الفصل الحادي والثلاثون

196 16 1
                                    

" I'm so In love with you queen "
وهنا الحركة الخفيفة في أعماقها تحولت لارتجاج
وهنا التفاعل داخلها انقلب لانفجار
وهنا أيضًا ايقنت فضة أن ( الشيء ) الذي تحرك داخلها ما هو إلا قلبها الذي سقط في فخ جديد
فخ مخيف ... بل مرعب !
شحب وجهها بالتدريج ثم نهضت من جلستها ببطء ذاهل ليس من اعترافه المباغت بل مما انتابها .. !
تلك اللكمة التي اصابتها فهزت كيانها كله دون ترتيب
وبدوره وقف آل يراقبها بنظرات فقدت مكرها وسخريتها المعتادين
حربها كانت شديدة الشفافية له ، يراها وكأنها حية أمامه
وهو ومنذ اللحظة الأولى أدرك أنه يؤثر بها بشكل ما لكن الآن ومع تلك التعابير التي ارتسمت على ملامحها تيقن أن ما يخصه داخل قلبها ليس بهين .. !
لمس آل الزجاج مرة أخرى من الأعلى إلى الأسفل وكأنه يمرر أصابعه على طول جسدها فأصابتها رجفة جعلتها تتراجع للوراء رغم المسافة التي تفصل بينهما بالفعل
" اذهب "
همست بها بأنفاس مرتجفة فكانت اول ما نطقت به وآخره .. !
التوت شفتي آل بابتسامة خفيفة ونظراته الزرقاء تشملها لدقيقة كاملة أخرى وكأنه يُشبع روحه منها فيتجدد نفس الشعور المخيف داخلها ..
نصف دقيقة باقية قبل رحيله هدر فيها بصوت مكتوم وكأنه يمارس أقصى درجات التحكم على نفسه :
" أريد لمسك "
تتراجع فضة أكثر وترتج دواخلها أكثر وأكثر فيشير لها أن لا تخاف
سقط عنها قناع شجاعتها الزائف وسقط عنه قناع سخريته وبروده
كان يبدو وكأنه اللقاء الأول لفضة وعلي وما هو في الحقيقة إلا اللقاء الأخير !
ودقيقة أخرى تمر ..
" اعتني بليندا وفيدا "
وصمت آخر ثم همسة أخيرة في آخر نصف دقيقة قبل الفراق :
" تذكري دائمًا انني هزمته لأجلك "
ليغادر آل أو علي بخطوات مشدودة وكأنه ينزع نفسه بالقوة عنها تاركًا إياها قابعة تحت وطأة جملته الاخيرة ..
أكانت نصف دقيقة أخيرة !
بل كانت ثلاثون ثانية من السحر .
_____________

( اليوم التالي )
جلس سيف على مائدة الإفطار ينظر إلى الحزب النسائي الذي تشكل في منزله بنظرات نارية
إذ كانت أمه وزوجة خاله يجلسن أمامه من الناحية الأخرى وقد وضعن صفية بينهن في المنتصف وثلاثتهن يبادلونه النظر بتعابير مختلفة .. !
فزوجة خاله تناظره بندية ووعيد دون أن تكلف خاطرها بمواراة ما أتت لأجله ..
بينما كانت نظرات أمه هادئة للغاية كعادتها لكنها عبرت عن انضمامها للحزب النسائي باتباعها لكل أوامر الرأس المدبر المتمثل في حماته الغالية !
وبينهما صفية ..
وألف آه من عيني صفية !
عيناها خلعت عنها رداء الوهن الذي رافقها طوال الفترة الماضية واكتست برداء آخر شامت فيه ، يعده بالهلاك وهو بالأساس هالك في عشقها دون شيء
تركها سيف تستمتع بما تظنه انتصار عليه إذ أن جميلته الحمقاء لا تدرك أنه أقسم على نفسه منذ أن سمع صوت بكائها ليلة الزفاف أن لا يؤذيها مرة أخرى ولا يفرض عليها أي شيء وإن كان المقابل أن يتعفن هو في جحيمه !
فتلك الليلة أدرك سيف إلى أي نقطة تمادى ، إلى أي حد تجبر
تلك الليلة التي كان من المفترض أن تكون ليلة تكليل عشقهما على مر أعوام
تلك الليلة التي انتظرها لسنوات بطول عمره ليجتمع بمن عشقها في حلم جميل لا يضم سواهما تحولت إلى كابوس مريع في اللحظة التي وصلته فيها شهقات بكاء صفية !
عروس خياله وواقعه ، المرأة الوحيدة التي تمناها طوال عمره كانت تبكي بحرقة ليلة زفافها عليه فكان ذلك ابشع شعور مر به على الإطلاق ..
كانت لكمة في منتصف قلبه افاقته وجعلته يدرك اي حقير هو 
لذلك أقسم يومها أن يتركها تحيا كما ترغب داخل بيته
أقسم أن يسدد ديونه كاملة دون نقصان
لن يفرض عليها شيئًا ولن يمسها إلا إذا أرادت !
اقسم أن يبذل الغالي والنفيس في سبيل استعادة ضحكة عينيها وخطط للكثير والكثير طوال الليل لكن مع ساعات الصباح الأولى كل خططه ضُربت في مقتل بظهور حماته التي تحولت إلى تنين مجنح يصول ويجول في قلب بيته نافثًا اللهب في كل مكان !
" هل ستعود إلى عملك اليوم ؟!! "
كسر سؤال والدته الأجواء المشحونة فأجابها سيف وهو يرتشف قهوته :
" سأذهب لساعتين انهي بعض الأمور العالقة واعود "
" خسارة ، جلستك بيننا لا تعوض يا غالي "
همهمت بها أزهار بكيد فعقب سيف باستفزاز هو جزء من تكوينه :
" عائد لكِ يا غالية "
لينظر بعدها إلى صفية التي تتجاهل وجوده تمامًا ثم يسألها بصوت يكاد يكون مستجدي :
" هل تحتاجين إلى شيء ؟!! "
" لا "
ونبرتها الجافة الجامدة أجبرته على التراجع في الحال فنهض سيف ثم صعد الى غرفته ليبدل ملابسه بينما أخرجت أزهار هاتفها ثم بعثت رسالة لأحدهم بملامح تحمل من كيد النساء الكثير فسألتها صفية بخفوت في الوقت الذي ذهبت فيه عمتها لتطمئن على زوجها :
" مع من تتراسلين يا أماه ؟!! "
اجابتها أزهار وهي منهمكة فيما تفعله :
" هذا محمود ابن خالك "
قطبت صفية بتعجب ثم قالت بصوت خافت :
" وما الذي يجمعك بمحمود ؟!! "
رفعت أزهار عيناها عن الهاتف ثم نظرت إلى صفية بطريقة أكدت لها أن والدتها لا تنوي على خير لترد على سؤالها بابتسامة مريبة :
" لم يكن هناك ما يجمعنا فيما مضى ، لكن الآن يجمعنا الكثير "
" احترسي يا امي ، محمود طرقه ملتوية "
همهمت بها صفية بقلب خافق فاتسعت ابتسامة أزهار ثم قالت :
" وهذا جل ما اريد "
كادت صفية أن تسألها عن ما تنوي لكن أوقفها نزول سيف الذي توقف ينظر لها للحظات ثم تنهد وغادر بصمت كئيب ليرتفع حاجبيها حينما نهضت والدتها بدورها معلنة خروجها لقضاء بعض المصالح فيما تؤكد عليها :
" سأخرج لساعة واحدة واعود ، لا تجيبي اتصالاته ولا رسائله وظلِ جالسة هنا إذا عاد .. اياكِ تدعيه ينفرد بكِ يا صفية مفهوم ؟! "
" حاضر يا امي "
همهمت بها بصوت مهموم فهي لا تطيق أن تظل جاهلة بما يدور !
حين لاحظت أزهار ضيقها ربتت عليها وقالت باسترضاء :
" سأشاركك كل شيء حينما اعود ، لا تحزني "
اومأت لها صفية بصمت ثم راقبت مغادرتها بعينين مشبعتين بالفضول .

_____________

مستلقية فوق فراشها تقرأ رسالة وداع توأمها بوهن لم تتخيل أبدًا أن يتمكن منها ..
لا تعلم ما الذي ألم بها فجعلها مكومة بتلك الطريقة بلا حول ولا قوة
منذ متى وهي تُهزم ؟!!
منذ متى وعواصف الحياة تنال منها فتحولها لذلك الكائن الضعيف الذي لطالما حاربت حتى لا تكونه ؟!
عائلتها التفت حولها ولكن هناك ثقب داخلها لا يملأه حضور أحد
الكل هنا وهي بمفردها تمامًا ، قلبها منتفخ كبالون على وشك الانفجار !
لطالما كانت العلة في روحك يا فداء فما الذي جد ؟!!
حتى عودة شقيقك التي لطالما ظننتِ انها ستضبط ميزان حياتك لم تغير بكِ الكثير
أسقطت الهاتف بعينين مشبعتين بالألم وتنهدت بوجع يسكن قلبها ثم أغمضت عينيها تحاول النوم دون فائدة ..
الألم الجسدي لم يعد بنفس قوة الايام الأولى من الجراحة ومع ذلك هناك حاجز يحول بينها وبين الراحة !
حاجز تدرك ماهيته جيدًا
حاجز عايشته مرة وهي صغيره حينما ركضت وراء والدتها لأيام وايام تستجديها مجرد نظرة ..!
مجرد نظرة واحدة تطمئن قلبها وتخبرها أنها تراها ، تلاحظ وجودها
لا تزال تلك الليلة التي فشلت فيهم مساعيهم للعثور على شقيقها تسكن عقلها ولا تفارقه
ليلة كانت فيها مريضة وتجلس على ساقيّ والدتها تنتظر مع الجميع خبر عودة شقيقها لكن ما أتاهم كان خبر بفشل جديد في العثور عليه
ولأن الآمال كانت فوق السحاب سقطوا جميعًا دفعة واحدة وهي معهم حينما ازاحتها والدتها بعنف وهي تصرخ فيهم جميعًا بانهيار ثم ركضت واختفت وراء باب غرفتها لأيام طويلة لم تسأل فيها عن أحد
ورغم أنها نضجت وادركت أن ما كانت تمر به والدتها فوق احتمال اي شخص إلا أنها لا تعلم لما تركت تلك الليلة هذه الندبة داخلها حتى هذه اللحظة .. !
ربما لأنها توسلت والدتها القرب وخذلتها
ربما لأنها كانت مريضة ولم تجدها حولها وتركت كامل مسؤوليتها على بِشر الذي كان بدوره مراهق متمرد بحاجة إلى من يعتني به !
ذلك الموقف هشم فيها الكثير فابدل فيها الكثير
جعلها تقسم أن تعيش من أجل فداء فقط
حتى ظهر هو وقلب كل المقاييس ..
جعلها تستجدي الحب بصمت
جعلها تنتظر وهو لاه عنها تمامًا
هي لا تلومه لأنه لم يدرك وجودها لأن ذلك ليس منطقيًا من الأساس ولكنها تلوم نفسها التي انتظرته رغم كل ما حدث
تلوم قلبها الذي ظل متعلقًا وهو مرتبط بأخرى
تلوم لسانها الذي فاض بخبيئتها فخانها واوقع بها معريًا إياها أمامه بتلك الطريقة المخزية .
وكأنه على موعد مع ذكره إذ رن هاتفها برقم غريب لكنها شعرت أنه صاحبه .. !
لذا تجاهلت المكالمة مرة واثنان وثلاث
ومع كل رنين قلبها ينتفض ، يرتجف ويخاف !
يخاف الضعف ولكنها له بالمرصاد
لقد اراقت كرامتها بما يكفي وهو كأي رجل سيتقبل ما وُضع أمامه ثم يزهده لأنه بلا ثمن .
توقف الرنين وعم الصمت للحظات ثم جاءها صوت وصول رسالة فتنهدت بعجز ثم قرأتها بعينين جامدتين وكما توقعت كان هو ....
( ربما ليس من حقي أن ألح في اتصالي بكِ لكنني لا املك الا ان أفعل .. ردي مرة واحدة وإن لم تنطقي بحرف ، يكفيني أن أسمع صوت انفاسك فأدرك انكِ بخير )
ارتفع حاجبيها من حميمية الرسالة لتصلها أخرى في نفس اللحظة ..
( على اي شيء تعاقبينني يا فداء ؟؟! .. ما الذي حدث لكل هذا ؟!! .. هل كان تعبيرك عن مشاعرك ثقيلًا عليكِ لهذه الدرجة ؟! )
دقيقة ووصلتها رسالة أخرى وكأنه لا يكتفي ..
( هل لديكِ فكرة عن ما أعانيه منذ ما حدث ؟! .. انا أكاد أجن للوصول إليكِ دون نتيجة ، حتى إنني تشاجرت مع شقيقك حين منعني من رؤيتك .. أعلم أنني لا أملك الحق بعد لكن والله كل ما رغبت به وقتها والآن هو الاطمئنان عليكِ فقط لذا ارجوكِ ردي علي هاتفك )
لما تشعر إلا بدموعها تبلل وجنتيها بينما رن الهاتف من جديد فظلت تستمع إلى رنينه بروح مختنقة وصمت حزين .


كان ادم في ذلك الوقت يجلس في غرفة الضيوف في منزل جده بكتفين متهدلين ..
يحاول الوصول إليها مرة وراء مرة وراء اخرى بلا نتيجة الى ان ألقى الهاتف بغضب ما بعده غضب وهو يكاد يشد شعره مما يعانيه منها !
فهو لا يدرك في أي شيء أخطأ بالضبط ولا ما الذي فعله فجعله يستحق عقابها ؟!
اجفل حين فتح بكر الباب والذي ما أن رأى حالته حتى سأله بتهكم واضح :
" ماذا أفسدت من جديد يا صاحب الندامة ؟!! "
غمغم ادم من بين أسنانه بغضب سيطر عليه :
" انا لا ينقصني ظرافتك الآن "
جلس بكر أمامه ثم رمقه بتفحص سريع ثم كرر سؤاله لكن بنبرة جدية :
" ماذا حدث ؟!! "
زفر آدم باختناق ثم تمتم بعجز واضح :
" فداء مريضة للغاية ولا استطيع الوصول إليها بأي شكل "
قطب بكر قليلًا وانتظره أن يكمل لكن صمت ادم المطبق جعله يحثه قائلًا :
" على حسب علمي العلاقة بينكما كانت جيدة الفترة الماضية ، ما الذي جد ؟! "
لم يرغب ادم أن يشارك أحد اعتراف فداء بمشاعرها نحوه فتمتم بمواربة وهو يتفادى نظرات بكر الثاقبة :
" لقد حدث موقف ما بيننا جعلها تفر مني ثم مرضت بعدها وأجرت جراحة زائدة دودية بعدها بأيام قليلة "
جنح تفكير بكر لمكان آخر تمامًا فسأله بعينين متسعتين :
" موقف جعلها تفر منك ! .. هل قبلتها ؟!! "
ذُهل ادم من تفكير صاحبه فهدر فيه بخفوت :
" ما هذا الهذي ؟! .. بربك هل سأتصرف معها بتلك الدناءة ؟؟! "
ومرة أخرى عبس بكر ثم سأله بصوت غير واثق :
" اذاً ماذا ارتكبت ففقعت للفتاة مرارتها ؟!! "
بدوره عبس آدم بغضب ثم نهض يدافع عن نفسه بعصبية :
" انا لم افعل لها شيئًا ثم إنها الزائدة وليست المرارة "
لوح بكر بكفه وعقب دون اهتمام :
" لا تفرق كثيرًا ، لقد فقعت زائدتها "
اشهر ادم قبضته في وجه ذاك المستفز ثم تمتم بغضب حقيقي :
" قسمًا بالله سأفقع عينك إذا لم تحدثني بجدية "
تراجع بكر ورفع كفيه باستسلام زائف ثم شده واجلسه امامه من جديد قائلًا بنبرة باترة :
" اذا اردت رأيي اذهب واطلب يدها من بِشر "
رمقه ادم للحظات ثم همهم باستفاضة :
" لقد كدت افعلها في المستشفى بعد أن تشاجرت مع شقيقها الآخر لكنني شعرت أن الوقت ليس مناسبًا لخطوة كتلك "
رفع بكر حاجبه ثم سأله بخفه :
" اي اخ هذا ؟!! .. أليست هي وبِشر فقط ؟! "
التوت شفتي ادم بامتعاض وهو يجيب بطريقة أمه حين تولول على حظها :
" قدري ونصيبي الذي خرج لي من بنك الحظ "
رمقه بكر بتعجب بينما استطرد الآخر بنفس الطريقة :
" لديها شقيق توأم كان يعيش في الخارج وعاد على حظي انا ، يا الله يا بكر إذا رأيته .. كتلة من الاستفزاز تمشي على قدمين ، يشبه رجال العصابات بنظراته الماكرة وأسلوبه الملتوي وتلك السيجارة التي تتدلى من طرف شفتيه "
" وما الذي جعلك تتشاجر مع السيد بوند ؟! "
سأله بكر بتهكم فأجاب بكل تلقائية :
" لأنه رفض ادخالي إليها "
" لا ، حقًا ! ... كيف يفعل ذلك بك ؟! "
همهم بها بكر ساخرًا قبل أن يسأله جدية تامة :
" هل انت متخلف يا آدم ؟! .. انا مستعد أن أدفع نصف عمري لأفهم كيف مررت من اختبارات الذكاء في الجامعة "
كاد ادم أن يشتمه لكن بكر سبقه وهدر فيه بشكل مفاجئ :
" هل انت مستوعب ما تقوله ؟!! .. تشاجرت مع اخ واكتسبت عداوته لأنك تريد رؤية أخته وانت رجل غريب عنهما معًا "
ومرة أخرى كاد آدم أن يتحدث لكن بكر منعه بسؤاله الغاضب :
" واين كان بِشر وسط كل هذا العته الذي كنت تتكرم به على مرأى ومسمع من الجميع ، كيف تركك تخرج سليمًا ولم يشق رأسك حتى الآن ؟!! "
تمتم ادم بدفاع :
" حضر في نهاية الحوار ثم انا أردت رؤيتها كطبيب "
لم يبالي بكر بما يهذي به ثم تمتم بتقريع :
" أنت لن ترتاح إلا وأنت تفضح نفسك وتفضحنا معك أمامها في وقت ما ، والله أنا لا أفهم كيف تدبرت أمرك حتى هذه اللحظة فلم تجعلها تلاحظ اي ابله أنت ! "
سبه آدم بسخط فتجاهله بكر من جديد وتمتم بضيق وقد انقلب مزاجه :
" خلاصة القول يا افندي يا محترم ، تحدث مع العم إمام ثم تحدث بعدها مع بِشر واطلب يدها منه ووقتها فقط ستستطيع تحديد موقفك المائع معها ، وحاول لوجه الله إصلاح ما فعلته مع شقيقها الآخر "
فكر ادم في حديث صاحبه ولم ينكر أنه جاء على هواه بينما نهض بكر وغادر بينما تمتماته تصل إلى آدم واضحة :
" عسى الله أن يصبرها على مصابها ، بلوة من بلايا الزمن أقسم بالله "

_______________

( هل أخبرك سرًا ؟!! ... أنا مغرم بكِ فِــضااا )
( أنا مغرم بكِ فِــضااا )
( أنا مغرم بكِ فِــضااا )

تحاول أن تنتزع نفسها قسرًا من ذلك الشعور غير المفسر الذي يسيطر عليها دون نتيجة تُذكر
أغمضت عيناها بعنف وكأنها تمحو صورته وهو يهمس بها في الظلمة
هزت رأسها بعصبية وكأنها تنفض تلك الذكرى المخيفة عن خاطرها ..
والنتيجة صفر !
لا يزال صوته يتردد على في المكان حولها فيجرفها وسط طوفان مخيف لا قبل لها بالسيطرة عليه
تنهدت فضة من جديد ومسحت وجهها بكفيها ثم حدقت في ملامحها المعكوسة أمامها في المرآة للحظات وكأنها تبحث عن شيء مجهول يسكنها ثم حسمت أمرها وارتدت حجابها استعدادًا للذهاب إلى موعدها مع الطبيبة الذي حددته لها حتى تؤهلها نفسيًا قبل الدوام الجامعي الذي سيبدأ أخيرًا ..
أجل ، عليها أن تفكر في ذلك الأمر وتنحي أي شيء آخر عن عقلها
عليها أن تكون في كامل استعدادها لخوض تلك التجربة التي كانت يومًا ما شيئًا تافهًا لا يُذكر لكنها الآن أصبحت تحتاج إلى تأهيل نفسي حتى تمر بها
ضحكت فضة بمرارة ثم أنهت ارتداء ملابسها وخرجت لتصطدم بوجود سميحة التي لا تزال تجلس مكانها في صالة المنزل بملامح مفطورة وكأنها عليلة ولا دواء لحالها .. !
فرحيل ابنها الذي لطالما انتظرت عودته بتلك الطريقة المفاجئة دمرت تماسكها المتبقي
فهو ودع بِشر وفداء على حسب ما تعلم بينما تجاهلها هي تمامًا مما أصابها في مقتل
رمقتها فضة للحظات وقد أثارت جلستها تلك شفقتها عليها فأخرجت هاتفها ثم خرجت من المنزل واتصلت ببِشر لتخبره بما تعانيه والدته رغم إدراكها أن لا أحد يستطيع إخراجها مما سقطت فيه هذه المرة ثم أنهت حديثها مع بِشر وبعدها ذكرته بموعدها مع الطبيبة لتركب بعدها السيارة التي جعلها ليث تحت إمرتها وأخبرت السائق عن وجهتها مسيطرة على عقلها الذي يكرر همسة مخيفة بقرار حاسم لا رجعة فيه .
________ 

( بعد وقت )

" أنتِ خائفة "
همهمت بها الطبيبة بإقرار فاضطربت مقلتي فضة للحظة قبل أن تتمالك نفسها وتعقب بصوت متزن :
" الأمر مربك ، أنا لا أتحرك في أي مكان عام منذ عام كامل تقريبًا .. لا أختلط بأحد إلا في أضيق الحدود .. حتى في المطعم لا أغادر المطبخ تقريبًا ولا أتعامل مع أحد
ظلت الطبيبة على صمتها بينما استطردت فضة بعد لحظات بصوت مرهق :
" والآن أعود للعالم الحقيقي بعد غياب طويل ، مكان مفتوح ضخم للغاية وأعداد ضخمة من الأشخاص وأنا لا أدري إذا كنت سأتمكن من الاختلاط بهم أم سيسطر عليّ رهابي وأتسبب لنفسي في فضيحة وانتكاسة لن أخرج منها أبدًا "
دونت الطبيبة شيئًا ما ثم قالت بعد لحظات بابتسامة مدركة :
" كل تلك الأمور تحدثنا عنها من قبل يا فضة وأظن أنكِ ستتخطين الأمر كما تخطيتِ أمر الانضمام للعمل بشكل مثير للإعجاب "
ومرة أخرى اضطربت مقلتي فضة خاصةً حينما اكملت الطبيبة بصوت حذر :
" وبمعرفتي القصيرة بكِ اظن هناك شيء آخر حدث جعلك بمثل هذا التوتر "
( أنا مغرم بكِ فِــضااا )
" لا "
خرج صوتها حادًا أكثر من اللازم وارتبكت جلستها فرمقتها الطبيبة بهدوء وصبر فزفرت فضة بضغط ثم همهمت بصوت معتدل وهي تتجنب النظر إلى الطبيبة :
" لا يوجد شيء آخر "
أومأت لها الطبيبة بتفهم فصمتت فضة لعدة دقائق لم تقاطعها فيهم الأخرى لتنهض فضة بعدها وتغمغم بصوت ضائق متوتر :
" أنا أريد المغادرة "
ابتسمت لها الطبيبة ثم اومأت قائلة بهدوء :
" حسنًا ، سأتصل بك للاطمئنان عليكِ بعد دوامك الأول في الجامعة وبعدها سنحدد موعد جلستنا الجديدة "
أومأت لها فضة بطاعة ثم غادرت بأعصاب منهكة ..
فما تتعامل معه هذه المرة أكبر من قدرتها على الاستيعاب
أكبر من قدرتها على التحمل
وأكبر بكثير من طاقة قلبها الذي مات في يوم أسود ولا تظن أن هناك سبيل لإحيائه  .
_________

" يا صباح الهناء يا عمتي "
التفتت أزهار بابتسامة واسعة تنظر إلى محمود الابن الأصغر لشقيقها بركات ثم ردت عليه وهو يجلس على المقعد المقابل لها :
" صباح الورد يا حبيب عمتك .. كيف حالك ؟! "
أشعل محمود تبغه ثم رد عليها :
" نحمد الله "
ثم أتبع باهتمام :
" ها .. ما الأمر الهام والسري الذي أحضرتني لأجله دون معرفة أحد ؟!! "
غمغمت أزهار باهتمام أمومي :
" أخبرني أنت أولًا .. كيف حال سعد معكم ؟!! "
ضحك محمود بخفة ثم جاوبها وهو ينفث دخانه بعيدًا عنها :
" عليكِ أن تري بنفسك ما يفعله به الحاج بركات يا أزهار .. أنه يُعيد برمجته حرفيًا "
تنهد أزهار بعجز ثم همهمت بصوت خفيض :
" أصلح الله حالك يا سعد "
أمن محمود ورائها ضاحكًا ثم طرق على الطاولة بخفة وهو يكرر :
" إذًا .. ما الأمر ؟!! "
ابتلعت أزهار ريقها ثم قالت بحذر :
" أريدك في خدمة "
عقب محمود بجلافة :
" أعلم يا أزهار .. مؤكد لم تجلبيني من لهفتك لرؤيتي "
ضربته على كفه ثم قالت مباشرة :
" أريدك أن تشتري ذمة أحدهم يا طويل اللسان "
ارتفع حاجبي محمود للحظة قبل أن يهمهم بعينين ضيقتين :
" لم أفهم "
زفرت أزهار ثم قالت باختصار :
" أريد منك أن تجند أي شخص في شركة الوهابي ليجلب لي كل الأخبار أولًا بأول "
رمقها محمود للحظات ثم تمتم بنبرة هادئة ذكرتها بوالده :
" هل ستؤذين زوج ابنتك في لقمة عيشه يا أزهار ؟!! "
اضطربت مقلتي أزهار ثم كادت أن تتحدث لكن محمود سبقها مغمغمًا بتقريع :
" على أي شيء ستعاقبينه يا عمتي ؟!! .. أليست صفية هي من ذهبت وتزوجت منه من ورائنا ؟! ... الأولى أن نعاقب ابنتنا بما أننا نبحث عن مذنب ندينه "
هتفت أزهار بغضب :
" لقد أجبرها على تلك الزيجة "
نفث محمود دخانه ثم عقب ساخرًا :
" حقًا ؟! .. هل ربطها في بيته وجلب المأذون ليكتب عليها عنوة ؟! "
" توقف عن السخرية يا ولد .. أنت تعلم مثل الجميع أنه هددها بسجن سعد "
ناطحها محمود قائلًا بتهكم :
" يمكن لأن سعد هو الرأس المدبر لفضيحة والده ؟! "
هدرت أزهار بعصبية :
" هذا لا يعني أن يغصب ابنتي على زيجة لا ترغب بها "
صمت محمود للحظة ينظر لها نظرة ذات مغزى ثم قال بعدها :
" على من تضحكين يا عمتي ؟! .. صفية لا ترغب إلا به منذ أن وعت على الدنيا ، وإن كان غصبها على الزيجة كما تقولين فالخطأ مشترك لأن الهانم ابنتك لم تستنجد بنا حين حاول إيقاعها في فخه "
" خلاصة القول يا محمود .. هل ستساعدني أم لا ؟!! "
هز محمود رأسه نفيًا ثم قال بخشونة :
" لا والله ، لا أؤذي رجلًا في رزقه أبدًا .. ليس هذا ما تربيت عليه يا عمتي "
وجمت ملامح أزهار ثم نهضت بعصبية فأمسك محمود بكفها وحثها على الجلوس فيما يقول بخبث :
" لكنك تستطيعين عقابه بطريقة أخرى يا عمتي "
نظرت له أزهار وقد لفت انتباهها فأجلسها محمود ثم أكمل حديثه :
" على حسب ما أعلم أنتِ تقيمين معه في منزل واحد الآن "
أومأت له أزهار بترقب فاستطرد :
" إذًا أحيلِ حياته جحيمًا .. هو الآن يظن نفسه عريسًا يا ولداه ومؤكد خيالاته قد وصلت لناطحات السحاب وأنتِ مهمتك تدمير تلك الخيالات للفترة المقبلة "
لوت أزهار شفتيها بامتعاض فهذه خطتها دون شيء بينما أكمل محمود بتحذير واضح وجدي :
" لكن لا تتمادي يا أزهار وتخربين بيت ابنتك بيدك ، أنتِ لن يرضيكِ أن يطلقها بسبب أفعالك .. وابتعدي عن عمله ، هذا لا يرضي الله يا أزهار "
نظرت له أزهار بحنق ظهر في كلماتها :
" ليتني ما استعنت بك ، هبطت عزيمتي بسببك يا ابن بركات "
ضحك محمود بتلقائية ثم قال :
" احمدي ربك انكِ استعنتِ بي ، لو كنتِ استعنتِ بماهر كان أحضر لكِ الحاج بركات في يده "
لوحت أزهار بغضب فنهض محمود فيما يقول بعقلانية قبل أن يغادر :
" ما سيحدث حدث وانتهى يا أزهار والنار اشتعلت بين ابنتك وزوجها دون شيء فلا داعي للمزيد من الحطب "
تنهدت أزهار بغم وقلبها يتمزق لفشل مساعيها في إقناع محمود ..
كيف يطلب منها أن تنسى الأمر ؟!!
هل سيمر ما فعله بهن مرور الكرام ؟!
قهر صفية وعجزها هي عن حمايتها وتهديدهن بتلك الطريقة
كل هذه التصرفات البشعة التي صدرت منه في حقهن كيف تتناساها بل وكيف ستنساها صفية ؟!
وضعت أزهار كفها على خدها للحظات وهي تعترف لنفسها أنه لم يعد بيدها إلا أن تكدر صفوه وحياته في المنزل حتى تجد حلًا آخر يرضيها ويرضي كرامتها ..
حتى وإن كان ذلك ليس الانتقام المثالي الذي خططت له إلا أنه يبعث في روحها بهجة خاصة لذا ستمضي فيه دون رجعة وستجعل ابن رفعت الوهابي يصرخ كالمجاذيب مما ستفعله به داخل أسوار منزله .

___________

( بعد عدة أيام )

دخل بِشر إلى منزل عائلته وهو يستغفر ربه من شعور النفور الذي يسيطر عليه ..
لقد أصبحت زيارته لهذا المنزل تصيبه بالكمد رغم أنه أمضى سنوات طويلة داخله !
لكن ما حيلته إذا كان هذا المنزل يلفظه بشكل أو بآخر في كل مرة يخطو إليه ؟!
لقد سأم الحضور إلى هنا وأصبح هناك ما يجثم فوق صدره عند مجرد تفكيره في الزيارة نفسها ولولا فداء لما أتى الآن من الأساس ..
زفر بضيق تملك منه ليتوقف مكانه حينما ظهرت والدته التي كانت ملامحها شديدة الإعياء فتسأله السؤال المتوقع :
" هل وصلت إلى مكان أخيك ؟!! "
رمقها بِشر بشفقة وكأنهما عادا بالسنوات إلى الوراء حينما كان الوصول إلى علي حلمًا مستحيلًا ثم هز رأسه نفيًا ليسألها بعدها بصوت مكتوم :
" هل أنتِ بخير ؟! "
نظرت له سميحة بتيه شديد دون أن ترد بشيء ثم أولته ظهرها واختفت من جديد
ظل بِشر واقفًا موضعه للحظات ينظر أرضًا بوجوم شديد ثم استغفر ربه من جديد وشد خطواته نحو غرفة فداء التي سقطت في موجة اكتئاب ومرض يزيدون شعوره بالفشل ..!
فهو فشل في كل اختبارات حياته
أول الأمر فشل في أن يحظى برضا والدته
ثم فشل في احتواء أخته الصغيرة
ليفشل بعدها في العثور على أخاه وحين رأف به القدر وعثر هو عليهم فشل في جمع شمل عائلته تحت سقف منزل واحد
والآن ها هو عاد إلى نقطة الصفر وعاد إلى بيتهم خائب ، خالي الوفاض .. لا يملك شيئًا ليقدمه بعد أن قدم كل ما يملك على مر أعوام وأعوام .
طرق بِشر على باب الغرفة ثم فتحها بحذر وقد رسم على وجهه ابتسامة كاذبة فيما يتمتم :
" السيد عبقرينو موجود ؟!! "
وكما توقع وجد فداء فوق فراشها لكنها ابتسمت له هذه المرة بوهن ثم عدلت من جلستها فيما تقول بخفوت :
" اشتقت لك يا بِشر"
ضربت جملتها البسيطة قلبه فتسارعت خطواته إليها ثم ضمها إليه وعقب :
" وأنا اشتقت لكِ أكثر بكثير يا حبيبتي .. كيف حالك الآن ؟!! "
هزت رأسها بخفة ثم جاوبته :
" الحمد لله على كل حال "
أبعدها بِشر عنه قليلًا ثم سألها مرة أخرى بوجه جاد :
" ماذا يحدث معك يا فداء ؟!! "
ابتعلت حجرًا مسننًا في حلقها ثم تهربت من عينيه وهي تجيب :
" ماذا بي ؟! .. أنا بخير "
" لا ، لستِ بخير أبدًا .. وبالمناسبة أنا ألاحظ ذلك من قبل تعبك وتعرضك للجراحة "
ظلت فداء على صمتها فكرر بِشر بإصرار :
" أخبريني فقط عن ما تعانين وبأمر الله سنجد حلًا "
" صدقني ليس بي شيء والله ، أنا فقط متعبة ورحيل علي بذلك الشكل المفاجئ قد أثر على أعصابي لا أكثر "
ظل بِشر ينظر لها بتمعن للحظات ثم قال دون مقدمات :
" اليوم جاءني خاطب لكِ "
سقط قلبها بين قدميها وشحب وجهها فتعجب بِشر ثم قال :
" بسم الله عليكِ .. ماذا بكِ ؟!! "
ابتعلت فداء ريقها ثم همست بخفوت :
" لا ، لا شيء .. لقد صدمت من سرعتك في تغيير موضوع حديثنا "
رمقها بِشر بعدم تصديق ثم قال :
" لم تخبرينني برأيك فيما قلت "
توترت حدقتي فداء ثم قالت بصوت مهتز :
" أنا لا أفكر في هذا الأمر حاليًا "
هز بِشر رأسه بتفهم ثم عقب :
" هذا ما توقعته رغم أن الرجل لا يُرفض بصراحة "
ظلت فداء على صمتها فسألها بِشر بنبرة حيادية :
" ألا ينتابك الفضول عن هويته ؟!! "
هزت كتفها بلا معنى فقال بِشر بعد لحظات من الصمت :
" دكتور آدم زين العابدين .. أستاذك "
ليراقب بعدها بِشر التغيرات التي طرأت عليها ببطء ...
فقد تشكلت ملامح الصدمة على وجهها ثم ضوت عينيها بلمعان غريب دام للحظة واحدة قبل أن ينطفئ كل شيء تمامًا وتهبط ملامحها بوجوم اقرب للبلادة ثم تهمس فداء بصوت كأنه يأتي من قاع بئر سحيق :
" لا يفرق كثيرًا ... أنا لست موافقة "

ولما تلاقينا .. الجزء الثالث من سلسلة قلوب تحت المجهر Where stories live. Discover now