الفصل الثاني والثلاثون

202 14 1
                                    

( الوادي)

على أريكتها المفضلة كانت جالسة تريح ظهرها وهي تفرد ساقيها أمامها تشاهد فيلمًا قديمًا مثلما تفضل
تضع حبات العنب الاصفر في فمها وتمضغه بتلذذ جعل ابتسامة من عاد إلى المنزل باكرًا على غير عادته تتسع بحنان جم غمره فحرر أعصابه من حالة الاستنفار التي كانت مسيطرة عليه الفترة الأخيرة ..
كانت فاتنة كعادتها ورائقة المزاج على غير عادتها !
تبتسم بملامح ساكنة وهي تشاهد الفيلم وتضوي عينيها بسكينة انتقلت إليه تلقائيًا وكأن كل ما فيه متصل بها
كل قطعة فيه تسكن لسكونها وتتمزق لتوترها
تحرك ببطء قاصدًا أن لا يقاطع الصورة الجميلة التي اختفت عن حياتهما طوال الفترة الماضية وهي لاهية تمامًا في فيلمها ثم مال ووضع شفتيه على شعرها المفرود ورائها كليل بلا نهاية يلثمه بعشق فتاك غزاه ولن يتحرر منه أبدًا
شهقت غالية مجفلة فضم عزيز كتفيها إليه فأصبح رأسها يسكن صدره وهو لا يزال منحنيًا إليها يهدي خصلاتها الحبيبة قبلاته العاشقة دون نية في التوقف !
رفعت رأسها إليه بعد لحظات فنالت جبهتها قبلة دافئة تسللت إلى قلبها فأسكنته
ثم دلل عينيها الحبيبتين بالتتابع وهي مستسلمة له تمامًا بابتسامة ولهة وقلب يرجف من التأثر
جلس أمامها فاعتدلت ثم فتحت عينيها التي تضوي بعشقه دون غيره وهمست بصوت رقيق ناعم ككل ما فيها :
" لم أشعر بعودتك "
لمس عزيز وجنتها الناعمة ثم غمغم ممازحًا :
" كنتِ غارقة في فيلمك "
ليتبع بمناكفة وهو يلوي شفتيه بامتعاض مفتعل :
" فأنتِ تنسين نفسك عادةً أمام عمر الشريف "
ضحكت غالية بخجل ثم هزت كتفيها قائلة بمشاكسة مستترة :
" أنا لا أعلم لما لا تطيقه ، إنه رائع "
رفع عزيز حاجبًا شريرًا لها ثم سألها بتحفز مضحك :
" من الرائع .. أنا أم عمر الشريف ؟!! "
تعالت ضحكة غالية وهي تقرأ غيرته في نظراته ثم أجابته بلا تردد :
" لا مجال للمقارنة ، أنت ومن بعدك البقية "
ابتسم عزيز للحظة ثم عبس متمتمًا بتملك :
" أي بقية ؟! .. أنا ولا أحد من بعدي "
اتسعت ابتسامة غالية وظللها الحنان ثم وضعت كفها على وجنته وهمست بعشق :
" لا قبلك ولا بعدك يا قلب غالية "
توهجت عيناه ثم اقترب منها ينهل من شهدها فتهديه من روحها بلا قيود إلى أن ابتعد عنها لاهثًا ثم أسند جبينه على جبينها للحظات قبل أن يسألها بصوت خافت :
" ما سرك ؟!! "
فتحت غالية عينيها وقد فهمت مقصده فردت عليه بهمس خافت وابتسامة ساحرة :
" لقد حلمت به "
قطب عزيز بعدم فهم ثم سألها وهو يتأمل ملامحها المبتسمة :
" من هو ؟!! "
أمسكت بيده ثم وضعتها على بطنها المنتفخة وهي تتمتم بعينين تضويان بالألق :
" ابننا "
لتتبع بفرحة أبدلت حالها فجعلتها تثرثر بلا توقف :
" لقد رأيته يركض حولنا يا عزيز ثم هرول ناحيتي وقفز فوق ركبتي ثم مال يسند رأسه فوق صدري ، يا الله يا عزيز .. لا تتخيل شعوري في تلك اللحظة ، كأنني امتلكت الدنيا بما فيها .. أتدري .. إنه يملك عيناك وابتسامتك الدافئة ، رباه كم كان رائعًا .. ليتني أراه مرة أخرى "
اتسعت ابتسامة عزيز لفرحتها ثم قبّل وجنتها وهمس بخفوت :
" أقر الله عيننا برؤيته معافيًا يا غالية "
أمنت وراءه بابتسامة عريضة متأملة فعدل عزيز من جلسته وجاورها ثم سحبها إلى أحضانه يخبئ عنها ذلك الخوف العقيم الذي يسكنه لأجلها ..
إنه يموت ببطء ، يحتضر وروحه تُسحب منه في كل دقيقة تقربهما من موعد ولادتها
فهو لا يقوى على العيش دونها ولا يقوى على تحمل لحظة ألم واحدة تنال منها !
تمرغت غالية في صدره وحلمها يسيطر على كافة حواسها فتبتسم دون توقف وعزيز معها يمسح على رأسها بلا توقف يهديها كل ما تحتاج من استرخاء بينما هواجسه تمزقه من كل جانب بلا رحمة .
______________________

ولما تلاقينا .. الجزء الثالث من سلسلة قلوب تحت المجهر Where stories live. Discover now