيجتها بأم عينه
فأصبح شغله الشاغل هو تعويضها عن ما اقترف ..
ليت بإمكانه تطليقها من قريبها واستعادتها
ليت بإمكانه الاعتذار منها ورد اعتبارها بين الناس
ليت بإمكانه اخذها من بين براثن تلك العائلة التي تقيدها كحيوان حبيس فلا تخطو خطوة دون مرافق .. !
إن كان ليث أو بِشر أو أخيه الذي لم يتمكن من رؤية ملامحه بوضوح حتى الآن وهو الذي حُكم عليه بالنبذ فلم يعد بإمكانه سوى المراقبة من بعيد
لكن لا ..
لن يستسلم ويتركها لقمة سائغة لهم
سيعود إلى حياتها وهو على يقين من انها سترحب بتلك العودة لأنها ستحمل لها الخلاص ..
بلى ، عودته هي الطريق الوحيد لفضة حتى تتخلص من أسر عائلتها لها
وهو سيبذل الغالي والنفيس حتى يعوضها ويحررها مما تسبب لها فيه
لكن عليه اولًا أن يجد طريقة للوصول لها بمفردها
وإن كان على ليث فهو متأكد أنه لن يصدق فضة إن أخبرته أنها رأته أمامها ..
ففي شرع الجميع .. الموتى لا يعودون
لكنه عاد .... لأجلها فقط
لأجل تخليصها مما سقطت فيه بسببه
وبعدها سيجعلها زوجة له إلى نهاية العمر مثلما تمنى دائمًا
حلمه القديم الذي بذل كل ما بوسعه حتى يحققه لكنه فشل
لكن الآن لا مزيد من الفشل والاخفاق خاصةً وأن كل الظروف تصب في صالحه ..
فأصيل ابن عائلة مصباح لا تليق به إلا امرأة كفضة العامري .

ولما تلاقينا .. الجزء الثالث من سلسلة قلوب تحت المجهر Where stories live. Discover now