الفصل الحادي والأربعون

187 14 2
                                    

لكل منا جحيمه الخاص
يتمثل له في أوجه عدة ..
ذكرى بائسة أو لحظة فراق
ذنب يجلده ، يقتات عليه كل ليلة
ربما منزل ، مدينة
أو شخص ..
شيطان انس تكتل فيه كل شيء فكان الجحيم بذاته .. !
عين وقحة نظرت لها فأصابتها بلعنتها لما بقي من عمرها
انفاس كريهة كتمت فوق صدرها في ليلة مشؤومة ولم تغادرها حتى اللحظة
نبرة ثقيلة اصمّت اسماعها ولمسات فاجرة دنستها
جميعهم هو ..
كلهم هو
اشباحها هو
هواجسها ومخاوفها هو ..
هو كل ذابحيها 
مغتصب روحها وجسدها وأملها وكيانها كله
سبب دمارها وموتها لمئات المرات كل ليلة
إنه قاتلها وما كانت بقاتلته .. !
فالشيطان لا يموت ، لا يُقتل
والدليل أمامها الآن ، يناظرها بنفس العين الوقحة التي اهلكتها دون جريرة
يتمعن فيها بكل جرأة
لم يكن شبحًا .. فالأشباح لا تدمع
ولم يكن خيالًا .. فالخيالات لا تنطق
يهمس اسمها بحنين فيصلها همسه كقذيفة من نار رغم أنها لم ترى سوى حركة شفتيه .. !
تتراجع دون هدى ، دون وعي
تتراجع وعيناها جاحظة مثبتة عليه فتتعثر وتكاد تسقط
تكاد فقط ..
فحاشاها أن تنهار أمامه مجددًا وان لم يكن وجوده حق !
وإن كان وجوده حق فهذا يعني أنها فشلت مرة في قتله وأن عليها تكرار الأمر مرة وألف حتى تنال ثأرها كاملًا ..
فهي الجنوبية الأبية ..
لن تنكسر لها هامة ولن يعصى عليها قتل حيوان اجرب يطالعها بحنين !
وعند هذه النقطة شرست نظرات فضة وأجبرت نفسها على الصمود بكل غلظة وعقلها يكرر عليها دون توقف أن ليث في الانحاء هذه المرة ..
شقيقها حولها ومن قبله ربها معها
وما عليها سوى التوكل والهاء ذاك الفاجر الذي لا يزال واقفًا أمامها حتى عودة ليث لينقضا سويًا عليه ويغرسا انيابهما به حتى تبرد نارهما .
لكن ليس كل ما تريده تناله ..
فالخسيس واعي رغم تأثره
يتراجع ببطء ونعومة كثعبان سام وعيناه تعدها بالعودة ..
سيعود لأجلِها
لا ، بل سيعود لأجلّه
تركته يغادر دون حرف وعيناها قد انفجر بركان قوتها من مكمنه ..
فلا مزيد من نظرات مهتزة ولا جاحظة
بل هي نظرات فضة العامري الذي أحياها بعودته للحياة
لقد أصابوا حينما ربطوا مصيرها بمصيره ..
فحين قتلته .. قُتلت معه
والآن تشعر بروحها القديمة ترتد في جسدها مرة أخرى
فضة المقدامة ، التي لا تترك ثأرها دون إكماله
فضة التي تراقب انصراف قاتلها بصمت وثبات لم تكن فضة القديمة تملكهم
فضة التي ستشعل نيران الحرب بيدها وسترمي كل من يعاديها بها ..
وحق الله لن تسقط هذه المرة وستجعله يتمنى الموت ولا يناله .
" فضة "
التفتت بملامح متحجرة على صوت ليث الذي دقق بها وبوقفتها ثم انتابه القلق فسألها وهو يتلفت في الانحاء :
" ماذا بكِ ؟!! .. لما تقفين هكذا ؟!! "
ظلت فضة على صمتها للحظات معدودة ثم خرج سؤالها كقصف مدوي :
" اذا أخبرتك أنني رأيت اصيل للتو هل ستصدقني ؟!! "
جحظت عينا ليث للحظة الاولى بصدمة عنيفة
فهو تخيل أنه هارب ، خائف
ولم يكن بحسبانه أن يكون فجره قد أوصله لأن يظهر لشقيقته علنًا !
" اين رأيته ؟!! "
يسألها ليث بنبرة مخيفة فلا تهتز فضة للحظة وتُعيد سؤالها بصيغة أخرى :
" إنه حي ... تصدقني ؟!! "
ترى السعير يندلع من بين نظرات شقيقها واجابته تخرج باترة :
" اصدقك "
ليتبع بعدها بنفس النبرة :
" لكنه لن يظل حيًا لفترة طويلة "
ضوت عينا فضة وكأن تصديق ليث لها يزيد من قوتها ويشحذها أكثر ثم أشارت للمكان الذي كان يقف فيه وقالت :
" لقد كان هنا بالضبط ، ينظر لي كما تنظر لي انت الآن "
" سأحسره على عينيه قبل قتله "
يتمتم بها ليث بوعيد فتضع فضة كفها فوق كف شقيقها وتهمهم بنبرة مشابهة وكأنهما روح واحدة انقسمت لجسدين :
" سنحسره على كل ما يملك قبل الفتك به "

ولما تلاقينا .. الجزء الثالث من سلسلة قلوب تحت المجهر Where stories live. Discover now