الفصل الخامس

245 16 0
                                    

( قبل عدة ساعات )

أنفاسها تختنق كما لو أن الحائط يطبق على صدرها وعيناها زائغة في الفراغ وكأنها تبحث عن نقطة ضوء حولها ..
تشعر كما لو أنها حيوان بلا قيمة مغلول بزنزانة ووضعوا المفتاح أمامه بيقين تام أنه لن يجرؤ على الخروج منها ..
وحتى لو حلت عليه الجرأة فلن يستطيع لأنه وبكل بساطة عاجز ، مكبل .. بلا حول ولا قوة !
دارت فضة حول نفسها بغضب شديد تود لو تحطم كل ما تطاله يدها ، أو لو أن لها أن تصرخ حتى يختفي صوتها تمامًا وتتلاشى هي بدورها فتنتهي معاناتها
معاناتها التي باتت تدركها وتدرك آثارها جيدًا وها هي الآن تواجه أحد تلك الآثار وتبحث عن منفذ للهروب منه ..
حالة مفاجئة من الاختناق الشديد والغضب غير المبرر ورغبة عارمة في الايذاء !
ايذاء نابع عن قوة كانت تملكها
تبحث بجنون عن شعورها السابق بقوتها التي سُلبت منها بغتةً
شعورها الذي كانت تؤمن به واستفاقت فجأة على لطمة أخبرتها كم هي ضعيفة مثيرة للشفقة ..!
فهي ليست قوية جامحة كما كانت تظن وتدعي
ربما كانت ... لكنها لم تعد !
زفرت بأنفاس مسلوبة وجنح فكرها إلى إعادة المغامرة السابقة مرة أخرى
ففي إحدى الليالي لم تستطع التنفس بعد أن انتابتها نوبة ذعر إثر كابوس لعين فخرجت تتخبط حتى وجدت أمامها دراجة بِشر النارية التي لم يعد يستخدمها ولحظها وجدته قد ترك بها المفتاح بإهمال ..
فلم تشعر بنفسها الا بعد أن سحبتها بحذر إلى خارج المنزل ثم ركبتها معتمدة على دروس القيادة التي أجبرت ليث عليها بدلالها فيما مضى حيث كان يتركها تقود دراجته النارية في الباحة الخلفية لمنزلهم حتى يرضي فضولها الذي لا يتوقف حول أي شيء .
شجعت فضة نفسها متذكرة شعورها الغامر بالراحة وصفاء الذهن بعد أن لفحها تيار الهواء البارد لفترة طويلة ..
تذكرت قيادتها المجنونة في تلك الليلة ، النسيم البارد الذي اخمد بعضًا من نيرانها ، أنفاسها التي رُدت إليها .. والأهم شعور الثقة الذي داعبها ليلتها بعد ما كانت حطام بكل ما للكلمة من معنى !
لقد اتبعت الأعراف ولم تحيد عنها للحظة فنُبذت بلا ذنب وجُردت من حياتها لذا آن الأوان لتخلق لنفسها عالم جديد تكون فضة العامري فيه هي الأهم والأبقى ..
هي .. ومن بعدها الطوفان
حسنًا يا فضة
لا ضير من مغامرة جديدة تُعيد إليكِ بعضًا من بعضِك
هكذا شجعت نفسها ثم أخرجت من خزانتها معطف بِشر الجلدي و قبعته الصوفية وقد احتفظت بهما بعد تلك الليلة وكأنها كانت توقن في قرارة نفسها أنها ستكرر الأمر
ثم أخرجت حذاء من الجلد الأسود برقبة طويلة كان بِشر قد ابتاعه لها مع بضعة أغراض أخرى بعد أن جلبها إلى هنا بلا ملابس أو اغراض تقريبًا
و كأن اللعبة أعجبتها وأعادت لها جموحا قديم !
حذاء جلدي ، معطف جلدي ، دراجة نارية ..
فضة المتمردة ، التي لا تهاب شيئًا
لا تلك اللعينة ذات العباءة السوداء التي وضعوها داخل غرفة مغلقة وباتت تنتفض من أي لمسة عابرة
ابتسمت بجنون وعقلها يؤيد الفكرة و يكررها أكثر
مشاركة سر مع فضة القديمة
استعادة بعضًا منها
ارتدت المعطف ثم وضعت القبعة ولم تنسى وضع سكينها معها تحسبًا لأي طارئ ثم خرجت من غرفتها على أطراف أصابعها فقابلها الصمت التام
" مؤكد اللعين غادر فهو لا يبيت في المنزل على أية حال "
غمغمت بها ببعض الراحة ثم تحركت ببطء وحذر نحو الباحة الخلفية للمنزل حيث يترك بِشر الدراجة عادةً وأمسكت بها تحاول جرها بقلب يخفق بمزيج غريب من الحماس والقلق .
وبالفعل أخرجتها ثم عادت لتغلق الباب الحديدي الخلفي حتى لا يشك أحد في خروجها لتجد نفسها في لحظة خاطفة مهددة بسلاح كالذي تحمله وصوته الكريه مثله يغمغم جوار أذنها بفحيح و اختلال :
" I never stand night visitors "
( أنا لا أطيق زائري الليل )
انقبض قلبها وحاولت الإفلات منه وفي نفس اللحظة انتابه شعور بشيء خاطئ فأدارها بعنف وسلاحه لا يزال على خصرها يحفر موضعه بقسوة لتجد نفسها أمام عينيه التي اتسعت لثانيتين قبل أن تغشاها النظرة الماكرة والعبث وترتسم على شفتيه الابتسامة الخبيثة التي أصبحت تميزه بها أكثر من أي شيء آخر ثم يتمتم بلغته الأم وبمرح غريب :
" Look who fell Into my hands !  "
( أنظروا من سقط بين يدي ! )
أزاحت فضة ذراعه عنها بعنف دون أن تنطق بكلمة فاتسعت ابتسامته مما زادها غضبًا وهمهم من جديد باستفزاز لا حدود له بينما عيناه تمشطها من الاعلى للأسفل باستكشاف وقح  :
" سيلفر ! ... هل قررتِ الهرب أم أنكِ تتحولين إلى Cat woman  بعد منتصف الليل ؟!! "
تحركت فضة من أمامه بتجاهل وغضب لكنه سد طريقها بجسده ثم استطرد غامزًا :
" أم هو موعد مع عشيق سري ؟!! "
اتسعت عيناها بجنون حاولت السيطرة عليه من فرط وقاحته ثم قالت من بين أسنانها بنبرة حادة وهي تحاول التحرك من أمامه مرة أخرى :
" اغرب عن وجهي "
لم يعير حديثها اهتمامًا وأغلق طريقها من جديد قائلاً :
" شاركيني سرك أولًا ، لقد أخبرتك سرًا والآن دورك "
تذكرت حين أخبرها بكل صلف بأنه من تسلل إلى المنزل سابقًا وهاجمها فلمعت عيناها بمقت ثم قالت بغضب أعمى :
" هذه المرة لن تخرج من تحت يدي سليم ، ابتعد أفضل لك "
اتسعت عينا آل قائلاً بمرح ووقاحة :
" اووووووووووه ... أنا أتوق لذلك  "
ثم اقترب منها على حين غفلة يلعق شفتيه بحسية واستطرد :
" لما لا نبدأ من الآن ؟!! .. أنا موقن أن النزال معكِ ممتع "
ودت فضة لو تصفعه على قذارته لكنها كانت في أضعف لحظاتها فزفرت بضيق ثم قالت بنظرات كارهة وصوت حاد لكنه مهادن بعض الشيء :
" انت ماذا تريد مني ؟!! "
" مصادقتك "
ألقاها ببساطة وهو يرفع كتفيه بعفوية شديدة فقالت فضة بنفور من بين أسنانها وهي تحاول تفاديه مرة أخرى :
" وأنا لا أريد "
ومرة أخرى أغلق طريقها وكاد أن يتحدث فهدرت فيه بأعصاب منفلته :
" توقف عن هذا "
" شششششششش ... ستوقظين النائمين بصوتك المرتفع ، وأظن أنكِ لن ترغبين بالرد على تساؤلاتهن إذا استيقظن "
غمغم بآخر جملة بمكر لا ينتهى وهو يحرك عينيه على ما ترتديه فرمشت فضة وشعورها بالعجز يكبلها لكنه عرض بشكل مفاجئ :
" ما رأيك أن أذهب معكِ ؟!! "
" أين ؟!! "
غمغمت بسؤالها وهي تود لكمه :
" حيث تذهبين "
كادت فضة أن تصرخ حنقًا وبالفعل خرجت حروفها تحمل انفعالًا واضحًا بعد أن ضغط على أعصابها بما يكفي :
" لما لا تحل عن رأسي ؟!! "
" يوجد بكِ ما يخصني "
ألقاها بجدية مفاجئة فنظرت إليه بارتياب ليعلو العبث حدقتيه من جديد ويغمغم بابتسامة تستفز كل خلية فيها وتدعوها لقتله بضمير مرتاح :
" لقد أعطيتك سرًا كما سبق وأخبرتك ولن اتركك الآن دون أن تشاركيني إحدى أسرارك "
" تبًا لك "
قالتها وهي تتحرك بغتة من أمامه أو هكذا ظنت لكنه ضحك بخفة ومشى ورائها فيما يقول بمرح بعد أن نال منها أخيرًا :
" سأعتبرها موافقة "
وقفا أمام الدراجة النارية فغمغم آل باستمتاع :
" من سيقود ؟!! "
نظرت له فضة بطرف عينيها تود لو تقتلع عينه من موضعها ثم قالت بنفاذ صبر من بين أسنانها :
" أنا سأذهب بها وأنت اتبعني بسيارتك "
" لكن ....... "
طارت كلماته مع الهواء حينما قفزت بخفة وأدارت الدراجة فأخرج مفاتيحه من جيبه بسرعة وركض حيث سيارته ليتبعها بجنون محكم
عيناه لا تغفل عنها ثانية وهي تطير أمامه غير مبالية بأي إشارات وكأنها مرحبة بالموت ..
لا يعلم إلى أين تأخذه ويظن أنها أيضًا لا تعلم .. !
إنها تفر من أمر ما
شبح يؤرق مضجعها ويسرق النوم من عينيها
شبح ... يشبه خاصته !
هذه الفتاة ليست مجرد زوجة ثانية أو عشيقة عادية للمدعو أخاه
بل هي سر !
أحجية تتحرك على قدمين ..
تحاوطها إشارات الاستفهام من كل جانب و تزداد مع الوقت وكأنها تستفزه ليقترب ويستكشف
وهو لا أمهر منه في حل الأحاجي ..!
رآها تنظر إليه من المرآة الجانبية فابتسم بانتصار وغمغم بعينين قاتمتين لا تحيد عن هدفه :
" Here we go .. brother "
( ها قد بدأنا .. اخي )
___________

ولما تلاقينا .. الجزء الثالث من سلسلة قلوب تحت المجهر Onde as histórias ganham vida. Descobre agora