فجري أنت ، بقلم آلاء منير

By AlaaMounir201

636K 22.4K 6.3K

ماذا يحدث عندما تتلاقى سمو المبادئ مع دنيا الرغبات ! عندما تضعك الحياة بين اختيارين أحلاهما علقم .. عندما تُخ... More

تواقيع الأبطال
المقدمة
الفجر الأول
الفجر الثاني
الفجر الثالث
الفجر الرابع
الفجر الخامس
الفجر السادس
الفجر السابع
الفجر الثامن
الفجر التاسع
الفجر العاشر
الفجر الحادي عشر
الفجر الثاني عشر
الفجر الثالث عشر
الفجر الرابع عشر
الفجر الخامس عشر
الفجر السادس عشر
عودة 💫
الفجر السابع عشر
الفجر الثامن عشر
الفجر التاسع عشر
تنويه 😍
الفجر العشرون
الفجر الواحد والعشرون
الفجر الثاني والعشرون
الفجر الثالث والعشرون
الفجر الرابع والعشرون
الفجر الخامس والعشرون
الفجر السادس والعشرون
الفجر السابع والعشرون
الفجر الثامن والعشرون
الفجر التاسع والعشرون
الفجر الثلاثون
الفجر الواحد و الثلاثون
الفجر الثاني و الثلاثون
الفجر الثالث و الثلاثون
الفجر الرابع و الثلاثون
الفجر الخامس و الثلاثون
الفجر السادس و الثلاثون
الفجر السابع و الثلاثون
الفجر الثامن و الثلاثون
الفجر التاسع و الثلاثون
الفجر الأربعون
الفجر الواحد و الأربعون
الفجر الثاني والأربعون
الفجر الثالث و الأربعون
تابع الفجر الثالث و الأربعون
الفجر الرابع و الأربعون
الفجر الخامس و الأربعون
الفجر السادس والأربعون
الفجر السابع و الأربعون
الفجر الثامن والأربعون
الفجر التاسع والأربعون
الفجر الخمسون
الفجر الواحد والخمسون
الفجر الثاني والخمسون
الفجر الثالث والخمسون
الفجر الرابع والخمسون
الفجر الخامس والخمسون
مهم 💖
وحشتوني 💖
الفصل السادس والخمسون
الفجر السابع والخمسون
الفجر الثامن والخمسون
الفجر التاسع والخمسون
الفجر الستون
الفجر الواحد والستون
الفجر الثاني والستون
الفجر الثالث والستون
الفجر الرابع والستون
الفجر الخامس والستون
الفجر السادس والستون
الفجر السابع والستون
الفجر الثامن والستون
الفجر التاسع والستون
الفجر السبعون
الفجر الواحد والسبعون
الفجر الثاني والسبعون
مهم جدا
الفجر الثالث والسبعون
الفجر الرابع والسبعون
الفجر الخامس والسبعون
الفجر السادس والسبعون
الفجر السابع والسبعون
الفجر الثامن والسبعون
الفجر التاسع والسبعون
الفجر الثمانون
الفجر الواحد والثمانون
الفجر الثاني والثمانون
الفجر الثالث والثمانون
الفجر الرابع والثمانون
الفجر الخامس والثمانون
الفجر السادس والثمانون
الفجر السابع والثمانون
الفجر الثامن والثمانون
عيد ميلاد 👑🎂
موعد عودة 💖
الفجر التاسع والثمانون ( والأخير )

ختام الفجر ضي

9K 387 202
By AlaaMounir201

مساكم براق يا لآلئ 💫💖
الليلة موعدنا لمشاركة آخر لحظات أبطالنا
عاوزة أقولكم إني ببكي من فراقهم لكني فخورة جدا بيهم وبتعبي 💖
يلا نشاركهم للآخر .. وأرجو إنه يكون ختام عند حسن ظنكم 💖

...............

( وما كان الشروق فقط ختامًا لرمادية الفجر

وإنما .. بداية صُبح شموسه حرة حارة ..

لا تندثر أبدًا ! )

عقب سنوات في الوطن ..

( جانا العيد ونعيد

وندبحك يا خروف سيد )

ضوضاء صبيانية صاخبة قصفت حاجز شرفتها المشرعة مخترقة آذانها بإزعاج مرح..

تململت بسببها خارجة عن غمامة النوم الناعمة ترمش ببطء عدة مرات قبل أن تطلع بالضي الزاهي في عينيها الكحيلتين على كل الدنيا المنتظرة لصحو الأميرة النائمة ..

رغم أنها بالكاد نامت قبل ساعتين فقط بعد أن فقدت القدرة على مغالبة النعاس أكثر

وذلك عقب سهرة دافئة أهدرت ليلها الطويل في السمر والاستمتاع بأجواء استقبال العيد بين أسرتها الصغيرة، ولم تنتهي حتى تأدية الصلاة ثم العودة لذبح الذبائح ..

بعدها انسحبت باستسلام صاعدة إلى غرفتها وارتمت بإرهاق تام فوق سريرها غارقة في النوم على الفور

وها هو ضجيج العيد يلاحقها مصرًا عليها بالانضمام إليه ونفض الكسل..

لكنها ومع ندرة النوم لم تتذمر على الإطلاق..

بل تبسم ثغرها الوردي بسعادة طفولية تلائم فرحة العيد، قبل أن تنهض بجذعها ما أن وصلتها مزيد من الصرخات النشطة ممزوجة بضحكات حمّستها ..

قفزت عن سريرها الصغير ترتدي خفها البيتي وتهب نحو الشرفة بفضول مستطيلة على أطراف أصابعها المطلية بألوان مشرقة وضعها لها أبوها بنفسه ليلة الأمس بناءً على تدللها

عاينت ما يحصل بالحديقة الواسعة التابعة للعقار بأعين لامعة..

رأت الجد تاج واقفًا يعيد تنظيف المرأب والحديقة بنفسه حيث يمسك بخرطوم طويل يتدفق منه الماء غزيرًا

بينما يدور من حوله مصدر الصخب الرئيسي الذي بدوره يمسك بقطعة جلدية تخص إحدى الأضاحي ولا تعلم من أين أتى بها

لتتسع عيناها الزاهيتين أكثر بتوجس بينما تراقبه يلوح بها مهددًا الباقين

وثب صبي جالس يتفرج دون مشاركة فعلية وصاح في صاحب القطعة الجلدية بتحذير غاضب " توقف .. إن لمستني بها فسألكم منتصف وجهك صدقني "

لم يكترث المزعج مستمرًا بمضايقته بالقطعة المقرفة ليسبه الغاضب ويضربه بحركة مباغتة لم يتداركها الآخر فتأوه شاتمًا إياه

ثم عاد يستكمل لهوه راكضًا دون كلل نحو طفلة بيضاء البشرة عسلية الشعر لها حجم ضئيل..

والتي تنبهت تصرخ بهلع مضحك وتفر عنه مستنجدة بأخيها الأكبر الذي هب إليها بحمية متشبثًا بكفها وحثها من بين ضحكاته المنطلقة " اجري .. اجري يا سمسم "

ظلت تركض معه مراوغة صاحب القطعة الجلدية المندفع مقهقهًا يطلق أصواتًا غليظة كأنه وحش مرعب يبغي أكلها

حتى شهقت تنزلق قدمها الصغيرة فجأة فسقطت في بركة ماء خلّفها الجد تاج أثناء ريّه الحديقة

راقب الجد ذاهلًا ما حدث بينما تسمروا جميعًا مبهوتين لوهلة

إلى أن انتفض صاحب القطعة الجلدية يقفز نحو سمسم مفزوعًا عليها بحنو عفوي وبريء .. في اللحظة التي انحنى أخوها الأكبر بغيرة يرفعها لحضنه مزمجرًا " ابتعد عن أختي يا مستفز وارمِ هذا القرف من يدك أو أخبرت أبوك "

عبس صاحب القطعة الجلدية يزم شفتيه بغير رضا وقد بدأت الطفلة تبكي برقة ودلال " أيها الغيور، دعني أطمئن عليها أولًا "

لم يولِه أهمية رافضًا اقترابه بحزم وشرع بتفحص أخته وهدهدتها " هل تأذيتِ يا سمسم ؟ "

خرجت عالية من الدور الأول حيث شقتها بالعقار مستكشفة سر الفوضى بالخارج قبل أن تشهق بقلق معاينة الوضع بنظرة " أنتم يا مجموعة من المشردين .. ماذا فعلتم بالطفلة ! "

لم يردوا عليها كاتمين للضحك خشية التوبيخ منها، فتدخل الجد تاج ملطفًا بإنقاذ " لا بأس يا عالية كانوا يمرحون وانزلقت في الماء، هي فقط المائعة كأمها وتصنع من الحبة قبة "

عبس الأخ الأكبر للطفلة مدافعًا بتذمر" هي ليست مائعة يا جدي"

ثم نظر للمائعة شبيهة أمها بحضنه مكملًا بتوبيخ لطيف " هل أعجبك هذا يا سمسمية "

أخفت سمسم وجهها في رقبة أخيها تتخفى بضحك يحمل دلعًا

لاحظت عالية الممسك بالقطعة الجلدية فتوعدته باشمئزاز وصدمة " ولد .. من أين حصلت على هذا القرف بيدك .. ارمِ الآن أيها المتسول "

استجاب لها في الحال يلقي ما بيده خلفه مهادنًا ببراءة شقية " أتصدقين لقد سلخت قبل أن أذبح "

ضحك الجد تاج رغمًا عنه يردد " يا إلهي .. كم تشبه أباك في شقاوته ولسانه ! "

حدجت عالية الطفل المشرد بفقدان أمل ثم التفتت لسمسم بحضن أخيها وأمرت الأخير بهدوء " خذ أختك واصعد لنورين يا عمر .. هيا نظفا نفسيكما قبل الافطار .. أتمنى ألا تقتلكما أمكما على هذا المنظر"

أومأ عمر تلقائيًا يهرب بأخته بينما يلقنها بحرص ألا تخبر الأم بشيء لكن سمسم لم تكن منصتة وإنما تبتسم بميوعة فطرية رافعة يدها للشقي المشرد تناديه " طاطا "

فتأفف أخوها مستنكرًا خاصة وهو يرى تلويح ( طاطا ) إليها بمرح

خرجت مياسة من شرفة شقتها الموجودة بالعقار تهتف مباشرة بصوت صارم " أنتما .. اصعدا لي حالا "

أومأ المشرد يذعن ببساطة " تأمرين يا حاجة "

أما الآخر الذي لا زال يجلس وحده متفرجًا تأفف يزمجر باعتراض " يفتعلها (شقاوة) ثم يلبسها معه (خباثة) .. هذا ليس عدلًا .. لمَ تحشرونني أنا .. أنا جالس في حالي !! "

لم تبالي به مياسة تختفي بالداخل فمط شفتيه بيأس ينقل عسليتيه من شرفتها لشرفة مجاورة .. وتراءى له وجه المغترة صاحبة الأعين القمرية تطل عليهم لمشاهدة ما يجري بفضول قطط

وعندما رأت تنبهه لها ابتسمت ملوحة بزهو عفوي كأنما ولدت به، فلوى فمه دون أن يعيرها أهمية الرد مما أضحكها عليه وزاده غيظًا .. لينهض صاعدًا يلحق بأخيه ويتهكم " ها قد طلت علينا صاحبة الأسبوع العتيد !! "

" ضي "

نداء خافت من أمها استدارت إثره لها ثم متلهفة ركضت تسكن حضنها بمبادرة نشطة " صباح الخير مجددًا يا حبيبي "

نبض قلب ليل بقوة وكل روحها تعج فرحًا كلما تكرر مشهد ركض ضي لحضنها ومناداتها إياها بحبيبي متتبعة بفخر خطى والدها في العطاء الواثق الحاني ..

انحنت على ركبتيها تضمها لصدرها بقوة فابتسمت ضي بلطف مكملة وهي تربت برقة على بطن ليل المنتفخ بالحمل الثاني " كيف حالك الآن ماما ؟، كنتِ متوعكة وقت الصلاة قليلا "

تبسمت شفتا ليل ترد ممسكة بكف طفلتها الصغير لتقبله بحركة دارجة " أنا بخير طالما أنتِ بخير يا ماما، كيف حالك أنتِ ؟ .. لم تنامي طويلا "

ردت الطفلة ببساطة " أنا بخير معكِ دومًا .. أما النوم .. فلا يوجد نوم في العيد يا حبيبي "

ضحكت ليل تحيط وجه ابنتها الجميل بين كفيها تتمعن فيه بملء عينيها دون شبع

يغمرها نفس شعور الفخر والامتنان بكل لحظة طالعتها فيها تتقاسمان ذات الملامح السمراء الناعمة الفاتنة إلا من عينيها المبهرتين اللتين ورثتهما عن أحداق أبيها البهية فكانت آية في الحُسن النيِّر ..

مالت ليل تبدأ بتقبيل وجهها مرة بعد مرة دون أن تتذمر ضي بل تستمتع جدًا بالفيضانات التي تغمرها يوميًا بالحنان سواء من والديها أو جدتها شروق

نظرت لها ليل باهتمام تعرض برفق " ضي طفلتي .. الجد تاج طلب أن تتناولي افطارك برفقته اليوم بالأسفل مع باقي الأطفال .. فهل تحبين ذلك ؟ "

هزت ضي كتفيها مجيبة بمراعاة " ألن يزعجك أن آكل بعيدًا عنكِ يا ليلو "

ابتسمت ليل مأخوذة بحرص وبر ابنتها بها منذ الصغر وردت بحنو " سيزعجني هذا حتمًا يا ماما .. لكن لا بأس يمكنني التحمل اليوم لأجلك، أنتِ امرحي بالأسفل مع اخوتك ونعوضها لاحقًا .. اتفقنا ؟"

أومأت ضي إيجابًا توافق " طيب موافقة .. سأحب ذلك "

قبّلت ليل خدها واستقامت تحثها " إذن لنستحم ونرتدي فستان العيد الجديد أولا ثم نمشط هذه الخصلات الطويلة الحريرية قبل أن تشرقي بضيك على المحظوظين بالأسفل "

.........................

الشفايف ورداية وبلون ربيعي

يامّا وخدودها دي حكاية حمر وطبيعي ..

ضحكت نورين بميوعة وهي تدفع حسن عنها دون حزم " توقف يا سونتي .. أخذت عيديتك مضاعفة ولا زالت جشعًا كعادتك .. أنت اعتدت على الدلع المفرط "

" العيد فرحة يا حلوى القطن " ناغشها بتطلب متلاعب فضحكت بليونة تتركه يميل إليها بباقي القبلات المخزنة في نفسه دون معارضة ..

إلى أن قاطعهما صوت الطرقات على الباب فتنهد حسن حانقًا لتحذره بجدية " إياك والتذمر من أطفالي .. قلنا أخذت حقك ويزيد.. يكفي أن تركا لك الساحة خالية لوقت واسع "

ابتسم يحررها على مضض فابتعدت تسحب الروب وتحكم ربطه حولها قبل أن تتحرك للباب تفتحه مستقبلة طفليها

شهقت مصدومة حينها من منظر عمر الذي يحمل بين ذراعيه أخته المتسخة بالوحل ..

على وجهها آثار دموع كان عمر يمسحها عنها ويهمس لها بالكلمات التي جعلتها تتمسح به وتستكين بسلام

هتفت نورين الذاهلة بقلق " ماذا حدث يا عمر ؟ "

" كنا نلعب يا أمي فسقطت " وضح عمر بسرعة ثم شرع يطمئنها " لكنها بخير .. صح يا سمسم "

أومأت سمسم ترفع ذراعيها لأمها بمطالبة طفولية لبتها نورين على الفور بتلهف كي تتفحصها مطمئنة عليها جيدا ثم احتجت بعدها بعذاب " يا ابنتي لتوك ارتديت ملابسك الجديدة .. ماذا أفعل بكِ .. هل ألفك بشوال بطاطس !!! "

بدأت الطفلة تعلل شارحة بلغتها الخاصة المتطايرة الأحرف عما صار بينما تشير لعمر الذي كان يحثها على الجري سريعًا فوقعت أرضًا .. دون ذنب لها !

التفتت نورين ترمق ابنها بحدة أم على وشك الفتك بابنها من شدة الغيظ .. فاتسعت عينا الطفل مجفلا قبل أن يقفز محتميًا بأبيه الواقف مشاهدًا ما يجري بتسلي " سمسم يا لئيمة ! .. منذ ساعة أشرح لكِ ألا تخبريها "

هزت نورين رأسها بحنق هاتفة من بين أسنانها " ماذا أفعل معك وقد أصبحت بحجم الباب تكاد أن تقاربني طولًا "

رمت حسن بنظرة ساخطة تتابع " شبيه أبيك حجمًا وشكلًا "

ضحك الطفل بتشدق كأبيه الذي انتفش يربت عليه فخورًا بالشبه بينهما .. قبل أن يرفعه فجأة فوق كتفه فلم يجفل عمر الذي ضحك متحمسًا ليرمي به أبوه بطول ذراعه فوق الأريكة الضخمة التي استقبلته براحة وأمان

شهقت نورين بفزع رغم اعتيادها على هذا المنظر الخشن بينهما " حسن .. ستسبب له ارتجاجًا بالمخ في مرة .. اترك الصبي لا ينقصه تخلفًا "

لم يستمع لها حسن وابنه كذلك الذي نهض مطالبًا أن يكرر الحركة العنيفة من جديد

فاستجاب حسن يحمله عاليا ثم ألقى به من الأعلى بينما نورين تعود لتشهق متوسلة " يا حسن ! "

صرخت سمسم تلفت الانتباه الأخرى ليلتفت الأب إليها فتناديه رافعة ذراعيها نحوه بملامح مستعطفة شديدة الشبه بأمها " ثونثون .. وأنا أنا .. ثونثون "

تأففت نورين بتذمر " وأنتِ ماذا يا عقلة الإصبع ! .. ارحميني يا ابنتي واهمدي "

لم تستمع لها الطفلة تهز رأسها العسلي مستمرة في مناداة الأب سارقة قلبه بدموع عسليتيها الرقراقة

فذاب حسن حنانًا وتولهًا فيها يدنو ليرفعها بين كفيه عاليًا ويناغيها " ماذا فعلوا بكِ هؤلاء البغال يا سماء أبيكِ .. ماذا فعلوا يا سمسمية بابا الحلوة كأمك "

ضحكت نورين بميوعة عقب الكلمة الأخيرة بينما بدأت سماء تثرثر وتشرح له دون تعب عما حصل لها مرارًا

ليضحك حسن يقبل خديها يسترضيها ويعتذر قبل أن يقترب من الأريكة ليلقي بها بلطف شديد جعلها تنفجر ضحكًا

قفز عمر نحو أبيه مطالبًا بدوره في اللعب ليحمله حسن معيدًا رميه بشدة أكبر من أخته قبل أن ينحني لسماء فيحملها ويرميها برفق ناعم غير مؤذٍ

حتى تداخلت شهقات نورين القلقة بالضحكات المتحمسة منهم بينما الأولى تخصرت بعدم رضا " لن نخلص اليوم "

نظر لها حسن يفرد ذراعيه لها بدعوة شقية " ألا ترغبين بدور يا حلوى القطن ؟ "

عبست نورين تنهره " توقف "

لم ينزل ذراعيه ولا زالت الدعوة قائمة بإغراء والطفلين يصرخان بتشجيع .. حتى ضحكت مستسلمة كطفلة أشد مرحًا منهما .. ثم سارت إليه ليحملها ويرميها على الأريكة بين بلطف

فقهقهت بصخب أشد علوا من طفليها !

.........................

" العب يا شقاوة .. اضربه "

وصلها الصوت الصاخب للأب الذي فقدت الرجاء في تعقله متبوعًا بضجة ولديه المتقدين معه

أغمضت مياسة عينيها تستدعي مزيد من الصبر عليهم بينما تنتهي من اعداد الافطار الخفيف للصبيين ليدوي الصوت الحماسي للأب من جديد " اقصف يا خباثة .. ارمِ "

تأففت مياسة تفقد باقي صبرها فتترك ما بين يديها بحدة وتتوجه نحو غرفة المعيشة حيث يجلس ثلاثتهم على الأرض فوق الوسائد المتناثرة بفوضوية ..

كل منهم يصب كامل اهتمامه على الشاشة الضخمة منشغلين بإحدى الألعاب الحربية الشهيرة

يا ربي .. جنون قبل الافطار حتى !

صدح عمر المتوسط لولديه يأمر ابنه على يمينه " اضرب يا بني .. اضرب "

لم ينجح الصبي في التصويب بسبب حركات أبيه المنفعل فشتم عمر " اضرب يا ابن الكلب يا غبي .. هل هذا وقت حول ! "

قالها يصفع مؤخرة عنقه فتأوه الولد ينكفئ على وجهه وسرعان ما خسروا الجولة ليعج الصبي ضحكًا ثم هب مفزوعًا بغية الهرب عن قبضة أبيه الثقيلة

لكن عمر وثب فوقه بحركة سريعة يهدده مغتاظًا " تعال لي .. ورحمة أمي سأنفضك يا شقاوة "

قهقه شقاوة يجاهد في صد الضربات عنه كما تعلم منه " يا أبي أنت لست بارعًا بأصول اللعبة وكل مرة ترميها عليّ أنا أو خباثة .. ما ذنبي يا أبي ! "

لم يستمع له أبوه رافضًا الاقرار بفشله الذريع في اللعب الالكتروني مستمرًا في مصارعته والطفل انتفخت عروقه محمر الوجه من شدة اللعب ليأمر عمر الصبي الثاني " كتف ساقيه يا خباثة "

هب خباثة ملبيًا فصاح أخوه من بين ضحكاته المجنونة " هل تبيع توأمك يا خباثة يا *** "

ألقى سبة وقحة لا يدرك أبعادها كاملة .. عندها تخلت مياسة عن صمتها القانط تشهق وتهتف بصدمة " ولد يا طارق .. من أين تعلمت هذه الكلمة ؟ "

تسمروا جميعًا متنبهين لها وهم على ذات وضعهم الفوضوي فوق بعض .. ليجيب طارق من بين لهاثه بوداعة مفتعلة حملت بين طياته النذالة " من أبي "

حدجت مياسة عمر باستشاطة مهددة ليصيح مدافعًا " كذاب .. أنا لا اسب أمامهما .. أليس كذلك يا خباثة ؟ "

هز خباثة رأسه ولا زال يكتف ساقي أخيه مجيبًا بصدق " بلى يا أبي .. أنت دومًا تسب أمامنا "

" أنا يا *** ؟ " التفت له عمر مزمجرًا فأشارا الولدين نحوه هاتفين بصوت واحد متشابه " ها .. هل رأيت ؟ "

" عمرررررر " صرخت مياسة من بين أسنانها فضحك الصبيان على منظر أبيهما العابس متذمرًا وأمهما تكمل من بين أسنانها نافذة الصبر " انهض عن الولد وأدت أنفاسه "

لم يستجب عمر معاندًا يستأنف انتقامه من ابنه ( طارق ) الأكبر من أخيه بدقائق محدودة

فتبادل حينها الصبي مع توأمه (تاج) نظرة خاصة جعلت الأخير يغمزه بفهم ومناصرة ..

قبل أن يحرره ليتحالفا كما عادتهما المترابطة دائمًا .. فيهجمان على أبيهما بغتة ليسقط أرضًا وتبدأ مرحلة جديدة من المعارك الخشنة التي غرق فيها ثلاثتهم

عندها ابتسمت مياسة رغمًا عنها بينما تشاهدهم بأعين تلمع حبًا وفخرًا ورضا ..

كم يشبهانه !!

وكأن قدرها لم يكتفي بتعويضها بعمر واحد فزودها باثنين ..

شعرهما البني الناعم وملامحهما السمراء الصبيانية ..

لكنهما بذات الوقت حملا عنها الأعين العسلية الذائبة مع الغمازات

كما أن الجميع يؤكد أن بهما لمحة واضحة من تاج الحكيم فوق صفحتيهما المتطابقة

مزيج مذهل حيوي جدًا ومتفرد

وزاد تميزهما أن كانا توأمًا متماثلًا التطابق بينهما شديد لدرجة الصعوبة في التفرقة بينهما إلا بعد طول معاينة وتيقظ واعتياد

رغم مدى تناقض طباعهما الواضح جدًا !

وقد أجاد عمر نعت كل منهما بلقب يلائم الصفة الرئيسية بكل واحد

فطارق .. هو شقاوة

أما الثاني تاج .. فيكون خباثة !

وكم تتذمر دائمًا من اللقبين المستفزين لها لكن أحدًا لا يستمع

خاصة وعمر يتشدق أن رؤيته للشبلين سليمة وهما معترفان

فطارق .. شقي الطباع شديد المرح والحيوية كأبيه ..

إلا أنه لا يمكن اغفال لمحة هدوء الأعصاب التي ورثها عن أمه تجعل باله طويلًا صبورًا على من يضايقه ..

أما تاج .. فلا يمكنها الانكار أنه خبيث الطباع يحير من أمامه بفهمه ..

فمن يراه خارجيًا يظن أن له شخصية رزينة جليدية كمياسة

إلا أنه حرفيًا .. قنبلة موقوتة !

تستعر رأسه بالجنون في لحظة فيتحول إلى نسخة طبق الأصل من المجرم أبيه

ابتسمت مياسة ولا زالت تراقب غوغاء لهوهم متنبهة لما يفعلونه من حركة خاصة بهم ..

حيث يقفز طارق على كتفيّ أخيه فيجلس فوقهما قبل أن ينحني عمر ليحمل تاج على كتفيه وبذلك يشكلون بنائهم الخاص كلٌ يحمل الآخر على كتفيه ..

قبل أن يميل عمر فيسقطهما عنه بعنف على الوسائد ليتشقلب كلاهما بحركة سريعة ثم يثبان واقفين صارخين بقوة واعتداد

هزت رأسها بيأس تشعر بالصداع وقالت " يكفي يا شباب .. هيا لتتناولا افطاركما أولا قبل النزول للجد "

ضاع صوتها بالطبع بين دوامات ضجتهم والولدان يزمجران مهاجمين عمر الذي قهقه كطفل يشدهما ويقع أرضًا ليستكملوا الحرب الشرسة التي جعلتها عندئذ تستسلم عائدة لمطبخها حتى ينتهوا هم على راحتهم

فعندما تبدأ فقرة المصارعة يصعب فصلهم عنها ببساطة !

بعد وقت كان كل واحد منهم قد أنهى استحمامه ولحقوا بها للمطبخ يكتفي كل فرد بارتداء بنطال بيتي قصير فقط وما أن رأتهم حتى تبسمت وقد كانوا متشابهين للغاية ..

قبّل طارق خد أمه بقوة بينما تاج احتضنها سريعًا فقط ..

جلسا بعدها بينما ترص لهما الأطباق البسيطة مؤجلة اطعام عمر تحثهما بوجه مرهق " هيا حبيباي حتى لا تتأخرا "

تدخل عمر قائلا بتعجب " ألم يطلب عمي أن يتناولا الافطار معه .. لمَ يأكلان هنا الآن ؟ "

مطت مياسة شفتيها تعلل بقنوط " يحبان الأكل مثلك ما شاء الله وأخشى أن يصيبوا أمي بالجنون من كثرة طلباتهما المزعجة "

نظر طارق لها معلقًا بثقة " عالية لا تنزعج .. تحب اطعامنا "

" نعم " قالتها مياسة مؤيدة وتابعت " لكني لا أحب تعذيبها يا أشبال أبيكما "

التهم عمر مما أمامهما بتطفل وسخر ببعض الحنين " رحمك الله يا أمي .. حفيداكِ يأكلان كالحمير في النجيل .. لا الحمير تشبع ولا النجيل ينتهي "

ضحك الولدين بسماجة على قوله فنهرته مياسة تدلك جبينها " توقف عن شتمهما حبًا بالله سيصيبهما التبلد من عشوائية تربيتك "

" هل سيصيبكما شيئًا يا أشبالي " سألهما ببراءة مستفزة فهزا رأسيهما نفيًا ببساطة

تأففت مياسة ترشدهما " انتهيا أنتما خلصاني .. فقد تأخرتما عليهم بالأسفل .. يكونون الآن بانتظاركما للإفطار "

مط تاج شفتيه يمتعض ببرود خارجي " نحن لا نتأخر أكثر من ضي .. هل جاءت علينا يعني ! "

رفع عمر حاجبه " ولماذا ضي بالذات تترصد بها دائما يا خباثة "

ضحك طارق بمرح يطالع توأمه متلاعبًا فشتمه تاج سرًا ليقول عمر بمكر " ماذا هناك ؟"

نهض طارق مغيرًا الموضوع بهدوء منهيًا طعامه " لا شيء .. هيا يا تاج .. فنحن سنمر على عمر أولا ونطمئن على سماء بعد سقوطها أثناء اللعب "

بخبث رفع تاج حاجبه وهو يلتهم آخر لقمة " لن يدعك عمر الجوهري تقترب منها أصلا "

تأفف طارق متذمرا واشتكى لأبيه " صحيح يا أبي .. ابن أختك هذا مستفز .. كلما حاولت حملها واللعب معها يرفض كأنها أخته وحده !! "

تدخلت مياسة ترمق زوجها بمغزى " الولد يشبه خاله .. لا عين لأبوك كي يعترض في هذا "

ضحك عمر متشدقًا دون رد فعلق طارق يشير لأخيه " لكن تاج عادي يمرح معها كيفما شاء .. لمَ أنا المنبوذ دائمًا "

تنهدت مياسة تبدأ بجمع الأطباق شارحة بصبر " لأن تاج يكون أخاها في الرضاعة وقد شرحنا لعمر هذا مرارا كي يرحمنا من تعنته .. أرضعته العمة نورين مع عمر الصغير .. قلت لك ألف مرة "

عبس طارق بغير رضا " ولماذا أنا لا يا ماما !! "

ابتسم عمر قائلا بتوضيح " لأنك لم تقبل يا شقاوة .. أنت بالذات لم تقبل الرضاعة من غير أمك "

" تبا لغبائي " غمغم طارق يضرب جبهته بندم - مؤقت - فأمرته مياسة أن يذهب مع أخيه لينظفا نفسيهما ويبدلا ملابسهما لما يناسب ولا يهدرا الوقت أكثر ..

رضخ طارق نافضًا بؤسه وقفز على ظهر تاج كي يحمله متوجهين لغرفتهما الخاصة

ابتسم عمر ما أن غابا عنه يتحدث بشرود " هل تذكرين عندما رفض الرضاعة من نورين ؟ "

ضحكت مياسة تغسل الأطباق بإنهاك حاولت عدم التركيز عليه ترد " أذكر .. الحمقاء كانت مصرة أن تكون علاقتهم ببعض قوية جدا حتى عندما تنجب فتاة تتعامل معهما بأريحية دون تكدر "

تنهد عمر يجلس على الطاولة الرخامية مكملا " وعندما رفض طارق لم تغضب جدا .. بل آتاها احساس أن رباط طارق سيكون مختلفًا .. وزاد الاحساس عندما أنجبت سماء .. كانت ولا زالت مصممة أن طارق لسماء خاصة مع تلائم اسميهما كسماء وطارقها كما تصف .. ومدى التعلق الفطري بين الاثنين منذ ولادة سمسم "

استدارت له مياسة تجفف يديها وقد ظهر عليها بعض شحوب الارهاق " أختنا مجنونة يا عمر .. قررت مصير طفلين بالكاد تتفتح أعينهما على الدنيا معللة أن احساسها لا يخطئ "

خرج الطفلين كلاهما يرتديان ملابس متشابهة فأصبحا كحبة فول وانقسمت .. خاصة مع تشابه قصة الشعر والطول وحتى الوحمة ..

فيلوحان لهما مودعين يستقبلان تحية أبيهما على مؤخرة عنق كل واحد ثم توجها راحلين

ضحك عمر ما أن غادرا فعبست مياسة تتحسس بطنها بينما تبدأ بإعداد طعام له " ما بك تضحك "

أشار نحو عنقه في توضيح صامت جعلها تنظر للأعلى بضجر " آه .. مجددا .. لن نخلص "

قهقه عمر بقوة معللا " أنتِ لا تعلمين مدى حرج الوضع عندما يكبران ! "

دافعت بحنق " أي حرج يا بني آدم .. إنها مجرد وحمة في رقبة كل منهما "

ضحك أكثر بشكل مستفز وأضاف " وحمة تأخذ شكل حبة الكرز .. حمراء اللون في رقبة كل واحد .. تخيلي علامة كهذه على جانب عنق كليهما كيف سيتم تفسيرها للجاهلين .. طفلاي المسكينان سيعانيان في شبابهما "

سخر في العبارة الأخيرة فمطت شفتيها ممتعضة " ليسوا كل البشر بعقول منحرفة مثلك .. أما بالنسبة للحرج .. فلا أتوقع حرجًا لشبيهيك المجرمين .. ربما يتفاخران بها دون منح شرح أنها مجرد وحمة أصلا "

ارتفعت ضحكته مرة أخرى بفخر وقح فتأففت بغير رضا تنتهي مما تصنع ليقول مستمتعًا " لا زلت لا أفهم لماذا لم تخبريني أنكِ توحمتِ عند حملك بهما .. لم أكن لأسخر من أمور النساء التافهة والله ! "

لوحت بكفيها معارضة " يا بني آدم افهم .. لا يوجد شيء علمي اسمه وحمة أصلا تخرج بسبب اشتهاء الأم .. كلام فارغ "

قفز عن الطاولة يدنو منها " هل تنكرين اشتهائك للكرز أم لا .. اعترفتِ بنفسك بعد الولادة وظهور الوحمة علنًا "

عبست تقارعه " كان أمرا عابرا يا عمر .. لا تتعنت "

" لماذا أخفيتِ عني طلبك "

أصر بمحاصرتها فأبعدت نظراتها العابسة تبرر متحرجة " كان في غير موسمه .. لن أتصرف كالتافهات أنا وأطالب بأشياء تعجيزية كمدللة مزعجة "

مط شفتيه يسخر " لا تتصرفي كمدللة مزعجة ! .. وما ذنب الطفلين في أفكارك الصلبة ليواجها المجتمع بوحمة تدينهما في أخلاقهما "

" توقف " نهرته بغيظ وتابعت " قلنا لا أساس علمي لهذا "

أحاط بها قائلا مغيظًا " اذهبي أنتِ وأساسك العلمي هذا !!! "

أدارت وجهها متبرمة فمال لوجنتها الشهية وتركيزه يتبلور حولها بصفاء عقب غياب الطفلين وانفرادهما أخيرا ليهمس " لم أقل لكِ صباح الخير بعد يا بغاشة "

حاولت دفعه ترد بخشونة " ابتعد يا عمر فأنا متعبة جدا هذا الصباح"

توجه بكفه لبطنها المنتفخ يقول باهتمام صادق " تعبك يزداد مؤخرًا مع تقدم الحمل، هل أنتِ بخير ؟ "

تنهدت تجيب بهدوء " الحمل لا يتعبني بالعكس .. أنت هو المتعب كولديك "

" امممم " همهم يلثم رقبتها باشتهاء واعترف " لا يمكنني الانكار .. نحن نرهقك جدا بعشوائية تصرفاتنا .. صح "

أومأت تؤكد ايجابًا " صح "

ابتسم لوجهها الفاتن يتشبع برؤيتها بعشق يتضخم .. سفاحته أم أطفاله التي ازدادت جمالًا وحنانًا وعطفًا بعد أن أصبحت أمًا

فكانت أعظم أم .. الأشد دفئًا وقوة

تربية التوأم صعبة .. خاصة إن كانا ولدين مشابهين له في الفوضى والجنون كلٌ بأسلوبه ..

لكنها تبهره بمدى ثباتها في تولي الأمور بصبر وحكمة .. بين حزم ولطف

تجيد الاحسان والمراعاة وتلف كل حياتهم بوجودها وتشمل ثلاثتهم داخل قلبها الفسيح ..

إنه أسعد رجل في العالم أن أتقن اختيار أم أطفاله .. سواء للولدين أو السفاحة المنتظرة !

خرج عمر عن شروده فيها وقد استكانت قبالته يتسرب لها دفئه .. فأحاط وجهها بين كفيه قبل أن يميل لتقبيل شفتيها لفترة فلم تتهرب خلالها بل بدت تسترخي معه أكثر وتشحن قواها ..

ابتعد يهمس بخفة واستعطاف " نضيع دونك يا أمي "

ابتسمت بنعومة تخبره بحمائية " لا أسمح بضياعكم أبدًا رغم مدى تعبي معكم "

مسد على بطنها قائلا " غدا تصل مُدللة أبيها وتجبر الكل على الهدوء خشية ازعاجها "

ركلت الطفلة أسفل كفه في تواصل فوري خاص بهما ومألوف

حيث أنها تحب صوته جدًا وغالبًا ما تتجاوب مع أن يحادثها كأنها تسأله ( وعد ؟)

فيضحك ثغره باتساع مبهور وينحني لمستوى بطن مياسة مقبلا أعلاها بقوة " وعد يا بابا .. انتظرك على نار أقسم لكِ "

عادت الطفلة تركل فتأوهت مياسة ضاحكة " يا ربي .. أتوقع أن تكون أشد صخبا من التوأم .. إن كانت منذ الآن لا تهدأ !! "

ابتسم عمر يستقيم معيدا شدها داخل حضنه يهمس بحسية التقطت فحواها " ستكون سفاحة كأمها "

حاولت التملص بمراوغة وهي تشير للطاولة " ابتعد .. هيا .. خذ طعامك واذهب لطاولة الطعام فأنا سأنام قليلا قبل النزول "

" حاضر " رد بإذعان بريء توجست إثره ولم تتوقع بساطة قبوله .. لكن قبل طرح استفهام كانت تشهق ما أن حملها فجأة خارجًا بها من المطبخ متوجهًا لغرفة الطعام فسألت ذاهلة " عمر ماذا تفعل .. أنزلني "

وضعها على الطاولة المستطيلة بحرص يشرح " ألم تقولي خذ طعامك واذهب لطاولة الطعام "

اتسعت عيناها مستنكرة " ابتعد أيها الوغد .. هل تعاملني كوجبة "

لم يستجب لمطلبها المغتاظ بل كتف ذراعيها بحصار مشتد يغزوها بالكلام " اشتقت لكِ يا فرسي الجامح .. ألم تحني لي "

" توقف .. أنا متعبة " قاومته متهربة فأخذ يوزع قبلات ساخنة على بشرتها أذابت فكرة الهروب وزادتها استرخاءً " لا بأس يا بغاشة .. دعيني أريحك إذن "

كبحت ضحكتها بصعوبة تسعى للفكاك دون جدوى حتى حذرته بقلق " الولدان قد يعودا يا عمر "

" سأقتلهما إن فعلا " رد متوعدا دون رفع وجهه عن الانغماس فيها فهمست بصعوبة من بين هجوم قبلاته " طيب .. أيها المجرم المجنون .. دعنا نذهب لغرفة النوم حيث من المفترض أن نكون !! "

رفع وجهه يجذبها إليه وقد فاز بما ابتغى من استسلام .. فألصقها به يجيب معتدًا بضراوة من بين شفتيها المنفرجتين ترحابًا " عمر المنسي .. يفعل الشيء حيثما يريد، لا حيثما يفترض ! "

اتسعت عيناها تحفزًا من هوجاء النيران الثائرة بمقلتيه إلا أنها لم تقدر على مواكبته في الحال .. حيث سبقها بتولي زمام الأمور عبر قبلة أشرس من سابقتها

جعلتها تخرس مذعنة فوق طاولة الطعام طويلا .. كوجبة دسمة ومفضلة لا يشبع منها مهما مرت السنون .

.........................

" صباح العسل يا عسل " هتف طارق غامزًا بشقاوة ما أن فتحت عمته وخالته في آن واحد الباب وسرعان ما هللت أساريرها باستقبال التوأم هاتفة " صباح الفل يا روح قلب نورين "

ضمتهما لها بقوة فقبلها طارق متعلقا بها بعاطفة يجيد التعبير عنها بحرية بينما تاج ابتسم يقول بهدوء " صباح الخير يا حلوى القطن "

امتعض حسن الجالس بالصالة بينما نظرت نورين لابن أخويها قائلة بحاجب مرفوع تناغشه بما لا يقبل " ألن تناديني بأمي مرة يا تجاتيجو "

امتعض تاج قائلا وهو يشملها بعسليتي الحكيم " لست مقتنعا يا نورين .. هيئتك لا تليق بأن تكوني أمي .. فأنا أقاربكِ طولا "

قهقهت نورين بمرح وهي تدخل بهما ولا زالت تحيطهما بذراعيها بحنان غامر " يا روحي أنت وهو .. يا ولديّ الغاليين .. عيدكما طيب يا قلبي "

ابتسما لها بحبور ثم التفتا يلقيان التحية بصوتهما المتطابق " مرحبا مجددا يا عمي حسن "

عبس حسن يرمقهما بتدقيق فشل في النجاح به ورد " مرحبا لكليكما معا بما أني سأفشل في التمييز من شقاوة ومن خباثة "

ضحكا على جهله في التفرقة بينهما ثم سأل طارق نورين بهمس سري " أين سمسم ؟ "

قبل أن تجيبه قاطعهما صوت سماء التي خرجت من الغرفة تصيح بلهفة كأنما استمعت لندائه " طاطاااا "

التفت طارق في الحال نحوها يهتف بسرور " سمسمتي "

ركضت إليه بدلال تريد القفز في حضنه، فأحال دون وصولها خروج عمر أخيها يمنعها بأن حملها عن الأرض لحضنه لتصرخ متذمرة وطارق يصرخ ساخطًا " يا عمر لا تكن سخيفًا .. هاتها "

" لا تلمس أختي " حذره عمر بتشديد غير متنازل وهو يسيطر على تحركات أخته بينما اقترب تاج يضايقه متعمدًا يقبل وجنة سماء بمرح خبيث ..

دفعه عمر مغتاظًا " خلصنا من اخوتك الغير مرغوب بها هذه "

تدخل حسن برضا يمدحه " أسدي الوحش .. أحسنت .. أخرج على أبناء أبيهما ما فعله بأبيك "

لم يفهموا مغزى العبارة جيدا فعلقت نورين بحنق " لا تكن طفلا كابنك يا حسن "

ثم نظرت لابنها متوعدة " ولد يا عمر .. اترك البنت تسلم عليهما "

لم ينصت لأمرها عمر فزفر طارق ببؤس مما يتعرض له من ظلم لتدنو منه عمته تراضيه بحنو " لا تحزن يا قلب نورين، عندما تكبر سأزوجها لك بالعند فيهما "

ابتسم طارق منتفشًا بفرح بينما هتف حسن وابنه في صوت استنكاري واحد

" نورين .. أمي ! "

لم تهتم بهما وهي تأمر ابنها ممتعضة " هيا يا انتقام أبيك وشبيهه .. اذهب ورتب شعرك كي تذهبوا لجدكم معًا "

رضخ عمر على مضض يعود لغرفته لكنه ناكفهم بأن أخذ سماء معه رافضًا تحريرها

التفت حسن ينظر لطارق بعينين شريرتين " اسمع يا ولد .. ما تقوله عمتك هذا تنساه تماما هل تفهم ؟ .. أقسم أني سأنتقم من أفعال أبيك السوداء فيك "

" حسن " صاحت نورين بغضب بينما ارتفع حاجبا طارق يردد لنورين بغباء " ماذا كان يفعل أبي بالضبط يا نورين ؟ .. هل كان يضربه ؟ "

دوت ضحكة نورين بتسلي تغمزه بعفرتة طفولية " سأحكي لك هذا يوما ما يا قلب نورين "

هز طارق كتفيه وسكت، نظر حول منه بعدها قبل أن يقع بنظراته على تاج الواقف أمام غرفة عمر منتظرًا يتعجله بصبر نافذ

ألقى له حينها نظرة خاصة غمزه بعدها تاج ليتقدم منه طارق بخفة فيرى سماء وقد حررها أخوها كي ينتهي من ترتيب شعره

عندها أشار طارق للطفلة سرًا والتي صرخت تركض إليه ببهجة في غفلة عن أخيها

ليتنبه الأخير على جريها إليه فيشتم " سماء .. تعالي هنا "

لم تلتفت له وهي تصل لطارق الذي خطفها لحضنه ودون انتظار ركض بها هربًا تاركًا أمر تعطيل عمر لتاج الذي فرد ساقه كي يعرقل خطواته

سبه عمر بجنون يريد لكمه فتفاداها تاج بتنبه

حتى عاود عمر اللحاق بأخته الأميرة التي اختطفها اللص البارع

واتبعهما تاج المنفجر في الضحك متسليًا تحت نظرات حسن ونورين المتجمدين ذهولًا مما حدث

إلى أن أنهت الصمت قهقهات نورين وحسن علّق باستنكار " لقد سرق البنت بمنتهى الوقاحة وفر بها .. الوغد ابن الوغد !! "

التفتت له نورين متخصرة " ابن أبيه لا يُخشى عليه .. هل مثلك سينتظر إذنا تتدللون به "

قالتها وهربت من أمامه بينما يهتف بحنق غاضب " ما قصدك ؟ .. تعالي هنا والله لن أتركك يا ابنة أخيك أنتِ !! "

...........................

دلفت للغرفة بخطى ناعمة غير محسوسة تجنبًا لازعاجه، اقتربت تصعد على السرير الكبير ثم بخفة اندست في حضن النائم تلف ذراعيها حول رقبته وتستكين هناك للحظات

قبل أن تبدأ بتقبيله بغرض ايقاظه برفق، أخذ يتململ يستفيق وعيه ببطء ثم ابتسم بتنبه دون فتح عينيه يضمها ويشبع برائحتها الزاكية صدره المشتاق

طبعت آخر قبلة على خده الخشن ففتح عينيه المشابهتين لما تملك وابتسم أكثر هامسًا بصوته الناعس " حبيب بابا .. صباح الضي يا كل الزهو والضي "

" صباح الخير يا حبيبي " ردت بعذوبة تعانقه وتردف " لم أستطع النزول للجد قبل أن آخذ قبلتي منك .. هل أزعجتك يا بابا ؟ "

ضحك يرفعها فوق صدره ملاطفًا " هل أنزعج منكِ ؟ .. أي يوم جميل هذا الذي يبدأ على حُسن خلقتك يا ضي "

ابتسمت بثقتها العميقة التي تترعرع بنضارة يومًا بعد يوم وقالت بدلال تفرد كفها " طيب بهذه المناسبة .. أين عيديتي "

ارتفع حاجباه ضاحكًا بمرح " ألم أمنحك قبل صلاة العيد ؟ "

هزت كتفيها ترمش فتنثر سحر البراءة بمكر متقن ورثته عن أمها " هل أنا ضي فجر منير .. تأخذ العيدية فقط مرة واحدة يا بابا !!!"

ضحك بصوت عالٍ وقد تم السيطرة عليه بسهولة منها لتفتيشه حرفيا

فمال يلتقط محفظته الخاصة من طاولة السرير بجواره ليسحب منها ورقة كبيرة يمنحها لها ببساطة " تفضلي يا متجبرة السحر كأمك .. تأخذين الروح كلها عيدية وبمنتهى الرضا "

قهقهت تأخذ الورقة تغمزه بمشاكسة " شكرًا يا بابا .. هل تعلم كم أحبك يا حبيبي "

عاد يضحك ويضمها لصدره هامسًا بانصهار أبوي تام " أنتِ سابية بشكل ! .. ليحمي الله القلوب والعقول من فتنة طغيانك يا ضي "

..........................

بعد قليل كان يخرج حاملا طفلته السابية بين ذراعيه بعد أن نادته ليل لتناول الافطار ..

اقترب من أمه يلقي التحية ويقبل رأسها ثم جلس على رأس طاولة الطعام كما ألزمته أمه منذ زمن أن يكون رأس الطاولة مكانه هو فقط

أجلس ضي فوق ساقيه وليل خرجت من المطبخ ترص الأطباق أمامهم ثم غابت لدقائق جديدة قبل أن تعود بكوب حليب وجلست تسحب ضي باهتمام " هيا يا ماما .. اشربي هذا أولا قبل النزول لهم "

ردت ضي ببساطة " لا داعي يا ماما .. سأشربه عند نانا عالية "

هزت ليل رأسها بإصرار " ضي لا تراوغي .. اشربيه كاملا أمامي "

تنهدت ضي بقلة حيلة تتناوله بينما فجر شرع بالأكل وهو يراقب زوجته المنهمكة في إعادة ترتيب خصلات ابنتهما وهندمة هيئتها

انتهت ضي تضع الكوب " الحمد لله .. شكرا يا ماما "

ابتسمت ليل تقبل خدها ثم استقامت " هيا كي لا تتأخري عليهم أكثر "

أومأت ضي تهب أولا لتقبيل جدتها شروق ثم توجهت لفجر تتعلق به وتطبع العديد من القبلات على خده بقوة دفعته للضحك خاصة عندما همست بتدلل " لا تنس يا حبيبي عيديتي .. سآخذها منك عندما أعود "

اتسعت عيناه ذاهلا قبل أن يقهقه " أيتها اللصة "

ضحكت بدلع تتحرك ناحية أمها أخيرا والتي ودعتها عند الباب بينما تملي عليها الوصايا دون ملل والتي تلقتها ضي بصبر دون تذمر " لا تركضي هنا وهناك فتجرحي نفسك يا ماما كالمرة السابقة .. كُلي جيدا .. لا تدعي أحدًا يضايقك .. تنبهي لنفسك وحافظي على نظافة شكلك "

لوحت لها ضي تتحرر أخيرا بينما ضحكت شروق " يا ابنتي هل تذهب لحرب ! .. إنها تنزل لجديها واخوتها "

ابتسمت ليل تزيل حجابها وتعلقه مكانه جوار الباب قبل أن تقترب مستذكرة " آه .. دوائك يا أمي "

" على مهلك يا ليل .. هل الدنيا ستطير " قالت شروق مخففة بشفقة فأتت ليل بدوائها قبل الأكل ترد " بالأمس نسيته وبقيت أؤنب نفسي طوال اليوم يا أمي .. هيا .. بالشفاء "

شكرتها شروق بحنان وقالت " اجلسي يا ابنتي .. ارتاحي "

تنهدت ليل جالسة ببطنها المنتفخ لتضع الطعام لشروق بحرص ثم انشغلت حينها بالأكل حتى خرج صوت فجر أخيرًا " صباح الخير لكِ أيضًا يا زوجتي "

طالعته ليل بغباء ثم أومأت " صباح الخير يا فجر "

مط فجر شفتيه ممتعضًا من التجاهل الذي لم تتنبه له وهي تقول لشروق " هل ستنزلين معنا للأسفل يا أمي "

هزت شروق رأسها قائلة " لا .. أنا لم أنم لحد الآن .. سأنام بعض الوقت قبل أن تأتي أم سلطان وعائلتها وقت الغداء حتى لا أنام على نفسي من الإرهاق بينهم "

ربتت ليل على كتفها " لا بأس حبيبتي .. أنتِ ارتاحي وقبل أن يصلوا سأصعد لكِ "

نظرت لها شروق تقترح بقلق عفوي " كنت ارتاحي قليلا يا ابنتي فقد كنتِ متعبة صباحا "

ردت ليل بهمة " لا أريد ترك عالية وحدها فالوليمة ضخمة بإذن الله .. نريد الانتهاء سريعا "

أومأت شروق بتفهم تدعو لها " لا بأس يا طفلتي .. أعانكم الله وجعل البيوت عامرة بالخير دائما "

غمغمت ليل بآمين بينما شروق نظرت لابنها الساكن تقول " وأنت هل ستنزل لمساعدتهم "

أومأ إيجابا يوضح " بالتأكيد .. لكني أريد المرور على شقتنا في الحي أولا لترتيبها قبل أن نذهب لقضاء بضع أيام فيها "

ابتسمت شروق بحنين لكنها اقترحت مشفقة " أجلها لأي وقت آخر يا ولدي "

هز فجر رأسه مصرًا " أعلم أنكِ تفضلين الحي القديم يا أمي "

ضحكت شروق معترفة " لا يمكنني الانكار .. رغم روعة الحي هنا لكن القديم به رائحة منير "

ابتسم لها فجر يربت على كفها بلطف وتفهم .. لو بيده كان بالفعل اختار بناء العقار في الحي القديم ذاته بين المعارف والجيران

لكن الحي هنا كان الأنسب بهدوئه وخصوصيته .. فتم شراء قطعة الأرض قبل سنوات ثم بناء عقار يضم مرأب كبير وحديقة واسعة مكون من أربع شقق ضخمة ثلاثة خاصة به وبصاحبيه

أما الأولى بالدور الأرضي المفتوح على الحديقة فهي خاصة بالعم تاج الحكيم ..

هذا كله تم بالتوازي مع انشاء فرع شركة متحدة استثمارية في الوطن بالتشارك مع آل مهران الذين رغبوا بامتداد نشاطهم في حدود الشرق الأوسط أيضًا

فكان وجودهم في الوطن متاح بفرص أكبر وقد أصبحت الشركة تحت ادارتهم .. فيتناقلون للمتابعة بين الوطن وأوروبا في حياة عملية مشغولة جدا متكدسة بالنجاحات الاستثمارية المشهود لها ..

تنبه فجر من شروده على ليل تتلاعب في هاتفها فسألتها شروق " يا ابنتي كلي .. مع من تتكلمين "

ردت ليل ببساطة " إنها نورين تسألني متى سننزل فقلت لها نريد أن نكسب وقتنا "

لم تعلق شروق بينما فجر قطع طعامه قائلا بفتور " أنا شبعت "

تعجبت شروق " لم تنهِ طعامك يا ولدي "

ربت على كتفها بلطف " الحمد لله حبيبتي .. أنا شبعت "

زفرت شروق تشيعه بنظراتها الفاهمة حتى غاب داخل غرفته .. عندها التفتت لليل المجاورة لها ثم بحنق ضربتها أعلى رأسها لتجفل ليل " يا أمي ماذا هناك "

زمت شروق شفتيها تتوعدها من بين أسنانها " والله يا ليل أخشى أن أتصرف معكِ كحماة عقربة بسبب أفعالك "

عبست ليل بغباء زاد شروق غيظًا " يا ابنتي زوجك .. زوجك الذي لم تقولي له صباح الخير كالبشر حتى "

ارتفع حاجباها قائلة بتأفف " ماذا فعلت له "

" ليل " حذرت شروق متابعة " لا تدعين السذاجة الآن .. تهتمين ببنتك وأمك .. طيب وزوجك ؟ .. الرجل الذي يحملك بين رموشه هذا أليس له حقًا عليكِ ؟ .. أنتِ تهملينه منذ حملك بالصبي "

" وهل هذا بيدي يا أمي " تذمرت ليل ودافعت " فترة حملي هذه صعبة جدا "

زفرت شروق بيأس قائلة " الآن الأمور أكثر استقرارًا معك .. فانهضي يا ابنتي الله يرضى عنكِ ولا تغضبيني .. ارض زوجك عايديه ودلليه .. انهضي يا بنت أو والله سأضربك الآن "

نهضت ليل فورا باستياء " يا أمي والله كنت سأفعل بعد دخولك للنوم "

لوحت شروق " بما أنكِ تستحين يعني .. طيب انهضي هيا أنا أصلا ذاهبة للنوم .. اذهبي هداكِ الله "

أومأت ليل تدخل الحمام تغسل يديها ووجهها أولا ثم لملمت الأطباق ونظفت المكان قبل أن تتوجه لغرفتهما حيث وجدت فجر أمام المرآة يرفع إحدى زجاجاته العطرية فشهقت توقفه بهلع " لا تضع العطر أرجوك "

توقف في الحال يوضح " أنا سأخرج على كل حال .. لن يضايقك "

هزت رأسها بمعارضة نافرة فتنهد يترك العطر ويبدأ بإغلاق أزرار قميصه الأبيض بهدوء لتبتسم " هل ستذهب هكذا مباشرة "

أومأ إيجابا دون رد فدنت تمسد على قميصه قبل أن تمد يديها كأنها ستساعده

لكنها أخذت تفتح الأزرار التي أغلقها حتى تنبه عابسًا " يا ابنتي توقفي "

حافظت على ابتسامتها تناغشه " كنت سأطمئن على شاماتك "

رفع حاجبه يسخر " هل سينقصون واحدة يعني ! "

هزت كتفيها قائلة بعبث " ربما أكلت أنا واحدة في مرة من شدة حماسي "

رمقها ببلادة للحظات حتى قصفها متهكمًا " أي مرة ؟ .. تلك التي كانت قبل عشرة أيام "

أطبقت شفتيها تمنع الضحك فضايقته ليلتفت عنها معاودا غلق قميصه .. تنهدت قائلة " هل تلومني على هرموناتي بسبب ابنك يا فجر ! "

حدجها بغيظ عبر المرآة فتقدمت تلتصق بظهره وتقول مغيرة الموضوع " ألن تعطيني عيدية "

نظر لها يرد ممتعضًا " أي عيدية هذه ؟ .. معك البطاقة المصرفية كلها "

طالعته مستنكرة واحتجت " أي بطاقة يا فجر ! .. العيدية يجب أن تكون مالا منك أنت "

لوح بلا مبالاة " طيب .. المحفظة عندك خذي ما رغبتِ "

" فجر !! " صرخت بحنق حقيقي وقد استفزها بلا مبالاته التي يصدرها ..

التفت لها بهدوء بارد فتأففت " أنت تدلل ضي أكثر مني على فكرة "

رفع حاجبه صامتًا هنيهة ثم قال بمغزى " الحمد لله أن كانت على قدر تدليل ضي فقط .. فأنتِ قائمتك واسعة .. من ضي لشروق للعمل للبيت وأنا في نهاية النهاية .. مُلقى بإهمال في آخر سطر بالقائمة هذا إن وجدت أصلا "

طالعته ذاهلة من حنقه الذي تفجر ثم ضحكت مما زاده ضيقًا فابتعد عنها مرة أخرى

لحقت به بقفزة جعلتها تترنح ليسندها بقلق " ليل يا حمقاء "

ابتسمت بإرهاق تنظر له وتهمس " أنت لست في حدود قائمة أصلا يا فجر .. لا أولها ولا آخرها .. أنت محور كوني يا شمسي الفياضة بالعطاء "

عبس لا ينساق لها بغير تنازل " لا عطاء ولا باذنجان .. لا آخذ منكِ إلا كلام أصلا "

ضحكت بمرح مستمتعة بغيرته لا تلتفت لتذمره فتجذب رأسه نحوها " كم أصبحت أنانيًا يا حبيبي "

لم ينكر التهمة بل أكدها " أنتِ اهتمامك مبهر بالجميع يا ليل، لماذا أنا لا ! "

لفت ذراعيها حوله تشده أكثر " امممم .. إذن هل سنضيع الوقت في الثرثرة أم نستغلها "

ابتسم يقترب من شفتيها مقتنعًا " معك حق .. بما إنها فرصة لا تعوض "

ضحكت وهي تستقبل قبلته بينما يحملها بين ذراعيه متوجها للسرير ويسمح لها أخيرا بفك أزرار قميصه مغازلا إياها بالقبلات الناعمة لتتنهد هامسة قبل الغرق " يا إلهي .. لمساتك كعسل يسيل ناعمًا ملطفًا فوق بشرتي .. اشتقت لك يا فجري "

..........................

" صباح الضي على الجميع "

ضجت بهجتها بأشعة نبعت من ألق التبسم الواسع على ثغرها .. تطل من الباب المفتوح للشقة الأرضية المطلة على الحديقة

فارتفعت النظرات لها بترحاب فوري وقد برعت في نثر السرور في الأنفس المترقبة لظهورها بفستانها الأخضر الفاتح المبهرج برسومات شموس ضاحكة وورود تتطاير حولها الفراشات .. بأكمام قصيرة منتفخة بالكاد تغطي كتفيها ينسدل باتساع حتى بعد ركبتيها

خصلاتها السوداء حرة تصل لمنتصف ظهرها إلا من ضفيرتين يمتدان من جانبي رأسها وتلتقيان في الخلف ثم ترتاح فوق باقي شعرها كضفيرة واحدة مزينة ببضع زهرات بيضاء

تسريحة تفننت أمها ليل فيها والتي منذ أنجبتها تعلمت الكثير مما يخص تسريحات الشعر لتتقن تدليل وتمييز ابنتها دائمًا كفتاة جميلة ..

تبخترت ضي نحو الجميع بحذائها الصيفي الجديد بينما تستقبل تهليلهم البشوش بها في بهجة

فعمر تبسم باتساع قائلا بانبهار بريء " صباح الخير يا ضي "

أما سماء أخته صرخت بفرح تناديها ب ( دي )

وطارق لوح لها بكفيه في حماس يليق باستقباله لصديقته المفضلة " صباح السكر على العسل "

تبسم الجد تاج يفتح ذراعيه إليها " أهلا أهلا بحبيبة جدها "

تعلقت بحضنه بقوة فقبلها بحنان " ما هذا الحلا يا ضي ! "

وقفت تستعرض فستانها الجميل " هل أعجبك فستاني يا جدو "

ثم فردت يديها تنبهه بتفاخر " انظر لطلاء أظافري أيضا .. وضعه لي بابا "

ضحك الجد يتغنى في تفاصيلها مثل عالية التي خرجت من المطبخ ترحب بحفيدتها بمدح وحبور

فضي تربت على التدليل والتفخيم والكثير جدا من التقدير والتغني

ارتفع صوت تاج الصغير فجأة يقول ببرود غير مبالٍ " انجزي .. هل سنقضي اليوم في الاستعراض والدلع الفارغ .. لقد جعنا ونحن ننتظر سموك ! "

استنكر الجد ما يسمعه بينما تنهدت عالية بقنوط من أسلوبه الفظ مع ضي

لكن وكالعادة لم تتأثر ضي الواثقة بنفسها ترد بيسر " لم يضربك أحد على يدك كي تنتظر يا تاج .. صباح الخير لك أيضًا يا صغير "

اشتعلت نظراته في الحال يزمجر بعنف " لا تنطقي بصغير هذه أيتها التافهة "

" تاج ! " زجره الجد وقد عيل صبره " هل سنبدأ العراك منذ بداية اليوم .. يكفي "

زم الصبي شفتيه باستياء مبعدًا نظراته المتجهمة عنها بينما توأمه يشير له بقلق كي يهدأ قليلا

نظروا لضي بتوجس خشية كسر خاطرها وهي التي بالكاد طلت عليهم

لكنها كانت مبهرة بالابتسامة الواسعة التي لم تفقدها بينما تنظر للجدة عالية تعرض بلطف " دعيني أساعدك يا نانا "

شكرتها عالية تصحبها معها نحو المطبخ لإعداد طاولة الطعام

وقد كانت ضي رغم صغر عمرها بارعة في تتبع الارشادات باهتمام بالغ ..

.........................

بعد فترة كانت في حضنه غارقة في نوم متعب وعميق امتد بها لما يزيد عن الساعة ولم يرغب بإزعاجها مشفقًا عليها

بدأت تتململ حينها مستيقظة على مهل مستشعرة لمساته اللطيفة فوق خصلاتها السوداء ففتحت عينيها تستذكر فجأة " يا إلهي .. كم الساعة "

ابتسم يطمئنها بهدوء " اهدئي .. أخبرت عالية أنكِ تعبتِ ونمتِ "

تأوهت تستقيم بتذمر " يا فجر .. هل سنتركها وحدها ! "

ظل مبتسما يخبرها بتفهم " يا حبيبي الوليمة ضخمة لكن كلها مشويات جاهزة من الخارج لا يوجد الكثير لفعله "

تنهدت تتمطى بكسل فسحبها لحضنه مجددا " ابقي قليلا بعد، دعيني استغل الفرصة قبل استحواذ ضي عليكِ مجددا "

ضحكت ترضخ له هامسة " يا حرااااام .. يبدو أن الشوق يجعلك تعاني "

أومأ دون اخفاء عذابه " أقسم بالله كلما رأيتك كل ليلة تأتين منقلبة على السرير كصرصور سقط على ظهره وفُقد الأمل فيه .. أشعر بأني على وشك قتلك من شدة الغيظ "

ضحكت تلكزه في صدره بخفة ثم تذكرت فاردة كفها في حركة شابهت تصرفات ابنتها " أين عيديتي "

ابتسم يقول متلاعبًا " ماذا ! .. ألم تأخذيها "

ضحكت تهز كتفها بعبث " هذه كانت عيديتك أنت يا حبيبي "

هز رأسه باقتناع مهذب ثم مال يأخذ محفظته يخرج منها بضع أوراق مالية " أنتِ وابنتك قضيتما على الأخضر واليابس "

أخذت منه المال ثم قبلت خده بقوة " حفظك الله لنا يا حبيبي "

ابتعدت بعدها تكمل بمشاكسة " هل أعد لك بعض الطعام لتستعيد قواك "

" لا " رد ورفع حاجبه فوق عينيه اللامعتين " احضري لي بضع حبات فراولة فقط .. وتعالي "

ضحكت بوقاحة قائلة " ألم تشبع "

هز رأسه نفيا وأصر عليها " هيا انهضي "

تنهدت مستسلمة ترتدي بعض الملابس ثم تحركت للتوجه للمطبخ فاستوقفها " أو انتظري .. ما رأيك أن آتي معك للمطبخ بنفسي "

شهقت تنهره بغير حزم " لملم نفسك .. أمك نائمة "

وضح باقتراح بريء ظاهريا " سنغلق باب المطبخ جيدا "

ضحكت بدلال وهي تخرج وتتركه فنهض ورائه " اسمعيني فقط .. والله فكرة حلوة .. لن نصدر صوتًا مزعجًا يا ليل "

............................

" الافطار كان لذيذًا يا نانا وهذا العصير المثلج راااائع، أتعبناكِ .. شكرًا لكِ " قالت ضي بتقدير لطيف جعل عالية تضع طبق الفاكهة المقطعة أمامهم وتربت على وجنتها مبتسمة بغير تفاجؤ

فضي دائما ما تجيد الشكر والامتنان والتقدير على كل ما يتم تقديمه لها

ابتسم الجد تاج معلقًا بحنان " لا زلت كلما رأيتك أدعو لمن أحسن تربيتك فخرجت لنا بهذا القلب المفعم بالحب .. بارك الله بفجر "

تنحنح طارق يتدخل بشقاوة " هل يبارك للعم فجر فقط ؟ .. ماذا عن أبي يا جدي ! "

مط الجد شفتيه ينقل نظراته بين طارق وتوأمه الذي يأكل من الفاكهة دون مبالاة بما يدور " لا زلت أشفق على ابنتي منكما أنتما وأبيكما هذا .. أعانها الله "

ضحك طارق فقلدته ضي عفويًا ليرفع تاج الصغير عينيه نحوها بعدائية ألجمتها " ما المضحك بالضبط لجنابك ؟ "

ارتفع حاجباها مبهوتة تسكن فزفرت عالية تحجمه فوريًا " يكفي يا ولد .. كُف عن ازعاج أختك كل ساعة "

هزت ضي كتفيها ترد بإباء فطري " لست منزعجة منه .. عادي ربنا يشفيه "

انتفض تاج الصغير وهدوء وجهته يتشقق " ما معنى ربنا يشفيه هذه؟ .. هل أنا مجنون أمامك ؟ "

ابتسمت ضي باستفزاز قائلة " لن أرد عليك يا تاج .. أنت مجرد طفل أحمق وأنا أكبر منك عقلًا وعمرًا"

هز الجد تاج وعالية رأسيهما بسأم من القادم وقد أحسنت ضي التصويب على أكثر ما يضايق تاج المنسي في هذه الحياة ..

ألا وهو فارق الأسبوع بينهما التي فازت به ضي على التوأم في الميلاد ..

تدخل عمر الصغير شبيه أبيه يتسلى متحمسًا بسماجة مقصودة " بووووووم .. في منتصف الجبهة يا ولد !! "

اتسعت عينا طارق بتوجس في اللحظة التي ضحكت ضي فانفجر تاج يهب باندفاع " أيتها السخيفة تبا لكِ ولأسبوعك، هل تحسبين أنكِ الأفضل لمجرد أن ولدتِ قبلي"

هزت ضي رأسها تقارعه دون اهتزاز " لم أقل أني الأفضل .. لكن إن كنت ترى أني أفضل منك فأنت حر "

ضحك الصغير عمر من جديد مشدوهًا فصفقت سماء تباعًا رغم جهلها بمعنى ما يقال .. بينما اضطرب طارق خاصة مع تجمد أخيه الذي يلهث كمن على الوشك التفتت لشظايا مسننة .. ليردع الجد المناوشات حينها بسلطة " يكفي يا ضي "

أومأت ضي بأدب متراجعة " حاضر يا جدو .. أنا لم أقل شيئًا أنا كنت أشكر نانا فقط على تعبها وهو من تدخل "

ربتت عالية على ذراعها تغلق الجدال " العفو حبيبتي .. انتهينا "

ابتسمت ضي مستأنفة شرب عصيرها تبعد عينيها عن تاج لاهية بملاعبة سماء إلى أن استقام تاج الصغير فجأة قائلا بنأي " أنا سأصعد لأنام "

أوقفته عالية بقلق " انتظر .. بعد قليل سيصل نصر مع عائلته "

هز رأسه بغير اهتمام دون رد متوجها مباشرة للخارج فتنهد طارق بأسى " لقد زعل منك يا ضي مجددا "

دافعت ضي عن نفسها " لم أقصد مضايقته .. لم أكلمه أصلا بل هو من يهاجمني دون سبب يا طارق "

ربتت عالية على كفها مخففة " انسوا الأمر .. أكملي عصيرك هو بعد قليل سيعود "

زفر طارق يترك طعامه لا يفرط في توأمه " أنا سأصعد أيضًا .. سأذهب لتفقده "

.............................

كان الثلاثة أزواج من الآباء نازلين على السلالم بينما عمر يُلقي إحدى النكات الوقحة الجديدة على صاحبيه همسًا فانفجرا ضاحكين معه بخشونة

التفتت مياسة تحدج زوجها بنظرة مهددة فعبس يبادر مجفلا " ماذا يا امرأة ؟ .. أجفلتني ! "

هزت رأسها بيأس منه وهم يخرجون للحديقة فقابلهما الصغير تاج الذي رفع وجهه المكفهر لهم قائلا لوالديه " هل نزلتما ؟ .. أنا سأصعد "

ارتفع حاجبا مياسة بتعجب " ماذا ستفعل بالأعلى وحدك "

" سأنام " أجاب بجفاء فدنا أبوه منه باهتمام " ما بك يا خباثة وأين شِقك ؟ "

لوح بكفه دون رد حتى بزغ طارق لهم " أنا هنا "

تقدم من أخيه يبادر " إلى أين ستذهب .. نصر بعد قليل سيأتي يا خباثة "

التفت له تاج يهتف بغلظة " لا أريد الجلوس مع أحد .. اذهب أنت لمَ أتيت خلفي أصلا "

كانوا الآباء يشاهدون بدهشة ليهتف عمر المنسي بفراغ صبر " ماذا حصل يا بغل منك له "

نظر طارق للعم فجر والخالة ليل ثم قال بقنوط " إنها ضي كالعادة "

تحفزت ليل بحاجب مرفوع " ما بها طفلتي .. هل ضايقها مجددا "

انتفض تاج بحنق " ابنتك هذه تضايق بلدًا يا خالتي "

" ولد تاج .. تأدب واخفض صوتك " زجرته مياسة بحزم فتأفف قائلا " أنا سأصعد وأريحكم "

منعه توأمه بصبر " يا خباثة انتظر هي لم تفعل شيئًا لكل هذا "

" كل هذا ولم تفعل " ثار تاج بعنفوان فنظرت له نورين بحنان تسترضيه " اهدأ يا حبيبي .. ماذا فعلت لكل هذا ونحن سنرضيكما على بعض "

لوح بانفعال فبدا شبيها لوالده بينما يقول " لا أريد ترضية أنا أريدها ألا تتكلم معي أبدا "

هبت ليل بحمية تكاد أن تقذفه بالشبشب " أنت يا ولد "

أوقفها فجر بهدوء وقال له " هل فعلت لك شيئًا ؟ "

نفض تاج رأسه يشكو بغضب ملتهب " إنها مستفزة يا عمي .. كلما رأتني تذكرني بالأسبوع بيننا وأنها الأكبر وأنا طفل .. التافهة .. أنا الأسبوع الماضي لم أكن أكبر عمرا من الآن يعني .. مريم وسلمى لا يتصرفان مثلها رغم أنهما الأكبر فعلا .. إنها تظن أنها أجمل فتاة في الدنيا وهي أصلا سخيفة حمقاء .. وسمسم أحلى منها ألف مرة "

" كفى " أحجمته ليل بتشديد تكاد أن تهجم عليه لولا أنها تتحلى ببقايا تعقل .. وقبل أن ينطق أحد كانوا يتنبهون لضي التي ظهرت لهم وقد استمعت لكل ما صرخ به تاج منددًا ..

التفت تاج الصغير لها يطالعها بحرج وقد خرس ملجمًا بوجه مكفهر ..

وسكن الآباء بترقب

حيث أنهم معتادون على النقار بين أطفالهم ولكن دائمًا ما كانوا يتركونهم لحل الأمور فيما بينهم مكتفين بالإرشاد والتذكير حول الروابط التي لن تنفصل أبدًا

والصغار بالفعل ينجحون في إيجاد سبيل الصلح دائمًا حتى وإن عادوا للنقار مرارًا ..

تقدمت ضي مكتفة من تاج ثم زعقت فجأة " أنت أيها الأحمق .. لقد كنت قادمة لمصالحتك .. لكنك لا تستحق .. أنت هو التافه السخيف وأنا فعلا أحسن منك ولن أرد عليك .. أنا فقط أكرهك بشدة .. ولن اكلمك ولن ألعب معك .. ولا تعود لمصالحتي مجددا .. أكرهك "

طالعها تاج بوجه مزموم ثم فتح فمه يقول بلا مبالاة " عادي .. أمي دائما تقول لأبي أنها تكرهه "

شهقت مياسة من الفضائح المعلنة بينما صفع عمر عنق ابنه يزجره " أنت أيها الوغد "

هز فجر رأسه باستياء " ستسببان المشاكل في عاطفة الصبي المسكين وهي بالكاد تتشكل ! "

قاطعتهم ضي عندما تحركت ركضًا مغادرة البيت كله عبر البوابة الكبيرة بقلب حزين فشهقت ليل متلهفة " ضي .. انتظري "

أوقفها عمر المنسي بهدوء " انتظري يا ليل من فضلك "

وجه نظراته لابنه تاج المجمد يطالع أثرها الغائب بتوتر وأمر " إن لم تذهب لها مصالحًا .. فلقتك يا خباثة "

نظر له تاج بغير رضا للحظات .. لكنه سرعان ما زفر يضعف قلبه تجاهها وقد بدت زعلانة منه جدا فسار بخطى متثاقلة أسرع فيها بمرور اللحظات حتى خرج من البوابة جريًا للبحث عن الضي

التفت عمر لفجر الذي قطب قائلا " لقد مللت من ابنك المتخلف "

عادوا يستأنفوا سيرهم وعمر يوضح ببساطة " إنه معجب بها لكن شخصيته تعاكس ذلك "

اتسعت الأعين باستهجان لتبريره.. وحدها نورين من صرخت بتشدق " قل لهم .. لا يصدقونني "

غمزها أخوها مؤيدًا لرؤيتها المتفقة معه فعلق حسن بذهول استنكاري " أي اعجاب يا زوج من المعاتيه إنهما مجرد أطفال "

هز عمر كتفيه يخبره " عادي .. أنا كنت معجبا بفتاة منذ دخلت الروضة .. أي أصغر منه حتى "

ضحكوا عليه فصرخت ليل حانقة " اعجاب ماذا وزفت .. ابعد انف ابنك المتخلف عن ابنتي "

" اسكتي أنتِ " قالها عمر ملوحًا فكادت أن تلكمه بينما هو يكمل متبجحًا لفجر " إن شاء الله عندما نكبر يصبح ولدي صهرك يا فجر "

تدخلت ليل معارضة " بعينك وعين ابنك الثور .. لا يمنعني عن قطع علاقتهما ببعض إلا حب ضي له "

" ها .. هل رأيتِ ؟ .. أنت بنفسك معترفة " قال عمر ببساطة فأكدت نورين " القط لا يحب إلا خنّاقه "

سخر حسن بتهكم " هل أنتم مستوعبون أنكم تحددون مصائر أطفال بالكاد "

أومأت نورين تتحالف مع رأي أخيها بإصرار وأضافت محيطة بكتفي طارق بجوارها " نعم .. وليكن بعلمك طارق أيضًا سنزوجه لسمسم .. صح يا طاطا "

ابتهج طارق بسذاجة قائلا " أقسم بالله سأتزوجها فقط لأضايق ابنك يا عم حسن "

ضرب قبضته بقبضة نورين فاتسعت عينا حسن غيظًا يقول لعمر " هل جلبت لنا صبية يجتاحون بيوتنا بالعند فينا فقط أم ماذا !! "

تأففت مياسة تخرسهم بضجر " يكفي نقارا حبا بالله ! .. وتتعجبون لمَ الأطفال يتعاركون يوميا .. انظروا لأنفسكم أولًا يا مجموعة من الديوك ! "

.............................

تنحنح بغية لفتها إليه أثناء جلوسها النائي وحدها في الشارع تفترش فستانها الأخضر السخيف حول منها على الرصيف النظيف، مكتفة ذراعيها بخصام مترفع يليق بشموخ أنفها المتعالي ..

ورغم تنبهها لحضوره لكنها ببرود متعمد تجاهلته، مما كاد أن يدفعه لشتمها مغتاظًا والاستدارة عنها عائدًا للداخل غير مكترث بها

فهو لن يتحمل مدى ثقل دمها !!

سحب نفسًا عميقًا يستذكر نصائح أبيه حول وجوب تحمل الإناث مهما كنّ مائعات مدللات خانقات !

لذا تقدم منها يناديها باسمها المميز فتحرك وجهها للجانب لكنها لم تنظر له بينما ترد على ذات الخصام والأنفة " ماذا تريد ؟ "

رفع عسليتيه للأعلى متمسكًا بقليل من الصبر وتحدث من بين أسنانه بكبت " انهضي يا ضي وخلصينا، لا تتصرفي بسخافتك المعتادة التي تستفزنا "

اتسعت عيناها والضي الزاهي فيهما يسطع بنظرة ذهول " هل أتيت للاعتذار أم لمزيد من قلة التهذيب ! "

انتفض يهتف متخليًا عن الهدوء الكاذب " نعم ؟ .. اعتذار ؟ .. أي اعتذار ؟ .. لم آت لأعتذر أنا فقط أجاري عقلك المحدود "

شهقت بغير تصديق لتفاقم وقاحته معها لتصرخ وجانبها الشرس يتحفز " اغرب عن وجهي حالا واشتري سلامة وجهك أو نهضت لتهشيمه "

" احترمي نفسك يا ضي " صاح بجنون مغتاظ ملوحًا بيده في تهديد .. فضغطت أسنانها تحاول الهدوء أمامه قائلة بكبرياء " غادر من فضلك واتركني .. لا شأن لك بي "

" هل تعلمين " قالها بغضب واستكمل بذات النبرة المنفعلة " أنا المخطئ أن أتيتك أصلا !! "

قالها والتفت عنها راحلًا فزمت شفتيها بخاطر مكسور منه ..

أصبح يزعجها بعدائيته المألوفة معها هي بالذات على كل سبب مهما كان تافهًا !

أبعدت وجهها للناحية الأخرى مكتفة تسكن بفتور للحظات سرعان ما انقضت وصوته يصلها بنبرة قريبة أشد لينًا رغم خشونة العبوس " خلصينا يا ضي "

كادت أن تبتسم وهي تطالعه بدهشة وقد رجع يجلس على ركبتيه بجوارها فتأفف متابعًا بضيق " هل ستجلسين وحدك في الشارع يعني ؟ .. اللعبة ستكون ناقصة دونك .. أقصد .. العدد سيكون قليلا "

ابتسمت له أخيرا بطفولية بريئة تدلل بنصر واصرار " هل تعتذر؟"

استنفر رافضًا يبعد وجهه " بالطبع لا ! "

لم تعلق ترمقه بتحدٍ مستفز فنفخ بعنف واستسلم على مضض " طيب طيب .. لا تزعلي لم أقصد .. خلصينا في يومنا هذا كادت الشمس أن تغرب يا تافهة "

ضحكت بلطف لا تلتفت لنعته بالتافهة وتشدقت بغرور طفولي " بابا دائمًا يقول لي أن الشمس معي لا تغرب "

مط شفتيه يرمقها بين استياء وسأم " أبوكِ يبالغ كعادته في مدحك "

عبست مستنكرة ولمعت نظراتها بتمرد وتحذير " لا تتحدث عن أبي هكذا "

" هل أتينا لنعتذر لكِ ولأبيكِ معك " غمغم بفقدان صبر ثم صاح يضرب فوق ساقيه " يا بنتي انهضي خلصيني أو والله سأرحل وأتركك "

هزت كتفها بدلال متأصل ورفعت كفها إليه بترقب واثق كما آلفت في حركة عادت تستفزه فانتفض واقفًا باستنفار " ماذاااا ! .. مجددًا ! .. قلت لكِ لن أقبل يدك .. أبوكِ يقبل يدكِ هو حر معكِ .. أنا لا .. هل أنتِ جدتي لأقبل يدك !!! "

ضحكت بقوة في مرح ضايقه فصرخ طافحًا كيله خارجًا عن هدوء وجهته " أنتِ تتعمدين ذلك صح ؟ .. أنا المخطئ والله .. أنا المخطئ "

قالها واستدار عنها ليغادرها هذه المرة حقًا بغير مراعاة ..

شهقت تستوقفه بسخط " انتظر أيها الخبيث "

التفت لها محتدًا بتجهم فابتسمت تتطلب " ساعدني لأنهض يا قليل الذوق، هل سترحل وتتركني فعلا ؟ "

زفر نفسًا ملتهبًا بالحنق منها ومن أفعالها .. لكنه عاد مضطرًا ليمسك كفها ويشدها كي تنهض معه نافضة فستانها ليغمغم بشرود فجأة " فستانك مقرف ! "

شهقت بصدمة من تعليقه النشاز .. لكنها لم تهتز تصده " لم أطلب رأيك يا عديم الذوق واللطف "

أبعدت خصلاتها السوداء الطويلة بعدها لوراء ظهرها تعتدل متنازلة بكبر " لنعد لهم هيا "

أومأ يسبقها بتعجل فابتسمت بيأس وذهول من تصرفاته العجيبة، فأبوها لا يتعامل معها هكذا أبدا !!

وثبت عندها بشقاوة تدفعه بغلظة قائلة وهي تركض " هل تسابقني .. من يصل أولا هو الفائز ويطلب من الآخر ما يريده "

ابتسم يراقب انطلاقها الحر فغارت غمازتيه بينما يلحق بها مخففًا من سرعته كي يتركها هذه المرة لتفوز وتسعد على حسابه

ولا بأس .. لتطلب منه المغترة الكريهة ما تشاء حينها وهو سيلبي

على مضض طبعًا !

" تاج " نادته ما أن بلغت البوابة فائزة عليه فتوقف تباعًا يرتب أنفاسه ويرد " ماذا مجددا "

ابتسمت وهي تسير بجواره برفق " لماذا يضايقك أني أكبر منك "

زم شفتيه حانقًا يخبرها بوجوم " لأنك تافهة يا ضي تتعاملين وكأني طفل أمامك "

ارتفع حاجباها تبرر " ولكن نحن كلنا أطفال أصلا "

" تكلمي عن نفسك " قالها متبجحًا فضحكت تلف ذراعيها حول ذراعه وحاول التململ كذبًا إلى أن استسلم على مضض يقول بمنطق خاص " أنتِ هي الفتاة وأنا الرجل يعني المفروض أنا الأكبر "

بغباء رمقته ثم استنكرت " ما هذا الكلام الغريب ؟ .. أنا سيكون لي أخ وأصغر مني .. وعادي يعني سيكون رجلا أيضًا "

طالها بوجه واجم لعدة لحظات ثم أبعد ذراعيها عنه " قلت لكِ أنكِ تافهة "

لمعت عيناها بتمرد وهتفت " توقف عن تكرار هذه الكلمة أيها الوغد "

" تافهة " كررها بخبث متعمد فهتفت مستفزة منه " أنت أيها الطفل "

" تافهة "

" طفل " صرخت بتحفز فأخذ يتراقص أمامها ويغني " تافهة تاااااافهة "

" تاااااااج " هددته بتحذير شرس فضحك عليها بقوة لتتأفف حانقة وعمدت على مضايقته " والله أنا المخطئة أني صالحتك أنت أصلا مجرد طفل أصغر مني .. أنت أصغر مني "

قفز أمامه قائلا بتحدٍ " ليست بالسن يا تافهة "

زمجرت يفرغ صبرها فتهجم عليه لتجذبه من شعره البني بغلظة حتى أخذ يتأوه مستنجدًا دون ايقاف ضحكاته حتى اجتمع الكل إثر الأصوات يركضون إليهم وفجر يهتف في ابنته أن تتركه دون جدوى

بينما تاج كان يحاول تخليص نفسه دون أذيتها هاتفًا من بين ضحكاته " اتركي شعري أيتها التافهة .. لا أريد أن أمزق لكِ شعرك فهو الوحيد أحلى ما فيكِ .. بدونه تصبحين صلعاء وتافهة "

شهقت مصدومة بجرح أنثوي فطري والجميع يضحكون على ما يحدث فصرخت ليل غاضبة " ولد يا خبيث النفس .. اضربيه يا بنت لا تتركيه "

التفتت لها مياسة تتوعد بحمية " أنا من ستضربك أنتِ وابنتك الآن إن لم تلملميها "

هتفت ضي وهي لا زالت متشبثة بخصلاته منتقمة " أيها الكذاب المنافق .. قلت لي من قبل أن عينيّ هي أحلى ما بي .. والآن شعري .. هل علمت أنك كذااااب "

تسمروا جميعا على صياحها الطفولي البريء فاتسعت الأعين وقال فجر لعمر صاحبه بصوت ذاهل " هل ابنك يتغزل في ابنتي وهي كالبلهاء تحسبها سُبة ! .. كم عمر ابنك بالضبط .. إنه مشروع مجرم متحرش صغير !! "

انفجر عمر ضحكًا على ابنه فشتمه فجر وكاد أن يهجم على تاج لينتفض الأول مباغتًا لتخليص ابنه من قبضة المتوحشة خليفة أمها

ثم حمله سريعًا يركض به بمراوغة وهو يهتف من بين ضحكاته المحلقة عاليًا يتبعه صفير طارق المشجع لهما " ابن أبيك يا خباثة .. ابن أبيك يا مجرم "

..........................

كان فجر بعد ساعة في شقته القديمة بالحي الشعبي يعيد تنظيفها وترتيبها كي ينتقل إليها مع أسرته لقضاء بضع أيام فيها تلبية لرغبة أمه

كانت الأتربة فيها بسيطة نظرًا أنه يواظب على ذلك

فانتهى في وقت قصير يتصل بسلطان كي يتعجله لاتفاقهما مسبقًا أن يتحركا سويا

ما أن أنهى المكالمة حتى وصله صوت عجيج قادم من الشارع

فخرج للشرفة متتبعًا ليتنبه على صوت العراك الخارج من إحدى الشقق السكنية يتضمن الولولة والسباب الفاحش الذي استرعى انتباه الجيران واستنفارهم ..

وما هي إلا دقائق حتى خرج رجل كبير في السن إلى شرفة الشقة المقصودة يصرخ بالسباب الشنيع ويُشهد الجيران على ابنه العاق

وسرعان ما خرج الابن المقصود من البيت كله للشارع بهيئة همجية يستمع لصراخ أبيه المجلجل مستقبلًا نظرات الجيران المتباينة بين شفقة واستهجان ..

عندها رفع وجهه لأبيه الذي لا يتوقف عن الصياح تجاوره الأم المكلومة التي تولول وتحاول ايقاف زوجها دون جدوى

عج الشاب الغاضب حينها بعنف " حسبي الله ونعم الوكيل فيك وفي أمثالك .. ربنا يفضحك كما فضحتنا .. حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا أبي "

شتمه أبوه بغلظة دون اكتراث بالبشر " يا ابن الكلب العاق يا ابن العاهرة يا **** "

زاد صراخ المرأة الباكية بهلع يمتقع وجهها البالي فانتفض الشاب بشراسة ثم بجنون اندفع معمى " أنت هو ال .. "

قبل أن يتم السباب الذي سيدينه أمام الناس كانت يد فجر الذي نزل من شقته تمتد لكتم فمه فأخرس الشتيمة مطوقًا رقبته يجذبه معه من بين التجمع ولا زال الأب يشتم والابن يقاوم بجسده المتشنج الملتهب كمدًا لإطلاق صرخاته المجنونة عن حنجرته المختنقة

أخذ فجر يهزه آمرا " كفى .. كفى يا مُعِز ! "

لم يهدأ معز وجسده يفور بالحرارة حتى أبعد فجر عنه صارخًا في أبيه " لأقعدن لك على الطرقات بلا شغل ولا عمل وأرني من سيدفع لك الايجار .. ادفع من جيبك حينها واكسر أعيننا مرة .. ادفع يا .. "

من جديد كتم فجر فمه زاجرًا بقسوة " كفى يا بني آدم اخرس لأجل أمك الباكية .. كفى يا معز "

لهث معز يطالع أمه المكسورة القلب والنفس ولا زالت تولول تجاورها ابنتها الشابة التي تنوح بحرقة

عندها دمعت عيناه قهرًا ينفض الجميع من حوله ثم تحرك يقطع الشارع مبتعدًا أمام النظرات المشفقة ..

طالعه فجر بأسى حتى تنبه لوقوف سلطان المراقب يجاوره ابنه المراهق نصر

دنا منهما يسمع نصر يقول بعد أن رحب به " أنا أكره هذا الأب جدا "

تنهد سلطان قائلا بهدوء " لا تتدخل أنت يا نصر .. اذهب تعجل جدتك .. هيا "

أومأ نصر ثم استأذن منهما ليسأل فجر مستوضحًا " هل الأمور سيئة بين الأب وابنه لهذه الدرجة "

أومأ سلطان يرد بأسف " دائما يعلو صوت الأب هذا ليس بجديد .. لكن الشاب أول مرة أراه بهذه الحالة "

التفت فجر بشفقة لآخر الشارع حيث يسير الشاب بخطى عصبية هاربًا .. فربت على سلطان يبلغه " ريثما تنتهي أسرتك سأعود لك "

لم يعلق سلطان بينما انطلق فجر متعجلًا خلف الشاب الذي خرج من الشارع المزدحم كله ..

انعطف الشاب لإحدى الشوارع الجانبية ثم توقف يجلس على إحدى المصاطب مسندًا رأسه فوق كفيه وينعي حاله

تردد فجر قليلا ثم حسم أمره يتقدم منه وجلس بجانبه فاستنفر معز يطالعه بعدائية حتى تحدث فجر يُخرج سيجارة وحيدة كانت معه " خذ يا معز "

رمقه معز دون تجاوب فتابع فجر بهدوء " أنا لا أدخن أصلا .. أمي تنزعج من تدخيني فلا أحب مضايقتها "

ظل معز على ذات وجومه وكأنه لا يعلم ما سر تواجد فجر قربه

حتى تخلى عن صمته يستجيب بأخذ السيجارة وإشعالها قبل أن يهمس بصوت ضعيف مبحوح من شدة صراخه السابق " أنا لا أدخن أيضا لأجل أمي .. لكن ليس لصحتي .. بل لتوفير المال "

أومأ فجر مؤكدًا " نعم .. أسعار السجائر ترتفع باستمرار "

ابتسم معز بمرارة شع بها صوته المعذَب " ليتها تأتي على قدر السجائر يا أبا ضي .. ما الذي لم يرتفع سعره في الحياة ! "

هز رأسه يردد مغمض العينين " الدواء .. والملابس .. والفواتير .. والأكثر فداحة .. الأكل "

فتح عينيه يطالع الفراغ ويثرثر بهم ثقيل تكالب على أنفاسه فتحشرجت " اللقمة الناشفة أصبحت تساوي أضعاف سعرها .. وحده الإنسان من بخس ثمنه في هذه الدنيا "

نظر له فجر بعطف عفوي فالتفت له معز يردف باختناق " البوح فضيحة "

لم يرد فجر فأطرق معز مكملا بسخرية مقهورة " ولكن .. بما أننا معروفون بفضائحنا في الحي كله لن يشكل البوح فارقًا .. سيرتنا على كل لسان "

صمت فجر للحظات ثم قال آسفًا " صوتك يفوح قهرًا يا معز "

أغمض معز عينيه وأخذ يمسد بعنف فوق خصلاته قبل أن يطلق شهقة مكتومة كانت محشورة في صدره قال بعدها " كان زفاف أختي الشهر القادم "

تنبه فجر للفظ ( كان ) الذي استرعى اهتمامه .. ليكمل معز بعد ثوان متحسرًا " لكن .. تم فسخ خطبتها بالأمس "

عقد فجر حاجبيه منصتًا ليفتح عينيه فيتنبه فجر للمعة الدموع الحبيسة فوقهما بينما يتابع بحسرة " لم أستطع إنهاء تجهيزها كأي عروس .. لقد فشلت في سترها "

كتم فجر تأوهًا حزينًا على حال الشاب وقد وصله الألم بمشاطرة يدركها فجر جيدًا..

يحفظ كيف يكون الوجع النابع عن العجز والتكبيل !

هز معز رأسه قائلا " هي لا تتكلم .. لم تعترض بل هي من أنهت الخطبة من تلقاء نفسها .. لكني أعرف احساسها .. ويشهد الله أن خطيبها صبر علينا لثلاث سنوات ولم يثقل علينا بالمطالب .. لكن في النهاية انتهى كل شيء وكانت شجاعة في اتخاذ القرار الأنسب "

أغمض معز عينيه يضيف بانكسار " ولكن ليس بيديّ شيء .. أنا لا أقدر على سداد أقساط التوكتوك الذي أعمل عليه أصلا ودفع ايجار الشقة والمصاريف والهم الذي ليس له أول من آخر "

" ستفرج " قالها فجر بعد طول صمت فهز معز رأسه بغير اقتناع، هذه الكلمة هي أكثر ما يسمعه في حياته ..

اصبر .. ستفرج .. فترة وتنتهي

ولا شيء ينتهي سوى أعصابه وعمره بينما الفترة ممتدة بغير نهاية

" لا تُفرج طالما أن هذا الرجل في حياتنا .. إن أخذه الله سنرتاح كلنا " قالها معز بقسوة قلب تسبب بها ضنك الحال فعبس فجر ينهاه بصبر " لا تقل هذا .. يظل أبوك "

انتفض معز وهو على حافة الجنون " حسبي الله ونعم الوكيل في الآباء إن كانوا من هذه النوعية يا أبا ضي "

هز رأسه الذي يغلي كمرجل يسترسل بعنف واختناق " لم أطلب منه شيئًا طوال العمر .. حملت عنه حِمله منذ صغري وقلت لا بأس يظل أبي .. لكني تعبت .. ابنته فسخت خطبتها فلم يهتز .. ابنه أمامه عاجز فلم ينطق "

رمقه فجر بعطف يهاوده " إنه رجل كبير يا معز .. ماذا سيفعل "

" طوال عمره وهو على هذا الحال " صرخ معز بشراسة وأضاف " هل هو كبير وأمي هي الصغيرة .. أمي تفترش السوق تبيع الخضرة فهل هي صغيرة على هذا الهم الذي تكابده يوميا .. لديه معاشه يا فجر .. لديه معاشه ولا يتعطف علينا بفلس ولو من باب التصدق .. وإن فعل واشترى لنا شيئا يظل يمن علينا ويتفضل حتى نكره اليوم الذي يجلب لنا فيه لقمة حتى "

اختنق حسه فسكت يلهث وأعينه الحمراء تتقلقل باضطراب عنيف وعروق وجهه تنتفخ كرقبته السمراء بينما يكمل " أنا طلبت منه أن يساندني فقط هذا الشهر .. فقط يسد معي الديون هذا الشهر .. ليدفع فقط فاتورة الكهرباء عني وأنا سأستدين من المعلم جمال الكهربائي بعد مرور العيد .. لم أكفر .. أنا لم أكفر .. هذا حمله هو هل خُلقت فقط لأحمل عنه وفوق كل هذا يسب ويلعن فيّ وفي أمي .. أمي تلك التي تفتح بيته وتطعمه السم الحارق الذي يأكل منه كل يوم دون أن يكترث بالسؤال من أي لكم هذا .. هو فقط يأكل كمن يأكل في آخر يوم بعمره "

تعقدت ملامح فجر بين شفقة واستهجان لمدى تطاول الشاب على والده ..

لكن معز ظل ينهج من شدة الاجهاد والاحتراق الذي يجيش به صدره واستمر يغمغم " حسبي الله ونعم الوكيل فيه .. حسبي الله ونعم الوكيل فيه "

ظل فجر يتأمله للحظات حتى سأله بانتباه " هل تعلم أن المعلم جمال يُخرج الدين بالفوائد يا معز "

لم يرد معز وكان صمته خير جواب بالإيجاب .. فقطب فجر مقرعًا " هل تشتكي من كثرة الديون فتزيدها بالحرام "

هب معز واقفًا يعج بوقاحة " أنا لا أريد النصائح الله يبارك لك .. كلٌ أعلم بظروفه وأحواله .. خزن تقواك لنفسك "

نهض فجر تباعا يهادن بهدوء " اهدأ يا معز .. أنا أتناقش معك بهدوء .. اذكر الله .. اهدأ "

أدار معز وجهه بنأي للحظات ووجهه متصلب بتجهم

ثم قال مكفهرًا " إن لم آخذ بالربا ماذا سأفعل ؟ .. عليّ ايجار مكسور لثلاثة أشهر .. هل أرميهم بالشارع يعني وألحق بهم أم أبيع ملابسي التي لن تساوي فلسًا حتى "

رفع يده يمسح حبات العرق عن جبينه النابض بالوجع وهو مستمر في اللهاث فسأل فجر برفق " ما هي شهادتك يا معز "

سكت معز قليلا ثم أخبره " دبلوم فني صناعي "

سكت فجر للحظات مفكرًا ثم سأل " هل معك رخصة قيادة "

عقد معز حاجبيه ثم رد بجفاء " لا "

" استخرجها إذن " قالها فجر بهدوء بينما يُخرج من جيبه بطاقة عليها أرقامه قائلا " بعد إجازة العيد سأنتظرك لتأتيني في مكان عملي .. هنا مكتوب العنوان "

باستنفار هتف معز " اسمع يا أبا ضي .. أنا لا أريد صدقة من أحد .. وأنا أبدا لن .. "

" اسمع يا غبي " صرخ فجر بعنف يقاطعه بينما يشده من ملابسه ببعض الخشونة " أنا سمعتك للنهاية دون مقاطعة .. الآن ماذا ؟ .. الآن أنت تريد حلًا فولولة النسوة لن تحل لك شيئًا ولن يحمل عنك حملك أحد "

صمت معز اللاهث واجمًا فتابع فجر بصرامة " أنا لا أتعطف عليك فأحل لك ديونك ومشاكلك بعصا سحرية .. أنا فقط أعينك .. ودعني أخبرك بشيء هام "

دنا منه قائلا بحرص " قبل أن تلاعبك رأسك العنيد ويتقرح كبريائك .. أنا أخبرك أني كنت يوما مثلك وأكثر .. كنت في ضيق ظننت أني لن أخرج منه يومًا وأني هالك لا محال "

استمع له معز يفرك رأسه لكن فجر أضاف دون تعب " لكن هل تعلم متى خرجت من الضيق لأوسع طريق حقًا "

طالعه معز مشتتًا وقد ظهر عليه الخور بوضوح ليقول فجر " عندما لفظت الحرام وسمحت لنفسي بنيل المساعدة يا معز .. افهم يا غبي .. خلقنا الله لنكمل بعضًا .. لا تكن عنيدًا فوالله لن تلوم إلا نفسك في النهاية "

ظل معز يرمقه بوجه باهت فمد فجر يده يضع بطاقته في جيب قميصه بحزم " دعها معك يا معز وأنا أعلم بأنك ستحكم عقلك "

ظل معز ساكنا للحظات ثم قال بتحفز " هل سأعمل كسائق خاص لحضرتك يعني ! "

كبت فجر زفرته وهو يوشك على لكمه .. هل هكذا كان ثورًا عنيدًا ذات يوم مع سلطان !!

تمالك نفسه يرد بجفاء " لست عويلا كي أبحث عن سائق لي يا عم معز .. أنت ستكون سائق لسيارات نقل تعمل في الشركة ولن تأخذ أكثر مما هو لك .. نحن نحتاج لعمال .. لا تجعلني أهشم رأسك الآن "

سكت معز بتباعد فتنهد فجر يحيط كتفيه بذراعه وتغيرت نبرته لأخرى أشد لينًا " أقسم لك بأني أفهمك .. كنت جارًا لي يا معز هل تذكر يومًا أمي عندما وقعت مني وأنا مجرد شاب يافع في الثامنة والعشرين منه عمره لا يملك إلا قوت يومه .. يا غبي .. لا تسمح لأمك أو أختك أن يقعا منك يا معز .. لأجلهما على الأقل .. لأجل أختك مكسورة الخاطر وأمك التي ستنكسر دونك "

دمعت عينا معز بألم فاض على قلبه بغزارة وأحاطه من كل ناحية ..

فاحتضنه فجر بقوة يدعمه " ستمضي .. والله أعدك أنها ستمضي .. إنما النصر صبر ساعة .. فقط اصبر يا معز "

أومأ معز يكفكف دموعه بحرج فابتسم فجر يكمل بحذر " وأبوك "

تشنج معز نافرا لكن فجر تابع " يبقى أباك .. يبقى أباك يا معز .. ومن ليس له خير في أهله !! "

هز معز رأسه متحسرًا حزينًا فقبل فجر أعلى رأسه يستطرد برفق " الغ أمر الدين بالربا هذا .. الحرام إن دخل بيتك المحترق بالمشاكل يا معز فلن يطفئه .. بل لن يكون إلا حطبًا يغتالكم جميعًا بسعير المصائب كلكم وراء بعض .. اتفقنا يا صاحبي "

شهق معز بكتمان وأومأ من جديد ولا زال يمسح دموعه " صل على النبي .. وهيا تعال .. عد لأمك يا ابني .. لا تتركها هكذا .. ألم تشهد لتوك أنها تشقى معك .. فهل تتركها تشقى دونك ؟ .. إن لم يكن لها غيرك فكيف تتركها يا غبي "

شهق معز يغمغم بشكوى وانكسار " والله لولاها هي وأختي لكنت تركت كل هذا ورحلت بلا رجعة .. لكني أعلم أنهما سيضيعان دوني ولن يجدا من يفتح عليهما بابًا للسؤال حتى"

أخذ فجر يربت عليه بعطف قائلا " حفظك الله لهما إذن يا معز .. فكر فيهما دائمًا .. وستمر .. أعدك والله أنها ستمر "

عاد معز يومئ ويمسح وجهه المتعرق إلى أن وصلا للعقار الذي يحوي شقتهم فيجد أمه جالسة حافية القدمين على عتبة الباب تبكي كأخته الشابة

وما أن رأياه حتى انتفضا بلهفة وأمه تشهق بمزيد من البكاء بينما أخته ترتمي عليه قائلة بحرقة " يا معز .. خفت ألا تعود يا أخي "

دمعت عيناه مجددا يربت عليها بينما اقترب فجر من الأم المكلومة وهبط على عقبيه أمامها " انهضي يا حاجة .. كفي عن البكاء .. اليوم عيد لا تجعليه حزينًا عليك وعلى أبنائك "

هزت المرأة رأسها تشهق وتنوح بقلب مكدوم بالأوجاع لينهض فجر مشيرًا لمعز الذي أبعد أخته يدنو من أمه قائلا باختناق " انهضي يا أمي لا تبقي في الشارع هكذا "

أسندها لتستقيم فأخذت تقبل وجهه وتغمغم بالاعتذارات لتسترضيه " حقك عليّ أنا يا ولدي .. حقك عليّ يا معز أرجوك "

ربت معز عليها مهدهدًا " يكفي يا أمي .. اهدئي "

مسحت المرأة دموعها تخبره بلهفة " تعال يا حبيبي .. سأضع لك الطعام .. صنعت لك الفَتّة التي تحبها يا ولدي .. هيا "

أومأ لها معز دون شهية فتنبهت لفجر تدعوه بكرم " تعال يا فجر .. لم أستضيفك للآن .. سامحني "

ابتسم فجر واقترب يقبل أعلى رأسها وقد ذكرته بأمه الطيبة " سلمتِ يا أم الخير كله .. كل عام وأنتِ بخير .. إن شاء الله نزورك أنا وأمي قريبًا "

ربت بعدها على كتف معز بهمة " هيا اصعد .. هيا لا تكن كالبومة في العيد .. ولا تنس كلامنا "

ابتسم معز له وهمس بريق جاف " شكرا لك يا أبا ضي "

تبسم فجر ثم استدار عنهم يتركهم يصعدون لشقتهم ومعز يحيط تحت ذراعيه أمه وأخته عائدًا لمواجهة الحمل الثقيل المكتوب عليه

عاد فجر ينظر لساعته فيرى سلطان الواقف متفرجًا من أمام بيته " هل تأخرت عليكم "

ابتسم سلطان برزانة " يبدو أنك أجدت السيطرة عليه .. أحسنت فأنا نفسي لم أفلح معه "

التفت فجر يطالع أثر الشاب الغائب وغمغم " يذكرني بنفسي "

عاد بنظره لسلطان مبتسمًا يقول " أخبرته أننا هنا لنعين بعضنا البعض .. أحببت أن يفهم هذا مبكرا ولا يكن كالحمار المتهور مثلي "

ضحك سلطان فقاطعه خروج نصر الراكض يهتف بغضب " أنا سأركب بجانب أبي .. هو سيعلمني القيادة أنا هو الرجل "

طلت من البوابة الشابة مريم بملامحها السمراء المليحة وشعرها الغجري المرفوع بذيل حصان طويل .. ودنت من أخيها تزعجه بتسلط " قلت أنا هي الكبيرة يا ولد وستركب جواره .. ما قصة رجل هذه يا ابن الأمس أنت !! "

ضحك فجر عليهما بينما خرجت سلمى تنفض شعرها البني الفاتح هامسة بلطف " يا بنتي توقفي عن مناقرته .. حرام عليكِ ! "

" ها .. انظري " قالها نصر وتابع " هل سيصيبك شيئًا إن كنت لطيفة كتوأمك يا متوحشة أنتِ "

ذابت سلمى الشابة تقترب منه معانقة " يا روحي أنت يا نصورتي "

تأفف نصر يبعدها قائلا بتذمر " لو فقط تتوقفي عن معاملتي كطفل .. أنا الآن في المرحلة الاعدادية يا سلمى "

" هل أنهيتم النقار ؟ " بزغ صوت أمل فجأة والتي طلت عليهم متبخترة بملابس العيد والحقيبة الملونة وتسريحة الشعر الأنيقة كأنها صاعدة على المسرح تكاد أن تلمع بينما تتقدم مكملة بتكبر " لا أحد سيصعد بجوار بابا إلا أمول .. صح يا بابا "

اتسعت عينا فجر يطالع الجيش الصغير ثم نظر لسلطان مغمغمًا " أعانك الله يا سلطان على هذه المسلسلات !! "

" ابتعدي أنت وهي وهو " قالت انتصار بحزم داعمة حماتها التي اقتربت من السيارة تفتح الباب المجاور لمقعد القيادة وجلست بهدوء " هيا خلصوني "

اتسعت الأعين مخرسين أمام سلطة الجدة .. فانفجرت سلمى بالضحك المكتوم بينما التفتت انتصار تأمر من بين أسنانها " أنتم الأربعة يا غجر ستركبون في الخلف .. السيارة واسعة وكثيرة المقاعد لتشملكم جميعا يا أولاد الجزمة "

علت ضحكات فجر بينما تنهد سلطان يدلك جبهته وانتصار تحرجت متنبهة " عفوا التهيت .. كل عام وأنت بخير يا فجر "

أومأ فجر يرد عليها ببشاشة وحازم يخرج من البوابة حاملا ابنته الثانية بين ذراعيه تتبعه ابنته زهر مع زوجته سارة التي ألقت التحية برقتها المعهودة وقالت " هل ننطلق .. لقد تأخرنا "

أومأ فجر يتبرع " أنا سآخذ نصر معي .. ما رأيك يا نصر "

ابتهج نصر في الحال ينضم له " هل ستعلمني القيادة يا عمي "

أومأ فجر إيجابًا " سأعلمك يا عمي .. من عيوني "

تذمرت مريم بطفولية " هل أنا الآن سأركب في الخلف يعني "

شبكت سلمى ذراعها في ذراع توأمها تنهرها " أيتها الحمقاء وهل تتوقعين أني سأتركك تركبين لمكان غير المجاور لي .. خلصيني يا مريم "

قالتها تشدها للسيارة كي تصعدا في الآخر متلاصقتين كالعادة بينما أمل نظرت حولها بنقمة ثم وضعت نظارة شمسية لا داعي لها أعلى عينيها تتنازل بتنهد " كالعادة مضطرة لأجاريكم .. لا بأس "

قالتها وصعدت بدورها فعلق حازم " هاربون من السرايا الصفراء "

...........................

وقت الغروب ..

بعد تناول الغداء الدسم فوق طاولة ضخمة جمعت كل الأحباء

كان الجد تاج مع سلطان يتجالسان متحادثين بينما أم سلطان وشروق وعالية معًا ويجاورهم ليل ومياسة ونورين وسارة وانتصار

أما الرجال .. فجر وعمر وحسن مع حازم كانوا يلعبون بكرة القدم بالقرب منهم معهم الصبية المتحمسين أما الفتيات فكنّ يشجعنّ فقط بحماس

رمى عمر المنسي الكرة بحركة حادة أصابت رأس ابنه طارق الذي وقع على الأرض متأوهًا " يا نهار لن يفوت .. يا أبي جعلت وجهي شوارع .. ارحم أمي أرجوك ! "

" انهض يا بني وانشف " هتف أبوه بعبوس يتحكم في قلقه فضحك طارق يرفع نفسه قليلا ويتهكم " يا أبي أي نوع من الألعاب تجيده فقط أخبرني "

توعد أبوه الساخط من صوت الضحك المستمتع على حسابه " انهض يا شقاوة أو سآتي لأنفضك "

ركضت سماء متملصة من حضن ابنة عمها سلمى وتوجهت نحوه تناديه بميوعة لتطمئن عليه وتقبله

هب عمر أخيها يرفعها بعيدا عنه بحنق فضحك طارق الممدد على الأرض يصنع بيديه شكل قلب بحركة متلاعبة استفزت عمر الصغير فصرخ تاج مدافعًا عن توأمه " يا عم أختك هي من ذهبت له .. أنت أحول ! "

" اخرس أنت أو ضربتك " صاح عمر يهدده فهتف تاج بشجاعة في المقابل " هل لأنك الأطول يعني .. ليست بالطول على فكرة "

صرخت نورين فجأة متوعدة من جلستها فأجفلت الجميع " إن نهضت لكما فسأناولكما بالشبشب .. أكلتما رؤوسنااااااااا "

ضربت ليل على الطاولة تصيح " لم يأكل رؤوسنا إلا أنتِ وأخوكِ "

" وما دخل أخوها الآن يا امرأة !" هتف عمر محتجًا فغمغمت مياسة " يا ربي رأسي سينفجر .. منكم لله جميعًا "

تأفف سلطان مشفقا على تاج الحكيم بجواره الذي يمسك بدماغه فقال " ألا يكفيكم لعبًا صاخبًا يا شباب "

سأل نصر اللاهث من كثرة اللعب " وماذا سنلعب يا أبي ؟ "

قفزت ضي تقترح " تعالوا نلعب لعبة الزجاجة .. والذي تشير إليه الزجاجة يطلب منه الآخر طلبًا أو يسأله سؤالًا "

رفع تاج الصغير عينيه للأعلى " لعبة تافهة مثلك "

ضرب فجر رأسه بخفة " اخرس وكف عن مضايقتها يا ولد فقد تحملتك كثيرًا "

تبرم تاج بصمت يدلك موضع الضربة فأيدت زهر بتشجيع " والله فكرة حلوة "

أكدت مريم بامتعاض " نعم .. فنحن نجلس مشجعات فقط كأننا عساكر مناوبة .. نريد اللعب "

عبس عمر المنسي بقرف " يا إلهي .. كمية فتيات مائعات لا تحتمل "

مطت مريم شفتيها تقول " نراك عندما تصل ابنتك يا عمي المجرم"

انتفش عمر يصدها " تتدلل على أبيها يا بنت .. هل ستجلس فوق رأسك يا حرباء ! "

" إذن .. " هتفت ضي مصفقة " هل نلعب يا بابا "

ابتسم فجر يدنو ليحملها بحضنه " نلعب بكل ما ترغبين يا حبيب بابا "

امتعض تاج المنسي سرًا بينما تقدم الكل لجمع الكراسي وضم الطاولات ثم أتوا بزجاجة اللعب

وجلس كل أب مجاورًا لأطفاله .. وبدأ حسن بلف الزجاجة فأشارت على مريم ليسألها حازم " أخبرينا يا حبيبة خالو .. لو كان هناك شيء تودين إلغائه من الجامعة .. ماذا ستلغين ؟ "

التفتت مريم تتبادل نظرة مع سلمى بجوارها قبل أن يهتفا بصوت واحد مرح " الجامعة نفسها "

علقت انتصار المراقبة كباقي الأمهات " يا فرحتي بالخلف الصالح !! "

ضحكت سلمى برقة لتقول أمل مستهجنة " لا أعرف كيف لا تحبان الجامعة .. إنها تبدو رائعة يكفي أنكِ لن تلتزمين بزي موحد خالي من الذوق "

علقت سلمى مشيرة لأختها بمشاكسة " أقدم لكم أختي أمل الجوهري .. كوكو شانيل العرب!"

عجت الضحكات عاليةً منهم أمل التي حاولت الاستنكار ففشلت بذلك

لفت الزجاجة مجددا فسقط الاختيار على تاج الصغير وضي التي صفقت بتحمس وكأنها كانت تتحين فرصتها ..

نفخ تاج بغيظ أن وقع من نصيبها هي واحتج " ليس عدلا .. أنا لا أحب هذه الألعاب أصلا "

تنحنحت ضي تدفع شعرها للخلف بحركة دلال تعمدت مضايقته بها ثم قالت " أنا لن أسأل .. أنا سأطلب"

غمغم تاج بملل " أنتِ وطلباتك ! "

ابتسمت بعفرتة دون التفات له ورفعت كفها تتحداه " قبّل يدي "

اتسعت الأعين بذهول فقال فجر ينهاها بهدوء " ضي !! "

نظرت له ضي تزمي موقفها " يا بابا أنت قلت أنه من الاحترام والتقدير أن يتم تقبيل يد الفتاة .. ألست أنت تقبل يد ماما ونانا شوشو "

ارتفعت الضحكات على أفعالها الطفولية بينما هي لا زالت مصرة على موقفها ..

فغمز عمر المنسي حينها ابنه مشجعًا إياه على الاقدام على تلك الخطوة البغيضة ..

عبس تاج مكفهرًا للحظات حتى فاجأ الجميع بمباغتة ما أن مال يقبل ظاهر يدها المفرود أمامه بحركة خاطفة ..

حينها صُدمت ضي نفسها متوردة تسحب يدها كملسوعة ..

ثم طالعته قليلا بانشداه قبل أن تضحك بين خجل وفرح فتمتم تاج بحرج طفولي " تافهة ! "

لم تبالي به وهي تتخبى في صدر والدها الذي نظر لليل بدوره في صمت والأخيرة ابتسمت تغمزه ..

ابنتهما خُلقت للتقدير والدلال وكأمها تعشق الاهتمام والعطف

على الأغلب ضي تحتاج لضبط زوايا .. فهذا الدلال يجب أن تعلم أنه سيكون قاصرًا على حدود أسرتها الصغيرة فقط ..

ولا ذنب للمسكين تاج فيما يتلقاه من معاناة بسبب ابنته الطاغية

دارت الزجاجة مرة جديدة فسقط الاختيار على فجر فيسأله عمر الجوهري " عمي فجر .. غنّ لنا قليلا "

ضحك حسن يعلق بسخرية " هذا مشابه لجملة إحدى الأفلام الشهيرة ( حازم صوته حلو جدا يا آنسة غادة ) "

انخرط الحاضرون بالضحك بينما ابتسم فجر لتهتف ضي بغنج " نعم .. غنّ المقطع الذي أحبه يا بابا .. الخاص بي "

تدخل عمر المنسي باستخفاف ممازح" خلصنا يا عم أنت وابنتك"

شتمه فجر ثم عاد ينظر لابنته مقترحًا بلطف " وما رأيك أن تغني معي "

خجلت ترفض بسبب التجمع الكبير حولها، فابتسمت ليل الجالسة ودعمتها بحب " غني يا ضي أمك .. أطربيهم بصوتك العذب يا ابنة ابيكِ "

" الكروان وابنته " علق طارق مشاكسًا فابتسمت ضي تعتدل وتومئ بقبول خجول " المقطع القصير فقط يا بابا "

أومأ فجر موافقًا فتنحنح كلاهما ينظران لبعضيهما كي تستمد منه الدعم الذي يجود به ثم ارتفع صوتيهما معا بطرب عذب

قولي لي مين زيك ..

والله ما لك زي ..

ده البدر من ضيك ..

صعب عليه الضي ..

ضحكت ضي بعدها تخبئ وجهها المتوهج بحضنه قبل أن تنظر بعين واحدة لتاج الصغير الذي ابتسم يعلق بشرود " أغنية حلوة جدا "

" يا خباثة " ناغشه عمر المنسي بلكزة فتحرج الصبي " يا أبي ! "

تدخلت نورين باقتراح شقي " بمناسبة الأغاني .. ما رأيكم جميعا بأغنيتكم الشهيرة "

ارتفعت الشهقات مستذكرين بحماس وهب الأطفال مؤيدين كلٌ يسحب والده بإصرار .. فضحكت نورين على نجاحها في إثارتهم

نهض الآباء يتبعون أبنائهم مجبرين بينما قامت نورين لتشغيل الأغنية على السماعة الكبيرة التي بثت النشاط في الحي كله خاصة مع الكلمات المحفزة المعروفة

والآباء يراقصون الأبناء وحتى الجالسين بدأوا بالغناء والتصفيق الحار بحمية وبهجة ..

ايد لوحدها متسقفش

ترمي جناح مكسور ميطيرش

جمد قلبك قول متخافش

تقدر ع العالم بما فيه

اقترب فجر وعمر وحسن كل يلف ذراعه حول الآخر كمثلث متين الأضلع لا ينفصل ولا يصيبه كسرًا بينما يجلجلون بقوة كصبية لا هم لهم وأبنائهم من حولهم مهللين

كنا عيال لابسين كاستور

واتشعبط حلمنا في النور

شب .. ونط .. وعدى السور

دوّر على حلمك تلاقيه

أخذ كل منهم يضرب يده في يد الآخر كما قلدهم أولادهم مشكلين تصفيق ضخم وكل يد تعين الأخرى فيه ..

ثم تحركوا نحو سلطان الجالس مبتسمًا كعمود طلب أجاد دومًا اسنادهم ورفعهم عاليًا وأكملوا الغناء محتفلين به وله

لو صممت تكون هتكون

جواك قدرة تهد الكون

وطنك حلمك فين ما يكون

اقفل رمش القلب عليه

اندفع عمر المنسي يحمل توأمه بحركة البناء الخاصة بهم بينما عمر الصغير حمل سماء على كتفيه وضي كانت على كتفي أبيها

وفي هذه اللحظة بالذات كانت الدموع تغرق أعين عالية كشروق مع ليل ونورين وحتى مياسة لم تتمالك نفسها عن دموع الفخر التي اجتاحت عينيها ..

وهم يتابعون التكرار بصوت شع بالحنين والكثير من الامتنان

ايد لوحدها متسقفش

ترمي جناح مكسور ميطيرش

جمد قلبك قول متخافش

تقدر ع العالم بما فيه

وانتهى الأمر بزغاريد غردت من نورين فجأة فقلدتها باقي الفتيات الصغيرات بطاقة نشرت المسرة فزادت العيد تلونًا وزهوًا .

...........................

قرب الفجر ..

أهلك التوأم مياسة حتى قبلا بالنوم أخيرا قاطعين اللعب الالكتروني مع أبيها بغير رضا ..

ونورين أجهدتها سماء التي أخذت تثرثر في شرحها عن كل تفاصيل اليوم وكأن نورين لم تكن حاضرة

أما عمر الصغير فظل يلعب المصارعة مع أبيه حتى سقط في النوم من شدة التعب ..

وضي .. فكانت فوق سريرها يزيل عنها فجر طلاء أظافرها كما طلبت منه .. ثم بحركة حانية لثم باطن قدمها في حركة معتادة منذ كانت في المهد ..

حتى غفت أخيرا مرهقة ليرجع هو لزوجته المنتظرة

دلف إليها يبتسم " انتهى اليوم "

بادلته التبسم تترك كتابًا كانت تقرأ فيه وهمست بلوم " تأخرت "

برر يقترب جالسا معها " ضي رغبت في إزالة الطلاء "

ارتمى على سريره يغمض عينيه بإرهاق فطالعته للحظات حتى طلبت بشكل مفاجئ " أريدك أن تقص لي أظافري على فكرة "

قطب ينظر لها بغباء فمالت تأتي بمقصفة الأظافر مبتسمة

استنكر فجر " قصيها لنفسك يا ليل .. ما هذا الدلال الفارغ "

تكتفت بطفولية متعنتة " أنت تقصها لأمك ولابنتك طوال العمر .. لمَ أنا لا .. ما هذه التفرقة "

تنهد فجر ينهاها بتعب " لا تكوني سطحية غيورة يا ليل .. فأنا متعب بشدة "

لوت فمها الشهي بغير رضا ليزفر ببؤس وهي طبعًا لا تهون عليه ..

مال ينال المقصفة وجلس أمامها يبدأ بتقليم أظافر قدميها التي لم تكن بحاجة أصلا

تنهدت هي تتبسم بانبهار وهمست مرتاحة " لا أقصد التدلل وازعاجك .. لكني أنبهر بك دائما عندما أراك تقص أظافر أمك أو ضي .. ثم تقبل قدمها بنعومة وتكريم .. يا إلهي .. أنت أعظم رجل في العالم أقسم بالله "

ابتسم دون رفع وجهه عما يفعل، حتى انتهى يرفع قدمها إليه وصدمها بتقبيل باطنها تلقائيًا يرد بنفس حانية " يليق بكِ الحب والتكريم يا سابية قلبي "

فغرت ليل شفتيها متجمدة بينما بدا هو غير متنبه لأثر حركته العفوية في نفسها ينهض عنها

ظلت مكانها حتى عاد يرتمي على السرير نائمًا يطلب " اغلقي الضوء حبيبي "

لم تستجب ولا زالت ترنو له بصمت ففتح عينيه متعجبًا " ليل "

ثارت مشاعرها وهمست بتهدج " لقد قلدت ما تفعله مع ضي عندما تقبل باطن قدمها "

ارتفع حاجباه الأسودين يعتدل قليلا ثم شاكسها " وماذا حدث .. هل دغدغتك القبلة "

لم تجاري مزاحه بل دمعت بغباء فجلس ينادي بقلق " ليل، هل تدمعين يا حمقاء"

أومأت إيجابا كطفلة صغيرة .. حينها ابتسم يجذبها لحضنه ويربت على بطنها المنتفخ في عطف " لا بأس .. إنها الهرمونات "

هزت رأسها تموء بنعومة " شكرا لإكرامك لي يا فجر .. لم يكرمني يومًا أحد مثلك "

قبل أعلى رأسها فوق قلبه يقول بحنان من شيمه " يا حبيبي .. أنتِ ابنتي المفضلة .. أول فرحتي يا ليل "

ضحكت من بين دموعها " أنت أروع عوض .. أقسم بالله لا يوجد عوض يشبه عينيك الفجريتين .. أنت أعظم ما وهبني ربي "

شدد من ذراعيه برفق يتنهد ويتمادى بالعطف " أحبك بشدة والله العظيم .. يا سابية النجوم والقمر .. وقلبي "

رفعت وجهها مثارة الأحاسيس تقبله بضراوة حتى قاطعهما فجأة صرخات قادمة من الحديقة فعقد فجر حاجبيه بقلق ينهض للشرفة واتبعته ترتدي حجابها خلفه ..

صُدما حينها برؤية التوأم مع عمر وأخته سماء تتبعهم ضي وكلهم يخرجون من العقار إلى الحديقة قافزين متراقصين

اتسعت الأعين ينتبه فجر لصوت عمر المنسي الذي خرج للشرفة بدوره يهتف بجوار مياسة الذاهلة " أنتم يا أولاد الكلب .. كيف خرجتم ألم تكونوا قد نمتم ؟ "

صاح حسن الواقف بجوار نورين الضاحكة بتفاجؤ في شرفته أيضا " ولد يا عمر .. ألم تكون قد نمت أنت وأختك .. أقسم أن أنفخك "

أطلق عمر الصغير ضحكة ضخمة تشبه هيئته فنادت ليل المصعوقة " بنت يا ضي .. اصعدي يا بنت أصبحنا الفجر "

رفضت ضي بدلع " نعم إنه الفجر يعني موعد الضي يا أمي "

صفق تاج بحماس وهو يمسك بكفها يمنعها من الصعود بينما طارق أطلق أصوات تهليل بفمه ثم شجعهم ليتكرر غنائهم بسعادة

ايد لوحدها متسقفش

ترمي جناح مكسور ميطيرش

ابتسم الآباء الذاهلين رغمًا عنهم فعج عمر المنسي بنشاز مشاكس

جمد قلبك قول متخافش

تقدر ع العالم بما فيه

عبس فجر يضايقه بعبارة متداولة " بالله عليك .. لقد كرهتني حتى في الأغنية المسكينة "

شتمه عمر من الشرفة قائلا " سد أذنيك يا كئيب العينين .. هل ستقرفنا "

هبت ليل مدافعة عن زوجها " وهل تحدث معك لتنتفض عروقك عليه هكذا "

استطال عمر على حاجز الشرفة متوعدا " أم قويق .. اسكتي أنتِ"

زجره فجر بحنق " لا تتحدث مع زوجتي يا *** "

تدخلت مياسة بغضب " كفى يا همج .. أفزعتم الحي كله "

خرسا فجأة ما أن تم مداهمتهما بسكب دلو من الماء على رأسيهما فشهقا يرتفعان بأعينهم نحو حسن الذي انفجر في الضحك وسخر منهما بغلاظة "كفى يا أحفاد جنكيز خان، قرفت من ازعاجكما .. لا أدب ولا مشاعر ولا احترام للجيرة حتى !"

تبادل عمر الذي يقطر منه الماء مع فجر النظرات الشرسة ثم دخلا من الشرفة ركضًا يسبان ويلعنان لينتفض حسن ينوي الفرار منهما

انضمت نورين إلى ليل ومياسة تراقب كل واحدة زوجها وقد خرجوا ثلاثتهم للحديقة كلٌ يجري خلف الآخر وأبنائهم من حولهم يشجعون اللعبة الحلوة

حتى سقط الثلاثة فوق بعض من التعب يقهقهون بقوة ويتعاركون بخشونة مزعجة ..

إلى أن بزغ تاج الحكيم بالخرطوم الطويل ثم فتح عليهم الماء بغير مقدمات صارخًا بجنون " أوبااااااش .. أنتم مجموعة من الأوبااااااش "

فغرقوا في الماء حتى العظام وتفجر العقار بكل سكانه كبارًا وصغارًا في الضحك السعيد والهتافات المستمتعة

وكان هذا ..

خير ختام للفجر !


................

أقدر دلوقت أقولكم تمت بحمد الله
كانت تجربة شاقة لكن تستحق
وسعيدة جدا إني شاركتها معاكم هنا 💖💖💖
هنتظر آرائكم وأرجو إني أكون خلّفت في نفوسكم أثرا طيبا مع أبطالي
وياريت متنسوش ترشيح العمل وعمل فوت إن لقى استحسانكم
عشان ده هيشجعني للرجوع بعمل جديد في أقرب فرصة 💖💖💖
أي استفسار أو تحبوا تدوروا عليا هتلاقوني في جروبي واللينك في صفحتي موجود
هستناكم
تحياتي .. آلاء منير 💖

Continue Reading

You'll Also Like

1.7M 62.5K 47
#كاملة زينة فتاه جميلة تحب مصطفي مهوسه به، قصة حب دامت لخمسة سنوات منهما عامين في الخطبة و حينما أوشكت علي إختيار فستان زفافها اخبرها ان " كل شي نص...
256K 11.8K 40
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
99.3K 5.6K 45
Covered by: BatO_ot النهايه ليست دائما سعيده... بل يمكن ان تكون مؤلمه .... صادمه.... حزينه.. لكن اعلم دائما ان كل نهايه لقصه ماا... تكون بدايه لقصه ا...
147K 4.3K 23
فتاة يتيمة تضطر للاستقلال بالمعيشة عن خالها لتفاجأ بشخص يتتبعها ويراقبها بكل مكان... ماتنسوش الڤوت والتعليقات لو سمحتم😍😍😍