فجري أنت ، بقلم آلاء منير

By AlaaMounir201

631K 22.3K 6.3K

ماذا يحدث عندما تتلاقى سمو المبادئ مع دنيا الرغبات ! عندما تضعك الحياة بين اختيارين أحلاهما علقم .. عندما تُخ... More

تواقيع الأبطال
المقدمة
الفجر الأول
الفجر الثاني
الفجر الثالث
الفجر الرابع
الفجر الخامس
الفجر السادس
الفجر السابع
الفجر الثامن
الفجر التاسع
الفجر العاشر
الفجر الحادي عشر
الفجر الثاني عشر
الفجر الثالث عشر
الفجر الرابع عشر
الفجر الخامس عشر
الفجر السادس عشر
عودة 💫
الفجر السابع عشر
الفجر الثامن عشر
الفجر التاسع عشر
تنويه 😍
الفجر العشرون
الفجر الواحد والعشرون
الفجر الثاني والعشرون
الفجر الثالث والعشرون
الفجر الرابع والعشرون
الفجر الخامس والعشرون
الفجر السادس والعشرون
الفجر السابع والعشرون
الفجر الثامن والعشرون
الفجر التاسع والعشرون
الفجر الثلاثون
الفجر الواحد و الثلاثون
الفجر الثاني و الثلاثون
الفجر الثالث و الثلاثون
الفجر الرابع و الثلاثون
الفجر الخامس و الثلاثون
الفجر السادس و الثلاثون
الفجر السابع و الثلاثون
الفجر الثامن و الثلاثون
الفجر التاسع و الثلاثون
الفجر الأربعون
الفجر الواحد و الأربعون
الفجر الثاني والأربعون
الفجر الثالث و الأربعون
تابع الفجر الثالث و الأربعون
الفجر الرابع و الأربعون
الفجر الخامس و الأربعون
الفجر السادس والأربعون
الفجر السابع و الأربعون
الفجر الثامن والأربعون
الفجر التاسع والأربعون
الفجر الخمسون
الفجر الواحد والخمسون
الفجر الثاني والخمسون
الفجر الثالث والخمسون
الفجر الرابع والخمسون
الفجر الخامس والخمسون
مهم 💖
وحشتوني 💖
الفصل السادس والخمسون
الفجر السابع والخمسون
الفجر الثامن والخمسون
الفجر التاسع والخمسون
الفجر الستون
الفجر الواحد والستون
الفجر الثاني والستون
الفجر الثالث والستون
الفجر الرابع والستون
الفجر الخامس والستون
الفجر السادس والستون
الفجر السابع والستون
الفجر التاسع والستون
الفجر السبعون
الفجر الواحد والسبعون
الفجر الثاني والسبعون
مهم جدا
الفجر الثالث والسبعون
الفجر الرابع والسبعون
الفجر الخامس والسبعون
الفجر السادس والسبعون
الفجر السابع والسبعون
الفجر الثامن والسبعون
الفجر التاسع والسبعون
الفجر الثمانون
الفجر الواحد والثمانون
الفجر الثاني والثمانون
الفجر الثالث والثمانون
الفجر الرابع والثمانون
الفجر الخامس والثمانون
الفجر السادس والثمانون
الفجر السابع والثمانون
الفجر الثامن والثمانون
عيد ميلاد 👑🎂
موعد عودة 💖
الفجر التاسع والثمانون ( والأخير )
ختام الفجر ضي

الفجر الثامن والستون

6.3K 281 124
By AlaaMounir201

مساكم براق يا لآلئ 💫💖
وبعدين معاكم ! 😂
ده أنا نزلت امبارح فصل ضخم جدا 😂
وقلت هناخد اجازة
تقوموا تقولولي قرأناه في ساعة وساعتين ونزلي كمان فصل بكره !! 🤦‍♀️😂
مش هعرف آخد اجازة يعني ولا ايه 😂
طب والله أنا مدلعاكم بجد 🙈😂
وعشان بحبكم مش هتهونوا عليا وجيت معايا فصل جديد 🤭
قولولي بقا هناخد اجازة امتى كده 🤭
طبعا منتظرة آرائكم وعاوزة فوت كتير كتير كتير عشان نتقابل بكره بإذن الله اذا حابين 💖
يلا بينا ..

...................

" غذى حقدك ! "

 

أصدر أمير صوت قعقعة وهو بحركة واحدة قوية جهز السلاح ثم فرد ذراعه يصوب فوهته لرأس تاج مجيبا بثبات " وحفز انتقامي ! "

 

لم يفلح في إرهاب تاج ..

فكانت عيناه ساكنتين للغاية خاليتين من أي انفعال أو رد فعل مجفل

 

بل رفع عسليتيه الباهتتين مجابها عيني أمير المضطربتين بهدوء وتثاقل " وماذا تنتظر .. افعلها ! "

عقد أمير حاجبيه وحلقه يتحرك بصعوبة كأنما التردد بداخله أقوى من أن يتم هدمه في لحظات قصيرة .. فامتدت الثواني عنيدة الوقع بين لمعة وحشية تبرق في زرقاويه أو تقلقل يصيب أحداقه

 

أبيض .. أسود

أبيض .. أسود

 

فرد تاج سبابته فجأة مستوقفا إياه عن ارتكاب الجريمة للحظة فشوشه ..

أنزل عينيه مستدركا يغلق المصحف بين يديه باحترام ومال يضعه على طاولة بجواره ثم لامسه بأصابعه في حركة مرتجة ينال القوة والصبر من كلمات الله المباركة

 

عاد بعدها للماثل قبالته منتظرا في سلام .. فأطبق أمير فكيه ببغض دفعه للسخرية وهو يلوح بسلاحه دون إبعاده عن مرمى رأس تاج " يا لك من رجل تقي ! "

لم يرد تاج كرجل ثقيل الكلام .. فمال ناحيته أمير بقسوة " ماذا ؟ .. ألست خائفا يا تاج "

 

من جديد لم يمنحه تاج ردا فصرخ أمير مضيعا صبره " رد علي ! "

 

سكن تاج في جلسته فوق الكرسي يرمق أمير الذي بدا مزعزعا نوعا ما

عقد حاجبيه قليلا ثم أجاب ببطء " مما أخاف ؟ .. من الموت ! .. أنا ميت فعلا منذ سنين بالفعل "

وجه عينيه للمسدس وأكمل متجلدا رغم قسوة التماسك " هذا المسدس رصاصته رحمة لي .. فأتم جميلك "

فغر أمير شفتيه يلهث من بينهما .. الهدوء والصبر الماثلان أمامه الآن هو نفسه لا يحس بهما رغم أن له اليد العليا في كامل الموقف

 

حرك رأسه عشوائيا " حسبت راحتك ستكون في اخراجك من هنا .. توقعت منك توسلا لا انهزاما يا حكيم "

 

رد تاج وهو يشبك يديه ببعض كأنه يعين نفسه على الثبات رغم اضطرابه لسنوات " أنا لا أتوسل إلا الله يا ولدي "

" أنا لست ولدك .. هذا أولا " نهره أمير بتعالي غليظ ثم استطرد مستخفًا " ثانيًا .. هل تخبرني أنك لا تشتاق لأهلك ! "

رفع تاج مقلتيه له وقد اهتزتا فجأة يُعيد بتعسر " أهلي "

ضيق أمير عينيه يسحبه بالكلام " نعم .. زوجتك .. ابنتك "

 

فرج تاج شفتيه وعيناه تميلان فجأة بالخيالات البعيدة حتى اختنق بهم .. وقد نال منه أخيرا ردود أفعال حية يعشش بين غرفها المهجورة وجع فهمس بإشكال " أنا .. لم .. لقد .. فقدت القدرة على .. التمني .. أنا ميت بالنسبة لأهلي حتى .. صدقت أنا نفسي "

 

أومأ أمير يجزم بجفاء " نعم .. أنت ميت بالنسبة للكل .. حتى أنا لا أصدق كونك أمامي .. أنت ميت .. مجرد وجودك الآن كذبة سينعت الناس صاحبها بالجنون "

 

رمش تاج ينظر إليه فلاحظ أمير غشاء لامع شفاف كسا أحداقه كأنما هي لمسة دموع أسى ..

 

لكن تاج عندما تحدث كان ثابت الجأش وهو يحثه " ماذا تنتظر إذن .. موتي الجديد لن يشكل فارقًا لدى أحد "

رفع أمير يده بإبهام " شيء واحد .. أخير "

ترقب تاج القادم بلا اهتمام حقيقي فأكمل الثاني بغير تهذيب وهو يدور حول الأول بخطى متمهلة " علمت من نادر .. أنك مجرد حقير بائس "

 

لم يتجاوب تاج أو يعترض فأضاف أمير " وبالضغط عليه عرفت ما ارتكبته في الماضي بحقه "

صوب تاج نظراته الذابلة له فتوقف أمير عن الحركة قبالته منحنيا يدينه بين قسوة وتهكم " أخبرني حقا .. إلى أي درجة كنت عديم شرف متسلق مستغل .. فنلت منه .. خطيبته "

 

قطب تاج ببطء فضحك أمير لوهلة انقضت سريعا وهو يردف باحتقار كأنما يرى فيه شخصا آخر " بماذا قد يشعر الإنسان وهو ينال ما ليس له .. يمد يده على ما لا يخصه ويتبجح بسرقته بكل عين وقحة .. ألا تحس بنقصان رجولتك حينها "

 

تأمله تاج بسكون ليعنفه أمير مستفزَا من سكوته " انطق قبل أن ألغي فارق العمر بيننا فترى شيئا لن يعجبك "

 

لم يهتز تاج بالتهديد وتمسك بصمته للحظات أخرى إلى أن نطق بقناعة " ماذا أقول ! .. لقد أتيت منتقما له .. وقد صدقت ما قص عليك .. بماذا يفيد دفاعي وأنت نصيره هو ؟ "

" لا خص لك بشعوري " قال أمير وهو يستقيم وأكمل " أنت انطق .. هل نلتها منه فعلا "

أطرق تاج يتمنع " لا أحب النبش في الماضي "

وجه أمير مقدمة المسدس تحت ذقن تاج يعيد وجهه له بفظاظة آلمت تاج الذي كبت تأوهه بينما أمير يأمره " لا .. لا يا حكيم .. أنا لا أستشيرك ولا أطلب منك .. أنا آمرك أن تخبرني "

 

سأله تاج " وهل ستصدقني ؟ "

رد أمير بجمود " أخبرتك .. لا خصك بشعوري "

 

هز تاج رأسه وسكت قليلا يلهث متعبا متعرقا ..

لا يحب النبش في الماضي وتشابكاته خاصة والقصص تخص أعراض ..

 

أغمض عينيه للحظة يرى فيها وجوه أهله .. فارتجف قلبه بالدعم الذي يرسمه بنفسه لنفسه

 

أعاد وجهه بتلكؤ لأمير وقال " لم تكن خطيبته .. عندما خطبتها "

رفع أمير حاجبه ولم يعلق منتظرا الإفصاح عن التكملة ..

زفر تاج بارتعاش واسترسل مجبرًا " كان قد تركها و .. ارتبط بأختها "

عبس أمير مستفسرا " نعم .. ولماذا فعل ذلك ؟ "

نكس تاج رأسه ولم يرد فأثار غيظ أمير الذي فقد كامل صبر فمال يقبض على ذقنه بقوة رجت رأسه صارخا في وجهه " نفذ صبري منك .. تكلم أو قسما رصاصة واحدة ولن يهتم أحد برجل مزيف الوجود بائس مثلك "

أحس تاج بالترنح فزاغت نظراته في الفراغ .. لكن أمير لم يكترث مترصدا به فباح تاج بصعوبة من بين القبضة المحكمة على فكه " كانت هوليا حا .. حامل منه "

فغر أمير فمه مصعوقا وهو لا زال على وضعه ممسكا به يكرر بتوجس " حامل منه ؟ .. كيف ! .. حامل و .. وهو خطيب أختها "

أومأ تاج فابتعد أمير عنه كأنه تكهرب وقد تهدل ذراعاه بالسلاح وهمس وقد باغته " كان نادر .. مرتبطا بها وبأختها ! "

سقط رأس تاج للخلف يلهث بعناء ومجهود شاعرا بالدوار فلم يرد

 

كان أمير يشاركه شعور الدوار أيضا مع اختلاف الأسباب ..

حيث أن هناك حقائق تكون جنونية التصديق إثر ما يسكن طياتها من مفاجآت صاعقة .. تضرب عقل الإنسان فترج أرض عالمه !

 

نظر أمير لتاج الذي حاول رفع وجهه مجاهدا فهمس أمير بشك مترنح " ما الذي يجعلني أصدقك "

أومأ تاج مجيبا بتقطع " نعم .. هذا ما قلته لك قبل أن أتكلم .. لماذا تصدقني بينما أنت من .. أنصار نادر "

 

غطى أمير عينيه بكفه وآلاف الاحتمالات يتناطحون برأسه .. ليسمع صوت تاج يواصل بإنهاك " أنا لم آخذ شيئا منه .. هو المريض الذي دمر كل حياتي ولا يكتفي مهما نال مني القهر .. لذا كن أنت رحيما واقتلني "

 

أنزل أمير كفه يرمقه بعينين مضببتين فأضاف تاج " أنا .. لولا خوفي من الله وأن أخسر الآخرة كما خسرت الدنيا .. كنت قتلت نفسي بنفسي .. افعلها أنت "

" كفى .. توقف .. اخرس " صرخ أمير غاضبا من تحديه

فأعصابه منهارة ولا يجد سبيلا لروية التفكير كي يهتدي وكلمات تاج لا تساعده

 

غضب أكثر من الأصوات برأسه .. فأطلق صرخة مهتاجة وهو يطلق رصاصة عشوائية ضربت زجاج النافذة فانفجر متناثرا لشظايا

 

انتفض جسد تاج تلقائيا يغمض عينيه إلا أنه لم يتفوه باعتراض

 

رفع أمير كفه المهتز يعيد خصلاته للخلف ثم قال فجأة بصوت غريب " أنت محتجز هنا منذ خمس سنين .. صح ؟ "

لم يرد تاج فالتفت له أمير محذرا مستشيطا منه .. ليبلغه تاج بشحوب " لا .. أنا أتيت هنا بعد أن خدرني ونقلني قبل وقت لا أذكره تماما لكنه قريب "

 

عقد أمير حاجبيه بتوجس يسأل من بين لهاثه مرتابا " أين كنت قبلها إذن ؟ "

سكن تاج للحظتين ثم رد " في مصحة نفسية "

 

" ماذا " ردد أمير بصدمة وعقله تلقائيا يداهمه بذكرى لبطاقة سقطت من سترة نادر تخص عنوان مصحة ما .. يذكر حديث نادر الغامض وأسلوبه المظلم الذي لم يهتم به حينها ..

 

ولكن .. الآن !

 

عاد بعينيه إلى تاج المنتظر للقادم بإيمان وتحمل فردد أمير غير مصدق " مشفى مجانين ! "

حينها انهار يجلس على كرسي وهو يترك سلاحه نهائيا يردد مذهولا من جميع أحداث حياته مؤخرا " دوما حسبت نفسي الرجل الأكثر شرا وحقارة "

رفع عينيه لتاج مستكملا وقد بُهت " لكن انظر لأحداث الماضي ونتائجها .. أي جنون هذا ! .. أي جنون ! "

 

.........................

 

" تبدو مريضة جدا .. صح ؟ "

همست سلمى بصوت خفيض خشية التسبب في الازعاج ..

أومأت مريم بخفة متفقة معها بينما يراقبان معا انتصار النائمة تئن قليلا بوجه منهك بين حين وآخر ولا تستجب لهما ..

 

خرج سلطان من الحمام يجفف خصلاته فتفاجأ بهما جالستين على السرير ليعبس قائلا " ماذا ت .. "

" شششش " همستا له بصوت واحد وكل واحدة ترفع سبابتها لفمها في اشارة له كي يسكت

 

ازداد عبوسه مقتربا بعدم فهم فنبأته سلمي سرا " ماما مريضة .. انظر لها "

بقلق كان ينحني جالسا فوق السرير يبدأ بتفحص زوجته وقد بدت شاحبة الملامح تفغر فمها ومرهقة جدا

 

تنهد وهو يمسد فوق جبينها ورأسها برقة .. ثم أشار للفتاتين بالخروج تجنبا لمضايقتها ..

 

مال يطبع قبلة خفيفة على جبينها ثم نهض متبعا بنتيه ..

لقد أنهكت نفسها جدا هذا الأسبوع وانشغلت كليا بالمشاركة في التجهيز لعقد القران المشترك وكذلك خطبة حسن التي سبقته

 

فعلقت بين التنظيف والمساعدة بالطبخ والاشراف على كل شيء رغم أنه حرص على وجود المساعدين والطهاة ..

 

وكل هذا بجانب حملها الصعب كان شاقا عليها فتبدو الآن نائمة بعمق غير معتاد منها لدرجة أنها لم تشعر ببناتها ولا به ولا حتى بالرنين المنبه الذي تستيقظ عليه لأجل تجهيز الطفلتين للذهاب للمدرسة

 

توجه نحو المطبخ حيث الطفلتين وقد كانت مريم تفتح كل أبواب الثلاجة تبحث بعينيها عما يمكن أكله قبل أن تتنهد مقترحة " هل نشتري جاهزا أفضل ! "

ابتسم سلطان متدخلا " صباح الخير حبيبتاي "

نظرتا له يرددان التحية مبتسمتين فعرض " حسنا .. بما أن ماما متعبة بعض الشيء .. فنحن مضطرون لمعاونة بعض هذا الصباح "

تبادلت مريم النظرات مع سلمى والأخيرة أخبرته ببراءة " أنا وسلمى سنعتمد على شراء أكل جاهز اليوم في المدرسة .. لا تقلق أبي "

 

عبس سلطان رافضا " بالطبع لا .. أمك ترفض أمر الأكل الخارجي هذا حيث غير مضمون المصدر ! "

سألته مريم بدهشة " ماذا سنفعل إذن .. نقضي اليوم على لحم بطوننا "

اقترحت سلمى بتفكير " أو ننزل لسارة ؟ "

رد سلطان وهو يدنو من الثلاجة باحثا فيها " لا هذا ولا ذاك .. سارة نامت متأخرا بدورها .. أنا سأعد الافطار "

" أنت ! " كررت سلمى بقلق فأضافت مريم متشككة " هل يمكنك إعداد شيء صالح للأكل ؟ "

ضيق عينيه يرمقها مغتاظا " هل تتندرين عليّ ؟ "

رفعت حاجبيها تبرر " أنا فقط أسعى للعيش بسلام ! "

" اغلقي فمك يا مريم .. أو بخف أمك البيتي وأناولك " توعدها ساخطا من بين أسنانه فتذمرت وهي تتكتف تلوي فمها " ما هذه الأسرة التي رزقني بها الله ! .. لا تدرك شيئا عن مفهوم التربية الإيجابية "

امتعض سلطان وهو يبدأ بإخراج زجاجة الحليب ويصب منها بحذر في كوبين " أنا راضي ذمتك مع إنها مطاطية .. هل أنتِ شكل طفلة تتلقى تربية ايجابية ! "

 

انفجرت سلمى في الضحك على شكل مريم التي اكفهرت تحتج بثقة " هذا ليس أسلوب تنشئة سويا على الاطلاق .. وعلى فكرة .. قد تتسبب لي في عقدة نفسية عندما أكبر يصعب حلها "

تأملها سلطان بوجوم للحظات مثل سلمى التي توقفت عن الضحك ترنو لها بغباء .. فسأل سلطان مريم " هل تفهمين أصلا معنى قولك ؟ "

أجابته ببساطة " لا .. صباحك فُل "

 

عادت سلمى تضحك بقهقهة عالية ترد بشعبية مكتسبة " صباحك قشطة "

 

ابتسم سلطان يهز رأسه يائسا ثم أشار لهما " هيا تناولا الحليب "

أخذت سلمى كوبها تتناوله فورا بتلذذ بينما اعترضت مريم كعادتها " هل نشربه باردا ؟ "

أجاب سلطان بمنطقية " يكون رائعا وهو بارد .. ثم أن الجو حار .. لن نقف لبعض على الواحدة منذ بدايتها .. اصطبحي وقولي يا صبح ! "

 

تأففت مستسلمة تشرب بعضه بتردد متحاملة وهي أصلا لا تحب الحليب ..

 

انهمك سلطان بعدها بوجه عابس مركز في اعداد افطار مناسب .. ومهما جاهد لا يكون مناسبا أبدا

حيث كان الفشل مدويا كارثيا فانتهى به الحال يترك ما بيديه حانقا ويقترح اعداد شطائر الجبن فقط

 

تخصرت مريم " هل سنأكل أصناف الجبن وحدها ؟ "

مط شفتيه ولم يتوقف عن صناعة شطائر متدمرة الشكل يرد " أنا بعمرك يا مريم كنت أتناول نوع جبن واحد إن تذوقت منه الآن سيغشى عليكِ .. ألفه في كيس بلاستيكي وأضعه في حقيبتي المدرسية بمنتهى الثقة والأناقة .. وإن كان الزهر قد لعب معي .. فآخذ شطائر اللانشون "

 

ضحكت سلمى تتخيل والدها طفلا بزي مدرسي .. بينما هو أمرهما " هيا يكفي ثرثرة قرفتما رأسي منذ الصباح .. هل غسلتما أسنانكما اصلا ؟ .. اذهبا وبدلا ملابسكما بسرعة خلصاني "

 

تنهدت مريم بفقدان أمل .. و تحركت مع أختها لتبديل ملابسها والتجهز سريعا بينما ظل هو مكانه يغمغم " عجبت لك يا زمن ! "

 

فتحت انتصار عينيها متململة .. نظرت للسقف قليلا فأحست بالدوار يهاجمها ..

سحبت الأنفاس تتمالك نفسها قبل أن تتسع عيناها تشهق فجأة باستذكار " يا إلهي .. المدرسة .. البنتان ! "

 

هبت من رقدتها حد أن عاد لها الدوار عنيفا .. إلا أنها تمالكت نفسها وركضت تتأكد من نوم أمل بخير وغادرت الغرفة بعجل وهي تعقص شعرها كيفما كان

 

دلفت لغرفة الطفلتين مندفعة فتسمرت وهي تكتشفها فارغة .. قبل أن تتساءل أو تنادي أتاها صوت من الصالة لمريم تتوجع مستاءة " آه يا بابا .. قطعت شعري "

 

قطبت بعدم فهم وسارت بخفة تتبع الصوت حتى وقفت متسعة العينين تشاهد في الخفاء سلطان يجلس على الطاولة بمنتصف الغرفة و مريم أمامه بينما يقول بسخط " اثبتي فقط دعيني أربطه لكِ .. كلما رفعته فالربطة تنفتح من جديد "

 

هزت مريم رأسها بيأس قائلة " أصلا المفروض تصنع لنا الضفائر "

أجاب ممتعضا " هذا الناقص ! .. وهل أفلح في رفعه كذيل حصان بائس حتى أصنع ضفيرة ! "

نفخت تلوح " هذا ليس حصان يا أبي .. هذا ذيل حصان شد عن حظيرته "

" اخرسي يا مريم .. خف أمك جواري " هددها لتتكتف ملبية ببرطمة مكتومة ..

 

انتهى يتركها أخيرا وهو ينفخ براحة وقد حُلت المعضلة متباهيا بإنجازه

ابتسمت سلمى تشكره بدعم وامتنان بينما مريم مسدت على خصلاتها تتأكد منها قبل أن تقول مشاكسة " لا بأس به "

حدجها سلطان بغيظ " الآن عرفت سبب استخدام أمك لخفها دائما معك "

تأففت مريم " ها قد عدنا للتربية الغير متحضرة بالمرة "

 

ارتفع رنين الهاتف البيتي فقال سلطان " هيا .. غالبا الحافلة وصلت .. هيا لتلحقا بها "

أومأت كلتاها بهدوء وحملت كل طفلة حقيبتها وهو يصطحبهما نازلا بهما غير منتبه لانتصار بينما يمنح كل واحدة مصروفها ويبدأ بإمطارهما بالوصايا وألا تترك أحدهما أختها والتأكد أن أخذتا الشطائر و زجاجات المياه المخصصة لهما ..

 

ثم ودعهما عند البوابة بالأسفل ملوحا والحافلة تنطلق بهما

 

صعد مجددا بخطى متراخية يعود لزوجته بينما يفكر مذهولا

هل حقا امتلك القدرة على ادارة موقف كهذا كان دوما بالغ الصعوبة والتعقيد بالنسبة له !

 

لقد أعد الافطار وأجاد الاعتناء بابنتيه وجهزهما ليومهما المدرسي دون ارتكاب حوادث باستثناء بعض الخصلات التي قطعها من شعر كل واحدة !

 

ابتسم وهو يدلف لشقته يفكر بأن كل هذا نتاج العشرة مع امرأة دافئة كانتصار

 

توجه شاردا ناحية المطبخ يحاول ترتيب المكان الذي أشاع فيه الفوضى .. حتى أنه غسل بكميات صابون مبالغ بها ما استخدم من أطباق وملاعق ووضعها كما تفعل انتصار في مكانها لتجف من الماء

 

استدار لمغادرة المكان فتسمر محله وهو يرى انتصار أمامه تنظر إليه بعينين فاغرتين يحدهما الذهول

دنا بقلق منها " صباح الخير انتصار .. لماذا استيقظتِ ؟ .. هل أزعجتك ؟ "

رمقته مطولا تهمس " البنتان "

قاطعها مطمئنا " ذهبتا للمدرسة .. لا تحملي همًا "

قطبت ولا زالت تحدق به على نحو غريب حتى فاجأته بأن دمعت عيناها فعبس يسأل " انتصار ؟ .. ما بكِ ؟ .. ماذا حصل ! "

 

ابتلعت ريقها تهمس بتأثر مفاجئ " رأيتك وأنت تمشط لمريم شعرها "

هزت رأسها مكملة " هل اهتممت بهما فعلا "

أجابها متريثا ببعض الزهو " نعم .. وأخذتا شطائر والمصروف وتلك الزجاجات الملونة الخاصة بالماء "

شهقت بخفوت مختنق قائلة " لماذا لم توقظني ؟ "

رفع كفه لوجنتها يرد بحنو " بدوتِ متعبة "

 

زاد عبوسه ودمعة تنزلق منها هاتفا " يا امرأة ما بكِ على الصبح ! "

 

شهقت تسند كفيها على صدره معللة " أنت لطيف جدا يا سلطان "

" لطيف ! " أعاد مستنكرا الوصف الطري الذي لا يليق به .. فضحكت بحشرجة موضحة " رغم كل جلافتك يا سلطان .. لكنك تثير كل عاطفتي عندما تتصرف كأب "

ابتسم لها قائلا " هل تعتقدين أني أبليت حسنا كأب "

رفعت أناملها تتحس شعيرات ذقنه البيضاء ثم تمدهم ناحية الخطوط الرقيقة جانب عينيه المبتسمين وهمست " أنت أروع أب "

 

ضحك مداعبًا " ماذا عني كزوج "

ضحكت برقة من بين تأثرها ترد بسؤال مكرر " لماذا لم توقظني للبنتين "

رد ببديهية " أخبرتك .. أنتِ متعبة جدا .. لقد أجهدت نفسك الفترة المنصرمة أيضا رغم حملك "

أومأت مقرة بفخر " لذا .. أنت أفضل زوج "

ابتسم وقد استثار فمال يضم جسدها إلى جذعه هامسا بخشونة " أنتِ مثيرة بحملك وهرموناتك المتفجرة هذه منذ الصباح "

أغمضت عينيها تخبره بنعومة " كنت تبدو حنونا جدا وأنت تساعد البنتين .. وأنت تغسل الصحون "

رفع حاجبيه يطالعها بابتسامة متعجبة لتضيف " وأنت تفعل أشياءً لم تعتدها يوما .. لأجلي أنا ولأجل بناتك "

 

رفع كفيه مطوقا وجهها " أخشى عليكِ من التعب يا انتصار .. أتعب لو رأيتك تتعبين .. تمرض كل دنياي "

تمسكت بكفيه مشددة ممتنة لكلماته العذبة التي ترطب على قلبها .. فمال لفمها يهديها قبلة صباحية طالت وبادلته قوتها حتى زاغت مترنحة .. أسندها على الفور ينطق اسمها بقلق من بين لهاثه وقد علم بهجوم نوبة دوار جديدة مألوفة كل صباح

 

انحنى وبحركة سريعة رفعها عن الأرض يوجهها " أنتِ بحاجة للراحة يا انتصار .. هيا لتعودي للنوم "

 

دلف بها لغرفتها وهي مستكينة تحتضنه إلى أن وضعته على السرير فقالت متشبثة به " ابق اليوم "

ابتسم يقول " العمل يا انتصار "

تذمرت تعانقه " أرجوك .. خذ إجازة اليوم فقط .. أريد النوم فوق صدرك "

تنهد يغمغم بتخاذل " هل تتدللين "

لم تتنازل قائلة " ليكن .. دللني كبناتك .. ثم أنك كنت ستعود سريعا لأجل الوليمة التي تجهزها أمك على الغداء "

 

تنهد قليل الحيلة مستجيبا لها فابتهجت تسند رأسها على صدره براحة تغمض عينيها بينما تستعيد صورته وهو يمشط البنت وينظف ويهتم بالمطبخ

ابتسم ثغرها قليلا .. كان متخبطا بقلة خبرته يحاول التعامل بحرص مع خصلات الطفلة بالقدر المستطاع

 

حتى وهو يغسل الأطباق البسيطة كان بطيئا متمهلا وكأنه يخشى أن يكسر شيئا دون قصد

هذا الرجل خُلق ليكون مجرد طفل يحتاج للرعاية فقط !

لكنه حديثا يجاهد كي يكون طفلا مطيعا ..

 

رفعت وجهها له فنزل بعينيه يرنو لجمالها بصمت حتى قالت وهي تتثاءب بإرهاق ونعاس " هل أخبرتك كم أنت لطيف كأب "

ضحك يهبط لها بوجهه " لمَ لا تخبريني كم أنا لطيف كزوج أفيد "

ابتسمت بخفة مجيبة " كزوج ! .. لا طبعا .. أنت لست لطيفا "

عبس مستنكرا فوضحت بذوبان " أنت خشن فظ .. حااار "

ابتلع ريقه وقال " ما بكِ منذ الصباح "

عادت تتثاءب مكملة " رجولي جدا .. متعنت .. غامض .. لكن كل طباعك المقرفة هذه أحبها "

رفع حاجبيه معيدا بحنق " طباعي المقرفة ! .. الألفاظ سعد ! "

 

أومأت له تكاد تغفو على نفسها إلا أن كفاها يصران على العبث معه تهمس " أنت زوج مثييييير يا سلطان "

" سلطان ينهار أقسم بالله " غمغم وهو يلصقها به فرفعت وجهها تدغدغ رقبته " أود أكلك "

 

تنحنح سلطان ينظر لهيئتها المنهكة فيقاومها بصعوبة " انتصار .. كفى .. أنتِ تحتاجين للنوم "

ابتسمت له بإغواء عفوي جعله ينبهها بخفوت " لا تتلاعبي .. فتتعبي "

" حاضر " رضخت بوداعة إلا أنها جذبت وجهه تنال قبلة اشتهتها منه زادت الأجواء سخونة

 

لكنها كانت متعبة فعلا فلم ينجح الالتهاب في إفاقتها .. وما هي إلا لحظات حتى كانت تستسلم للنوم تسند رأسها في تجويف رقبته تاركة إياه يضحك في يأس معذب
 


……………………..

 

" نورين .. نورين .. نوري .. صغيرتي استيقظي "

نادتها مياسة وهي تميل عليها لتمسد فوق وجنتها تارة وتتلاعب في شعرها تارة أخرى

 

همهمت نورين تتململ بانزعاج وهي ترفض الاستيقاظ .. ابتسمت مياسة بصبر " أفيقي يا نوري .. هيا يا عروس "

ابتسمت شفتاها كروحها التي انتعشت فورا مع اللقب الأخير .. فتحت عينيها تبصر الفراغ بعينين ساهيتين في ليلة قريبة مذاقها يختلف عن أي ليلة قضتها طوال عمرها القصير ..

 

" بماذا تفكرين يا وقحة " لاعبتها مياسة فضحكت نورين متذمرة " ما بكِ تلبستك روح ليل ! "

" أنا من تلبستني روحها ؟ " سخرت مياسة وأضافت مقلدة " مياسة .. انجديني .. أريد طلاء الشفاه ضروري "

 

شهقت نورين تغطي وجهها بحياء متذكرة ما حدث ليلا

عندما اكتشفت بهلع متأخر أن زينتها قد خربت .. فلجأت لمياسة ترسل لها مضطرة بخجل أنها تحتاج لطلاء الشفاه بينما حسن كانت منفجرا في الضحك وهو يتناول عشاءه متلذذا ..

 

حينها ارتبكت مياسة بالخارج ثم استأذنت أنها نسيت منح العروسين كوبي العصير

 

فوافق عمر على الفور كي تقاطعهما بينما أم سلطان همت بالاعتراض لولا لكزة مياسة لها في الخفاء والتي فهمتها الأولى فسكتت

بينما دلفت مياسة لنورين المرتعبة وهي تحمل العصير وأخرجت الطلاء تساعد نورين لوضعه بينما حسن كتم الضحك يدفن وجهه بين مرفقيه فوق الطاولة مثيرا الغضب الطفولي في نفس نورين

 

" هيا .. هياااااا انهضي .. أم كثرة التقبيل خدرتك "  ضجت مياسة وهي تهزها بقوة ممازحة فشهقت نورين مفزوعة " شششش .. ألم تقولي عمر نام بالصالة "

كتمت مياسة فمها متفهمة فتعصبت نورين بغيظ لتقول الأولى مهادنة " هيا .. استيقظي يا نورين .. أنا أعد الافطار .. سنتناوله معا قبل ذهابنا لأم سلطان "

 

نظرت لها نورين بسعادة في الحال " سنتناول غدائنا معهم اليوم "

أومأت مياسة بمرح " نعم .. مع حبيب القلب .. لكن كوني مهذبة .. هااا ! "

 

ضحكت نورين بخفر إلا أنها ردت تلاعب حاجبيها المرسومين " بعد ما جربته بالأمس .. لا أعدك بتمام التهذيب "

 

شهقت مياسة متفاجئة قبل أن تجاريها ضحكًا حتى ضربتها بخفة آمرة " انهضي يا مجرمة كأخيكِ هيا .. كفى تقاعس "

 

عادت نورين للهمهمات تتمطى بدلال في السرير " سألحق بكِ "

أومأت مياسة تطبع قبلة قوية على خد نورين التي تجعد وجهها تضحك لتغادر مياسة وتتركها في مكانها تتنهد وتسبح في ذكرى الأمس

 

خرجت مياسة من الغرفة فوقعت نظراتها على منظر عمر النائم فوق الأريكة

لفظ الغطاء عنه ، ساعده يغطي عينيه وذراعه الآخر مرمي واصلا للأرض تماما مثل ساقه الطويلة بينما الساق الآخر ممتد فوق المسند وقد كانت الأريكة لا تتحمل طوله

 

ابتسمت تهز رأسها متوجهة للمطبخ " عشوائي ! "

 

تنهدت تعود لإتمام صنع الافطار شاردة .. بالأمس بعدما رحلت أم سلطان بابنها أنهت هي ترتيب المكان وغسل الصحون ثم دلفت الغرفة لمساعدة أختها على خلع الفستان ..

 

وعندما خرجت من جديد وجدت عمر وقد غط في النوم فوق الأريكة من شدة تعبه الأيام الفائتة

أشفقت عليه من إيقاظه ليرحل لشقة صاحبه .. فدلفت للغرفة تجلب غطاءً خفيفا تغطيه به .. تململ يفتح عينيه للحظة و عاد يغلقهما هامسا بلا وعي " بغاشتي الشهية "

 

ابتسمت تلقائيا عند ذكر هذه اللحظة .. فأجفلها صوته يتشدق " أراهنك .. تفكرين بي "

التفتت له وسرعان ما صدته بعبوسها الذي لم يركز عليه قائلا بشقاوة " نهارنا أبيض بالصلاة على النبي "

 

أعادت مقلتيها لما تصنع فدنا يتفقد ما تفعله .. قبل أن يمد يده ليتناول بعضا من أصابع البطاطس المقلية

 

أجفلته وهي تضرب ظاهر كفه بيد حازمة تنهاه " لا تمد يدك "

تأوه متذمرا " لماذا تضربين .. هل أنتِ بخيلة "

ردت بجدية دون مطالعته " لست بخيلة أنت هو عديم الصبر والذوق "

تنهد وهو يستسلم جالسا فوق الطاولة المتينة " كل هذا ولست صبورا ! "

 

لم تلتفت له تدعي التجاهل فابتسم يشاركها " أنا كنت معتادا التطفل على أمي وتناول نصف الأكل حتى تنتهي تقريبا "

مطت شفتيها بلا مبالاة " أمك دللتك إذن "

 

" ألن تدلليني يا بغاشتي " قالها متملقا فنظرت إليه بعينين متجهمتين وسرعان ما تراجع العبوس أمام طفولية ابتسامته فابتسمت بداخلها

 

أبعدت نظراتها عنه فتبجح " غدا تعتادين على تصرفاتي عندما يجمعنا بيت واحد "

ردت عفويا تتحداه " أنت من ستعتاد على طباعي حينها أعدك "

 

سكت .. فسكتت

تجمدت للحظات تستدرك ما تفوهت

تصنعت ضحكة قصيرة مصححة بلباقة " الحياة مع نورين تدفع الانسان للنطق بأشياء عفوية غير منطقية أحيانا "

 

لم يشأ تخريب اللحظة بمعاندتها فتستنفر منه .. فاكتفى بأن ابتسم متجاهلا جملتها الأخيرة مما زاد منها تحرجا لكنها سيطرت على نفسها ملتزمة الصمت

 

بدأ بتأملها وهي منخرطة بهمة في صنع افطار يعلم مسبقا أنه شهي قبل حتى أن يتذوقه

لقد اشتاق للأكل من يديها الماهرتين

 

سرح فيها .. ترتدي بنطالا بيتيا أزرق اللون يعلوه بلوزة بيضاء بأكمام قصيرة بينما ترفع شعرها كذيل حصان عالي فانسدل متماوجا طبيعيا يصل بطوله لما بعد كتفيها بقليل

 

منمقة ، راقية ، مرتبة وأنثوية جدا

يا إلهي .. إنها جميلة لدرجة مبهرة

تنبه لها وقد التفتت له بعسليتيها ما أن طال السكون وكأن نيران عينيه المحاصرتين لفحتها

لم ترتبك .. وإنما بادلته التأمل بهيئته الغير مهندمة

 

بفانلته الداخلية وبنطاله الجينز الذي غرق في النوم منهكا قبل أن يبدله حتى .. شعره البني متناثر في كل مكان حتى تهدل بعضه على جبينه

 

عشوائي ، همجي ، طفولي غير مهندم المنظر !

 

إنه مريع ورغم ذلك يبدو وسيما جدا ولا تعلم كيف !

 

توقفت للحظة عند وحمته الظاهرة فوق منتصف صدره وتلكأت .. تتبع نظراتها بفهم وشاكسها " هل تروق لكِ الوحمة ! "

لم تجفل وهي تهمس بهدوء " تبدو داكنة عن المعتاد "

ابتسم لها معللا " موسمها "

ضيقت عينيها تردد " موسمها ! "

أومأ مؤكدا فرفعت حاجبها قائلة " لا أصدق أمر أن تتوحم المرأة على شيء وهي حامل فيخرج في جسد الطفل "

مط شفتيه لا يجد تفسيرا يقنعها به فأردفت بتردد " لكن .. فرضا حدث .. فإلى ماذا تشير تلك الوحمة بالضبط ؟ "

 

" الباذنجان " قال وهو يقفز من جلسته يدنو منها فرمقته باستنكار وقد أحست بأن إثارة الفكرة تفرقعت بنوع الثمرة الغير عاطفي !

 

أسند كفه فوق خزانة المطبخ واقفا بجانبها بميل يقول " نعم .. توحمت أمي على الباذنجان .. ماذا تتوقعين أن تتوحم يعني ! "

عبست تنظر للوحمة والفكرة لا تروقها .. لماذا قد تتوحم امرأة في طفلها على باذنجان !

ما المغري في الباذنجان !

 

لم تدرك أنها نطقت بالسؤال الأخير إلا عندما ضحك .. تنحنحت تسأل " أقصد .. هل هذا موسم الباذنجان يعني لذلك تحولت لداكنة أم ماذا "

 

ابتسم فتأففت " لماذا تبتسم هكذا "

رفع حاجبيه مبارزا بحاجب مرفوع " لماذا أنتِ مهتمة بوحمتي "

" لست مهتمة " أنكرت فورا فلم تتزحزح ابتسامته المغيظة لتعود لأطباقها تفتعل انشغالا " أنا المخطئة أني أكلمك "

 

لم يرد وهو يراقبها للحظات حتى قال بخفوت مثيرا " أشاركك سري "

استرعى اهتمامها فطالعته بدقة ليهمس " لا أشاركه مع أحد عادة بل لا يعرفه إلا أسرتي وكنت دوما أجادل تلك الحقيقة "

 

عقدت حاجبيها تستفهم بوجوم خارجي " أي حقيقة ؟ "

صمت للحظة مشعلا فضولها حياله رغم جودة اخفائها ليعلن " ليس الباذنجان "

رفعت حاجبيها متعجبة " عفوا ؟ "

ابتسم يفشي باختصار " التوت "

" التوت " رددت همسته مأخوذة فأومأ لها ببطء .. نزلت مقلتاها تلقائيا وقد بدت الاجابة أكثر منطقية و .. إغواءً !

 

وهي حقا لا تعلم لماذا قد تغويها وحمة مستفزة توتية الرسم !

 

تنحنحت تبعد وجهها قائلة ببرود مصطنع " لماذا قلت الباذنجان إذن .. التوت يبدو منمقا أكثر "

استهجن الفكرة " أنثوية جدا ! "

نظرت له بدهشة فلوح ممتعضا " لماذا قد تتوحم أم في ابنها على توت لا أفهم ! .. فكرة مائعة "

 

اتسعت عيناها من منطقه الغريب ككل طباعه الغير مألوفة فرفع سبابتها محذرا " إياكِ يا مياسة أن تتوحمي في طفلنا على أشياء كتلك .. يُفضل لو لا تتوحمي فهذه الأمور خانقة أصلا ولا صبر لي عليها "

 

طالعته بغيظ قائلة من بين أسنانها " أوامر أخرى ! "

" ما بكِ " سأل ببراءة فحدجته " تبدو مجنونا كعادتك .. هذا بجانب جلافتك المتأصلة يعني ! "

 

قالتها واستدارت عنه تسبه في سرها .. اللعنة عليه دمر إعجابها الوليد بالوحمة

 

ضحك من خلفها بمرح كأنه يتسلى " لماذا غضبتِ الآن ! "

" أنت بغل يا عمر " أجابته ببساطة فتقدم منها " أمي كانت دوما تقول لي ذلك كلما رفضت فكرة أنها توحمت في على توت "

حدقت به بجمود للحظات حتى استسلمت تبتسم قانطة منه ومن أفعاله ..

 

رمقته مطولا فحادثها لها فجأة " أمي كانت ستحبك لو قابلتك "

 

أحست بالتأثر ولا تعرف لماذا !

ربما لأنها بالفعل تمنت لو أمكنها مقابلة تلك المرأة التي ربت فتاة كنورين وأنجبت رجلا كعمر

تماما مثل أبيه .. الحاج طارق المنسي .. والذي سمعت اسمه يتردد كثيرا بفخر واعتزاز بين الألسن المترحمة عليه

 

أكمل لها شاردا في تفاصيل وجهها الأسمر " كانت دوما تخبرني أني لا يليق بي إلا امرأة مختلفة .. رغم أنها لم تكف عن دفعي للزواج إلا أنها لم تفقد إيمانها أني سأجدها يوما تلك التي ستروضني "

ابتسمت دونا عنها " وهل وجدت من تروضك "

بادلها التبسم يعترف " انتهى أمري والذي كان قد كان "

 

أسبلت أهدابها فبدت اللحظة بينهما وديعة جدا .. مسالمة جدا .. شديدة النعومة على عكس عهدهما الدائم

تألقت نظراتها نحوه دون مواراة فنبض قلبه وللحظة تمنى لو كانت حلاله ليرد نظرتها بما يلزم

هزت رأسها لاهية عن أفكاره " يبدو أنك كنت مميزا لدى والديك "

 

" ولدى أخته والله "

قاطعهما صوت نورين الكسول عند باب المطبخ والتي استدركت بمكر " هل أقاطع شيئا لا سمح الله "

التفت لها عمر بغيظ قائلا " مفرقة الجماعات "

ضحكت ملوحة بسلام تتراجع " لا جعلنا الله من المفرقين يا عم .. عش حياتك

 

غمزت نحو مياسة متابعة " فقط أردت أن أؤيد الفكرة .. عمر ليس مميزا فقط لدى أبويه كابن .. عمر مميز في كل علاقة ومكان "

تنهدت تفرد ذراعيها ويكاد عمر أن يسمع بصوت الطبلة يعلو من بين باقي استرسالها " سدي الشامخ .. جبلي الثابت .. أخي .. أبي .. صديقي وحامي الحمى .. ليتني فداءً لك يا زينة الشباب أنت "

 

تسمرت مياسة تراقبها بتعجب بينما تتقدم من أخيها " خدمة أخرى "

رفع قبضته ضاربا قبضتها بجدية " حبيبي تسلم .. طمرت فيكِ التربية والله "

لوحت بإصبعيها وتوجهت للحمام لغسل وجهها كي تفيق فضحك عمر يعود لمياسة " إنها تبالغ .. أعلم "

 

رفعت مياسة حاجبيها تشرد قليلا ثم قالت بإدراك " الغريب أنها لا تبالغ يا عمر "

رنا لها بصمت فأكدت وهي تتكتف " رغم مسرحية أسلوبها .. لكنها صادقة بكلماتها "

لم يعقب فأسدلت رموشها جازمة في غفلة عن برودها الصلد " أنت رجل استثنائي يا عمر "

 

ابتسم لها بوله صريح يقر معها " وأنتِ امرأة استثنائية يا مياسة "

لم ترد عليه فاستقام من استناده على الخزانة وقد عادت له شقاوة الطباع " تعالي نضع استثنائيتي على استثنائيتك ونجلب استثنائيات صغار .. ما رأيك ! "

اتسعت عيناها من العبارة قبل أن تقهقه بأنوثة " أنت مفقود فيك الأمل و الله ! "

 

............................

 

عقب ساعات ..

 

أصرت أم سلطان على حضور ليل بينهم .. عندما وجدتها غائبة عنهم .. اتصلت بها وبتسلطها حاصرتها تخبرها أن الغداء لن يتناول منه فرد إلا عندما تأتي مشاركة

ورغم تملص ليل المذعور وقد كانت منتفخة الوجه من شدة البكاء طوال ليل .. إلا أنها لم تجد بدا من الإذعان خاصة وأم سلطان كانت عازمة لا يثنيها شيء بل وأمرت بإرسال السيارة مخصوصا لتجلبها

 

لقد سألت سلطان عن العلاقة المفاجئة بين ليل ومياسة .. فأخبرها سلطان وقد كان جاهزا مسبقا لسؤال أمه الفضولي أن ليل تملك عائلة غنية إلا أنها منبوذة منهم بسبب قسوة مشاعرهم معها

وأخفت الحقيقة هذه عن فجر بشكل ما وعندما اكتشفها وقع الانفصال بينهما يتمهما بالتحايل عليه

 

و هذه القصة جعلت ليل هي الضحية وكفتها مالت لدى أم سلطان و التي أشفقت فورا على البنت مؤيدة مباشرة أنها فعلا تبدو يتيمة دون افتعال .. ولا يحق لفجر رفضه لزوجته مع أول مطب بينهما

 

إلا أن سلطان أبلغها حريصا ألا تتدخل فالوضع حساس وفجر لا يحب مشاركة الأمر مع أحد

 

فوافقت لكن رضوخها لم يجعلها تتناسى ليل وها هي الآن تصدم فجر بحضورها

وقد كان الأخير بدوره شاردا طوال وقت الغداء مثلها تماما وهما النقطة الوحيدة الحزينة في الوقت السعيد

 

كانت الطاولة عامرة والأحاديث الجانبية تجعل لبيت الجوهري حسًا ..

حتى أم سلطان نفسها منخرطة في حديث جانبي مع أم انتصار بجانبها يتناقشان حول التوابل التي صُنع بها الدجاج اللذيذ

مد حسن كفه يمسك كوب الماء يشرب منه بينما يعبث بهاتفه قليلا .. رن هاتف نورين وقد كانت جالسة قبالته مباشرة تفتح الشهية باحمرارها الذي لم يخفت منذ قابلت عينيه المناغشتين

أمسكت بالهاتف عفويا فوجدتها رسالة منه .. ارتبكت بحياء ونوعية رسائله منذ الأمس تزداد حرارة فرفعت عينيها لعمر تجده مشغولا بالتحدث إلى مياسة

 

فتحت الرسالة فقرأت ما كتب بخجل ( أنا شبعت .. ألن نحلي ؟ )

عضت على شفتيها تعلم ما يلمح له إلا أنها ادعت الغباء ترد ( اسأل أمك .. هي المسؤولة عما صنعت من حلويات )

كبت ضحكته عن مراوغتها وغازلها

( أنتِ الحلويات كله )

لم ترد عليه فعاد يكتب مُلحا ( أريد التهام حلوى قطن )

تعاظم توهجها حتى نظرت حول منها تخشى الفضيحة ثم ردت بارتجاف ( تأدب يا حسن .. سأضحك وتكون كارثة )

ابتسم رافضا يشاكسها ( زمن التأدب قد ولى يا زوجتي الصغيرة )

كتبت له متذمرة ( ماذا تريد )

نظر حول منه سريعا ثم طلب فجأة

( اصنعي الشاي )

لم تفهم مستنكرة ( هل تريد مني أن اصنع لك الشاي من بدايتها )

كاد يضحك لكنه وضح ( أنا سأنهض للحمام .. أنتِ انهضي للمطبخ وأصري على صنع الشاي )

بتوجس سألت ( لماذا ! )

أجاب ببساطة ( سآتيكِ للمطبخ )

اتسعت عيناها من الفكرة المتهورة تغض النظر عن الإغراء فيها وردت ( لماذا ! )

رفع عينيه لها ولم يحتج للرد كتابيا .. كادت تشهق وهي تنظر للجالسين ثم كتبت ترتعش ( حسن .. توقف .. ماذا دهاك حقا ؟ .. البيت مكتظ بالأقارب )

لم يهتم متعنتا ( افعلي ما قلت )

( حسن .. أرجوووووك )

 

ابتسم بخبث لا يتنازل عن رغبته فأخذ قلبها يقرع ولم تكن حازمة جدا معه .. تنحنح حسن يقول متزلفا " الأكل مبهر يا أمي .. أقسم بالله أروع لفة إصبع محشي أراها بحياتي "

 

تنبه الموجودون نحوه فابتسمت أمه تجيب " يا بَكّاش ! "

ضحك لها ونهض " شبعت .. سأغسل يديّ .. سلمت يداكِ "

أومأت أمه فتحرك وهو يلقي نظرة سرية صوب نورين التي تخبطت ترمق أخاها تلقائيا بقلق

 

انتهوا جميعا من تناول الطعام يشكرون أم سلطان على ما قدمت من أصناف ..

نهضت سارة واتبعتها باقي الشابات يتعاونَّ بحمل الأطباق والصحون وتنظيف المكان ..

 

انتهين فأمرت أم سلطان سارة بجلب العصائر والفواكه والحلوى وما يلزم بينما تشجعت نورين تتبرع مخفية وجلها " أنا سأصنع الشاي "

 

عبس عمر لا اراديا يتمنى لو يخبرها ألا تتصرف في المكان بحرية .. خاصة وأن حسن غاب في حمام غرفته ولم يأتِ بعد

 

إلا أنه لم يستطع منعها فتركها تتوجه للمطبخ مع سارة التي أخذت تأخذ أصناف متنوعة وتدخل بها لغرفة الضيوف بينما تجهز الأكواب بارتجاف تنتظر الماء كي يغلي وهي بين لحظة وتاليتها ترمق الباب بقلق متوقعة ظهور حسن ..

 

طالت اللحظات فاسترخت قليلا ويبدو أنه قد تعقل متراجعا عن خطته .. انهمكت في صناعة الشاي بحركات شاردة وقد اعتلى وجهها ملامح الخيبة !

أحست بكفين رجوليين فوق خصرها فشهقت بذعر تستدير بقفزة واحدة مصطدمة بصدره .. رفعت عينيها نحوه هامسة بتلعثم " حسن ! "

رد وهو يجذبها نحوه يلصقها " نوري .. سماء حسن .. حبيبتي زاهية الألوان "

ضحكت ضحكة تعثرت بالقلق تنظر للباب تترجاه " حسن ابتعد .. قد يرانا أحد "

" لن يرانا أحد " طمأنها وأكمل متطلبا " ركزي معي فقط "

نظرت إليه متذمرة " يا حسن "

هز رأسه بتصميم " صدقيني ندائك لاسمي لا يزيد الوضع إلا صعوبة "

صمتت لا تجد ما تقوله فمال نحوها يهمس " اشتقت لكِ "

لم تملك إلا التبسم الخجول فسألها " قلتِ لي نمتِ بعمق بالأمس .. ها "

أومأت تبرر " كنت مرهقة جدا "

" من الرقص " شاكسها فأبعدت وجهها الملتهب ليشكوها بعبث " أنا لم أنم أبدا .. بقيت أفكر بكِ فقط مستعيدا ما كان بيننا "

 

كانت الارتعاشات الطفيفة تمر بكامل جسدها فيحس بها .. وقربه لا يساعدها كي تتوازن

حاولت التملص بعجز وهي تنظر للباب " حسن .. ابتعد "

لم يستجب بل زاد تمسكا بها يداعب خدها بأنفه " ابتسمي لي "

عادت لها ذكرى الأمس وقد سألها الطلب ذاته فهلعت أن يتطور الوضع كما الليلة الفائتة .. فتوسلت " حسن "

 

همهم مداعبا " ابتسمي لي .. فقط امنحيني بسمتك واتركي الباقي على المسكين حسن "

أطبقت شفتيها وسرعان ما تنازلت ثغرها يفتر عن تبسم واسع أسر قلبه فسكنت شفتاه عمق حفرة وجنتها اليمنى وهي تراقب الباب بترنح تنتظر أي خيال يظهر كي تدفعه عنها

 

إلا أنها لحظات قصيرة فقط هي كل الوقت الذي تمكنت من التركيز فيه

 

حيث أن إلحاح مشاعرها الشابة المتفتحة معه وبه وهو قريب منها بهذا الشكل .. يكون أكثر ضغطا من السماح لها بالتهرب بعيدا بفكرها

 

خاصة وكفاه فوق خصرها يتحركان بين تشديد ولين أرجحها .. فأغمضت عينيها ناسية كل شيء

حتى الأصوات المتداخلة القادمة من غرفة الضيوف أخذت تتلاشى عن وعيها ..

وكأنه يملك لوحة تحكم تكتم كل صوت عدا أنفاسه اللاهثة !

 

أخذت قبلاته تتناقل منزلقة حتى رقبتها القصيرة الرقيقة ثم عاد للسكون فوق وجنتها ..

رفع وجهه بعد لحظات يطالعها من علوه وقد كانت مغيبة لحد ما

 

لتهمس " حسن "

أجاب على الفور " نوري "

ترددت والكلمات تتكسر فوق لسانها بأمواج الخفر التي تضرب شطآن أحاسيسها فتحيل دون البوح

 

رفع كفه يحثها " قولي لي بما تفكرين به "

لعقت شفتيها فركز معهما أكثر .. إلا أنها همست بنعومة تتغلب على خجلها " لم .. تقبل الغمازة الثانية .. تزعل ! "

 " هل تزعل " سأل بمكر متأملا دلالها عليه وهي تؤكد " تزعل ! "

 

ابتسم قائلا باستجابة مسرورة " كله إلا الزعل ! "

مال يصالح الغمازة فوق الخد الأيسر فبدأت الحرارة تدب فيهما أكثر .. رفع يد عن خصرها يمسك بها قبضتيها اللتين تضمهما إلى صدرها ففردهما فوق صدره هو مشاركا هدير نبضاته أسفلهما معها ..

ومع كل نبضة منه كانت تنتفض ..

 

بينما ذراعه الثاني لفه كله حولها يشدد عليها وشفتاه تنتقلان لثغرها الجاهل المشتاق ..

 

أحست زائغة بأنامله تعبث بأزرار قميصها فشهقت تردعه بضعف " حسن .. توقف "

لم يتوقف وهو يقبل كل ما يطاله منها حتى رفعها لتجاري قامته وحينها لفت ذراعيها حول كتفيه تعيش التجربة كاملة

 

" نورين .. هل أنهيتِ ال .. "

دخلت سارة المطبخ وهي تحمل بين يديها الصينية فارغة .. رأت المنظر أمامها فصُعقت تشهق بفزع جعلها تغطي وجهها بالصينية لدرجة أن ضربت جبهتها لكنها لم تهتم بالألم

 

أنزل حسن نورين على الأرض فورا لدرجة كادت تسقط أرضا لولا استنادها على الرخامة

 

تنحنح حسن يحك فروة رأسه ثم قال بصوت مختنق من شدة اللهاث " طيب آآ .. أنا بالخارج يا نورين .. إن احتجتِ لمساعدة مجددا لصنع الشاي .. ناديني "

رمشت نورين بتشوش غبي غير فاهمة بينما تراقبه يتخلى عنها في موقف كهذا بنذالة مشروعة

 

فمر بأخته يكتم ضحكته بصعوبة ووجهه يحمر بين إثارة وحرج

 

ظلت سارة متجمدة تغمض عينيها بقوة والصينية لا زالت تحجب انفعالاتها .. حتى أنزلتها ببطء فاغرة الفاه تحدق بنورين المتخشبة من الصدمة الفظيعة والتي تفغر فمها المتورم الأحمر ..

 

شهقت سارة تشير لها منبهة " ق .. قميصك "

نزلت نورين بعينيها مستكشفة الأزرار المفتوحة .. رفعت كفيها المهتزين تغلقهم بتتابع متعثر لا تجد ما تخفف به موقفها

فضحكت في النهاية وهي تمسد على وجنتها الملتهبة تهمس " حسنا .. ماذا سأقول ! .. أنتِ عروس مثلي وتفهمين تلك الأمور "

تنبهت بعدها للماء الذي يعاني من طول الغليان فشهقت " يا إلهي .. الشاي ! "

 

لم ترد سارة أبدا ووجهها يحمر بشدة بينما تلتفت ناحية أخيها الذي هرب يغيب خلف باب غرفته سعيا لتمالك أعصابه أولا

 

بينما فكرت .. نعم هي عروس جديدة .. لكن لا .. لا تفهم تلك الأمور !

 

يا الله !

أخوها حسن .. هذا الخجول المؤدب

هل خُدعت في أدب أخيها أم أنها حقا أكثر سذاجة من التصرف كعروس معقود قرانها !

 

........................

 

عندما حل الليل كانت أم سلطان تقترح على الشباب الصعود للسطح وقضاء بعض الوقت في الاستمتاع معا .. بينما الكبار بالإضافة لسلطان و زوجته ظلوا في الشقة والأطفال نزلوا لمدخل العقار يلهون هناك

 

علت القهقهات فوصلت بصوتها الصاخب للجيران بالشارع

لهث عمر قليلا ثم قال لحازم " اسمح لي يا حازم أن أخبرك أن وظيفتك مقرفة حقا "

 

ابتسم حازم يتفق معه ببؤس مفتعل .. بينما كانت سارة بجانبه ترنو له وهو جالس بجانب عمر وقد اندمجا معا تماما

 

فكرت للحظة .. هل حقا توقعت يوما أنها حملت المشاعر تجاه عمر !

الأمر الآن يبدو كما لو كان وهمًا لم يحصل أبدا ..

فها هو عمر يجاور حازم إلا أنها لا ترى إلا الأخير ..

 

ورغم حضور عمر المعتاد الذي يسرق الأنظار في أي جلسة .. لكن نظراتها لا تهفو إلا لحضور حازم الطاغي عليها تشرد فيه بين لحظة وأخرى مستذكرة لحظاتهما المنفلتة بالأمس ..

تلك اللحظات التي أرقتها طوال الليل وعندما نامت قبيل الشروق بوقت قصير لاحقتها حتى في الأحلام

 

تنبهت على خضراويه وهو يمعن فيها النظر مستغلا انشغال الجميع في شيء يقصه عمر .. أطرقت متوردة تتهرب منه ثم أبعدت وجهها تخفي بسمتها الخجول

وقعت عيناها على حسن وهو يشاكس نورين بأن يمد قدميه يلكز قدميها فتعبس وهي تحاول دفعه

 

لحد الآن لا تصدق الحالة التي أمسكتهما متلبسين فيها دون تعمد منها ..

 

لكن بغض النظر عن صدمتها العفوية في أدب أخيها الزائل .. إلا أنها سعيدة لأجله جدا !

 

دارت بعينيها مجددا فاستقرت على ليل النائية بنفسها عنهم شاردة وحيدة ..

 

حتى فجر مع أنه بدا شاحبا هو الآخر لكنه كان يشاركهم الحديث بين حين وحين ..

أما ليل .. فلا

لم تأكل تقريبا على الغداء وحتى أم سلطان المعروفة بقدرتها على محاصرة الشخص لم تفلح في دفعها للأكل ولو لحد معقول !

 

نادتها سارة برفق " ليل .. ليل "

أجفلت ليل منتبهة فسألتها برقة " لماذا لا تشاركين بالحديث "

تنبه الجالسون لها إلا فجر أدار وجهه بعيدا فارتبكت تهز رأسها قائلة باقتضاب " أنا معكم "
 


ابتسمت لها سارة ولم تجبرها أكثر فتولت نورين مهمة تبادل الكلام والضحكات معها ..

 

رن هاتف فجر فنهض يبعد قليلا محدثا أمه ..

 

بعد قليل كانت انتصار تنادي من السلم " يا شباب "

استقامت ليل تستجيب لها وقد كانت الأقرب للسلم .. قابلتها تحمل عنها الصينية التي ترص فوقها أكواب العصير البارد " لماذا تتعبين نفسك يا انتصار "

ابتسمت انتصار بمحبة " لا يوجد أي تعب يا ليل .. معذرة جعلتك تنزلين فقد أحسست بالدوار وخشيت أن تسقط مني "

" سلمت يداكِ .. سلامتك " شكرتها ليل بتهذيب فابتسمت انتصار تلوح لها وتعود للجلسة بالأسفل بينما صعدت ليل متمهلة تحاول أن توازن حمل الصينية الثقيلة بين يديها بحذر

 

أجفلت شاهقة وفجر فجأة يمر من أمامها فاصطدمت به واهتزت الصينية تميل بعض الأكواب من فوقها فانسكب قليل من العصير عليه

 

كانت حركة سريعة مباغتة لسعته بين ملامسته لليل وبين العصير الذي لوث ملابسه

فأحس بغضب عارم مفاجئ جعله يدفعها بعنف دون تفكير وهو يزعق " أيتها الغبية "

شهقت ليل مضروبة بالحائط من ورائها فسقطت باقي محتويات الصينية على صدرها كاملة

 

اتسعت الأعين من المشهد الجنوني المتسارع وبدا فجر نفسه قد أجفل من رد فعله الشرس

فهمس باسمها ذاهلا " ليل "

رفعت مقلتاها المصدومتين صوبه وهي الوحيدة من تلقت أذناها همسته المترددة ..

 

" أيها الحيوان " صرخت مياسة وهي أول من يفقد جموده وهبت تندفع ناحية فجر مهددة بغير ترويض " سأنهش كبدك بأسناني "

 

انتفض عمر يقف حائلا على الفور بينها وبين فجر هاتفا وهو يردعها " مياسة اهدئي "

زمجرت بقسوة " ابتعد أنت .. ابتعد .. هذا يحتاج وضع حد له "

صاح عمر مسيطرا عليها " كفى أقول لكِ "

 

هب الجالسون يتخلون عن تسمرهم يسعون لتهدئة الأوضاع بينما سارة جذبت المناديل تحاول تنظيف ملابس ليل بتوتر ..

 

صعد سلطان ونداء أمه القلق يعلو متسائلا عما يحصل بينما هو يراقب بعدم فهم ..

 

دفعت مياسة عمر عنها وهي تلهث غاضبة تحدج فجر المتصنم بعينين شرستين ..

تنحنحت ليل تتخلى عن صمتها " أنا بخير .. بخير "

طالعوها بشفقة خنقتها فتحركت نحو حقيبتها " أنا .. سأرحل "

تمسكت بها سارة " كيف ترحلين .. تعالي معي بغرفتي بدلي ملابسك على الأقل "

هزت ليل رأسها ترفض فتدخلت نورين " ليل .. انتظري فقط "

تملصت ليل تقول بحشرجة والحرج يقتلها " اتركيني .. يجب عليّ الرحيل "

أشارت بلا هدف تكمل " وجودي هنا غلط .. أنا لا مكان لي بينكم "

 

بدت عبارتها مؤثرة جدا خاصة وقد سارت مباشرة تتجاهل الجميع هاربة .. ترمي فجر بعينين مخذولتين سريعا قبل أن تنزل السلالم وتختفي متملصة حتى من أسئلة أم سلطان

 

نظروا جميعا لفجر لا إراديا فجابههم بأحداق باردة شاحبة وهمس بسخرية قاسية " دار الزمن وأصبحت الجاني .. صح ؟ .. كم هذا مثالي ! "

 

تبادلت نورين مع مياسة النظرات فقالت الأولى بعدها " نحن ذاهبتان .. سنلحق بليل "

" نعم يا أختي ! " استنكر عمر و واصل ملوحا " طائرتنا غدا أم نسيتِ ؟ "

ردت نورين بهدوء " غدا ليلا .. هناك وقت .. لا أعتقد أنه من اللائق ترك ليل وحدها أكثر من ذلك خاصة بعد كل ما قدمته من مساعدة معنا "

سارت مباشرة تلحق بأختها التي لم تنتظر إطلاع أحد وبدأت تلملم أشيائها وحقيبتها متجاهلة اعتراضات عمر الساخطة

 

دنا حسن من نورين يطلب " نورين .. للتو جلسنا معا .. ابقي أرجوكِ "

نظرت إليه بتفهم تشرح " اعذرني يا حسن .. لن استطيع تركها حقا .. هذا واجبي نحوها .. ليل صديقتي "

لم يستطع المجادلة وقد شعر بالتعاطف تجاه ليل فابتسمت تحتويه " نعوضها .. الأيام قادمة بإذن الله "

ركضت بعدها تلحق بأختها تودع الجميع سريعا حتى يلتقوا غدا بينما مياسة لم تقدر على كبح نفسها وهي تمر بفجر فمدت يدها تدفع كتفه لتزيحه من أمامها قائلة من بين أسنانها بضراوة " ابتعد .. مريض نفسي متخلف ! "

 

...............................

 

كانت ليل ممددة فوق السرير بجانبها نورين التي تسند رأسها فوق صدر الأولى محتضنة إياها بدعم صامت دفع إحساس الدفء لصدر ليل المجروح ..

 

رفعت نورين عينيها لها ثم سألت " هل أنتِ بخير الآن "

تدبرت ليل ابتسامة رقيقة مجيبة " أنا بخير "

" متأكدة ؟ " بقلق حاولت الاطمئنان فأخبرتها ليل بصبر " أنا بخير يا نورين .. صدقيني .. أجيد تجاوز المواقف الصعبة والمرور بها قدما .. اعتاد على ذلك "

ابتسمت لها نورين بحنان ثم تحدثت " فجر لم يكن يوما قاسيا "

أومأت ليل بيقين وشجن " نعم .. أعلم "

 

دخلت مياسة الغرفة متقدمة منهما وهي تقول " هل أغار ؟ "

ابتسمت لها نورين وربتت على المكان بجانبها تدعوها فابتسمت مياسة تنضم لهما أسفل الغطاء الرقيق على السرير الضخم ..

 

قالت نورين باهتمام " وأنتِ كيف حالك الآن .. هدأتِ "

مطت شفتيها ترد بعنجهية " لولا عمر .. لكنت فتكت به و ربي "

ابتسمت نورين تربت عليها بينما سكتت ليل عن التعليق حتى غيرت الموضوع بعد لحظات تقول " يكفى نكد .. أخبريني الآن عنكِ ! "

نظرت لها نورين ببراءة " عني ؟ "

غمزتها ليل بمغزى وقح جعل نورين ترمقها بدهشة حتى انفجرت في الضحك قائلة " حتى أنتِ ! "

ابتسمت ليل مبررة " لم يأتِ دوري في التواقح على حسابك بعد .. هيا أخبريني "

 

راوغت نورين " أخبرك بماذا بالضبط ؟ "

اعتدلت ليل تنام على جانبها ساندة رأسها فوق كفها المرفوع " كيف كان الأمر بينكما "

توهجت تعابير نورين وعروقها تفور بالحرارة التي غزتها فتلون خداها بالدماء المتدفقة لهما

 

ضحكت بخفة تغطيهما بكفيها وهي تغمض عينيها بقوة للحظات إلى أن صرحت " كان إحساسا رهيبا "

استمعتا لها فتنهدت تهمس بنعومة وهي تشرد " كان قريبا مني جدا .. وبدا كل شيء مثاليا .. حقا وبدون مبالغة .. أحسست أني خفيفة كريشة تسبح في الهواء ودون حاجتي لأجنحة "

 

ابتسمت لها ليل بحنان مستشفة الألق الذي يشع من عينيها لتدرك إلى أي درجة الصغيرة واقعة في الحب !

 

نظرت لها نورين تسأل بفضول شقي " أنتِ أخبريني عن أول قبلة بينك وبين فجر "

قطبت ليل للحظة ثم ضحكت ترد ساخرة " كارثية "

" حقا ! "

هزت ليل كتفيها وقالت ببساطة " نعم .. لكن رغم ذلك كانت مميزة جدا بمذاق لا يُنسى "

بفضول أكبر سعت نورين " كيف هذا "

زمت ليل شفتيها تخفي ابتسامتها ثم بتلاعب سردت " كانت بنكهة الفراولة "

اعتدلت نورين جالسة سائلة باستغراب " كيف هذا ! "

وضحت ليل " كنت آكل الفراولة حينها وعلق المذاق بيننا "

" واااااو " انبهرت نورين ثم صفقت ممازحة " هذا مثير للاهتمام ويستحق التجربة "

 

عادت تلقي رأسها فوق الوسادة قائلة بعبث " أنا قبلتي كانت فقط بمذاق حسن "

ضحكت لها ليل فرفعت نورين عينيها لمياسة المستمعة دون مشاركة ..

شاكستها تراقص حاجبيها " ماذا عنكِ .. لا يوجد تجربة قبلة تشاركينها للأسف .. صح "

تجهم وجه مياسة فجأة وتعابيرها تنغلق مثيرة استغرابهما ..

بينما ترد ببرود " أنا لا أحب تلك التفاهات "

استنكرت نورين " تفاهات ! "

ردت مياسة بوجوم " نعم .. تفاهات طبعا ! "

لوحت بكفها تردف " ما معنى مذاق حسن هذه بالضبط ؟ .. هل هو بنكهات معينة يعني ! .. تبدو جملة مريبة تخص قاتل متسلسل "

شهقت نورين من فظاعة تشويهها للأمر .. لكن مياسة لم تبالي مكملة لليل " وأنتِ .. مذاق فراولة قلتِ ؟ .. حبيبتي لمَ العناء .. من يشتهي الفراولة يشرب عصيرها أو يأكل حبات ثمرها .. الأمر بسيط "

امتعضت ليل " أنتِ مريعة ! "

بقسوة مفاجئة زجرتها مياسة " أنتِ هي الغبية .. لتوه لفظك يقلل من احترامك أمام الجميع وأنتِ تستعدين مذاق قبلته كبائسة ! "

 

" مياسة " صاحت نورين مذهولة من هجومها القاسي الغير مفهوم بينما ليل أطرقت تهمس بمرارة " معكِ حق .. أنا عديمة كرامة فعلا "

شهقت نورين تنهرها " ليل توقفي .. ما هذا الكلام ! "

 

ابتسمت ليل تدعي اللا شيء ثم تنحنحت تستأذن خارجة عنهما لغرفة أخرى ..

التفتت نورين لأختها تدينها " لماذا فعلتِ هكذا ! "

ردت مياسة مباشرة " لأني هكذا "

بانفعال غير مبرر أضافت " أثرتما غثياني حقا بالحديث عن أمر مقرف كهذا "

بالتباس رددت نورين " القبلة أمر مقرف ! "

" نعم " أجابت بثقة فرمقتها نورين قليلا قبل أن تهمس بحيرة " مياسة .. ما بكِ ؟ .. هل قلنا ما ضايقك "

 

أرخت رموشها الكثيفة وتنحنحت وهي تعتدل معللة " أنا فقط .. أعصابي متحفزة مما حصل الليلة .. سأنام .. تصبحين على خير "

استدارت عنها نائمة على جانبها فزادت حيرة نورين التي راقبتها لثوان ثم انسحبت خارجة عن الغرفة لتفتش عن ليل سعيا لاحتواء الموقف .. بينما تغلق إنارة الغرفة عفويا والباب ورائها

 

حينها رفعت مياسة يدها نحو إضاءة جانبية خافتة لتشعلها .. ثم جاهدت تبحث عن النوم وهي تغمض عينيها بقوة مبعدة عن ذاكرتها صور تجربة مشوهة لأسنان شرسة فتكت بشفتيها حتى أدمتهما ..

 

وأثناء بحثها المستميت عن شيء يطمئنها ويلهيها .. كانت صورته تبزغ وهو يلاعبها مقترحا بوضع استثنائيته على استثنائيتها لجلب استثنائيات صغار !!

 

حينها ضحكت قليلا بخفة مغمغمة ببحة " عشوائي مجنون ! "

 

...........................

 

عقب عدة أيام ..

 

" مبارك مبارك يا عريس "

 

استقبل حسن ما أن دلف لغرفة الاجتماعات بشركة آل مهران قول نوح الذي استقام يدنو منه مباركا بحبور و رزانة .. ابتسم حسن مغمغما بالشكر فمد نوح كفه بسلام لعمر بجواره " أدام الله بينكما كل خير .. أسعدني جدا سلطان عندما شاركني بخبر كهذا "

 

شكره عمر بهدوء فتوالت المباركات من الجالسين وكان جراي هو من نهض مقلدا ابن عمه نوح يمد راية السلام لحسن المتحفز ناحيته وقال " مبارك يا حسن .. هذا خبر سعيد وأنا أتأمل أن نفتح صفحة جديدة بمناسبته "

 

رغم تخشب حسن للحظات قبالته لكنه لم يقدر إلا أن يتنازل مبتسما أمام بشاشة الثاني وصفاء نيته ..

فاستقبل سلامه قائلا " لا تشغل بالك يا جراي .. العقبى لك "

امتعض عمر وهو يرنو لجراي ثم نظر لمياسة الجالسة والتي رفعت حاجبا مستفزا له بغرور ..

 

جلسوا جميعا بعدها فوق الطاولة في عودة جادة وعملية للعمل

وكانت هذه المرة هي الأكثر هدوءا من بين كل الاجتماعات الماضية

 

فرغم بعض التحفظات والحساسية القائمة .. إلا أن التركيز كان غالبا والنتائج النهائية مثيرة للإعجاب وقد أثبت نوح أنه كان محقا عندما راهن متمسكا على شراكة كتلك متجاهلا الخلافات بين أفرادها والتي رآها بسيطة يمكن تجاوزها أمام النجاح الضخم النهائي !

 

ما أن انتهى الوقت حتى كان نوح يتولى إلقاء كلمات التشجيع والشكر على الجهد المبذول

ثم استقام يجذب اهتمام الجميع وقال يحمسهم " بمناسبة النجاح المحقق والهدنة القائمة وكذلك احتفالا بحسن كعريس .. أنا أدعوكم جميعا يوم عطلة الغد لقضاء بعض الوقت في الساحل .. حيث اليخت الخاص بابن عمي "

 

" هل سنقضي اليوم في اليخت " تحمس جراي على الفور فابتسم له نوح ليرفع آدم وجهه ببطء سائلا بلا تعبير " ابن عمك .. من ! "

رد نوح متسليا " أنت يا قبطان "

لم يظهر آدم أي معالم ترحاب على وجهه الجامد .. فأحس بلكزة ماسة زوجته فوق ساقه تحذره ليتدبر بعض اللباقة خاصة وقد توجهت له النظرات مترقبة

 

ود آدم لو يصرخ رافضا !

هذا اليخت تم شرائه ليستعيد الأمجاد مع زوجته .. لا ليكون قبطانا مأجورا بلا مقابل حتى !

 

" آدم ! " ناداه نوح متحرجا بينما ارتفعت ضحكات مليك وقد بدأ يستمتع .. فتنحنح آدم يقول بجمود لم يستطع فكه " طبعا .. سيكون وقتا .. راااائعا "

تدخل عمر منفلتا " نعم .. بين على خلقة حضرتك "

 

رفع آدم حاجبه المشقوق ينظر بتجهم فقال نوح " إذن اتفقنا ! "

قال عمر فجأة بنأي " لا .. لم نتفق .. أنا لست موافقا ولن آتي "

 

ابتسم مليك يقول " عادي .. من لا يريد لا يأتي " حول عينيه لمياسة مردفا " ميا ستأتي "

أكدت له بهدوء " سآتي "

 

بتحدٍ أعاد مليك عينيه صوب عمر الذي جز على أسنانه مغتاظا .. وقد عرف الآن أنه قادم !

 

..........................

 

صرخت نورين بعناد وهي تتخصر محتجة " سآتي معكم "

رد عمر بتعنت أصيل " إلى أين بالضبط .. قلنا لن يحدث "

جابهته بقوة رافضة تسلطه " بل سآتي يا عمر .. سآتي يعني سآتي "

صرخ عمر نافذ الصبر " إلى أين يا متخلفة .. هل نحن ذاهبون لرحلة .. هذه أمور عملية "

" لا والله " سخرت من قوله فكتم حسن ضحكته على أسلوبها الممطوط الشعبي بينما هي تستطرد " أمور عملية فوق يخت بعرض البحر ! .. هل تعتقدون صفقة مع الجمبري "

 

" لا حول ولا قوة الا بالله ! "

غمغم عمر من بين أسنانه من سلاطتها ثم قال " نورين .. لن تأتي "

ضربت على الأرض بقدمها صارخة كطفلة مزعجة " سآتي .. سآتيييييي "

 

هتفت مياسة تفقد هدوئها وهي تخلف جلستها بجانب ليل وقد كانوا جميعا في محيط حديقة دار الحكيم " كفى تعنت منك .. دعها تأتي .. ما مشكلتك ! "

لوح عمر رافضا " بالله عليكِ .. هل سأنشغل بها أم بكِ ! "

تدخل حسن متبرعا " لا بأس .. اعتبرني يا عم خطيبها وسأنشغل أنا بها "

عبس عمر باستهجان فتأفف حسن لتلجأ له نورين متدللة " أخبره يا حسن .. تصرف أرجوك "

 

ذاب حسن في حُسنها فصاح " دعها تأتي يا بني آدم "

 

اتسعت عينا عمر مغتاظا " آه .. أصبحت خطيبها يعني ولك كلمة الآن تعلو كلمتي .. عشنا ورأينا ! "

ابتسم حسن باستفزاز " لا كلمة تعلو كلمتك يا أبا نسب "

ضغط عمر على فكيه يزجره " لا تقل لي أبا زفت "

 

" أوووووف " تأففت نورين حانقة وأخذت تتمرد مكررة بإزعاج " سآتي .. سآتي .. سآتييييي "

زعق عمر بغضب " كفى .. أكلتِ رأسي يا غبية .. اخرسي حالا "

 

أثار غضبها في المقابل فنظرت له بشر دفعها للقفز تتمسك بساعده لتنشب أسنانها بافتراس جعله يتأوه مجفلا يحاول إبعادها " ابتعدي .. سأقتلك .. سأنتف لكِ شعرك "

 

اتسعت عينا حسن فهب يحاول فصلهما عن بعض يجذب نورين حتى أنه رفعها عن الأرض قليلا بينما هي مصرة على العراك صارخة " أنت لماذا ستقرفني معك .. تعال لي .. تعال فقد جلبت آخري منك "

 

زم حسن شفتيه لا يعرف هل يضحك على المنظر أم ينفعل .. إلا أنه نجح أخيرا في شدها بعيدا وعمر يسب ويلعن وهو يدلك ساعده هاتفا " يا صفراء يا حرباء .. أسنانك هذه أم مشرط طبيب "

 

" توقفا حبا بالله ! " زمجر حسن فاقدا الهدوء وأعلن بحدة " كفى يا عمر .. هي ستأتي معنا وأنا سأهتم بها "

اكفهر عمر حانقا فأضاف حسن " وأنت اهتم بمياسة وخلصنا "

زعقت مياسة باعتداد " ما أمر اهتم بمياسة هذا ! .. هل أنا فاقدة للأهلية أمامكما "

 

رفع عمر عينيه نافخا بعصبية يغمغم " ليتهم يكتشفون كوكبا خاليا من صنف النساء ! "

تكتفت مياسة تحدجه بعينيها بينما قال حسن " تكلم عن نفسك .. فأنا عن نفسي سعيد جدا بكوكبنا العامر بالصنف "

قالها يغمز نورين التي قفزت هاتفة بمرح " سآتي معكم .. مرحى "

 

...........................

 

اليوم التالي ..

 

كان آدم يتولى أمر قيادة اليخت واقفا داخل غرفة التحكم بالأعلى بينما الباقون قد تجمعوا بالأسفل ..

أحس بماسة تدخل إليه فالتفت نحوها بوجه جامد

ابتسمت بحنان وهي تدنو ملطفة " آدم .. حاول أن تكون لطيفا من فضلك .. عبوسك غير مستحب أبدا "

مط شفتيه ممتعضا " هل تسألينني فك عبوسي ! .. أنا أصلا أتوق لقتل نوح صدقيني بعد توريطه لي "

ضحكت على هيئته المتذمرة بينما هو برر " أنا كنت أخطط لقضاء العطلة هنا فقط أنا وأنتِ "

ربتت على ذراعه مخففة " وها نحن معا بالفعل .. الأيام قادمة .. ثم بالله عليك .. ماذا تنتظر من العطلة الخاصة بينما أنا في شهري الأخير من الحمل بالكاد أتحرك ! "

 

غمزها بحرارة " نفصص السمك "

هزت رأسها بيأس ضاحك " ارحمني أرجوك "

جذبته بعدها قائلة " هيا .. لننزل لهم .. نحن لا نريد التعمق في الماء لنبقى قريبين من الشاطئ .. هيا يا قبطاني "

 

بعد لحظات كانا ينزلا منضمين إلى التجمع الصاخب .. دنت ماسة تجلس بين الفتيات وسرعان ما اندمجت مع الموجودين ..

 

رمقت نورين وابتسمت .. تزحزحت قليلا في جلستها تفسح مكانا بجانبها تربت عليه تدعوها " تعالي .. اجلسي جانبي "

ابتسمت نورين عفويا واستقامت نحوها ملبية الدعوة فقالت ماسة بحبور " إذن .. أنتِ نورين "

توردت نورين قائلة بحيوية " هل تعرفينني "

أجابت ماسة بمرح " سمعت عنكِ "

 

خرجت مياسة من الداخل وقد بدلت ملابسها .. فارتدت ملابس تليق بوجودها في البحر وقد فكرت أنها ربما ترفه عن نفسها وتسبح قليلا فهي منذ فترة طالت لم تأتي البحر

 

اتسعت عينا عمر مبهوتا بما رأى .. حيث أنها ارتدت بدلة سباحة سوداء ضيقة تظهر طول وجمال قدها الأهيف

 

توترت نورين قارئة ما يدور بعقل أخيها لا إراديا .. ولم يمنح عمر فرصة لأحد وهو ينتفض مقتربا من مياسة قائلا من بين أسنانه بعروق على الفور انتفخت " ما هذا الزفت الذي ترتدينه "

رمشت مياسة تنظر لنفسها وردت ببساطة " نحن في البحر .. ما به .. محتشم ! "

" محتشم " كرر باستهجان وقد بدأ الحضور يتنبهون لما يجري بينما هو يردف " هل الاحتشام لديكِ في إخفاء بشرتك "

 

ضرب على رأسه فجأة غاضبا " هل فقط تريدين تعكير مزاجي وحرق دمي "

التفتت حول منها ملاحظة الأعين فاغتاظت تردعه " احترم نفسك يا عمر .. كفى يا غبي "

زم شفتيه يلملم نفسه ثم مد يديه يفك ازرار قميصه الأبيض أمام عينيها الذاهلتين وبحركة حادة لفه حول خصرها لتنتفض " توقف عن تلك التصرفات "

رفع عينيه لها قائلا بجدية " مياسة .. اهدئي .. لا تفتعلي المشاكل من فضلك ودعي اليوم يمر على خير "

" ابتعد .. ابتعد " دفعته وهي تشعر بالحرج البالغ أمام المراقبين فتولت هي أمر ربط القميص مبتلعة سخطها تتراجع خطوة أمامه كي لا تسبب فضائح أكثر من ذلك

 

انقضى المزيد من الوقت كانت فيه مياسة ترفض التطلع حتى إلى عمر .. تجاهلته تماما تنأى بنفسها عنه مثيرة في نفسه الحنق خاصة عندما تتعامل مع مليك بأريحية

 

كان حسن يجلس بجانب فجر الصامت كعادته مؤخرا .. يراقب بعينين شغوفتين نورين التي تضحك على ما تسمع تارة وتقول شيئا مضحكا تارة أخرى

 

بدت منخرطة جدا مع ماسة نصار التي على الأغلب وقعت في حبها كأي إنسان طبيعي تأسره نورين

 

عقد حاجبيه فجأة وهو يتأمل تلك الماسة حتى تنحنح منبها " هل لي باستفسار صغير سيدة ماسة ! "

التفتت ماسة له وقالت " طبعا "

ابتسم يقول متحرجا " هل أنتِ ماسة نصار .. ابنة رجل الأعمال يوسف نصار .. تلك التي تداولت قصتها الصحف حول اختفائها في البحر ثم عادت بعد فترة حية سليمة "

ابتسمت ماسة تومئ بهدوء " نعم .. إنه أنا "

شهقت نورين متلهفة " ماذا ! .. هل تلك القصة قبل سنوات عن السفينة السياحية التي غرقت في البحر .. هل هذا أنتِ حقا ! "

ضحكت ماسة بخفة " نعم .. هذا أنا حقا ! "

 

" واااااااو " صرخت نورين بانبهار ثم تحمست " أخبريني .. هل حقا أنه تم إنقاذك على سفينة سياحية أخرى .. أنا لم أصدق هذه القصة عندما قرأتها على الانترنت ! "

فتحت ماسة فمها كي تشاركها لكن مايانا أخت آدم هي من انفلت لجامها تصرح بجنون " بل كانت سفينة شحن بضائع ضخمة "

سألت نورين بفضول " سمعت أنها سياحية ! .. طيب أخبريني .. كيف تم إنقاذك بالضبط ؟ "

من جديد كانت مايانا تحشر نفسها شارحة " قبطان السفينة أنقذها بنفسه "

" يا له من رجل شجاع " قالت نورين بتقدير ثم استوضحت " وهل قابلتِه بعد ذلك ؟ "

 

ضحكت ماسة وهي تتحسس بطنها المنتفخ قبل أن تنظر بعينين عاشقتين نحو آدم المنشغل بحديث جانبي مع نوح يستندان على السياج الحديدي لليخت

 

وضحت مايانا بصوت حالم " نعم .. تقابله .. ينتظران معا مولودتهما الأولى حاليا "

اتسعت عينا نورين منبهرة وهي تطالع آدم مذهولة " هل نشأت بينكما قصة حب ! "

صفقت بحماس صارخة " يا الله .. تبدو قصة حب غير تقليدية أبدا "

عبس حسن يرمقها مغتاظا بينما هي قالت " أخبريني بالمزيد أرجوكِ ! "

 

أسندت ماسة رأسها على يدها ولا زالت تنظر لزوجها اللاهي بالحديث تهمس " ماذا أقول لكِ ؟ .. كنت في عرض البحر مذعورة فكان هو لي مرسى آمن احتضنني ! "

 

ارتفع رنين الهاتف الخاص بمياسة فعقدت حاجبيها تفتش عنه .. نهضت به وابتعدت عن التجمع تنظر نحو الشاطئ القريب قبل أن ترد على المكالمة بهدوء تحت نظرات عمر المشاهدة والذي يفكر كيف له أن يصالحها !

 

لاحظ فجأة ما يطرأ عليها .. انحنت على نفسها قليلا وكفها تشبث بالسياج كأنها تدعم وقفتها ..

 

ومن الزاوية الجانبية لوجهها استشف ارتعاش ضرب شفتيها

ضيق عينيه .. بدت مهتزة وهي تتحدث بالهاتف !

انتفض بغية إسنادها وفهم ما يجري معها .. إلا أن مليك كان قد سبقه وهو الأقرب لها بجلسته

وأمام عينيه المصدومتين شاهده وهو ينحني نحو وجهها وغالبا يسألها عما حصل ..

 

فأغلقت هي المكالمة وأخذت تهز رأسها تتهامس معه ببعض الكلمات وبدت مشتتة جدا بينما مليك كان حاد النظرات يرفع كفيه ممسكا بذراعيها يهزها مشجعا إياها على شيء !

 

عند هذه النقطة لم يحتمل الصبر فهب صوبهما وباقترابه سمع مليك يقول بقوة " يا غبية .. أنتِ تتحررين .. اهدئي يا مياسة "

تدخل عمر بينهما يفصل وقفتهما فرفعت مياسة عينيها بعدم فهم له زائغة النظرات قليلا وهي تسمعه يسأل " ما الذي يحدث بالضبط "

تأفف مليك ولم يستقبله ساخرا كما آلف منه مما زاد من شكوك عمر أن الأمر أكثر جدية ..

 

لم يلتفت له مليك وهو يجذب ذراع مياسة " تعالي .. لنجلس و .. "

ضرب عمر فوق كفه يدفعه عنها بحدة جذبت الأنظار يزمجر " أنت تعلم أني أرفض أن تلمسها .. هل أنت غبي .. أم اللكمة الماضية لم تكفيك ! "

احتدت نظرات مليك بشراسة غريبة أما مياسة فهمست " ليس الآن يا عمر أرجوك "

صرخ يلتفت لها " متى إذن .. أخبريني متى حبا بالله ! "

أغمضت عينيها تنهاه وهي تلهث كأنما بداخلها انفعال على وشك التفجر " كفى يا عمر .. كفى .. ليس الآن أقول لك ! "

رفع مليك يده يحاول إبعاده عنهما ببرود يتحلى به للنهاية .. لكن عمر لم يعجبه الأمر فأعاد دفعه بخشونة وعصبية كادت أن تتسبب في مشكلة جديدة بينهما ..

انتفضت مياسة صارخة فجأة " كفى يا عمر .. اتركني بحالي الآن .. تبا لك "

اتسعت عينا عمر ينظر لها مبهوتا لكن وقبل أن يندفع أي شخص نحو آخر في تشابك متوقع .. كان آدم يقتحم وقفتهم هاتفا " كفى .. ولا كلمة زائدة "

نقل عينيه بينهم ثم أشار بسبابته لأرضية اليخت قائلا بتشديد وسلطة " هنا .. في هذا المكان تحديدا .. أنا لن أسمح لتمادي أي فرد أيا كان .. من يرفع صوته لا مكان له بيننا .. كفى صبيانية وتصرفات أطفال مريعة .. أكلتم رؤوسنا بنقاركم كلما تقابلتم .. هل نحن متفرغون لكم "

لهث عمر بغضب مكتوم وقد نهضت نورين تتمسك بذراعه علّها تحجمه عن أي اندفاع غير مدروس

سارت ليل بدورها تتخلى عن السكون ساحبة مياسة بجانبها وقد كانت الأخيرة في حالة غريبة بغضبها وتخبطها ..

 
 


أما مليك فرمق عمر بنظرة مغتاظا ثم تحرك مبتعدا بجانب جراي بصمت

عم الصمت للحظات كان آدم فيها ابتعد حانقا يدين نوح الذي يحاول احتوائه

 

" عمر .. هل أنت بخير " سأل حسن مهتما فأخذ عمر يكبح اهتزازات جسده العصبية حتى قال " أنا أريد الرحيل من هنا كي لا أتسبب في مشكلة كبيرة الآن فتعود الأمور لتتدهور "

 

تدخل فجر بحذر " اهدأ يا عمر .. لا زلنا في بداية اليوم "

" أنا كنت أرفض القدوم من البداية " هتف مستشيطا غير آبه إن سمعه أحد ..

 

توجه بعدها إلى آدم مطالبا " أنا أريد العودة للشاطئ "

" عذرا ! " قال آدم فهتف عمر بصلابة يضغط على الأحرف " أريد العودة للشاطئ "

رفع آدم حاجبيه قائلا " هل تتوقع مني أن أستجيب لطلبك ؟ .. إن رفضت القدوم من البداية فلم يكن هناك داعي لتغيير رأيك فيما بعد ! "

 

يا إلهي .. لماذا جميعهم يتصفون بدم بارد هنا !

هل أقسموا أن يجلطوه وهو في زهرة شبابه !!

 

" لا بأس " أومأ وعيناه تسطعان تحديا ثم أردف وهو يتراجع " أنا أجد بديلا دوما "

توجست نورين كصاحبيه " ماذا تقصد يا عمر ؟ "

أخرج الهاتف من جيبه يعطيه لها وهو يوصي لحسن " حسنا .. نورين أمانة لديك يا أبا علي "

 

شهقت نورين وهي تراه يتقدم نحو السور ويقف بثقة ناظرا نحو الشاطئ بتركيز فصرخت بهلع " أخي .. لا "

إلا أن صرختها لم تمنعه من القفز في عمق الماء هاربا من الطاقات السلبية وشحنات الغضب التي تلاحقه في هذا المكان الخانق

 

راقبت مياسة ما يحدث ومن بين الشهقات العالية التي تعالت كانت همستها المرتعبة باسمه تضيع عن الآذان ..

ركضوا نحو السور يراقبون ليتأكدوا من كونه بخير يجيد السباحة فخرجت الزفر المرتاحة بطفوه على سطح الماء نافضا رأسه ..

 

صرخت نورين بحنق تكاد تبكي من رعبها عليه " عمر أيها البغيض .. كيف تتركني وتذهب "

" معك حسن وفجر " قال ملوحا لها كي تهدأ إلا أنها ظلت ترمقه بقلق حتى عضت على شفتيها تسأل " هل الماء عميق "

رفع عينيه لها وقد فهم ما ترمي له فصرخ " ابتعدي عن السور يا نورين .. لا تنقصك "

لم تمتثل لأمره المحذر وإنما رفعت عينيها لحسن الذي قال بخشونة " أحب أن أنوه .. أنتِ لا تجيدين السباحة أصلا "

 

أومأت بتأييد وهي تتنفس بتسارع تنقل عينيها بينه وبين عمر ..

حتى أمسكت بهاتفها مع هاتف عمر تضعهما في يد حسن قائلة واثقة " لكن .. عمر يجيد "

 

" نورين " قال وهو يمسكها بقوة ليحجمها إلا أنها أتقنت التملص راكضة عنه وبحركة متهورة وقفت على السور وقبل أن تشد نفسًا كان يختل توازنها فورا فسقطت أمام المراقبين المذعورين ومياسة تصرخ " نورين ! "

أجفل عمر ينظر ذاهلا لما حدث .. قبل أن يغطس في الحال سابحا نحو أخته التي تتخبط في الماء بفزع تنتظر إنقاذه الحتمي

 

 شدها يرتفع بها فأخذت تشهق وتضرب الماء تسعل صارخة " يا ويلي .. لا يوجد أرض تحتي .. لا يوجد .. أرض .. الماء دخل أنفي .. أنفي يا عمر .. سأ .. موت .. سأموت غرقا "

هتف عمر وهو يحاول السيطرة على التمسك بها بحرص متحفظ من ذراعيها وقد أثارت ذعره عليها " لن تموتي غرقا .. ستموتين خنقا .. سأخنقك بيديّ يا نورييييين "

 

في الأعلى كان حسن يراقب فاغر الفاه وقد سقط قلبه حتى رآها تظهر على السطح وإن كان بتخبط

نظر لهاتفها وهاتف عمر بالإضافة لهاتفه هو .. ثم التفت ناحية فجر المتسمر وبلا تفكير منحهم له قائلا " أنا بحاجة للحاق بزوجتي "

رمش فجر يراقبه متجمدا وحسن يستقيم فوق السور ثم قفز للأسفل برشاقة سابحا نحو صاحبه وزوجته المجنونة ..

 

وفورا ما بلغهما حتى لف ذراعه حول جذعها وهو يسب ويلعن " ماذا فعلتِ يا مجنونة .. قلنا لا تجيدين السباحة ! "

ردت تدافع عن موقفها الصعب " قلنا عمر يجيد " ثم تشبثت به مضيفة بعفرتة رغم كارثية الوضع " وأنت تجيد "

صرخ عمر يضرب الماء بذراعه " بعد إذن الميوعة .. نريد أن نعود للشاطئ "

 

قالت نورين وهي تتوازن معتمدة على ثقتها في وجودهما " أنا معكما طبعا .. سأكون بخير "

هتف عمر حانقا " طبعا ستكونين بخير .. نحن في خدمة سموك ! "

 

هتف فجر من الأعلى مستنكرا " وأنا ابن البطة السوداء يعني يا أنذال ! "

ضحكت نورين تلوح له مستمتعة " الماء رائع يا فجر "

ابتسم يهز رأسه بيأس فدعاه حسن " هل تنضم لنا يا رمادي ؟ "

 

بدت الفكرة مغرية تروق له .. وأصلا لا يوجد فوق اليخت من يهتم لأمره بعد قفز أصحابه

 

فالتفت نحو مياسة التي لا تزال شاحبة شاردة فمنحها كل الهواتف قائلا بحرج " تعلمين ما ستفعلين .. سأكون ممتنا "

 

نظرت له مياسة بصدمة وهي تنالهم منه بغباء ..

قبل أن يقف على السياج ثم ألقى بنفسه وهو يصرخ بحماس متفجر " قاااااادم يا شِلة ! "

 

انضم لهم وهم يضحكون من تصرفاتهم الغير محسوبة ..

 

أطلق جراي بالأعلى صافرة نبهتهم قبل أن يلقي لهم عوامة مناسبة لنورين ..

 

أخذتها نورين تحشر نفسها بها وهي تشكره فبدأت تلهو بساقيها في الماء بينما حسن وعمر يتعاونون في جذبها والسباحة نحو الشاطئ ونورين تصرخ فاردة ذراعيها " ما أروع ما أعييييييييش "

 

ضحكوا من أفعالها بينما رفع عمر عينيه نحو مياسة الشاردة مشوشة بالأعلى قبل أن تنتبه لنظراته فأطرقت متباعدة حتى انشغل هو بالسباحة ..

لتسمع صوت مليك يثيرها مستمتعا " هل تعلمين .. لو كنت مكانك .. لقفزت لاحق بهم ! "

 

التفت تطالعه ثم همست بشحوب " من الجيد أنك لست مكاني إذن ! "

 

...........................

 

بعد يومين ..

 

ضحكت شروق وهي تستمع لما تحكيه ليل من أحداث جنونية متتالية تمت في نهار الرحلة الكارثية باليخت

 

ابتسمت ليل وهي تنظم شكل الأزهار في المزهرية الزجاجية وقالت " لقد آلمني قلبي من شدة الخوف وأنا أرى فجر يتهور لاحقا بهم .. ولم نرتح إلا عندما عدنا مطمئنين أنهم قضوا اليوم بسلام ومرح يلهون بطريقتهم الغير مقيدة على الشاطئ سويا "

 

" طوال عمرهم كانوا مجانين " أخبرتها شروق بحنان فتقدمت ليل تجلس قربها قائلة " نعم .. لكن ما أرعبني أكثر كانت نورين .. فهي بالإضافة لخطورة قفزتها لا تجيد السباحة .. لا أعرف كيف امتلكت شجاعة القفز بتلك البساطة "

 

بررت شروق بفهم " أخوها موجود .. بل الثلاثة شباب .. دوما كانت نورين لهم هدف يسعون لحمايته .. على هذا تربوا وكبروا معا "

 

" هنيئا لها " غمغمت ليل شاردة بحنين فتأملتها شروق مستوضحة " ماذا عنكِ ؟ "

قطبت ليل " ماذا يا أمي ! "

رفعت شروق كفها تلامس وجنتها " لم تخبريني عنكِ كثيرا .. حتى في الرحلة القصيرة للوطن لم تقصي لي إلا أحداث الحفل فقط "

 

ارتبكت ليل مراوغة " ماذا سأقص إذن ؟ "

" عنكِ " شجعتها شروق بمكر وأكملت متلاعبة " عن فجر "

تدبرت ليل ابتسامة واهنة " لا جديد .. فقط فجر يزداد قسوة بشكل مناقض لسماحة نفسه .. فلا ترتاح نفسي "

 

رفعت شروق يدها الثانية تحيط الجانب الآخر لوجه ليل ورفعته لها تقول بيقين " وأنتِ .. تزدادين ضعفا بشكل مناقض لنفسك المحاربة "

عقدت ليل حاجبيها تهمس بانهزام " لا أستطيع المحاربة قبالته .. غلبتني عيناه ! "

 

" ليل " نادتها شروق برقة فرنت لها لتقول داعمة بأمومة شامخة " أنتِ لا يهزمك شيء .. لا تليق بكِ الهزيمة أصلا .. أين تلك التي لاعبت سجانها بالبيضة والحجر .. جعلته لا يعلم أي الضربات يصد أو يلحق "

 

زفرت ليل بارتجاف لتتابع شروق " هذا ليس أنتِ حقا .. أنتِ بحاجة لتكوني هدفا لنفسك .. أحبي نفسك أولا .. خافي عليها .. احميها من الأذى يا ليل "

 

مدت أناملها تجفف دموع ليل التي انسكبت تقول " لا تبكي يا طفلتي .. أنا أحبك يا ليل .. أحبك يا قلب أمك .. وأتألم برؤيتك بهذا الشكل .. يا حبيبتي أنتِ .. تماسكي يا ليل "

أومأت ليل دون تعقيب فسألتها شروق " حبيبتي .. هل تلتزمين بالصلاة ؟ "

نكست ليل رأسها بإجابة مخزية فابتسمت شروق هامسة " وكيف تريدين أن ترتاحي وأنتِ لا تصلين يا ابنتي "

" أنا .. أنا .. " تلعثمت فترأفت بها " لا بأس .. الله غفور رحيم حبيبتي .. يمكنك البدء من جديد في أي وقت .. باب الله لا يُغلق "

أمسكت بذقنها برقة ترفعه " يا حبيبتي لا لجوء في عز الضعف والتعب إلا لله .. لا أنا ولا فجر ولا أي بشر .. الله وحده القادر على إخراجك من كل هم وتخفيف الحزن عن قلبك "

 

أومأت لها ليل وهي تعود لذرف الدمع فابتسمت شروق تربت على خدها " عديني .. عديني يا ابنتي أن تطلبي العون من الله وتجاهدي نفسك .. التزمي بالصلاة وخصصي الورد اليومي للقرآن .. لا تنامي إلا وقد أنجزته .. عديني يا ابنتي "

 

ابتسمت لها ليل هامسة " نعم .. أعدك .. أعدك يا أمي "

قبلت شروق خدها ثم رأسها قبل أن تسحبها لأحضانها برفق قائلة " كوني قوية باستعانتك بالله يا حبيبتي .. هو الوحيد القادر على إخراجك من الظلمات إلى النور .. فقط لا تلتهي عنه .. لا تقنطي من رحمته .. هو وحده القادر على وهبك القوة الكافية لمواجهة حتى فجر "

تنهدت بقوة تشدد عليها وغمغمت " أراح الله قلبك يا بنيتي .. وسر قلبي بسرور قلبك "

 

.............................

 

عقب عدة أيام ..

 

أرسلت مياسة ليل لشركة مهران لإنهاء بعض الأعمال التي تتعلق بمجال الأخيرة ..

انهمكت فيها طوال اليوم حتى حل الليل عليها ولم تفيق إلا على صياح جراي المتذمر أنه يريد العودة للبيت مع مليك فقد جاع ..

 

عندها فقط كانت ترحل أخيرا وهي تنظر للساعة بينما تتصل بمياسة تتأكد أنها بخير وعادت للبيت

أغلقت المكالمة معها وهي تصل للبوابة الضخمة فسأل مليك وقد كان يتبعها مع جراي " هل عادت للبيت "

أومأت ليل مجيبة " نعم "

هز رأسه باستياء " العنيدة .. ذهبت بنفسها لتفقد الخامات بالمصنع وحدها دون حتى أخذ احتياطاتها .. إن علم نوح بتكرار الأمر فسيغضب "

عبست ليل وهي تخرج من الشركة معهما " هل الأمر بتلك الصعوبة "

أجاب جراي نيابة بعملية " في التصنيع يتم استخدام مواد خطرة قد تضر بها إن لم تأخذ حذرها كاملا .. وهذا أصلا ليس مجالها فلم يكن هناك داعي لذهابها العنيد "

 

تنهدت ليل قائلة " الحمد لله أن مرت على خير هذه المرة .. هي منذ عودتنا من الرحلة تبدو غريبة .. أقلقتماني أكثر "

ابتسم مليك يلهيها غامضا " مضت .. هي فقط متضايقة من أفعال صديقها عمر .. عموما دعينا الآن فيكِ .. أنتِ مبهرة في العمل حقا .. ومياسة تصر على أنه لم يتم استخراج كامل قدراتك بعد ! "

شكرته بلطف فاستغربوا خروج فجر من المصعد وهو يغلق حقيبة الحاسوب ويدس فيها بعض الأوراق

 

أجفلت ليل بظهوره رغم معرفتها أنه كان حاضرا لاجتماع مع نوح بالأعلى إلا أنها لم تتوقع مقابلته

 

مر بهم دون إلقاء كلمة بل كان كالح الوجه فألقى مليك كلمته " مساء النور لك أيضا "

 

توقف فجر يمط شفتيه بنفاذ صبر .. إلا أنه سيطر على خلجاته واستدار لهم ليتابع مليك باستفزاز " عمر و فهمنا كرهه لي .. لكن ماذا عنك .. ماذا فعلت لك لتكرهني ! "

 

لأن عمر يكرهك يا خفيف

نوع طفولي من المشاعر لكنها مباحة أحيانا في شريعة الأصدقاء !

 

تنحنح فجر يقول " أنا فقط .. متعجل "

" آه .. فهمت " قال مليك بتراخٍ فتكلم جراي بتذمر " ألن نعود للبيت .. أنا جعت "

تنحنحت ليل قائلة بلباقة وهي تتراجع خطوة " طيب .. أنا استأذن "

أوقفها مليك فورا يحتجز كفها في يده بحركة خفيفة ناعمة " إلى أين يا ليل ! "

توترت متسعة العينين بينما لاحظ هو بدهاء متأصل فيه ارتفاع طفيف بحاجبي فجر الذي تجمد محله قبل أن يضيق عينيه مراقبا المشهد

 

سحبت ليل كفها برقي وردت بهدوء " سأعود للبيت "

بشكل مسرحي رفض " تعودين للبيت وحدك بينما نحن هنا "

رفع جراي حاجبه بشك ومليك يردف " أنا سأوصلك "

حاولت ليل التهرب فمنعها " لا تجهدي نفسك .. ليس من الذوق تركك تعودين بمفردك يا ليل "

تدخل جراي ببشاشة " نعم .. لنوصلك يا ليل هيا "

 

كاد فجر أن يرحل عنهم غير مهتم .. بينما هي أحست بالحصار حتى أجفلها مليك وهو يشير بسبابته ناحية المرأب شارحا " هيا دراجتي هناك "

 

تصلب فجر ..

دراجة !

 

" دراجة " ردد جراي متعجبا واستكمل " ألم تأتِ اليوم بسيارتك "

رد مليك ببساطة " للأسف تعطلت مني فأرسلتها للصيانة .. لكن دراجتي النارية موجودة بالفعل "

لوح لليل يرشدها " هيا .. لا تقلقي أجيد القيادة .. أنتِ فقط تشبثي بجذعي جيدا " قالها مشيرا بذراعيه كأنه يحتضن جذع وهمي مشددا

 

فغرت فمها ترمش بغباء .. يمكنها الرفض بسهولة لكن الفكرة بأنها تحس بوجود خطب ما !

 

" ما بكِ " نبهها وأكمل يغمز " هل تخجلين ؟ "

احمرت وأجلت حلقها تريد الرد لكنه سبقها مقترحا ببراءة متقنة " إن كنتِ تخجلين من الركوب خلفي .. ليوصلك فجر بسيارته "

 

اتسعت عيناها بذعر وتلقائيا كانت تسب مليك في سرها

في الحقيقة لو سارت بقدميها عاريين لآلاف الأميال أهون من الركوب مع فجر

 

ابتسم مليك مستدركا بنعومة وهو ينظر لساعته " هيا قرري "

 

 نظر لفجر الذي يحدق به بلا تعبير واضح مصححا بحاجب مرفوع وهيئة مستفزة " طبعا إن لم تمانع يا فجر "

 

حسنا .. تلقى الأمر

هذا الشاب يتسلى فقط بإيقاعهم ببعض ثم يقف متفرجا !

 

لم يترقب مليك منه ردا أكثر من ذلك فأشار لليل " هيا يا ليل .. لنذهب عزيزتي "

 

عزيزته !

 

" أنا أوصلها "

تكلم فجر بصوت واجم منغلق فالتفتت له ليل مصعوقة بينما يحدق بها ببرود قبل أن يشير بكفه " هلا ذهبنا .. أهدرنا وقتا بلا طعم "

ابتسم مليك بمكر وقال " طيب .. ربما وقت آخر أنال شرف توصيلك عزيزتي "

 

أومأت له وتنحنحت تتحرك بجانب فجر الذي سبقها بخطوة ..

ليتها تملك قدرة الرفض !

لكن كيف يتعطف عليها القدر بلحظات زائدة تقضيها قربه وترفسها !

 

لم يفتح لها باب السيارة .. بل كان فاقدا الصبر كليا لدرجة محرجة لكنها صعدت بجانبه تحاول رسم الهدوء مستعينة بوصايا شروق

 

بدأ يقود السيارة خارجا من المرأب نحو الطريق يمر بوقفة مليك وجراي والأول غمز لها ملوحا بإصبعيه

فعلمت أنه تعمد ما فعل ولا تعلم لمَ !

لكنها ابتسمت مفكرة بأنه حقا مستفز لكن ليس شريرا كما يظهر

 

التفتت إلى فجر فأجفلت بمراقبته الباردة لها يرى ابتسامتها لمليك فقست تعابيرها .. قبل أن يعود منتبها للطريق بصمت بالغ

 

تحرك مليك خلفه جراي إلى المرأب ليرحلا .. سأل جراي يفتش بعينيه " أين ركنت الدر .. "

قطع كلماته الصوت المميز لسيارة مليك وقد فتحها عن بُعد

تسمر جراي ينظر للسيارة التي يفتح مليك بابها ليصعدها قبل أن يهتف بنزق " بالله عليك أخبرني فقط بما تفكر أنت "

 

ابتسم مليك ابتسامة جانبية وهو يستند على سقف سيارته السوداء بمرفقه يرد بثقة " لن تعرف أبدا "

 

............................

 

كان الصمت خانقا

ثقيلا جدا ولا قرار له

بلون معتم كلون الليل الحزين

بطعم يشبه طعم الذكريات بينهم

متأرجح .. صاخب .. مشحون

 

تمنت لو يقطعه بأي لفظ أو حركة

تمنت لو يصرخ .. لو تعود لتلك اللحظة التي سألها فيها كيف استطاعت جرحه

ربما هي لا تحتاج إلا التحرر من طول الكتم

لو تصرخ في وجهه

لو تطلب السماح حتى وإن كان مستحيلا

يكفيها أن تأمل منه رحمة حتى وإن لفظها قلبه

 

استدارت بوجهها ناحيته فوجدته متشنجا لا يرفع عينيه عن الطريق بل ولا يرمش

يمكنها أن تعلم أنه يعد اللحظات فقط ليطردها من قربه

ورغم كل سلبية مشاعره لكن الدفء يغمرها في تلك المساحة المحدودة التي تجمعها به

 

ابتلعت ريقها

منذ لقائها مع شروق الذي أمطرتها فيه بالوصايا والتحفيز ..

 

حتى أصبحت تلتزم بالصلاة والقرآن وتتحلى بالتماسك والتجلد ومناجاة الله في ظلام روحها ..

 

تنهدت بقنوط من نفسها ..

لتتكلم .. لتهمس باسمه متشجعة وتواجه .. أليس هذا ما تتمناه مؤخرا

فتحت فمها وأغلقته باضطراب

فكرت للحظات ثم عادت تلقن نفسها بعشوائية لتعود فتح فمها منادية

 

إلا أنها لم تكد تتم أحرف اسمه حتى كان يقف بحركة حادة أجفلتها بينما يقول مبعدا وجهه عنها " وصلنا "

بتشوش أدركت أنها أمام البيت !

 

عقدت حاجبيها

أحيانا يكون العيب الوحيد لبعض المسافات .. أنها تنتهي !

 

عادت له قائلة " فجر .. "

قاطعها ببتر حاد " انزلي من السيارة "

 

عاندته بيأس " فجر .. من فضلك "

التفت لها بحركة حادة يزجرها " انزلي من السيارة يا ليل "

غضبت تقارعه متخبطة " إن كنت لا تطيق قربي فلماذا وافقت باصطحابي "

 

كان سؤالا منطقيا وكان مستعدا له

فرفع حاجبيه يجيب بثلجية نظراته ونبرته المحتقرة " لأثبت لكِ أنكِ لستِ بتلك الأهمية التي تجعلني أفر منكِ .. والآن انزلي "

 

هزت رأسها بألم " كفى أرجوك "

انفعل عليها فمال ناحيتها لتتراجع شاهقة بعدم فهم تشاهده وهو يفتح الباب يطردها بقسوة " تحلي ببعض الكرامة وانزلي "

 

كأنه لكمها فارتدت للخلف

نظرت لقسوته التي تنحت وجهه قبل أن تومئ وهي تترجل من السيارة .. فأجفلها بسرعة انطلاقه قبل حتى أن تغلق الباب ورائها

 

نظرت له مصدومة من مدى تطرفه في لفظها واحتقاره لها

نكست رأسها ودخلت لبيت الحكيم متجاهلة أي حديث أو نداء تدلف لغرفتها وتغيب في حمامها جالسة في حوض الاستحمام تسمح للقطرات الباردة أن تنهمر فوقها متمنية لو تغسلها من كامل ذنوبها

 

علّها تنجح في التطهر فلا يخشى أحد من تدنيسها له !

 

إلى متى ..

إلى متى هذا الاحتقار والطرد الجائر

إلى متى لا تستطيع مواجهة حتى نفسها .. إلى متى تؤمن أنها للأبد تستحق أن تبقى ملعونة لا يُثق بها

إلى متى النبذ وإحساس الغربة

إلى متى الخرس وتقييد الروح

 

تنهدت بارتجاف ونهضت تنهي استحمامها وتخرج لاجئة للصلاة

قبل أن تنتهي وتقف قرب النافذة ناظرة عبرها بملامح كئيبة تسترجع بعقلها كل الأحداث التي صارت معها في السنين الأخيرة

وتركز على كل التحولات التي طرأت عليها وكل ما نفذته

وتعود مدققة بحالتها الميؤوس منها الآن !

 

همست لنفسها فجأة " إلى متى يا ليل .. إلى متى ! "

 

" ليل .. ليل إلى أين " هتفت عالية بعدم فهم وهي ترى ليل تنزل مسرعة من غرفتها ترتدي حلة رياضية سوداء اللون .. لم تتوقف ليل وهي بملامح عازمة توجهت نحو الباب خارجة تصيح " فيما بعد خالتي "

 

........................

 

سقط بالسكين الحاد فوق قطعة اللحم يقسمها في لحظة ..

توجس حسن وهو يدنو منه يحاول الممازحة " هل تنتقم من اللحم أم ماذا ! "

لم يرد عليه فجر فعبس حسن باهتمام " فجر .. هل حدث شيء معك ؟ "

قبل أن يتجاوب فجر ارتفعت الطرقات على الباب عالية قوية

اتسعت عينا حسن يستهجن " من الذي يطرق بهذا الغباء "

سار نحو الباب ليفتحه وهو عاري الجذع .. فأجفل متحرجا وهو لم يتوقع استقباله لليل في وجهه !

 

تنحنح حسن قائلا بحذر " ليل "

ارتفع حاجبا عمر وهو يرفع رأسه عن حاسوبه متفاجئا بها بينما هي تقدمت تقول بتردد غير مركزة مع هيئته " حسن .. هل فجر موجود "

ظهر لها فجر فجأة من المطبخ يفغر فمه وهو عاري الجذع كصاحبيه يمسك بيده سكينا أرعبها بلا سبب محدد ..

 

خرج يهمس ذاهلا " ماذا تفعلين هنا بالضبط ! "

تقدمت تدلف للشقة ترد " فجر .. أنا .. "

بتر عبارتها وهو يصرخ راميا السكين على طاولة جانبية " إلى أين تحسبين نفسك داخلة ؟ .. ما هذه الوقاحة ! "

امتقع وجهها في الحال فصاح فجر في صاحبيه بعصبية " ارتديا شيئا حالا "

تحرك حسن يرتدي قميصه وألقى سترة خفيفة ناحية عمر الذي استقام على مضض يرتديها ثم تكتف مراقبا بفضول القادم

عاد فجر بعينيه لها فهجم يمسك بذراعها بغلظة " ماذا تفعلين هنا .. كيف تجرؤين على القدوم ليلا لشقة يسكنها فقط رجال "

 

هزت رأسها بيأس توقفه " توقف .. أنا بحاجة للتحدث أرجوك .. يكفيك تقريعا لي ! "

تخشب أمامها هامسا " ماذا تريدين .. ماذا لديك لتتحدثي به .. لم يعد لدينا ما يجمعنا لنتكلم بشأنه "

حركت رأسها مع كل كلمة ينطق بها تنفي بأسى وقالت " لدي الكثير .. أنا كتمت الكثير وأريد التحرر أرجوك "

 

تشنج فكه ثم قال " التكلم في أي شيء ؟ "

رفعت كفها تشير لنفسها وهمست " أنا .. آسفة "

أبعد عينيه وهو يبتسم بغضب لكنها لم تتراجع متابعة " أعلم .. لا شيء قد يليق بحق ما اقترفت معك .. لكني بحاجة لأن أقول لك .. أريد أن أحكي لك "

" تحكي لي عن ماذا " صرخ بصبر قليل فصاحت وهو تلوح بقبضتيها " عن تلك اللحظة التي كنت فيها الجانية عليك .. أشرح لك كيف كان شعوري .. كيف كنت أتمزق وأموت قبلك ألف مرة يا فجر "

تعقدت ملامحه ولم ينطق وعيناه تضجان بالإدانة التي أوجعتها بقسوة فهمست " والله كنت مجبورة .. و ربي كنت مجبورة يا فجر "

هز رأسه رافضا مبررها فشهقت ومآقيها تنبض دمعا حارا صادقا " أنا أعلم .. أنا مجرمة حقيرة لأني المتسببة الأولى في كل هذا يا فجر .. لكني كنت أخاف تركك .. أقسم بالله كنت مجبورة يا فجر .. أنا .. أنا .. لم أكذب في كل ما كان بيننا .. أنا لم أكذب في كل ما شاركتك إياه .. في كل ما حكيته يا فجر .. صدقني "

من جديد لم يتنازل فأخذت تهذي بجنون ودموعها تتساقط ملتهبة " اسألني .. اسألني فقط عن تلك الأشهر المعذبة التي قضيتها أخشى النوم فيها كل ليلة ولم يكن يواسيني إلا طيفك .. اسألني كيف كنت مضطرة لخسارة نفسي .. اسألني كيف كنت أجاهد للتمثيل فقط لأردعهم عنك .. كيف كنت أعيش وحيدة باردة بين وحوش لن تتوانى عن نهشي عند أول خطأ .. كيف كنت أسير على حافة سيف يدميني .. يذبحني .. وكنت ابتسم يا فجر خشية انكشافي "

 

أحنى فجر رأسه مبعدا عن عينيه مرآها المنكسر فصرخت أمام نظرات صاحبيه المشفقين تقول " تسألني كيف أمكنني ! .. لقد أُجبرت .. كما اضطررت لسنوات على تحمل الجلد والضرب والاهانة والوجع والنبذ .. أنا دائما كنت مجبورة "

 

رفع فجر وجهه لها صائحا " تبا لكِ .. أنتِ من تخليتِ .. لماذا إذن سحبتِ قلبي معك في هذا .. لماذا كانت كرامتي مباحة فانتهكتِها بتلك البشاعة .. ما ذنبي .. ما ذنبي في كل هذا يا ليل "

ربتت على صدرها كأنها تستعطفه " خفت عليك .. أمك صفعتني بالحقيقة .. أعلم أني آلمتك لكني كنت أصرخ وجعا قبلك ألف مرة يا فجر "

 

شهقت تبكي مستكملة " أنا تعبت .. أرجوك .. تعبت .. أعلم أني لا أستحق غفرانك لكني كاذبة عندما قلت أني لا أنتظره .. سامحني .. سامحني أرجوك يا فجر "

 

تأملها بصمت فعادت تشهق وتنتفض ببكاء عنيف تكرر " أنا أعلم أن لا مجال بيننا .. ولكن .. أرجوك سامحني .. توقف عن معاملتي باحتقار كلما رأيتني .. أعرف أني بشعة لكن صدور ذلك منك بالذات يكون مؤلما بشدة وأنا والله تعبت من كثرة النبذ .. أرجوك .. أرجوك "

 

تبادل حسن النظرات مع عمر وقد تفاجأ أن الأخير كان فاغرا فمه مشفقا بشدة ..

 

فعاد يرمق فجر الجامد وأحس بالعتب على تلك القسوة التي يصدرها فجر لها وهي بكل هذا الضعف أمامه ..

 

مدت ليل يدها تريد لمسه إلا أنه ابتعد خطوة متشنجا فعلقت كفها في الهواء تتوسله " لا تفعل أرجوك "

لم يرد عليها ولم يهتز فأغمضت عينيها قائلة بتقطع " والله أنا لم أحب غيرك بحياتي .. أنا أحببتك أكثر من نفسي يا فجر .. أنا أحبك .. فقط سامحني أرجوك "

عم السكون لا يقطعه إلا شهقاتها الباكية .. فتحت عينيها تئن وهي تنظر لمراقبته الجامدة الخالية من أي تعاطف ..

 

" فجر " همست بوهن وقد نفذت طاقتها وحيلها فغمر صدرها البؤس

" كرامتي غالية " همس كاسرا ثقل صمته وأردف " بعتها نعم .. لكني كنت أفتدي بها يا ليل .. أما بيعك أنتِ .. فلا أستطيع نسيانه .. لا أقدر "

مالت ملامحها ولا زالت تشهق قائلة بمعاناة " أنا أفعل أي شيء لسماحك يا فجر .. أي شيء أقدمه لجبر كرامتك صدقني "

هز رأسه رافضا " لا شيء يعادل كرامتي عندي بعد فعلتك "

نكست رأسها فتهدلت خصلاتها حول منها بصورة عجز مقيت ..

 

أبعد وجهه للناحية الأخرى منتظرا فقط أن ترحل عنه .. بينما يسمعها تهذي ببعض الهستيريا  " أفعل أي شيء .. صدقني .. أي شيء والله "

 

تخلى حسن عن صدمته يدنو منها قائلا بتعاطف " ليل .. اهدئي .. تعالي لأوصلك للبيت "

بدت غير متزنة تماما وهي تكرر " أفعل أي شيء فقط أريد التحرر .. أنا تعبت .. تعبت "

" ليل .. تعالي معي " قال حسن بحذر في نفس الوقت الذي التفت لها فجر بعينين فاقدتي الانفعال يردد " أي شيء ! "

انتفض جسدها كأنه يلوح لها بعلاج مرض مزمن تؤكد باختلال " أي شيء .. سأقدم لك أي شيء "

 

رمقها فجر بنظرة غريبة أثارت قلق حسن الذي استدار يتبادل النظرات مع عمر المترقب

بينما تقدم فجر يقول بصوت مكتوم " كرامتي .. ما يوازيها لديك .. غاليا "

قطبت بوعي متمايل من فرط الانهاك فهمست برهبة " ماذا ؟ .. ما الذي يوازيها ! "

 

صمت عدة لحظات !

ثم فتح فمه يصرح بنبرة مظلمة " روحك "

فتحت فمها ترمقه شاحبة فانتفض حسن يهتف " فجر .. هل جننت "

 

لم يكترث فجر إلا بها وهي متحجرة أمامه وأنفاسها حُشرت ليتم كلامه " عندما ارتكبتِ ما فعلتِ بحقي يا ليل .. لم اشتهِ إلا شيئا واحد .. وهو موتك "

شهقت بغور وأعين زائغة فتابع معمي بقسوته وفرصته الذهبية في الانتقام " أمام روحك .. أنا سأصدقك .. سأسامحك .. سأعرف بأنكِ حقا أحببتني حتى أكثر من نفسك "

 

صرخ حسن فيه " فجر توقف حبا بالله .. ماذا تفعل يا مختل ! "

زمجر فجر يدفعه بجنون " أنت لا تتدخل .. لا يتدخل أحد "

عاد لها بحدة يتنفس بعنف وتخبط مكررا وهو يشير بسبابته نحوها ثم إليه " روحك .. أمام كرامتي "

وبحركة سريعة مد يده يسحب السكين من فوق الطاولة يفرده أمامها مغويا ..

 

وفرد كفه الآخر محركا أصابعه يسرد كامل عرضه المغري " إن أحسست بدمائك حارة فوق راحتي .. فسامحتك يا ليل "

 

مد لها السكين أكثر يناوشه بعينيه أمام صاحبيه المراقبين بتخشب الصدمة ..

 

بينما هي ارتجفت تنزل بعينيها ناحية السكين اللامع الذي بدا كأنه يناديها متحديا ..

 

إنها بالفعل لا تملك ما تعيش لأجله

فلمَ لا يكون السماح آخر أمنية بعيدة المنال .. فتنالها !

..................

انتهى الفصل
وضروووووري جدا تحكولي آخر تطورات مشاعركم تجاه فجر لحد الآن ؟
في كتير كانوا متعاطفين معاه وكارهين ليل .. قولولي حاليا ؟؟؟
يلا .. مننساش الفوت وقولولي عاوزين فصل بكره ؟ 🤭💖💖

Continue Reading

You'll Also Like

1M 3.2K 58
⚠️ القصة دي شبه واقعية وتحكي أحداث معظمها حدث معي شخصياً بالفعل،⚠️ يعني معظم الشخصيات اللي فيها موجودة بمواصفتها لكن الخيال فيها إن مش كلهم بل معظمه...
195K 6.8K 20
ﺗﺤﺖ ﺳﺘﺎﺭٍ ﻣﻦ ﻇﻼﻡ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺃﺧﺬﺕ ﺗﺘﻠﻔَّﺖ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺑﺎﻧﺘﺒﺎﻩ .. ﺧﻮﻓﻬﺎ ﺍﻟﻌﻨﻴﻒ ﻳﻬﺰُّﻫﺎ ﺑﻘﺴﻮﺓ .. ﺃﻗﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﺧﻠﻔﻬﺎ ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﺗﻨﺘﻔﺾ ﺑﻌﻨﻒ، ﺩﻋﻮﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﺼﺎﻣﺘﺔ ﺗﺘﻮﺍﻟﻰ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ...
146K 4.3K 23
فتاة يتيمة تضطر للاستقلال بالمعيشة عن خالها لتفاجأ بشخص يتتبعها ويراقبها بكل مكان... ماتنسوش الڤوت والتعليقات لو سمحتم😍😍😍
623K 19.1K 37
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...