الفصل الخامس والثلاثون

188 13 1
                                    


( ابقي شفتيكِ فاغرة دقيقة إضافية وسأقبلك أمام الجميع )

أغلقت فضة شفتيها بعنف لكنها لم تستطع السيطرة على قلبها الذي كان يرجف ويلهث دون لحظة توقف واحدة وكأنه يخبرها علنًا ويكرر عليها أنه اشتاق لذلك الماكر الذي يمطر طفلته بالقبلات وعيناه تمطرها هي بالمزيد والمزيد من القبلات ..
قلبها يرجف
أطرافها ترجف
كل ما فيها يرجف ويتفاعل مع عودته الصادمة وكأنه اختار لنفسه صفة المباغتة كأساس لشخصيته !
فكل تصرفاته وكل ردود أفعاله يسيطر عليها عنصر المباغتة وعدم التوقع
تورد وجهها من نظراته فنهضت تهرب من أمامه بعبوس اجادت رسمه حتى تحفظ ماء وجهها فتابعها آل بعينيه مبتسمًا بمكر مدركًا كل ما ظهر في عينيها التي اشتاقها حد الجنون !
" Not just her eyes "
( ليس عينيها فقط )
همهم بها لنفسه ثم نظر إلى ليندا التي كانت تطالعه بمقلتين واسعتين وابتسامتها تزين ثغرها الصغير لعودته ثم قبّلها مرة أخرى بحنين جارف وهمس لها بتواطؤ وهو يدغدغها بشعيرات ذقنه :
" هل زدتما جمالاً وأنا غائب ؟!! "
ضحكت ليندا بصخب وكأنها تفهم ما يقول فضوت عينيه بابتسامة شديدة الصدق شديدة الاشتياق ثم عاد وشاكسها من جديد يسألها وهو يدغدغها في بطنها :
" وصرتما رفيقات أيضًا .. wonderful"
حينما طال غياب فضة بحث بعينيه عن البقية وتعجب حينما ادرك عدم تواجدهم بل وبقاء فضة بمفردها وهذا ما لم يحدث أبدًا من قبل ثم وقعت عيناه على جلال فاقترب منه ونادى بسخرية مستترة :
" Hey .. pizza maker "
( يا صانع البيتزا )
انتبه إليه جلال ثم تمتم بصوت مغلق :
" جلال "
لوح آل بكفه دون اهتمام ثم قال :
" Doesn't matter .. where is your boss ?!! "
( لا يهم .. أين مديرك ؟!! )
انغلقت ملامح جلال أكثر من نبرته المهينة فقال من بين أسنانه :
" اتصل به .. أليس أخيك ؟؟! "
ثم عاد إلى ما يفعله وهو يسبه من بين أسنانه فنظر آل إلى ليندا ببراءة ثم غمغم بتسلية خافتة :
" لقد غضب "
تلفت حوله وقد أدرك أن سيلفر خاصته اختبأت منه داخل دورة المياه ثم جلس على أحد الطاولات ينتظر خروجها حتى يعرف منها ما يدور لأنه لا يملك هاتفًا محمولًا بعد أن ضاع هاتفه في الخارج أو بمعنى أصح كان أحد ضحايا معركته الضارية مع سفيان الديب ليُفاجئ بمن دخل إلى المطعم في هذه اللحظة والذي تسمر للحظة بدوره فور أن وقعت عيناه عليه ثم انغلقت ملامحه فيغزو الاستمتاع مقلتي آل أكثر وأكثر ثم يتمتم لطفلته بخفوت مبتسم :
" انظري ماذا لدينا هنا ؟!! "
دخل آدم محاولًا فرض الهدوء على نفسه خاصةً حينما لم ينهض آل من مكانه ولم يقوم بأي بادرة ترحيب كما هو مفترض فشتمه في سره ثم أضطر إلى رسم ابتسامة زائفة التهذيب فوق شفتيه وتمتم بهدوء كاذب :
" مرحبًا .. أين بِشر من فضلك ؟!! "
" ليس هنا "
قالها آل بابتسامة خفيفة ثم أتبع :
" Can I help you ?!! "
( كيف يمكنني مساعدتك ؟!! )
هز آدم رأسه بلا معنى ثم سأله بتلقائية :
" هل هناك مشكلة ما ؟!! .. لأنه لا يجيب هاتفه أيضًا "
هز آل رأسه بلا مبالاة ثم تمتم قاصدًا استفزازه :
" عدم الرد على المكالمات معناه أن الشخص اما ليس متفرغًا أو لا رغبة له بالتحدث "
انقلب وجه ادم بسخط في الوقت الذي ظهرت فيه فضة أخيرًا فرمقها آدم بملامح غاضبة ثم غادر دون كلمة إضافية فنظرت فضة في اثره بتعجب بينما نظر آل نحوها ببراءة وتمتم بخفوت ضاحك :
" لقد غضب "
ثم أتبع بمسكنة زائفة :
" ما بال رجال اليوم لا يطيقون المزاح البريء ؟!! "
أما آدم فخرج من المكان يسب ويلعن ثم رد على بكر الذي يلح في الاتصال بشكل مستفز فهدر به :
" ماذا تريد أنت الآخر ؟!! "
صمت بكر مجفلًا من هجومه ثم سأله بخفوت حذر :
" ومن الأول ؟!! "
فتح آدم باب سيارته بعصبية ظهرت في قوله الغاضب :
" قل ما تريد يا بكر "
ظل بكر على تعجبه للحظات قبل أن يتمتم بهدوء :
" والدة بِشر تم حجزها في المستشفى بحالة خطيرة منذ عدة أيام غالبًا هذا هو سبب عدم وصولك إليه "
اتسعت عينا آدم بصدمة ثم سأله بغضب متراجع :
" كيف علمت ؟! "
أراد بكر أن يشاكسه لكنه تراجع بدوره أمام غضب صاحبه فقال ببساطة :
" لقد سمعت وصال وهي تتحدث مع رغدة في الهاتف ومن هنا أدركت ما يدور "
ومرة أخرى هتف آدم بعصبية :
" تبًا لك يا بكر ألم تستطع مهاتفتي قبل عشر دقائق ، وقتها لم أكن لأتحمل ردود هذا المتخلف الذي بالداخل "
عبس بكر وسأله :
" عما تتحدث ؟!! "
زفر آدم بضغط ثم قال :
" لا شيء ، لا شيء .. هل أخبروك بأي مشفى هم ؟!! "
__________

( في الداخل )

" هل يدرك بِشر أنك عدت ؟!! "
سألته فضة بصوت ثابت بعد أن استعادت السيطرة على نفسها فهز آل رأسه نفيًا ثم تمتم بنبرة ماكرة :
" لا ، أردت أن يكون لكِ شرف استقبالي سيلفر .. و يا له من استقبال ! "
حدجته فضة بنظرة جامدة ثم قالت دون مقدمات وكأنها تتقصد صفعه بكلماتها :
" والدتك مريضة للغاية ونُقلت إلى الرعاية المركزة "
للحظة واحدة ..
للحظة واحدة لا أكثر شعرت فضة أن نظرته اهتزت وغاب عنها الهزل ليحل الجمود محل كل شيء بعدها ويخرج سؤاله هادئاً أكثر من اللازم :
" Is she dying ?!! "
( هل تحتضر ؟!! )
اتسعت حدقتي فضة من قسوة السؤال ثم غمغمت بتوتر :
" لا أعلم ، شفاها الله وعفاها "
ارتدت نظراته الغموض ثم سألها بخفوت وهو ينهض :
" كيف استقبلت فيدا الأمر ؟!! "
لم تتعجب أن يكون هذا همه وسط كل ما حدث ثم تذكرت فضة انهيار فداء السابق فأجابته بثبات :
" فداء لم تتقبل الأمر بطريقة صحية "
فهم آل ما ترمي إليه فتمتم بتوجع كتمه وهو يعدل من وضع ابنته بين ذراعيه :
" هيا لنذهب إليها "
ومقصده هنا لم يكن واضحًا لها ..
هل يتحدث عن أمه المريضة أم عن توأمته ؟!
وهذا الجرح المرتسم في مقلتيه هل يخص والدته أم أنها تبالغ وما تراه ليس أكثر من ضيق على حال فداء ؟!!
ورغم كل تلك التساؤلات همهمت فضة بصوت مغلق وكأنها تفصل بينها وبينه :
" اذهب أنت .. أنا عدت لتوي من هناك "
لكن آل ورغم ما يفكر به الآن إلا أنه كان يدرك أنها ترفض مرافقته ليس لشيء سوى لأنه آل الذي يربكها ويزعزع ثباتها وما أثبت له ظنه هو تجنبها الشديد للقاء عينيه فناداها بصوت ثابت :
" فيضاا "
ومن جديد ارتج قلبها داخل صدرها حينما نادى اسمها بتلك الطريقة فرفعت عينيها إليه برفض قابله هو بكلمة واحدة :
" Please "
( أرجوكِ )
وهنا زاد وبلغ توترها مداه وصار واضحًا أكثر من أي وقت مضى خاصةً بعد أن أكمل عليها وهو يغرس نظراته المحتاجة داخل قلبها قبل عينيها :
" I need you with me "
( احتاجك معي )
لحظات وكانت المعركة محسومة والغلبة له ولم تستطع فضة أن ترده وتحركت معه على مضض تلهي نفسها بالاتصال ببِشر حتى تخبره بعودة أخيه ثم ركبا السيارة وانطلقا لكن قبل انطلاقهما شعرت فضة بوجود عينين تتبعهما شتتها عنها آل حينما وضع ابنته فوق ساقيها بعفوية كارثية وكأنهم أصبحوا عائلة مصغرة والأدهى أن الصغيرة استكانت فوق صدرها وكأنها تؤيد الفكرة بل وترحب بها .

________________

( الوادي )

دخل ليث إلى المنزل بملامح متجهمة ولا يزال وضع ليالي يؤرقه ..
يؤلمه قلبه لأنه قسى عليها وحرمها من عائلتها لكن تماديهم وصلافتهم معه هما ما أوصلوه لتلك النقطة !
فقد فسروا حلمه ضعف ونبله خنوع مما استفزه لأقصى درجة فطاح بهم جميعًا من حياته وحياتها بدلًا من أن يطيح بهم من الوادي بالكامل
فهو قادر من البداية على محو وجودهم من البلدة بأكملها ومع ذلك لم يقربهم بأذى لكنهم لم يقدروا ذلك ..
ورغم ذلك قلبه يؤرقه لأجلها هي دون غيرها خاصةً مع صمتها التام واستسلامها الكامل دون تعليق يُذكر .. !
فهو لطالما عهدها مقاتلة بطريقتها الخاصة
لا تستسلم وإن اتخذت الصمت طريقًا .. لكن هذه المرة تُشعره أنها هُزمت بيده
أنه كان صاحب الضربة الأخيرة التي نالت منها وأراقت ما بقي منها من قوة وللعجب كل هذا من نظرة عين .. !
فهي لا تتحدث على الإطلاق لكن عيناها تصرخ بشكل مبهم
تطالبه بشيء لا يفهمه
توهج نظراتها انطفئ لكنه يشعر أنها تستجديه لأمر لا يدركه
( هل تريدين إخباري بشيء ؟!! )
( بلى ، هناك ما يجب أن تعرفه )
ترددت كلماتها في رأسه على حين غرة وقد كان نسيها في غمرة ما حدث فعبس وانتابه شعور أن ما كانت تريد أخباره به هو سر تلك النظرات التي يقرأها على صفحة وجهها بسهولة .. !
صعد أول درجتين من الدرج لكن صوت والدته التي هتفت باسمه أوقفه فالتفت لها ثم قال :
" السلام عليكم يا أم ليث .. كيف حالك ؟!! "
رمقته سعادات بمقلتين مقلوبتين ثم قالت دون مقدمات :
" عليك أن تجد حلًا معها ، أخبرها أن هذا الدلال الذي تمارسه سيأتي على رأسها هي دون غيرها "
قطب ليث بعدم فهم ثم غمغم :
'' عما تتحدثين يا أمي ؟!! "
لوت سعادات شفتيها ثم قالت بصوت ممتعض :
" ابنة الأصول التي تزوجت بها ورفعت رأسها بك "
زفر ليث بضيق ثم سألها بصبر :
" ماذا حدث يا أم ليث ؟!! "
" أم محمد صعدت لها بالطعام عدة مرات وكأنها ملكة زمانها ومع ذلك لا تأكل ولا ترد على المرأة حين تحدثها "
" اطلبي منها تصعد بالطعام ورائي "
غمغم بها ليث بوجه متجهم بعد أن زفر بضغط وضيق لأجلها
فهي لا تزال ترفض تناول الطعام مهما حاولوا معها لكن سعادات فسرت صمته بشكل خاطئ فقالت بتهديد :
" أخبرها أنه اذا حدث شيء لابنك الذي تحمله بسبب دلالها المقيت لن يكفيني فيه رقبتها ورقاب عائلتها اجمعين "
" أنتِ تتحدثين عن زوجتي يا أمي "
تمتم بها ليث بنبرة مغلقة وملامح حجرية فردت عليه والدته بصوت نافر وهي توليه ظهرها بغضب :
" زيجة الندامة .. تزوجت حية من نسل عقارب " 
حوقل ليث بصوت مكتوم ثم صعد إلى الغرفة وهو يدعو سرًا أن يتمكن من إقناعها لتناول أي شيء هذه المرة
لحظات وكان يقف أمام الفراش يحدق في وجهها المرهق بينما كانت ليالي غافية تمامًا وقد نال منها الوهن بشكل كبير
استغفر بضيق ثم خلع حذائه وجلس جوارها يمسد على رأسها بحنان وهو يعترف لنفسه أنه اشتاق إليها فوق الوصف ..
اشتاق لتلك النظرة الذاهلة التي كانت ترمقه بها حينما يقدم لها شيء بسيط
أشتاق لابتسامة وغمازة لم يراهما إلا مرات معدودة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة
اشتاق لنبرتها العاشقة دون قيود وكأنها تسلمه مقاليدها في حروف تنزل على قلبه كالغيث فترويه
واشتاق لجمالها الخاص بين ذراعيه وخجلها الذي يأسره دون أن تدري
" أنا آسف ، ليس بيدي "
همهم بها بصوت شديد الخفوت وهو يمسد على شعرها الأسود ثم عبس بالتدريج حينما بدأت ليالي تنتفض انتفاضات خفيفة أثناء نومها ثم تخرج منها همهمات غير مفهومة ..
حاول إيقاظها بخفوت لكن كابوسها كان يتمكن منها أكثر وأكثر
تهذي باسم والدها ثم تهذي باسمه
تناديه وتستنجد به
يخرج صوتها مكتومًا وهي ترفض شيئًا بشعًا مموهًا لا يدركه فربت على وجهها عدة مرات يوقظها بقلق إلى أن انتفضت انتفاضة أخيرة أكثر قوة وفتحت عينيها تحملق في وجهه وكأنها لا تستوعب حقيقة استيقاظها ..
" لا تخافي .. إنه كابوس .. لا تخافي "
تدور بعينيها في أنحاء الغرفة كغريق يحاول تحديد مكانه فضمها ليث إليه برفق ثم مد يده إلى زجاجة المياه الموضوعة جوارها وهمهم بخفوت وهو يعدل من وضعها :
" اشربي القليل من الماء "
أمسكت ليالي الزجاجة بأصابع مهتزة وهي لا تزال ذاهلة النظرات وعقلها لم يتحرر بشكل كامل بعد من آثار كابوسها
كانت متعرقه ، مرتعبة وتنتفض أمام عينيه !
لحظات وأعاد ليث الزجاجة مكانها ثم ضم رأسها إلى صدره وتراجع بها للوراء يسند ظهره على ظهر السرير الخشبي وهو يتمتم بصوت خافت :
" لقد انتهى الأمر ، لا تخافي "
ظلت ليالي على تشنجها فهمس ليث بصوت مسموع لها :
" فقط لو تخبريني بما يدور معك "
وكأنه ضغط على نقطة ضعفها إذ انتفضت ليالي من بين يديه ثم غمغمت بصوت مكتوم وهي تتحرر منه :
" سأذهب الى دورة المياه "
تابعها ليث بعينيه ويقينه يزداد بوجود أمر شديد السوء تحمله بقلبها ثم طرقت أم محمد الباب فنهض وفتحه لها لتدخل إليه بصينية الطعام وهي تغمغم بحزن شديد :
" عل الله يجعل صلاح الحال على يدك يا ولدي ، إنها ترفض الطعام تمامًا منذ عادت من المستشفى "
أومأ لها ليث بتفهم فوضعت الطعام على الطاولة ثم غادرت بملامح مشفقة بينما أبدل ليث ملابسه بأخرى مريحة وجلس ينتظر خروجها من دورة المياه بعزم لا يلين
فما يرغب به هو ما سيحدث مهما كلفه الأمر ...
ستتناول طعامها أولًا ثم تخبره بعد ذلك بما تحمل في قلبها .

_________

بعد وقت بسيط خرجت ليالي من دورة المياه بملامح مجهدة فوجدت ليث يجلس منتظرًا إياها وقد رص الطعام أمامه وكأنه قد اتخذ قرار إطعامها وإن كان رغمًا عنها .. !
وبالفعل ما أن تحركت أمامه حتى غمغم بنبرة هادئة لكنها حاسمة في نفس الوقت :
" هيا لتتناولي طعامك "
" معدتي متشنجة ، لا رغبة لي "
همست بردها وهي تتحرك تجاه الفراش لكنها تسمرت مكانها حينما قصف صوته بغضب :
" قلت تعالي ، وإياكِ أن توليني ظهرك وأنا أحدثك مرة أخرى "
رغم اجهادها الشديد إلا أنها ردت عليه بنبرة محتدة :
" وأنا قلت لا أرغب في الطعام ، هل ستطعمني رغمًا عني ؟!! "
اعتلى الضيق ملامحه فتوترت ليالي للحظة قبل أن ترمي كل شيء وراء ظهرها ، فهي على كل حال لن تخسر أكثر مما خسرت
لذا هدرت بوهن حينما نهض ليث وشعرت بالتهديد :
" ماذا ستفعل أيضًا ؟!! .. اقتلني يا ليث .. اقتلني إذا كان هذا ما سيريحك "
صرخت بانهيار في آخر كلماتها وقد تحشرج صوتها في الوقت الذي كان قد وقف هو فيه أمامها ينظر إليها دون أن يظهر عليه ما يدور في خلده ثم مد يده يمسح الدمع عن وجهها ليقول بعدها بنبرة خافتة :
" هل هذا ظنك بي ؟!! .. أنني سأؤذيكِ ! "
أشاحت بوجهها عنه بعجز بينما استطرد ليث بعتب :
" لم أفعلها وأنتِ مجرد غريبة تحمل اسمي فهل سأفعلها الآن بعد أن بتِ تحملين قلبي وولدي معك ؟!! "
ورغم أنها كانت المرة الأولى التي ينطق بها ويخبرها عن ما يحمله في قلبه تجاهها إلا أن جرح قلبها كان أكبر من أن يُمحى بتلك السهولة فهمست ليالي بعتاب أكبر :
" لذا حرمتني من أمي وأخي "
ثم أتبعت بانكسار :
" هذا أيضًا نوع من أنواع القتل "
كاد ليث أن يتحدث لكنها سبقته وهمست بمرارة وكأنها تحدث نفسها :
" ربما هذا هو القصاص .. أن أمر ببعض ما مرت به فضة بسبب غبائي "
" أنا لا أعاقبك على شيء يا ليالي .. على العكس أنا أحاول حمايتك "
رمقته بألم شديد ثم غمغمت :
" بقطع جذوري ! "
صحح لها بصوت مغلق :
" بإبعادك عن مصدر الأذى "
كادت أن تتحدث لكنه سبقها هذه المرة واستطرد :
" ربما لم أخبرك بكافة التفاصيل في المستشفى لكن الطبيب كان قد وضع سبب آخر لسقوطك وهو تعرضك لصدمة عصبية مفاجئة "
انسحبت الدماء من وجهها بينما أكمل ليث بذكاء لا ينقصه :
" أنتِ كنتِ متعبة من البداية بالفعل لكنك استيقظتِ جواري بخير  ونزلتي من سيارتي في ذلك اليوم بوجه غير الذي عدتِ إليّ به لذا أنا موقن أن هناك ما دار في قلب بيتكم وجعلك تسقطين بهذا الشكل فور أن وطئت قدميك الدار "
ومرة أخرى تهربت من النظر إليه وهي تتمتم بتعثر :
" أنت تتوهم "
التوت شفتي ليث بتهكم ثم عقب بإصرار :
" لا تجيدين الكذب يا أم ولدي "
نغزها باللقب الذي ناداها به للمرة الأولى وكأنه يعاتبها بشكل مستتر فخرجت همستها دون إرادة منها وقد استُنزفت بالكامل :
" بالله عليك كفى ... ارحمني "
وهنا يقينه ازداد أضعافًا أنها تحمل سرًا ثقيلاً هو ما يؤرقها ويوهنها بتلك الطريقة لكن عز عليه أن تتوسله الرحمة بتلك النبرة الموجعة فغمغم بتراجع مؤقت :
" لن أضغط عليكِ الآن لكن على شرط "
نظرت إليه ليالي باستسلام تام فاستطرد وهو يشير نحو الطعام :
" لنأكل سويًا "
حين رأى الرفض على ملامحها استطرد وهو يحتضن جانب وجهها بكفه :
" لأجل ولدنا على الأقل يا ليالي وأعدك أن أتركك الليلة دون مزيد من الضغط "
لم تجد ليالي بدًا من الموافقة فأومأت بوهن شديد ..
فإن كان ثمن تركه لها ولو لساعات دون تساؤلات لن تتمكن من الإجابة عليها عدة لقيمات ستأكلها حتى ولو احترقت امعائها في المقابل .

_______________

( العاصمة )

تجلس جواره في السيارة وهي تتجنب النظر نحوه تمامًا وعقلها يشتمها ويوبخها دون توقف لأنها خضعت له
هل جنت لتركب معه السيارة علنًا هو دون غيره ؟!!
أما آل فكان حاله مختلف تمامًا ..
لا يبدو وكأنه في طريقه إلى أمه التي تحتضر !
أعصابه مسترخية بشكل مريب مع عبوس بسيط بين حاجبيه أعلن به تعاطفه مع فداء لا أكثر !
إنه يشعر ........ بلا شيء
لقد توتر للحظة حين أخبرته سيلفر بالأمر لكن بعدها شعر بخواء شديد اتسع داخله وسيطر عليه
وكأنها تتحدث عن غريب سقط .. !
وهي بالفعل غريبة ..
فهو لم يعرفها ... وحين عرفها لم يميل قلبه لها ولم يستسيغها حتى !
لا يدرك سببًا حقيقيًا لبرود مشاعره نحوها لكن ما يدركه أنه لم يأبه لما تمر به بقدر ما يأبه لتأثيره على توأمته الضعيفة
ففيدا حساسة للغاية وقلبها أضعف من أن يتحمل فاجعة الموت ولا يظن أنها ستجيد التعامل مع خسارتها ..
لحظات واعتلى العبوس جبين آل حينما لاحظ سيارة سوداء تتبعه ..
كذب حدسه أول الأمر خاصةً وأنه أنهى أمر سفيان تمامًا بطلقة زينت جبينه وقضت عليه
جرب تصنع المناورة للتأكد من شكوكه وبالفعل تأكد أن السيارة تلاحقه فابتسم بخفة رغم عدم إدراكه لما يحدث وهمهم لفضة بصوت مستمتع وكأنه دخل أحد ألعابه المفضلة :
" ضعي حزام الامان سيلفر .. لدينا زائر"
لم تفهم فضة مقصده لكنها وضعت حزام الأمان وعدلت من وضع ابنته التي راحت في سبات عميق على ساقيها ثم لم يمر أكثر من دقيقتين حينما اتسعت ابتسامة آل وعقب وكأنه يحدث نفسه ضاحكًا كمعتوه :
" ما هذا ؟!! .. إنه مبتدئ ! "
ثم نظر إلى فضة واستطرد قائلاً بحزن طفولي مصطنع :
" لم أستمتع باللعب معه "
" من هذا ؟!! "
سألته فضة بحذر وقلق فهز آل كتفيه بجهل حقيقي ثم أتبع بعد لحظات بهدوء أقلقها :
" لكنني سأعلم "
أرادت فضة أن تستفهم منه حول سفرته الغامضة مثله خاصةً حين لاحظت بطء حركته بشكل ما وتألمه الذي استنتجت منه أنه مصاب في أحد ضلوعه لكنها تراجعت والتزمت الصمت تمامًا فغمغم آل بعد لحظات :
" Don't worry Silver "
" لست قلقة "
همهمت بها من بين أسنانها بإنكار تام وهي تلعن نفسها مرة أخرى لأنها مكشوفة أمامه بهذا القدر ولأنها استجابت له وركبت معه من الأساس ..
ثم لعنت نفسها مرة أخرى لأن هناك شيء داخلها مستكين بقربه وكأنه يقر بخضوعه له
ولعنة أخرى لأنها قلقة بالفعل ..... عليه
ولعنة أخيرة لأنه وبعودته التي بدأت تستوعب حقيقتها اثبت لها أنه سيطر على مشاعرها التي كانت في حالة خمول تام وتوهجت بكافة اختلافاتها حين ظهر أمامها من العدم جالبًا معه غبار سحري ألقاه فوق قلبها فأعاد له حياته من جديد .

_______________

( قصر الوهابي )

ابتسم رفعت ابتسامة شامتة رغم وهنها حين قصت عليه فايزة ما يحدث مع ولدهما ثم تمتم بصوت مجهد :
" يستحق وأكثر"
زفرت فايزة بضيق ثم قالت بصوت خافت :
" لا تجعلني أندم لأنني أخبرتك يا رفعت ، ما هذا الذي تقوله بالله عليك ؟!! "
رمقها رفعت باستخفاف ثم غمغم بعد لحظات :
" هل تظنين أنني كنت لا أعلم ؟!! .. أزهار بمفردها بحاجة إلى أصم حتى لا يخترق صوتها طبلة أذنه "
نظرت له فايزة بعدم تصديق فاستطرد رفعت :
" كل ما في الأمر أنكِ قمتِ بإمدادي بالتفاصيل لا أكثر "
" لا أصدق أنك شامت في حرقة قلب ولدك "
غمغمت بها فايزة بعدم رضا فاعتلى القرف محيا زوجها وغمغم :
" حرقة قلبه ! .. والله لم يفسد هذا الولد سوى لينك معه ودلالك المقيت له "
رمقته فايزة بعبوس ثم قالت بصوت ثابت :
" والله سواء قبلنا أو رفضنا لا يستطيع أحد منا التصدي لحقيقة أن قلبه مع صفية "
أشاح رفعت بوجهه للاتجاه الآخر وعقب بملل :
" فليحترق هو وقلبه وصفية في آن واحد .. زيجة الهنا "
" أعوذ بالله .. حفظهما الله يا رفعت "
هتفت بها فايزة بلوعة فلوح بذراعه السليم بلا اهتمام وهو يلعن الضعف الذي استولى عليه بينما استغفرت فايزة ونهضت من جواره لكن همسته الأخيرة وصلت لها واضحة :
" عساه لا يجد لها طريقًا أبدًا "
هزت رأسها بيأس منه ثم خرجت إلى الردهة لتتسع عيناها بصدمة حينما وجدت أزهار تقف أمام باب القصر تتحدث باكية مع سعد الذي يبدو وكأنه يرفض الولوج إلى داخل المنزل فاقتربت منهما وهي تغمغم بعتب :
" لما تقف هكذا يا سعد ؟!! .. تفضل يا ولدي "
اعتذر سعد عن الدخول وقد اعتلى الخزي ملامحه فور أن رأى عمته ثم عاد بانتباهه إلى أمه وقال بصوت مغلق :
" يعني لم تستطيعوا الوصول لأي طرف خيط يدلكم على مكانها "
هزت أزهار رأسها نفيًا بحزن بالغ فسألها سعد باهتمام :
" ألم تبعث أي رسالة أخرى ؟!! "
" ولا أي شيء ، لقد أغلقت هاتفها تمامًا "
تنهد سعد بضيق مدركًا أن كل ما تمر به شقيقته هو سببه الرئيسي
هو ما أوصلها لتلك النقطة ..
أوصلها لأن تهرب من كل شيء وتختفي عنهم وتعرض نفسها للخطر في سبيل أن تتخلص منهم جميعًا !
حتى أمه لم تتصل به وتخبره بما يدور إلا حينما يئست تمامًا واردات كفًا إضافيًا للمساعدة لا أكثر
لم يستطع سعد أن يلوم سوى نفسه التي باتت جلاده هذه الفترة وقد أصبح يحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة بعد أن تغير شيء ما به جعله يعيد النظر إلى كل أموره بطريقة أخرى مخالفة تمامًا لما اعتاد عليه
" حسنًا يا أمي ، سأحاول التصرف وابحث عنها ربما أعثر على أي شيء يوصلنا إليها "
" حقًا يا سعد ؟! "
نزل سؤال أمه الذاهل على رأسه كالمطرقة وتلك النظرة المتأملة في عينيها اكملت عليه فأشاح بعينيه ثم نكس رأسه أرضًا وقال قبل أن يوليها ظهره ويغادر :
" حقًا يا أمي "
وأثناء ابتعاده وصلت إليه دعواتها الصادقة فجعلته يسرع بخطاه وهو يهمس لنفسه بنفور :
" لا تستحق الدعاء يا سعد .. لا تستحق "

______________

( المستشفى )

كعادتهم يجلسون ..
لا جديد يطرأ على حالتها إلا بكل سوء
يرمقون بعضهم اما بنظرات مشفقة أو داعمة وقد اصطفوا جميعًا لمواجهة نكبتهم
الجميع يأتي للزيارة ويغادر وبِشر باق في الردهة ، يمضي لياليه فوق المقاعد منتظرًا أي خبر عنها
وفداء لا تغادره أبدًا إلا في آخر الليل حينما يأخذها صخر عنوة بعد شجارات مع بِشر لتمضي ساعات الليل في بيت خالتها ثم تعود إلى المستشفى في ساعات الصباح الأولى
وجوههم مجهدة وعقولهم مشتتة ..
أما قلوبهم فلا وصف لحالها !
لكن اليوم الوضع مختلف ..
فقد عاد من يحمل ترياق روحها الهائمة
عل وجوده يؤثر على حالتها ويُضيف لها أي جديد ..!
وأخيرًا ظهر في بداية الرواق ، يخطو بهدوء أعصاب لا يناسب حالتهم ويتحرك بثبات هم فاقديه !
تتبعه فضة التي أولاها مسؤولية حمل طفلته رغمًا عنها وكأنه نصبها أمًا لها ..
كانت فداء أول من رأته فهمست باسمه مما جذب انتباه البقية ثم نهضت تنظر له بحزن شديد تشكو له حالها بنظراتها فقط بينما رمقها آل بشفقة ثم اقترب منها فرمت نفسها عليه تبكي دون توقف وكأن كل ما عايشته الأيام الماضية قد تكالب عليها في تلك اللحظة ..
كتم آل تأوه كاد أن يخرج منه حينما رمت فداء نفسها عليه وتركها تفرغ انفعالاتها كما ترغب وهو يتبادل النظرات مع بِشر الذي كان في أسوء حالاته بدوره رغم هيئته الثابتة !
" ادخل لها .. لأجل خاطري عندك ادخل لها "
تهمهم بها فداء بصوت باك متوسل فأشاح بِشر بوجهه للاتجاه الآخر بينما حوقلت إيمان بغم شديد
أما فضة فاقتربت من سندس التي تجاور والدتها ثم جلست جوارها وسألتها بخفوت :
" ألا يوجد جديد ؟!! "
هزت سندس رأسها نفيًا بملامح مرهقة فسألتها فضة من جديد :
" وماذا عنكِ ؟!! .. ألم تخرج نتائج فحوصاتك بعد ؟! "
همهمت سندس بخفوت دون أن تنزل عيناها من على فداء :
" ستظهر بعد ساعة "
هزت فضة رأسها بتفهم ثم انتبهت كما البقية لآل الذي اجلس فداء على المقعد مرة أخرى ثم جلس أمامها على عقبيه ببطء وتمتم بمواساة لا يجيدها :
" اهدئي قليلًا .. كبار السن عادةً ما يسقطون ، مؤكد ستنهض "
" ادخل لها ، أسمعها صوتك فقط ... أنا متأكدة أنها ستنهض ما أن تدرك أنك عدت "
تنهد آل وكتم ضيقه ثم تمتم بصوت كاره :
" حاضر يا فيدا "
ثم نهض وهو يسب هذا الموقف الذي وُضع به ..
فهو لا يرغب بالدخول إليها
ولا يضمن نفسه من الأساس ، ربما يجن جنونه فينزع عنها قناع الأكسجين بنفسه ويخلص البشرية منها
فتلك المرأة مؤذية بحق حتى وإن لم تنطق بحرف صريح !
ربما لهذا جذبت اللعين زاهر فتزوج منها وأنجبوه .. !
" عساهم يتقابلا عما قريب "
غمغم بها آل سرًا ثم سأل بِشر بصوت مكتوم :
" متى موعد الزيارة ؟!! "

_____________

بعد وقت نزلت فضة مع سندس لاستلام نتائج الفحوصات تاركةً ليندا بصحبة والدها ثم وقفت تتابع بحث المسؤولة عن النتائج عن اسم سندس إلى أن وجدته ثم بدأت بطباعة النتائج لهما لتتمتم بعد لحظات بابتسامة متسعة :
" مبارك الحمل "
اتسعت عينا فضة ثم رُسمت ابتسامة على شفتيها لتتسع بعد ذلك فتشمل وجهها كله بينما اهتزت وقفة سندس ثم سألت بعدم فهم :
" ماذا ؟!! "
وبرد فعل تلقائي ضمتها فضة إليها بعض الشيء ثم ضربتها بخفة على ذراعها وكررت بابتسامة شديدة الصدق :
" أي ماذا ؟!! .. تقول لكِ حاااااااااااااامل "
نظرت لها سندس بتيه بينما غمغمت فضة بسعادة غامرة :
" سبحان الله .. يخرج النور من بين الظلمات "
ثم أتبعت :
" بِشر سيسعد جدًا لهذا الخبر "
وكأن ذكر اسمه هو ترياقها فكررت سندس اسمه ثم قالت لفضة بصوت مهتز ولا يزال الذهول يلفها :
" لنذهب إلى بِشر "
ابتسمت فضة بتعاطف معها ثم كررت ورائها وهي تلفها ليعودا أدراجهن :
" لا مشكلة ، لنذهب إلى بِشر ونفرحه "
وبالفعل تحركتا لكن الابتسامة انمحت من على وجه فضة بالتدريج وأصاب قلبها وخزة غريبة جعلتها تلتفت للوراء مرة أخرى تبحث بعينيها عن شيء مجهول حتى لها .. !
لقد شعرت للحظة أنها مراقبة ..
وتلك ليست المرة الأولى ، بل إن شعورها هذا يزداد يومًا بعد يوم
حدسها يخبرها أن هناك من يضع عينًا عليها تراقبها أينما ذهبت
و يا ويلها إذ أن حدسها نادرًا ما يخطئ .. !


ولما تلاقينا .. الجزء الثالث من سلسلة قلوب تحت المجهر Where stories live. Discover now