الفصل الأول

488 14 1
                                    

في ساحة بيت العامري الكبير اصطف الرجال يهنئون صاحب الدار بزيجته وملامح وجوههم تحمل الكثير والكثير من التساؤلات والترقب والحذر !
فكل شيء يخص تلك الزيجة غريب ..
بل كل ما يدور داخل جدران هذه الدار طوال الفترة الماضية غامض ومموه بل وأقرب للجنون !
إذ بدأ الأمر منذ زيجة فضة أصغر بناتهم ، تلك الخمرية التي كانت صاحبة العروس يومًا ما ..
تلك الصغيرة التي أعلنوا زواجها فجأة من قريب لهم يسكن العاصمة دون زفاف أو أي احتفال يُذكر .. !
بل تم الأمر في غصون يومين على الأكثر ..
اُعلنت الزيجة ثم تلاشت أخبار الفتاة تمامًا كأنها لم تسكن الوادي يومًا !
ضاقت عينا الحاج جاد الله وهو يحاول تحليل  الأمر وجمع الخيوط في رأسه عله يستوعب ما يدور ..
الصغيرة تزوجت في ظروف غامضة
والكبير أيضًا يفعل !
مهلًا ..
أليس من الغريب أن يدور الأمر وينتهي بين العائلتين .. العامري ومصباح !
فزواج الصغيرة تبع وفاة أصيل بوقت قصير للغاية إن لم يكن يوم أو يومين على الأكثر
وها هم الآن يعطون ليالي ابنة عائلة مصباح إلى ليث العامري دون زفاف أو مظاهر احتفال كما المتعارف !
معللين الأمر بحزن العائلة على وفاة فقيدها ..
إذًا لما يتممون الزيجة من الأساس ؟!!
تطلع الرجل ناحية والد العروس وسؤال جديد يضرب عقله ..
هل هناك أب عاقل يزوج ابنته قبل مرور عام على الأقل على وفاة ولده ؟!!
الأمور متشابكة وتصبح أكثر غموضًا مع الوقت كدائرة مغلقة تبدأ وتنتهي عند اسمين ..
فضة وأصيل !
أصيل الذي أُعلنت وفاته في حادث مفاجئ تكتمت عائلته عن ملابساته واكتفوا بإعلان الحداد على فقيدهم .
وقعت عينا جاد الله على ظهر ولده الذي يقف جوار ليث العامري كعادته فتهكمت ملامحه وهو يفكر في أن ابنه الموقر لن يروي فضوله عن الأمر مهما سأله ..
فهو الصديق الأمين على أسرار ليث صاحبه ولن يبالي أبدًا بترك والده يتلوى هكذا من الفضول .
لكن هل يدرك عزيز حقًا حقيقة الأمر أم أن ابن العامري أصبح صندوق أسود مغلق على أسراره ؟!!
تجهم وجهه بعدم رضا ثم تحركت خطواته نحو ولده الذي كان يقف مسمرًا جوار صديقه العريس بينما رأسه مرتفعة لأعلى حيث النساء أو بالأحرى حيث امرأة واحدة دون سواها ... غالية العامري !

____

قبل ثانيتين تحديداً وجوار ليث كان يقف عزيز داعمًا له في قراره رغم عدم فهمه للكثير ..
لما يتزوج ليث بهذا الشكل المفاجئ ؟!!
وكيف وافقت عائلة مصباح على الأمر ولم يمر الكثير على وفاة أصيل ؟!!
والأهم .. لما لا يبدو على صاحبه أي ملامح بهجة أو حتى قبول ؟!!
بل إن ملامحه صلبة صامتة وكأنها قدت من حجر ولسانه لا ينفك عن ترديد الردود على المباركات بآلية مزعجة .. !
ترى ما الذي يدور معك يا ليث ؟!!
وحتى رجال عائلة مصباح لا تختلف ملامحهم عن ملامح صديقه كثيرًا رغم أنهم يحاولون تدارك الأمر ببعض الابتسامات الزائفة ليعود السؤال ويضج مضجعه عما يحدث ..
أو بالأحرى عن ما حدث فكانت تلك الزيجة إحدى تبعاته !
تنهد عزيز بملل ثم رفع رأسه لأعلى بغتة فوقعت عيناه عليها تتابع ما يحدث من النافذة بملامح ساكنة لا تنم عن شيء فتخبرت الضوضاء الشديدة من حوله تمامًا وتلاشت كل أسئلته بل تلاشى كل ما يحيط به وبقيت هي ..
كبدر زين سماء روحه فأنارها دون سابق إنذار !
كنجمة رائعة جذبت كل حواسه إليها
توقف الوقت حوله وعدت نبضات قلبه كأنه في سباق وهي غايته ..!
رأسه مرفوعة لأعلى كروحه التي تحلق الآن في الأفق بعد أن تعطرت بطّلة عابرة منها ..
عيناه رغمًا عنه تمردت عليه وعلى تقاليده وأطالت النظر إلى حُسنها الذي فتن قلبه وسلب لبه منذ أن كان فتيًا لا يفقه في أبجديات العشق شيئًا ..
غالية .. الغالية
بل الأغلى !
تمعنت عيناه فيها يتأملها كلوحة نادرة ..
جميلة جدًا ..
وقلبه هوى ببطء شديد جدًا ..
وروحه ..
روحه سُحبت منه بخفة الريشة حين التقت عيناها بعينيه على حين غفلة فارتج قلبه بين جنباته وابتلع ريقه بتوتر وعلى غير عادته لم يُشيح بعينيه عنها وكأنه في حضرة فاتنة من عصر سحيق أتت لتُدير رأسه ..!
كساحرة ألقت عليه تعويذتها ..
كسلطانة أسطورية تطل بكرم على رعاياها ..
ارتج قلبه مرة أخرى بل ارتج عالمه كله فقط حين انتبهت له فتوردت بخجل أثمله ثم هزت رأسها بتحية صامتة ولأول مرة تبعت تحيتها ... ابتسامة !
مجرد ابتسامة حيية مُجاملة نزلت على روحه كمفرقعات العيد فابتسم ملئ شدقيه ولم يبعد رأسه ولم تختفي ابتسامته رغم عودتها إلى الداخل وداخله يصرخ فيه حتى يتحرك الآن وفي الحال ويطلبها من ليث .
ظل مسمرًا مكانه و صوت قلبه يصرخ فيه ليعقد عليها الآن ولتصبح حلاله الآن وليمتع عيناه ويشبعها منها الآن .. !
نحنحة رجولية قوية أخرجته من فورة جنونه فأطرق برأسه بسرعة واضطربت ملامحه ثم التفت ليجد عينا والده غير الراضيتين عن ما يفعله في استقباله
زفر عزيز بألم ثم همس بقلة حيلة صريحة :
" ليس بيدي يا حاج "
ليلفظها واضحة لأول مرة في وجه والده الذي يدرك جيدًا ما يدور بقلب ابنه إلا أنه يكابر :
" أنت تعلم أن ما لي حيلة في هواها "
________

ولما تلاقينا .. الجزء الثالث من سلسلة قلوب تحت المجهر Where stories live. Discover now