فجري أنت ، بقلم آلاء منير

By AlaaMounir201

630K 22.3K 6.3K

ماذا يحدث عندما تتلاقى سمو المبادئ مع دنيا الرغبات ! عندما تضعك الحياة بين اختيارين أحلاهما علقم .. عندما تُخ... More

تواقيع الأبطال
المقدمة
الفجر الأول
الفجر الثاني
الفجر الثالث
الفجر الرابع
الفجر الخامس
الفجر السادس
الفجر السابع
الفجر الثامن
الفجر التاسع
الفجر العاشر
الفجر الحادي عشر
الفجر الثاني عشر
الفجر الثالث عشر
الفجر الرابع عشر
الفجر الخامس عشر
الفجر السادس عشر
عودة 💫
الفجر السابع عشر
الفجر الثامن عشر
الفجر التاسع عشر
تنويه 😍
الفجر العشرون
الفجر الواحد والعشرون
الفجر الثاني والعشرون
الفجر الثالث والعشرون
الفجر الرابع والعشرون
الفجر الخامس والعشرون
الفجر السادس والعشرون
الفجر السابع والعشرون
الفجر الثامن والعشرون
الفجر التاسع والعشرون
الفجر الثلاثون
الفجر الواحد و الثلاثون
الفجر الثاني و الثلاثون
الفجر الثالث و الثلاثون
الفجر الرابع و الثلاثون
الفجر الخامس و الثلاثون
الفجر السادس و الثلاثون
الفجر السابع و الثلاثون
الفجر الثامن و الثلاثون
الفجر التاسع و الثلاثون
الفجر الأربعون
الفجر الواحد و الأربعون
الفجر الثاني والأربعون
الفجر الثالث و الأربعون
تابع الفجر الثالث و الأربعون
الفجر الرابع و الأربعون
الفجر الخامس و الأربعون
الفجر السادس والأربعون
الفجر السابع و الأربعون
الفجر الثامن والأربعون
الفجر التاسع والأربعون
الفجر الخمسون
الفجر الواحد والخمسون
الفجر الثاني والخمسون
الفجر الثالث والخمسون
الفجر الرابع والخمسون
الفجر الخامس والخمسون
مهم 💖
وحشتوني 💖
الفصل السادس والخمسون
الفجر السابع والخمسون
الفجر الثامن والخمسون
الفجر التاسع والخمسون
الفجر الستون
الفجر الواحد والستون
الفجر الثاني والستون
الفجر الثالث والستون
الفجر الرابع والستون
الفجر الخامس والستون
الفجر السادس والستون
الفجر السابع والستون
الفجر الثامن والستون
الفجر التاسع والستون
الفجر السبعون
الفجر الواحد والسبعون
الفجر الثاني والسبعون
مهم جدا
الفجر الثالث والسبعون
الفجر الرابع والسبعون
الفجر الخامس والسبعون
الفجر السادس والسبعون
الفجر السابع والسبعون
الفجر الثامن والسبعون
الفجر التاسع والسبعون
الفجر الثمانون
الفجر الثاني والثمانون
الفجر الثالث والثمانون
الفجر الرابع والثمانون
الفجر الخامس والثمانون
الفجر السادس والثمانون
الفجر السابع والثمانون
الفجر الثامن والثمانون
عيد ميلاد 👑🎂
موعد عودة 💖
الفجر التاسع والثمانون ( والأخير )
ختام الفجر ضي

الفجر الواحد والثمانون

7.2K 296 136
By AlaaMounir201

مساكم براق يا لآلئ 💫💖
عاوزة أقولكم إني معرفتش آخد قرار معاكم هل أنزل يوميا عادي ولا كل فترة حسب قراءتكم 😂
فأنا قررت نستمر بردو حسب التفاعل
لذا لو عاوزين فصل فمننساش بقا نعمل فوت وعاوزة آراء كتير وإن شاء الله أنزلكم فصل مميز النهاردة يارب يخفف عنكم أي صعوبة في اليوم
جاهزين 😍🥳

................

كانت تتقدم خطوة ومقابلها تتخلف عشر خطوات ، مما زادها تأخرًا خاصة بعد وقت أُهدر في محاولة اقناع ليل القلقة من تركها تذهب وحدها على الرغم من أنها لا تعلم عن هذا الفادي إلا القليل

لكنها لم تستطع المجازفة على كل حال ، فقررت أنها لن تتركها ترحل وحدها أبدا

فإن كان سيء النوايا يخطط لافتعال مشاكل أو أذى نورين

لتكن ليل معها تعاجله بالصراخ وجمع الناس عليه أو حتى تقاسمها تلقي الأذى أيا كان !

قرأت نورين الوقت في هاتفها فوجدت أن الساعة التي أعطاها لها كمدة انتظار انقضت بالفعل منذ ربع ساعة ..

وعلى الأغلب يكون قد رحل

ولا تعرف هل أراحها هذا أم وأد آمال فضولها المتلهف مما أزعجها

وصلتا للسوق الكبير حيث النقطة التي حددها مكانًا .. فتشت نورين بنظراتها في اضطراب متسائلة عن مدى صحة ما تفعل وقد جرت معها ليل أيضا !

إلا أنها لم تجد الفرصة لإعادة التفكير ، حيث وجدته جالسًا فوق مصطبة جانبية للمحل الذي ينتظر أمامه .. يطرق بوجهه أرضًا ويبدو شاردًا محبطًا ..

ربما فقد الأمل بقدومها .. لكن مع هذا لم يرحل بعد !

" هل هو ذلك الشخص ؟ " سألت ليل بتنبه فأومأت نورين مرتبكة

شجعتها ليل بجأش " إذن اذهبي هيا كي لا نتأخر .. أنا سأقف لكِ هنا بانتظار أي اشارة منكِ .. لا تخافي "

أومأت نورين مجددا في امتنان ثم شدت طولها تسحب نفسًا وتحركت بثبات واقفة قبالته مباشرة

أخرجته عن شروده فرمش يرفع وجهه بحدة على الفور ثم ابتسم كأنه مبتهج بقدومها بعد ساعة وربع من اليأس ..

تكتفت تتنحنح تستهل بلا مماطلة " قل ما لديك مباشرة .. أنا متعجلة "

استقام واقفًا يداعبها " حقك يا عروس "

زمت شفتيها دون مجاراة له ، تلفت حولها متعجبا " هل أتيتِ وحدك ؟ "

تحفزت ترد في الحال " معي صديقتي هناك "

أدار وجهه جانبًا يرى ليل متمعنًا فيها وارتفع حاجباه يتهكم " هل أتيتِ بقطعة بسكويت ناعم لتحميكِ من أنياب ذئب !! "

رفعت حاجبها مهاجمة بهدوء " لا يخدعك مظهرها الرقيق .. جبارة تنهشك دون أن تجد أنت من مخالبها منفذا ، ثم أنها لم تأتي لحمايتي .. فأنا قادرة على حماية نفسي "

تحولت نبرتها لأخرى حادة وأكملت " والآن انجز .. هل تتوقعني متفرغة لك .. هات ما عندك "

 

أومأ ببساطة ثم مد يده لجيب بنطاله يُخرج ورقة ما ويعطيها لها .. عقدت حاجبيها تمسك بالورقة لتقرأها بهدوء لحظي سرعان ما تبدد أمام اشتعال عينيها فتصوب وجهها المحتد له مبادرة بوقاحة " على الأغلب مخك سميك .. وتريد اعادة الاستماع للوصلة الشعبية الرنانة التي أطلقتها على مسامع أبيك قبلك !!! "

" نورين اسمعيني .. "

قاطعته بنفاذ صبر ترمي الورقة في وجهه قائلة من بين أسنانها " أكفِ بها جوعك وجوع أبيك .. لست بحاجة لقرش منكما .. اغرب عني "

" نورين " ردها بصوتٍ عالٍ يمنع كلامها المنفعل فاستجلب نظرات البعض واستنفرت ليل المراقبة عن بُعد قصير ..

 

زفر محتدا ثم انحنى يلتقط الورقة التي وقعت على الأرض و " هذا المال ليس لكِ .. هو لأمك .. حق أحلام "

برقت عيناها تشهر قبضتها " حق أحلام تأخذه منكما أمام رب العالمين .. حيث يوم لا ينفعكما فيه مال "

احتج غاضبًا " هذه المرة الثانية التي تجمعينني فيها معه بأذية أحلام .. تقريبا لستِ منتبهة أو تتغافلين عمدا عن كوني كنت مجرد طفل بعمر السادسة ! "

أطبق فكيه يبتلع سخطه عائدا لهدوئه و أردف " ماذا تعرفين أنتِ عن أحلام يا نورين ؟ .. هل تملكين حتى ذكرياتٍ عنها !! "

رفعت حاجبها " وهل تملك أنت "

غامت عيناه بشيء غريب ولم يرد مباشرة إلى أن تنهد قائلا بتباعد " لم آتِ مشاركًا معك ذكرياتي .. يكفي أن تعلمي أن أحلام كانت تعني لي أكثر مما تعنيه حتى لكِ .. ولا أكترث إن صدقتِ أو لا "

تأففت بملل " أنت ماذا تريد مني بالضبط ؟ "

مد لها الورقة قائلا بمهادنة " أن تأخذي المال يا نورين "

رفضت بثبات معتزة " أنا لا أقبل حراما "

رفع عينيه يرمق مقلتيها بتركيز غريب جعلها تتسمر متوجسة ..

بدا كشخص ينقل مشاعره بتلك الطريقة الساكنة واستمر صمته لعدة لحظات حتى تكلم مشددا " أنا مالي ليس حرامًا "

 

ارتفع حاجباها والعجيب أنها أحست بصدقه عبر حدسها ، إلا أن العقل المنطقي يرفض قوله استنادا لمجموعة الحقائق المتداولة عنه

كانت عيناها شفافتين فأجاد قراءة أفكارها المتشككة ليعيد لها بتأكيد " نورين .. هذا المال حلال "

كذبته مستنكرة " عن أي حلال تتحدث ؟ .. أساسه أصلا حرام وهو مال أبيك اللص "

زفر يرد مبارزا بإتقان " مال أبي اللص سرقه من أمك .. لذا عودته لكِ الآن يكون إعادة الحق لأصحابه .. وعمومًا دعيني أخبرك أن مال أبي خسره كله قبل سنوات مفلسًا .. أي أن ما أتى حرامًا ضاع سهلًا "

أطبقت شفتيها لوهلة لا تتنازل أمامه مقارعة بسخرية لاذعة " آه .. فقمت بسرقة طليقتك لأجل التعويض .. ونعم الخلف الصالح !!! "

وجم وجهه وانغلقت التعابير عنه " هل تتوقعينها كانت لتتزوجني لو كنت مفلسًا حينها ! .. ما بيني وبين طليقتي لا يخص مخلوقًا يا نورين "

لوحت كفيها بامتعاض " لا أهتم ولو لذرة .. أنا راحلة "

وقف قبالتها يحيل دون ذهابها " أقسم بالله أن المال حلال يا نورين "

ضحكت وجرحته برعونة " قالوا للحرامي احلف "

اتسعت عيناه بالإهانة الفجة فأحست بالحرج منه .. حرج لم تحسه عندما أسمعت أباه ما هو أكثر ، ولا تعلم لماذا تحسه معه الآن !

 

أسدل جفنيه يسحب نفسًا يستجدي الصبر فهو معها بالذات لا يجوز له الغضب ، فإن غضب يؤذي بقسوة .. وهو لا يمكن أن يمس ابنة أحلام بأي أذى !

 

عاد يرفع عينيه لها متهاودا بصوت فاتر " لم أعتد يومًا منح التبرير أو شرح نفسي .. لكني الآن سأطمئنك .. مالي حلال .. مال طليقتي هو مبلغ في حساب مصرفي لم ألمس منه شيئا .. فأنا أصلا لا أحتاج من أحد قرشًا واحدًا "

 

لوح بالورقة مجددا وتابع " المال حلال .. وهو حق أحلام يا نورين .. فخذيه من فضلك ولا داعي للجلبة "

 

زوت حاجبيها وهي تهدأ تدريجيا وحدسها يزداد بصدق قوله

 

تكتفت قليلا تدعم نفسها وردت محتارة " ما مشكلتك ؟ .. لماذا تُصر عليّ بأخذه الآن بالذات .. أين كنت طوال تلك السنوات طالما أنك تريد رد الحقوق هكذا ! "

ابتسم مستنتجًا الهدوء النسبي الذي انتابها وأجاب " كنت قريبًا دوما يا نورين "

عبست أكثر في توجس ولم ترد فأكمل " كان هناك ما ربطني بسلطان الجوهري .. وكنت أعلم عنكِ .. وأعلم أنكِ جارته .. لذا كان سهلا وصولي لكِ .. لكني لم أرغب بذلك "

فرد كفيه يفسر أكثر " بماذا يفيد ظهوري .. لا حق لي .. قتل أبي كل حقوقي .. أصبحنا غرباء يا نورين ولا أملك انكارا لهذا .. لذا انتظرت علّكِ يومًا تظهرين بنفسك .. كان دومًا لدي الإيمان بأنكِ ستذكرين أحلام ذات يوم .. وانتظرت فقط "

نفضت رأسها قائلة بتهكم " وهل بمجرد ظهوري أضحى لك الحقوق كابن خال أرفضه أصلا ! "

نفى بأسف أحسته رغم الابتسامة " لا .. مطلقا .. لم أظهر لذلك .. فقط رغبت رد مال أحلام .. هذا دين في رقبتي لها يا نورين .. وسأختفي من حياتك لدرجة أن تنسي اسمي حتى"

 

قطبت فمد لها الورقة برفق " خذي المال يا نورين .. أرجوكِ "

صمتت دون استجابة وبداخلها تتأرجح فهمست " ماذا أفعل به .. أنا لست محتاجة "

أومأ بصبر يقترح " لم أمنحه لأجلك فقط .. بل لأحلام .. اصنعي به شيئا .. أو حتى وزعيه على من يحتاجه .. لا أعلم .. تصرفي "

 

ارتفع حاجباها تنظر له مستغربة

لص ويفكر بأعمال خيرية !

ما هذا ؟

ابتسم بقراءة فطنة لكنه لم يُجرح بل أعاد " لهذا المال حلال .. لن أصنع لأحلام معروفًا من حرام صدقيني "

ضيقت عينيها وهي لا تأخذ الورقة " ولماذا لا تفعل بنفسك ما تشاء "

كان دوره في التعجب " أنا ! "

مالت برأسها تتفحص رد فعله فضحك يستهزأ " لا يا نورين .. هذا يكون أفضل من ابنة صالحة مثلك .. أنا لا أصلح لتلك الأمور "

رفعت حاجبا تقارع " أنت لست صالحًا إذن "

ابتسم لها باتساع مستمتع ولم يرد وإنما قال " خذي المال يا نورين "

 

صمتت مطولا وكان هو صبورا جدا إلى أن مدت يدها عقب تردد طال أحست بالضغط فيه ثقيل عليها ..

لكنها نالتها منه بتذبذب فابتسم راضيًا " شكرا لكِ "

 

رفعت عينيها له قائلة بتوضيح " عندما أتيت ظننت أنك ستمنحني شيئا عنها .. يخصها "

قطب بتفكير غامض ثم فتش في جيوب سترته عن شيء ما

أخرج سلسالا رقيقا في نهايته شكل فراشة ناعمة ..

اتسعت عينا نورين بلهفة تهمس " هذا لها "

أومأ وهو يتأمل السلسال بنظرات تغيم بالشجن والحنين ..

رفعت نورين كفها لالتقاطها ببساطة ، انتفض نافرا يبعد السلسال عنها بغيرة " هذا لي "

استنكرت نورين " هذا سلسال نسائي ويخص أمي ! "

ابتسم ببرود وأعاد السلسال لجيبه بعناية " أحلام تخصني أكثر مما تخصك أنتِ حتى .. هذا لي يا نورين .. لا تحاولي "

 

زمت شفتيها وقد بدا كطفل مستفز خبيث .. إلا أنها بعد لحظات عادت تسترخي

ربما يكون محقا .. فهي حتى لا تملك عنها الذكريات

لتصدقه في هذا أيضا !

أومأت ترغب في التراجع والرحيل مع ليل المتململة التي تنظر في ساعتها بين حين وآخر

 

لكنه عاد يستوقفها مستذكرا " انتظري .. شيء آخر "

نظرت له بحذر لا زال قائما فمد لها ظرف صغير أخذته تفتحه فرأت فيه مفتاحًا " هذا مفتاح المقابر يا نورين .. زوريها في أي وقت .. أنا متأكد أنها ستفرح بذلك "

ابتسمت قليلا وقد أحست بالراحة خاصة وهي منذ ما حصل كانت متشككة في امكانية الذهاب لأمها مجددا ..

رفعت وجهها تشكره بدهشة " شكرا لك يا فادي .. أنت لا تشبه أباك تماما "

ابتسم يغمزها بشقاوة " من الرائع مقابلتك بين طرقات الحياة الشائكة يا نورين "

ابتسمت من جديد للحظة ثم وجمت تتنحنح رافضة التساهل معه مما أضحكه عليها

 

تأففت وهي تتفحص الظرف عفويا فارتفع حاجباها تقرأ ما كُتب على ظهره

)  فادي الديب ، من يفدي السوء بالأسوأ )

 

ضيقت عينيها بفضول " ما معنى هذا "

لم يرد عليها فنظرت له بحيرة تجده ينظر لنقطة ما خلفها ورد متلاعبا " أخشى أنه لا يوجد متسع من الوقت لأشرح لكِ شعاري "

 

تخشبت محلها للحظات قبل أن تستدير ببطء فشحبت تفغر فمها وهي ترى عن بُعد حسن يقف بوجه لم تره عليه من قبل

يضع يديه في جيبي بنطاله ويراقبها دون حراك أو رد فعل مقروء إلا أن منظره مُقبض ..

وببعض التدقيق علمت أنه واقف منذ بداية اللقاء لكن لم يُظهر نفسه إلا الآن ..

شعرت أنها ستترنح من الصدمة وبدأ قلبها يقرع بجنون ودمائها تجف فسأل فادي " هل أنتِ بخير "

ترجته بذعر دون النظر له " ارحل أرجوك "

فرد كفيه ببساطة دون جدال أو افتعال مشاكل وإنما ابتسم يودعها " وداعا إذن يا أحلام "

التفتت له وقد لمسها اسم أحلام

فتراه وهو يبتسم لها بعمق ثم يستدير عنها غائبا بين البشر في السوق الضخم الذي ابتلعه حتى اختفى تماما كأنه سراب

 

شعرت بحسن يقترب فأغمضت عينيها تتنفس بصعوبة وتزداد تشنجًا ..

عم صمت ثقيل رغم ضوضاء السوق من حولها .. استدارت له مضطربة تهمس بتلعثم " حسن "

دنت ليل منهما فورا فسبقته نورين " ليل معي و .. كنت سأخبركم بمجرد عودتي "

تنحنحت ليل بحذر " كان الأمر طارئا ولم تكونوا بالقرب فذهبت أنا معها "

لم يرد عليها ولم يرفع عينيه عن عينيّ نورين المتهربتين من حصاره

زفرت بارتجاف قلقة من سكوته تناديه بصوت متوسل " حسن "

نزل بعينيه لقبضتيها سائلا بصوت مكتوم " ماذا أعطاك "

عضت على شفتيها بتوتر " مفتاح المقابر "

انتظر تتمة فأضافت مضطرة بارتياع " وحق أمي "

اتسعت نظراته مبهوتًا " منحك المال وأخذتِه "

ابتلعت ريقها تستجمع شجاعتها التي فرت من وقع المفاجأة " نعم .. هذا حق أمي "

فغر شفتيه غير مصدق تبجحها فانتفض يطالبها " هاتي الورقة "

رفضت تبعد قبضتها عنه " لا "

" لا ! " ردد ذاهلا ثم اتقدت عيناه معيدا بشراسة " هاتي الورقة يا نورين "

هزت رأسها مدافعة بثبات " لن يحدث يا حسن "

 

تدخلت ليل بقلق " هل يمكن أن تهدآ .. نحن في الشارع "

 نظرت له نورين تتنفس باضطراد ملاحظة تحرك صدره بلهاث مكبوت حتى أمرها " سيري أمامي "

حاولت التحدث بارتباك " حسن من فضلك .. "

أوقف كلامها بجذب خشن من ذراعها يكرر بفظاظة " ولا كلمة .. سيري أمامي حالا "

اتسعت عيناها من أسلوبه العدائي تحاول صده بلا فائدة .. وليل تلحق بهما مضطربة فغضبت نورين تحرر نفسها بعنف صارخة " كفى يا حسن "

توقف يلتفت لها بهياج فعاجلته ثائرة دون أدب لافتة الأنظار لهما  " إياك ومعاملتي بهذه الطريقة .. أبدا يا حسن "

سكن فجأة يرمقها مطولا فلكزتها ليل سريا بخفة لتدرك أنها تهورت من شدة التوتر

فتحت فمها تحاول استدراك الموقف " حسن أنا .. "

لم يرد مباشرة حتى قال بصوت مظلم " تحركي أمامي يا نورين .. وحقا لا تختبري صبري هذه اللحظة .. لمصلحتك "

اتسعت نظراتها وقد شعرت فعلا بالرهبة منه .. حينها تدخلت ليل تسحبها مانعة مزيد من التناطح بينهما بينما هاتف نورين يدق حاملا اسم عمر فغمغمت بفزع " يا إلهي .. اكتملت الآن "

 

..................................

 

" الغبية لا ترد " غمغم بضيق وهو يغلق المكالمة فتكتفت مياسة تنهاه " ألا يمكنك التكلم باحترام مرة "

رفع حاجبه دون مطالعتها ورد بلكنته الشعبية معتزا " هذا ما عندي يا ستنا .. لا تنقصنا فذلكتك الله يبارك لك "

مطت شفتيها تكتم انزعاجها منه إلى أن ظهر ليل ونورين معهما حسن قادمان من أول الشارع ..

وبنظرة متفحصة سريعة أدرك كلاهما بوجود خطب ما

اقتربوا منهما فزاد يقينهما إثر تفحص وجه نورين الشاحب وملامح ليل المتوترة أما حسن فتصلبه غريب

 

بادر عمر لنورين بخشونة " أين كنتِ يا أختي ؟ "

فتحت نورين فمها لمنحه الرد صريحًا لكن حسن تبرع بقول مقتضب " كانتا معي "

عقد عمر حاجبيه بشك بينما ليل تبادلت نظرة خاصة مع مياسة أبلغت الأخيرة بها أن سوءًا قد وقع

 

تنحنح حسن يضيف " هيا اصعدا "

ازداد عبوس عمر المستنفر وفجر كان قد نزل من بيته متقدمًا من وقفتهم باستغراب وسأل ما أن تلقى تلك الإشارات الغامضة المتطايرة في الأجواء " ماذا بكم ؟ "

رد حسن متأففا " لا شيء "

التفت لنورين مرة أخرى " اصعدي لتُنهي ما ورائك يا نورين "

ابتلعت ريقها مؤجلة الحديث مع عمر المدقق فيها لوقت لاحق .. ربما ترتب عباراتها على الأقل

شدت ليل تدلفان لبيت المنسي فتجهم عمر يمعن بحسن هنيهة قبل أن يتحرك خلفهما داخلا البيت مستوقفا " نورين انتظري "

 

تخشبت عند أول درجات السلم خلفها ليل واستدارت له بإذعان

دخلوا كلهم خلفه وحسن كان مكفهرا بينما يسمعه يتحقق بحدة " أنتِ أين كنتِ دون اخبار أحد "

تدخل حسن بغيظ " قلت كانتا معي "

نظر له عمر يردعه " أنا أسألها هي يا حسن فلا تتدخل "

اتسعت عينا حسن يزداد غضبا فصاح بانفعال مفاجئ غير مفهوم " ما معنى لا تتدخل .. هل هي زوجتي أم أتوهم "

نفخ عمر يصرخ في المقابل " أختي قبل أن تكون زوجتك فلا تتغنى أمامنا الآن "

دخل فجر بينهما قلقا " اذكرا الله يا شباب .. ماذا حدث لكل هذا "

صاح عمر بانفعال " قل له هو هذا الكلام .. هل كلمته أصلا أنا أحادث أختي "

هتف حسن بعنف " أسلوبك زفت مثل وجهك "

دفعه عمر غاضبا " احترم نفسك قبل أن اطبق أنا لك وجهك "

 

" كفى " هتفت نورين تلهث وقد خشت تطور الوضع فنظروا لها لتكمل مندفعة بذعرها " أنا كنت أقابل فادي يا عمر "

اتسعت عينا عمر مسمرا بينما شتم حسن من تصرفها الطائش صائحا بفظاظة " أنا قلت اصعدي للأعلى يا نورين "

لم ترد عليه مباشرة لكنها نظرت له باعتذار ثم قالت " أنا حقا آسفة أن فعلت ذلك من ورائكما لكني والله كنت سأقول بمجرد قدومي "

عادت تلتفت لأخيها المتحفز وأسهبت " أنا قلقت أن تحدث مشكلة إن رأيته يا عمر كما توعدته .. حقا آسفة والله "

لم ينتظر عمر المزيد من الاعتراف وهو يهجم يشد بذراعها بقوة فشهقت مجفلة تسمعه يردد مصدوما " ذهبتِ له أين وكيف بالضبط "

لعقت شفتيها تخبره متقلقلة " هو اتصل بي .. قال أن شيئا يريد منحه لي يخص أمي "

هزت رأسها فورا تستدرك " إلا أني لم أذهب وحدي والله .. كانت معي ليل "

" ليل ! " ردد مستنكرا وهو ينظر لليل التي أكدت بهدوء " لم يكن أحد منكم هنا فذهبت أنا معها .. وقابلناه في السوق الكبير وسط الازدحام يعني مكان محايد "

صرخ عمر في وجهها متماديا " هل أنتِ مجنونة يا امرأة "

 

زمت ليل شفتيها متململة " لا حول ولا قوة الا بالله .. أتينا للوقاحة ! "

لم يكترث بقولها وإنما أكمل يجلجل " هل تعرفين أصلا من يكون زفت فادي هذا كي تطاوعينها .. ماذا إن كان ينوي بها السوء ؟ .. هل ستحمينها ؟ .. من تحسبين نفسك يا أختي ؟ .. أندرتيكر ! "

 

قطع عنفه اندفاع فجر الذي لم يقدر على الصمت يقف أمام ليل وعفويا يبعدها خلفه وعاجل صاحبه " لا تصرخ عليها يا عمر "

أطبق عمر فكيه ساخطًا وهتف من بين أسنانه " لقد تصرفت فتاتك النبيهة دون عقل و .. "

قاطعه فجر يشهر سبابته في وجهه محذرا " لا تتمادى يا عمر  .. حتى وإن أخطأت وعرضت نورين للخطر فقد جازفت تعرض نفسها معها في ظل غيابكم .. لذا لا تصرخ في وجهها بهذا الأسلوب "

شتم عمر يغمض عينيه يحاول تمالك نفسه فهمست ليل من وراء ظهره " اهدأ يا فجر من فضلك .. أنا أخطأت .. من الواضح أنه أخطر مما تصورت "

استدار لها فجر بوجهه يشملها بعينين قلقتين وسأل متلهفا دون اصدار صوت " أنتِ بخير ؟ "

داعب قلبها باهتمامه فأطرقت تومئ بلا معنى و دون رد ..

 

لوحت مياسة تبادر بتعقل " هل يمكنكم الهدوء من فضلكم لنفهم على الأقل ماذا أراد منها "

كان حسن كل هذا جامدا مطرقا لدرجة زادت من احساس الذنب لدى نورين التي حاولت التركيز على سؤال أختها " منحني مفتاح المقابر "

رفع حسن وجهه ينتظر الباقي منها مخذولا فتابعت تنظر له باعتذار صامت " وحق أمي "

" مااااذاااااا " أجفلت تبعد عينيها عن حسن مطالعة عمر الصارخ والذي عاد يهجم عليها متوعدا " كرري لي ما قلتِ ؟ .. منحك المال حق أمك ؟ .. أي أخذتِ منه ! "

تمسكت ببسالتها تشد نفسها " نعم .. أخذته "

عم السكون الذاهل للحظات وهو ينظر لها بغير تصديق حتى هب مطالبا " هاتي ما منحك "

استنكرت فورا " لا طبعا "

" نوووورررريننننن " صرخ عمر نافذ الصبر فهتفت بجنون " كفى .. كفى .. لا يصرخ أحد في وجهي أنا لست صغيرة "

اتسعت عينا عمر مصدوما وكان تاج يدخل عائدا لتوه من عند سلطان الجوهري واستوضح بقلق " نورين .. لمَ تصرخين هكذا "

أغمضت نورين عينيها شاعرة بالضغط منهم فاقتربت مياسة من أبيها تحتويه برفق " سأشرح لك لاحقا يا أبي "

ازداد قلق تاج لكنه وافق بعقلانية ينقل عسليتيه بين الموجودين ..

 

فرد عمر كفه يكرر بغضب ناري " أعطني ما منحك يا نورين .. حسابك معي عسير صدقيني "

صرخت محتجة " هذا حق أمي يا عمر "

" وهل تحتاجين له " هتف منفعلا فردت بحدة " لا .. لكن هي تحتاجه .. تشردت بسبب ضياع حقها منها .. على الأقل لأفعل لها شيئا في موتها يا أخي "

قارعها عمر " ماذا تريدين أن تفعلي لها ؟ .. قولي ونحن كلنا معك "

اقتربت منه قائلة بحرارة " أعلم يا أخي .. لكني أحتاج لفعل شيء لها من شيء أملكه فعلا .. أرجوك افهمني يا أخي .. هذا حقها "

انفعل عليها أكثر فأمسك بمرفقيها يهزها " كل ما تقولينه ليس مبررا لذهابك له .. أنا سأقتلك يا نورين "

" والله كنت سأقول والله " أقسمت بصدق وأكملت توزع نظراتها بينه وبين حسن الساكن " أنا توترت جدا لكن ما طمأنني فعلا أني قابلته في السوق .. وكانت ليل معي لم أذهب له وحدي "

قال عمر مذهولا " هل أنتِ غبية يا نورين ؟ .. ما أدراكِ أنه إن أراد بكِ السوء فسيغلبه المكان المزدحم ! "

ردت عليه ببؤس وقنوط " والله فكرت في ذلك ولهذا ترددت كثيرا .. أرجوك افهمني .. لم أستطع منع فضولي لمعرفة ماذا سيمنحني عن أمي "

أغمض عمر عينيه يسحب نفسًا عميقًا يبتلع استيائه ورغبته في نتف خصلاتها كي لا يزيد من تردي الوضع خاصة أمام حسن ..

لتضيف هي يائسة " أرجوكم افهموني .. أنا أخطأت وآسفة .. لكني أحتاج لتفهمكم .. في النهاية لن ألجأ إلا لكم كي تتصرفوا في المال بما يناسب "

سخر حسن فجأة يتخلى عن جموده " تتصدقين على أمك بمال حرام ! "

عقدت حاجبيها ترد " هذا حق أمي من لص مثل أخيها .. كما أنه ليس حراما "

نظروا لها متعجبين ثقتها فعبرت بجأش " قال لي أنه ليس حرامًا .. وأنا صدقته بحدسي "

ارتفع حاجبا حسن للحظة ينظر لها غير مصدق " صدقته بحدسك .. حقا ! "

دنت منه هاتفة " حسن اسمعني .. "

أوقف تقدمها منه بحزم " كفى .. أنا لا أريد سماع شيء .. يكفيني ما سمعت للآن يا نورين "

تأوهت داخليا تهمس " حسن "

لم يستمع وهو يتراجع خطوة منغلقا " أنا عائد لبيتي "

استدار عنهم للمغادرة وهو يغمغم لتاج باحترام " بالإذن منك يا عمي "

أومأ تاج المصدوم وقد فسر تقريبا معظم ما حصل

 

تنحنح فجر يتبرع " أنا سألحق به .. بالإذن منك سيد تاج "

قالها وخرج يغلق البوابة فساد السكوت على رؤوسهم ونورين تحدق بأثر حسن الغائب ملتاعة

كسر عمر الصمت بتساؤل متوجس " كيف قابلك حسن بالضبط ؟ "

طأطأت دون رد فاتسعت عيناه " هل رآكِ معه ! "

رفعت له عينين متأسفتين وأضافت بإقرار " لقد صرخت في وجهه أيضا من شدة توتري يا أهي "

وجمت تعابير عمر قبالتها يكرر " صرختِ في وجهه بعد أن رآكِ معه ! .. أيضا ! "

عضت على شفتيها بحرج كبير وهي تومئ بقلق كاد أن يفتك بها

فانتفض عمر صارخا بخبال " هل فقدت عقلك يا نوريييين ! "

تدخلت مياسة حانقة " توقف عن الصراخ .. ماذا حدث لكل هذا .. نورين لم تعد صغيرة "

التفت لها عمر بعينين ناريتين يزجرها " أنتِ لا تتدخلي أبدا في هذا .. احترامها لزوجها يا هانم لا يوجد فيه عُمر محدد "

عاد بعينيه لنورين يهتف بقسوة معنفا " ما هذا التبجح منكِ ؟ .. رآك واقفة مع غريب من خلف ظهره وغريب مكروه مرفوض وفوق هذا تصرخين بوجهه ! .. هل ماتت أمك ولم تلحق أن تعلمك كيف تحترمين زوجك ؟ .. أخبريني حتى أعيد أنا تأهيلك لذلك يا نورين "

 

فقدت مياسة صبرها خاصة ونورين مخرسة دمعت عيناها يخنقها الذنب الثقيل فهاجت بشراسة " كفى يا عمر .. ماذا فعلت لكل ذلك .. زوجك زوجك زوجك .. كأنه محور الكون "

استشاط عمر منها فعج بغلظة " لا دخل لكِ .. ابتعدي عن أختي بأفكارك الملوثة هذه ! "

اتسعت عيناها معترضة " أنا أفكاري ملوثة أم أنتم الهمج ! "

 

" كفى يا مياسة " عنفها تاج متخليا عن صمته فخرسوا جميعا على الفور ينظرون له ليكمل محجما من جموح ابنته " عمر محق .. لا تدفعك حميتك على أختك .. ولا تدسي أفكارك الخاصة فيها "

حول وجهه لنورين الممتقعة يطالعها بعناية ثم قال مترفقا " اسمعيني طفلتي .. أنا لا أعرف أبعاد الموضوع كاملا .. ولكن فهمت من حديثكم .. وأنتِ يا نورين أخطأتِ "

مالت ملامحها بأسى ليكمل لها بحزم لطيف " الأب يا حبيبتي يحتوي .. الأخ يتفهم .. أما الزوج .. الزوج مختلف .. هو يحتوي ويتفهم .. لكن يحتاج لمراعاة أكبر .. هل تفهمين ما أقوله حبيبتي ؟ "

أومأت له بعذاب وقد أدركت متأخرا فداحة فعلتها فهمس عمر " كلام عمي صحيح .. أنا أصلا معتاد على دلالك وتصرفاتك منذ الصغر وأفسدتكِ بالدلع .. لكن زوجك لا يا نورين حتى وإن تفهمك .. الأمر مختلف .. حسن أصلا محترم ومراعي .. فأنا لو كنت مكانه ورأيتك تقفين مع شخص مثله كنت كسرت لكِ رقبتك "

أحنت نورين رأسها هامسة باعتذار " آسفة يا عمر .. بالله عليك تفهمني كما اعتدت منك دائما .. حقك على رأسي يا أخي "

نظر لها بصمت فطالعته مكملة " لا يهون عليّ كسر خاطرك يا أخي فسامحني .. حقك عليّ "

تنهد ثم فرد كفه " أريني المال "

منحته له ببساطة فقرأه غير راضٍ لتهمس " رفضت أخذه كثيرا .. إلا أني في النهاية تمنيت فعلا لو أفعل لها شيئا يسعدها .. وكنت سآتي لأخبركم فهذا المال سأعطيه لكم لتتصرفوا فيه أقسم بالله .. هذا حقها عليّ يا أخي .. مثل ما تفعل أنت دائما لوالدينا "

زم شفتيه متمنيا لو أمكنه تمزيق الورقة لألف قطعة رفضًا لأخذ قرش من أحد ..

لكنها محقة .. هذا فعلا حق عمته وهو مبلغ ليس بالقليل ويمكنها أن تقدمه في صدقة جارية لروحها

أفضل من تركه لخبيثين مثلهما

زفر بحدة يعطيها الورقة قائلا " سنتكلم فيما بعد بالتفصيل .. اصعدي للأعلى يا نورين هيا .. تبدين شاحبة ومتعبة جدا "

أومأت مستسلمة وممتنة " شكرا لك يا أخي "

 

لم يرد بينما تحركت تصعد مع ليل و هو ألقى على مياسة المكفهرة نظرة قبل أن يقول لتاج " بالإذن منك يا عمي أنا سأرى حسن .. ألن تصعد ؟ "

أومأ تاج متفهما " اذهب يا ولدي .. أنا سآخذ عالية ونرحل "

............................

 

ليلا ..

 

كانت مياسة تقف خلف أختها في غرفة طارق المنسي وزوجته والتي أصرت نورين أن تبيت فيها معها خاصة أنها أصرت كذلك على ليل للبقاء معهما الليلتين المتبقيتين على الزفاف وقد رضخت ليل على مضض تتجاهل حرجها لأجل نورين

 

كانت مياسة تمشط لها شعرها وتهتم به وذلك بعد أن ساعدتها في الاستحمام وعمل بعض الأشياء لها

دخلت ليل عليهما مبتسمة " لقد رتبت الحمام والمطبخ "

عاتبتها نورين " لماذا فعلتِ ذلك يا ليل "

 

ردت ليل وهي تقترب جالسة على كرسي تستريح مقابلا لها " كي لا يتعب أحد في تنظيف البيت بعد الزفاف .. كلها أشياء بسيطة "

شكرتها نورين بحب " شكرا لكِ حقا يا ليل "

تذكرت بعدها هامسة " كيف سأحتمل غيابك عندما تسافرين "

داعبتها ليل بوقاحة " حسن سيُنسيكِ اسمك حينها "

توردت نورين وتنهدت بهم تعكرت به معالمها فلاطفتها ليل " لا تبتئسي هكذا .. يمكنك اصلاح الأمر يا نورين "

هزت نورين رأسها " إنه لا يرد على مكالماتي أو رسائلي يا ليل .. لا أصدق أننا نتخاصم في هذا التوقيت الهام "

قالت مياسة فجأة وهي تنتهي من ترتيب شعرها " عادي .. لا تشغلي بالك .. عند الزفاف سيصالحك كي تتيسر أموره "

نظرت لها نورين مستنكرة " تتيسر أموره !! "

رفعت مياسة حاجبيها ببديهية " هل تتوقعينه سيفسد ليلته الموعودة لأجل خصام .. حينها سيترضى دون حتى صلح منكِ "

أطبقت نورين شفتيها مدافعة " حسن ليس هكذا "

ابتسمت مياسة من سذاجتها تقول بقناعة " يا بنتي كلهم هكذا .. هذا الشأن يحكمهم "

تدخلت ليل بهدوء " لا تستمعي لأختك .. إنها مهتزة النفس "

رفعت مياسة حاجبها مقارعة " هل تنكرين أهمية تلك الأمور عندهم "

ترقبت نورين الإجابة بقلق فردت ليل ببساطة " لا أبدا .. الأمر مهم عندهم بالتأكيد .. لكن ليس كما تقولين يا مياسة .. أنتِ تتحدثين عن حيوان لا رجل محترم ومحب وشغوف مثل حسن "

 

حولت عينيها لنورين ترشدها بتأني " لذا لا تستمعي لأختك .. حبيبتي أنتِ أكثر من يعرف زوجك .. وأنا كنت شاهدة على خطأك في حقه .. لذا صالحيه بالطريقة التي تجدينها ملائمة .. لا تفسدي ليلتكما بأفكار متأرجحة .. فشخص كحسن إن ظل منزعجا منكِ من الممكن أن يفسد الأمر بينكما فعلا وهذا سيترك ذكرى سيئة في يوم مميز كهذا .. تفهمين قصدي ؟ "

 

ابتسمت نورين تومئ تتشرب منها كل النصائح خاصة وأنها لم تتلقى أي نصيحة من أحد في هذا

قالت مياسة بتقدير " تبهرينني كل مرة بنضجك يا ليل "

ابتسمت ليل لها ممازحة " لم نمر بالقليل "

" معك حق " همست مياسة ببعض الشرود ثم نفضته تقول " هيا يا نورين لترتاحي .. أنتِ مرهقة جدا "

 

وافقت نورين وهي تجذبهما معها متدللة للنوم بينهما بهناء

وافقتا فتمدد ثلاثتهن على السرير العريض وساد السكوت للحظات حتى همست نورين " ليل "

" ممممم " همهمت فارتبكت نورين قليلا .. نظرت لها ليل بدهشة تحثها " قولي "

قالت نورين بتردد " فقط .. كنت سأسأل عن بعض الأمور وأخشى ازعاجك "

اعتدلت ليل تشجعها " لن أنزعج .. قولي حبيبتي "

 

عضت نورين على شفتيها ترتب الكلام ثم أطلقته " كنت فقط أريد أن أعرف عن الليلة الأولى ولكن .. أنتِ كنتِ متزوجة من آخر غير فجر "

قالت ليل ببساطة " آه .. أمير الفارسي "

نظرت لها مياسة مقرة " لم تعودي تنزعجي من ذكره "

هزت ليل رأسها قائلة " ولمَ أنزعج .. لقد كان زوجي وهو جزء كبير من الماضي .. والماضي هو من شكلني الآن "

ابتسمت نورين مبهورة " أنا فخورة بكِ والله العظيم "

 

بادلتها ليل التبسم تقبل خدها فتشجعت نورين " إذن .. كيف كان الأمر "

" كان لطيفا " قالت باعتراف وأردفت بتفكير " رغم أني حينها لم أكن أشعر بذلك كاملا .. فترتي معه كانت مشوهة بانعدام ثقتي .. لكن أنتِ إنسانة واثقة وحسن يحبك ويتحرق ولو للمسة منكِ .. لذا كل شيء سيكون بخير يحمل بصمتكما الخاصة "

 

طالعتها نورين بحيرة وقالت " وهل كان الأمر مختلف مع فجر "

ابتسمت ليل قائلة بشجن " جدا .. كنت أكثر ثقة رغم بعض الاهتزاز .. لكنه أجاد حبي وتفهمي حتى تشبعت به ومنه "

طمأنتها بعدها بنصح ثابت " يعني لا تجعلي الخوف يفسد لحظاتك يا نورين .. ثقي بنفسك وبحسن وتتبعي مشاعرك .. وكل شيء سيكون مثاليا حد الكمال صدقيني "

أومأت نورين وهمست شاردة تعد نفسها " نعم .. سيكون كل شيء مثاليًا .. سأحرص على هذا جيدا "

تنهدت بعدها قائلة " شكرا يا ليل "

غمزتها ليل تحتضنها وتربت عليها " كل شيء سيكون بخير "

قالتها ومدت يدها تتشبث بيد مياسة كأنها تطمئنها هي أيضا

فابتسمت مياسة تعانقهما لتغلق الإضاءة الجانبية بعدها ثم ينمن بعمق

 

...............................

 

اليوم التالي ..

 

كانت نورين مع مياسة وليل في بيت الجوهري .. حيث طلبتهن أم سلطان لتناول الغداء معها تصمم على تغذية نورين بنفسها

رغم أن نورين كانت فاقدة لشهيتها تماما بسبب خصام حسن المستمر والذي لم تستطع رؤيته لحد الآن وقد انشغلت هي بمركز التجميل تقضي الساعات مع مياسة وليل .. أما حسن فهو مشغول تماما بالعديد من الأشياء والتفاصيل التي لا تنتهي بمساعدة عمر وفجر

 

" يا ابنتي كُلي " نبهتها أم سلطان نبهها عن سهوها فنظرت لها مغمغمة بإرهاق " أنا آكل يا حاجة "

امتعضت أم سلطان " أي أكل هذا ؟ .. أنتِ تقلبين في الطعام دون تذوقه حتى ! "

ابتسمت نورين قائلة " لا شهية لي والله "

عبست أم سلطان ترد متعجبة " يا ابنتي أنتِ عروس .. وترهقين نفسك جدا .. عليكِ بالاهتمام بغذائك أفضل من ألف قناع وجه وتلك الأمور السخيفة التي تدفعين فيها المال بلا نفع .. كلي يا بنت كي تصلبي طولك وتبرقين هكذا في عرسك "

أومأت نورين بطاعة تضغط على نفسها " حاضر .. تأمرين "

 

دققت في معالمها أم سلطان واستعادت هيئة حسن بعقلها اليوم صباحا وهو مقتضب متشنج فأدركت وجود خطب بينهما

مدت يدها لوجه نورين ترفعه ناحيتها متأملة ملامحها وقالت برفق " ما بكِ يا ابنة الغالية .. هل تخشين الزواج ؟ .. هل قلقة من حسن والحياة الجديدة ! "

ردت نورين واثقة " لا والله يا حاجة .. أنا لا أخشى الزواج ولا أقلق أبدا .. أنا أحب حسن جدا وأطمئن قربه "

ابتسمت أم سلطان متشدقة وهي تنظر خلف نورين " ابن الحلال يظهر عند ذكره "

 

التفتن للخلف ونورين تلهفت فرأته ورائها يقف عند باب المطبخ ويرمقها بعتاب مقروء جعل فمها يميل تردد دون صوت " حسن "

رفع عينيه عنها يُلقي تحية متأخرة ردتها ليل ومياسة بهدوء بينما أمه قالت بحبور " تعال يا حبيب أمك .. تعال كُل .. تبدو مرهقًا "

رد عليها رافضا بهدوء " لقد أكلت بالخارج حبيبتي .. تناولن أنتن .. بالعافية "

تنحنح بعدها يرجع للخلف مستأذنا " أنا سأصعد شقتي لأرتاح قليلا "

غاب عنهن فعادت نورين لطبقها يلفها الحزن ساكنة ..

 

دخلت عليهن سارة وانتصار يحملن بعض الطلبات والأولى تقول متعجبة " ما به حسن ؟ "

صمتن وأم سلطان تتفحص نورين مستفسرة بيقين " بنت .. هل بينكما خصام ؟ "

أومأت نورين ايجابا دون مراوغة فقالت سارة بدهشة " هل تركتما كل الأيام كنتما فيها سمنًا على عسل وتتخاصمان الآن قبل زفافكما بيوم ! "

سألت أم سلطان باهتمام " هل فعل ما ضايقك منه ؟ "

ردت نورين على الفور مهمومة " لا مطلقا .. أنا المخطئة "

تدخلت انتصار بلطف " هوني عليكِ .. تكون الأيام ضاغطة عليكما .. أمور مثل هذه تحدث "

رفعت ليل وجهها " لكن يجب أن تحلها يا انتصار كي لا تفسد فرحتهما ببعض "

أكدت سارة بنضج " أتفق مع ليل .. بصفتي كنت عروسًا تتفنن في افساد فرحتها فأخبرك أن تستغلي كل الوقت في السعادة منعا للندم المستقبلي "

تنهدت نورين تفكر قليلا ثم طلبت بتردد " هل يمكنني الصعود له "

عبست مياسة متوجسة " إنه وحده بالأعلى .. لا تنقصنا مشاكل مع عمر أرجوكِ "

استنفرت أم سلطان " وما دخل عمر ذكر البط الغاضب هذا "

ضحكت مياسة على اللقب رغما عنها فقالت نورين مندفعة " ما المشكلة .. زفافنا غدا بالفعل وأنا لا أستطيع مقابلته في مكان آخر "

نهضت بعد كلامها بإقدام " سأحل الأمر معه .. لن أتأخر "

علقت ليل بمرح " أو تأخري حتى .. التأخير يأتي بثماره "

ضحكن عليها وغمغمت أم سلطان بشقاوة " فجر الأحمق .. كيف فرط بأنثى عفريتة مثلك "

مطت مياسة شفتيها مغمغمة " لأنه حمار "

 

................................

 

كان يُخرج من خزانته الصغيرة بعض الملابس الصيفية المريحة كي يرتديها بعد استحمامه قبل النوم

بوجه مقطب شرع بحل أزرار قميصه حتى قاطعه جرس الباب

رفع عينيه الشاردتين بتساؤل لحظي نبعت له اجابة فورية من احساسه أنها هي ..

 

سار لاستقبال الطارق وصدق احساسه برؤيتها

حيث صوبت له وجهًا مرتبكًا متوردًا بشحنات حرجها لكنها جاهدت للتماسك تهتف بدلع " سونا "

لم يتجاوب معها وإنما رمقها بعبوس أكبر ثم استدار عنها عائدا لغرفته بتجاهل متعمد ..

مشت تلحق به متقافزة متحلية بعفوية مفتعلة وتتغنى " سونا يا سُنسُن جيت لك أهو "

لم يرد يوليها ظهره نائيا بإصرار علّها تسأم متراجعة ، إلا أنها تشبثت بموقفها مستكملة الغناء " جيت مكسوفة لكن ملهوفة .. والنبي حتى ما اتغديت "

لم يلتفت لها وهو يتأفف بصوت عالٍ فتصنعت باهتزاز ضحكة رقيقة قالت بها " حتى تعرف كم أنت غالي عندي .. أكثر حتى من الطعام "

استدار لها أخيرا بملامح صلبة يصدها بفظاظة " هل تستخفين دمك عليّ ؟ "

امتقع وجهها مجروحة منه وأبلغته شفافية نظراتها المتقلقلة لكنها ابتسمت تهمس بضعف " هل دمي ثقيل جدا على قلبك ! "

رد عليها مهاجما بحدة " ماذا تريدين يا نورين "

" نتحدث يا حسن " ناشدته بيأس فأبعد وجهه عنها بجفاء " لا رغبة لي .. غادري "

رفضت تتقدم خطوة منه " حسن أرجوك .. أنا والله آسفة "

شعر ببوادر غضب تتقد شرارته في صدره فأحجمها معاندًا " نورين أنا أريد الاستحمام والحصول على بعض الراحة .. فارحلي "

 

" حسن أرجوك أ.. "

أوقف توسلها المهتز بقول خرج من بين أسنانه " نورين .. من فضلك أنا متعب ولا أنام خاصة الليلة الماضية .. لذا غادري .. فأنا بحاجة للنوم "

هزت رأسها لا تستمع لمطلبه وإنما تقدمت منه تكتم لهاثًا بينما تترجاه باختناق " حسن فقط لنتكلم و .. "

بتر كلامها مجددا بتشديد غاضب " نورين .. قلت من فضلك غادري .. فأنا أحتاج للنوم "

هتفت غير قادرة على التلبية " وأنا بحاجة للحديث "

صرخ فجأة ينفجر في وجهها بنفاذ صبر غير معهود منه " مضى وقت الحديث يا نورين .. قلت انتهى وكفى "

قفزت من مكانها مجفلة إثر علو صوته وأخذت تشهق بداخلها حتى همست تستميله بوجه متهدل " حسن ! "

" غادري يا نورين بالله عليكِ .. لا تدفعيني لما لن يعجبك " زجرها يمنع تسربها إليه عابس المحيا يلجم انفعالا كبيرًا في نفسه بصعوبة وعلمت ذلك جيدا ، مما جعل عيناها تدمعان تأثرًا وتشهق شاعرة بألم يجرح قلبها " يا حسن أرجوك .. "

استدار عنها بوجه مقتضب غير متنازل يدفعها عنه بنبرة ميزت الخذلان فيها " ارحلي يا نورين .. أنا حقا لا أريد رؤيتك الآن "

 

شهقت شهقة أكبر مستسلمة لنوبة بكاء تملكتها متمنية لو يحتضنها فيُهدي قلبها الأمان المألوف منه ، إلا أن تشنجه كان واضحًا يخبرها أن صدره لن يستقبلها ..

لذا تراجعت خطوة ترمق ظهره بأسى ثم استدارت بغية الرحيل عنه وهي تنشج بقلب مكسور

بينما خلع هو قميصه يرميه بعصبية وهو يطلق سبة غاضبة مغمضا عينيه شاعرا بالصداع يفلق دماغه " اللعنة "

 

سارت خطوات ناحية الباب تكتم بكائها بيدها لا تصدق أن فرحتها أصبحت ناقصة فعلا بعد أمنيات حالمة في قلبها أن يكون كل شيء بينهما متفردا جدا ككل فصل من فصول حبهما القوي ..

 

وقفت عند باب الشقة ترفع وجهها وتتسمر محلها عدة لحظات شاردة تذرف الدموع المخرسة

حتى تراجعت تغلق الباب بهدوء فظن هو بالداخل أنها رحلت مما زاد من شعوره السلبي الذي قبض قلبه المجروح منها ..

 

حتى أجفل بغتة إثر غزوها عليه وقد انبثقت من العدم ترتمي على ظهره العاري متغلبة على حيائها .. تلف ذراعيها حول جذعه بتشبث مستميت ملتصقة له هامسة ببكاء رقيق " حسن .. أرجوك يا سونا "

اتسعت عيناه هامسًا ومشاعره تنفعل بها تلقائيا " يا إلهي "

 

لف بين ذراعيها المحكمين حول منه يحاول ابعادها عنه متسلحا ببعض الصمود الواهي " نورين ابتعدي .. "

لم تبتعد وهي ترفع وجهها له تترجاه بدموع زادتها ميوعة " أعطني قبلة يا حسن "

استهجن مغتاظًا من قدرتها على السطوة عليه باكتساح كهذا " كفى يا نورين .. الأمر لن يُحل بتلك الطريقة "

لم تستمع له بل زادت من هجومها بسلطة تدرك أبعادها جيدا عليه فاستطالت على أطراف أصابعها متعلقة بكتفيه تجاهد للوصول له دون منفعة هامسة بشفتين غارقتين بدمعها " فقط أعطني قبلة يا حسن وأنا سأحل كل شيء .. هات قبلة "

قال من بين أسنانه غاضبًا يحاول دفعها دون أذيتها " نورين كفى "

اندفعت حينها بورقة رهان رابح متمادية " يا رب أموت لو لم تمنحني قبلة "

انتفض جسده بفظاعة يحس كأنما لكمته بغير رحمة فهتف ذاهلا يهزها حتى شهقت يرتد رأسها للخلف " اخرسي .. تبا لكِ أيتها .. "

قطع كلامه المرتعش المبعثر بأن انحنى بغير صبر يحملها بذراعه إلى وجهه فيعطيها ما ابتغت دون تنازل منه في المقابل

 

فكانت قبلة غاضبة خشنة ومرتعبة

خاصة بعد طيش عبارتها الأخيرة الغير محسوبة .. و التي زادت من سوء الوضع بداخله

 

بالأمس عندما رآها صدفة وهو في شرفته بعد أن عاد لبيته مبكرا .. تعجب كونها خرجت دون اخباره .. حاول أن يلحق بها فانتهى به الحال يراها تقابل هذا السافل

جُن عقله واشتعل قلبه .. ولم يفكر إلا بالاندفاع لدق عنقه وتعنيفها دون تردد في منتصف السوق

 

لكن في اللحظة الأخيرة امتنع مدركا أنه إن فعل ذلك فسيكون قاسيا جدا غير مراعي بطريقة قد تترك أثرا غير مستحب في نفسها

 

وارتقب للنهاية .. مخذولا مجروحا

ومفزوعا .. لا يتخيل مدى تهورها الذي دفعها للنزول له بتلك البساطة رغم مكره المعروف ..

لا يتصور كيف كان ليحدث إن لم يرها صدفة فألحق بها هذا السافل أي ضرر !

والله يموت إن كانت نتيجة رعونتها فعلا مضرا من هذا الذئب ..

لكنها زادت النار حطبا بصراخها المتمرد عليه دون مراعاة لحالته وجنونه وخوفه .. ولا حتى مراعاة لوجود ليل بينهما

 

رغم أنه يعلم أن صراخها ما هو إلا أثرًا لاضطرابها من ظهوره المداهم

لكن هذا أبدا لا يمنع جرحه منها وخوفه المتلهف عليها

لقد أخطأت نورين في حقه بشدة وهو لن يتهاون مطلقا !

 

عقد حاجبيه يتشنج أكثر مع عجيج أفكاره فازدادت قبلته شراسة مختلفة لم تعتدها منه ..

إلا أنها مع هذا أبدا لم تجفل .. بل ظلت ساكنة تماما واثقة للنهاية

 

يداها على كتفيه تدلكان تشنجهما كأنها تهدئه .. حتى أبهرته باتباع فطرتها تجاهه ورفعت كفا لخده تمسد وتربت عليه كأنها تحتوي وتعتذر رغم انقطاع أنفاسها في دوامات قبلاته الغليظة

عندها بدأ يهدأ تدريجيا وقد غلبه خوفه عليها .. فرفع وجهه ببطء لتشهق بعنف وتنتفض بين ذراعيه المطوقين لها بشدة كانت موجعة إلا أنها لم تتذمر

 

رفرفت بأهدابها ترمق عينيه الداكنتين واستمرت تربت على جانب وجهه ثم همست ذائبة " أحبك جدا يا حسن .. سنسونتي "

قطب حاجبيه وجفناه ينغلقان قليلا ممتزجًا برقتها بانصهار تام رغم أنف ثقله الجاف

 

تأمل شفتيها المنتفخين فعاد لهما بقبلة أخرى أكثر هدوءًا يسترضيهما بفيض من نعومة استبدل بها خشونته السابقة رغم أنه لا زال غاضبًا معاتبًا ..

لكن شفتيها الجميلتين لا ذنب لهما في جنونهما معًا .. تستحقان لطف المعاملة وعذوبتها !

تحرك سيرا بها وجلس على كرسي عريض مريح يُجلسها فوق ساقيه بأريحية أولا ثم أغمض عينيه يسند وجهه عند رقبتها ولامها " أنا حزين جدا منكِ يا نورين "

احتضنت رأسه تتنفس بلهاث عشوائي وقالت بتقطع " سلامتك من .. أي حزن يا .. مدللي الغالي .. والله نورين .. تموت .. بحزنك يا سونا "

رمقها بانزعاج يكفها " بالله عليكِ توقفي .. لا تقولي هذا اللفظ "

ابتسمت تسعي لاستقرار بعض أنفاسها وأخذت ترنو له مليًا قائلة " خائف عليّ يا حسن ! "

طالعها واجمًا فقبلت خده بتمهل مداعب إلا أنه استمر تصنع الجفاء " كيف فعلتِ ذلك بي ؟ .. كيف أمكنك الاندفاع هكذا دون تفكير بي إن أصابك مكروهًا يا نورين .. هل حقا تعرضين نفسك للخطر بعد أن بالكاد صدقت أنك لي أخيرا ! "

هزت رأسها تزكي موقفها السيء بحرارة " والله يا حسن أنا لم أفكر أنه قد يؤذيني "

" هذا غباء منكِ " صاح موبخا وتابع بجنون " هذا السافل تزوج من امرأة مدة ليست بالهينة فقط كي يسرقها .. هذا السافل أبوه من ألقى شرفه وعرضه في الشارع يا نورين فماذا تتوقعين منه !!! "

نفض رأسه بخوف صادق رأته يموج في أحداقه مسترسلا " ماذا لو أذاكِ بأي شكل كان .. هل تعتقدين هذا الحقير قد يخشى شيئا أو يرتجع عن انتقامه خاصة بعد ما فعله عمر معه "

عضت على شفتيها وهي تفكر بتلك الاحتمالات الغائبة مدركة أكثر مدى سفاهة فعلتها ..

رغم أنها لا ترى أن فادي يمكنه إلحاق الضرر بها بعد مقابلتها له ..

لكنها طبعا لن تفشي شيئا كهذا !

 

" أنا اندفعت أعترف " قالت بصدق وبررت مسرعة " لكني لم أستطع منع فضولي عندما قال أن الشيء يخص أمي .. أنا لا أملك أي ذكريات عنها وتمنيت لو كان معي شيء يتعلق بها ولو بسيط .. وهو طلب مني ألا آتي وحدي مما زادني اطمئنانًا وغباءً "

حاججها بحنق مستمر " ولماذا لم تخبريني "

ردت معللة تحيط وجهه بيديها " والله لم أكن أعرف أنك بالحارة .. ظننت أنك مع عمر وفجر .. وعمر أصلا كان سيسبب مشكلة لو علم به فاكتفيت بصحبة ليل كي لا أكون معه وحدي "

زم شفتيه يحاول دفعها عن حضنه والنهوض وقد عاد له الانفعال لكنها تعلقت به تمنع تحركه مصرة " حسن .. هل أهون عليك ! "

نظر لها مقطبًا متوعدًا فتنهدت هامسة " أنا لن أسمح لمجرد غريب أن يقتحم حياتي فجأة واحداث مشكلة بيني وبينك في هذا الوقت الحساس .. زفافنا غدا يا حسن "

رفعت عينيها له وتدللت بخفوت " أنت وعدتني أن كل شيء سيكون مميزا بيننا .. صح "

لم يرد عليها مبعدا وجهه كي لا يضعف فابتسمت تلتصق به تفرد ساقها وتفتش في جيبها عن شيء ما .. أخرجت الورقة تمنحها له ببساطة " خذ يا حسن "

عبس بخشونة " ما هذا "

ردت بسلاسة وثقة " المال .. إن رغبت بتمزيقها .. فمزقها يا حسن .. أنت أهم عندي من أي شيء "

نزل بعينيه للورقة يأخذها ويقرأها متهكمًا " هذا المال الذي شعرتِ بحدسك أنه ليس حرامًا "

ردت بثبات " لم أقصد شيء عندما قلت ذلك .. أنت تعلم أني أملك احساسا عاليا تجاه الأمور "

طالعها بامتعاض غير راضٍ واستجوبها أكثر " ولمَ قبلتِ به "

ابتسمت تجيب معبرة " فكرت أنها أولى به منهما فعلا .. يمكنني فعل ما ينفعها به .. وكنت أنوي منحك أنت وعمر ومياسة المال لتتصرفوا بفعل ما يلزم فأنتم أدرى .. والله كنت سأخبرك ونيتي ساذجة "

 

نظر للورقة مدققا بغموض وهي تنتظر رد فعله إن كان سيمزقها .. لكنها تعجبت وهي تراه يضعها في جيب بنطاله بهدوء دون تعقيب

وهي كتمت استغرابها تترك له حرية ما يقرره بكل ثقة ..

 

نقل عينيه لها قائلا بتسلط " إن تكرر أمر كهذا منك يا نورين .. "

قاطعته فورا تتحداه بدلع " ماذا ستفعل ؟ .. هل ستقبلني بعنف مجددا "

رفع حاجبه بتوعد حقيقي فضحكت تتعلق بكتفيه وتطمئنه بنعومة " لن أفعل .. أعدك بأني سأكون زوجة مطيعة جدا "

عبس يكرر " جدا ؟ "

أومأت بضمير تهمس " جدا والله "

لمعت عيناه بنظرة مختلفة جعلتها تتضرج فطالب بشغف وحسية " ارضيني إذن "

عضت على شفتيها بخجل " ألم ترض بعد ! "

نفى بتصميم يحاصرها " لا .. أنا رجل متطلب .. وكلما زدتِ دلالا كَثر شغفي بالمزيد "

أطرقت بحياء متمنعة " حسن ! "

 

مد أنامله يرفع وجهها الطفولي له يتطلع فيها دون شبع و شاركها قسوة ما عاش " كدت أموت رعبا طوال الليل وأنا أتخيل لو أراد بكِ السوء .. ماذا فعلتِ بي يا صغيرة "

ابتسمت له تتنهد " أنت ماذا فعلت بي .. والله كنت أجن بخصامك "

ضمها لصدره بقوة فهمست تتمسح به " لا تخاصمني أبدا أبدا مرة أخرى يا حسن "

أخذ يقبل خدها يراضيها مرة بعد أخرى بحنان حتى أعاد الطلب " هيا .. ارضيني "

 

قهقهت بحرج لكنها تشجعت أمام تعنته مقبلة خده تقلده و تتنقل حتى التقيا في المنتصف بقبلة عميقة حانية معتذرة من قِبلها ومتلهفة من قِبله ..

 

أسندت رأسها على كتفه متنعمة فشدد حولها كأنه يحمل طفلة صغيرة يهدهدها وقال " لا أراني الله فيكِ سوءا يا نورين .. إن خُدشتِ فقط ذُبح قلبي "

مالت بوجهها تقبل بشرة صدره حيث موضع قلبه بحركة داعبت مشاعره بقوة وهمست " أنا أموت عليك "

كاد أن يسألها المزيد من الترضية لكن هاتفها أوقفه بالرنين ليتأفف متذمرا .. قرأت اسم مياسة فردت مسرعة تستمع لها وقالت " حاضر .. قادمة "

أغلقت المكالمة بعدها تبتعد عنه بارتباك كأنها تفيق على وضعهما متأخرا متنبهة لهيئته العضلية البارزة وهمست بتهرب " علي النزول الآن "

" نعم " غمغم متفهما رغم تمنيه لو بقيت أكثر .. لكنه نهض يحملها بلف ذراعيه حول جذعها وقرر استغلال المسافة من الغرفة حتى الباب في اقتناص القُبل

إلى أن حررها مودعا وهي تحرك يديها أمام وجهها تلطف بعضا من حرارته بينما عاد هو الغرفة يُخرج الورقة التي تحمل توقيع فادي الديب متجهما

 

...........................

 

في بيت المنسي ..

قرب الغروب كانت نورين ترتمي على سرير والديها نائمة بعمق بعد انهاك طال .. انتهت ليل مع مياسة بمساعدة فجر وعمر من ترتيب الشقة ترقبا لسفر وشيك

جلست ليل بجانب خالتها عالية التي بادرتها " هل حضرتِ حقيبة سفرك حبيبتي ؟ "

أومأت ليل وهي تتأوه قليلا من وجع ظهرها " نعم .. حقيبتي وحقائب نورين كلها جاهزة .. لا تقلقي "

ابتسمت عالية بشجن " سأشتاق لكِ بشدة يا ليل .. سيفرغ البيت حقا بغيابك أنتِ ونورين "

عانقتها ليل هامسة بشوق " سأشتاق لكِ جدا يا خالتي "

ربتت عليها عالية بحنان قبل أن تلتفت لمياسة الساهية عنهما تتكتف مطرقة بسكون

 

" مياسة " نادتها عالية بتعجب فرمشت تنظر لها بتشتت " نعم "

عقدت حاجبيها " أنتِ بخير "

تدبرت مياسة ابتسامة قائلة " نعم .. فقط شاردة قليلا "

ربتت عالية متفهمة " هل تشتاقين لأختيك منذ الآن "

امتعضت مياسة متململة ببرود " أتحرق للغد كي ارتاح منهما "

ضحكت ليل تلكزها بغيظ في كتفها فنهضت مياسة متباعدة " صحيح أين عمر "

" إنه بالدور الأرضي " وضحت ليل تنحنحت مياسة تقول " سأناديه ليأكل "

لم تعلقا عليها تشاهدان رحيلها للأسفل فهمست عالية " إنها تفتقدكما بطريقتها .. امتلأت حياتها السنوات الأخيرة بكما "

أومأت ليل مغمغمة بحنين " يمكنني تفهم احساسها "

 

..............................

 

" عمر "

رفع وجهه نحو الباب يرى مياسة وهي تدخل له بينما كان جالسا أمام طاولة طعام ضخمة فارغة يسجل في ورقة بعض الأمور

دنت منه مستفهمة " ماذا تفعل "

زفر متعبا يوضح " أحاول التأكد من أني دعوت كل معارف أبي رحمه الله .. أخشى نسياني لأحد .. كل يوم استذكر شخصا جديدا "

 

أومأت بفهم فتراجع للخلف مدلكا رقبته بعذاب " أتمنى أن يراعي الناس مدى التشوش الذي نكون فيه هذه الأيام الضيقة "

" كيف شعورك بزواجها ؟ " سألت بعد لحظات صمت فابتسم قليلا وهو يتأمل دعوة الزفاف يقرأ عليها اسم نورين المنسي وهمس " كيفما يشعر الأب بزواج ابنته "

 

تنهد بعدها وهو يترك ما بيديه وقال " أنا جائع جدا "

استقام بعدها يقترح بتثاؤب " هيا لنصعد .. هل عاد أبوكِ أم لا زال عند سلطان "

لم ترد عليه وهي تراقبه دون حراك بينما يخرج من الشقة للتوجه للأعلى بخطوات كسولة ..

 

احتضنت نفسها ووقفت شاردة متفاجئة بشعور احباط نبع في قلبها

ماذا انتظرت ؟

أن يسألها ما بكِ ؟

آه يا مياسة ..

لا تتوقفين عن دفعه بعيدا ثم تعودين مترقبة لكل لفتة اهتمام شغوف منه

تستلذين بحصار مشاعره لكِ رغم ادعائك الدائم بالعكس

 

وها أنتِ فقدتِ كل قواكِ كعادتك منذ أحببتِه .. وتنتظرين موعد اعادة شحنك عبر طاقات دفئه بمنتهى الأنانية وانعدام العدل !

خاصة بعد فترة طويلة من الكبت والأحداث المتسارعة التي ختامها غدا .. حيث تعودين من جديد وحيدة

" مياسة " ناداها بصوت كان قريبا فأجفلت ترفع وجهها مستكشفة أنه يقف بجانبها ولم تحس حتى

رفع يده يحيط بذقنها قائلا بقلق " ما بكِ حبيبتي ؟ "

همست بحس مختنق تزامنا مع لسعة دموع أحاطت مقلتيها فجأة " لا شيء .. أنا .. بخير "

فغر فمه برؤية دموعها المتحجرة بعنادها متأوها " مياسة "

رمشت عدة مرات بذعر تبتلع دموعها المثيرة للشفقة فأوقفها يمسك بمرفقيها ممانعا " لا .. لا حبيبتي .. لا بأس .. اهدئي "

تحرك صدرها بشهقة مكتومة زادته عطفًا فتسمعه يهمس ويجذبها لصدره ناظرا لعمق عينيها " هل ترغبين بالبكاء ؟ "

وجدت نفسها تومئ إيجابا بعجز ليجاريها بحنو وهو يضم رأسها لصدره " حرري رغبتك إذن .. أنا هنا "

لم تنتظر اشارة أخرى كي تجهش في البكاء وهي تتعلق بقميصه بقوة ممتنة جدا أن عاد لها ومنحها ما أرادت من اهتمام دافئ

ظلت تبكي بعنف أفزعه لكنه استقبله للنهاية يهدهدها ويقبل رأسها المخفي في حضنه إلى أن بدأت تهدأ تدريجيا بعد دقائق ممتدة فحملها بخفة لتجلس فوق الطاولة أمامه وهو لا زال يحيط بها

قبل خديها ومسح عنها دموعها بينما ينظر لعمق عينيها الحمراوين سائلا برفق " هل يمكنني أن أعلم لمَ كل هذا البكاء "

نكست وجهها ولم ترد مباشرة وهو أبدى تفهمًا تحتاجه فمنحها وقتها

هزت رأسها قائلة عندئذ بصوت مرتجف " أصبحت أكره الوحدة "

قطب محتارا فنظرت له وأخذت تهذر وقد فاض بقلبها " نورين وليل ترحلان عني غدا .. أكره ذلك .. اعتدت وجودهما معي .. أحببته بشدة .. كانت حياتي مملوءة بالكثير رغم برودي المعتاد معهما .. لكني أحبهما جدا ولا أعرف كيف سأعود لوحدتي بعد رحيلهما يا عمر "

ابتسم بحنان مكتشفا جانبا جديدا فيها سمحت له بالعبور إليه ببوحها أخيرا بينما هي ظلت تشهق وتتنهد وتستطرد شاكية " أنا عشت كل عمري لوحدي دون رفقة .. لم أكن هذا الشخص الاجتماعي أبدا .. والمرة الوحيدة التي وثقت بها بأحد خذلني بقسوة قتلت فيّ الكثير "

رفعت وجهها له مكملة " حتى مليك .. لم يكن هذا الشخص الاجتماعي المقرب مني .. هو شخص مميز لكنه لم يكن يومًا رفيقا دائما يملأ يومي .. عشت كثيرا وحدي يا عمر حتى أتيت لي أنت ونورين ثم ليل "

ضمها بقوة يربت عليها بدفء لامسها وهمس " لن تكوني يوما وحدك صدقيني "

رفع وجهها الغارق له ووعدها " وربي يا مياسة أقفز لأجلك ألف سور كي أكون معك مؤنسا كل أيامك فلا تعرفين قربي أية وحشة "

أخرجت بعض الشهقات العالقة بصدرها وهمست بيأس " أبدو سخيفة جدا "

ابتسم يفرك كفها بين يديه " تبدين رقيقة جدا ودافئة جدا جدا "

لم ترد عليه وهي تطرق برأسها للحظات إلى أن رفعت تطالب " ألن تقبلني ؟ "

ابتسم لها مداعبا بلطف " هل غلبكِ الشوق ؟ "

همست له " ألا يغلبك ! "

دنا يكاد يفترسها بحرارته " يقتلني كلما رأيتك "

هزت رأسها وهي ترفع يدها لصدره الخافق " لا يظهر عليك ذلك "

ابتسم يقارعها " أنتِ تجرحينني برفضك المعادي لي "

كبتت تأوهها قائلة تدينه بتكرار وعده على مسامعه دون ملل " قلت أنك ستتحمل مني الكثير يا عمر "

ربت على كفها يهدي نفسها المتقلبة سلاما " أنا لا أشكوكِ نفاذ صبري .. أنا أبوح لكِ لكسب لينك يا مياسة "

ضحكت قليلا مرددة " لين أكثر مما أنا عليه "

ناغشها بغمزة " لم تعلمي اللين بعد .. عند الزواج أخبرك "

تشنجت لبرهة سرعان ما تبددت أمام لمسات كفيه الخبيرتين لخصرها الناعم .. ثم مال لشفتيها محققا غايتها في قبلة جعلتها تنسى الكثير من الأسى ويمتلئ فراغ قلبها البارد الموحش بقربه الساخن الذي يلفح حواسها بالصواعق ..

 

إلى أن احتضنها يربت عليها بحنان هامسا " طفلتي "

عقدت حاجبيها مع اللفظ التدليلي الغير مألوف منه .. رفعت وجهها تسخر " طفلتك ؟ .. أنت لا تكبرني إلا بعام "

ابتسم يتشدق " هل هي بالأعمار يا سطحية الفكر "

مطت شفتيها تلكزه فأمسك قبضتها وقال " أراعيكِ كطفلتي .. حتى تكبري وتنضجي وتتعلمي كيف تكوني حبيبة صافية .. متحملة لحبيب مجنون متطلب مجرم مثلي "

ضحكت بعمق فلثم إحدى غمازتيها وقال " نعم .. اضحكي .. سلمت لي تلك الحُفر الأنثوية "

استكانت بين أحضانه لوقت حتى قاطعهما صوت طرقات على الباب .. نفخ عمر بعصبية " حظي الزفت .. هذه عين فجر البائس من تطاردني بكل لحظة حب نادرة "

ضحكت بحرج وهي تنزل من الطاولة ململمة شتاتها حتى أجفلت ما أن فُتح الباب ووجدت أباها أمامهما

رفع تاج حاجبه وهو يوزع نظراته عليهما فتمالك عمر نفسه قائلا " سيد تاج "

دنت مياسة مضطربة من ظهوره مدركة مدى استيائه الآن " مرحبا بابا "

تمعن فيها تاج جيدا ثم قال " قالت عالية أنكِ نزلتِ لعمر لأجل سؤاله عن الأكل .. هيا لتأكلا "

أومأت مياسة قائلة تجاهد للرزانة " سأصعد لهن إذن "

أومأ تاج يراقبها وهي تتحرك قاطعة الدرجات بخفة للأعلى قبل أن يعود لعمر الذي يبدو ساخطًا بوضوح من هذه المقاطعة

تنحنح مبادرا بهدوء " عفوا منك يا عمي .. كنا نتحدث في أمر ما و .. "

" هل كانت تبكي ؟ " قاطعه تاج بصوت مستغرب فنظر له عمر دون رد مباشر إلى أن غمغم باقتضاب " إنها فقط مضغوطة قليلا "

ارتفع حاجبا تاج يردد " هل تبكي معك ! "

لم يرد عليه عمر فعبر تاج " لا أذكر متى آخر مرة رأيتها تبكي .. يبدو أنك أكثر تميزا عندها مما يظهر عليها فعلا "

من جديد لم يعلق عمر فزفر تاج مستدركا " لكن هذا ليس معناه أبدا أن تغلق الباب عليكما هكذا .. أنتم جيل فاسد "

خنق عمر ابتسامته وهو يخرج معه مغلقا الباب وقال وهو يشبك ذراع تاج بمرفقه يسنده بينما يقطعان الدرجات " يا عمي .. ألم تكن شقيا بشبابك "

" ولد " نهره تاج مستهجنا عبثه فتابع عمر بمشاكسة " قل يا عمي أنا زوج ابنتك .. نحن ستر وغطاء على بعضينا "

عاد ينهاه متوعدا " ولد يا عمر .. والله أضرب فمك بالعصا هذه "

ضحك عمر ببساطة " يا عمي .. هل أنت خجول أم ماذا !! "

 

............................

 

ليلا ..

كان حسن يقف في الشرفة يدخن سيجارة سرحانا في عالم خاص به

تنبه لدخول سلطان عليه فألقى السيجارة عفويا من بين أصابعه يحرك يده كأنه يبعد الدخان متحرجا

ضحك سلطان ببشاشة يمازحه " رأيت كل شيء .. لا تحاول "

ابتسم حسن قائلا بصبيانية " عفوا منك لم أنتبه لدخولك "

رد سلطان باكتراث " أنت لا تدخن فلمَ الآن "

زفر حسن دون رد فقال أخوه " هل أنت متوتر ؟ "

أومأ حسن يعترف " قليلا فقط "

استفسر سلطان بحذر " هل تصالحت مع نورين ؟ "

عبس حسن متعجبا " كيف عرفت "

رد ببساطة " أم سلطان أخبرتني أن هناك خلاف بينكما .. وأنها كلمت نورين في حوار أمومي تمنحها بعض الوصايا والنصائح .. وأوصتني أن أهتم أنا بك "

ابتسم حسن يقول " آه من أمي هذه "

أكمل بعدها يطمئنه " لا تقلق .. أنا وهي تراضينا .. انتهى الأمر "

أومأ سلطان دون تطفل غير مرغوب وقال " إذن ما بك .. لماذا التوتر "

سكت حسن للحظات يتأمل الشوارع الهادئة حتى رد " أنا سعيد جدا يا سلطان "

انتظر سلطان باقي الحديث فنظر له أخوه يردف مفكرا " لكني أقلق أحيانا .. الزواج مسؤولية .. أليس كذلك ؟ "

رد سلطان بصبر " طبعا .. لكن يخشى المسئولية شخصا لا يجيد تحملها .. وأنت لسنوات كنت مسئولا يا حسن "

 

سكت حسن يستمع له مهتمًا فأردف أخوه في تريث ذكي " أنت فقط يجب أن تتعلم الصبر أكثر .. اصبر كأنما تصبر على ابن لك .. تفهمني "

أومأ له بتركيز ليقول سلطان " كما أن نورين فتاة طيبة ابنة حلال وتحبك .. أنتما تكملان بعضيكما وهذا وحده كافي "

عاد حسن يومئ متفهما ثم شاكسه " إذن .. هات النصيحة الأهم في الزواج هيا .. بما أنك خبرة "

 

ضحك سلطان مبددا بعضا من خشونة ملامحه يرتب أفكاره إلى أن قال " هناك الوصية الأهم والتي أوصانا بها أشرف الخلق عليه الصلاة والسلام .. فاتبعها يا حسن .. واستوصي بزوجتك خيرًا "

ابتسم حسن يغمغم " عليه أفضل الصلاة والسلام "

نظر له سلطان يشيد به " أنت تُحسن الاهتمام بمن تحب .. وأنت تحبها .. لذا لا تفكر .. ولا تنظر للزواج أنه مسؤولية فقط .. الزواج راحة واستقرار .. ستقابلك الكثير من المشاكل لكنك ستجتازها أنا متأكد طالما تحبان بعضيكما "

ارتفع حاجبا حسن بتقدير يناغشه " بركاتها أم نصر كم غيرتك "

ضحك سلطان باعتراف صامت وربت على كتف أخيه قبل أن ينهاه " كف عن وقاحتك هذه وخذ قبل أن أنسى "

راقبه حسن بتساؤل وهو يُخرج من جيبه كُتيب صغير يناوله ففتحه حسن مفتشا قبل أن يندهش " ما هذا ؟ "

وضح سلطان " لقد أمرت سكرتيرتي بإلغاء حجز الفندق الذي اخترته .. وحجزت لك أنا في فندق مميز بموقع ممتاز "

تفحص حسن الصور في الكتيب الصغير يردد ذاهلا " بكم هذا "

ضحك سلطان " لا شيء غالي عليك يا أبا علي "

نظر له حسن متفاجئا فأكمل سلطان " إنه مفتوح المدة .. أي تمكث فيه حتى تشبع .. وستجد من ينتظرك في المطار حتى يوصلك للفندق "

فغر حسن شفتيه فأكمل أخوه وهو يمنحه بطاقة مصرفية " خذ هذه زيادة احتياط حتى إن طالت المدة "

رفض حسن بسرعة " يا سلطان أنا معي مالي "

أصر عليه سلطان يضع البطاقة في جيبه " يا بني خذها احتياط مصاريفك ضخمة جدا ولقد تكلفت كثيرا في الزفاف والتجهيزات .. هيا "

تأثر حسن قائلا " لا أعرف ماذا أقول لك يا سلطان "

ابتسم سلطان يخبره " لا أحتاج لسماع شيء .. تكفيني سعادتك يا أبا علي "

غمرت حسن مشاعر قوية فدنا يحتضنه بقوة مستعيدا بذاكرته كل ما فعله سلطان طوال عمره معه ومع أخته ..

يا إلهي .. كان دوما لهما أب أحسن لهما بكل الخير والحب والدلال

غمغم حسن بعرفان " شكرا لك يا سلطان .. كنت دوما نعم الأخ .. بل الأب .. كنت وستظل أبا أخويك "

ربت سلطان على كتفه بقوة يغمغم بفخر " والله سعادتي اكتملت بك .. أنت ابني يا حسن .. حتى زواج نصر لن يعادل فرحتي بك "

قبل حسن كتفه وكفه دون حرج يهمس " لا حرمنا الله منك يا عمود حياتنا كلنا "

 

..............................

 

يوم الزفاف ..

 

لقد تأخرت جدا عليهم .. الجميع سبقوها لقاعة الزفاف بينما هي أخذت وقتا أكثر في تجهيز نفسها بسبب حيرتها

لم تعرف كيف تأخذ حقيبتها معها .. لذا بعد تفكير طال قررت ألا تحضر الزفاف كاملا وتكسب الوقت للعودة لشقة خالتها لأخذ حقيبتها والتوجه مباشرة بعدها للمطار

ومع هذا القرار فكرت لو ترتدي فستانا انيقا يليق بالحفل بدلا من البسيط الذي اختارته كي يتيح لها حرية السفر

ولتقوم بتبديله سريعا عند العودة لأخذ الحقيبة ..

لذا ارتدت فستان فيروزي يميل لاخضرار لامع مميز يبرز رقة أنوثتها وطول قدها فكانت ملفتة

 

خرجت ليل متعجلة وهي تنظر للساعة بتأفف قبل أن تفتح الباب خارجة من الشقة ..

استدارت ما أن أغلقتها بالمفتاح بحرص فشهقت وهي تجد فجر يبزغ أمامها من المصعد " أفزعتني "

ابتسم بلهو مغازل " سلامتك يا جميل "

عبست بحيرة تتلفت حول منها وتحفزت " خير ! "

لم يفقد بريق ابتسامته الواسعة بينما يشملها متفحصا بشوق " كل خير .. أتيت لأوصلك و .. "

قطع حديثه وهو يقع بعينيه أسفل الفستان فتعجبت تنزل ببصرها لتسمعه يقول " الفستان مقطوع "

اتسعت عيناها من غباء الجملة واستنكرت تشير لفتحة الفستان الجانبية التي تصل لحد ركبتها " هذا ليس قطعا "

 

" آه .. والله " سخر ثم طالعها ببرود " نسيتِ ارتداء بنطال يستر إذن "

رمقته لثوان حتى نفضت رأسها تتحرك لتجاوزه " أنا لست متفرغة للهراء يا فجر "

رفع ذراعه يحيل دون دخولها المصعد قائلا بتجهم " الفستان غير مناسب يا ليل "

لوحت بكفها مغتاظة " هل عينوك ولي أمري ؟ "

حاول المهادنة بصبر " ليل من فضلك .. بدلي الفستان حبيبي "

" أنا لست حبيبك " قاطعته غاضبة وأمرته بغلظة " الآن ابتعد عني "

ضيق عينيه يرمقها بنظرة ساكنة حتى انحنى لوجهها يقول ببساطة مشددا على الأحرف " ليل .. حبيبي .. وحياة أمي الغالية شروق .. لن تغادري بهذا الفستان إلا على جثتي "

اتسعت عيناها ذاهلة فأومأ ببرود مؤكدا " نعم .. لن تتحركي ولن أتحرك .. حتى لو ضاع علينا الزفاف .. القرار لكِ "

فغرت شفتيها مبهوتة أمام عزمه تردد " أنت تمزح ! "

مط شفتيه يتأمل صفحتها الجميلة جيدا ثم مد كفه يُخرج هاتفه مفتشا عن رقم ما حتى اتصل به وقام بتشغيل مكبر الصوت إلى أن انتهى الرنين بصوت حسن المميز " أين أنت يا زفت "

" أنا لن آتي يا حسن " قال بهدوء فعم الصمت الذاهل من ليل وحسن حتى قطعه الأخير بنفاذ صبر " نعم يا وحيد أمك ؟ .. هل تمزح معي "

رد فجر " لا والله .. لكن ليل تعاندني في أمر هام .. وأنا لا يوجد من يفوقني عنادا .. لذا سهرتنا للصباح لنرى الغلبة لمن "

" أيها المتخلف " همست ليل تكاد تصاب بشلل رباعي من مدى بروده وقد بدا جادا فعلا قابلا لتحدٍ لم تشهره حتى !

 

وصلتهما غمغمات مكتومة من حسن أدركا أنها لعنات وسباب غاضب

إلى أن سحب نفسا وقال بطول صبر يُحسد عليه " هل هي معك "

أجاب فجر " إنها تسمعك "

تنحنح حسن يستجدي الهدوء وحادثها " ليل .. أرجوكِ تنازلي هذه المرة لأجل نورين .. والله قد تبكي لو لم تأتي .. ثم أن الجميع يسأل عنك .. حبا بالله .. سايريه على قدر عقله .. دماغه تعطلت مؤخرا "

استاء فجر " شكرا لك .. يكفي "

 

قالها وأغلق المكالمة مقاطعا سُبة حسن المهدد ونظر لها مكتفا " لكِ كل الوقت "

بدأت تتنفس بعنف وطبعها الشرس بطفح على السطح فصرخت " أيها المتخلف البارد .. تبا لك ولبرودك يا فجر "

لم يجفل وإنما قال ببساطة " رحم الله أيامًا كنتِ تعشقين فيها حتى برودي "

هتفت في المقابل بفظاظة " كنت غبية بلا عقل .. تبا لك "

لم يهتز مجددا بل قال " أنا أنتظرك .. قرري .. لكِ كل الوقت "

ضغطت أسنانها بقوة كادت أن تسحقها لكنها لم تجد سبيلا أمام تعنته .. لذا نفخت تسبه بداخلها واستدارت تفتح الباب تنتفض من فرط العصبية حتى دخلت تغلقه ورائها بعنف " حقير "

 

...............................

 

من الجيد أن زينة وجهها حيادية رقيقة لم تحتاج إلى تغيير بتغير الفستان .. مثل شعرها الذي جمعته ببساطة في ذيل حصان متماوج ناعم قصير وتركت بعد الخصلات حول وجهها

أخذت تسب وهي تنظر للساعة بحنق قبل أن تخرج من جديد وكان لا زال واقفا أمام المصعد في انتظارها ..

 

التفت لها بلهفة ما أن خرجت تسبي عينيه .. فستانها المحتشم زادها جمالا وأنوثة

أووووف

حدق بها بشوق معلن لا يهذبه وقد ارتدت فستانا أزرق ملكيا رقيقا جدا له حزام خصر فضي وينسدل واسعا من الركبة للكاحلين

 

جريان أحداقه الفاتحتين عليها جعلها تحمر وتطرق مرتبكة وكل الغضب منه يتبخر ولا يبقى إلا شوقها المثير للشفقة إليه

دنا منها يقف قبالتها فرفعت وجهها بصمت مترقبة إلى أن همس بصدق يحرره واثقا " أحبك سابيتي "

تعثر تنفسها وتوهجت بشرتها بشدة فأبعدت وجهها تحاول تمالك وهنها ليمد يده ليدها قائلا " هيا كي لا تتأخري أكثر حبيبي "

 

ماذا تفعل ؟

ترفضه كما يفترض !

حسنا لا تستطيع .. لتتشبع بوجوده فقط الليلة الأخيرة

فهي لا تعلم متى ستراه مجددا حتى

 

.............................

 

" ماذا تفعل كل هذا الوقت حبا بالله"

صاح حسن من بين أسنانه لعمر الذي نظر لساعته متململا بضجر يقول " والله لولا أنه زفاف أختي لكنت رحلت "

وضح فجر بجانبهما يحل المعضلة " خبيرة التجميل تلك التي تضع الأشياء على وجوههن غالبا تنتهي من الدهان "

قال عمر " دهان شقتي لم يأخذ هذا الوقت "

انفجر فجر ضحكا فشتم حسن " اتصل بمياسة يا عمر على الأقل "

صرخ عمر بنفاذ صبر ملوحا " يا عم صرعتنا .. حالا ينزلن هل ستطير الدنيا "

نفخ حسن يتكتف متذمرا فوبخه فجر " لا تتكتف هكذا .. ستفسد حلتك "

بدأ يعدل له من سترته السوداء والربطة حول عنقه " عشت ورأيتك عريسا يا أحمر الوجنتين "

دفعه حسن مغتاظا وقبل أن يشتمه كان عمر يبعدهما عنه متجاوزا لهما ما أن حلقت عيناه فورا لتلك التي لاحت له من فوق السلم مرسلة لقلبه ضربات من زلازل لم تتسبب فيها أنثى غيرها

قطع عمر خطوات إلى السلالم التي تهبطها بخطى متأنية ثابتة حتى لاحظته وابتسمت بخفة

استقرت أمامه تتوازن بحرفية على كعبي حذائها فتكاد توازيه طولا " مرحبا "

مشطها بفستانها النحاسي البسيط جدا والمبهر جدا جدا .. الذي لا يحتوي إلا على تطريزات لامعة من جانب واحد في خصرها تتفرع حتى منتصف بطنها

 

رفع عينيه لعينيها المسدلين يرى زينتهما الملائمة للون الفستان والتي كانت فنية جدا لدرجة تساءل في نفسه كيف يتم الرسم في مكان ضيق كالجفنين

الإناث من أين يجلبن صبرا !!

رفعت وجهها له فرد أخيرا " مرحبا جدا "

اتسعت ابتسامتها و لم تكن بحاجة لسؤال عن هيئتها

عيناه حيويتان جدا يفصحان أولا بأول ..

 

أشارت للأعلى " نورين انتهت "

زفر بعمق يغمغم " والله أنا من انتهيت "

" بعد إذن العواطف المشتعلة " صرخ حسن منفعلا يفزعهما وأردف " هل العروس تنوي النزول أم لها موسم محدد علينا انتظاره .. أخشى أن يكون موسم المشمش ! "

ضحكت مياسة قائلة " نورين انتهت بالفعل .. وهم الآن يستعدون لطلتها .. اصبر قليلا "

ما أن قالت جملتها حتى كانت عالية وتاج يقتربان فقالت الأولى بعجل " أين نورين .. تأخرت "

قاطعهم المسؤول عن تنظيم الحفل بعملية " أين والد العروس ؟ .. هيا ليزف ابنته للعريس "

تناقلت النظرات بين عمر وتاج والأخير تبرع بتلقائية " ماذا تنتظر يا عمر ؟ "

ابتسم له عمر باتساع فمدت مياسة يدها له " هيا لتزف ابنتك "

همس حسن متحمسا " هات عروسي يا أيا نسب "

لكزه عمر بحقد " أبو زفت على رأسك "

جذبته مياسة تنهره عن الطفولية و تشبك كفها بكفه لتصحبه للأعلى يقطعان السلم نحو غرفة العروس

مدت عالية يدها تربت على كتف تاج هامسة بدعم " العقبى ليوم زفة بنتيك مياسة وليل "

مسد على كفها متأثرا " اللهم آمين "

 

.............................

 

طرقت مياسة على الباب تستمع لإذن الدخول من ليل فطلت برأسها تنبئهما " عمر وصل "

ابتسمت نورين باتساع تسحب نفسًا طويلًا واستقامت بارتجاف من جلوسها ترقبًا لدخوله

دلف الغرفة لتقع عيناه عليها فورا وهي محاطة بلفائف من القماش الأبيض الضخم اللامع فأسرت بصره ليردد لا اراديا بارتعاش " بسم الله ما شاء الله "

 

ضحكت قليلا مرتبكة فاقترب يرفع قبضته لفمه يبتلع تأثره شاعرا بدموع تتجمع فوق عينيه

" كيف أبدو ؟ " سألته بتقطع وهي تقرأ انفعاله الظاهر فهز رأسه يحدق بها دون كلمات

 

كان فستانها ضخما مشعا لامعا بشدة .. يضيق من جذعها وينسدل بطبقات وطبقات .. وله كمين منتفخين بشكل فني دقيق

كانت جميلة براقة بشكل لم يره عليها من قبل .. ملامحها مزينة بإتقان وعيناها واسعتين كحيلتين يبرز حلاهما العسلي الذائب

شعرها مرفوع بضخامة في نهاية رأسها وتُرك مسدلا مموجا حتى منتصف ظهرها مزينًا بتاج ماسي يشبه تيجان الأميرات

وازدادت طولا بكعب حذائها

كانت فقط .. مبهرة

تسرق القلب وتمس كل أنواع المشاعر الطيبة تجاهها فلا يملك من يراها إلا أن يذكر الله حرصا ليحرسها من العين ..

فتح فمه يهمس لها " هل من المهم تزويجك حقا ! "

ضحكت له ببهجة فدنا يمسك بكفيها يقبلهما قائلا " بسم الله عليكِ .. ما أجملك .. بهية ومنيرة كاسمك حفظك الله لي .. يا فخر بيتي ونور طريقي يا نورين "

 

دمعت عيناها حتى ليل المراقبة تأثرت بشدة هي ومياسة فمال عمر يقبل مقدمة رأس أخته " مبارك لك يا ابنتي .. مبارك صغيرتي "

أمسكت بكفيه تهمس باختناق " شكرا لك يا حبيبي .. شكرا لكل ساعة ويوم .. لكل التعب والجهود .. شكرا لكل العمر يا أخي .. لا حرمني الله منك أبدا "

ابتسم يربت على كفها يعانقها أخويا بعينيه كما آلفت منه منذ كبرت فأضحى عناقها غير جائز ..

 

طرقات على الباب نبهتهم للعامل الذي يتعجلهم .. فتحركت ليل مسرعة " أنا سأسبقكم "

قالتها وخرجت فأعطى عمر ذراعه لأخته " هيا حبيبتي لأسلمك لعريسك المتلهف كمجنون .. صرعني "

ضحكت وهي تتشجع تشبك يدها في ذراعه ويدها الثانية تمسكت بكف مياسة التي تساعدها في التحرك المتأني وطلبت منهما " إياكما أن تجعلاني أسقط .. أنا مرتعبة "

ربت عمر على يدها يطمئنها بينما وجهتها مياسة " شدي قامتك وارفعي ذقنك كما علمتك وابتسمي هيا "

فعلت نورين وهي تحاول تنظيم أنفاسها إلى أن بدأت تسير خارجة من الغرفة يوجههم مسؤول الحفل لما يجب فعله حتى تحولت الاضاءة وارتفعت أغنية الزفة التي اختارتها بنفسها

 

وتمسكت بيد أخويها جيدا ثم سمت بالله تظهر أعلى السلم فسُلطت كل الأعين عليها أما عيناها هي كانت فقط تسافر إلى وطنها الحسن !

والذي كان أسفل السلم محاط بمن معه .. فغر فمه لوهلة أجاد المصورين اقتناصها بتلهف

حتى ابتلع ريقه يهمس بداخله " بسم الله عليكِ ما أحلاكِ .. ما أحلاكِ يا صغيرتي .. يا حلم عمري ! "

كان يرتجف بكل عضلاته بينما هي واقفة بالأعلى ترمقه بأعين لامعة منبهرة بوسامته في حلة العريس

والأغنية تزفها وهي تهبط مع أخويها درجة بدرجة والورد يُلقى عليها وزغاريد الناس لا تتوقف تكللها زغاريد أم سلطان فأغمضت عينيها للحظة مستحضرة في نفسها زغاريد أمها و دمعت عيناها

 

وردة وكل الورد يمشي معاها

ويزف خطوتها وينثر شذاها

والورد الأبيض من عذوبة حياها

يحمر لونه لو يلامس ايديها

بنت وهبها الله طهر السحابة

عفة ورقة واحتشام ومهابة

 

تقدمت أكثر حتى وصلت لآخر الدرجات حيث حسن الذي لا يزيح عينيه عنها إلا مضطرا يوجهها لعمر الذي ابتسم له يسلم عليه برجولية قائلا " والله لم يكن ليطمئن قلبي إلا وهي مع رجل مثلك .. أهديك نوري فلا تطفئه يا حسن "

ابتسم حسن باتساع متأثر يحتضنه " في قلبي وربي .. في قلبي يا عمر "

ربت عليه عمر يشاكسه " غصبا عنك .. احفظها في عينيك أو فجرتهما لك صدقني "

ضحك حسن بتحشرج يعانقه بقوة " لا حرمني الله منك يا عمر .. نعم الصاحب والنسب يا أخي "

 

ابتسم عمر فتفرقا تحت النظرات المتأثرة خاصة نورين التي سقطت منها دمعة لم تردعها فمسحتها مياسة بحذر تمنعها ألا تبكي

أمسك عمر كفها يضعها بنفسه في كف صاحب عمره قائلا " مبارك لك يا صاحبي "

ابتعد بعدها يجذب مياسة مراقبا بهدوء ومياسة تربت عليه بحنان فخورة به ..

 

بينما أحاط حسن بكفها سارحا فيها كمهووس يجلب بعض التندر عليه إلى أن صاحت ليل تنبهه " الورد يا حسن .. أعطيها الورد "

عقد حسن حاجبيه مشوشا " أين الورد ؟ "

كتموا الضحكات عليه وفجر يسخر " في يدك يا بني .. امسك نفسك فضحتنا ! "

قهقهت نورين فابتسم حسن متحرجا وهو يعطيها الورد ثم انحنى يحتضنها هامسا " أخيرا يا نورين .. أخيرا يا صغيرتي "

ربتت على ظهره وأخذت تمسد عليه بحنو متفهمة وكلاهما يرتجفان بين ذراعي بعض

تنحنح حسن بعد لحظات طويلة يبتعد ويعدل من هيئته والورد يتساقط عليهما من جديد وهي تتعلق بذراعه متحركة تنزل آخر الدرجات

ونورين تلوح للجميع بمرح ورقة سعيدة رغم توترها

 

وصلت لتاج وعالية فتوقفت أمامهما قائلة بشقاوة " هل أبدو حلوة "

مسح تاج دموعه " يا حبيبة قلبي تبدين كملاك "

تأثرت نورين بشدة فتركت حسن وطلبت بمنتهى السماحة والنقاء تفتح صفحة جديدة في حياتها " هل يمكنني أخذ حضن يا أبي "

فغر تاج فمه وتوقفت اللحظة به طويلا متسائلا إن كان يتوهم تحقق أمنيته !

لكنها فتحت ذراعيها في دعوة أنهت كل الشكوك بداخله فكاد يشهق باكيا من شدة الفرحة وهو يستقبلها بين أحضانه يكتم تأوهه المحترق لهفة عليها ..

ليهمس " يا حبيبة أبيك .. اشتقت لكِ يا حبيبتي .. شكرا لكِ يا بابا .. يا أجمل عروس "

ربتت عليه تقبل رأسه هامسة " شكرا للقدر على فرصة وجودك يا أبي .. سلمت لي كل العمر القادم "

 

قبل تاج رأسها وعمر على بُعد خطوات يراقبها معتزا متمنيا لو يصرخ متقافزا أمام كل العالم أن هذه تكون ابنته .. ابنة بيته وعز آل منسي وتربية أمها حقا

سحب نفسا عميقا يسعى لإزاحة غصة افتقاد والديه في يوم كهذا

وركز مع أخته التي ابتعدت عن تاج وبدأت تبادل عالية النظرات للحظات حتى لم تصمد عالية وهي تميل لنورين تضمها بفرح حقيقي واعتذار متجدد لا تكل عنه

 

فرفعت نورين كفيها بطيب قلبها تربت عليها لتهمس عالية سرا " هديتك التي اتفقنا عليها وضعتها في حقيبتك "

نظرت لها نورين مندهشة وقد تناستها بعد ما صار بينهما ، غمزتها عالية بجذل فابتسمت نورين تعيد عناقها مغمغمة " شكرا لك يا خالة "

 

بعد لحظات كانت الزغاريد تحيط بهما والطبول والرقص وهي تتنقل بين المدعوين لتصل للمقعد الواسع المخصص للعروسين

تلوح وترسل قبلات هوائية لكل معارفها خاصة أم سلطان الجالسة بجانب شروق تكفكف دموع الفرح عن وجهها

 

دنت نورين من الطاولة ببساطة تسلم على شروق تتلقى التهاني والمباركات ثم مالت على أم سلطان التي جذبتها بشدة " يا ابنة الغالية .. عشت ورأيتك كنة لبيتي يا حبيبة قلبي يا نورين "

 

.............................

 

بعد وقت انقضى في المباركات والتصوير وغيره .. كان منسق الأغاني يدعو العروسين لتوسط حلبة الرقص المضيئة لاستهلال الحفل برقصة ناعمة خاصة بهما

تحمست نورين رغم حرجها من الأعين المراقبة .. لكنها نهضت تمنح يدها لحسن وتسير بأناقة أنثوية تكلفها الكثير من المجهود متمنية لو أمكنها التخلي عنها مع تخليها عن حذائها العالي واستبداله بخف بيتي بسيط !

ضحكت بخفة متخيلة لو فعلت ذلك لكنها قد تقضي على فقرات حسن وهي تراقصه من كثرة ما سيحاول الانحناء لمواكبة قصرها

 

عادت تضحك بمرح وهي تدور حول نفسها تحيط بها موجات بيضاء ضخمة قبل أن تستقر بين ذراعي حسن لاهثة فأمسك بها يبتسم سائلا " لمَ الضحك يا حلوى القطن ؟ "

تنهدت تهمس بحرارة وهي تميل بوجهها جانبا " أحبك يا حسن "

تألقت عيناه الجاريتان فوق ملامحها وردد مفتونا " يا سر حسن المباح .. يا حلم عمري يا نورين "

خفتت اضاءات القاعة وتركزت عليهما بنعومة .. وموجة من دخان أبيض تجتاح حلبة الرقص شابهت السحاب طوقتهما مثل الغمامة التي لفت وعيهما عن كل الناس

فكانا في السماء .. يتمايلان بنعومة وسلاسة لينحني لها قليلا " انتظرت لتكوني لي في سنوات شاب فيها شعر رأسي "

ضحكت دامعة وهي تمسد بكفها على تلك الخصلات البيضاء المتناثرة على جانب رأسه " أنا لك الآن .. كنت مكتوبة لك دائما يا حسن .. كنت حبيبي قبل حتى أن أعرف "

مشط تعابيرها الجميلة بعينيه وهمس " من الأفضل أن تلزمي صمتك حتى وقت لاحق "

رفعت حاجبيها بتلاعب " أي وقت هذا "

أطبق شفتيه لبرهة قبل أن يضحك باستسلام واعدًا بتوعد " أنا أخبرك حينها "

ابتسمت باتساع رغم الخجل وتعلقت به أكثر بينما هو يردد مع الأغنية التي اختارها بنفسه

 

يا أجمل حلم أنا حلمته

واحساس غالي صدقته

وأقولك ايه يا أغلى حبيب

وأجمل حلم حققته !

تنهدت وهي تسند رأسها على كتفه فقبل جبينها أولا ثم أحاط خصرها بيدين محكمين قبل أن يرفع يدور بها عاليا دون خجل فانطلقت الصافرات من أصحابه إلى أن عانقها متحرجا !

 

................................

 

مع اشتعال أجواء الفرح أكثر وانتشار الضجيج العنيف في كل زوايا القاعة الضخمة .. كانت انتصار وحدها من تولول على حظها بينما تراقب ابنتها أمل التي تمسك بقطعة ضخمة من الكيك الذي تم توزيعه تلتهمه كأنها لم تتذوق شيئا كهذا طوال عمري

 

بينما نصر بجانبها يصرخ مطالبا بنصيبه وانتصار تهتف من بين أسنانها " سأحشو فمك بالحذاء يا أمل "

رقصت لها أمل حاجبيها كأنها تغيظها فضحك سلطان المجاور لهن وتدخلت سارة " اتركيها تأكل على راحتها يا انتصار "

هزت انتصار رأسها بيأس حتى تنبهت لإحدى المدعوات تأتي تسلم على الجالسين وتبارك لأم سلطان بحبور ..

 

وصلت لانتصار تحييها فاستقبلتها انتصار بلباقة .. لباقة دمرتها أمل التي صرخت فجأة دون سبب " انظري .. كيك .. شوكولاتة .. نحن لا نأكلها .. ماما لا تشتري "

اتسعت عينا انتصار كسلطان الذي طالع ابنته ذاهلا وانفجر الجالسين ضحكا منهم المرأة التي تسلم عليهم فربتت على خد أمل مغمغمة " بالهناء يا حبيبتي "

ما أن رحلت حتى همست انتصار " فضحتينا يا بنت الجزمة ! "

ارتد رأس سلطان في ضحكة عنيفة لم يلجمها حتى دمعت عيناه .. إلى أن تبرعت سارة بجذب أمل من أمام أمها الآن تنظفها جيدا واقترحت " تعالي لنرى أختيكِ إنهما مع العروس .. هيا قبل أن تقتلك أمك "

هزت انتصار رأسها بأسى على زهرة شبابها التي تضيع في تربية لا تجدي نفعا .. إلى أن أفزعها صراخ نصر بدوره الذي هتف متلعثما " ثوكولاته .. لاااااااااته "

غمغمت انتصار باستسلام وهي تسند وجهها على كفها " فوضت أمري لله فيكم "

 

............................

" هل ستظل تتقافز وترقص هكذا دون منفعة منك ؟ " قال حسن ممتعضا فضحكت نورين بجواره بينما عبس فجر " ماذا أفعل أكثر من أني أرقص هل أزغرد لك أيضا ؟ "

ابتسمت نورين توضح " ألن تغني في زفافنا يا فجر ؟ .. منذ وقت طويل لم نستمع لصوتك "

قطب فجر متململا بغير رضا لكنها أصرت " لأجل خاطري .. هيا يا فجر "

" انجز يا عم هاني شاكر " سخر حسن بنفاذ صبر فوقف فجر عيناه تتسلطان على ليل الواقفة بجوار عالية تتحدثان حول شيء ما بينما تراقب ساعتها بين حين وآخر خشية فوات موعد سفرها الوشيك
 

تعكر مزاجه قليلا وخفت تألق نظراته فاقترحت نورين متنبهة على خط بصره " غنِّ لها "

نظر لها فجر دون رد فغمزه حسن مشجعًا حتى عاد فجر يبتسم ببساطة ملوحًا لهما ثم سار ناحية منسق الأغاني يتناقش معه حول شيء ما

بعد دقائق كانت الموسيقى تتغير وفجر يبتسم مشيرا بإبهامه لمنسق الأغاني بتأكيد قبل أن يأخذ الميكروفون بيده ويقفز جالسًا على إحدى السماعات الضخمة ويبدأ بالغناء لافتا الأنظار بصوته العذب

 

دي حكايتي معاه من يوم ما هواه

خبط على بابي

لا عرفت أنساه ولا أنسى هواه

دايما على بالي

سهران مشغول والشوق بيطول

والنوم ولا جالي

وماليش غيرك آه يا ليل يسمعني

ويحن على حالي

 

لمعت عينا ليل وهي ترنو له على الفور وقد حُسرت أنفاسها تأثرا به للحظات حتى عادت تشهق بخفة ترخي جفنيها عنه تسيطر على اضطرابها ..

فقفز هو برشاقة من السماعة يدنو واقفا بجوار العروسين ونورين تصفق بمرح معه متسلية

 

دي حكايتي معاه يا ليل حكاية

حبيته حب يا ليل مالوش نهاية

والله يا ليل غرامه ده معايا مابيسبنيش

 

عادت الأجواء تتحمس مع غنائه والكل يفرح ويغني ويرقص حتى عمر ومياسة كانا يضحكان بمزاج رائق بينما يحيط خصرها بذراعه في تملك لم تمانع به متمايلا معها قليلا في الخفاء

 

بدأت ليل تحمر وترتبك مع لفظ اسمها الذي يتغنى به وهي تحس بنفسها مراقبة .. فتنظر للساعة مفكرة أن تهرب لا تعرف منه أم من مشاعرها ..

 

لكن قبل التنفيذ وجدته يقترب منها يختم الغناء وهو واقف أمامها يحدق بعينيها ففغرت شفتيها تهتز قليلا وتسمعه يغني بخفوت حمل توسلا

 

بحبه يا ليل وغلبني

وقلبي مطاوعه وسايبني

في قربه وبعده دوبني

ولا بنساه

وأشكي لمين يا ليل حالي

وقلبي يقولي وأنا مالي

قمر فوق عالي ونادالي

حبيبي أنا

أغمضت ليل عينيها بالتياع هامسة " توقف أرجوك "

توقف بالفعل وتغيرت الموسيقى لأخرى ناعمة وفجر اكتفى بتأملها حتى همس مأخوذا " أنا أحبك يا ليل "

شهقت تنتفض تفتح عينيها على أقسى اتساع حتى هو ارتبك وقد انتشرت الجملة الرقيقة بصخب عبر مكبرات الصوت دون قصد منه فضحك يردد " يا إلهي .. هل قلت ذلك في الميكروفون "

انفجر الناس ضحكا وشروق ذرفت بعض الدموع وهي تراقب عذاب حبيبيها قليلة الحيلة

 

هبت نورين فجأة بحماس عن مقعدها تصفق مهللة وتطلق زغرودة لهما جعلت حسن بجوارها يجفل ومياسة تشهق من الفعل الغير أنيق منها كعروس بينما عمر انحنى على نفسه مقهقها باستمتاع " انقلب المكان إلى سيرك لا زفاف "

 

تذمر حسن ينهى زوجته الصغيرة التي تحرجت تغطي وجنتيها " يا ويلي يا ويلي .. تحمست معهما فقط .. آسفة "

 

تدخل سلطان يشير لمنسق الأغاني كي يعود ليلهي الناس بالمرح والرقص فنهضت نورين ترفع فستانها وتركض هاربة منضمة للفتيات في الرقص تحت نظرات حسن المستاء

" ليل " ناداها بخفوت حذر فرفعت وجهها المطرق نحوه وردعته بقنوط " كفى يا فجر "

دافع مبررا " لم أقصد أن أسبب لكِ ارتباكًا صدقيني "

هزت رأسها توضح " ما تفعل لا فائدة منه .. أنا سأرحل خلال دقائق يا فجر "

" ليل .. " قاطعته متوسلة " أرجوك .. أنا لن أستطيع التخلف عن سفري .. منحت كلمتي لنوح "

تنهد بيأس وصمت في غموض دون تعقيب عندها تململت تتجاوزه لاحقة بشروق كي تقضي معها آخر أوقاتها

 

" توقفي عن القفز يا نورين " تذمر حسن وهو يحيط بها فلهثت متعبة تستند على جذعه " قدماي يؤلماني بشدة يا حسن "

عانقها برقة رغم الضجة حول منهما يقول " أنتِ تُنهكين نفسك .. لا زال أمامنا ساعات سفر طويلة "

رفعت وجهها تتساءل " ألن تخبرني إلى أين "

لم يرد معاندا بإغاظة فزمت شفتيها تبتعد عنه مناغشة " إذن سأرقص مع صديقاتي .. امشِ بعيدا "

التفتت عنه بعدها تغيب بين الفتيات فابتسم حتى جذبه أصدقائه بدوره للرقص معهم

وكانت نورين مندمجة جدا مع صديقاتها تجاورها مياسة الرزينة كعادتها ..

أحست نورين بحدسها أن أحدا غير مألوف يراقبها

فالتفتت تلقائيا تفتش بعينيها بين المدعوين على هدف غير معلوم

حتى فغرت شفتيها مصدومة وهي تراه واقفا في نهاية القاعة قرب البوابة ..

 

يرتدي قبعة رياضية تخفي معالم وجهه أسفلها .. وما أن رآها تطالعه حتى رفع وجهه لها مبتسما عن بُعد

تباطأت حركات ووجدت نفسها تلقائيا تبتسم له ملوحة برقة دون سبب ..

 

عندها اتسعت ابتسامته أكثر وفعل لها إشارة بيده

حيث أغلق قبضته يفرد فقط الإبهام والخنصر ثم هز يده عدة مرات فلم تفهم مقصده

هل يعني أنه سيتصل بها !

إلا أنها رغم عدم الفهم قامت بتقليد الحركة في بلاهة ومجددا لا تعرف لماذا تجاوبت معه

ربما لأنه الوحيد من رائحة أحلام حقا .. !

عاد فادي يتبسم لها بتعبير غريب كأنه يودعها هذه المرة حقا للأبد

وقد اختار أن يودع ابنة أحلام وهي بفستانها الأبيض تتلألأ

ثم أنزل قبعته من جديد يخفي وجهه واستدار يخرج عبر البوابة في سلام

ووقفت هي مشدوهة للحظات .. إلى أن تنبهت لجذب مياسة لها كي ترقص مع عمر أخيها

 

..........................

 

رآها وهي تودعهم .. وانتهت بشروق أمه التي أخذت تبكي وهي تعانقها وتقبلها كأنها ترفض تركها تغيب عنها .. في مشهد مؤثر وعجيب للفضوليين

 

لكن ليل استقامت في النهاية تتنفس باختناق بعد أن قبلت كفيها ثم لململت أشيائها وسارت رافضة أن يصحبها أحد كي لا تبقى نورين وحدها ..

واكتفت أن تقبل تحت اصرار من سلطان أن يمنحها سيارته بسائق خاص ليهتم بها

 

والسائق الخاص لم يكن إلا هو .. !

غادرت ليل القاعة بخطى متعجلة تتحامل على ألمها .. فلحق بها فجر على الفور يتجاهل نداء إحدى الجارات الفضوليات مغمغما " ليس وقتك "

 

خرجت ليل تقف أمام القاعة تتلفت حول منها بانتظار سيارة سلطان لتصل ..

 

" هل تأخرت عليكِ ؟ " تصلبت متسعة العينين دون أن تلتفت له فتقدم هو قبالتها يشير لسيارة سلطان بالمرأب المفتوح " هيا كي لا تتأخري "

طالعته واجمة لعدة لحظات إلى أن زفرت تبعد عنه وجهها " سآخذ سيارة أجرة "

رد يغيظها " لا تكوني طفلة "

التفتت له بحدة وقد نفذ صبرها فكادت تصرخ في وجهه ليعاجلها " أنتِ حتى سلمتِ على الجميع ولم تسلمي عليّ .. لقد قلتِ أننا تصافينا يا ليل .. فأين الصفاء من أفعالك الجارحة لي ! "

ضيقت عينيها " هل تستعطفني للتو يا فجر "

ابتسم يرد بتهكم " هل يجدي ذلك نفعا ؟ "

تكتفت ولم تتجاوب معه فأرشدها " هيا كي تلحقي وقتك "

ظلت على حالها المتخشب دون رد فعل لين منها تكافح للتمسك بقشرة واهية الصلابة

أضاف يستميلها بالمزيد " إنها آخر ليلة .. والله أعلم متى أراكِ مجددا .. هل تبخلين ؟ .. أم تخشين أن .. أخطفك مثلا ! "

ارتفع حاجباها .. الفكرة لم ترد على ذهنها .. ولكن طريقة نطقه جعلتها تتوجس !

 

قرأ ساعة معصمه وقال " ليل .. الوقت يمر "

زفرت تسيطر على اختلاجها ترفع ذقنها ثابتة .. ثم سارت تسبقه نحو السيارة موافقة على مضض ظاهري وبكل رضا يغمر داخلها المبتهج بدقائق إضافية معه

 

فتح لها باب السيارة بلباقة تليق به جلست ترتجف قليلا إلى أن دار حول السيارة يحتل مقعده ثم بدأ بالتحرك قائلا " لشقة الحكيم أولا "

أومأت له تتكتف غارقة في كرسيها شاردة في الطرقات دون رد

 

...............................

 

ما أن انتهت من تغيير ملابسها لأخرى مريحة للسفر .. حتى أخذت حقيبتها وتحركت للمصعد تهبط إليه حيث يقبع انتظارا لها

 

رأته يستند على جانب السيارة شاردا إلى أن دنت منه فرفع وجهه يبتسم بين حنين وحنان

غضت بصرها تلهو بالحقيبة فنالها عنها يضعها في الصندوق الخلفي بينما هي لم تنتظر لباقته في فتح باب السيارة هذه المرة

وإنما استقرت بنفسها تزفر أنفاسها بهدوء مصطنع حتى تقدم يجلس مجاورا وينطلق

 

ظلت طوال الطريق سرحانة تماما مثل حاله .. الصمت يعم حولهما مشحونا بحديث مُلجم مخبأ في الصدور

وكانت رغبة بكاء تلح عليها .. ولا تعلم لماذا تذكرت فجأة يوم زواجها الأول

عندما تزوجها ورحلت معه إلى حارته الشعبية وهي نافرة كارهة حاقدة ..

 

زفرت ليل نفسًا عميقًا مهتزا ..

حتى وقفت السيارة بغتة فانتفضت تنظر حول منها مستغربة خلو الطريق

 

التفت له وتوترت من ملامح التشتت العصبي على وجهه وكأنه يقع تحت صراع تجهله

فعقدت حاجبيها تسأل بعناية " لماذا توقفت "

عادت تشير للمكان الخالي الغريب وأكملت بقلق " أين نحن الآن "

سحب نفسا عميقا وزفره ببطء يسكت للحظات بدت بلا نهاية يقرر فيها أمر ما مجهول .. مما زاد خوفها فنادته وهي تتلفت " فجر "

 

" هل أنتِ خائفة ؟ " سألها بهدوء فعبست تنظر له بعدم فهم " ماذا "

رد عليها يشرح " قلتِ لي من قبل أنكِ تخافين مني .. فهل أنتِ خائفة الآن "

تنفست بتخبط تضطرب متأرجحة بين خوف حديث وثقة مدفونة مما أصابه بالإحباط

 

قالت له ببعض الحدة " أنا لا أفهم ماذا تفعل بالضبط "

رفع مقلتيه محاصرا أحداقها واعترف " أنا أخطفك "

اتسعت عيناها مبهوتة متسمرة أمام عينيه الحزينتين للحظات إلى أن عادت توزع بصرها في المكان المقفر حولهما حتى عادت إليه تصيح بعنف " هل أنت معتوه ؟ .. تصرفاتك حتى لا تشبهك .. ماذا تفعل بنا أنت !!! "

 

طأطأ رأسه قليلا ولم يرد فعجت بجنون " تبا لك يا فجر .. هل الحب بالذراع .. تبا لك "

استدارت تفتح الباب فلم يفتح لتضرب عليه بقبضتها آمرة بقسوة " افتح هذا الباب فورا أو قسما بالله تصرفي لن يعجبك "

لم ينتظر تكرار أمرها وإنما استجاب يفتحه ببساطة لتندفع خارجة من السيارة مبتعدة خطوات تنظر للطريق الخالي بانتظار أي سيارة تنقلها للمطار بينما جسدها كان يرتج في هول الغضب المكتوم

خرج ورائها فتحفزت تنظر له بعينين غليظتين وهاجمت مباشرة " أنت تفقد السيطرة صدقني .. أنت تتصرف بما لن يجني أي ثمار يا فجر في علاقة انتهت .. انتهت "

لهثت وهو لا زال يراقبها صامتا وهي مستمرة في الانفجار " تبا لك هل ستجبرني فأرضخ ؟ .. أنت تتناسى كوني عشت كل عمري مسلوبة الارادة يا فجر .. وأنا أبدا لن أذعن لأي مخلوق الآن حتى لو كنت أنت "

توقفت من جديد وهي تشهق عدة مرات شاعرة بجرح في صدرها وحلقها من قوة الصراخ الذي تردد صداه عنيفا في المكان المقفر المحيط بهما ..

 

" أنتِ مدينة لي " قال يتخلى عن صمته فباغتته بقسوة " أنا لست مدينة لك .. قلتها وسأكررها ألف مرة .. أنا لست مدينة لأي أحد "

" أنا لست أحدا " ضج بعنف ألجمها وبروده يتشقق عن تعابيره فظهرت ملامح العذاب بينة ..

ليكمل ملوحا بقبضته كأنه يثور على الظلم " أنا لست أحدا يا ليل .. أنا السبب الأول والأهم الذي أوصلك لما أنتِ عليه الآن "

هزت رأسها برفض لتسلطه " نعم .. ربما .. فقسوتك كانت مبهرة تُشكل حتى الحديد "

اتسعت عيناه يطالعها بصدمة وهمس " أي قسوة تلك التي تقارعيني بها يا ليل في كل مرة ؟ .. ماذا تعرفين أنتِ عن القسوة ؟ .. ماذا تعرفين أنتِ عن القهر ؟ .. ماذا تعرفين عن قهر تتلقينه ممن أحببتِ بكل قلبك .. ماذا تعرفين أنتِ عن الشعور الذي عشته عندما وصل لي خبر خطبتك من أمير الفارسي بعد أن حللتك له أنا "

بُهتت مصعوقة تهمس " أنت لا تفهم "

" بل أفهم .. أنا أفهم " أشار لنفسه يقر ثم أشار لها متابعا بيأس " أنتِ من لا تفهمين "

همست بصعوبة " ماذا أفهم "

دنا يمسك بكتفيها يهزها برفق ويهتف بحرارة لفحتها " أن انقاذك لي لم يكن دينا تردينه فتحررتِ منه .. عمري لم يكن هو المهم في علاقتنا .. بل كان قلبي يا ليل .. أحبكِ قلبي فوهبكِ عمري .. وبطيب خاطر .. أنا حتى في غمرة العذاب الذي تلقيته من الفارسي لم أكن أفكر إلا بحياتك .. دفعك القتل عني لا ينهي دينك لي .. أنا منحتك ما هو أكثر .. فأنتِ لم تردي قلبي يا ليل .. أنا قلبي ذُبح بمجرد رحيلك "

دمعت عيناها المتحجرتين فقربها منه هامسا " هل تريدين التحرر ورد الدين ؟ .. ردي لي راحتي وأماني .. ردي استقراري .. ردي قلبي الخالي .. ردي هناء العيش الذي كنت أحياه أنا وأمي يا ليل "

هزت رأسها بعجز تغمغم باختناق " هذا ليس عدلا "

" بل هذا هو العدل عينه " همس لها بقوة وأضاف " هل تذكرين قولي في زمن ولى ؟ .. أتيتِ لي أرض خراب .. أنا فقط من عمرتك يا ليل .. أنا أكثر من أحبك واشتاق لك وخاف عليكِ .. أنتِ كنتِ ابنتي التي رأيت منها الكثير لكني لم أملك كل ليلة إلا احتضانها وتفهمها "

شهقت ولم تقدر إحجام دموعها أكثر فانهمرت على خديها أمامه ليرفع أنامله يمسح دمعها هامسا " هل تعلمين .. حتى الآباء تُخطئ .. تقسو وتهجر وتعاقب .. لكن إن أصيب الابن ولو بجرح انتفض قلب الأب ملتاعا بذعر .. مثلما التاع قلبي عليكِ .. فهل ينسى الابن كل ما قدم الأب لمجرد أن صفعه مرة من شدة وجعه !! "

 

" كفى أرجوك " توسلت بصعوبة وهي تنشج بكتمان فقال بحرقة " أنتِ لم تتحرري من ذنبك بل أنا من سُبيت أكثر فيكِ .. ولا أعرف للعتق منكِ سبيلا "

 

لهثت تحني رأسها بأسى ومعاناتها تتجلى عليها بوضوح فسكت مرهقا وتنفس باحتدام

نظر حول منه ثم زفر قائلا " فكرت باختطافك فعلا رغم أن هذا لا يشبهني .. ولكن .. في الحقيقة أنا أتطرف كثيرا عندما يتعلق الأمر بكِ .. لقد تمنيت أن تبقي حتى لو توسلتكِ البقاء "

طالعته من بين دموعها الغزيرة فعاد بعينيه لها " لكن .. الآن .. أنا حقا لا أريدك غصبًا "

شهقت بصمت باكٍ فابتسم يرفع يده ممسدا على جانب وجهها وأكمل " أنا رغبتكِ دائما حرة .. هذا ما جاهدت معك لتتعلميه .. حتى لو كانت حريتك في بُعدي عنك "

طوق وجهها بكفيه قائلا بتركيز " لكنكِ رغم هذا ستكونين دوما مدينة لي بالكثير .. دين سيبقى برقبتك أينما كنتِ .. ربما يدفعكِ يومًا كي تحني لصاحبه "

 

أغمضت عينيها تبكي بصوت واضح وقد نال منها كثيرا .. اقتنص من قلبها بعمق

حتى ابتعد بعدها يحثها باختناق " هيا كي لا تتأخري أكثر "

تحرك بعدها يفتح باب مقعدها فتمنت لو تخرج من الأرض أيادي تتمسك بقدميها تحيل دون حراكها

فتتعلل بهم حينها

لكن لا أيادي ستخرج

لقد كانت حرة تماما في اختيارها هذه المرة دون ضغط

لذا خطت بتثاقل محنية الرأس متهدلة الكتفين .. وركبت بصمت تكتم نواحها

وما هي إلا ثوان حتى كان يعاود الانطلاق بسكون تام

 

وكم رغبت لو يطول الطريق .. لكن نهايته أتت سريعا تصل للمطار وهو سبقها يخرج حقيبتها أولا

فاضطرت للخروج ولا زالت تسكب العبرات أمامه ..

إلى أن وقف أمامها يمسك بيدها في سلام كان حزينا .. لترفع سوداويها العاصفين ترمقه بذبول وهو يهمس " مهما طال الوقت بيننا .. أنا سأبقى جالسا على الطريق ترقبا لعودة عطف منكِ .. سأكون دائما في انتظارك حبيبي "

شهقت تبكي هامسة بعذاب " فجر "

أحاط يدها بكفه الثاني متشبثا وقال " عودي لي .. اعطيني فرصة لأعوضك وأستعيد نفسي .. فأنا وربي لن أكون لامرأة غيرك "

سكنت دون رد فابتسم بمرارة يعتقها " هيا اذهبي "

أغمضت عينيها لوهلة تحاول لململة شتاتها حتى فتحتهما قائلة برقة وشجن " وداعا يا فجر "

شدد على كفها بين يديه مصححا " إلى لقاء منتظر مهما طال حبيبي .. استودعك الله "

 

قالها وترك كفها فارتجفت كلها .. تتسمر قليلا أمامه إلى أن تراجعت خطوة ثم استدارت عنه داخلة للمطار

التفتت له للحظة من الداخل ثم بعدها غابت .. ولا يعلم إن كانت قد غابت للأبد !

 

................................

 

" ها قد أتى " قال عمر بتنبه فرفع حسن وجهه القلق يتوجه ببصره لأول القاعة حيث دخل فجر

تبادل مع عمر نظرة سريعة ثم تحركا معا يتركان الازدحام والناس يتوجهان له .. فرآهما ليتدبر ابتسامة هادئة يوشك على تقديم اعتذار لطول اختفائه

لكن حسن سبقه " هل رحلت "

اعتلى الحزن وجهه لكنه عاد يتمسك بالابتسامة بينما يومئ إيجابا ليقول حسن مجددا يدعمه بيقين " ستعود .. مصيرها العودة يا فجر .. أنت لها السكن ولن تجد سكينة في غيابك "

غمغم فجر بهدوء " إن شاء الله "

ابتسم حسن وهو يتقدم منه فيعانقه مشجعا " ستحلو بعد مر .. صدقني "

ربت عليه فجر ممتنا لدعمه إلى أن تفرقا فشده عمر يقترح بصخب " ما رأيك أن نلتقط بعض الإناث من هنا أو هناك .. الزفاف عامر بأصناف .. ودعك من أم فويق هذه "

رفع فجر حاجبه ينهاه " احترم نفسك "

شاكسه عمر مصرا " يا بني وهل شتمتها ؟ .. إنها صفة ! .. صدقني النسوة كلهن مجموعة من البوم مهما تعددت الفصائل "

استنكر حسن قوله فزم شفتيه يبحث بعينيه إلى أن رفع ذراعه مناديا مياسة " يا زوجة أخي ! "

اتسعت عينا عمر يردعه " تصدق إنك كلب ! "

رقص حسن حاجبيه يسخر " نعم تراجع يا أخي تراجع "

 

ابتسم فجر عليهما فجذباه " تعال يا ذكر البومة .. يكفي حزنًا أقسم بالله النكد عندك مجاني !! "

 

فاتبعهما ببساطة يمرح ويصفق ويغني ويجيد ابراز فرحه

لكن أمه وصاحبيه يعلمون جيدا أنه ليس فرحًا للأسف !

 

...................................

 

انتهى الحفل الذي امتد حتى ساعات متأخرة من الليل إلى أن أوشك الفجر على الطلوع

كانت نورين في السيارة جالسة في الأريكة الخلفية تتثاءب بتعب وهي تصل للحي ..

وقفت السيارات بهدوء أمام بيت الجوهري وتساءلت نورين " أين من المفترض أني سأبدل ملابسي واستعد للسفر ؟ "

رد حسن ببديهية " في بيت الجوهري طبعا "

التفت عمر الجالس في مقعد القيادة بجواره مياسة واقترح " تعالي بيتك ارتاحي قليلا .. لا زال هناك ساعتين على تحركك "

اعترض حسن فورا " لا يا حبيبي .. زوجتي الآن بيتها هو بيتي "

عبس عمر هاتفا " لا تنقصنا سماجتك الآن .. أسحب منك العروس "

أمسك حسن بكف نورين بتملك يغيظه " كان زمانًا وولى .. الآن يزهو عصري أنا "

تأفف عمر يغمغم بغيرة " ها هو يستفزني لألكم فمه "

ضحك حسن بمرح فتذمرت نورين " هل يمكنكما أن تمنحاني فرصة لتبديل هذا الفستان فقط كي ارتاح عن الحمل الثقيل ثم تناقشا في شأن من الحاكم لاحقا "

دقات على زجاج السيارة من سلطان نبهتهم فخرجوا أخيرا ليجدوا أم سلطان غير راضية تقول " لا أعلم لماذا لم تدعنا ننهي شقتك يا حسن .. كنت ترتاح قليلا قبل السفر يا ولدي "

رد حسن حانقا " يا أمي نورين في أمور التنسيق والألوان تتعامل بالسنين الضوئية ولم نكن لننتهي في هذه الزيجة "

ضحكت سارة ولاطفت أمها " يا أمي لن يبقيا إلا ساعتين فقط .. بالكاد يتناولان شيئا ثم يتجهان للمطار "

أومأ حسن فورا فقال سلطان مشفقا على حال نورين المتوجعة " طيب .. هيا نصعد ونتناقش فيما بعد "

بدأوا يتفرقون وفجر أخذ أمه وعاد لشقته .. استأذنت مياسة بدورها مع والديها فتحركت عالية مع تاج يودعان الجميع ويسلمان على نورين التي دمعت وهي تحتضن تاج بالذات تناديه بأبي فتعوض بكلمة واحدة الكثير من القهر الذي مر به

 

وصلت لمياسة فكان سلاما هادئا قالت به " أنا سآتي للمطار .. أراكِ عقب ساعتين حبيبتي "

 

...........................

 

في المطار ..

 

كان الصبح قد أشرق منيرا .. نورين تتعلق بذراع حسن تسند رأسها عليه مغمضة عينيها كمن تنام على نفسها

بدلت ملابسها هي وحسن لأخرى مريحة واسعة وأحذية رياضية خفيفة ..

وقفت أمام البوابة فتنبهت تفتح عينيها وعندها أدركت أنها لحظة الوداع ..

زفرت وهي تستدير لهم حيث مياسة مع عمر وسلطان وهمست " أكره لحظات الوداع "

ابتسمت مياسة مخففة " ليس وداعا صغيرتي .. أنت ذاهبة للاستمتاع بوقتك .. امرحي وافرحي كثيرا "

أومأت نورين ولم تمنع بؤسها فدمعت عيناها وهي تعانق أختها بقوة تشعر بارتجافات مياسة التي همست لها باختناق " لا أعرف كيف سأتحمل حياتي دونك يا نوري "

ذرفت نورين الدموع " سأشتاق لكِ جدا يا أختي "

قبلتها مياسة تخبرها بصدق " وأنا سأفتقد في كل أوقاتي يا صغيرتي "

اضطرت للابتعاد بعدها تتمنى لو تملك قوة البكاء مثل أختها ببساطة

فتكتفت تراقب نورين وهي تمسح عبراتها تسلم على سلطان أولا ثم توجهت لعمر العابس وعندها شهقت بقوة تبكي " سأشتاق لك يا أخي "

غمزها رغم عبوسه يتحالف " إن أردتِ التراجع فأنا جاهز "

ضحكت من بين دموعها هامسة " لا .. لا أريد "

لوى عمر شفتيه " إذن اشبعي به .. لينفعك "

عادت تضحك وهي تسلم عليه فابتسم هامسا " انتبهي لنفسك .. تواصلي معي يوميا "

أومأت قائلة بتأثر " سأحادثك وارسل لك الصور لكل شيء "

ضحك عمر بحنان " أعلم بأني سأصاب بالصداع من تفاصيلك "

مسحت دموعها تبكي فسلم حسن على أخيه ثم مياسة إلى أن اقترب من عمر الذي اكفهر يتوعده " والله يا حسن لو أغضبتها ستجدني أمامك ولو بآخر الدنيا "

قهقه حسن يعانقه بقوة فتصنع عمر التأفف للحظات حتى أوصاه بحرص " انتبه لها بالله عليك يا حسن "

وعده حسن برجولية " والله في عينيّ "

تنهد عمر يحذره " إنها لا تجيد السباحة .. فعينيك عليها "

ابتسم حسن يربت عليه بقوة يؤكد دون ملل " في عينيّ يا صاحبي .. لا تقلق "

ابتعد عمر قائلا " لست قلقًا "

لوح بعدها " هيا كي تلحقا الوقت "

أومأ حسن يجذب الحقائب ويلوح لهم مع نورين الباكية من تأثرها بفراقهما

إلى أن غابا عن الأعين في المطار الضخم .. عندها استأذن سلطان يترك عمر ومياسة بحريتهما

بينما فكر عمر وهو يسحب زوجته المتجمدة تحجم بكائها أنه بحاجة لمكان خاص يضمها فيه بحرية مواسيا

 

.................................

 

صعدت معه للطائرة ترشدهما مضيفة أنيقة المظهر .. اتسعت عينا نورين بعدم فهم وهي تشاهد ما حولها بحيرة وقبل طرح أي استفسار كانت المضيفة تفتح لهما باب جانبي ترشدهما بذراعها " جناحكما الخاص سيدي "

فغرت نورين شفتيها وهي تقفز مطالعة ذلك المكان الأشبه بغرفة صغيرة هاتفة بذهول عفوي " يا ويلي .. هل يوجد هذا في الطائرات "

تنحنح حسن يلتفت للمضيفة المتعجبة يشكرها بتبسم متكلف " شكرا لكِ "

دفع نورين بعدها لتدخل وهو يضحك قائلا " اغلقي فمك يا بنت الحارة "

مطت شفتيها ممتعضة " وماذا قلنا يعني "

عقدت حاجبيها تفكر قليلا ثم دنت منه " حسن .. البلد التي نسافر لها مكلفة .. وأيضا تذاكر طيران درجة أولى بسرير للنوم ! "

ابتسم وهو يجذبها ليجلسا في كرسيين قبل أن يقول " التذاكر ليست مني "

عبست باستفهام فشرح " كانت من عمي تاج "

اتسعت نظراتها " حقا ! "

أومأ يقول " نعم صغيرتي .. فالسفر سيأخذ ساعات طويلة وقد فاجأني وهو يمنحني تذكرتي السفر على حسابه .. إنها مكلفة جدا بالفعل لكنه أصر "

ابتسمت تتلفت حول منها بغير تصديق .. حيث السرير والحاسوب والانترنت وشاشة صغيرة معلقة أمام الكرسي المريح لمشاهدة ما رغبا

عادت لحسن مطالبة " هل يمكنني الاتصال به ؟ "

أومأ لها يخرج الهاتف يطلب لها الرقم ويعطيها إياه

وصلها صوته القلق " مرحبا يا ولدي "

" أبي " ردت برقة فتلهف يتعرف على صوتها " ابنتي "

ابتسمت بحنان هامسة مباشرة " كان هذا مكلفا جدا "

رد في الحال مهتما بأبوة تأخذ فرصتها في الفيضان " كل الغالي يرخص لكِ يا طفلتي .. المهم أن ترتاحي في ساعات سفرك وتحظي ببضع ساعات نوم "

ابتسمت له مغمغمة " شكرا لك حقا "

ابتسم في المقابل يجاوب " ارتاحي حبيبتي وافرحي .. واتصلي بي دائما "

شكرته مجددا بحب صادق ينبع له " شكرا لك جدا .. سأتصل بكل كل يوم .. أعدك أبي "

 

بعد ساعات كانت نورين غارقة في النوم وذلك بعد أن تناولت طعامها جيدا وتمددت بأريحية يغطيها حسن ويخفف الاضاءة لتكون ناعمة مغلقا النوافذ فلم يُبقي إلا نافذة واحدة

 

رفع وجهه عن الحاسوب الذي يلهو به مطالعا النافذة فابتسم بمنظر السُحب البيضاء أمامه

لقد أخذت منه وعدا أن يوقظها لترى السُحب إلا أنه كان مشفقا عليها جدا من شدة الارهاق الواضح عليها

تنهد يميل بعينيه إليها مفكرا أنها قد تغضب منه .. خاصة أن النهار يوشك على الانتهاء وقاربوا الوصول بالفعل بعد الغروب

 

مال إليها يهزها برفق مناديا فتململت تتمدد على ظهرها مهمهمة دون رد ..

ابتسم أكثر ينحني لرقبتها يوقظها بالتقبيل حتى ارتجفت تعي على قربه منها تفتح عينيها متأوهة تتمطى

" حسن " نادته برقة فرفع وجهه يقول " لا أريد ازعاجك .. لكنها السُحب تحن لرؤيتك "

اتسعت عيناها وهي تنهض متلهفة حتى أنها ترنحت للحظة فأسندها " على مهلك "

ابتسمت ولم تهتم وهي تلصق وجهها بالنافذة متأملة منظر السحب قائلة بانشداه " تبدو جميلة جدا "

" ممممم " همهم وهو يسند ذقنه على كتفها وتغزل فيها " تبدو جميلة كأنها من خيال "

عضت على شفتيها بتورد فبدأ يقبل جانب وجهها ورقبتها مبعدا خصلاتها وهي لا تمانع حتى رفعت شفتيها له بدعوة لا يجب إلا أن تُلبى بإذعان فوري .. يُصبر نفسه في السماء بين السُحب حتى وعد قريب التحقق على الأرض

 

...............................

 

بعد ساعات كان حسن ينتهي من اجراءات الفندق سريعا .. إلى أن أتى عامل يقودهما حيث مكانهما الخاص البعيد

كانت نورين تحدق بما حولها ذاهلة معجبة بفرط روعة المنظر

حيث الرمال الناعمة والمحيط العظيم بموجه المتلاعب يعلوه سماءً صافية

جمال يشبه جنة دنيوية من تصوير الخالق فلا يملك الإنسان إلا تأملها بعقل مأخوذ ..

 

وصلوا أخيرا حتى ممر خشبي طويل قطبت حاجبيها توجه عينيها لحسن بتساؤل فساعدها لصعود الدرجات فشبكت ذراعها بذراعه تسير بجانبه تحركت معه مخلفة الشاطئ ورائهما حيث أن الممر الخشبي ممتد حتى عميق معين داخل المياه ..

يلوح في نهايته ما يشبه كوخ خشبي دافئ الطراز يقع فوق المياه فيمنحهما الخصوصية المطلوبة حيث لا يجاوره شيئا

 

كانت فقط مصدومة .. لم تتخيل أن يكون شهر العسل خاصتها في مكان كهذا خاطف كهذا !

ابتسمت ببهجة تترك حسن يتعامل مع الموظف ودخلت هي للكوخ لاستكشافه .. تعبر أولا الصالة الصغيرة التي بها ما يلزم من أثاث

تنتهي برواق صغير ينقلها لمكان آخر خيث غرفة نوم واسعة يغلب عليها الدفء الذي زاده اللون البني العسلي المتماوج مع الأخشاب والاضاءات الخافتة الموزعة بتآلف

لها شرفة ضخمة مفتوحة حائطها زجاجي عريض .. خارجها جلسة لطيفة بحمام سباحة جانبي صغير وسلالم جانبية تنتهي بخشبة مربعة الشكل عليها كرسيين طوليين للتمدد ثم المحيط مباشرة لمن يشاء القفز !

 

ضحكت بانشداه لا تصدق .. إنها فوق المحيط حرفيا !

تراجعت ملامسة الستائر البيضاء المتطايرة كحال قلبها المتراقص ..

وسارت لتطل على الحمام المفتوح الذي يتوسطه حوض استحمام صغير يكفي فردين ربما

 

توردت وهي تبتعد عن الحمام عائدة للغرفة ترنو للسرير الضخم الذي تتناثر عليه ورود حمراء زادتها خجلا وفراشات بدأت تنتعش قرب معدتها !

وجدت حسن يدلف لها مبتسمًا يقرأ اعجابها بالمكان فقفزت صائحة تصفق " يا إلهي يا حسن المكان فظيييييع "

فردت ذراعيها تدور حول نفسها ومعها خصلاتها واستطردت عفويا " يمكنني المكوث هنا والرسم دون توقف "

رفع حاجبه يكرر بخبث " الرسم ! "

تضرج خداها وأطرقت دون رد ، لتراقب تقدمه من وقفتها ينال منها الارتعاش فيلف ذراعيه حول جذعها اللين يشدها لصدره الصلب وينحني يلثم وجهها بغير صبر

وزع شفتيه في كل انش بصفحتها الملتهبة إثر اجتياحه إلى أن رفعها إليه مدفوعًا بسيول مشاعر تتدفق بلا ترويض

فلم تشعر إلا وهي تستلقي فوق السرير تنتفض بينما تحس بيديه الراغبتين تستكشفانها بلهفة مباحة وغير معتادة ..

 

ابتلعت ريقها تكافح للتماسك دون اجفال فتناديه بتعثر " حسن .. انتظر "

لم يرد عليها وهو يخرسها بقبلة مصممة فهتفت تتهرب دون جدوى " حسن .. أرجوك "

من جديد لم يرد مباشرة حتى كاد أن يصيبها اليأس .. إلى أن بدأت قبلاته تنحسر بتمهل عند رقبتها يتنفس بعنف وتسارع و يهمس لاهثا بصوت أجش " لا تقلقي .. استرخي حبيبتي "

لم تفسر معنى عبارته تماما .. هل يطمئنها أنه لن يتمادى أم يرشدها للهدوء كي يستكمل غزوه !

أتى الجواب بعد لحظات وهو يرفع وجهه المحمر من تفاقم إثارته يشرف على وجهها هامسًا " أنتِ حلوة ولينة جدا "

ابتسمت باهتزاز وجهها يوشك أن ينفجر فوجهها يلجم نفسه بجهد مضني " انهضي وبدلي ملابسك بما يناسب حتى نصلي "

تقاعست تبحث عن أعصاب تعينها على النهوض .. فعبس يتأملها ولا زال منكفئا عليها ينادي " نورين "

" نعم " ردت فورا برقة فسأل بقلق " أنتِ تصلين .. صح ! "

" ها !! " رددت ببلاهة ففتح فمه يختنق قليلا بينما يغمغم مرتعبًا " سأقتل نفسي ! "

 ازدردت ريقها تطلب مرتبكة " ألن تبتعد "

قالتها تنتظر ابتعاده عنها فتأخر حتى قلقت أن يتراجع في كلامه ..

إلا أنه ابتعد بعدها متثاقلا يكرر " هل تصلين "

اتسعت عيناها بفهم متأخر وتلاعبت بأصابعها بحركة حرج لعبت بأعصابه فصاح " نورين "

انتفضت تطالعه ببراءة ثم همست " سأتوضأ سريعا و .. أعود "

هبت بعدها بسرعة تجذب حقيبتها وتدخل الحمام مغلقة الباب ورائها بسرعة تاركة له حمام جانبي صغير يستخدمه هو .. فألقى هو بجسده على السرير يدلك جبينه هامسا " الحمد لله .. كنت سأصاب بشلل "

 

بعد وقت كانت هي مغطاة بملابس فضفاضة للصلاة جالسة خلفه تشاركه سعادة قلبية بأن وصلا معًا لمرحلة كهذه !

أنهيا الصلاة والدعاء المتبادل بينهما ثم ابتسم يستقيم يسندها معه ففك عنها حجابها ببطء يفرد شعرها بأصابعه عالقًا بفتنتها الطفولية الرقيقة

مال لشفتيها في قبلة أبلغتها بما يرتقبه صريحًا بينما يحملها عائدا بسهولة متجهًا للسرير .. شهقت تتملص بقلق قافزة عنه " انتظر يا حسن "

شتم من بين أسنانه يهتف " ماذا هناك بالله عليكِ ! "

عضت على شفتيها بحياء " هناك شيء "

ألقى جسده على السرير وقد انتهى تحمله " ماذا يا نورين ؟ "

سعت لتبتسم تهادنه وهي تتراجع للخلف " فقط انتظرني قليلا "

غابت أمام عينيه العابستين وراء الحمام فزفر يتمدد للوراء مبتئسًا

لا بأس .. فات الكثير يا أبا علي

اصبر تأخذ شيئا نظيفًا ..

تأخرت جدا فأخذ يتأفف ناظرا للساعة بتذمر صبياني

استقام عن رقدته يسير للنافذة المفتوحة واقفا يستند على الحائط الزجاجي مكتفا يتأمل المحيط الممتد بلا نهاية قبالته .. ليتلقى بعض النسائم الباردة علّها تفلح في تخفيف حرارته المتقدة ..

ابتسم بسهو يفكر أن المكان يبدو حميميا خاصا منعزلا جدا عن أي ضجيج بشري

يمكنه الاحتفاظ بها هنا والتهامها ليل مع نهار دون شبع

زفر يمسح جانب عنقه بتجلد صعب " هي فقط تخرج .. هل ستبيت في الداخل ! "

 

فتح الباب أخيرا فالتفت بحدة عائدا لها .. وقف يراها تطل عليه بوجهها المتقلقل فاستنتج بعبث " هل ترتدين شيئا وقحا "

ضحكت بخجل دون جواب وكان هذا خير رد .. فناغشها " ولمَ التكلفة ؟ .. والله لا يوجد داعي لأي شيء .. مطلقا حرفيا أي شيء ! "

" حسن " زجرته معاتبة فتوسلها " اخرجي طيب .. سيغشى عليّ من الحماس "

تدللت عليه تهز كتفها " أغمض عينيك "

ضغط أسنانه بغيظ " نورين "

كررت بإصرار ودلع " أغلق عينيك يا حسن "

أغمضهما مجبرا بيأس " طيب .. أغلقنا .. هيااااا "

تلاعبت به أكثر بتسلي " استدر أيضا حتى لا تغشني "

فتح عينيه هاتفا بتهديد " نورين صدقيني سأقتلك الآن "

ضحكت عاليا رغم توترها الرهيب تحثه " هيا يا سونا "

فرك شعره يبعثره ثم استجاب لطلبها يضرب كفا على كف " ها .. استدرنا .. هل ارمي نفسي بالمحيط بالمرة "

لم ترد عليه ..

بل عم سكون ساخن يرسم لعقله أروع الخيالات .. خيالات تتناغم مع الأصوات المكتومة لتحركاتها خلف ظهره المتشنج ..

إلى أن سحبت نفسا مسموعا تأذن له " انظر لي "

هذه المرة هو من تلكأ .. احساسه أبلغه أن ما سيراه سيكون مختلفا لدرجة قد تسلب عنه التعقل لذا فليهدأ ..

استدار متريثا يفتح عينيه فتقعان عليها لتتسعا في انشداه أخرسه

تراجع للخلف خطوات يشملها كلها ثم صدرت عنه ضحكة متحشرجة

 

فُستان غُزل من سحر السماء !

تنورته قصيرة تكسو فخذيها .. منتفخة جدا حيث نُسجت من قماش يشبه القطن ربما .. لا يعلم

لكنه كان منفوشا على شكل .. سحابة بيضاء !

جذعه ضيق يبرز فتنتها .. بلون سمائي متدرج من الأعلى للأسفل ومزين بنجوم صغيرة وهاجة

بفتحة صدر واسعة جدا نبهته ذاهلا لرسمة أعلى مقدمة صدرها على الجانب .. حيث جنية ساحرة بجناحي فراشة ..

تلفها هالة لامعة وتمسك بيدها عصا سحرية .. تنثر منها فراشات ونجومًا ملونة تتلألأ بإغراء

ثم حمالات رفيعة مربوطة أعلى كتفيها كانت ملونة بألوان الطيف

 

يا ويل حسن !!!

رفع عينيه لوجهها المزين وشعرها الطويل المسدل بحرية فأغمض عينيه يشد نفسا عميقا يشحن به صدره المتضخم من تعاظم مشاعره

 

استمع لصوت خطواتها تدنو منه حتى وقفت قبالته جانب السرير العريض تستطيل إليه " لقد طلبته خصيصا من عالية هانم .. ساعدتني فيه جدا .. كنت أرغب بشدة لتحقيق كل أحلامك يا حسن فخططت لها طويلا "

 

فتح عينيه الساطعتين المحاطتين بطبقة شفافة رقيقة ثم ابتسم يمد يده ملامسا جانب وجهها .. ثم انزلقت على رقبتها حتى رسمتها الملونة فارتجفت بحياء نال منها تتنفس متخبطة لكنها حافظت على جمال ابتسامتها الذائبة

 

إلى أن انحنى يسند وجهه على وجهها يغازلها بخفوت " يا سماء حسن الملونة بقوس قزح .. كم أتوق للتحليق فيها "

 

دمعت عيناها وهي تحيط رقبته بذراعيها تجود عليه بكل حب ورضا " سمائي كلها لم ولن تسع غيرك يا حسن .. رحبة فسيحة فقط بك ولك .. ولا تشرق إلا بقربك "

ضحك يهمس باختناق " يا إلهي .. نورين ! "

 

كانت آخر أحرف اسمها الجميل تنتهي من شفتيه إلى شفتيها في قبلة امتدت بهما بعذوبة شهية .. بترتها هي مستدركة من بين لهيب انصهارها " أريد اخبارك بشيء "

" أرجوكِ .. أريدك الآن لي وحدي " ترجى مشتعلا يقبل جانب وجهها إلا أنها أصرت على البوح بتقطع " هل تذكر ال .. الموعد السابق الذي .. رفضته أنا .. وأنت حسبته خوفا مني بتعجيل الزواج "

همهم ايجابا دون افلاتها يتحسسها بشوق لكنها أكملت تجاهد لتكوين عبارات مفيدة " لم يكن خوفًا منك .. كان موعدا غير مناسب لك فقط "

 

عقد حاجبيه يرفع وجهه المتوهج يطالعها مستفهما بعدم فهم فهمست تصد عنها الخجل " أنا .. كنت في عذر شرعي .. كان سيحبطك جدا "

استمع لها للنهاية متفاجئا فلعقت شفتيها مردفة " أنا رغم أني طلبت فرصة تعارف غبية .. لكني .. لم أرغب أن تكون فرصة إجبارية عليك .. كنت تختار أن تختار بحريتك الخاصة يا حسن ! "

 

عقد حاجبيه وهو يشدد في ضمها سعيدا بكل سر تفشيه له بمراعاة تامة لكل شعور فيه ..

حتى همس بصوت ذاهب كأنفاسه " كنت سأرمي نفسي في المحيط حينها لو حصل "

ضحكت بارتباك " ابتعد الشر عنك .. لا تخف .. أنا أحرص عليك حبيبي "

 

انزلق بكفيه على طول ذراعيها يمسك بكفيها ويرد " الشر هو بعدك عني يا نورين "

مدت يدها لوجهه تمسد عليه برقة " أنا لا أبتعد عنك أبدا يا قلب نورين "

استقبلت قبلته المباغتة القوية تبادله إياها بارتعاش ..

سحبها برفق لا يجفلها ناحية السرير ورفع وجهه يسألها " هل أنتِ خائفة ! "

هزت رأسها نفيا بثقة " لا أخاف معك يا حسن "

 

ابتسم منتفخ القلب وقال بصوت مبحوح " أنا الآن الخائف "

ضحكت تتلقى ذبذباته فحملها من خصرها بكفيه يرفعها عاليا حتى وجهه لتشهق صارخة بمرح بينما يطالبها بحنان " هل لحسن أن .. يعتمد قليلا على شجاعتك في استقباله بين أحضانك الليلة يا صغيرتي "

 

ارتجفت وهي تحط على السرير بنعومة وهو معها يرنو إلى وجهها فردت بطاعة تتشجع رغم الاضطراب " حضني بيتك يا سنسونتي "

ربت على موضع قلبها يزيد من احتواء ارتجافها " لا تخافي "

عانقته تطمئنه بإقدام مستقر " لست خائفة .. ربما خجلانة .. لكني لست خائفة معك يا حسن "

" يا ويل حسن منكِ ! " همس مأسورًا بفضائها الواسع فضحكت بميوعة تلف ذراعيها حوله بلطف " حسن "

 

عندها تأوه وهو ينحني لها في قبلة كان الصبر فيها قد نفذ

فإن حاولت إيقافه هذه المرة

لم يكن ليلبي مطلبها

إن حاولت اطفاء ناره حقا قتل نفسه

لكنها أصلا لم تحاول ..

كانت محبة بصدق .. فتمسكت به للنهاية واثقة معطاءة رغم الجهل .. لا تتلقى منه إلا الغزل والحب والاعتزاز بقربها الذي أكمله

الآن فقط حسن يكتمل !

" يا أحلى ما بأيامي يا حلوى القطن .. يا فرحة العمر .. يا حلم كل العمر يا نورين ! "


...................

انتهى الفصل
يلا اعملوا فوت بلاش كسل عشان انا مكسلش 😭😭😭
واحكولي مزاجكم عامل ازاي بعد الفصل 😍😍😍😍
+ توقعاتكم عن فجر وليل

قراءة ممتعة يا لآلئ

Continue Reading

You'll Also Like

811K 65.2K 70
‏لَا السَّيفُ يَفعَلُ بِي مَا أَنتِ فَاعِلَةٌ وَلَا لِقَاءُ عَدُوِّيَ مِثلَ لُقيَاكِ لَو بَاتَ سَهمٌ مِنَ الأَعدَاءِ فِي كَبِدِي مَا نَالَ مِنَّيَ م...
99.3K 5.6K 45
Covered by: BatO_ot النهايه ليست دائما سعيده... بل يمكن ان تكون مؤلمه .... صادمه.... حزينه.. لكن اعلم دائما ان كل نهايه لقصه ماا... تكون بدايه لقصه ا...
3.3M 49.9K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...
32.5K 1K 178
جميعنا عالقون بين اليابسة والبحر في ذاك الجزء الفاصل بينهما ذاك الشريط الرفيع بين سعادة مرجوة ..أو هلاك محتمل تلك الحافة التي تفصلنا بين ما نرتضيه...