فجري أنت ، بقلم آلاء منير

By AlaaMounir201

638K 22.4K 6.3K

ماذا يحدث عندما تتلاقى سمو المبادئ مع دنيا الرغبات ! عندما تضعك الحياة بين اختيارين أحلاهما علقم .. عندما تُخ... More

تواقيع الأبطال
المقدمة
الفجر الأول
الفجر الثاني
الفجر الثالث
الفجر الرابع
الفجر الخامس
الفجر السادس
الفجر السابع
الفجر الثامن
الفجر التاسع
الفجر العاشر
الفجر الحادي عشر
الفجر الثاني عشر
الفجر الثالث عشر
الفجر الرابع عشر
الفجر الخامس عشر
الفجر السادس عشر
عودة 💫
الفجر السابع عشر
الفجر الثامن عشر
الفجر التاسع عشر
تنويه 😍
الفجر العشرون
الفجر الواحد والعشرون
الفجر الثاني والعشرون
الفجر الثالث والعشرون
الفجر الرابع والعشرون
الفجر الخامس والعشرون
الفجر السادس والعشرون
الفجر السابع والعشرون
الفجر الثامن والعشرون
الفجر التاسع والعشرون
الفجر الثلاثون
الفجر الواحد و الثلاثون
الفجر الثاني و الثلاثون
الفجر الثالث و الثلاثون
الفجر الرابع و الثلاثون
الفجر الخامس و الثلاثون
الفجر السادس و الثلاثون
الفجر السابع و الثلاثون
الفجر الثامن و الثلاثون
الفجر التاسع و الثلاثون
الفجر الأربعون
الفجر الواحد و الأربعون
الفجر الثاني والأربعون
الفجر الثالث و الأربعون
تابع الفجر الثالث و الأربعون
الفجر الرابع و الأربعون
الفجر الخامس و الأربعون
الفجر السادس والأربعون
الفجر السابع و الأربعون
الفجر الثامن والأربعون
الفجر التاسع والأربعون
الفجر الخمسون
الفجر الواحد والخمسون
الفجر الثاني والخمسون
الفجر الثالث والخمسون
الفجر الرابع والخمسون
الفجر الخامس والخمسون
مهم 💖
وحشتوني 💖
الفصل السادس والخمسون
الفجر السابع والخمسون
الفجر الثامن والخمسون
الفجر التاسع والخمسون
الفجر الستون
الفجر الواحد والستون
الفجر الثاني والستون
الفجر الثالث والستون
الفجر الرابع والستون
الفجر الخامس والستون
الفجر السابع والستون
الفجر الثامن والستون
الفجر التاسع والستون
الفجر السبعون
الفجر الواحد والسبعون
الفجر الثاني والسبعون
مهم جدا
الفجر الثالث والسبعون
الفجر الرابع والسبعون
الفجر الخامس والسبعون
الفجر السادس والسبعون
الفجر السابع والسبعون
الفجر الثامن والسبعون
الفجر التاسع والسبعون
الفجر الثمانون
الفجر الواحد والثمانون
الفجر الثاني والثمانون
الفجر الثالث والثمانون
الفجر الرابع والثمانون
الفجر الخامس والثمانون
الفجر السادس والثمانون
الفجر السابع والثمانون
الفجر الثامن والثمانون
عيد ميلاد 👑🎂
موعد عودة 💖
الفجر التاسع والثمانون ( والأخير )
ختام الفجر ضي

الفجر السادس والستون

5.6K 281 120
By AlaaMounir201

مساكم براق يا لآلئ 🥳💖
بأمانة
كنت قررت منزلش فصل النهاردة
عشان الفوت أقل من اللي قبل كده وأنا بحدد التنزيل حسب استعدادكم
ففكرت إن الفصل طويل ومحتاجين فاصل لحد الفصل اللي بعده
بس طبعا عشان خاطر عيونكم وطلبكم بتنزيل الفصل قررت متأخرش عليكم 🥳💖
بس حابة أعيد التنويه على شيء مهم
العمل ضخم يا جماعة وحبكاته كتير وشخصياته أكتر
فالفصول طويلة خصوصا حاليا في عز ذروة الأحداث ونشاط الثنائيات وقصصهم
فعرفوني بردو إذا حابين ناخد مدة أطول في التنزيل وأنا معاكم💖
وطبعا بحدد عن طريق الفوت وباخد برأي الأغلبية
طبعا مش هرغي كتير عشان متسهروش أوي عارفة إنكم عاوزين تعرفوا يا ترى حسن هيتعمل شاورما ولا بانيه 🙈😂
فيلا بينا 🥳
وطبعا مننساش الفوت والتفاعل والآراء 🙈💖💖

...........

" يا مصيبتك .. يا مصيبتك يا نورين "

أخذت تولول وهي تتحرك عشوائيا في الصالة أمامهن بينما تفرك كفيها ببعضيهما تارة وأخرى ترفعهما لوجهها الشاحب البارد تمسده ذاهلة ذاهبة الأنفاس من شدة الذعر

 

توقفت فجأة مستعيدة ما جرى للحظة إلى أن همست تغمض عينيها بشعور مضني من الهلع " يا إلهي .. لقد ضربه حتى وهو مريض .. أفقده وعيه .. سيقتلنا بلا تردد "

 

" كفى بالله عليكِ " نهتها مياسة بعصبية فنظرت لها نورين يائسة لتتابع مياسة بحنق " ما تفعلينه لن يجدي نفعا .. اهدئي قليلا وكفى ولولة "

لوحت نورين تصيح بعجز " كيف تقولين هذا يا مياسة .. ألم تري نظرته كيف كانت "

 

ابتلعت مياسة قلقها تجيب بثبات " من حقه أن يُصدم .. لكن كل شيء سيكون تحت السيطرة فهو ليس غبيا .. وبالنسبة لحسن فهو مريض كما أن فجر معهما .. لن يقع السوء له .. تمالكي نفسك فقط "

 

زفرت نورين بارتعاش لكنها أومأت تجاهد للهدوء كي تستعد للقادم فهو لن يكون سهلا

 

ومياسة رغم ثباتها الظاهري سحبت نفسا عميقا تدعم به حالها .. فهي لا تقل قلقا عن أختها رغم ما يظهر عليها من تماسك

فنظرة عمر كانت .. مريعة بالفعل !

 

.......................

هو ممتن لوجود فجر معهما .. لولا فجر لم يكن ليعرف كيف سيتصرف حيال ما رأى ..

تلفه حالة من الصدمة تدفع كل خلاياه للارتعاد .. فتهتز أصابعه التي يتمسك عبرها بالسيجارة وكأنه لا قبل له بالسيطرة على نفسه

لقد أهدر عددا لا يذكره من السجائر حارقا أعصابه الثائرة عله يهدأ ..

 

إلا أن وبمرور الوقت لا هدوء ينتابه .. بل يزداد انفعالا حتى أحس بصدره يحترق من شدة الكبت

 

أنهى عمر سيجارته يرميها في سلة مجاورة تزامنا مع وصول فجر عائدا من البيت يحمل حقيبة وضع فيها ما أحتاجه حسن من ملابس ..

 

مر به دون أن يرميه بنظرة قد تعطله .. ذاهبا من فوره لحسن داخل المشفى التي يقف عمر خارجها ..

 

لقد أمره فجر بحزم صارم أن يتمالك نفسه خاصة وحسن كان فاقدا لوعيه حقا ولم يكن ليتصدى لأي حصار .. فاضطر هو – عمر – أن يكبح نفسه وظل يلهث بقسوة وجسد مشتد

 

طمأنهم الطبيب أن حسن سيكون بخير ولا يحتاج إلا للرعاية الطبية اللازمة فاحتجزوه بضع ساعات لمنحه ما يلزم .. وقد أبلغه فجر أنه يفيق ببطء وحرارته تستجيب للانخفاض ..

إلا أنه لم يلج إليه أبدا تاركا الأمر برمته لفجر

فجر الذي لم يجابه عينيه لحد هذه اللحظة هو الآخر

ولا يبدو مصدوما جدا مثله عقب ما رأى وسمع معه !

 

" سنعود للبيت به "

التفت عمر لفجر فرآه يدنو منه شارحا بهدوء " يرتدي ملابسه فقط و نرحل .. يحتاج لبعض الراحة والاهتمام وسنقدمهما له في البيت "

أكد على الجملة الأخيرة وكأنه ينبهه أن يستمر في الكتم والصبر احترامًا لمرض صاحبه

ثم غاب في الداخل مرة أخرى لبعض الوقت حتى خرج يسند حسن المتوعك بوضوح ..

 

تسمر عمر واقفا على بُعد منهما يراقب بتكتيف .. فنظر له فجر يطلب وهو يحيط بحسن جيدا " أحتاج لبعض المساعدة هنا "

تشنج عمر لا إراديا إثر السؤال .. إلى أن تنازل يرضخ لحكم رابط الصداقة

 

اقترب منهما يسند حسن من الجانب الآخر داعما له يحيل دون سقوطه في تشديد ..

 

توجها به للسيارة يساعدانه للراحة في الأريكة الخلفية .. وانحنى عمر تلقائيا يعدل له وضع ساقيه بجلوس مريح

 

بعد قليل كان فجر يقود السيارة وقد أوشك الشروق على الطلوع .. نظر بجانبه ووجد عمر يحدق في المرآة أمامه بوجه خشبي مشاهدا انعكاس صورة حسن النائم مريحا رأسه للوراء

 

عمر يمر بأسوأ حالاته حاليا .. يدعو الله فقط أن تمر هذه الأزمة دون خسائر حقيقية

كأن تُصاب صداقتهم بشرخ يصعب شفاؤه !

 

على عمر أن يسعى لتفهم حسن الصديق .. هذا اختبار حقيقي وشديد الحساسية سيقيس مدى قوة الثقة بينهما

 

وصلوا للشقة فصعدا الصاحبان بثالثهما متوجهين لإحدى الغرف التي تضم سريرا منفردا ضخما وساعداه للاستلقاء فوق الفراش الناعم ..

 

فرد فجر الغطاء فوق جسد حسن يخبر عمر دون مطالعته " أنا سأتولى الأمر من هنا .. اذهب أنت الآن وارتاح "

قالها مشفقا عليه مما يكابده لتقديم هذا السكون كله ..

أومأ عمر ممتنا للفرصة يلقي حسن النائم بنظرة طويلة ثم تحرك مغادرا الغرفة يتوجه فورا صوب الحمام واقفا أسفل تدفقات المياه الباردة يغمض عينيه مذعورا ..

 

ما الذي حدث من خلف ظهره ؟

هل حقا أخبره حدسه بوجود خطأ لكنه اختار التجاهل و الثقة فخذلوه جميعا !

 

شهق عمر مختنقا تحت القطرات القوية للماء يغمض عينيه في ارتياع

ضم قبضته يضرب الحائط ببطء رتيب ..

رغبة تشاغله ويردعها بمشقة .. فكرة غير مروضة تغريه بالخروج الآن وقتل حسن بلا تردد ولا حتى سؤال مسبق !

 

فهو .. لا يستحق حتى رأفة التمهيد باستفسار !

فتح عمر عينيه ناظرا للفراغ بوجه مظلم وسأل بداخله ..

ماذا اقترفت في حق الصداقة يا حسن !

ونورين .. ماذا اقترفتِ في حق أخيكِ ؟

 

خرج من الحمام بعد دقائق طالت به .. الماء يقطر من رأسه على فانلته الخفيفة الداخلية بينما يرفع كفيه معيدا خصلاته المبللة للخلف ببعض العصبية ..

اتبع الصوت القادم من المطبخ فدلف بوجه مشتد يراقب فجر الذي يجهز إناء ببعض المياه الباردة كي يصنع بعض الكمادات لحسن ..

 

التفت له فجر مستكشفا هيئته وقال بتأني " ستمرض يا عمر .. ارتدِ شيئا ثقيلا "

لم يأبه عمر بكلامه وإنما تقدم منه ينظر إليه مطولا ثم تحدث بتقرير " لا تبدو مصدوما يا فجر "

سكن فجر بغموض مغيظ .. ثم تباعد يصب اهتمامه على ما بيديه دون جواب ..

 

قطب عمر يتأمل ردود أفعاله بتدقيق ثم سأل ذاهلا " هل .. كنت تعرف شيئا ؟ "

حدق به فجر للحظتين حتى أرشده هادئا متجاهلا كلامه " بدل ملابسك وارتح قليلا يا عمر .. لم تنم لحد الآن "

حمل بعدها الإناء وتجاوزه بغية التوجه لحسن ..

 

اتسعت عينا عمر مما يرى وشحنات جنونية تلبسته على الفور تنفض خداع هدوئه الزائف .. ليتشبث بذراع فجر ويدفعه بعنف صارخا " كلمني يا فجر "

ارتطم فجر بالحائط من خلفه ينسكب بعض الماء المثلج على صدره إلا أنه مجددا لم يرد

 

لهث عمر ودنا منه يسأل ملوحا بغضب " هل كنت تعرف شيئا وكذبت عندما سألتك .. هل بينهما شيء يا فجر ؟ "

من جديد استمر سكوت فجر العاجز عن منحه المناسب واكتفى بالنظر إليه .. متعاطفا !

 

فغر عمر شفتيه ولهث أكثر حتى تكدست أنفاسه في حلقه من قسوة التدافع

حينها اندفع بنية الخروج يهتف وقد طفح كيل الصمود لديه " سأقتله "

 

أوقفه فجر بيد قوية على الفور " عمر توقف "

حاول عمر للتملص منه يريد التحرر والغضب كان كعصبة شُدت فوق عينيه تعميه عن كل منطق " اتركني أو فتكت بك قبله يا *** "

 

دفعه فجر بحزم صارخا " كفى يا عمر .. تمالك نفسك فورا "

اصطدم عمر بالحائط من خلفه يطالعه بعينين مخذولتين إلا أن اضطراب الجنون فيهما لم يخفت .. فلوح فجر بصرامة مستكملا " جنونك لن يفيد .. حسن ليس في كامل وعيه .. عندما يصحو افعل معه ما شئت .. ولكن حتى ذلك الحين لن تدلف لغرفته .. لن أسمح لك أبدا "

 

تصلب عمر يحدق به مكبلا و رفع يديه ضاغطا على جانبي رأسه بقوة مصدرا زمجرة شرسة كأنما هو أسد حُشر غصبا في قفص

 

أضمر فجر شفقته الغير مناسبة للموقف وأشار بسبابته محذرا " تمالك نفسك يا عمر أقول لك .. و حاول النوم .. أنت حقا تحتاج للهدوء "

 

نكس عمر رأسه يغلق عينيه متقبضا كل جسده ينبض بالانفعال المكتوم .. ليهز فجر رأسه بأسف ثم تركه يعود لحسن وخلّفه وحده يتعامل مع مشاعره مضطرا

 

دلف فجر لحسن الذي كان يتململ فوق السرير نائما وهو يتأوه .. دنا منه يضع كفه فوق رأسه يجس حرارته

بدأ بعدها بالاهتمام به واضعا الكمادات الباردة فوق رأسه

فعبس حسن يتأوه مجددا ليهمس فجر مقرعا ببؤس " بالله عليك أي حماقة ارتكبتها في حقك وحق صاحبك وحبيبتك .. لعنة الله على غبائك يا حسن "

 

تقلب حسن قليلا حتى فرق أجفانه متأملا السقف فوق منه بسكون .. أحس بكفي فجر فوق رأسه يبدل الكمادات له فنظر له مطالبا بحلق جاف " أريد أن أشرب "

نهض فجر يصب له كوب ماء وساعده لرفع جذعه قليلا ليتجرع الكوب كاملا ..

 

تمدد من جديد يضع رأسه على الوسادة المريحة وأغمض عينيه يشعر كأنما مطارق تضرب وتضغط فوق دماغه ..

 

وجه أحداقه لصاحبه قائلا بيأس مفاجئ " هل أفسدت الأمر "

نظر له فجر سائلا بدوره " هل تذكر شيئا "

سكت حسن لبرهة يسعى للاستذكار ثم قال زائغا " أذكر بأن سوءا قد وقع "

تنهد فجر يحتويه متريثا " لا تفكر كثيرا .. أنت بحاجة لترتاح "

 

لم يتجاوب حسن كأنه عاد لنومه فجأة .. حتى تململ يفتح عينيه هامسا بتشوش " باحت لي بحبها "

ضيق فجر عينيه ونظر له غير فاهم تماما ليضيف حسن بهذيان مرتجف " أخبرتني بحبها فطار أنا عقلي .. لم أصدق .. ضعت وضاع صوابي "

 

لم يعلق فجر الذي رفع حاجبيه مندهشا .. فتابع حسن غير مصدق " بعد كل هذه السنوات يا فجر .. أحبتني حلوى القطن .. كنت قد .. فقدت الأمل .. بقربها "

ابتسم فجر بحنو رغما عنه فضحك حسن بتحشرج يهمس أكثر " كانت قبالتي تحت المطر .. ترتعد بحيائها وتهمس .. أحبك يا حسن "

 

زاد ضحكه فسعل في نهايته ليسترسل محمومًا " كان يتوج رأسها السماء مزخرفة بقوس قزح الملون .. كأنما هي جنية طيبة زاهية .. تبزغ الألوان على شرف وجودها "

 

اتسعت ابتسامة فجر يربت على كفه متفاجئا مما يسمع من هذيان عشق مميز .. فتعكرت ملامح حسن وقال برجاء " لم أقصد إفساد الأمر صدقني .. لكني لم أعِ إلا وأنا أجن بحبها .. والله كنت سأخبره "

" اتركها لربك " طمأنه فجر مهونا فهز حسن رأسه يترنح ليربت على كتفه فجر مخففا عنه بلين " نم الآن يا حسن .. كل شيء سيكون بخير .. أنا بجانبك "

 

لم يرد حسن وهو يعتدل نائما على جانبه منكمشا تحت الغطاء فقام فجر بتبديل الكمادات له وتعديل غطائه .. حتى سمع حسن يهذي وهو يغط في نوم معذب " إنها .. تحبني .. قالت أحبك يا .. حسن "

 

فقد الوعي بعدها نائما بعمق مرضه .. فزفر فجر مغمغما بشفقة " سترها الله عليك يا حسن ! "

 

........................

 

اليوم التالي ..

 

نام حسن مريضا ليوم كامل .. في المقابل قضى عمر هذا اليوم الطويل بلا نوم ولا زاد

اكتفى فقط بحرق السجائر يقتل بها الوقت الثقيل وصد كل محاولات فجر معه

 

مياسة اتصلت بفجر بعد أن ضاقت بها السبل لمعرفة ما جرى

خاصة وعمر لا يرد مطلقا ولا حتى على نورين التي جفف الخوف الدماء في عروقها وانهارت في البكاء مرتعبة .. فأبلغها فجر أن جديدا لم يحدث .. بعد !

 

في الصباح كان حسن يستفيق من نومه العميق مصدرا الأنين

رمش يدور في الفراغ ببصره المضبب لبضع لحظات حتى وقع على فجر الجالس فوق الكرسي بجانب السرير يسند رأسه نائما ..

لقد انكب فجر على رعايته في مرضه ولم يهمله لو للحظة

 

نهض حسن جالسا وهو يتوجع بكل عضلاته المتحجرة بينما ينظر للساعة ..

هز فجر بكفه يناديه فاستيقظ الأخير يدلك رأسه ورقبته حتى سأل وهو يتفحص حرارته " صباح الخير .. كيف تشعر اليوم "

أومأ حسن يغمغم " أنا بخير "

حثه فجر وهو يستقيم " انهض إذن .. تحمم أولا كي تستفيق .. حرارتك جيدة "

 

أومأ حسن ثم التفت حول منه واستفسر " أين عمر "

رد فجر باقتضاب " يكون بالصالة "

سكن حسن للحظات مبتئسا فنبهه فجر " لا تقلق .. لن يدخل إليك حتى تكون مستعدا "

 

سكت حسن برهة ثم همس بشرود " بل أنا من سيخرج له "

عبس فجر يخالفه " أنت لا زلت مريضا يا حسن "

استقام حسن ببطء من رقدته وأجاب وهو يسير نحو الحمام " أنا بحاجة للتحدث إليه .. لن أحتمل أن يصبر هو علي أكثر من ذلك .. إنه يعاني "

 

بعد وقت قصير كان يغادر الحمام مرتديا كامل الملابس التي منحها له فجر و يجفف شعره بعناية ورفق ..

 

وجد الأخير يقف قرب النافذة المفتوحة يتحدث في الهاتف بصبر " توقفي عن البكاء .. أخبرتك أنه لحد الآن لم يحصل شيء "

دنا منه حسن مقطبا باستفهام فأكمل فجر متنهدا " نعم .. نعم .. أنا معهما .. أنت فقط اهدئي وأنا سأتصل بكِ إن حدث جديد .. لا بأس يا نورين "

 

تحفز حسن وهو يسمع اسمها فرفع يده ساحبا الهاتف منه مناديا بلهفة " نورين "

وصلها صوت شهقاتها الناعمة ليتابع معذبا " حبيبتي .. لا تبكي "

عادت تشهق مرة أخرى تتألم مع ذاتها " أنا السبب .. تصرفت بطيش غير مقصود "

عبس يردها عن إحساس الذنب " لا تقولي هذا يا نورين .. أنا المخطئ .. كان عليّ أن أكون أكثر تعقلا "

لم ترد منخرطة في نشيجها فأطرق يواسيها بحنان رغم تعبه " نورين .. أعدك بأني سأصلح الأمور .. سأتحمل أي مما يصدر عنه .. اهدئي فقط "

 

مرة أخرى لم ترد وإنما تركت الهاتف من يدها تغطي وجهها باكية بقوة أكبر .. أخذ يناديها بلا فائدة فالتهب قلقه
و

صله صوت مياسة تقول ملطفة " نورين لن تقدر على الكلام الآن "

 

عقد حاجبيه بأسى وهي يرمق فجر الذي تكتف يهز رأسه مشفقا بعجز

 

طلب حسن بهدوء ظاهري كاذب " افتحي مكبر الصوت من فضلك يا مياسة "

ردت مياسة بعد لحظتي صمت " فتحته "

تنحنح حسن وقال مباشرة يوجه الحديث لنورين بينما يتحسس صدغه النابض ألمًا " نورين .. صغيرتي .. تماسكي .. دموعك عندي أغلى من أي شيء فلا تهدريها يا نورين "

اختنقت نورين بغصتها المستعصية ترفع وجهها ناظرة للفراغ وانصتت إليه بلا رد .. ليواصل واثقا رغم خوفه الباطن " أنا آسف لتدميري روعة الأمر بيننا بنهاية غير مستحبة كتلك .. لكني سأصلحها .. أنا سأخرج له الآن .. سأخبره بأنه خطأي أولا وأخيرا .. أنا أعرف عمر .. فهو .. صاحبي فوق كل شيء "

 

أغمضت نورين عينيها تتدفق منها سيول الدمع غزيرة مجددا

 

ليتنهد حسن مغمغما " حسنا .. أنا مضطر للذهاب .. توقفي عن البكاء أرجوكِ .. سلام "

لم يصله رد فلم ينتظر أكثر مغلقا المكالمة يعطي الهاتف لفجر الذي سأله مترددا " متأكد ؟ .. أنت لا زلت مريضا "

هز حسن رأسه متعنتا في قراره " أنا بحاجة لمواجهته .. بحاجة لتقديم اعتذار يا فجر "

 

على الناحية الأخرى بمجرد إغلاق المكالمة .. كانت مياسة تدنو لتربت على شعر نورين علّها تطمئنها

 

رفعت نورين عينيها تنظر لنفسها في المرآة أمامها وقد كانت جالسة عند منضدة التزين بغرفتها

حدقت بوجهها المنهك البالي طويلا ثم عقدت حاجبيها تهمس " لكن .. هذا ليس عدلا "

ضيقت مياسة عينيها بعدم فهم " عفوا ؟ "

صوبت نورين نظراتها لأختها تسهب " ليس عدلا أن يحمل هو الذنب .. بينما أنا المخطئة الأولى "

 

تقدمت ليل التي كانت ملتزمة الصمت تفارق جلستها فوق السرير وقالت " لم يكن ذنبك .. هو الذي تصرف دون عقل عندما أتى لهنا بتلك الهيئة المزرية "

ضربت نورين فوق المنضدة تهتف بحدة " حسن أخبرني مرارا أنه يرغب بالحديث مع عمر وأنا كنت أرفض وأنتما تعلمان .. وما أن رفضت حتى توقف عن التواصل معي احتراما لعمر .. فلماذا يكون هو المذنب أمام أخي ويداري على خطأي أنا "

 

عبست مياسة تسألها بحذر " ما قصدك بالضبط ؟ "

 

هبت نورين من جلستها تصيح بعزم بزغ من بين غيوم ملامحها المنهارة " قصدي أن علي تحمل تبعات أغلاطي "

أوقفتها ليل بقوة " توقفي .. هم شباب يمكنهم حل تلك الأمور بينهم بطريقتهم "

سحبت نورين سترتها الصوفية ترتديها فوق ملابسها البيتية المحتشمة وقالت واثقة تدحض قلقها من رد الفعل " وعمر يكون أخي .. ويمكنني حل الأمور معه بطريقتنا أيضا "

 

 حاولت مياسة إحجامها تنادي " لا يا نورين "

لكنها كانت تحادث الهواء .. فهي فتحت الباب وخرجت بالفعل قاصدة عنوان أخيها

فركضت مياسة تلحق بها وهي تسب وتلعن التهور وأصحابه

 

.........................

 

فُتح الباب وصوت انفتاحه وكأنه إشارة لعضلات جسده لتتيبس وخطوطه تتوعر فوق صفحته الرمادية ..

 

نفث آخر نفس في سيجارته وطحن بقاياها في المنفضة ببعض الغل المتراكم في نفسه

 

التفت ببطء وكما توقع .. لقد صحا أخيرا يخرج ملاقيا عينيه

توقف عمر محله مسمرا بظهور الثاني أمامه .. فدنا حسن أكثر للوقوف قبالته مباشرة يتكتف بصمت طال لا يقطعه إلا مبارزة نظرات مختلفة من الطرفين

 

تنحنح فجر متدخلا بحذر " صباح الخير عمر "

 

لم يرد عمر ولا بنظرة ..

بل لم يرفع عينيه الحادتين الدائنتين عن حسن الذي تلاعب بأعصابه ثقل السكون فاستهل بصوت مبحوح لا يعرف ما يبدأ به " عمر .. أنت .. صاحب عمري "

لم يتجاوب عمر إلا أن عينيه أظلمت بقسوة جعلت حسن يرتبك قليلا لكنه تابع " قبل أي شيء .. أريدك أن تتذكر عشرة العمر بيننا يا عمر "

 

تجعد جبين عمر وكل كلمة يفتتح الآخر حديثه المهترئ تزيد من سوء الوضع حتى تهكم بمرارة " عشرة العمر آه ! .. تلك التي لم تصنها يا .. صاحبي "

هز حسن رأسه بقوة هاتفا " لا تقل هذا يا عمر .. ليس أنا من يخونك .. الأمر ليس كما تظن أقسم لك "

 

لم يرد عمر وهدوئه كان موجعا أكثر من ألف عجيج !

 

كان مصدوما جدا ولا يعرف من أين يبدأ .. ؟

ماذا الذي من المفترض أن يسأل عنه ؟

أي عار هذا الذي قد يتلبسه بينما يجرؤ على السؤال عن وجود علاقة بينه – صاحب عمره – وبين أخته الوحيدة !

 

" أنا أحب نورين ! "

 

نطق بها وارتجف فشدد من تكتيفه حول نفسه وقد جهل سبب الرعدة الحقيقي ..

 

أ لأنه أطلق سراح حب سكن بين أضلعه كمسجون طال عليه الحكم !

أم أن مرضه لا زال متربصا يهزه ويرفض تمام المغادرة !

أم .. كان حبس حبه في صندوق سري مغلق هو المرض الرئيسي له .. والآن يُشفى منه بعلاج الإشهار !

 

شحب وجه عمر بشدة يعقد حاجبيه مستمعا بصعقة أحرقت كل ردود أفعاله فتصنم ..

 

" كنت سأخبرك يا عمر ! "

استدرك حسن بوهن زاده إحساس الذنب وقد خنقه السكوت المحدق بهما متمنيا لو يقول الثاني أي شيء

هو يعرف جيدا بما يعيشه عمر الآن من صراع داخلي وهذا يقتله قبله !

 

من جديد لم يرد عمر الذي رمش بعينيه وقد انطفأتا خيبةً فجأة بشكل مُحزن

 

ابتلع حسن ريقه الجاف ودنا خطوة يتابع بصوت متقطع من المرض " عمر كنت سأخبرك صدقني أقسم بالله .. لا تنظر لي هكذا "

 

رفع كفه يتحسس جانب وجهه الذي يحمل بقايا حرارته المرتفعة و ينبض بالصداع وأخذ يهذي بدافع مجنون متوسل " يومها .. قبل العاصفة .. أخبرتك أني أريد التحدث معك .. هل تذكر يا عمر ؟ .. كنت أمهد لك .. كنت سأكلمك في هذا الأمر .. إلى أن اضطررت للمغادرة و .. "

 

" نعم .. أتاك اتصال ثم ذهبت " تكلم عمر بغتة شاردا ينهي صمته الطويل .. فعقد حسن حاجبيه يلتبس عليه الأمر للحظة وبقايا مرضه لا تسعفه في سرعة الاستيعاب ..

 

رفع عمر عينيه الداكنتين إليه بتفحص يدك جميع حصون الآخر حتى فتح فمه مستفهما بتمهل " مع من تحدثت ؟ "

فغر حسن فمه يردد باختلاط " ها ! "

سكن عمر دون رد مباشر .. بل تقدم منه خطوة حتى أصبح أمامه تماما مضيقا المهرب عن عينيه وشرح ببطء نبرته تحمل معنى غريبا " كنت ستخبرني .. حتى تحدثت بالهاتف وغادرت متعجلا .. فإلى من ذهبت يا حسن ؟ "

 

امتقع وجه حسن في الحال بإدراك متأخر لمغزى سؤاله المرعب

يا إلهي .. ذهب لها !

 

هز رأسه يرفع كفه الذي يحمل آثار المحاليل الطبية التي تغذى عليها طوال الليل ومسح عنقه يهمس بخزي " عمر .. أنا .. "

" مع من .. كنت تتحدث يا حسن " بتر باقي تلعثمه بسؤال صريح ضغط فيه على كامل الأحرف .. فلعق حسن شفتيه الجافتين بطرف لسانه وسكت بنظرة كانت كافية كإجابة واضحة أشبه للكمة موجهة لصدر عمر الذي زوى حاجبيه ببطء ذاهل غير مصدق ..

 

ليقول حسن مندفعا " اسمعني يا عمر .. دعني فقط أشرح لك "

لم يبالِ عمر الذي التفت خلفه يطالع فجر الواقف قريبا منهما متحفزا لأي قادم .. عاد بعدها لحسن يطرح بصوت بدا خائفا حقا من الإجابة " هل كانت .. أول مرة ؟ "

 

شحب حسن عند السؤال .. بينما عيناه تلقائيا توجهت لفجر الذي يلوح إليه من خلف عمر يأمره بهلع أن يكذب

اكذب يا حسن ..

اكذب ..

 

" حسن " ناداه عمر يعيد إليه عينيه مترقبا الجواب .. ليتأمله حسن قبل أن يسبل أهدابه مختارا المرور بدرب الصراحة رغم شوك العار المنثور فوق طرقاته " لا يا عمر .. لم تكن أول مرة "

 

تراجع عمر خطوة لا إرادية وكأنه طُعن بيد صاحبه فناظره مصدوما بينما رفع فجر كفيه يغطي وجهه كاتما سبابه الساخط

 

ليعاود حسن التطلع إلى عينيّ عمر مغمغما باختناق وصدق " أنا آسف يا صاحبي ! "

 

" صاحبك ! " ردد عمر مبهوتا وحرك رأسه بلا هدف يكرر " صاحبك !! "

توسله حسن " عمر اسمعني .. الأمر ليس كما تظن "

لم يستمع عمر الذي بدأ يغيب عنه هدوئه كخط من لهب يعدو نحو البارود وهذى " أنت .. وأختي "

هتف حسن برجاء " عمر .. أقسم لك أنا .. "

 

خرس فجأة بصفعة نزلت على وجهه أبلعته باقي مبرراته .. كاد فجر من علو صوتها أن يشهق خاصة وقد ترنح حسن إثرها ومرضه لا يعينه على الثبات

 

رفع حسن وجهه لاهثا وجنته تحمل آثار قاسية لأصابع عمر وهمس معقود الخلجات " عمر أرجوك "

كرر عمر بغير استماع له وصوته يفقد رتابة خفوته ببطء " أنت .. وأختي يا **** "

أنهى الجملة بصفعة أقوى وأشد وقعا على وجنته الثانية جعلت حسن يزداد تمايلا حتى كاد أن يسقط أرضا ..

 

حينها اندفع فجر يتشبث بعمر من الخلف هاتفا " عمر أرجوك .. لا زال مريضا .. لا تفعل "

دفعه عمر بضربة عنيفة منفجرا أخيرا كرجل فقد عقله " ابتعد أنت يا **** .. مثلك مثله حقير "

 

التفت بعدها يتمسك بحسن من تلابيب ملابسه وهتف باختلال وهو يدفعه للحائط بفتك " يا *** .. أخبرني .. أخبرني كيف خنتني .. أخبرني ماذا كنت تشعر بينما كنت أنا أتصل بك وحدك دون الجميع لتذهب وتهتم بها وتوصلها للبيت .. أخبرني كم كنت غبيا بينما أنت .. أنت .. "

رفع قبضته يلكم وجهه بمنتهى الغلظة مرة وراء أخرى صائحا مع كل ضربة " أنت *** .. **** .. يا **** .. مجرد بائس .. خائن .. عديم الشرف "

 

لكمة أخيرة كانت تقصم ظهر صمود حسن الذي انفجرت الدماء من أنفه وفمه وقد ضُربت رأسه في الحائط تشق جرحا في أعلى جبهته ..

ليسقط أرضا يلهث ويسعل باختناق دون رفع كفيه في دفاع عن نفسه حتى

بل كان متقبلا صابرا بطريقة زادت من جنون عمر ..

 

هب فجر يحيل دون استمرار عمر في ضرباته فيصدها هاتفا بجزع " كفى يا عمر .. توقف أتوسل لك "

زمجر عمر بعروق منتفخة من فرط الغضب وقد وصل لنقطة يفقد فيها كل حكمته فاشتبك مع فجر في عراك قوي استمات فجر فيه مدافعا كي لا يمس حسن المزيد ..

 

اندفعت الطرقات عالية متتالية فوق باب الشقة تزامنا مع صوت نورين المنادي برعب " عمر .. افتح لي .. عمر .. افتح يا أخي أرجوك "

 

تخشب عمر يلتفت محتدا للباب المغلق غير مصدق أنها امتلكت الجرأة للقدوم حقا !

 

دفعه فجر عنه وتوجه بخطى مسرعة يفتح لها مقابلا عينيها المرتعبتين ومن خلفها ظهرت مياسة تخرج من المصعد مصدومة من منظر فجر ..

 

إلا أن نورين رغم الارتعاب دلفت تبحث عن أخيها وهي تتنفس بعشوائية و تنطق ندائه برجاء " أخي "

 

وقعت نظراتها على حسن بوجهه المكدوم الملوث بالدماء فشهقت بهلع وصاحت بلوعة " حسن ! "

 

رفعت نظراتها لأخيها تندفع بخشية وذنب " يا إلهي .. يا ويلي .. ماذا فعلت .. إنه مريض .. ماذا فعلت به يا عمر "

 

اتسعت عينا عمر مصعوقا مما يراه مفضوحا أعلى خلجاتها دون مواراة حرج .. فصرخ وهو بغضب يوجه ضربة حاقدة بقدمه إلى ساق حسن جعلت الأخير ينتفض " اخرسي .. كيف تجرؤين أنتِ "

شهقت نورين  ممانعة " توقف أرجووووك .. لم يكن ذنبه .. أنا السبب يا أخي .. توقف .. أقبل يديك لا تضربه "

 

فتح حسن عينيه ينهاها بتحشرج " توقفي يا نورين "

 

هزت نورين رأسها تهتف بإصرار ولهاث باكٍ وهي تطالع أخيها " صدقني يا عمر .. أنا السبب .. كنت الرافضة لإخبارك .. لقد أخبرني أن يحدثك عنا وأنا كنت أرفض بغباء .. أرجوك صدقني .. والله أنا السبب "

 

أسند حسن نفسه للنهوض وقال يصدها بصعوبة " لا .. لم يحدث .. كفى يا نورين .. اسكتي أنتِ "

 

هتفت نورين بشجاعة " كنت السبب يا حسن .. أنا آسفة حقا لك .. سامحني أرجوك "

لهث حسن مصمما " لا .. لا لم تكوني .. فقط توقفي أرجوكِ أنتِ وارحلي الآن "

 

" كفى .. كفى " صرخ عمر بجنون وقد اشتعل من تقاذفه بينهما دون احترام لشعوره .. حينها وبغير عقل انحنى يمسك بكرسي خشبي صغير موضوع جانبه فرفعه وبعنف وقع به فوق ذراع حسن مدمرا الكرسي إلى أشلاء متناثرة فوق جسده " كفى يا **** "

استقبل حسن الضربة المباغتة يشهق ويتأوه بصراخ خائر بينما يسقط أرضا من جديد ويضم رسغه وكف يده إلى صدره وقد ظهر الألم واضحا نابضا على معالم وجهه التي تورمت من وقع الألم الثقيل المداهم ..

 

تخشب الجميع مصدومين بغير توقع لما صار ومياسة تهتف " يا مجنون "
 


" كفى يا ***** " صرخ فجر خارجا عن تجمده فدفع عمر بلكمة قاسية وهبط لحسن الذي يكتم شهقاته وقد أحس أن رسغه قد كُسر ..

 

لطمت نورين على وجهها في ذات اللحظة واحتجت بصراخ جنوني مذعور " لاااااااا .. توقف .. أنااااا السبب .. لا تلمسه أرجوووووك .. كفى .. حرام عليك كفى .. لا تلمسه يا عمر "

 

التفت لها عمر بأعين غاشمة وزعق بعنف وهو يدنو رافعا كفه في نية كانت واضحة أمام الجميع " أنت اخرسي .. اخرسيييييي "

 

شهقوا جميعا مبهوتين حتى مياسة المخرسة تصلبت مأخوذة من تتابع العنف الهستيري الذي انفجر قبالتها بغير مقدمات ..

 

عندها صرخت نورين مفزوعة تقفز دون تفكير للاحتماء من الصفعة ..

لتدنو منه هو دون الجميع ..

تتشبث بقميصه وتدفن وجهها في صدره لاجئة للأمان الفطري الذي نشأت عليه منذ أدركت الدنيا " أخي لا ! "

 

عم خرس الرهبة عقب المشهد المشتعل بألف انفجار وفرقعة ..

و لم يقطع السكون إلا اللهاث المتحشرج المتسارع في الصدور المشحونة ..

 

انفجرت نورين باكية بصوت عالٍ ولم تقدر أعصابها على استقبال المزيد مما تعيشه ولا زالت متعلقة بأخيها ترجوه ولا تعرف ما ترجوه بالضبط " أخي أرجوك .. أرجووووك يا عمر "

 

تشنج عمر وصدره يعلو ويهبط باضطراد أسفل وجهها الغارق بالدموع التي وصلت حتى بشرته متغلغلة قميصه .. إلى أن سمعته يهمس بخذلان كبير " كيف أمكنك تغفيلي يا نورين ! "

شهقت تظهر وجهها المنتفخ إليه مجيبة بالتياع " لم أفعل .. أرجوك فقط اسمعني .. أنا أخطأت دون قصد .. اسمعني أرجوك "

 

هز رأسه رافضا الاستماع فوقعت نظراته على مياسة التي تغطي فمها بأصابعها مشفقة لا تجد ما تقدم من دعم في هذا الموقف الصعب

فقط قابلت عينيه المخذولتين بنظرات مواسية معتذرة .. ليقول عمر مختنق النبرة " جميعكم مخادعون .. تبا لكم "

" عمر أرجوك " توسلته نورين بصوت مرير من شدة الندم والحزن إلا أن أشار بلا معنى ودفع أخته عنه لتصدر صوتا من حلقها رافضة تركه

 

إلا أنه كان كارها لوجود الجميع من حوله يكرر " كلكم مخادعون .. من الأخت للصاحب للحبيبة .. تبا لكم "

 

انتفض بعدها يسحب سترته فهتفت نورين " عمر لا تذهب أرجوك "

لم يستمع لها وهو يتوجه للباب لا يرمي فرد بنظرة .. فركضت نورين تتشبث بأذياله " عمر .. أخي أرجوك "

 

لم يتوقف يبعدها عنه بعصبية راحلا .. يقطع السلالم متهربا من وجودهم البغيض ..

فإن ظل بينهم أكثر فلن يضمن الآتي منه

 

انهارت نورين على ركبتيها تنخرط في بكاء أكبر خاصة وهي ترى هيئة حسن الذي لا زال جسده ينتفض من الألم ولا تفلح محاولات فجر في سد دمائه النازفة " يا ربيييييي .. أنا آسفة .. أنا السبب .. أخي .. أخي "

 

تقدمت مياسة منها تسندها قائلة برأفة " انهضي يا نورين .. لا يجب بقائنا هنا "

رفعت نورين عينيها المتقرحتين هامسة بارتجاف " أريد أخي أرجوكِ .. افعلي شيئا "

ساعدتها مياسة لتستقيم وقالت مهاودة باختناق " سيكون بخير .. لنرحل الآن .. هيا يا صغيرتي .. هيا وأعدك سنحل الأمر "

 

التفتت نورين لحسن الذي يهتم بجراحه فجر تهمس بأسى وألم " حسن ! "

 

سحبتها مياسة بقوة لطيفة كي تخرج معها من الشقة ثم من العقار كله عائدتين لدار الحكيم تسعى لاحتواء دموعها وتهدئتها طوال الطريق

 

وتركتا فجر يتلمس ذراع حسن بحرص مستكشفا .. حتى ارتج الأخير بوجع مفضوح ليقول فجر بلا صبر " انهض يا حسن .. أنت بحاجة لمشفى .. جرح رأسك يحتاج لتقطيب ورسغك يحتاج لأشعة لنتأكد أنه غير مكسور "

 

فتح حسن عينيه ينظر للثاني بزيغ ثم همس بثقل " أريد الهاتف "

عبس فجر ليعيد له مرتجفا " أريد الهاتف .. هات الهاتف "

أخرج فجر هاتفه قائلا بقلق " ماذا تريد من الزفت يا عم "

 

لم يرد حسن الذي بحث قليلا بين الأسماء .. حتى وجد ضالته ورفع الهاتف مستمعا للرنين نافذ الصبر مرتجفا من قوة آلامه المتفرقة ونزيف الجاري

 

حتى وصله الصوت الرجولي الهادئ فهتف بتقطع " سلطان .. أخي "

قفز سلطان من جلسته فوق سريره على الناحية الأخرى يصيح بلهفة " حسن .. ما به صوتك "

سحب حسن نفسا عميقا يثبت نفسه ثم تضرع له بعسر " سلطان أنا .. أحتاجك بشدة .. أريدك أن تأتي لي في .. أقرب وقت .. أرجوك "

صرخ سلطان بعدم فهم فأفزع انتصار بجواره " حسن ماذا هناك .. حسن .. حسن "

 

لم يقدر حسن على مزيد من الحديث يترك الهاتف متأوها من ألم رسغه الذي استند عليه دون قصد .. فصاح فجر معنفا " يا بني آدم انهض معي .. أنت تحتاج لمشفى .. هيا .. هيا يا حسن نزيفك لا يقف "

 

على الجانب الآخر حيث سلطان .. استمع لآخر كلمات فجر فاتسعت عيناه مذعورا

حينها أغلق المكالمة ودون تردد طلب سكرتيرته ينهش قلبه القلق

 

حتى وصله صوتها فبادرها مباشرة بعجل " أريد حجز تذكرة في أول طائرة ذاهبة **** .. أول طائرة حتى وإن كانت مساءً .. تفهمين ؟ "

 

........................

 

بعد يومين ..

 

وصل فجر لمقر المصحة يصعد لغرفة أمه فيدخل إليها بوجه هادئ لا يحمل فوقه التعابير الشقية المتلهفة التي آلفتها منه كلما أتاها

 

أصبح يأتي كمجرد ابن بار بأمه يقدم واجبه على أكمل وجه متبادلا معها أحاديث عابرة ثم بانقضاء الوقت يستأذن راحلا

 

لا زال يعلن خصاما قاسيا حتى على أمه .. وهو ما لم يحدث يوما

الآن وبسبب ليل حدث .. مما زاده حقدا على الأخيرة التي يحسها لعنة استولت على كل غالٍ في حياته

 

انكفأ يحاول ترتيب الغرفة هنا وهناك .. أو بمعنى أصح إن وجد ما يرتبه

فليل المنصوري تصر على التحدي وفرض وجودها متلحفة بمباركات أمه التي تحجم من قدرته على لفظها

 

فتقدم كل الرعاية والاهتمام بشروق وما يخصها وتبقي له اللا شيء !

غير فاهم أن نيتها الحقيقية هي إراحته ..

 

تأفف فجر فجأة وهو واقف في شرفة الغرفة ينزل الهاتف عن أذنه بعد أن فشلت محاولته الجديدة في الوصول لعمر المتغيب منذ يومين لا يرد على أي شخص .. أرسل رسالة لحسن يسأله إن كان قد وصل له والإجابة كالعادة .. لا

 

خرج للغرفة مجددا حيث أمه التي أنهت قراءة في مصحفها تغلقه وتضعه بجانبها فوق الطاولة ثم رفعت نظراتها تراقب ولدها متمعنة

 

سألته تنبهه لها " هل هناك مشكلة يا فجر ؟ "

نظر لها يجيب بأدب " لا .. مجرد عراك صبياني بين الأصحاب "

أومأت تغمغم " خير إن شاء الله "

أشار فجر يقول نائيا " أنا سأرحل الآن .. آتيكِ غدا .. هل تحتاجين لشيء "

 

نظرت له مبتسمة برقة ثم همست " نعم .. أحتاج "

قطب مترقبا بتوتر فأكملت " أحتاجك "

تجهم وجهه دونا عنه قائلا بصوت فظ " ماذا هناك يا أمي "

هزت رأسها تلومه بمزاح رقيق " لم تعد تدللني بشوشو "

توتر فمه يدير وجهه للناحية الأخرى ساخرا " وكأنكِ عدتِ بحاجة لدلالي بعد الآن ! "

صمتت بقصد فالتفت يحدق بها بعينيه الكسيرتين .. لتخبره بحب عندئذ " من تلك التي تجرب دلالك .. ويمكنها استبداله بآخر يا ولدي ! "

أطرق برأسه صامتا يرفض سعيها الصبور إليه .. ثم تململ يقول بعبوس " أنا سأرحل .. هل تريدين شيئا حقا "

تنهدت بعجز وقالت " أريد عناقا "

تأملها لفترة و ردها بفتور " توقفي يا أمي "

ارتفع حاجبيها ترنو له ببؤس وحادثته " هل كرهتني ! "

عبس على الفور يستهجن " أمي .. ماذا تقولين ! "

فردت كفيها تعلل نظرتها بطبيعية " أصبحت لا تطيق صبرا لتغادرني .. رغم أني تحدثت .. لم تعد تكلمني .. لم تعد تعانقني حتى وإن طلبت أنا "

 

رفع كفه مشيرا لصدره محتجا " لأني مجروح .. قلبي يحترق .. كسرتِ بخاطري وتستنكرين ألمي يا أمي "

 

فتحت ذراعيها لها ترجوه " تعال إلي لأطيبه "

 

هز رأسه رافضا يمانع بعذاب " لقد كبرت على كسبي بعناق يا أمي "
 


هبط ذراعاها بيأس وانحنى حاجباها بينما تهمس " هذه هي نقطة الاختلاف يا فجر "

عقد حاجبيه بعدم فهم لما تقصده لتلخص له " أنك لا تستوعب كونك دوما ستظل طفلي الوحيد "

لم يرد عليها فصوبت نظراتها المائلة إليه تردف " لن تكبر بالنسبة لي .. ستظل طفلا خشيت على ضياعه مني يا فجر "

" لست طفلا " صرخ بإباء وتابع " أنا رجل مسؤول عن قراراته وما اختار .. لست لعبة في أياديكما يا أمي لتحددا لي مصيري .. وبأسوأ الطرق "

لوحت أمه بقبضتيها تنفجر في وجهه " ستظل طفلي مهما كبرت "

توقفت تلهث للحظات ثم استرسلت بشراسة أم " إن قدرت فأحبسك في غرفة لأحميك .. سأضربك وأصفعك دون تردد .. سأفعل المستحيل كي أحميك مهما كان هذا ثقيلا على نفسك يا فجر .. قلب الأم لن يحتمل ضياع ولده .. وأنت كنت تضيع مني .. كان قبرك مفتوحا في نظرات والدها وأقسم رأيته يلوح لي بظلمة عينيه القاسيتين .. لم أكن لأفرط فيك يا فجر "

 

استمع فجر لكلماتها ولم يتنازل أمامها مصرا على التمسك بحقه في الجرح الجائر " كل ما تقولينه ليس عذرا لكسري أمام نفسي وأمام الجميع "

دنت أمه بكرسيها المتحرك نحوه ورفعت وجهها ناحيته تهمس دامعة " يا ولدي من كسرك ؟ .. لم يكسرك إلا يدك التي قبلت البيع من البداية "

 

انتفض جسد فجر بقسوة مؤلمة يصرخ " إياكِ يا أمي .. لا تفعلي .. أنا تبت .. ورغم هذا لم أفعل إلا لأجلك وحدك "

لوحت بقبضتها معترضة " ولماذا فعلت لأجلي .. إن كانت كرامتك غالية جدا فلماذا لم تتركني لأموت ولم تكن لتصبح مُدانا يا ولدي "

 

هز رأسه وقد شحب كليا وكأن مجرد الفكرة تقتات على دمائه .. لا يمكنه التفريط بأمه !

يفرط بروحه وبها لا يفعل

 

أومأت شروق بتفهم دون حاجة لكلمات وقالت " نعم .. نعم يا بطلي .. هكذا خُلقنا يا ولدي "

رمش يطالعها مهتزا لتضيف بحزن " أنا .. أنت .. وحتى ليل .. إن أحببنا فنقدم كل الغالي لأجل من نحب .. لأجلي بعت نفسك .. ولأجلها كررت البيع .. وأنا لأجلك وأجلك روحك الغالية على روحي .. ضحيت بكرامتك .. وضحيت ببنت اتخذتها ابنة لي وأحببتها من عمق قلبي .. وهي لأجلك ضحت بالأموال والجاه والسلطة وحتى بنفسها وراحتها .. كلنا كنا مقيدين بحبنا يا فجر .. لماذا تستنكر علينا ما حللته أنت لنفسك "

 

سحب فجر نفسا غاضبا يبعد نظراته عنها لا يرتاح لهذا النوع من التضييق عليه

 

رفعت يدها تشده من ملابسه بتوسل كي ينحني إلى مستواها ..

فلم يقدر بطيب قلبه المتأصل فيه على عصيانها أكثر .. لينفذ جالسا على ركبتيه أمام قدميها وهي تمد له كفيها محيطة بوجهه النحيل تقول بتهدج " بماذا أخبرتني أنت ؟ .. ذهبت لتوصي عمر عليّ أنا وهي في حال قتلوك ! .. وهل سيتبقى في عمري عمر بعد إهدار عمرك .. يا فرحة عمري .. كيف كنت لأتقبلها بعدك ؟ .. بل .. بل كيف كنت أتقبل نفسي أنا يا فجر وقد كنت أنا السبب الرئيسي لدخولك في كل هذا "

 

اعترض بضعف يغزوه تجاه أمه " لا تقولي هذا .. لم تكوني "

" بلى " قاطعته تواصل ودموعها أخذت تنهمر " كنت السبب .. لم يكن ليحتمل قلبي خسارتك .. لمن تتركني وترحل .. فأبكي وأصرخ حتى ألتحق بك من شدة الوجع .. كيف يأخذونك مني وأنا أرضى ! .. كيف أخسرك وأنت نصر حياتي الأهم .. كيف تكون بتلك القسوة يا فجر معي .. حرام عليك "

 

اشتدت ملامحه وكأنه يحيل دون بكائه ونهاها بصوت مكتوم " أمي توقفي .. أرجوكِ توقفي .. أنا هنا الآن "

هزت رأسها تهتف باختناق " أنت هنا لأني فعلت ما تدينني عليه .. ما ترفض مسامحتنا فيه .. ورغم هذا إن عاد الزمن لكررت ما فعلت بلا تردد .. لو عاد الزمن لركضت مقبلة أياديهم وأرجلهم ليرحموك ويرحموا قلبي المربوط بك .. والله لو أصبت بسوء لم أكن لأحيا ليوم بعدك يا فجر "

 

" أمي .. أمي كفى " أوقفها دون مقدمات يحتضنها وقد تألم قلبه ينبض حنانا غامرا غلبه .. فضمها لصدره بقوة مقبلا رأسها مرة تلو مرة يستطرد " اهدئي حبيبتي .. ستمرضين يا أمي .. اهدئي لأجلي أنا "

 

تشبثت به أمه تعانقه مشتاقة له ولرائحته التي ستظل دائما رائحة طفلها الذي لن يكبر أبدا رغم كمال رجولته الناضجة

 

أخذت تقبل رأسه ووجنته قائلة بدمع عينيها " لا تلم أمًا أحبت ابنها يا فجر .. أنت ابني .. ابني "

 

رفع يدها يضعها على فمه فيلثمها بقوة ثم أسند رأسه عند صدرها يطمئنها ويطمئن بها وقد انزاح كل الحزن منها برؤية دموعها

 

وهل كان سيتركها لتتوسله كي يصالحها !

لا أبقى الله فيه عمرا إن فعل كابن عاق لا يستحق أما برائحة الجنة مثلها .. !

 

بدأت تمشط خصلاته السوداء بأصابعها تهدأ وتكفكف دموعها بيدها الأخرى حتى قالت " حبيبي .. لا حرمني الله منك .. ولا من طلتك البهية .. وروحك الصافية "

 

أغمض عينيه يتمرغ بحضنها دون رد وقد عذبه طول الجفاء والنأي

أمه بالذات خصامها هو الأشد

 

مرت اللحظات يلفهما الهدوء ببطء إلى أن قطعت الصمت مستمرة في سعيها النبيل " فجر .. ليل مظلومة "

تشنج يبتعد عنها فتمسكت بوجهه كي لا ينهض تكرر بتصميم " أنا من ضحيت بها لأجلك .. أنت لست قاسيا حقا .. لست بهذا التجبر الذي تظهره يا فجر "

أسبل رموشه عنها لا يهبها ردا

فتنهدت تبلغه برفق " رغم كل شيء .. أنت لست ضحية "

نظر لأمه يبعد يديها عنه ساخرا " وهي الضحية ! "

" قد لا تعجبك الإجابة ولكن .. " ركزت بعينيها في عمق عينيه شبيهة ما تملك وأردفت " هي الضحية .. ليس فقط في أنانيتي كأم ألقت بها عند أول مطب .. ولكن ضحيتك أيضا "

استنكر هاتفا " أنا يا أمي ! "

أومأت بقوة تمسك بكفه بين يديها وردت " نعم يا فجر .. نعم يا ولدي أنت .. أنت عندما قبلت بالزواج منها كأنها جارية تُباع "

هب واقفا ينكر " لم أعلم برفضها أبدا عندئذ "

" لم تهتم بسؤالها أصلا " هتفت ساخطة بحزم وقد نفضت الضعف الماضي في المبارزة أمامه

لوح بكفه باستياء " ليست شريفة .. كنت لها وسيلة .. أنت لا تعرفين شيئا يا أمي "

واجهته بجأش " بلى أعرف .. قصت عليّ كل شيء يا فجر "

 

نظر فجر لأمه بوجوم ثم تحدث كارها " ماذا تريدين يا أمي ؟ .. تقولين بأني أنا الظالم الآن "

 

مدت كفها تلمس ظاهر يده هامسة بترابط " لا يا حبيبي .. بل أريدك أن تؤمن بأن ما حدث ويحدث هو نتائج لخطأ اقترفته أنت بنفسك .. أنت أخطأت يا فجر "

هتف حانقا بنفاذ صبر " يكفي يا أمي .. أنا تبت .. ندمت .. كرهت نفسي على ما فعلت .. يكفيني ذلا يا أمي لقد فاض بي .. إلى متى أتعذب بجريرة أتمنى لو أنساها فقط "

 

هزت رأسها نفيا تخبره بحنو " يا ولدي .. الإنسان لا ينسى ذنوبه أو يتجاهلها .. بل يتذكرها كي يتعظ منها ويتعلم وتكون له عبرة تنهاه عن التكرار "

 

لم يرد عليها فتنهدت قائلة " ليت البشر يتعذبون في الدنيا ويغفر الله لهم ما في الآخرة يا فجر "

 

ابتلع ريقه فشدته لها مجددا لينحني إليها وهمست وهي تتحسس وجنته الخشنة " افهم يا حبيبي .. ذنوبك لا تلاحقك .. بل أنت فقط من لا يتقبل نفسه كرجل أذنب وتاب .. أحب نفسك وسامحها يا فجر .. الله حليم ستار "

نكس رأسه ساكنا فقبلت جبهته وعادت تضمه لحنان عناقها قائلة " أرح نفسك .. وضميرك .. ولا تصر على التجبر .. كما ظلمتك الظروف .. ظلمتها يا ولدي "

أغمض عينيه للحظات ثم رفع وجهه وقال " أمي أرجوكِ "

رمقته أمه مترقبة ليفند أفكاره ثم حررها بجمود " اسمعيني .. يمكنني أن أرى مدى تعلقك بها وشفقتك عليها .. ورغم رفضي .. لكني سأحاول التفهم .. فأنا حقا لا أملك أمامكِ سلطة .. لذا إن أردت المحافظة على وجود ليل بحياتك فلكِ ما شئتِ "

سكتت أمه تعلم بوجود تتمة ستؤرق مضجعها

 

و بالفعل رفع عينيه قائلا بعزم يشوبه بعض القسوة الني نبعت رغما عنه " لكن في المقابل أنا لا أطيق رؤيتها قربك .. لذا لا تأتي هنا في أوقاتي .. وكذلك .. لا شأن لكِ بما بيني وبينها .. فأنا كنت صادقا عندما قلت لن أسامحها .. لا أقدر على مسامحتها يا أمي "

 

تهدلت ملامح أمه بعجز وحزن إلا أنه غض نظره عن هذا مؤكدا بعينين عميقتي الجرح " ليل كسرت في شيء يا أمي .. لا يمكنني نسيان صورتها وهي تهينني وتدمر قلبي .. لا يمكنني مسامحتها على ما ملكت من قسوة .. فوق طاقتي .. لا أقدر "

 

تنهدت أمه تطالعه بخيبة أمل .. فأطرق ثم وضع رأسه فوق ساقيها متهربا عن نظراتها يعلن إنهاء النقاش ها هنا

لتربت هي على وجهه مغمغمة " الله وحده مقلب القلوب .. هدى الله قلبك لما فيه الخير يا ولدي .. الأيام كفيلة .. ماذا سأقول بعد .. هداك الله .. هداك الله "

 

.............................

 

اليوم التالي ..

 

دخلت مياسة لغرفة المعيشة متوجهة نحو جلسة أختها المتكومة تضم ساقيها إليها فوق الأريكة ناظرة عبر النافذة الزجاجية الضخمة إلى سماء المغيب الحزينة لتتنحنح تنبهها " نوري .. حبيبتي "

التفتت نورين لها بوجه هزيل تحيط به هالات سوداء إثر قلة النوم والتغذية

 

كتمت زفرتها ودنت قائلة بتمهل " لم تأكلي شيئا يُذكر لحد الآن "

أبعدت وجهها تعزف عن الطعام " شهيتي مفقودة "

استاءت مياسة مما تفعله بنفسها " نورين هذا الحال لن ينفع "

قاطعتها نورين بفتور " مياسة من فضلك لا تزيدي .. أنا لن آكل حتى يعود لي أخي أو يرد على هاتفه "

 

زمت مياسة شفتيها تضغط فكيها وأومأت تخرج عنها مرسلة اللعنات الساخطة فوق رأس عمر

 

بينما نورين أمسكت بهاتفها الساكن تهمس ببكاء " قل أي شيء أرجوك "

 

دلفت مياسة لأمها وليل الجالستين في المطبخ لتستفسر الأخيرة باهتمام " أترفض الأكل مجددا "

نفخت مياسة وهتفت غير راضية " ما يفعله تصرفات صبيانية مستفزة لا نضوج بها .. قلب الدنيا فوق الرؤوس وأشعل قلق الكل عليه واختفى ببساطة "

 

تبادلت ليل النظرات مع خالتها فقالت الأخيرة بهدوء " اذهبي لنورين يا ليل .. حاولي أنتِ معها "

أومأت ليل تستأذن " حاضر خالتي "

 

دنت عالية من ابنتها بعد غياب ليل سائلة " هل هاتفه مغلق "

أجابت مياسة باقتضاب " فتحه "

ضيقت عينيها تقترح " هل نترصد بهاتفه مثلا "

رفضت مياسة المبدأ " بالطبع لا .. ما فائدة حصارنا إن كان هو كالثور ينطحنا بعيدا "

ابتسمت عالية محتوية بنضوج " معه حق أن يُصدم وأنتِ تعرفين "

هزت مياسة رأسها قائلة من بين أسنانها " نعم أعرف .. لكن هذا ليس عذرا لأن يرعب قلوبنا عليه لثلاثة أيام "

 

رفعت عالية حاجبيها تفكر قليلا ثم استوضحت بحذر " كيف تحاولين الوصول له أصلا ؟ "

هزت كتفيها مجيبة " أتصل به .. وأرسل الرسائل "

قطبت عالية تستفسر أكثر " ما فحوى الرسائل ؟ "

رمقتها مياسة بوجوم ولم ترد فزفرت عالية قائلة بهدف " أنت تتعاملين مع رجل مجروح يا مياسة "

استنكرت مياسة بامتعاض " ماذا أفعل .. هل أقبل يديه "

ضمت عالية أطراف أصابع كفيها تشير بهم شارحة برفق " قبلي خاطره المكسور "

" ماذا " صاحت باستهجان فتأففت عالية مستفيضة " يا ابنتي افهمي .. شخص عاطفي كعمر لن يحتاج إلا لبعض الاحتواء والتفهم .. وهذه الأشياء إن خرجت منكِ بالذات قد تساعد في تهدئة الوضع لتصبحي حلقة الوصل بينهم "

تكتفت مياسة تسأل بخشونة " ما قصدك "

مدت عالية كفها تمسد على ذراع ابنتها بتشجيع " جميعنا نعلم أن عمر محق في غضبه .. لذا حاولي تفهمه لا أكثر .. لا تعامليه كفرد طائش غير محق في ثورته .. أنتم أخطأتم "

عضت مياسة على باطن خدها " هو لا يمنح فرد فرصة "

" هو لا يحتاج لفرد " قالت عالية بصبر وأضافت " هو يحتاجك أنتِ تحديدا .. ليس مياسة أخت أخته أو شريكته أو أيا كان المسمى .. بل كأنثى .. كحبيبته "

انكمشت مياسة ترفض بتلقائية تحفزها " أنا لست حبيبته "

رفعت عالية عينيها للأعلى بسأم تنهاها " مياسة ! "

ابتعدت مياسة توليها ظهرها متعنتة بغبائها العاطفي فتنهدت عالية فاقدة الأمل فيها متمتمة " أتعلمين .. على راحتك .. عموما .. هو سيعود في النهاية .. اتركوه فقط ليأخذ وقته ويحتوي غضبه وهذا قد يطول .. فهو وحده في هذا ! "

 

اكفهرت مياسة مع العبارة الأخيرة المتعمدة .. لتكمل عالية وهي تتركها يائسة " أنا سأرى نورين "

 

بقيت في مكانها بعد رحيل أمها تتكتف بوجه مقلوب و تحدق بهاتفها غير راضية عما يحصل

هزت رأسها برفض واستدارت عن الهاتف معاندة تلهي نفسها بصنع كوب عصير طازج لها

 

فهي حالها كحال نورين .. لم تأكل رغم ادعائها أنها فعلت أثناء العمل

 

رفعت الكوب الزجاجي كي تشرب منه فتلكأت تطالع محتواه وسؤال يمر بذهنها إن كان عمر يأكل جيدا

 

تنهدت بحنق تترك الكوب في حدة كادت أن تهشمه دون تذوق رشفة منه

يا إلهي .. كيف أمكنه حقا أن يشعل القلوب عليه بهذه البساطة بدون مبالاة بأحد

 

كلما تذكرت نظرته لها وهو يخبرها أنها خذلته تحس بغصة .. عندما وصفهم بالمخادعين وضمها معهم كحبيبة خائنة !

 

كيف فعل ذلك ؟

ماذا توقع منها !

أن تفشي إليه سر أختها !

لماذا يلصقها معهم .. ما خصها ليبتز مشاعرها بهذا الأسلوب الرخيص الذي اغتال قلبها عليه

 

رفعت وجهها للأعلى تجز على أسنانها .. إنها فقط تريد الاطمئنان عليه ثم ستتأكد من قتله بنفسها

 

تأففت بانفعال واستدارت تمسك بالهاتف بقصد ارسال رسالة كتبت فيها غاضبة

( ما تفعله يكون طفوليا جدا .. انضج قليلا )

ضغطت على زر الارسال بتهور وانتظرت لدقائق حتى قرأها

توترت مترصدة رد فعل منه

إلا أنه خاب أملها وهو يتجاهل الأمر بغير أهمية

هل من المفترض أن تطمئن أنه على الأقل يقرأ الرسائل !

أم كونه يقرأها ليس دليلا كافيا على كونه بخير .. ؟

 

عمر شخص عاطفي كما أقرت أمها قبل قليل .. مشاعره تحكمه بقوة وعندما يحس بالخذلان فهو حقا يتألم

وألمه مضاعف ..

من الأخت للصاحب .. للحبيبة !

 

تنهدت تمسك بالهاتف تطلب رقمه في محاولة يائسة جديدة وكما توقعت فشلت في الوصول لسماع صوته ولو صارخا حتى

 

فكرت قليلا في كلام أمها ..

هل حقا يمكنها أن تكون حلقة وصل

هل قد يحتاج لوجودها كامرأة تتفهمه وتقومه !

هل تصلح أصلا لهذه المنزلة ؟

 

أغمضت عينيها بقوة حتى تجعد أجفانها بشدة من وقع الضغط الذي ترزح تحته ..

فتحتها تمسك بالهاتف تفتح تطبيق الرسائل مجددا كاتبة بأحرف مترددة ( عمر .. لا تفعل ذلك .. رد من فضلك )

أرسلتها تنتظر قراءته لها ثم عاودت الاتصال به متأملة جوابه

 

قتل أمل جديد لها فعادت للرسائل كاتبة ( توقف .. رد علي )

عضت على شفتيها وترددت أكثر ثم أضافت رسالة أخرى ( رد أرجوك )

 

أرسلتها تعيد الاتصال بإلحاح لم يستجب له حتى كادت أن تطلق سبة مغتاظة .. حتى صبرها الذي تتسم بطوله أخرجها عنه حانقة !

 

كتبت له من جديد ( عمر .. لقد توسلتك حرفيا .. ألا تملك ذوقا على الأقل ! )

 

شعرت بأنها تزيد الوضع سوءا وابتأست تسحب نفسا عميقا معيدة أفكارها

على الأغلب هي بحاجة لاتباع ما يمليه قلبها خفية عن عقلها المتمرد بطبعه

لذا أمسكت بالهاتف جيدا تكتب باستسلام ( أشعلت القلوب قلقا عليك يا عمر )

أرسلتها وقد أحست بالارتجاف الذي أصاب نبضاتها وكأن قلبها نفسه غير مصدق لرقة أفعالها !

 

فزادت من الأمر خاصة وقد تبعثرت قليلا ما أن قرأ الرسالة فكتبت

( أريد أن أطمئن عليك .. أنت غائب منذ ثلاثة أيام .. رد عليّ يا عمر )

 

ابتلعت ريقها وقد قرأ الرسالة الأخيرة .. فطلبت رقمه بعد لحظات ترفع الهاتف لأذنها مستمعة للرنين بارتباك مراهقين ..

 

هي الآن تحس أنها ليست مياسة هانم الحكيم التي تشدقت مغترة أمامه بمكانتها يوما

هي الآن .. حبيبة عمر !

 

" نعم مياسة "

انتفض قلبها بسماع صوته فاستقبلته بلهفة لم تلجمها " عمر .. أين أنت "

صمت لوهلة أربكتها .. بدا وكأنه يمنح نفسه الفرصة لاستيعاب لهفتها عليه ..

إلا أنه عندما أجاب قال بجفاء مغاير لشعوره " ما خصك "

عبست تشحب قليلا بصده لتهتف بحدة مراوغة سقطتها المدوية " ما هو الذي لا يخصك .. أنت .. "

" شششششش " بتر باقي عبارتها المقرعة مستكملا " اخفضي صوتك .. رأسي .. يؤلمني "

عاد قلقها يطفو فوق سطح انفعالاتها الكثيرة لتعبر عنه " ما بك .. ضغط دمك مرتفع ! "

أجاب بهدوء متباعد " أنا بخير " ثم حول نبرته لأخرى عملية " ماذا تريدين أنتِ "

رفعت كفها تحك رقبتها وهمست ترضخ لإلحاح قلبها " أين أنت يا عمر أرجوك "

" ما همك " عاد يردعها مزمجرا فردت بغيظ " همي أني قلقة عليك يا بغل "

سكت في المقابل فصححت تلوح بيدها " كلنا قلقون عليك يا عمر "

لم يتنازل أمامها " أنا لا أريد اهتمام أحد "

حاججته بغضب " لماذا ترد عليّ إذن "

رد عليها دون اهتزاز " تلحين .. أكلتِ رأسي "

" لا تكن طفلا " قرعته بسخط ثم كررت برفق " أين أنت .. أريد الاطمئنان عليك .. ألا تفكر بنورين حتى يا عمر "

تقبض عمر وملامحه تكفهر على ذكر أخته ولم يعطها ردا مباشرة إلى أن عارض " لا أريد رؤية أحد "

" حتى أنا ! "

اشتد عبوسه يدفعها بجلافة " مثلك مثلهم "

حركت رأسها تهمس بحرارة ضعيفة التيار على استحياء " عمر .. أخبرني أين أنت "

سكت للحظة وسأل بصوت أكثر تمددا " لماذا "

ردت بلا تردد " سآتيك "

عاد يمنحها سكوته لبرهة أطول إلى أن استسلم لها بهدوء " تعالي لي وحدك إذن "

ابتسمت بنعومة تشجعه " أخبرني "

 

...............................

 

وصلت تترجل من السيارة أمام الفندق الضخم الذي يقيم فيه و يطل على النهر مباشرة ..

أعطت مفاتيح السيارة لعامل يهتم بركنتها في مكان مناسب

 

ثم تقدمت قاصدة البوابة الضخمة وهي تفتش في الهاتف كي تتصل به لتنبؤه بوصولها

قبل أن تتوغل لداخل الفندق أوقفتها يد أمسكت بذراعها من الخلف فاستدارت مصطدمة به أمامها

جرت عيناها عليه كما شملها هو تلقائيا بشوق رغم العتاب

 

ما أن رأت حالته بملامحه المنغلقة المظلمة حتى هاجمتها رغبة جعلتها تشتهي لو تعانقه .. خاصة وقد بدا في حاجة !

 

تنحنحت تتمالك نفسها مبادرة " عمر .. مرحبا "

أومأ دون جواب تنزلق كفه حتى كفها وأمسكها ولم تمانع .. جذبها خلفه مبتعدين عن الأعين فاقترب معها ناحية السور الذي يشرف على النهر وقد حل الليل وأضاءت المدينة بأنوارها المتلألئة تمنح خصوصية وقفتهما بعض الألق

 

استند بذراعيه على السور يراقب انعكاسات الضوء الملون فوق الصفحة الجارية للنهر ثم أخرج علبة سجائره يسحب واحدة يضعها بين شفتيه ليشعلها ..

 

تأملته مياسة بصبر حتى سألت " هل تناولت طعاما اليوم ؟ "

لم يرد نافخا دخانه فأدركت أن الإجابة هي لا .. حينها أمسكت بالسيجارة تأخذها من فمه لتطفئها وهي تلفها بمنديل وتدنو من سلة مهملات ضخمة بجانبها ترمي بها

 

راقب ما تفعل واجما إلا أنه لم يعلق مخرجا سيجارة ثانية وأشعلها فكررت معه ذات الفعل وتحركت تلقي بها في السلة ثم عادت نحوه منتظرة إخراجه لواحدة ثالثة لتكرر ما فعلت بلا خشية

 

تجهم عمر قائلا بانزعاج " هل أتيتِ تقرفينني في عيشتي "

رفعت حاجبيها من قوله الجلف .. حتى ضحكت بخفة أنثوية تميزها تغور غمازتاها أمامه بجمال جعله يبعد وجهه صوب النهر متأففا منعا لأي انهيار غير مرغوب أمام حُسنها ..

 

" عمر " نادته بلهجة متكسرة أخفت فيها حرف العين من اسمه .. ولا يعرف إن كانت تتعمد دغدغته بلكنتها أم خرجت له عفويا

التفت ينظر لملامحها المبتسمة التي تسحبه ناحية منطقة الهدوء قسرا فأدرك أن الاختيار الأول هو الأصح

 

أكملت له برفق " أنت تجرح الجميع يا عمر "

رفعت يدها تلمس ذراعه بدعم يضعفه أكثر متابعة بتؤدة " ساد القلوب الندم والأسى لأجلك .. من نورين التي فقدت القدرة على النوم والأكل ولا تكف عن البكاء .. وحسن الذي تحمل الضربات القاسية منك والذي يقتله احساس الذنب تماما كفجر .. حتى سلطان أتى يكاد ينكفأ على وجهه منذ أن اتصل به حسن مستغيثا .. أنت تظلم الجميع باعتزالك لهم .. هل تختبر معزتك أم تتعمد تعذيبهم ؟ "

نظر لها يستمع لكلامها للنهاية حتى قال فجأة " وماذا عنكِ ! "

قطبت بتوتر خفي " ماذا عني "

هز رأسه متسائلا " كيف شعورك "

تنهدت تجيب ببسالة " عمر .. إن كنت تتوقع أني سأعتذر لإخفائي القصة عنك تكون مخطئا .. ماذا تتوقع أنت ؟ .. آتي لك أخبرك بسر أختي "

قفز بتحفز يضرب على السور الضخم " سر أختك ! .. أصبح سرا ؟ .. لا أصدق حقا ما أسمعه "

ابتعد عنها يسير عشوائيا يكمل " أنتِ تخبريني أنكِ غير مخطئة لإخفاء علاقة بين صاحبي وأختي .. هل أنتِ حقا مدركة لأبعاد شعوري تجاه الأمر يا مياسة "

" توقف يا عمر " نهرته بقوة ولم يرهبها وأضافت في ثبات " أنت تصور الأمر بشكل منفر .. وكأنه ليس صاحبك .. وكأنها ليست أختك التي تربت على يديك "

 

لم يرد عليها فقرعته بحزم " لا تكن طفلا في تقبل الحقائق "

" هل تتهمينني بالطفولية ! " صرخ يستنكر وأردف " من السهل عليكِ قول ذلك .. فلم تكوني المغفلة يا هانم "

لوحت حانقة " يا بني آدم افهم .. أنت لم تمنح أي منهما فرصة للشرح .. لم تستمتع لأحد "

قارعها بقوة " استمع لأي شيء ؟ .. ما هو العذر ؟ .. لقد رأيته بعينيّ يمسك بيدها ويناديها بحبيبتي بينما أتيت لآخذه من أمام بيتها بعد منتصف الليل .. لقد اعترف أمامي أنه يحبها يا مياسة "

 

فردت كفيها تكلمه برفق " أنت قلتها .. يحبها يا عمر .. نعم .. ارتكبا غلطا .. وهما معترفان .. الآن أنت بحاجة للاستماع "

لوح بغضب يدير وجهه عنها .. فدنت واقفة قبالته تتكتف قائلة دون كلل " ما الذي ترفض تقبله بالضبط ! .. كون صاحب اختار أختك أم أن أختك كبرت كفاية ولم تعد طفلة يا عمر بل أنثى ناضجة لها مشاعر تميل بها "

 

نظر لها بعمق يجيب " أرفض كوني كنت مغفلا يا مياسة .. هناك ما ربط الاثنان دون رسمية وكلاهما أخفى عني في حين أن الكل بدون استثناء يعرفون .. هل أنا طرطور ! "

مالت برأسها جانبا تبارزه بهدوء " والله ؟ .. ماذا عنك ! .. فنحن لا يوجد ما يربطنا رسميا يا عمر و رغم ذلك أنت متعنت في ملاحقتي "

ثبت عينيه فوقها ورد بثقة " أنت لستِ أختي يا مياسة "

رفعت حاجبيها وقد فاجأها بالجواب الصريح الذي لم يحاول حتى تجميله .. وكأنها لا تُقارن بأخته !

هي مباحة بينما نورين لا !

" لا تجمحي بعيدا يا فرسي الأصيل " بتر باقي أفكارها فرمقته بأعين قاسية ليعاتبها بنبرة ناشفة " لا تنظري لي هكذا يا مياسة "

لوح بكفه بنزق طباعه يتابع " لا أقصد ما أتى ببالك يا مختلة .. هل حقا لا زلتِ تملكين شكًا في مكانتك عندي "

نازلته بشراسة " ما قصدك إذن أيها الوقح "

رفع كفيه يحيط بذراعيها وهزها بعصبية " افهمي بالله عليكِ .. أنتِ لستِ نورين .. أنتِ تختلفين .. نحن نختلف .. علاقتنا تختلف .. حبنا يختلف "

رفع سبابته يوضح " وهناك نقطة تغيب عنكِ .. أنا لم أخفِ حبي لكِ عن أحد .. كنت واضحا صريحا منذ اللحظة الأولى حتى مع أمك .. وإن كنتِ تملكين أخا أو أبا كنت سأواجه .. حبي لكِ مباشر و أنت فقط من تعاندين "

 

تكتفت تنأى ببرود " ليس قضيتنا الآن حبك "

أبعدها بدفعة خفيفة " أنتِ من رشقتني بسهام الاتهام الفوري تبا لكِ "

 

عاد يستند على السور مخرجا سيجارة جديدة بقصد حرقها فاقتربت تشدها قبل إشعالها هذه المرة تردعه " الباشا لم يأكل وضغط دمه مرتفع .. ورغم ذلك لا يحترم جسده "

التفت يرمقها بصمت واجم .. فتنهدت تعيد عينيها لمشاهدة النهر وعم السكون لفترة حتى نادته " يا عمر "

حول بصره نحوها فاحتارت بماذا تشرح حتى قالت " اسمعني .. أنا لست الشخص الأنسب للتحدث عن العواطف ولكن .. أنت بالتأكيد تعرف أنها شيء لا نتحكم فيه عادة .. فقط نندفع دون تفكير أو حرص "

قالت العبارة الأخيرة شاردة في الفراغ قليلا ثم هزت رأسها تعود له مسترسلة " والاندفاع من الوارد أن يولد عنه أخطاء يا عمر .. أنت أكثر من يعلم "

قطب سائلا بصوت خشن " لماذا أنا أكثر من يعلم ! "

 

ابتسمت تقول ببساطة سكنها شيء من مرارة استشعر طعمها بطريقته " لو كنت تملك تحكما في عواطفك .. لما سقطت في هوى الجليد وأنت نار متقدة ! .. دون أن تخشى من .. انطفاء وهجك "

 

عم السكون عليهما إثر كلماتها يتبادلان نظرات خاصة حتى همس لها بصدق وكأنه يعدها الأمان " أنا أذيبك ! "

أطرقت ولم تعلق على كلامه ثم سعت تغير الموضوع بتحكم خارجي " على كل .. ما قصدته أن أقول أنك بحاجة للاستماع يا عمر "

 

تجهم وسكت من جديد لتردف بإصرار " حسن يحتاج عونك كصاحب يهتم برأيه .. و نورين أيضا ستحتاج لإرشاد منك كي لا تتخبط وحدها في تجربتها الجديدة "

ابتسم متهكما " ما حاجتها بي في وجودك ! "

أسبلت أهدابها تبلغه بتقرير " عمر .. أنا آخر شخص من الممكن أن يقدم نصيحة ناجحة في علاقة عاطفية .. لا تتأمل فيّ كثيرا وساعد أختك أرجوك  .. تفهمتها كطفلة وكشابة يتيمة .. تفهمها الآن كأنثى أحبت "

 

شحن صدره بنفس عميق وهو يتأمل ملامحها التي بدت ممزوجة بشجن غريب

ورغم تضارب مشاعره المخذولة إلا أنه أحس برغبته في عناقها

ليس عناق رجل يشتهي وصالها

بل أراد منحها حضنا يدعمها به

 

ولم يعرف أنها كانت رغبة متبادلة !

 

أبعد نظراته عنها مرة أخرى يسعى لترتيب أفكاره .. لقد اختلف شعوره قبل قدومها عما يحس به الآن بعد أن أتت مواسية محتوية كامرأة حانية بقلب مهتم !

 

" عمر "

نداء من خلفه جعله يستدير بوجهه متلهفا رغم أنف خصامه المعلن

رأى نورين منكمشة واقفة بوجه منتفخ أحمر من طول البكاء تتلاعب بكم ملابسها وتشده كطفلة وهي ترنو إليه مترجية الصفح والقبول !

 

رفع عينيه لمياسة عابسا فابتسمت تهز كتفيها كأنها تخبره أنها لم تملك إلا مشاركتها بمكانه

 

ركضت نورين دون منحه فرصة تتشبث بذراعه متعلقة به ساندة وجهها عليه تجهش في وصلة بكاء حار ما أن رأته أمامها سليما أخيرا بعد ثلاثة أيام من العذاب الخالص

 

عاتبته ولا زالت تبكي " كيف تفعل ذلك بي "

تكدر قائلا بجفاء " من المفترض أن أطرح أنا هذا السؤال يا نورين "

رفعت وجهها له تبرر بصدق " أنا آسفة .. آسفة يا قلب أختك .. والله لم أخذلك ولم أخذل تربية أم عمر لي .. نعم أخطأت أنا معترفة .. لكنك دوما كنت أمامي يا أخي .. فقط دعني أشاركك وأشرح لك "

نظر من جديد بمياسة التي أومأت له تشجعه برجاء كي يذعن لأخته متنازلا .. فاندفعت نورين تخرج الهاتف تقترح " طيب .. فتش بهاتفي .. اقرأ كل شيء يا عمر .. والله .. ربي يشهد لم أقم بتعديل أو مسح شيء .. انظر بنفسك "

 

تجهم وجهه رافضا يحاججها " ومنذ متى فتشت بهاتفك .. منذ متى شككت بكِ يا نورين .. منذ متى عاملتك كأخ متخلف غير فاهم لكِ ولما تحتاجينه "

هزت رأسها ترد فورا " ولا مرة يا قلب أختك .. لذا أريدك أن تتفهمني هذه المرة أيضا .. اكسر رقبتي إن أردت لتهدأ .. لكن سامحني بعدها يا عمر .. والله كل شيء عندي هين إلا كسر خاطرك "

 

نظر لها عمر بوجه مشتد حتى قال فجأة " هل تحبينه "

عضت على شفتيها بخجل إلا أنها تسلحت بالصراحة القائمة بينهما وأومأت " نعم "

تعقدت ملامحه قليلا وسأل بشك " متى وكيف "

حركت وجهها عشوائيا تجيب " لا أعرف صدقني .. أنا فقط .. أحببته "

مد يده يضغط على ذراعها بقوة محاصرا " كم مرة قابلته ؟ .. وكيف كان الأمر بينما وقد كان مرتبطا يا نورين .. كيف استطعتِ ! "

نفت في الحال تدافع " لم أكن أقابله إلا في المرات التي كنت ترسله لي .. ولم يكن بيننا شيء أقسم بالله فهو كان مرتبطا يا عمر .. أقسم لم يحدث أي شيء وهو مرتبط .. ولا هو حتى حاول التلميح بشيء لي .. حسن ليس كذلك .. حتى .. حتى تركها فجأة ولم أكن أعرف .. وحدث كل شيء بسرعة بعدها "

ابتلعت ريقها تحاول ترتيب الكلمات فاندفعت مبررة " كان جراي قد أتى لي ليوصلني للبيت "

" نعم يا أختي ! " صرخ بجنون متحفز فوضحت بغباء " أرسلته لي مياسة "

التفت بحدة لمياسة مصدوما فصاحت بعصبية تزكي موقفها " حبا بالله لا تبدأ .. كانت ترفض وجود حسن لنقلها ولو كنا لجأنا لك كنت سترسل لها حسن مجددا فلجأت لشخص يخصني أثق به .. ماذا كنت سأفعل حينها .. احمد ربك أني لم أرسل مليك "

رفع يده يجذب خصلاته للخلف مغمغما من بين أسنانه " هذا هو الناقص .. كم أنا غبي ساذج ! "

هزت نورين رأسها تمسك بكفه تنهره " لا يا أخي لا تقل هذا .. الأمر كان مربكا للجميع صدقني .. وأنا عندما استشعرت مشاعري هربت فقط وأنكرتها احتراما لنفسي ولك فهو كان مرتبطا "

 

" ماذا حدث بعدها انطقي " حثها بانفعال فأومأت تشرح " لا أعلم .. ظهر حسن من العدم وجن جنونه عندما رآني مع جراي .. حتى أنه هددني بالتحدث إليك .. حينها أنا رفضت أسلوبه واستهجنت طريقته أدينه أنه لا يحق له أن يكلمني هكذا .. ف .. ف .. "

" انجزي "

عضت على شفتيها تطرق ووجهها يتضرج حياءً وهي تبوح بصوت خافت " لا أعرف ماذا دهاه .. أخبرني كمجنون أنه يحبني ولن يسمح بضياعي منه مرة أخرى "

 

جز عمر على أسنانه من مجرد التخيل .. إن كان حسن أمامه الآن فلم يكن ليرحمه

 

شرد بعدها مستذكرا الحالة التي كان حسن عليها عندما تعارك مع جراي في الاجتماع البائس !

يا للحماقة .. وقد كان كأطرش في منتصف الزفة !

 

نزل بعينيه لنورين يهزها بعنف هاتفا بتهديد " أنتِ يا نصف شبر .. متى كبرتِ بالضبط حتى يدور من حولك دبابير تزن على عش سأخربه فوق رؤوسهم بنفسي "

صمتت ترمقه ببراءة وأدب رغم ترنحها إثر عنف رجه فيها .. فجذبها بخشونة مقتربا من مصطبة جانبية يرميها فوقها بغلظة يأمرها بتسلط " أريد أن أعرف كل شيء يا نورين .. كل .. شيء .. إن أخفيتِ حرفا فحقا سأنتف لكِ شعرك الأشقر القبيح هذا "

 

............................

 

رفع أمير وجهه ما أن استمع لطرقات الاستئذان فوق الباب يدعو الطارق " ادخل "

دلف سكرتيره الخاص يدنو منه واضعا ملف فوق المكتب " سيد أمير .. النسخة التي طلبتها مني .. وأرسلت واحدة إلكترونية لحاسوبك قبل قليل "

شكره أمير بعملية يأخذ الورق مدققا فيه وقال " شيء آخر ؟ "

 

أومأ السكرتير بعملية موضحا " نعم .. بشأن هوليا هانم "

 

لم يهتم أمير جدا يستفهم دون رفع وجهه عن العمل " آه .. هل وجدت لها شقة لتشتريها "

" ليس تماما " أجاب الرجل يستجلب مبالاته أخيرا فعبس أمير سائلا باختصار " لمَ "

أبلغه السكرتير بحيرة " أمرتني أن أفتش حولها لأتأكد من حاجتها الفعلية لمساعدتك .. وقد وجدت شيئا غريبا "

ضيق أمير عينيه مترصدا بالقادم ليضيف الرجل " حسابها البنكي شبه نافذ .. ولا تملك بالفعل عقارات .. إلا عقار واحد .. بيت متوسط الحجم على أطراف المدينة حيث الطريق الصحراوي .. مكان نائي عن العمران "

ارتفع حاجبا أمير بدهشة والتباس قائلا " ما قصدك ؟ .. هل أخفت أمر البيت لأنه بعيد مثلا "

مط الرجل شفتيه وقال " الغريب ليس هنا .. في الحقيقة أنا قمت بالبحث وراء البيت .. فاكتشفت أنه ليس مهجورا "

نهض أمير عن كرسيه مترقبا ليردف الآخر " هناك حارس عليه بالإضافة للبواب .. كذلك تسكنه امرأة ما .. لم أتبينها تماما "

 

رمش أمير يفكر ببعض الاحتمالات وطرحها " ما قصدك ؟ .. هل تؤجر البيت وتستفيد من الأموال مثلا "

هز الرجل كتفيه يقول بهدوء " ربما .. لمَ لا .. لكني أتساءل فقط .. لماذا تخفي أمر البيت .. وأيضا لماذا تبقي عليه إن كانت بحاجة .. فهو رغم ظروفه يمكنه أن يجلب لها مبلغا مناسبا لشراء شقة دون حاجة لطلب منك .. تفهم قصدي ؟ "

 

اعتدل أمير يتخصر شاردا ثم همس " ماذا ! .. هل تعبث معي هوليا وتحاول النصب عليّ ! .. أم أنها تسعى لامتلاك دخل خاص من البيت بعيدا عن الأعين ! "

مدد الرجل شفتيه بجهل وقد نفذت توقعاته لينظر له أمير مستفهما بتيقظ " أخبرتني أين عنوانه بالضبط ؟ "

...............................

 

 

اليوم التالي ..

 

كان حسن جالسا فوق منضدة الطعام المستطيلة يضع رأسه فوق ذراعه المستند بها .. و يغمض عينيه يمضي وقته صامتا

 

تقدم فجر ينبهه له " حسن .. لمَ لا تدخل غرفتك لتنام قليلا "

رفع حسن رأسه الثقيل يهزه رافضا الاقتراح وهو ينظر للساعة قارئا التوقيت ثم همس وملامح التي تحمل آثارا ملونة متفرقة تذبل " إنه اليوم الرابع "

 

تنهد فجر وقد كان القلق يأكل قلبه على عمر بدوره .. ليتدخل سلطان الجالس قريبا منهم ينهي بعض أعماله " أخبرتك ألف مرة اترك له وقته "

نهض حسن يشير بكفه المربوط " طال الوقت .. أنا لا أنام الليل أقسم بالله .. سأفقد عقلي إن لم أتحدث معه .. لا يرد عليّ مهما حاولت حتى نورين أبعدتني .. لا يمكنني خسارة عمر لأي سبب كان "

 

نظر له سلطان يحدق فيه بتركيز وتحدث موبخا " تستحق أن تقلق .. ما فعلته خطأ "

تنهد حسن مكروبا ولم يعلق على لوم أخيه مدركا أنه محق ..

 

تحفز الجميع بصوت الباب وهو يفتح حتى تعالت زُفر الراحة وعمر يبزغ أمامهم فجأة داخلا الشقة
 


رمقهم بهدوء ثم وجه حديثه لسلطان " مرحبا سلطان .. حمدا لله على سلامتك "

رد سلطان بمغزى " حمدا لله على سلامتك أنت "

لم يكترث عمر بتلميحه عن غيابه لأيامه والتفت يرنو لصاحبيه متأملا هيئة حسن المريعة من وجه مكدوم ويد مربوطة بشكل طبي لعلاج رسغه ..

 

عندما تقابلت نظرات كل فرد منهم لم يحتمل حسن الصبر .. فهب يدنو منه يشده بكفه السليم هاتفا بالتياع صادق " أقسم بالله العظيم لم أخنك .. أنا أخطأت لكني دوما احترمتك وكنت أراك أمامي .. بالله عليك يا عمر أنا لسنوات كان هاجسي هو خوفي من خسارتك .. ليس بعد كل صبري ومعاناتي أخسرك يا عمر "

 

لم يتجاوب عمر معه فتابع حسن بتوسل " عمر .. بحق السنين يا عمر صدقني .. أنا لا أبدل صداقتنا فأنت صاحب لا يعوض بكل العمر "

 

رفع عمر كفه يبعده عنها فأحس حسن باليأس يتخلل قلبه المرتعب من فداحة الخسارة ..

فتح عمر فمه يقول متباعدا " أنا سأتحمم "

تركهم بعدها بهدوء أرهب بأعصابهم يغيب خلف باب الغرفة تاركا حسن يلتفت لسلطان منتظرا عونه في حل الأزمة العويصة

 

ليومئ سلطان قائلا " اضغط على الصبر .. لا تقلق "

 

عندما خرج عمر من الغرفة بعد دقائق طويلة في الحمام وتبديل ملابسه لأخرى مريحة .. تفاجأ بوجود مياسة جالسة بجانب سلطان يجاورها نورين

 

عبس فورا ليبادر سلطان يُسكته عن عجيجه المتوقع " أنا طلبتهما "

لم يتزحزح عبوسه فاستقام سلطان يستطرد " أنا بحاجة ليكون الحديث أمام الكل لذا جلبتهما "

نظر له عمر بوجه جاف التعابير لكن سلطان كان مترابط الجأش أمامه متمكنا " أولا وقبل أي كلمة .. أنا عندما أتيت تفاجأت بكل الجنون الذي وقع .. وفي الحقيقة لقد أدهشني حسن بأفعال لم أتوقعها منه رغم كل شيء "

 

أطرق حسن كولد مذنب ليتابع سلطان " وأنا أقر بأن أخي هو المخطئ الأول .. فهو الرجل وتقع على عاتقه مهمة العقل والحكمة "

نظر عمر لحسن فطلب سلطان " اجلس يا عمر "

تخشب عمر رافضا

كرر سلطان بصبر " عمر .. اجلس لنتحدث كالرجال "

تجهم عمر لكنه أذعن جالسا دون مطالعة أحد .. حتى تولى سلطان مواصلة كلامه " حسن أخطأ .. وأعتذر .. وأنت بصفتك صاحبه تقع على عاتقك مهمة تفهمه يا عمر "

هب عمر مستفزا " والله ! .. و لماذا أهتم بصداقة لم يأبه هو بها يا سلطان "

انتفض حسن مدافعا " لا تقل هذا .. أنا تحملت لسنوات معاناة فقط لأجل صداقتنا التي ترميها في وجهي الآن "

صرخ عمر بجنون " أي معاناة يا *** "

دنا حسن وقد طفح كيل صبره " معاناة كتمي مشاعري لسنوات يا عمر .. أنا أحبها .. أحببتها لسنوات يا عمر .. أنا الذي كنت تناديني بالمؤدب لأني دوما كنت بلا فتاة .. لم أخبرك يوما عن أي فتاة .. لأن الفتاة التي اخترتها كانت أختك "

 

اتسعت عينا عمر واللفظ صريحا يبدو فجا .. فهب يكاد يفتك به مجددا لولا شهقة نورين ونداء مياسة المتوسل خاصة وفجر تدخل يحجمه بحزم

بينما سلطان التزم الصمت يتركهما ليفرغا ما بجوف كليهما حتى يقول كلمته في النهاية

 

لهث حسن قائلا بقوة وتضرع " أنا لم أخنك .. افهمني يا عمر .. أنا دوما كنت مؤدبا .. لأني لم أجرؤ على خيانتك .. لأني احترمتك واحترمت حرمة بيتك الذي أمنت لي لأدخله .. لأني أصون العيش والملح فلا أرفع نظري في أختك التي تأتي لبيتي تقضي الساعات مع أمي وأختي .. لم ولن أخونك يا عمر لأنك أخي قبل أن تكن هي لي شيئا .. بل قبل أن تظهر حتى في حياتك أو حياتي .. حبا بربك .. أنا أخطأت لكني لست بغدار "

" لقد كنت مرتبطا بأخرى " أدانه عمر بصوت محترق ليجيب الثاني وهو يقف أمامه " لأنك تزوجتها يا غبي "

قطب عمر منصتا بذهول لينشر حسن ما دفنه طويلا " لم أبح لها بحرف يا عمر وأنا مرتبط .. لم أكن لأخسرك بتلك القسوة .. أنا أصلا ارتبطت وتناسيت حبي لها فقط كي أستعيد علاقتي بك أيها البائس .. أنا كنت باقيا مستميتا على علاقتنا أكثر حتى من تشبثي براحتي أنا و التي رُبطت بنورين فتنازلت عنها "

 

لهث حسن يبتلع ريقه الجاف وهمس " لقد تزوجتها يا عمر .. تزوجتها في اليوم الذي كنت أنتظر سلطان ليعود من سفره كي يطلبها منك لنفسي .. سألتك بنفسي إلى أين تذهب يا عمر فأخفيت وعندما رجعت مفصحا كنت تحمل معك وقود أشعل قلبي وأذابه بمنتهى القسوة .. كنت أرتب طويلا لأخبرك وأثبت لك بكل طريقة ممكنة أني أحبها وأني فقط انتظر لتكبر كي أطلبها منك مترجيا .. أنا أحبها .. أنا أحب نورين يا عمر "

توقف يتنفس بسرعة أكبر وهو مأخوذا من الموقف .. إنه يقف أمام عمر يبوح له حقا بحبه لنورين !

كم انتظر تلك اللحظة.. وكم خشاها !

 

دون مقدمات رفع عمر قبضته يلكمه في وجهه فشهقت نورين في الوقت الذي زجره فجر " يا بني آدم توقف "

انتفض جسد سلطان بألم إلا أنه تمسك بهدوئه صابرا ولم يعترض ..

 اعتدل حسن يسعل ويتحسس وجهه ثم قال ناظرا لعمر " اسمع .. أنا موافق على أي مما يصدر منك .. لكن أرجوك .. لا تدمر جسر ثقتنا الذي تعبنا في بنائه طوال سنوات عمرنا "

 

نزل عمر بعينيه لنورين يجدها تغطي فمها وتسكب الدموع بصمت غير مصدقة لكل تلك الأحداث التي كانت هي محورها .. ليمد حسن كفه السليم يجذب عمر من ملابسه بتوسل " أنا أحبها يا عمر .. كما أحببت أنت مياسة دون يد لك في ذلك .. أقسم بأني كنت أموت كل يوم ولم أعرف كيف أحيا إلا عندما عادت في حياتي .. لا تحرمني منها أرجوك "

استمر عمر يطالع نورين فحول حسن وجهه له يكمل " انظر لي .. انظر لعيني بطريقتك المحاصرة تلك وأخبرني .. أخبرني إن كان يلوح لك فيها كذب "

 

نظر له عمر لا يرى في عينيه إلا الصدق فسكت

عندما أطرق حسن منهكا خائر القوى يقول " لن أسمح بخسارتك يا عمر .. لا تفعل أرجوك .. أقسم بالله كنت سأخبرك "

 

استدار عمر يضغط بقسوة فكيه ببعضيهما و يزم شفتيه كابتا السباب الشنيع احتراما للجالستين فقط

 

تململ سلطان في مكانه حتى طلب " اجلس يا عمر "

اهتاج عمر ملتفتا له " لا تقل اجلس يا زفت "

قطب سلطان يسكن للحظات إلى أن أعاد " اجلس يا عمر .. دعنا نتكلم كعقلاء "

" أي عقل تسألني عنه يا سلطان " ندد عمر وأكمل " هل ترضى أنت بما فعل هو .. لو كنت مكاني ماذا يكون تصرفك "

 

سكت سلطان يطالعهما بهدوء ثم استقام يقول " أولا .. لا .. لا أقبل بما فعله وأخبرتك .. ثانيا .. لو كنت مكانك لما تصرفت بذات الطريقة "

" ماذا " هتف عمر باستهجان ليتقدم منه سلطان يؤكد " ربما قصة خاصة .. ولكني سأخبرك .. حازم نجيب خطيب سارة .. قبل التقدم لها .. كان يلاحقها بإعجابه .. حتى عرفت أنا .. وعندما عرفت لم أتصرف مثلك .. بل أتيت به وحدثته في هدوء وأرهبته بطريقتي كي يبتعد .. والآن هو خطيبها و زوجها قريبا .. المقصد .. أن تلك الأمور رغم عدم قبولنا بها .. لكنها قد تحدث "

 

فتح عمر فمه كي يشجب بصراخه لكن سلطان أشار ليوقفه بصرامة " وأنت لست أنا .. وبما أنك كعمر المنسي منفرد بنفسك .. فأنت بالفعل قمت برد فعل يليق بك "

قالها مشيرا لمنظر حسن ثم عاد لعمر مضيفا " وحسن تقبل .. لذا الآن انتهى .. نحن بحاجة للعقل والهدوء .. خاصة وأنك أخذت وقتك كاملا وأتيت وحدك في النهاية .. وعلمت كل شيء من أختك بالأمس على حد علمي .. لنتحدث الآن بحكمة رجال فأنت لست بهذا الطيش الصبياني حقا خصوصا بما يتعلق بمصلحة أختك "

 

سحب عمر نفسا عميقا ثم وضع يديه في جيبيه يسأل مستنفرا " ماذا تريد يا سلطان "

" هو سؤال واحد فقط " افتتح الحديث الجاد يجذب الاهتمام والاصغاء له فعقد عمر حاجبيه ليكمل " حسن الجوهري .. ما رأيك فيه كشخص "

نظر عمر لحسن وتهكم بقسوة " قبل تواصله مع أختي أم بعده ! "

" عمر " زجره سلطان فأدار عمر وجهه ليردد الأولى " سؤالي واضح وعام .. فأعطني إجابة مماثلة .. حسن الجوهري .. ما رأيك فيه كشخص .. فأنت أكثر من يعرفه "

 

أصدر عمر الصرير من شدة طحنه المغتاظ لضروسه وصمت

ناداه سلطان بحزم غير راض بالسكوت كإجابة " عمر "

تكتف عمر يقول بنبرة رغم الاقتضاب فيها كانت صادقة واثقة " صاحب عمري .. خذلني .. إلا أنه الأفضل في مثلثنا رغم كل شيء "

 

زفر حسن نفسا مرتجفا كارتجاف قلبه بالإجابة التي لعقت جراحه يغمض عينيه مرتاحا ولسعة دموع خفيفة تغشي مقلتيه

 

بينما بكت نورين في حضن مياسة التي ابتسمت كحال سلطان وفجر ليقول الأول بجدية " بما أنك تثق به كشخص .. فأنا سأتشجع وأطلب منك يد أختك نورين لحسن الجوهري .. الأفضل في مثلثكم البائس "

 

شهقت نورين وهي تنظر لهم متسعة العينين ولم تتوقع الطلب المباغت تماما كمياسة التي ذُهلت

 

رفع عمر وجهه يرد بغضب " بهذه البساطة "

 

ابتسم سلطان باحتواء للموقف ثم شمخ يقول بغموض " أي بساطة ! .. نورين أصلا مكتوبة لحسن من قبل وفاة والديك لولا كل الذي صار "

لم يفهم أحد مغزى العبارة الملغزة بالثقة التي تفوح منها .. فنقل سلطان بصره عليهم حتى توقف عند نورين وقال كاشفا " أم سلطان .. طلبت يد نورين لأخي بالفعل من والدتك قبل وفاتها رحمها الله "

 

فغرت نورين شفتيها مصدومة ليتحدث عمر " لا والله ! "

لم يهتز سلطان الذي أجابه " نعم .. ليلة زواجي من أم بناتي تحديدا .. أخبرتها أنها ستأخذ نورين لحسن .. فقط انتظرت تخرجها من المدرسة .. وأمك حينها لم تمانع "

استنكر عمر لا اراديا " ما هذا الهراء "

رفع سلطان حاجبيه يسأل بتمهل وذكاء " ما هو الهراء فيما أقوله ؟ .. أم سلطان نفسها من أخبرتني بذلك وبالفعل أنا كنت أنوي طلبها لولا ما حدث بالماضي "

 

التفت عمر يطالعهم حولهم ثم احتج " هل تقول أن أمي وافقت على خطبتها وهي لا زالت في المدرسة "

هز سلطان كتفيه يناوشه " هل سأكذب عليك ؟ .. أم تقصد أن أم سلطان تفتري على أمك يا عمر "

 

عبس عمر يقول باحترام مفروض عليه " لا أقصد هذا "

 

ابتسم سلطان بهدوء متفهما وقال " أمك ببساطة لم تر في حسن عيبا لرفضه يا عمر .. وأنت بنفسك اعترفت بنفس الشيء قبل قليل "

 

رفع عمر عينيه ناحية حسن الذي يتنفس بتسارع لهفته ووجله فتدخل سلطان مهادنا " عموما يا مجرم .. حسن عندك .. اطلب منه ما شئت "

 

عقد عمر حاجبيه وهو مستمرا في تأمل حسن بوجه كالح

" قل نعم أرجوك " همس بها حسن دون صوت لكن عمر قرأها واضحة فوق شفتيه

 

استدار عمر يرمق نورين بتفحص لثوان ثم سأل " أنتِ ما رأيك فيما يُقال "

 

ارتعشت نورين ووجهها يحمر على الفور أمام الأوجه التي تحولت لها متلهفة لسماع جواب إيجابي

 

ابتلعت ريقها تمسح دموعها بكفيها كالأطفال ثم استقامت تدنو من أخيها هامسة باعتزاز " أقسم بالله .. لا رأي في حياتي يعلو رأيك يا أخي "

ضغط شفتيه يستمع لها فأمسكت بكفه ولم يعرف أتستمد منه الدعم أم تدعمه !

 

صوب نظراته لحسن الواقف يستند بكفيه على ظهر كرسي يطالعه محسور الأنفاس يغفر شفتيه مترقبا لكلمة إما أن تكون رصاصة تقتله

أو لمسة تحييه !

وطال الصمت .. وطال وعمر يقلب نظراته بينهم حتى نظر لمياسة التي ابتسمت له فجأة

حتى قطع السكون رد عمر الغامض " لدي شرط "

رد حسن مسرعا " موافق قبل حتى أن تنطقه "

نقل عمر عينيه لسلطان الذي استفسر بحكمة " ما هو "

 

التفت عمر لمياسة يرمقها لوهلة ثم عاد لسلطان يقول واثقا " نورين المنسي .. تُطلب من دار المنسي "

عبست مياسة بعدم فهم فأكمل عمر " أنت وحدك يا سلطان على العين والرأس .. ولكن "

شد على كف أخته يتابع بكبرياء " عندما تأتي لطلب يدها .. يأتي معك رجال الحارة .. على رأسهم ذاك الذي عين نفسه كبيرا عليهم .. ويطلبون نورين المنسي .. لحسن الجوهري "

 

التفت سلطان لحسن الذي ارتجف فكه بشبه ابتسامة وخلّف مكانه يدنو من عمر قائلا غير مصدق وقلبه ينتفض " هذا فقط "

رمقه عمر ثم أومأ " شيء آخر "

هز حسن رأسه بتساؤل فلكمه عمر على حين غرة لتصرخ نورين قافزة عن مكانها بإجفال ..

تأوه حسن يدلك جانب وجهه الذي لم يبق فيه مكان سليم .. ليقول عمر وهو يشده من ملابسه " أنت يا بائس .. لن ينتهي أمرك معي بتلك السهولة .. سأتلذذ بتعذيبك طويلا يا حسن في حق ما اقترفته معي أنا بالذات .. اخترت أن تناسب الشخص الخطأ صدقني "

ابتلع حسن ريقه ينظر له بعينين مهتزتين لا يستمع إلا لنبضات قلبه التي شرعت فورا بالاحتفال

فاندفع حينها يقول " أنا لدي شرط أيضا "

ضيق عمر عينيه صارخا " وتتدلل يا روح أمك ! "

لم يتراجع حسن وهو يشد قميص الآخر برجاء " أقصد طلب .. لدي طلب .. رجاء "

 

تجهم عمر كارها فأردف حسن بصوت ذاهل " أنا .. أريد أن أعقد قراني مباشرة "

أصدر عمر صيحة استهجان وهو يدفعه بعنف " ناااااعااااااام "

أسند فجر حسن قبل أن يسقط وهو يكتم الضحك متفاجئا فهجم عمر على الثاني يهتف " اسمعني يا **** .. نجوم السماء أقرب إليك .. سأقتلك يا حسن وأرميك لكلاب الطرقات هل تفهمني .. يا **** .. من أين خرجت لي فجأة .. سأقتلك "

 

دفعه بعدها لفجر مجددا الذي عاد يلحقه وعمر يتحرك بعصبية ناحية غرفته وهو يتوعد ويسب ..

 

ضحك سلطان ينظر لأخيه الغارق في صدمته يقول باطمئنان " اتركها عليّ .. مبارك لك عقد القران مقدما يا عريس "

انفجر فجر ضاحكا من قلبه يعانق حسن فجأة هاتفا " يا أبا علي .. سالكة معك يا ابن المحظوظة "

 

عقد حسن حاجبيه وأطلق ضحكة قصيرة قُطعت وهو ينظر لنورين وكأنه يسألها إن كان تعيش معه ما يمر به

ماذا يحدث ؟

هل يحلم ؟

هل حقا ينال نورين !

سيعقد قرانه عليها !

يلقبونه بعريس .. عريسها هي بالذات !

 

وجدها متسمرة بوقفتها متسعة الأحداق اللامعة تضمها أختها بحنو مباركة هي الأخرى ..

تبادله نظرات اللا تصديق مصعوقة وكأنها تتساءل إن كانت العروس محل الحوار الدائر فعلا !

ليهمس حسن مشدوها " يا إلهي "

 

خرج عمر من غرفته مجددا يضرب بابها في الحائط بغير اهتمام فأفزعهم .. توجه ناحية الفتاتين فشدهما نحو باب الشقة طاردا إياهما " اخرجا من هنا .. للخاااااارج .. إن أتيت هنا مجددا يا نورين فسأدق عنقك "

 

تأكد من رحيلهما وإغلاق الباب وعاد يحتج في غرفة منفردة وحده .. يقف قليلا ناظرا للفراغ ثم غطى وجهه بيديه يتأوه ساخطا " يا الله .. بعد كل تلك النصائح التي منحتها له .. أزوجه بنفسي لأختي .. سأصاب بشلل ! "

 

...........................

 

بعد يومين ..

 

ركنت السيارة الفارهة أمام المكان النائي المقصود .. أشار الرجل خلف المقود بيده ناحية البيت القريب قائلا " هذا هو البيت سيدي "

أنزل أمير زجاج نافذته يتأمل البيت بعينين مدققتين صقريتين ..

فتح الباب وترجل فتبعه السكرتير سائلا " علام تنوي ؟ "

استمر أمير يحدق بالبيت ثم مط شفتيه يفكر " أصابني بعض الفضول على غير العادة "

دنا منه الرجل مستفهما أكثر ليقول أمير مقترحا " لندخل "

رفع الرجل حاجبيه بدهشة مرددا " ندخل ! "

أومأ أمير ببساطة " نستكشف ما تفعله هوليا بالداخل "

رد الرجل بقلق " ولكن ماذا إن كان البيت مؤجرا ؟ "

لوح أمير بلا مبالاة وتقدم بثقة من البيت " نعتذر ونرحل .. ما المشكلة يعني ؟ "

 

اتسعت عينا الرجل يراه وهو يدنو من البوابة حقا محفزا الحارس ناحيته .. اتبعه بعجل فيسمع الحارس الذي على ما يبدو تعرف عليه يبادر مرتبكا " سيدي .. مرحبا "

ضيق أمير عينيه ينظر للبيت من خلال قضبان البوابة الحديدية ووضح " أنا أمير الفارسي "

قاطعه الحارس مدركا " سيد أمير .. عملت بين حراسك لفترة "

أومأ أمير مجيبا " هذا جيد لنا .. افتح الباب إذن "

توتر الشاب يعترض " ولكن .. لماذا .. ما الذي أتى بحضرتك "

رفع أمير حاجبه يعيد بتسلط " افتح الباب "

احتار الشاب بما يفعله خاصة وهو يعلم جيدا ما نفوذ الواقف أمامه .. إلا أنه تمسك بالممانعة قائلا " لا أوامر لي بإدخالك .. اعذرني "

أومأ أمير بهدوء مبهم وقد شم رائحة شيء غير مريح في الأمر

لا يبدو بيت مؤجر !

 

 فاجأ الحارس حينها بهجومه المباغت يشد منه السلاح بذكاء وخبرة وتراجع خطوتين للخلف يقول " أخبر هوليا أمير باشا تهجم عليّ إذن "

تحفز الحارس لكن أمير لم يمنحه فرصة وهو يضرب بالسلاح الناري بتصويب دقيق ناحية القفل فكسره في الحال

ابتسم بعدها للحارس المتجمد ببرود وتوغل يقطع المسافة القصيرة للحديقة المقفرة فوجد الباب الداخلي مفتوح ..

 

كتم تعجبه ودلف يبحث بعينيه ومعه السكرتير الحذر الذي يؤمن من خلفه

 

خرجت امرأة شابة أمامهما دون تنبه لهما وتحركت تسير إلى المطبخ المفتوح

 

تنحنح أمير مناديا فلم تستجب .. رفع من صوته أكثر فلم تستجب مجددا كأنها لم تسمعه

 

دنا مغتاظا يديرها نحوه ففزعت شاهقة وكأنها بالفعل تفاجأت بوجوده ترمي صينية عليها طعام من بين يديها

 

عبس يتأملها بدقة .. ومن ملامحها المختلفة أدرك أنها أجنبية من إحدى الدول الأسيوية

سألها ببطء بالإنجليزية " تتحدثين الإنجليزية ؟ "

لم ترد مرتعبة شاحبة فغير لغته " فرنسية ؟ .. ألمانية ؟ .. اسبانية ايطالية ؟ "

لم ترد على أي لغة منها فقال ممتعضا " هذا ما أملك من لغات "

التفت يتبادل النظرات مع سكرتيره المتخشب حتى لوح للشابة بحنق " هاااااي .. ألا تتحدثين أبدا "

هزت الشابة وجهها وأشارت بإصبعي السبابة والوسطى ناحية فمها ثم أذنها

 

اتسعت عينا أمير فاهما بتوجس " أنتِ بكماء ! "

لم ترد عليه مؤكدة له ما فهم منها ولا زالت ترتجف بجهل

 

عاد أمير يتلفت من حوله وقد طغى عليه عدم الفهم للأمر برمته وانتابته الشكوك أكثر !

 

تحرك يتجاهل المرأة المذعورة وبدأ يفتح الغرف واحدة تلو الأخرى فيجدها فارغة إلا من بعض الأثاث ولا يوجد ما يثير سوء الظنون !

 

وصل عند غرفة في نهاية الرواق فحاول فتحها بطبيعية فيجدها مغلقة

 

توقف أمير للحظات ثم استدار للشابة يشير " المفتاح "

لم تتجاوب فكرر ملوحا ناحية الباب " مفتاح .. أريد مفتاح الغرفة "

 

سكوتها أزعجه .. فاقترب منها يرهبها بضخامة جسده وانحنى لها يفتش في جيوبها بلا حرج يقضي على ممانعتها بالقوة

حتى أخرج سلسلة بها مفتاح واحد أخذه وعاد يحاول فتح الباب فانفتح معه

 

توقف أمير بحذر للحظة .. ثم دفع الباب ببطء يراقبه السكرتير الفضولي ..

 

أول ما استقبله في الغرفة هي النافذة المشرعة يدخل منها ضوء النهار قويا

 

إلا أن ما اثار استغرابه اللحظي أكثر أن النافذة كانت محاطة بقضبان حديدية تسيجها على عكس باقي الغرف ..

 

فتح الباب أكثر لا يجد شيئا مثيرا للريبة بعد .. خزانة .. منضدة

سرير .. وجسد !

قطب أمير متوجسا وهو يجد فوق السرير جسد شخص يغط في النوم

 

أثار فضوله كسكرتيره الذي يتبعه فتقدما من صاحب الجسد الهزيل الذي يخفي وجهه بين ذراعيه لا يظهر منه إلا عين واحدة مغمضة

 

شعر أسود قصير يتخلله الشيب وبشرة سمراء رجولية

 

وقف أمير قبالته يحجب عنه الضوء فتململ .. ازداد قلق الأول وألف احتمال بدأ يحلق في عقله

 

حتى فتح الرجل عينيه يرمش عدة مرات ثم استقر بنظرته العسلية الناعسة فوق أمير فأجفل يهب من رقدته

 

حينها كان أمير من يجفل مرتعبا بقفزة للخلف فاغرا فمه قبل أن يتجمد كأن صاعقة من السماء ضربته فجأة !

 

من بين الألف احتمال الذين حلقوا في رأسه .. كان تاج الحكيم لا يسكن أحدهم أبدا
 


" يا الله .. تاج الحكيم ! "

 

...................

مش ممكن كل قفلة أروع من اللي قبلها 🙈💖😂
يلااااااااا .. عاوزة آراء وفوت كتير عشان ننزل بكره
عندنا أفراح وليالي ملاح
متحمسين للحظات سعادة وحب في الرواية الشائكة دي قد ايه ؟ 🙈😂
قراءة ممتعة يا لآلئ 💫💖💖🥳 

Continue Reading

You'll Also Like

211K 6.9K 18
ﻓﺠﺄﺓ ﺳﻄﻊ ﺿﻮﺀ ﻣﺒﻬﺮ ﻟﻠﺤﻈﺎﺕ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻌﻮﺩ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻟﻈﻼﻣﻪ ﺍﻟﺪﺍﻣﺲ .. ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺭﺩﺩﺕ ﻛﻞ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻔﻈﻬﺎ ﻭﺗﻠﺒﻜﺖ ﻟﺪﺭﺟﺔ ﺃﻧﻬﺎ ﻓﻘﺪﺕ ﺍﻹﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﻭﻭﺟﺪﺕ...
2.6M 56.5K 61
تعالت همسات الجميع من حولها منهم المشفق منهم الشامت بينما هي تجلس مكانها جاحظة العينين غير مصدقة انه فعل بها هذا لقد غادر بوسط الزفاف تاركاََ اياها ت...
195K 6.8K 20
ﺗﺤﺖ ﺳﺘﺎﺭٍ ﻣﻦ ﻇﻼﻡ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺃﺧﺬﺕ ﺗﺘﻠﻔَّﺖ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺑﺎﻧﺘﺒﺎﻩ .. ﺧﻮﻓﻬﺎ ﺍﻟﻌﻨﻴﻒ ﻳﻬﺰُّﻫﺎ ﺑﻘﺴﻮﺓ .. ﺃﻗﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﺧﻠﻔﻬﺎ ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﺗﻨﺘﻔﺾ ﺑﻌﻨﻒ، ﺩﻋﻮﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﺼﺎﻣﺘﺔ ﺗﺘﻮﺍﻟﻰ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ...
235K 12.4K 25
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...