الفصل الأربعون

204 17 1
                                    

فتحت عينيها بإجفال بعد كابوس مخيف تسبب في تسارع نبضات قلبها فسمت باسم الله بخفوت ووهن لتنتبه لشقيقها الذي ينام هو وابنته على الفراش المجاور لها والذي لا تدري كيف أتى به إلى غرفتها
كانت ترى كل شيء حولها بشكل ضبابي وتشعر بثقل انفاسها بسبب قلة تناولها للطعام ومع ذلك وجدت فداء نفسها تنهض من فوق الفراش ببطء وإرهاق وقد آلمها جسدها من كثرة التمدد ثم تحركت بحذر نحو الخزانة وأخرجت منها ملابسها لتخطو بخطوات متعبة نحو دورة المياه ثم تتوقف حينما غمغم آل مشاكسًا إياها دون أن يفتح عيناه :
" اذا تأخرتِ في الداخل لأكثر من نصف ساعة سأتبعك واحضرك كما أنتِ " 
" هل ايقظتك ؟!! "
همهمت سؤالها بضعف ففتح آل عيناه ثم رد عليها وهو يعتدل بحذر حتى لا يوقظ ليندا :
" انا لا اغفو كثيرًا عادةً "
ثم اتبع :
" هيا ادخلي وانعشي نفسك حتى احضر لكِ الافطار "
لم تجد فداء في نفسها طاقة للجدال حول الطعام فأولته ظهرها ودخلت إلى دورة المياه بينما همهم آل في إثرها براحة طفيفة وهو يمسك بهاتفه وينهض من جوار طفلته :
" لأخبر بِشر ان أميرتنا النائمة استيقظت أخيرًا من غفوتها "
اتصل آل عليه رغم مبيت بِشر في غرفته القديمة في الاسفل وبعد لحظات جاء صوته ناعسًا :
" ماذا تريد ؟!! "
ليتبع بعدها بتركيز :
" هل فداء بخير ؟!! "
فيجيبه آل بصوت خافت :
" بخير لا داعي لنوبات قلقك ، لقد استيقظت ودخلت لتتحمم "
انتاب بِشر العجب للحظة قبل أن يتمتم بصوت راكز :
" قد تسقط في الداخل ، انها ضعيفة للغاية "
تنهد آل وعقب :
" لهذا اهاتفك ، اجعل رجالك يحضرون لها الافطار بسرعة قبل أن تعود لنوبات نومها المخيفة من جديد وانا سأظل هنا حتى اطمئن لخروجها "
أجابه بِشر بالاستحسان ليستطرد آل بعد لحظات بوجه منقلب :
" ولا تجعل سندس تجلس معها على نفس الطاولة ، إنها تتقيأ في وجوهنا كلما رأتنا .. يستحسن أن لا توقظها من سباتها "
تحرك بِشر من فوق فراشه وهو يغمغم بإرهاق :   
" لا دخل لك بزوجتي ، اتركها وشأنها إنها متعبة دون شيء "
حرك آل حدقتيه بملل ثم تمتم آمرًا وقد طالت المكالمة أكثر من المفترض :
" اطلب لفيدا الطعام بسرعة ، وداعًا "
ليغلق المكالمة في وجه أخيه ثم يخرج علبة تبغه ويشعل واحدة ثم يقف جوار النافذة وينفث دخانه في الخارج وأذنه منتبهة لأقل حركة تصدر من داخل دورة المياه بينما عقله قد شرد في مكان آخر حيث تقبع بريته التي اختطفها شقيقها بالأمس أمام عينيه وهو مكبل لا يقدر على فعل شيء وكله لأجلها ... !
فقط لو تسمح له سيمحو كل ما يحول بينه وبينها ويجعلها مليكته حيث تستحق أن تكون
لكنها لا زالت تتعثر في خطواتها نحوه وكل ما حولها يشتت تركيزها عنه
لكن صبرًا ..
سيذلل لها الصعاب حتى تصل وسيزيل كل العوائق بينهما لتعود لما كانت عليه معه قبل وصول شقيقها وقبل .........
توقف آل عند الذكرى الأخيرة وقد غفل عنها تمامًا
" تبًا ، تبًا "
لقد انهارت أمامه في المستشفى وهو لم يجد الفرصة ليفهم منها حقيقة ما حدث معها
عليهما أن يتواصلا
عليه أن يدرك سبب تبدلها وذبولها
اللعنة كيف سقط عنه ذلك الأمر ؟!
رمى آل سيجارته وعيناه تضوي بالتصميم ..
سيتحدث مع فضة حتى يفهم منها ما رأت في ذلك اليوم
سيتحدث معها اليوم ...... وعلى انفراد !

_____________________

أن تنال قطعة من الجنة ..
أن تحيا حلمًا استحوذ عليك طوال عمرك واسرك في مداره ..
أن تشعر بملمس مبتغاك ومرادك الأكبر بين ذراعيك حيًا ،واقعًا لهي جائزة العمر ..
منحة من السماء 
لهي .. صفية !
صفية التي تغفو الآن بين ذراعيه بعد أن سلبت أنفاسه ولبه
صفية التي تسكن صدره دون وعي منها وتلتجئ إليه فتسبيه وتشعل نيران جنونه بها أكثر
صفية التي تملكه وتعشقه مهما أنكرت ومهما ادعت العكس !
لثم سيف منابت شعرها بخفة شديدة وهو يزيد من ضمها إليه وكأنه سيسكنها ضلوعه ، سيطبعها فوق صدره ليهمس لها ولنفسه بصوت يكاد يُسمع :
" كيف تركت غروري يؤخرني عنكِ كل هذه الأعوام ؟!! "
ليميل برأسه ويقبل عينيها فترمش صفية ببطء وتفتح عينيها بعدم تركيز فتجده اقرب إليها من اي وقت مضى ..
تتورد وتهرب بنظراتها عنه فتتسع ابتسامته ويهمس بمشاكسة :
" صباحية مباركة يا عروس "
ازداد توردها وشعر بضربات قلبها القوية فاتبع بنبرة شديدة الصدق :
" اشتقت لكِ يا صفية .. اشتقت لكِ فوق ما تتخيلين "
حاولت صفية الابتعاد عنه فتمسك بها بقوة رافضًا تحريرها :
" الى اين ؟!! "
تجيبه وهي ترفض تمامًا لقاء عينيه :
" سأذهب الى دورة المياه "
نظر لها سيف لبعض الوقت لا يصدق أنها بين ذراعيه ثم قبّل وجنتها بخشونة مقصودة قبل أن يحررها متمتمًا بمزاج رائق :
" لديك خمس دقائق لا اكثر "
لملمت صفية الفراش حولها وهربت من أمامه دون أن تتعثر بمعجزة ثم اختفت عن ناظريه بينما نهض سيف بدوره يبحث عن علبة سجائره هنا وهناك ليتوقف بانتباه حينما وجد بعض من أغراض صفية متناثرة في المكان .. !
فتح سيف باب الخزانة فوجد حقيبة ملابسها فعبس بصدمة ألمت به ..
إذًا هنا مخبأها السري
لكن مهلًا ..
لقد بحث عنها هنا من قبل ولم يجد لها أثراً !
بل هذا اول مكان قصده في بحثه عنها
هل كانت تقيم بمكان اخر قبل انتقالها إلى هنا ؟!!
عبس سيف بحيرة ألمت به للحظات ثم أخذ بعضًا من ملابسها وتحرك نحو دورة المياه وطرق على الباب قائًلا بصوت قد هدأت انفعالاته :
" ملابسك يا صفية "
اجابته دون أن تفتح :
" معي ملابس "
لم يكثر سيف في الحديث ثم عاد أدراجه وجلس على اقرب مقعد لا يرتدي إلا بنطاله فقط وسيجارته تتدلى من بين شفتيه
فأوان حديثهما قد أتى
عليهما أن يتصارحا ويحددا شكل حياتهما القادم
فهو سأم من الركض والشجار والحرب التي كانت نهايتها هجرها له
وهي أيضًا مؤكد نال منها التعب بعد ما خاضت معه
لذا فإن مصارحتهما واجبة حتى يعودا لما كانا عليه قبل تدخل الآخرين بينهما .. !
أجل ، هو وعي للدرس جيدًا وفهم أسباب المشكلة الحقيقة بينهما ..
فسماحه بتدخل والده بينهما وسماحها بتدخل والدتها جعل الصراع على أوجه وخلق الكثير والكثير من سوء الفهم والحروب التي كانا فيها مجرد بيدقين يتحركا كيف شاء اهلهما لذا لا مزيد من رفعت الوهابي وازهار وسعد ..
وما بين سيف وصفية سيظل بين سيف وصفية .
انتبه لخروجها وهي التي اجفلت من جلسته في منتصف الغرفة بهذا الشكل فمرر نظراته على مزأر الحمام الذي ترتديه ثم تمتم بنبرة حانية وهو يمد ذراعه لها :
" تعالي يا صفية "
وحين ظلت صفية مكانها اتبع :
" لنتحدث قليلًا "
لحظات وتحركت صفية نحوه بتردد وصمت وحين همت بالجلوس على المقعد المجاور سحبها لتجلس على ساقيه متجاهلًا تشنجها بين ذراعيه ثم اطفئ سيجارته ليعود بنظراته إليها قائلًا بتقرير :
" كنتِ تختبئين مني هنا "
لحظات وظهر صوتها أخيرًا :
" انا لم أذنب في شيء لأختبئ منك .. انا فقط اردت بعض العزلة "
اومئ سيف بصبر وتفهم ثم ابعد خصلاتها المبتلة عن جبهتها و أقر ببساطة اذهلتها :
" محقة ، انا من أذنبت يا صفية ولذلك فإن الاعتذار عليّ واجب "
رمقته صفية بحذر وعدم ثقة كانوا كخنجر مسموم وُجه إليه فومضت عيناه بندم لم يخفيه عنها ثم همهم :
" انا آسف يا صفية ، آسف لكل ما عانيته معي "
لكن صفية لم تكن بالسذاجة القديمة نفسها فضيقت عيناها ثم تمتمت دون رأفة :
" لا اصدقك ، ماذا تحضّر لي ؟!! "
ابتسم سيف ابتسامة حزينة جعلتها تركز في انفعالاته أكثر ..
فسيف لا يجيد التمثيل بل ويرى نفسه ارقى من البحث عن مبرر لرغباته
فهو متبجح ولا يفرق معه نظرة من حوله له إذا كان هذا ثمن أن يحصل على ما يريد !
" انا احبك يا صفية "
همهم بها وهو يغرس نظراته في حدقتيها ثم اتبع أمام نظراتها الحذرة :
" احبك دون المزيد من الالاعيب ، دون المزيد من الخطط .. احبك دون نوايا وتحضيرات وكر وفر .. احبك دون انتظار لشيء يا صفية "
" ما الذي حدث لك ؟!! "
تسأله بصوت متردد وجسدها كله متحفز ومشدود فيرد عليها دون لحظة تردد واحدة :
" أدركت مذاق فقدك فتيقنت أن لا شيء يضاهي وجودك "
رفعت صفية حاجبيها بذهول من تبدله من قمة العجرفة عليها لهذا الكائن المسالم الذي يعترف بمرارة غيابها عنه فهمست بصوت ضعيف :
" لا اصدق "
ضوت عينا سيف بضي قديم كانت قد نسيته ..
ضي عشق كان قد واراه الكبرياء فيما مضى حتى ظنت أنه انطفئ ثم غمغم :
" ربما تصدقين حينما اخبرك أننا لن نعود للإقامة في قصر الوهابي مع والدي .. سأبحث عن منزل في نفس المنطقة حتى اكون بالقرب منه حين يحتاجني "
اتسعت عينا صفية من ترتيباته بينما استطرد سيف بحزم :
" وفي المقابل لن تقيم والدتك معنا في نفس المنزل "
نظرت له صفية بلوم فاتبع بإصرار :
" اجل يا صفية ، كفاهم تدخل في حياتنا بهذا القدر .. لقد أفسد تدخلهم كل شيء "
اومأت صفية بتفهم ثم قالت بعد لحظات بصوت قوي :
" غير مسموح لك بالتقليل من اي فرد من عائلتي ، عائلتي خط احمر يا سيف .. إذا تعجرفت عليهم مرة أخرى سأتركك دون رجعة "
عبس سيف بسبب تهديدها له وكاد أن يتحدث لكنها قاطعته تكمل بحزم :
" وإياك أن تفرض عليّ ما لا ارغب به من جديد .. اياك أن تهددني أو تجبرني على ما لا اريد ، ستحترمني وتحترم كياني ولا تسفه من عملي وارائي "
" انا لم افعل ذلك من قبل "
هتف بها سيف بدفاع فهتفت فيه :
" بلى فعلت "
" لا تصرخي في وجهي يا صفية "
" انت من صرخ اولًا "
" ومع ذلك لا تصرخي بوجهي "
" تبًا لك ، لن اعود معك "
هتفت بها وهي تحاول النهوض من فوق ساقيه فقيدها بذراعيه والصق شفتيه فوق وجنتها وهو يهمهم بحرارة :
" بل لن تعودي الا معي ، فأنا قدرك "
" لـ...ـن افعـ...ــل "
همهمت بها صفية بتعثر وهي تستشعر تبدل الأجواء بينهما من جديد فيناكفها سيف وهو ينثر قبلاته على ملامحها فيضعفها أكثر :
" ستفعلين "
" لـ...ـن افعـ...ــل "
" ستفعلين "
" لـ...ـن افعـ...ــل "
" لن تفعلين "
" سـ...ـأفعـ...ــل "
تهمس بها دون وعي منها وهي تذوب معه تمامًا
تستشعر تبدله قوله وفعلًا
تهيم بسيف الجديد الذي ولد من رحم حبهما وفراقهما وتترك له نفسها لهذه اللحظة فقط دون قيود ، دون المزيد من المشاكسات .

______________

بعد وقت خرجت فداء تجفف شعرها بالمنشفة فوجدت شقيقها لا يزال يجلس في غرفتها جوار ابنته الغافية يعبث بهاتفه ليرفع وجهه فور أن انتبه لخروجها ويتمتم بمشاكسة :
" كنت على وشك الدخول لكِ "
تورد وجه فداء من مزاحه الجريء وتجاهلت الرد عليه كعادتها وهي تحاول التماسك حتى لا يتمكن منها الدوار كما كاد أن يتمكن منها في الداخل ..
لكن آل وكأنه شعر بما يخالجها فنهض ووقف أمامها ثم قال بصوت هادئ وكأنه يطمئنها :
" سيزول كل هذا بعد تناولك للطعام "
تنهدت فداء بوهن بينما أجلسها آل على الفراش ثم جلس ورائها وأخذ منها المنشفة ثم أكمل تجفيف شعرها بينما يقول :
" سأضعك مكان ليندا لحين استيقاظها "
ابتسمت فداء بحزن وتركته يجفف لها شعرها كما يرغب لينهض بعدها ويجلب فرشاة شعرها ثم يبدأ بتمشيطه بحذر كما يفعل مع ابنته عادةً لتدمع عينا فداء فتميل برأسها للأمام تخبئ عنه دموعها لكنها أدركت أنها فشلت تمامًا حينما عقب آل بغموض :
" سيزول الألم ، لا تبكي "
لم تستطع فداء تمالك نفسها وصدرت عنها شهقة بكاء جعلته يترك ما بيده وينهض ثم يبدل جلسته ويجلس أمامها فيأخذ رأسها إلى صدره وعيناه غائمة بالضيق لأجلها بينما عقله لا يستوعب حقيقة ارتباطها الشديد بامرأة فشلت كأم من كافة النواحي ..
عقله لا يستطيع ترجمة سبب بكائها عليها وانهيارها بهذه الطريقة لأجلها .. !
فهي لم تكن امًا لها بأي شكل
بل كانت عبئ نفسي عليها وعلى الآخر الذي تحملها حتى الرمق الأخير لها دون شكوى
اما هو فلم يكن مطالب بأي شكل أن يتحملها ويتحمل ما كانت عليه لأنها لا تملك عليه حق .. !
وهذا نفس ظنه بالنسبة لإخوته لذا لا يفهم سبب تعاستهم
ربما هو لين القلب الذي لا يملكه .. !
نهنهت فداء فوق صدره فأخرجته من شروده فمسح على رأسها ثم غمغم وهو يمسح وجهها بكفيه :
" كفى يا فيدا ، ستنتفخ عيناكِ وتتحولين إلى سمكة ينفوخ متحركة "
شهقت فداء بضعف فسحبها آل نحو دورة المياه مجددًا وغسل لها وجهها ثم خرج بها بينما يقول :
" هيا لننزل ، مؤكد السيد بِشر قد أحضر الافطار "
ليحمل بعد ذلك ليندا بذراع ويمسك بها هي بالآخر ثم ينزل إلى الصالة متشبثًا بحمله ليجد بِشر جالسًا على الطاولة بانتظارهما وعلامات الإرهاق لا تزال محفورة فوق ملامحه فترك فداء التي جلست في مكانها المعتاد وعدل من وضع ليندا قليلًا فرمشت بعينيها ثم بدأت تستيقظ بدورها فغمغم بمزاج رائق لا يتناسب مع ملامح وجه إخوته وهو ينثر قبلاته على وجه طفلته :
" Good morning little princess "
رمقه بِشر بنصف ابتسامة ثم اولى انتباهه لفداء وهمهم بصوت ناعس :
" كيف حالك اليوم ؟!! "
هزت فداء رأسها دون معنى وغمغمت :
" افضل "
" لقد قررت الاستقرار في هذا المنزل "
ألقى آل إعلانه على غفلة فرفعت فداء أنظارها نحوه وهمست بخفوت :
" اذا كان من اجلي فلا داعي .. انا معتادة على البقاء بمفردي "
رمقها بِشر بعدم رضا وكاد أن يتدخل لكن آل سبقه واتبع بعفوية :
" ليس لأجلك فقط ، بل لأجل ليندا وسيلفر أيضًا "
وهنا صوب إخوته نظراتهم نحوه دون تصديق لكنه كان لاه بإطعام ابنته ثم وجه حديثه لبِشر دون أن ينظر له :
" من الأفضل أن تبدأ في إجراءات الطلاق ، لقد طال الأمر أكثر من المفترض "
" يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم "
همهم بها بِشر بتأفف محاولًا التزام الحكمة في التعامل مع اختلاف طباعه حتى لا يقفز عليه ويضرب رأسه في الأرض ليرتاح منه
نظر له آل غير مستوعبًا لما قاله بينما سألته فداء بصوت ضعيف مذهول :
" هل تريد الزواج من فضة ؟!! "
اومئ لها آل ببساطة فنظرت فداء إلى بِشر دون أن يغادرها الذهول فتمتم بِشر بنعاس وسأم :
" كُلي .. عساه يصمت بمفرده "
" ألم يسعدك الخبر ؟!! "
سألها آل فتدخل بِشر وتمتم من بين أسنانه :
" انت تتحدث عن امرأة تحمل اسمي بالمناسبة "
تهكم آل :
" خذ اسمك واتركها لي "
تدخلت فداء تسأله بعدم استيعاب :
" هل ستتزوج من طليقة اخيك ؟!! "
أجابها ببساطة :
" رغم انني لا أرى عيبًا في الأمر إلا أنني سأذكرك أن لا أحد يعلم أنها زوجته غيرنا من الأساس ، انتم تقدمونها للجميع على أنها ابنة عمته "
اتسعت عينا فداء من منطقه ثم سألته دون تصديق :
" متى احببتها لتقرر الزواج منها "
رد عليها وهو ينظف فم طفلته :
" Since I saw her "
( منذ أن رأيتها )
احتل العجب ملامح فداء لا تصدق ما تسمعه ..
متى وكيف ؟!! .. وأين كانوا جميعًا وقتها ؟!!
ومرة أخرى قاطعهم بِشر بصوت حاسم وهو ينهض من على الطاولة :
" كفى ، انهيا طعامكما وليبحث كلًا منكما عن شيء يفعله قبل مجيء المعزيين "
ليلتفت بعدها إلى آل ويشير إليه بسبابته محذرًا :
" وانت .. اياك والاقتراب من فضة مرة اخرى هذا إن جعلها ليث تخطو إلى هذا البيت من جديد "
ناغته ليندا فابتسم لها فرفعت له ذراعيها حتى يحملها فأخذها بِشر منه وتركهما وعاد إلى غرفته بينما سألت فداء مرة أخرى :
" وهل ليث أيضًا يدرك الأمر ؟!! "
لوح آل بكفه بملل ثم تمتم :
" اتركينا من هذا الأمر .. متى سيتوقف الضيوف عن المجيء ؟! "
هزت فداء كتفيها بجهل ثم قالت :
" لا اعلم ، ربما حتى نهاية الأسبوع "
تأوه آل بملل ثم عقب :
" يعني ثلاثة أيام أخرى .. اووووف "
لوت فداء شفتيها بضيق حقيقي ظهر في نبرتها حين تمتمت :
" تحمل قليلًا .. أنها والدتك في النهاية "
رمقها آل قليلًا دون تعبير ثم غمغم :
" سأتحمل بشرط "
" ما هو ؟!! "
سألته بصوت خافت فرد عليها وهو يشير نحو طبقها :
" تنهي وجبتك كاملة ولا ترفضي الطعام مرة أخرى "
ابتسمت فداء بحزن ثم غمغمت بمزاح ثقيل :
" وكأنك تتمنن علينا بوجودك "
رفع حاجبيه بشر ثم نهض ببطء وجلس جوارها أمام نظراتها الحذرة ليسحب الطعام الذي لم تتناول منه إلا النذر اليسير فيما يقول ببرود :
" عقابًا لكِ ستأكلين وجبتك ووجبتي "
اعتلى الاستنكار ملامحها فاستطرد آل وهو يحشر الطعام في فمها حشرًا :
" وهذا لم يكن عرضًا بالمناسبة ، بل هو أمر واجب التنفيذ "

________________
( الوادي / عصرًا )

تناولت غالية دوائها بشرود وعقلها لا يزال مع شقيقها الذي ترك ابنه وزوجته وراءه وركض ركضًا إلى العاصمة دون سبب مفهوم .. !
فعلى الرغم من وفاة والدة بِشر إلا أن ركضه بهذه الطريقة ومع ظروف ولادة طفله يصيبون قلبها بالقلق عليه وعلى حاله
فالغموض ليس من عادة ليث ابدًا وحين يضطر لإخفاء شيء ما عنهم يكون شيئًا جللًا ..
بعد وقت عاد عزيز من المستشفى فاستقبلته بملامح قلقة تسأله بكمد :
" كيف حال حارث الآن ؟!! "
هز عزيز كتفيه بجهل وتمتم بينما يخلع حذائه :
" يقولون حالته مستقرة ، ومع ذلك لن يخرج من الحضانة الآن "
اومأت غالية بتفهم ثم أوضحت له :
" إنه لا يزال غير مكتمل النمو يا عزيز وبحاجة إلى رعاية فائقة حتى وإن كانت حالته مستقرة "
هز عزيز رأسه بتفهم ثم تمتم :
" انا جائع للغاية .. اطعميني حتى اعود لغالب "
" ستأخذني معك ؟!! "
همهمت بها برجاء ناعم فابتسم لها واومئ موافقًا فاتسعت ابتسامة غالية ودخلت المطبخ بسرعة لتضع له الطعام بينما دخل عزيز غرفتهما ليبدل ملابسه وينعش نفسه ليرن بعدها هاتفه برقم والده ..
وما هما سوى دقائق معدودة وخرجت غالية من المطبخ على صوت عزيز المرتفع وهو يهدر بغضب :
" هل جن ؟! .. لقد ظننته يهذي ويهدد "
وضعت غالية ما بيدها على طاولة الطعام وتحركت بسرعة نحو غرفتهما وصوت عزيز يكاد يخرق أذنيها :
" كيف اهدأ ؟!! .. بل كيف يجرؤ على الزواج من أخرى ؟!! .. هل جن رمضان ؟!! .. وماذا عن بدور ؟!! .. وماذا عن الفتيات ؟!! "
اتسعت عينا غالية بصدمة حين فهمت ما يدور ثم التزمت الصمت والهدوء إلى أن أنهى عزيز المكالمة قائلًا بغضب شديد :
" انا من سيتحدث معه يا ابي وانت من فضلك توقف عن التحدث هكذا أمام بدور "
صمت عزيز قليلًا يسمع من والده ثم هتف مرة أخرى :
" اي حق يا ابي ؟!! .. هل إنجاب الفتيات عاد ذنبًا تُحاسب المرأة عليه ؟!! .. في أي زمن نحن ؟!! "
ليصمت بعدها مرة أخرى ثم يتمتم بوجه مغلق :
" حسنًا يا ابي ، حسنًا .. سأهاتفه واتحدث معه "
ليغلق بعدها الهاتف بعصبية مفرطة ثم يرفع نظراته نحو غالية التي لا تزال واقفة عند الباب ويغمغم بغضب مكتوم :
" لقد تزوج رمضان "
" سمعت "
همهمت بها بخفوت ثم اتبعت :
" وماذا ستفعل ؟!! "
رمقها عزيز قليلًا ثم قال :
" سأجعله يطلقها "
عبست غالية واستفهمت منه :
" من منهن ؟!! "
" اختي .. سيطلق بدور "
اغتم وجه غالية ثم تمتمت بعد لحظات :
" الأفضل أن تسمع من بدور اولًا ، فلا اظن انها ستوافق على هذا الحل "
قطب عزيز بغضب وتمتم :
" هل سأتركها على ذمته بعد ما فعل ؟!! "
واجهته غالية :
" بدور لن تطلب الطلاق يا عزيز ، بل ستطلب منه تطليق الأخرى ووقتها سيكون عليه الاختيار بين عروسه الجديدة وبيته وبناته "
زفر عزيز بضغط ثم سألها بشك :
" وماذا برأيك سيكون اختياره ؟!! "
هزت غالية كتفيها بعدم معرفة ثم تمتمت :
" أنا لا اعرفه ولم اتعامل معه إلا مرات معدودة وبشكل سطحي .. من اين لي بفهم ما يدور برأسه ؟! "
استغفر عزيز بغضب وما هي إلا لحظات و رن هاتفه المحمول برقم بدور فوجمت ملامحه أكثر ورفع الهاتف لترى غالية هوية المتصل فرمقته بعجز وقالت بتراجع لأنها تدرك طباع بدور :
" سأنتظرك في الخارج ، حينما تنهي المكالمة وافيني "
" لا ، فلتبقي جواري "
همهم بها عزيز وهو يربت جواره على الأريكة فتحركت غالية نحوه بتردد وجلست جواره بينما استقبل عزيز المكالمة مُعدًا نفسه لوابل من الولولة والصراخ وكفه الأخرى متشابكة بكف زوجته وكأنه يشحذ بها طاقته لإكمال طريقه .

_________________

( العاصمة / مساءًا )

بنظرات مغلقة وملامح متحجرة دخل ليث إلى غرفة فضة التي تعتكف بها منذ الصباح فوجدها تجلس شاردة فوق فراشها فغمغم بصوت خشن :
" لما لم تستعدي بعد ؟!! "
اجفلت فضة على صوته وهي التي لم تنتبه لدخوله ثم سألته بعدم فهم  :
" استعد لأي شيء ؟!! "
" العزاء ... لقد تأخرنا كثيرًا "
تمتم بها بصوت مغلق فعبست وسألته دون استيعاب :
" هل ستأخذنني معك ؟!! .. لقد ظننت ..... "
قطعت حديثها وهي تهز كتفها بعجز فغمغم ليث عنها :
" ظننتِ أنني سأتركك هنا بمفردك واغادر "
اومأت ببطء فتنهد ليث بضيق ثم قال وهو يوليها ظهره :
" ابدلي ملابسك يا فضة "
ليعود ويلتفت نحوها وكأنه انتبه للتو فيعلق :
" لقد طال شعرك "
لمست فضة شعرها ثم عقبت :
" لقد بدأ يعود لما كان عليه "
اومئ لها بنظرة عميقة ثم همهم بخفوت حان :
" تعالي إلى هنا "
رمقته فضة للحظات ثم خطت نحوه فأخذها ليث بين ذراعيه يطمئنها ثم تمتم :
" يا غبية ، انا أمانك .. اياكِ ورمقي بنظرة الخوف تلك من جديد "
دمعت فضة ثم همست :
" انا اخاف خذلانك "
" خافي على نفسك أكثر من ذلك يا فضة .. وتوقفي عن المجازفة بها "
رفعت رأسها إليه وهمست بدموع :
" انا لم ...... "
قاطعها ليث مدركًا ما ستقوله :
" انا اعرف أن لا دخل لكِ بما حدث .. لكن لا خاصتك يجب أن تكون قاطعة ، رفضك يجب أن يكون حاسم "
اومأت له فضة بطاعة فربت على ظهرها ثم ابتعد عنها قائلًا :
" لقد انتهت سجائري ، سأذهب لشراء أخرى حتى تنتهين "
هزت فضة رأسها مرة أخرى ثم تركها ليث وغادر فبدأت بتبديل ملابسها ثم غسلت وجهها وارتدت حجابها في وقت قياسي وقررت أن تخرج وتنتظر شقيقها أمام باب المنزل ..
اخذت هاتفها المحمول ومفتاح المنزل ووضعتهم في حقيبتها ثم فتحت الباب فوجدت الليل قد بدأ يسدل ستاره فرفعت انظارها إلى السماء وتنهدت بعمق شديد ثم أغمضت عيناها للحظات قبل أن ينتابها نفس الشعور القابض بأنها مُراقبة ففتحت عينيها بشكل مفاجئ فيشحب وجهها وترتد للوراء بترنح حينما اصطدمت عيناها بعينين لطالما شكلا لها كابوسًا بشعًا بشكل مباشر ودون أي حواجز
لكن هذه المرة لم يكن كابوسًا ..
بل كان حق .. واقع ملموس
كان أصيل .. !

ولما تلاقينا .. الجزء الثالث من سلسلة قلوب تحت المجهر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن