الفصل الثامن

216 11 1
                                    

شهقات بكائها تشق صدرها وقد تهاوت جدران روحها بلا رحمة
عيناها زائغتان تكاد لا تميز شيء حولها
تئن بوجع لا يوصف كعليلة لا دواء لحالها
الدنيا تدور بها وكل جزء منها ينبض بالألم
وروحها كسيرة وقد ُانتهكت كرامتها قبل جسدها
طُعنت في قلبها واستفاقت من لجة نيل رضاه بصفعة أدمتها هي وأحلامها
لملمت غطاء الفراش بضعف شديد تغطي عري جسدها الذي ينتفض وكأنه أصيب بحمى قاتلة فتكت به ولم تبقى على شيء منه
تنظر إلى ظهره المحني الذي يوليه لها
كتفاه متهدلان
ممسكًا برأسه بين كفيه
هل يسد أذناه عن شهقاتها ؟!!
بعد دقائق طويلة موحشة سمعت نبرته الغريبة وكأن كل ما فيه تبدل ..
وكأنه آخر بُعث للتو من رماد حبيبها !
" مبارك .. لقد نجحتِ في جعلي مثله "
ازداد نحيبها ارتفاعًا فالتفت لها ليث برأسه يرمقها من فوق كتفه مستطردًا بكره :
" لكن هل نجحت أنا وجعلتك تتذوقين ولو رشفة مما ذاقت هي ؟!! "
تنهمر دموعها بلا رادع وهمسه خناجر تمزقها بلا رحمة :
" كيف أمكنك التفريط بها ؟!! .. لقد كانت تعتبرك اختًا لها "
نهنهت ليالي واجابته بتقطع .. تنطق حروفها بصعوبة :
" لم أفعل .. أقسم بالله لم أكن أعلم "
عيناه صرخت بالتكذيب ولسانه التزم الصمت المعذب ثم تركها وغادر إلى دورة المياه واختفى بداخلها لدقائق معدودة مرت عليها كدهر كامل ..
هل هذا ما جعلت فضة تعاني منه فعلًا ؟!!
هل أذاقتها هذا الهوان ؟!!
لقد آذاها ليث كما لم يفعل أحد قط
لامسها بشهوة حيوانية بحتة .. !
لم يلثمها بأي شكل ، ولم يكن هنالك أي رفق بلمسته .. ولم ينظر إليها حتى !
بل كان عنيفًا ،مؤذيًا ومحطِمًا
هشمها بجبروت ولطم خيالها الوردي الذي اوهمها أنها قد تنال يومًا مغفرته وربما حبه !
شعرت بالألم يعاودها وحاولت النهوض ببطء فخرج منها تأوه وأنين خافت وصلوا إلى من خرج في تلك اللحظة من دورة المياه ولكن للمرة الأولى في حياته لم يهتم بألم غيره
بل للمرة الأولى استلذ بوجع من أمامه
لقد سقط عن مبادئه وانتهى أمره
لكن لا ، لن يسقط بمفرده ..
سيسحبها معه لعمق هذا المستنقع ويغرقها بيده في تلك الظلمة التي أدخلتها حياته
فهو رجل سقط في أعين الجميع
ولن يضره الآن سقوط جديد في عين نفسه
مصباح وابنه بدئا الأمر وعلى ابنتهم أن تنهيه .
تحرك نحو باب الغرفة فأوقفته تنادي اسمه بلوعة فتوقف دون أن يلتفت لها لتهمس مرة أخرى وشعورها بما فعلته مع فضة وإن كان دون قصد يغذي إحساسها بالذنب ويمدها بقوة غريبة جعلتها متفهمة ولو بقدر بسيط لجنونه غير المسبوق معها فهمهمت بدموع لا تنضب :
" والله لم أكن أعلم نيته ، لقد بكى وتوسل لي حتى أجعلها تأتي وتقابله .. أرجوك صدقني "
وكأنها تكلم جدارًا إذ التفت إليها ليث ببطء وعينيه تلمع بوعيد لتنزل كلماته عليها كالسياط الحارقة :
" صدقيني أنتِ حين أخبرك أنكِ بدورك ستبكين وتتوسلين كثيرًا ، ستطلبين الرحمة ولن تناليها أبدًا "
تراجعت للوراء بذعر حين اقتربت خطواته منها ليغمغم وعيناه تلمع بازدراء هشم ما بقي منها :
" ودعيني أيضًا أخبرك أنكِ لستِ جيدة بما يكفي كامرأة ، لم أستمتع معكِ ولو للحظة كما ظننت .. بل ان كل ثانية معك كانت أشبه بعقاب "
انحنت زاويتا عيناها بألم شديد أرضى روحًا جديدة سكنت داخله
ليبتسم فجأة ابتسامة شيطانية جعلت قلبها يتهاوى بين قدميها ..
ابتسامة لم تتخيل أبدًا أن تخرج منه ليكمل عليها ويهمس بفحيح أمام عينيها المتسعتين برعب ورهبة وكأنه أدرك ما تفكر فيه :
" استعدي ، لأنك ستتعاملين مع ليث آخر تمامًا .. فالساذج الذي تزوج منكِ مات واندثر والآن حان دورك .. دور موتك واندثارك "
ليغادر بعدها الغرفة وتتهاوى ليالي أرضًا وقد أيقنت أن كل ما مرت به في هذا المنزل سابقًا لن يكون قطرة فيما هو آتٍ .

ولما تلاقينا .. الجزء الثالث من سلسلة قلوب تحت المجهر Where stories live. Discover now