فجري أنت ، بقلم آلاء منير

By AlaaMounir201

650K 22.8K 6.3K

ماذا يحدث عندما تتلاقى سمو المبادئ مع دنيا الرغبات ! عندما تضعك الحياة بين اختيارين أحلاهما علقم .. عندما تُخ... More

تواقيع الأبطال
المقدمة
الفجر الأول
الفجر الثاني
الفجر الثالث
الفجر الرابع
الفجر الخامس
الفجر السادس
الفجر السابع
الفجر الثامن
الفجر التاسع
الفجر العاشر
الفجر الحادي عشر
الفجر الثاني عشر
الفجر الثالث عشر
الفجر الرابع عشر
الفجر الخامس عشر
الفجر السادس عشر
عودة 💫
الفجر السابع عشر
الفجر الثامن عشر
الفجر التاسع عشر
تنويه 😍
الفجر العشرون
الفجر الواحد والعشرون
الفجر الثاني والعشرون
الفجر الثالث والعشرون
الفجر الرابع والعشرون
الفجر الخامس والعشرون
الفجر السادس والعشرون
الفجر السابع والعشرون
الفجر الثامن والعشرون
الفجر التاسع والعشرون
الفجر الثلاثون
الفجر الواحد و الثلاثون
الفجر الثاني و الثلاثون
الفجر الثالث و الثلاثون
الفجر الرابع و الثلاثون
الفجر الخامس و الثلاثون
الفجر السادس و الثلاثون
الفجر السابع و الثلاثون
الفجر الثامن و الثلاثون
الفجر التاسع و الثلاثون
الفجر الأربعون
الفجر الواحد و الأربعون
الفجر الثاني والأربعون
الفجر الثالث و الأربعون
تابع الفجر الثالث و الأربعون
الفجر الرابع و الأربعون
الفجر الخامس و الأربعون
الفجر السادس والأربعون
الفجر السابع و الأربعون
الفجر الثامن والأربعون
الفجر التاسع والأربعون
الفجر الخمسون
الفجر الواحد والخمسون
الفجر الثالث والخمسون
الفجر الرابع والخمسون
الفجر الخامس والخمسون
مهم 💖
وحشتوني 💖
الفصل السادس والخمسون
الفجر السابع والخمسون
الفجر الثامن والخمسون
الفجر التاسع والخمسون
الفجر الستون
الفجر الواحد والستون
الفجر الثاني والستون
الفجر الثالث والستون
الفجر الرابع والستون
الفجر الخامس والستون
الفجر السادس والستون
الفجر السابع والستون
الفجر الثامن والستون
الفجر التاسع والستون
الفجر السبعون
الفجر الواحد والسبعون
الفجر الثاني والسبعون
مهم جدا
الفجر الثالث والسبعون
الفجر الرابع والسبعون
الفجر الخامس والسبعون
الفجر السادس والسبعون
الفجر السابع والسبعون
الفجر الثامن والسبعون
الفجر التاسع والسبعون
الفجر الثمانون
الفجر الواحد والثمانون
الفجر الثاني والثمانون
الفجر الثالث والثمانون
الفجر الرابع والثمانون
الفجر الخامس والثمانون
الفجر السادس والثمانون
الفجر السابع والثمانون
الفجر الثامن والثمانون
عيد ميلاد 👑🎂
موعد عودة 💖
الفجر التاسع والثمانون ( والأخير )
ختام الفجر ضي

الفجر الثاني والخمسون

4.8K 207 35
By AlaaMounir201

وحشتوووووني 😍💖
مين أشطر كاتبة رجعتلكم بسرعة 😂
أرجو إن فصولي وأبطالي يكونوا بيوحشوكم هنا 🙈
بمناسبة يوم المرأة العالمي حبيت أعايدكم بفصل جديد
طبعا مننساش الفوت والآراء لأنها بتشجعني كتير جدا أنزل أسرع 💖
يلا بينا ..

....................

" مساء الخير ، نوري "

ألقت مياسة تحية مسائية وهي تدخل الغرفة على نورين بعد استئذانها طرقات خفيفة .. التفتت لها نورين من أمام طاولة الزينة التي كانت جالسة أمامها تمشط شعرها الأشقر ..

ابتسمت لها بحلاوة ترد التحية " مساء الخير "

 

دنت مياسة واقفة خلفها فتمسك بدلا عنها بالفرشاة البنفسجية .. ثم شرعت في استكمال المهمة البسيطة للعناية بخصلاتها ..

ابتسمت مياسة بحنو وهي تهمس لها " الأشقر يليق بكِ جدا "

تحسست نورين أطراف شعرها الرطب المستريح على كتفها وأجابت " لقد غير شكلي .. أبدو أنثى كبيرة "

أنهت مياسة تمشيطها ثم انحنت بجذعها إلى مستوى رأسها تنظر لها عبر المرآة قائلة وهي تحتضن كتفيها بنعومة " أنت مميزة بجمالك .. تمزجين بين رقة الطفولة ونضج الأنوثة .. تسلبين العقل يا بنت "

ضحكتا لبعضيهما فغارت غمازتيهما في تشابه .. لتقبل مياسة خدها بخفة واستقامت قائلة " هيا .. لننزل لعالية سنجلس معا نشاهد التلفاز .. و سيقع على عاتقك اختيار ما نشاهده "

أومأت نورين ببساطة تنفض شعرها للخلف تاركة له حرا كما توصيها أختها دوما كي ينال ما يلزمه من راحة عقب ربطه طوال اليوم في الخارج ..

 

تحركتا معا تقطعان الدرج نحو الأسفل .. ترتديان ملابس مريحة متشابهة من بلوزة قطنية مفتوحة الصدر بحمالات رقيقة .. وبنطال واسع فضفاض لا يصل للركبتين ..

 

دخلتا على عالية التي ابتسمت لهما وهي منكبة على ترتيب الطاولة الصغيرة أمامها فتضع عليها ما جهزته من مسليات سيقضين السهرة في التهامها ..

 

ردت التحية فاقتربتا جالستين بجانبها كل منهن تمدد ساقيها أمامها بأريحية ..

 

العلاقة بين عالية ونورين تتسم بالاستقرار والاحترام المتبادل .. حيث أنه بمرور الوقت استطاعت مياسة أن توازن بينهما فتآلفا ..

يتبادلان الأحاديث في الحدود المتاحة .. دون أن تتسبب أحدهما في الإزعاج الغير مرغوب للأخرى

 

سألت مياسة نورين بتركيز بينما تصب نظراتها على الشاشة قبالتها " هيا اقترحي .. ماذا تفضلين للمشاهدة "

 

ضيقت نورين عينيها مفكرة قليلا ثم هتفت بحماس " كابتن جاك سبارو هو الاختيار الأمثل لي "

أومأت مياسة موافقة وبدأت في التعامل مع تشغيل السلسلة ..

 

بدأ الفيلم وشرعت معه نورين في تناول ما أحبت من مقرمشات بعفوية تكتسب التعامل بها رويدا ..

 

التفتت عالية تسأل بحرص " أخبريني .. كيف كان يومك "

ردت نورين بابتسامة " الحمد لله .. أعتاد .. اليوم تعرفت على بعض الزملاء متنوعي الجنسيات .. الوقت يمضي خفيفا بالاندماج معهم "

ربتت على كتفها تشجعها " السنة التحضيرية ستكون سهلة عليكِ .. كما أن بمرور الوقت ستكتسبين المعارف أكثر فلن تحسي بغربة .. لا تقلقي "

 

أومأت نورين ساكتة فشردت في ملامحها عالية .. قبل أن تميل عينيها صوب صورة تاج القريبة ..

يؤلمها قلبها بشكل ما كلما تعمقت في وجهها .. فهي رغم شبهها بروح ونقاء أبيها إلا أن أمها تقبع بين خطوط ملامحها الطفولية بوضوح موجع

 

ازدردت عالية ريقها بعسر وهي تحني رأسها متباعدة بفكرها عن الجلسة الدافئة

إنها تحمل في قلبها كل شيء ونقيضه ..

بين ثنايا الذنب يقبع حقد ..

في غور الجروح النازفة يسكن حنان ..

داخل ندوب الرفض يوجد ندم ..

 

بماذا تشعر تحديدا ؟..

هل حقا تتمنى لو تملكتها الشجاعة ذات يوم  لتخبر عنها تاج .. فترفع الستار الخافي للحقيقة البشعة عن عينيه ..

أم لو عاد بها الزمن لتمسكت بنفس عار أفعالها كأنثى مقتولة ..

 

هل هي امرأة مطعونة تحتاج أن تغفر

أم هي من طعنت بخسة وبحاجة لمن يهبها الغفران !

 

" هل أنتِ بخير ؟ " همست نورين مترددة تشدها بقوة من تلاطم صراعها النفسي

فرفعت عالية عينيها إليها مكتشفة غياب مياسة لتسأل بتشتت " أين مياسة "

أشارت نورين مجيبة " قالت ستحضر بعض المشروبات "

أومأت عالية ببعض الشرود فكررت نورين بقلق " سيدة عالية .. هل حضرتك بخير ؟ "

ابتسمت عالية ترمقها مطولا حتى قالت بخفوت " أنا فقط أتذكر تاج بين حين وآخر .. كم أتمنى لو كان بيننا فيراكِ "

تجهم وجه نورين نافرة بخشونة " لو كان هنا لما أتيت أصلا "

مالت عينا عالية وسطع فيها شيئا حزينا لم تفسره .. لكنها تنهدت تهمس بشجن " أبوكِ أحبك يا نورين .. ظلمته كل الدنيا فلا تظلميه معها "

اكفهر وجه نورين أكثر تبعده عنها قائلة بحدة " أنا هي المظلومة إن ركزتِ في الصورة جيدا "

 

هزت عالية رأسها متريثة " قد أؤيد هذا إن كنتِ في حال يختلف .. لا تدعي ظلمًا من الدنيا التي أعطتك الكثير من الخير حتى وإن زارك الألم "

 

أطرقت نورين برأسها صامتة تتنفس بقوة .. ثم حركت رأسها تعترف بأدب " نعم .. معك حق .. لن أدعي ظلما لم أحسه هذا أيضا مبدأي .. ولكن من فضلك لا أحب الحديث عنه .. فإن كان هناك ما يجمعني بهذا الرجل .. فهي مياسة فقط .. لا أريد أن أعرف المزيد "

أومأت لها عالية متفهمة تبتسم بهدوء .. و مدت كفها تربت على ذقن نورين بلطف وتخبرها " حقك .. للآن .. لكن يوما ما أنتِ مضطرة لأن تعرفي .. حينما تمتلكين الشجاعة لمنحه سماح يستحقه .. وحتى هذا الحين ثقي بكلامي .. تاج لم يكن سيئا .. وأحبك .. أحبك بشدة يا صغيرة "

 

نظرت لها نورين متأملة كل تلك المشاعر الحية التي تشربت بها ملامح الأخرى ..

هل تعشق زوجها إلى هذا الحد

لماذا رجل مثله قد ينال حبا وإخلاصا حتى بعدما فعله معها من نذالة !

 

دخلت مياسة قاطعة الحوار وهي تحمل صينية فوقها المشروبات .. فلاحظت شحن الأجواء من حولها لتتقدم متعجبة " هل هناك شيء ؟ "

لم تجب نورين ..

لكن عالية اعتدلت تترك مكانها قائلة بإرهاق نفسي " أنا متعبة .. سأخلد للنوم .. استمتعا أنتما .. تصبحان على خير "

قالتها ومشت نحو غرفتها تختفي هناك .. فجلست مياسة قرب أختها مستوضحة بتوجس " هل كل شيء بخير "

 

زفرت نورين نافضة سلبية شعورها المتخبط .. فنظرت لأختها تبتسم برقة قائلة " نعم .. لنكمل الفيلم "

لم تُصر مياسة .. فمدت لها كوب عصير طازج ثم سحبت أختها لجانبها فتلتصقان بدفء لاستكمال المشاهدة بشغف

 

.......................

 

ولجت إلى غرفتها بملامح غائمة وعينين تسبحان في دكنة ساحقة .. دنت من السرير فانزلقت تجلس فوقه تتنفس بغور علّها تنجح في حجم الاختناق المطبق فوق صدرها ..

 

وقعت بعينيها على الصورة الموضوعة على طاولة جانبية .. فمدت يدها لها لتنتشلها متأملة إياها .. كانت صورة تعود لزفافها البعيد

ذلك اليوم الصعب الذي انتهى بها في أحسن حال ..

 

كان هو بجوارها يمسك بيدها مبتسما بوسامة رجولية بينما هي بفستانها البسيط الأبيض استطاعت أن تمنح عدسة الكاميرا نظرة واثقة وضحكة شديدة الاتساع والكبرياء في تحدي فازت به ..

 

ارتعشت شفتيها تهمس بتهدج ملتاع " تاج .. حبيبي .. ماذا أفعل .. سامحني .. كان ما صار رغما عني .. لقد أحببتك بشدة .. أحببتك لدرجة أن نسيت كل أذى مررت به قبلك .. أحببتك وأقسم أن بذرة حبي نمت منذ أول ليلة لنا .. سامحني .. أنا أموت كلما رأيتها .. لم أحتمل .. لم أحتمل يا تاج .. خشيت أن تكرهني إن آذيتها .. ماذا أفعل وكيف أمحو ذنبي تجاهك "

 

احتضنت الصورة إلى صدرها بقوة تبكي بخفوت متشنج .. كم تتمنى لو تجد راحتها

إنها تحمل ذنبا ثقيلا لا تعلم كيف السبيل لدفعه عنها حتى !

 

" تفضلي .. أنرتِ بيتك "

دعاها ما أن فتح الباب بصوت متمهل خشية إجفالها .. ازدادت تشنجا بجواره وهي ترفع نظراتها الخاوية تعاين ما أمامها وهي واقفة على عتبة الشقة يصرعها التردد ..

 

ابتلعت ريقها تجاهد حالها قبل أن تسحب نفسا عميقا تقوي به قلبها النابض بعنفوان .. ثم مدت كفيها لترفع فستانها قليلا فتسمي الله متغلغلة للداخل ..

 

كان هو من خلفها هادئا متقاعسا يعطيها ما احتاجت من وقت .. بينما هي قطعت الرواق القصير لتدلف مباشرة للصالة المتوسطة والتي يتفرع منها الثلاث غرف الموجودين بالشقة المتواضعة ..

 

لقد جاهد بالفعل لشرائها .. حيث باع سيارته وشقته البسيطة في أحد الأحياء الشعبية ليختار شقة أخرى في حي أرقى ..

مع أنه لم يكن لينافس روعة الأماكن التي شبت فيها ابنة القصور ..

 

لكن بداخله يعلم أن المعدن الذهبي لعالية أكبر من أن ينفر مما هو أقل ..

 

تلفتت من حولها تبصر ما استطاعت من تمييزه في الأنحاء .. كان كل شيء على ذوقه واختياره ..

حيث أنها كانت ولا زالت تمر بفترة عصبية ضاغطة أحالت دون استمتاعها كأي عروس تختار وتطلب ما تشاء في عش الزوجية المفترض .. فأخبرته أن يفعل ما يحلو له على حسب ذوقه ..

 

و رغم الجرح الطبيعي لأي شخص في مكانه وافق صابرا ..

هو من اختار القبول بأن يكون لها زوجا في هذا التوقيت الحساس .. لذا عليه تحمل أي ما يصدر منها

فلو انتظر وقتا أفضل تتحسن فيه نفسيتها مما تلقت من غدر وخيانة من أقرب المقربين لها .. لما نالها قط !

 

" ذوقك جميل " قالت تحاول أن تدبر ابتسامة تتغلب فيها على ارتجاف تخبطها ..

" سعيد أن أعجبك " أجابها بصوت حاني فأبعدت عينيها مرتبكة ..

 

كان يوما عصيبا ..

حيث أن الكثير من العقبات قد قابلتهما .. وكلها عقبات مفتعلة بسبق إصرار ويعلم من ورائها لكنه كظم غيظه محتسبا ..

 

كفستانها الذي كان هدية أبيها لها وقد ذُهل الجميع به ممزقا ببشاعة صدمتها ..

وكالفريق المتخصص الذي كان من المفترض أن يأتي لتجهيزها كعروس .. وقد حدثت له مشاكل غريبة دفعت الفريق للاعتذار عن القدوم ..

 

لقد اقترح مضطرا أن يتم تأجيل الزفاف حتى يتم إصلاح ما فسد

لكنها أبهرت الجميع وهي تخبرهم أن الزفاف سيتم في موعده .. ولن تحتاج لأكثر من مجرد فستان أبيض بسيط ..

 

فلبى والدها فورا .. والذي منذ ما حصل لها من نكسات متتالية لم يعد يكسر لها طلبا ..

فارتدته وقامت هي بتزيين نفسها .. ورغم البساطة المفرطة للنتيجة النهائية

يقسم أنه لم يرَ أجمل منها عروسا !

 

أخرجته من سهوه العميق على قولها المتوتر " أريد تبديل الفستان "

تنحنح منتبها فأشار لإحدى الغرف يعرفها " تلك غرفة النوم .. فيها حقائبك مغلقة كما طلبتِ "

أومأت ممتنة ثم تحركت تختفي خلف بابها ولم تتحرج من أن تغلقه عليها بإحكام فوصله الصوت المعلن لقلة ثقتها به ..

 

تنهد تاج يرفع كفه الأسمر يفرك شعره الأسود بقوة متسائلا بداخله عن الخطوة التالية ..

 

غابت طويلا حتى ظنها لن تخرج .. إلى أنها فعلت خارجة إليه مرتدية ملابس محتشمة بسيطة ..

اقتربت متبعة الصوت إلى المطبخ فوجدته يعيد تسخين بعض الطعام

سألها الأكل فرفضت بتهذيب وكانت قاطعة فلم يجد أمامها حيلة ..

تناول بعض الأكل سريعا ثم وقف يعيد ترتيب المكان .. إلى أن أخبرها أنها بحاجة للنوم .. فوجهها شاحب ..

 

أومأت ولم تجد بدا من سؤاله بحرج " وأنت .. ألن تنام "

سكن للحظات ثم أجاب بهدوء " بلى .. سأنام في غرفة مجاورة "

تفاجأت برده .. لكنها ارتبكت

ورغم رسمها المسبق لانتهاء الليلة بالشكل الطبيعي لأي عروسين .. إلا أنها كانت شاكرة لفرصة الانعزال

 

فخرست تومئ له وتوجهت بخطى متسارعة عائدة للغرفة بتهرب

 

انقضت بضع ساعات وهي تتمشى في الغرفة بلا هوادة .. لا يوجد صوت يصدر عن الخارج ويبدو أنه التزم بغرفته يتحاشى إزعاجها ..

 

جلست على سريرها تحاول استعادة سيطرتها .. لقد حصل ما حصل وها هي تزوجت من رجل مناسب أحبها ..

فمن أحبته آلمها كما لم يفعل أحد يوما .. وأبوها بنفسه أخبرها أن تاج الحكيم الموظف من أكثر البشر خلقا ممن عرفهم ..

يكفيها أنه وثق به لدرجة أن وافق على منحه ابنته المعطوبة ..

 

أغمضت عالية عينيها بشدة تبعد عنها الألم قسرا .. لن تفكر في الماضي

لن تفعل ..

يكفيها تلك الفترة الموجعة التي اجتزت منها كرامتها وكبريائها علنا بلا رحمة ..

لقد تزوجت وتنوي استعادة حياتها حتى ولو برتابة وعملية ..

من رجل طيب الأصل والخلق وقد علمت بأكثر الطرق إيذاءً أن هذا هو الأهم عند الاختيار

وحتى إن أتى عليه يوم وندم على زواجه من امرأة عاقر وقرر مفارقتها ..

فلا بأس ستتجاوز لأنها لا تحبه ..

 

أنتِ قوية عالية .. لا تدعي أحدا يهزمك !

 

أجفلت منتفضة ما أن ارتفع رنين هاتف البيت داخل الغرفة ..

رفعت نظراتها تنظر له بحيرة لتأخر الوقت خاصة وهما عروسين .. قررت التجاهل حتى يسمعه تاج ويأتي للرد بنفسه ..

لكن الرنين طال وهو لم يأتِ

فنهضت تغادر جلستها واقتربت ترفع السماعة مجيبة بدلا عنه بثقة

 

" آه خشيت ألا تردي أنتِ "

وصلها الصوت المعروف فشحب وجهها تلقائيا وقست تعابيرها في الحال

ليكمل الصوت بنبرة يسكنها التلهف " حبيبتي .. لم أستطع منع نفسي من التحدث معك .. أردت المباركة لكِ بنفسي "

فغرت عالية فمها غير مصدقة لمدى تبجحها فأكمل الصوت متوددا " مبارك لكِ أختي .. نلتِ ما تستحقين في النهاية "

 

عقدت عالية حاجبيها تستشف السخرية المبطنة في نبرتها لذا همست بتحجر وازدراء " نعم .. كما نلتِ أنتِ ما تستحقين يا هوليا "

ابتسمت هوليا على الجانب الآخر وأجابت بفخر " بالتأكيد " ثم أردفت مستدركة " أريدك فقط ألا تحزني لأجل تدني مكانة زوجك .. لا بأس .. يكفي أنه وسيم "

 

لم ترد عالية وقد اعتلاها الاشمئزاز فقررت إنهاء المكالمة فورا .. لكن أختها كانت أكثر بغضا لها من أن ترحل عنها دون مدها بما عمدته من جرعة كلمات مدببة فقالت تصطنع الضحك " وسامته ستفيد في الحفاظ على تحسين النسل "

صمتت لبرهة وهتفت مسرعة " آه .. آسفة لم أقصد حقا .. نسيت أمر عقمك "

 

لم تستطع عالية منع شهقتها التي انفلتت منها ورأسها يرتد للخلف وكأنها لكمتها على حين غرة ..

 

تصلبت نظراتها رغم الدموع التي تجمعت بشفافية .. فأخذت ترتجف بقسوة كورقة مهترئة في مهب عواصف عاتية .. بينما أضافت الأخرى وقد استلذت كمهووسة بألم شقيقتها " حاضر .. حاضر حبيبي قادمة .. عالية أكلمك لاحقا .. هذا الرجل لا يشبع ولا يراعي كوني حاملا بطفل شقي .. مبارك .. مبارك حبيبتي ارسلي تحياتي لزوجك .. ماذا كان اسمه نسيت ؟ "

 

لم تستطع عالية التحمل أكثر فانتفضت تغلق المكالمة بعنف ..

يدها على فمها بينما تتراجع للخلف ناظرة للهاتف بعينين متسعتين وجعًا ..

 

هزت رأسها وشيء في جوفها يتأجج فيكوي أحشائها لدرجة جعلت أنفاسها تتقطع فتخرج على هيئة شهقات متتابعة ..

 

ظل الشحوب يستفحل في معالمها حتى انحسرت عنها آخر ذرة دماء فتحولت كقطعة ثلج لا حياة ترجى منها ..

استمرت برج رأسها ولا زالت تتراجع للخلف حتى اصطدمت بالسرير فانتفضت هامسة " لماذا .. لماذا تفعلين ذلك .. ماذا فعلت لكِ .. أنا أختك .. ماذا فعلت لكِ "

 

كيف السبيل للتخلص من الألم المستشري .. كيف السبيل لاستعادة السلام ؟

أ تزهق روحها علّها ترتاح .. لماذا كلما سعت للشفاء يعود السكين فيتحرك ببرود مفجرا النزف من جديد ..

 

رفعت عالية كفيها محيطة وجهها من الجانبين تحاول التحلي بأي شجاعة للاجتياز ..

 

لكن الأمر كان أثقل من تخطيه بتلك البساطة .. فتتبعت ما أملاه عليها عقلها فورا لتركض مغادرة الغرفة بخطوات متداخلة كادت أن تسقط بسببها .. تركض بعشوائية متوجهة صوب غرفة أخرى ..

طرقت فوقها بشيء من الهستيريا .. ولم تكن بحاجة لوقت طويل كي يفتح لها تاج هاتفا بقلق " عالية .. ما بكِ "

كانت في حالة مزرية والكلمات السامة تطوف برأسها كالأسهم .. أشارت بوجهها دون هدف ولم تلحظ حتى الدموع التي انهارت فوق وجهها وقد انهار حائل الكبرياء الذي حسرها طويلا ..

 

ليس عدلا ..

ليس عدلا أن يختبرها الله في ابتلاء قررت أن تصبر عليه

فيعايرها به البشر !

 

" أنا أتألم " باحت بصوت خشن مختنق فعقد حاجبيه مذهولا من انهيارها الغير مفهوم لتتابع " ألم روحي يقتلني .. جوفي يحرقني بشدة وكأن رحمي أعلن الثورة على قدره بأمومة مخذولة .. لكني لا أريد هذا .. أريد الرضا .. افعل شيئا .. أتوسل إليك يا تاج "

 

" ششششش " همس مهدهدا وهو يسحبها فورا لأحضانه .. كانت هشة رقيقة بشرتها باردة للغاية ..

تشبثت به بجنون تهذي مترجية متوجعة " ساعدني .. شتت أفكاري أرجوك .. افعل شيئا .. إنها أختي .. أختي بحق الله "

زاد من إلصاقها بصدره ولا يعلم كيف السبيل لاحتواء لحظات ضعفها المفاجئة وصرفها عنها ..

فاتبع فطرته بأن مال بفمه صوب رقبتها يمنحها قبلات محبة حانية يمتص بها انفعالاتها المفرطة علّه ينجح ..

 

أخذت تشهق وهي غير واعية تماما .. حتى تمادت قبلاته يصعد بفمه لفكها المرتعش ثم وجنتها وعينيها المبللتين .. جبهتها أنفها .. حتى انتهى به الحال مستقرا فوق ما تاق وحلم به طويلا طويلا ..

ارتشف وهو يعانقها بقوة أكبر بينما يتشاركان ملوحة دموعها الغزيرة .. والتي سرعان ما تراجعت أمام الفيض الجارف من الشهد الصافي لقبلتهما المتبادلة بشغف متفجر من الطرفين ..

 

لم تعرف كم من الوقت مضى .. لكنها عندما أفاقت على نفسها لاهثة كانت تجلس فوق ساقيه على السرير الذي سحبها إليه دون فصلها عنه ..

 

رمشت بعينيها حتى أشرقت بهما متسعتين تناظره في بلاهة وهو يترقب لرد فعلها بحذر ..

حسنا .. ربما ستثور متهمة إياه باستغلال حالتها ليتمادى معها .. لكن في النهاية قد نجح في تنفيذ ما ابتغت من تشتت ..

هي الآن مشتتة لدرجة تجعلها تتلفت من حولها بغباء ثم تهبط بنظراتها متأكدة من وجود ملابسها عليها ..

حتى تلاقت بعينيها مع عينيه متنبهة أن ذراعيها يلتفان حول رقبته وكأنها تخشى أن يهرب منها ..

 

توقع أن تنتفض مبتعدة عن مجاله لكنها خالفت ظنه وهي تهمس مشدوهة " عيناك جميلتان "

ارتفع حاجباه مندهشا .. ثم ابتسم لها بحنان فاستدركت وضعها تبعد ذراعيها الملتصقين به بارتباك بينما يزداد وجهها احمرار وكأنه ينقصه ..

 

على الأقل قد انحسر شحوبها عن شواطئ فتنتها ..

 

لم تفارق جلستها فوق ساقيه تتحدث متحرجة مما حدث لها من سقوط " أنا آسفة بشأن ما حصل "

رماها بنظرة متراخية رجولية للغاية لمست فيها شيئا فارتجفت .. وكفه مستريح على فخذها يدعمها كي لا تسقط بينما يده الأخرى أسند بها وجهه المائل وهمس ببحة " لكني لست آسفا "

قطبت مستنكرة فبرر " رغم ألمي لأي دمعة منكِ .. لكني حقا ممتن للموقف الذي دفعك تجاهي .. كانت تلك أروع تجربة مررت بها "

 

زاد ارتباكها العذري إثر نبرته الخشنة .. فنهضت مبتعدة عن دفئه محتارة بما يجب أن تفعله ..

ليبتسم لها ملطفا الأجواء يتمالك أعصابه بدوره قائلا " كيف أصبحتِ ؟ "

عبست تجيب مضطرة " أنا بخير "

رفع كفه يعيد ترتيب خصلاتها المبعثرة واقترح مشجعا " عاليتي .. ما رأيك أن نصلي معا "

نجح في كسب ابتسامتها أخيرا وهي تومئ موافقة في الحال

 

وبعد انقضاء الصلاة .. كان يجلس بجانبها سائلا من جديد " ألن تأكلي "

هزت رأسها نفيا فصمت والحرارة تعود بغزو أقوى لأنحاء الغرفة وهما في المنتصف يلتهبان ..

 

تنهد بحنق فابتسمت له بمكر خفي .. اقتربت من وقفته أمام النافذة فاستدرك يقول بإحباط داخلي " أنا سأتركك لترتاحي الليلة هنا .. سأعود للغرفة الأخرى .. نامي حبيبتي .. وإن احتجتِ لشيء أخبريني " قالها ورحل مسرعا مخافة أن يرجع في كلمته فيخيفها ..

 

لم تخفت ابتسامتها تراقب رحيله متعجبة .. حتى توارى عن أنظارها فرفعت عينيها إلى السماء تتنهد شاعرة أنها أفضل حالا عقب الصلاة التي لجأت إليها معه ..

 

انقضت معظم الليلة واقترب الفجر بينما لا زالت هي في مكانها تتفكر

ما الذي يمنعها الآن من البحث عن راحتها .. ما الذي قد يهزمها أو يثنيها عن تكوين بيت خاص بها

حتى وإن كان البيت من فردين فقط

لماذا قد تستمع لأصوات الألم بينما قبل قليل جربت ألحانا أكثر نعومة وجمالا ..

لماذا قد تسمح لأحد .. أي أحد .. بعد اليوم بأن يأخذ منها ما حصلت عليه ..

إن معها رجلا يحبها .. فسواء إن بقى شهر أو سنة أو كل العمر كما يعدها وصدق ..

ماذا قد يمنعها عن السعادة في كل يوم من أيامها المتاحة !

 

تنهدت عالية وهي تبتعد عن النافذة بعزم .. وبهدوء تحركت مغادرة الغرفة

هي ليست صغيرة .. ويشهد الله أنها لم تتزوجه انتقاما في أحد ولا لاستخدامه كأداة كيد ..

 

طرقت فوق باب غرفته للمرة الثانية في نفس الليلة .. فابتسمت وهي تبدو كأنثى مترصدة

فتح لها الباب بحذر متوجسا أن تكون قد عادت لحالتها .. لكنه وجدها هناك .. مبتسمة جميلة

رقيقة الهيئة بشكل مناقض لعنفوان نظراتها المُلحة ..

ضيق عينيه يقول " عالية ؟ "

تعمقت ابتسامتها وسألت " هل نمت ؟ "

أطلق تنهد حار يمنحها نظرة بائسة وهو يجيب " ليس بعد "

عضت على شفتيها بحرج لحظي تلاشى أمام جرأة شخصياتها الواثقة وهي تتكلم " هل تعلم يا تاج ماذا قد يقولوا على رجل ترك زوجته ليلة الزفاف وفضل النوم بغرفة أخرى "

عبس في الحال ينظر لها مستنكرا تلاعبها فشمخت ورفعت حاجبها في علو مألوف تكمل بخبث " إما يعيبوا فيه .. أو فيها "

" عفوا " استهجن كلماتها الوقحة فعادت تعض على شفتيها تكتم ابتسامتها .. قطعت خطوة إليه مبادرة بحزم مزج بملامح ناعمة " تاج .. ربما أبدو لك كأنثى مجروحة فضلت أن ترد كرامتها عن طريقك .. لكني صادقة .. لقد تزوجتك لأني أردت منحي فرصة في الحياة .. أريد تكوين أسرة حتى وإن اقتصرت علينا فقط .. سامحني فليس بيدي أن .. "

قاطعها يرفع أصابعه لشفتيها وقلبه يتضخم حبا فاعترف صريعا لهواه " أحبك "

تأملته بنعومة حزينة ليحيط وجهها الأبيض بسمرة كفيه مضيفا بعشق غامر " إن أردت طفلا أريده منكِ ليشبهك .. وإن لم يكن فلا أريده "

 

اقترب بوجهه فشعر كل منهما بأنفاس الآخر تلفحه ليسترسل بحنو " أحبك .. ولو كانت لي أمنية وحيدة مجابة .. فهي أن يمنحني قدري طفلي منكِ أنتِ "

 

ضحكت له بأعين دامعة .. ومجددا التقط بشفتيه دموعها .. فحول ملوحتها لعذوبة مستطابة

فحملها إليه يدخل بها للغرفة وهي تستسلم مشتاقة لتجربة أعمق مما جربته قبل قليل معه ..

 

وتلك الليلة .. كان القدر حريصا على تلبية جوع أمنيتهما المشتركة فحققها !


..........................

 

برحيل آخر فرد من الموظفين عن الغرفة كانت تترك كرسيها واقفة و أخذت تتمطى متأوهة بإرهاق قائلة " أنا في حاجة ماسة لإجازة مفتوحة .. سأموت "

رفع زرقاويه لها متأملا وأجاب " تقومين بجهود مكثفة .. غلبتني اليوم "

ابتسمت تنظر إليه قائلة بمرح " قولك فخر لي يا سيد أمير .. ولكن لنكن منصفين .. لم تكن في كامل تيقظك اليوم .. هل أنت بخير ؟ "

هز رأسه قليلا بلا تعبير محدد فتعقدت ملامحها وهي تعاود الجلوس قربه سائلة بقلق " أمير .. حقا أخبرني .. ما بك .. هل تشعر بالتعب ؟ "

هز رأسه مجيبا بنأي " أنا بخير .. مجرد صداع بسيط .. شكرا لاهتمامك "

قطبت تتفحصه بنظراتها حتى نهضت تخبره بحزم " حسنا .. تعال سأطلب بعض الطعام البسيط لك .. على الأغلب لم تتناول افطارك "

هز رأسه وهو يستقيم مشيرا بيده قائلا " لا أريد شيئا .. كُفي عن تصنع الاهتمام بي "

تنهدت تقول بملل " يا لها من مخيلة .. كل هذا لأني أطلب لك طعاما .. ماذا لو صنعته بيدي إذن "

رفع حاجبه يتهكم " كنت سأظن أنكِ وضعت فيه السم "

 

ارتفعا حاجباها بصدمة قبل أن تضحك عفويا ثم لوحت بكفيها المفرودين " ولمَ أرمي نفسي في كارثة .. لن أصنع لك مجرد فنجان قهوة حتى .. أنت حر في نفسك "

 

قالتها ولوحت بإصبعيها عائدة لمكتبها .. فزفر هو مهموما ثم مشى ناحية مكتبه بدوره يقضي وقته في العمل بجمود متجاهلا تعبه و جوعه

 

دق باب مكتبه فأذن للطارق بالدخول .. شاهد الساعي وهو يدخل حاملا صينية عليها بعض المحتويات

قطب أمير بعدم فهم فابتسم له الرجل باحترام يضع ما أتى به فوق مكتبه ويوضح " السيدة ليل طلبت هذه الشطائر لحضرتك .. مع كوب عصير طازج "

تصلبت عضلات أمير يرى ما أمامه بنظرة مبهمة توتر منها الرجل المسن .. حتى أطلق سراحه وهو يشير له بالانصراف ..

 

دار أمير بكرسيه ينظر لسقف الغرفة متمتما " تبا لكِ يا ليل .. تبا تبا "

زفر بحدة ثم استقام يحمل الشطائر والكوب وقد ازداد عصبية ما أن أدرك أنها اختارت شطائره المفضلة كذلك ..

 

توجه إلى مكانها ودلف دون استئذان .. رفعت وجها متفاجئا حتى عبست تستفسر " أمير .. هل حصل شيء "

اقترب يضع أمامها ما بيديه .. وقد لاحظ أنها كانت بدورها تتناول بعض الطعام السريع ..

طالعها باحتدام شكوكه .. فابتسمت وهي تشير لشطائره قائلة بشجن " هل تعلم كم جاهدت مع ذاكرتي كي أصل فقط لما كنت تفضل أكله يا أمير "

أومأ ساخرا يخبرها " نعم .. أنا لم أتوقع حتى وصولك "

 

وقفت عن كرسيها منتصبة أمامه وقالت بمرارة " خمس سنوات تعايشنا معا دون أن نعيش حقا .. دون أن نعرف بعضينا "

 

" ماذا الآن .. " قاطعها بخشونة وتابع بغضب " هل تنوين أن تعرفي بعد كل ما جرى "

" لا أريد إلا أن أعرف شيئا واحدا يا أمير " هتفت بنبرة أعلى حملت ثورة غريبة ضاربة فوق المكتب بقبضتها .. فعقد حاجبيه مترقبا بينما هي زمت شفتيها تلهث قليلا وكأنها تعاني صراعا من تحرير الكلمات ..

 

حتى رفعت عينيها إليه متضرعة بلوعة " لو عاد الزمن .. هل .. هل كنت سأهون مجددا .. كنت سترميني .. لآخر "

 

طفحت تعابيره بمعاناة حقيقية مفضوحة عقب سؤالها المباشر .. عذاب لم ينتهِ بعد رغم مرور الأشهر متتالية ..

استطاعت تمييز حلقه المتحرك بصعوبة وكأن غصة حارقة تتفشى فيه ..

 

وعم صمت طال شكت فيه بألا يبوح .. إلى أن هز رأسه يشهر مذعنا بصوت أجش " لو عاد الزمن لما خنتكِ أصلا "

شهقت تلتقط نفسا حبسته في رهبة من الإجابة .. لتطرق أرضا وتستند على المكتب بكفها داعمة جسدها المهتز ..

قبل أن تهمس بضعف مثير للشفقة " ليته يعود إذن "

 

ذاع السكوت من حولهما في الغرفة لدقائق محدودة .. حتى سحبت نفسا تبعد وجهها فلا تواجه عينيه

وعادت تجلس فوق كرسيها هامسة بنبرة مبحوحة " اجلس وتناول شطائرك أمير .. ثم عد لمكتبك "

رمقها من وقفته دون تنازل .. حتى تنهد بغم واستجاب جالسا بجوارها يشاركها الطعام بلا كلمات

 

.........................

 

 

ليلا ..

 

" هل أنتِ من صنعتِ العصير ؟ "

سألها بهدوء فرفعت جفونها المسبلة ترمقه مجيبة بقلق " نعم .. هل به شيء ؟ "

ابتسم بمكر وشاكسها " لهذا سكره عالي .. حلو حلاوة ! "

اتسعت عيناها ترمي أمها الجالسة أمامهما بالمطبخ الذي يطل على الصالة التي فضل حازم الجلوس فيها بنظرة مختلسة ..

عادت ترنو له مغتاظة تنهره بحرج " حازم توقف .. قد تسمعك أمي "

ضحك ذاهلا وقال " وما المشكلة .. لتسمع .. وهل كذبت في شيء "

تأففت حانقة فابتسم يترأف بها قائلا " حسنا لا تلوي فمك الجميل هذا .. كيف حالك على الأقل "

تورد وجهها من كلماته لكنها أجابت وقد اعتادت عفوية تغزله ومهما حاولت يعاند معها " أنا بخير الحمد لله "

" يا رب دائما في أحسن حال " قالها وهو يقترب منها بجلسته فعبست متشككة لتبتعد عنه ..

زم شفتيه مغتاظا فقطع المسافة التي ابتعدتها .. لتزداد عبوسا معاودة الابتعاد .. فاقترب لا يكل من السعي ..

فابتعدت واقترب وعندما أوشكت على الابتعاد مد كفه يمنعها ضاحكا وهو ينبهها " ستسقطين أرضا يا زهرية .. وصلتِ لأقصى حد في الأريكة "

أبعدت يده عن معصمها وزجرته بغضب طفولي " افسح مجالا إذن "

أشار للمسافة المعقولة بينهما قائلا ببراءة " كل هذه المسافة ليست في عينك .. تعادل ثلاثة أمتار "

" ليس لهذه الدرجة " استنكرت ادعائه الكاذب فعاد يبتسم لها بمداعبة لتكرر تأففها المتذمر ..

 

لوح بكفه يقول " حسنا .. كفاكِ نفذ الهواء .. اسمعي الآن "

نظرت له منتظرة دون أن يبارحها العبوس فسرد ما لديه متمهلا " كنت أتيت اليوم لأعرض عليكِ شيئا .. إن وافقتِ عليه سأقترحه على أمك وسلطان كذلك "

قطبت باهتمام فوضح أكثر " في عائلتي .. نخصص كل عام بعض الأيام للاستمتاع .. سواء للتنزه او الذهاب للبحر .. نركب الدرجات ونلهو ونأكل الطعام الذي نجهزه مسبقا في البيوت .. وبما أنكِ أصبحتِ مني فبالطبع أنا بحاجة لوجودك "

 

عضت على شفتيها بلا تفكير رافضة " لا .. لا أعتقد أنها فكرة سديدة "

فرد كفيه يستفهم " ولماذا "

حركت كتفيها تقول بارتباك " لست بارعة في مخالطة الناس .. كما أني لا أتقن ركوب الدراجات "

ابتسم محتويا لها بحنان " إن كان على مخالطة الناس .. فلستِ مضطرة لمخالطة أحد طالما لا تريدين حتى وإن كانوا أهلي .. يكفي أن تكوني معي أنا وسأقبل منكِ أي ما تجودي به يا زهرية .. أما عن ركوب الدراجات فلا تقلقي .. أنا أجيدها نيابة عنكِ "

 

أبعدت وجهها المتوهج عن مرمى عينيه المتربصتين تشعر بالخجل من كلماته فطالبها برقة " قولي موافقة يا ربة الصون والعفاف "

ابتسمت قليلا بتوتر تعيد نظراتها إليه فحمسها " ستسعدين أعدك .. كما أن انتصار قد أحاول إقناعها فمنذ ولادة أمل لم تخرج .. وافقي هيا "

 

أبصرت أمها مفكرة ثم قالت بخشية " ربما لن يوافق أخي "

مد كفه يمسك بيدها قائلا برأفة " لا تخشي هما .. سأقنعه .. هيا يا سارة كي نحدد اليوم المتاح "

أبعدت كفها عنه لكنها بعد تردد طال .. اضطرت أن تومئ راضخة مبتسمة

 

...........................

 

 

عقب أيام ..

 

تأفف عمر وقد فقد الأمل أن يرد عليه فجر بعد طول طرق على باب شقته المغلقة .. أخرج هاتفه يقصد الاتصال به ..

كان الوقت تقريبا منتصف الليل .. وفي يوم الغد يكون موعد السفر لكن فجر مختفي ..

 

وصله صوت ضعيف لرنين هاتف .. فعقد حاجبيه يرهف السمع ليكتشف أن الصوت يأتي من الأعلى حيث سطح البيت ..

 

تحرك يُنهي المكالمة صاعدا للأعلى .. وصل فوقع بصره على فجر جالسا على السور العالي الفاصل بين البيت والملاصق له .. يولي وجهه ناحية السماء متأملا بلا حراك ..

 

صاح غاضبا يصرف فكره إليه " أنت هنا يا *** وأنا أبحث عنك "

منحه فجر نظرة باهتة دون رد فتنهد عمر بحنق يصعد إليه جالسا بجانبه ليقول " ما بك .. هل هي حالة شجن أم ماذا "

 

أعاد فجر عينيه للسماء المظلمة يرنو لها بغرابة إلى أن همس " أشعر بأني إنسان منفي .. لا وطن له "

 

مط عمر شفتيه شاردا في العبارة دون تعقيب لفترة حتى حاول تلطيف الأجواء ممازحا " من كثرة استماعك للأغاني الكئيبة بهتت عليك .. أخبرتك أن هناك أغاني أكثر إفادة لم تلتفت لي "

 

ابتسم فجر قليلا ففكر عمر مستذكرا ثم تابع بعبارات خافتة

 

نُفيت واستوطن الأغراب في بلدي

ودمروا كل أشيائي الحبيباتِ

 

أومأ فجر وكأنه يؤيد الكلمات يضيف عليها بهمس مشحون بالحزن

 

خانتكِ عيناكِ

في زيف وفي كذب

أم غركِ البهرج الخداع مولاتي

 

" حسبي الله ونعم الوكيل في النكد وفيمن اخترعه " امتعض عمر مشاكسا لكنه لم ينجح في تبديد غمامة الحزن عن رفيقه فتنهد بأسى قائلا " لم أسألك يا فجر .. هل لا زلت تحبها ؟ "

أغمض فجر عينيه بحرقة قلب انعكست في نظراته بينما يجيب " أنا أكرهها .. أكرهها بشدة .. وهذا ما لا أريده "

قطب عمر غير فاهم ليدير فجر رأسه إليه مردفا " أريد أن أنساها .. فإن قابلتها يوما لا أحس بشيء .. أمر بها وكأنها لم تكن لي شيئا .. أريد أن أتجاوزها علّي أصفح عن نفسي لما اقترفته لأجلها "

 

تأمله عمر يستمع له بحرص للنهاية .. إلى أن مد كفه يشد على كتف صاحبه " لا أقولها مجرد تشجيع يا فجر .. لكني أعلم أنك ستتجاوزها .. أثق بهذا كثقتي بصداقتنا "

 

أومأ فجر له هامسا " أتمنى أن يكون لدي نفس هذه الثقة "

ربت عمر على كتفه بصمت لفهما حتى قطعه فجر سائلا بفتور " هل جهزت الحقائب ؟ "

أشار عمر إيجابا فأردف " وهل أخبرت نورين "

هز عمر رأسه نفيا هذه المرة يوضح " لا .. ستكون مفاجأة وحرصت على إخبار سلطان ألا يُطلع مياسة على سفري .. فغدا عيد ميلاد نورين .. أتمنى أن أصل قبل انتهاء اليوم .. ستكون هديتي لها ذهابي "

ابتسم فجر يربت على ساقه وقال " إن شاء الله نصل في الوقت المناسب .. العمر كله وأنتما سويا يا رب "

 

التفت عمر له يسأل بتردد " هل قابلت حسن .. بالتأكيد يعرف بسفرنا "

نفى فجر يحدثه " لم أره بعد "

أومأ عمر مبتلعا سخطه وإحباطه .. فران صمت جديد لم يفنيه أحد منهما بالكلمات .. فقط تمتمات خافتة من فجر تسبب الاكتئاب للجالس جواره يشاركه البؤس بنفس طيبة

 

أصيح والسيف مزروع بخاصرتي

والغدر حطم آمالي العريضاتِ

 

..........................

 

اليوم التالي ..

 

" نووووووري " صرخت مياسة وهي تقتحم الغرفة فشهقت نورين مفزوعة تهب من نومها هاتفة " ماذا .. ماذا حدث "

قهقهت مياسة قائلة " منذ أتيتِ لحياتي وأنا تحولت تماما .. إن رآني أحد أقوم بتلك الأفعال الطفولية سيصاب بالصدمة "

 

تنهدت نورين تتذمر وهي ترتمي على السرير مجددا تحاول تهدئة قلبها " بالله عليكِ .. كدت أصاب بالصرع يا مياسة "

ابتسمت مياسة تتقدم جالسة على السرير تناغشها " انهضي يا كسول .. لقد أخذت إجازة اليوم خصيصا لأجلك .. إنه يوم ميلادك "

بادلتها نورين التبسم فقبلتها مياسة قائلة " كل عام وأنت بخير .. أول عيد ميلاد ونحن في بيت واحد "

" وأنتِ بألف خير "

تلاعبت مياسة بخصلاتها وقالت " هيا انهضي وتحممي سنخرج للاحتفال معا مع بعض الأصدقاء "

اكفهر وجه نورين تلقائيا تعترض " آه .. لا لا .. هذا صديقك المستفز لا أريد رؤيته "

ضحكت مياسة مستمتعة تقول " لماذا .. إنه يحبك "

تذمرت نورين حانقة " كلما رآني لا يكف عن التنمر على قصر قامتي .. وأنا صدقيني أمسك نفسي عنه .. فإن أطلقت عليه لسان البنت الشعبية فلن يفلته مني أحد "

 

ضحكت مياسة أكثر حتى سعلت تقول بشماتة في صاحبها " يبدو هذا مغريا "

نفخت نورين بغضب فربتت مياسة عليها تهدئها " إنه لطيف صدقيني فقط يستمتع باستفزاز من حوله .. لكن عموما هو شخص طيب .. كما أنه لن يكون وحده .. هناك بعض الأصدقاء غيره وكذلك عالية ستكون معنا .. لا تحتكي به إن أردتِ "

أومأت نورين موافقة على مضض فنهضت مياسة تأمرها " هيا الآن .. كي نلحق اليوم من بدايته "

انصاعت نورين لقولها فغادرت مياسة لتستقيم نورين بجذعها باحثة عن هاتفها بلهفة ..

أصيبت بخيبة ما أن اكتشفت أن هاتفها خالي من أي رسالة تعود لعمر

فعبست تزم فمها غير راضية .. لا يمكن أن يكون قد نسى هذا اليوم المميز .. لم يفعلها يوما !

تنهدت ترسل له رسالة فيها تحية صباحية قصدت بها أن تلكزه ..

ثم نهضت عن سريرها لتستعد ..

 

........................

 

أنهى حسن عمله المخصص لهذا اليوم سريعا .. كان اسود الوجه مظلم النظرات .. لا يطيق أحدا قربه

فاليوم هو يوم فراقه لأقرب اثنين له في هذه الدنيا ..

 

ألقى ما بيديه يزفر بحدة وأمسك هاتفه ليرى الساعة .. فقلب فيه قليلا حتى لجأ كعادته إلى حسابها متلهفا لأي جديد

 

وجد صور تمت الإشارة إليها فيها

فاليوم عيد مولدها ..

وهناك الكثير من الصور لها مع بعض الأفراد

على رأسهم مياسة وأمها عالية

وبعض الأصدقاء الذين يجهل هويتهم

 

تنهد يقلب في الصور و بعض المقاطع المرئية ..

كانت مذهلة بشعرها الفاتح وهيئتها الجديدة .. لا زال يذكر تلك اللحظة التي تجمد فيها إثر صورة عابرة لها مع أختها وقد أنزلتها الأخيرة ..

لوهلة صُدم بشكلها المختلف وقد حُبست أنفاسه مأخوذا باكتمال جمالها

يا إلهي .. وكأنه ينقصها حلا فطورته !

 

ومنذ هذا الحين لا يكف عن زيارة صفحاتها مترقبا بلهفة لأي أخبار عنها وقد أضحت متفاعلة حديثا ..

 

أغمض حسن عينيه بعد عدة صور أصابته بالضيق دونا عنه فترك الهاتف وهو ينهض يتجهز بتكاسل فاقد لأي رغبة ..

سحب سترته يرتديها ومع انتهائه كانت منار تدخل عليه بموعدها اليومي

 

دنت تلقي تحية فردها بخفوت لتقف أمامه سائلة بعناية " هل ستذهب الآن "

أومأ لها بهدوء فمدت يديها تعدل من شكل حلته قائلة " هل آتي لأكون معك "

ربت على كفها وأبعده بهدوء بينما يجيب " سأكون بخير "

ناظرته بعطف حقيقي لكنها ابتسمت تشجعه " إن شاء الله تجتمعون عن قريب .. لا تحزن "

أومأ لها دون ردود فابتسمت أكثر تخبره " بالمناسبة .. غدا أنت مدعو للغداء عندنا "

قطب يحاول التملص لكنها قاطعته بحزم لطيف تشير بسبابتها " لا تحاول الرفض .. ستكون بحاجة ماسة ليوم يغير مزاجك .. دعني أساعدك "

ابتسم ممتنا لسعيها معه " لا داعي للتعب "

قطبت تعاتبه برقة " أي تعب يا حسن .. سيكون يوما رائعا "

شكرها يوافق على تلبية الدعوة فشبكت ذراعها بذراعه تسير معه قائلة " هيا .. اذهب الآن كي تلحق توديع أصحابك .. وأنا سأتصل بك إن شاء الله للاطمئنان .. وإن احتجت لأي شيء بأي وقت .. فأنا هنا "

ربت على يدها يشكرها ثم تركها يغادر عائدا للحي ينظر لساعة معصمه بين حين وآخر ..

 

صعد سيارته يقودها وأمام عينيه كانت الرؤية تتضبب بين دقيقة وأخرى بالذكريات ..

 

سنوات عمره كلها انقضت معهما .. الطفولة والمراهقة والشباب .. كل تجربة جديدة قام بها كانا هما شريكين له فيها ..

كل إنجاز أحرزه كان بدعم منهما ..

كل وعد قد اتخذه كان ينفذه بمعاونتهما ..

 

جمعتهم الصداقة .. حتى فرقهم الحب !

 

كان فجر لا زال بشقته ينهي تغطية أثاثها ببعض المفارش التي تحميها من أتربة زمن لا يعلم كم سيغيب به ..

بينما عمر بالأسفل ينتظر مدخنا سيجارته ساهيا وبجواره تقبع حقائبهما

 

تحسس فجر بأنامل مرتجفة كل ركن قبل أن يغطيه وكأنه يحفره بعقله ..

حتى انتهى به الحال جوار سرير أمه الخالي .. أغمض عينيه يسحب أنفاسا رتيبة ينظمها بجهد ..

ثم فتحهما متجاهلا التهابهما قائلا بتضرع " أتمنى عندما أعود .. تكون خطاكِ تسبقني يا أمي "

 

تنهد يخرج حاملا الحقيبة الصغيرة على كتفه يمنح أنحاء الشقة نظرة أخيرة .. قبل أن يخرج مغلقا أنوارها راحلا عنها .. حتى حين مكتوب

 

بعد قليل كانا يدلفان لبيت الجوهري قاصدين شقة الدور الأرضي التي ينتظرهما فيها سلطان .. ألقى عمر التحية فأشار لهما سلطان بينما يكمل مكالمة باللغة الأجنبية استمعا إليها وفسرا محتواها أنه يوصي عليهما شخصا كي يستقبلهما حتى يصلا لشقته الفاخرة التي أعطاهما مفاتيحها ..

 

ولج حسن للمكان فالتفتا له الصاحبان في لهفة .. لقد شك عمر لوهلة ألا يهتم حسن بتوديعهما

ولم يكن ليسامحه أبدا إن فعل !

 

نهض سلطان من مكانه يسحب مفاتيحه وهاتفه وقال بعملية " سأخرج السيارة من المرآب .. لا تتأخرا فلم يبقى وقتا "

توقف بعدها يعرض على حسن بهدوء " هل ستأتي معي للمطار "

رمق حسن صاحبيه للحظة ثم أشار لأخيه نافيا بصمت فتقبل سلطان متفهما كره أخيه للفراق ..

 

تقدم حسن خطوة يقف أمامهما ثم ابتلع ريقه الجاف وقال " تصلان سالمين إن شاء الله "

لم يرد عمر فاقترب فجر من حسن يربت على كتفه " فراقك عسير على قلبينا يا حسن .. سأطلب منك طلبا .. حاول .. حاول أن تلحق بنا .. لا عيش لك في بلد لسنا فيها يا ولد "

ابتسم حسن بحزن لمع بعينيه يهمس " دع لي وقتي .. أعدك لن أخذلك "

" أعلم يا أبا علي " قال فجر يقدم له الدعم فزوى عمر حاجبيه مراقبا بغير راحة لما يحدث .. هناك تبادل للنظرات بينهما بشكل مريب !

 

التفت له حسن يبادر " انتبه لحالك يا مجرم "

تمسك عمر بعبوس وجهه ثم نهض من مكانه معدلا من حقيبته على كتفه وأجاب بخشونة الاختناق فيها كان واضحا مهما أخفى " وأنت أيضا .. اهتم بنفسك يا مؤدب .. سأفتقد احمرار وجنتيك "

ضحك حسن بحشرجة فدنا يعانقه بقوة يغمض عينيه وكأنه يحبس دموعه فربت عمر على ظهره يمازحه بصوت مبحوح " أخبرتك ألف مرة أني أكره عناق الرجال .. لا أعلم أين تذهب دروسي "

عاد حسن يضحك وهو يبتعد عنه فأطرق عمر متنفسا ثم قال بسرعة " أنا سأسبقك للخارج يا فجر .. أراك على خير يا جوهري .. سلام يا صاحبي "

أومأ حسن يودعه بعينيه حتى التفت لفجر الذي ابتسم له ثم عانقه في تأثر قائلا " أراك على خير يا جوهري .. إلى لقاء قريب يجمعنا إن شاء الله "

 

ثم ابتعد عنه يسحب متعلقاته ولحق بعمر متوجهين مع سلطان للمطار ..

حيث فصل جديد في حياتهما .. خُط فيه السطر الأول لتوه ..

 

بينما ارتفع رنين هاتف حسن يحمل اسم منار التي هتفت باهتمام " حسن .. طمئني عنك "

شد نفسا طويلا لصدره وأعلن بتقلقل " لست بخير أبدا .. متى سآتيكِ غدا ؟ "

 

..........................

 

 

ليلا ..

 

دخلت نورين إلى غرفتها وفور أن أصبحت بمفردها كانت كل أقنعة المرح تتساقط عن محياها ..

رفعت الهاتف وبهوس كانت تبحث فيه عن أي رسالة من عمر ..

فخاب أملها للمرة التي فقدت عددها

بدأ القلق يدب في قلبها حقا

فليس من الممكن أن يكون يوم ميلادها ويتجاهلها عمر !

بل إنه أول عيد ميلاد وهي بعيدة عنه فكيف يفعل ؟

هل حصل له شيء ..

لقد جربت التواصل معه عشرات المرات دون جدوى

فلا هو لديه اتصال بالإنترنت وحتى رقمه الدولي مغلقا ..

 

حاولت التواصل مع فجر كذلك وكانت النتيجة نفسها !

 

تنهدت وهي تنظر للساعة

أوشك اليوم على الانتهاء .. و رغم حرص مياسة الحثيث على جعله يوما مميزا يسوده المرح والضحك والشقاوة

لكنه ظل يعاني فراغا لا يمكن أن يسده إلا أخيها ..

 

تركت هاتفها وتحركت ناحية الحمام تزيل عنها عناء اليوم .. وخرجت وقد بدلت ملابسها بأخرى مريحة لكن ثقيلة فالجو الليلة يحمل نسمات برودة ..

 

مشطت شعرها وأنهت الاهتمام بنفسها وقد أخبرت مياسة بتهرب أنها ستنام الليلة باكرا بسبب التعب

لم تخبر مياسة أن عمر لم يكلمها .. فهي لن تُظهره أمامها بالمظهر المهمل بتاتا

بالتأكيد هناك عذر !

 

رمقت الساعة مجددا وبداخلها يصرخ حنقا وسخطا .. ليطول الوقت قليلا .. بالتأكيد سيكلمها ويتمنى لها يوما سعيدا قبل انتهائه !

أمسكت بالهاتف وأخذت تقلب فيه ببعض العصبية .. حتى توقفت وهي تجد أن حسن متصل

عضت على شفتيها ودون تفكير فتحت خانة الرسائل المهجورة بينهما وأخذت تكتب " حسن مرحبا كيف الحال .. أعتذر عن إزعاجك .. كنت أريد فقط أن أسألك عن عمر .. لم يكلمني اليوم "

أوشكت أن تقوم بأرسال الكلمات بأريحية وبساطة معتادة بينهما كجيران رغم التحفظ القائم في حدود الأدب ..

 

لكنها في الحال كانت تتجمد متجهمة متذكرة شيء هام ..

حسن قد خطب إحداهن ..

موجة من إحباط ضربت شاطئ الأريحية فبعثرت رمال الود بينهما ..

 

وفي الحال كانت أصابعها تمسح كل الأحرف بتعجل ثم رمت أغلقت الهاتف ترميه بعيدا مستعيدة نصائح أمها ..

 

لم يعد جائزا التواصل معه حتى وإن كان تواصلا بريئا ..

هذا قد يضايق خطيبته وبالطبع حقها

حتى وإن كانت هي لحسن بمثابة أخت .. !

 

شعور ضيق غمر صدرها فأحست بحلقها يتورم ..

نهضت من سريرها واقتربت من شرفتها واقفة هناك ..

حسن أضحى نقطة معقدة كلما حاولت التطلع فيها اختنقت !

 

تنهدت ببطء مرتجف وهي تتحسس رقبتها هامسة بتهدج واحتياج بينما تنظر للساعة التي أوشكت أن تعانق منتصف الليل معلنة انتهاء يومها " لن أسامحك يا عمر على عدم وجودك بجواري اليوم .. كان هذا مؤلما "

 

ارتفع رنين هاتفها فجأة فانتفضت تركض إليه .. ما أن قرأت اسم عمر حتى كانت تشهق وهي ترد صائحة بينما تدور حول نفسها بذعر " عمر .. عمر أين أنت .. هل أنت بخير "

 

استمعت لصوته الضاحك فتخشبت لبرهة حتى شهقت ببكاء مباغت صارخة بخذلان " تبا لك .. أوشك اليوم على الانتهاء .. هل نسيتني بتلك السرعة .. لن أسامحك أبدا "

" اهدئي .. اهدئي يا شعلة روحي " قال مداعبا بصوت لم تلحظ الارهاق فيه ليكمل محتويا لها " لو تعلمين كم جاهدت فقط لأصل لكِ قبل انتهاء اليوم "

بكت أكثر متذمرة " هل معايدتي ستأخذ منك كل هذا الوقت "

ضحك من جديد يقول " لا .. لكن هديتك أخذت وقتا "

صمتت تتمالك نفسها مرددة " هدية .. هل اشتريت لي هدية .. أين هي صورها لي "

ابتسم بحنان على الجانب الآخر يهمس " لماذا أصورها .. فلترينها بنفسك "

عقدت حاجبيها وقلبها أخذ ينتفض فتتساءل بارتجاف " لم أفهم ؟ "

سحب نفسا عميقا قال بعده " لا تضيعي الوقت .. اخرجي من شرفتك .. أيهم شرفتك صحيح ؟ "

فغرت نورين شفتيها وأخذ تهتز بقوة تسودها الرهبة قائلة " ما الذي .. هل .. أين .. أين أنت يا عمر "

انفجر ضاحكا بصوت مجلجل فتشنجت مكانها ..

لأن صدى ضحكاته بالأجواء لم يصلها عبر الهاتف وفقط .. بل ومن الشرفة المفتوحة !

 

بخطى بطيئة كانت تدنو منها وهي تدعو الله ألا يكون مجرد مقلب معتاد منه

ستموت إن كان يمزح ..

قطعت باقي الخطوات بقفزة واحدة تخرج متشبثة بالحاجز الحجري تقطع بنظراتها المكان خارج أسوار الحديقة ..

 

وهناك .. على بعد بيتين .. كانت سيارة تركن على جانب الطريق .. يخرج منها شخص يستند على سقفها بتراخي وما أن نظرت له حتى كانت ذراعه ترتفع بتلويح !

 

أخذت تشهق عدة مرات مذهولة مما ترى .. ودموعها على وجهها الأحمر تجف بينما تهز رأسها مرددة بجنون " أخي .. أخي .. عمر .. أخييييييي " صرخت في المرة الأخيرة والادرينالين يضربها دفعة واحدة .. فتقفز للداخل ساحبة وشاح ثقيل تضعه عليها كيفما شاء ..

 

ظلت تردد " أخي .. أخي " مع كل خطوة تقطعها سريعا بينما ترتدي خف البيت دون اهتمام بتبديله ..

 

مرت على مياسة التي أجفلت بعدم فهم وهي جالسة في غرفة المعيشة ترتشف من كوب الشاي الأخضر ..

نهضت تحاول إيقافها بقلق " نورين .. نورين توقفي ماذا حدث "

لم ترد نورين ولم تتوقف عن ترديد ندائه ..

 

لحقت بها مياسة حتى توقفت على صوت عالية تهتف لتنبهها " مياسة .. ملابسك "

 

تأوهت مياسة باستياء وهي تتلمس ملابسها البيتية الغير محتشمة .. فعادت مسرعة لتبديلها وهي تسب وتلعن ..

 

في الخارج كانت نورين تفتح البوابة الخارجية بحركات عصبية متلهفة .. حتى نجحت تخرج يضربها برد الشارع فتجمدت تتنفس بقوة إلى أن ابتسمت بارتجاف ودموعها تسيل مجددا وهي تميز ابتسامته عن بعد قصير ..

 

فقفزت تفرد ذراعيها إليه ضاحكة بشدة ليتخلى بدوره عن وقفته راكضا إليها ..

 

تقابلا في منتصف المسافة ينفجرا ضحكا وشوقا ونورا !

ليرفعها من خصرها يدور بها عاليا وهي تضحك وتضحك وشعرها يدور معهما باحتفال .. وقد كانت الهدية الأجمل في كل حياتها ..

 

أنزلها بعد فترة يحيط رأسها فيقبله عدة مرات وهي تتشبث به تشهق وتقهقه كمن فقدت عقلها ..

إلى أن ابتعد فرفعت وجهها منفجرة في البكاء قائلة " أخي .. أخي .. عمر "

ابتسم لها يتحسس وجنتيها مدللا " يا شعلة النار بروح عمر "

أمسكت بيده ترفعه لفمها فتقبله بشوق ورضا ليهمس لها أخيرا قبل انتهاء اليوم بدقائق قصيرة " كل عام وأنتِ بخير يا ابنة روحي "

 

" كل عام وأنتِ بخير يا حلوى القطن " صاح فجر ينبهها فالتفتت ملوحة له بمرح ترد عليه بعينين متألقتين ثم بحثت عفويا تسأل بسعادة " أين حسن "

تجهم فجر لكنه قال " لم يأتِ معنا "

تبعثرت فرحها قليلا لكنها عادت تبتسم بهدوء تعود بعينيها لأخيها الممسك بيدها قائلة " إنها أجمل هدية .. اشتقت لك يا أخي .. كل عام وأنت دوما معي .. لا أصدق والله "

 

سحبها عمر تحت ذراعه يقول وهو ينحني ملتقطا الوشاح الذي سقط عنها دون أن تلحظ " وأنا أكثر يا قلبي .. انظري لنفسك .. كيف كبرتِ هكذا يا بنت "

ضحكت بدلال وخجل فقبل رأسها حتى وصلا إلى البوابة التي تقف أمامها مياسة مذهولة ..

 

كانت تعابيرها قاسية حين التقت بعينيه .. خاصة مع اتقاد فوري قدح بمقلتيه ما أن رآها .. فبارزته وقد استنفرت بكل أسلحتها من هذا الظهور الغير متوقع ..

 

" مياسة .. انظري لمفاجأة عيد ميلادي " هتفت نورين متقافزة ببهجة فتكلفت أختها بسمة رزينة قائلة " مفاجأة غير متوقعة فعلا "

 

تراخى وجه عمر وكأن كل إرهاقه لساعات لم يكن .. فعبست وهي عفويا تشد نورين إلى أحضانها تعلن له ملكيتها لأختها ..

لقد نالتها وإن فكر باللعب معها فهو خاسر ..

 

لاحظ عمر حركتها فاتسعت ابتسامته ليقول " كيف الحال مياسة .. اشتقنا والله "

كادت أن تمط شفتيها امتعاضا .. لكنها مرة أخرى تصنعت الابتسامة مجيبة " نعم .. اشتقنا لظرافتك يا عمر .. مفاجأة سارة "

ضحكت نورين بصخب تصيح بتسلي " يا الله .. اشتقت لقصف الجبهات والمعاني المبطنة .. الله أكبر "

 

ضحك لها عمر يقرص وجنتها بلطف فشدتها مياسة بحزم " هيا نورين .. لندخل الجو بارد "

تمنت نورين لو تتشبث بأخيها أكثر لتفهم منه .. تخشى لو يأتي الغد فلا يكون موجودا !

لكنه قال لها يطمئنها " نعم .. اذهبي صغيرتي .. وغدا سأراكِ .. أنا سأكون في بيت سلطان .. تصبحين على خير "

أومأت نورين مضطرة فأمسكت بكفه تضغطه بقوة وقالت بلهفة " سآتيك في الصباح في الحال .. شكرا لك يا عمر "

غمزها متلاعبا فدخلت تلوح له بحماس ضاحكة بضجيج وقد شكت مياسة أن يطلب الجيران الشرطة بسبب الإزعاج المتفجر في الحي ..

مد عمر كفه يمنح مياسة الوشاح قائلا بمغزى وثقل " عدنا والعود أحمد "

زمت شفتيها ودون تحكم في غيظها .. شدت الوشاح بعنف وصفعت الباب في وجهه

 

......................

 

اليوم التالي ..

 

انتفضت قافزة من فوق كرسيها وهي تصرخ ضاربة مزهرية مجاورة لها فسقطت متفجرة لشظايا ..

خرج لها زوجها بعد لحظات يحمل آثار النعاس على وجهه فتأمل الفوضى التي أحدثتها ساخطا

 

دلك وجهه قائلا بضجر " ما بكِ .. استيقظنا على النكد "

التفت له بهياج صارخة " المفروض أن أسأل كيف تتنعم أنت بالنوم كل هذا وتتركني بهذه الحالة "

وضع كفيه فوق بعضيهما بفتور " أي حالة ؟ "

نظرت له بهذيان وهتفت بانفعال حاد " هل تسأل .. أقول لك سلطان يمنع البنت عني يا بني آدم "

رفع حاجبيه بلا دهشة قائلا ببرود " وما الجديد "

رمقته غاضبة من بروده تصيح " أيها البارد .. تبا لك .. ابنتي ويمنعها عني وكلما حاولت يهددني برفع قضية إن لم يحلها بالتراضي " سكتت تتنفس بشدة ثم لوحت بسبابتها مضيفة " ولكن لهنا ويكفي .. أنا هي التي ستحاربه بالقضايا ولن أهدأ حتى أحصل على حضانة الطفلة ممرغة رأسه بهزيمة مدوية "

 

اقترب فادي من كرسي جلس فوقه هادئا .. أخرج سيجارة وقام بإشعالها تحت نظراتها المستفَزة حتى نفخ دخانها ببطء ثم شتمها " غبية "

" ماذا " هتفت بسخط ليكرر " كما سمعتِ .. غبية ! "

زفرت بحدة فاستكمل شارحا " إن رفع القضية .. بكل ما يملك من وسائط وسلطة وأموال .. سيفوز .. خاصة وأنتِ امرأة متزوجة .. وكثيرة التنقل والسفر .. أنت خاسرة لا محال "

لوحت تقترب منه لتزجره " تبا لك .. أنت معي أم معه "

نفث الدخان من جديد ثم أجابها " معك طبعا .. ولكن بذكاء "

هزت رأسها بعناد تحتج " سأجعل الطفلة مع أمي "

أطلق ضحكة عالية ساخرة قال بها " أمك ؟ .. تلك التي تقضي معظم الليل خارج بيتها في الحفلات ! "

" فادي " نهرته بحدة فتنهد يسحق سيجارته .. ثم نظر لها قائلا بتركيز " دنيا .. هل تريدين الفوز بأي شيء على سلطان "

تكتفت تجيب " طبعا .. هل تسأل "

أومأ لها مكملا " جيد .. اتركي له الطفلة بشروطك إذن "

 

أوشكت ثورتها أن تندلع مرة جديدة بوجهه فقاطعها بقول ثابت " لا تعاندي فهذا يسمى غباءً .. البنت سينالها إن وضعك برأسه .. كما إننا لسنا متفرغين لرعاية الطفلة في ظل رحلاتنا واستمتاعنا بالحياة .. نحن أجلنا الإنجاب لأجل هذا أصلا فلماذا نحمل هم ابنته "

 

" هل تريد مني رمي ابنتي " قالت له مستنكرة قوله فناظرها باستهزاء دون تستر وقال " وكأنكِ حقا تهتمين بها "

 

زمجرت بغضب حقيقي " فادي "

تأفف يصرخ وقد طفح كيله " يا غبية أنتِ بالكاد تجدين الوقت للاهتمام بنفسك .. حتى أعمالك سلمتها لي .. فكري يا دنيا "

 

حركت رأسها عشوائيا وتكلمت بضيق " ماذا تريد أن تقول بالضبط "

 

 

هز كتفيه بخفة وأفصح بتريث متيقظ الذهن " دنيا .. الفرصة تأتي مرة واحدة .. فإن كان سلطان سينال الطفلة فليأخذها ويتركها لزوجته المغطاة تلك كي تخدمها فهذا مقامها .. ولتربحي أنتِ بطريقتك "

ضيقت عينيها متوجسة تسأل " كيف ؟ "

 

مد يده يشعل سيجارة أخرى أخذ ينفث دخانها بتمهل جعلها تترقب وهي تشاهد لمعة عينيه عزما وطمعا .. ليشهرها ببطء " بأخذ تسوية مرضية .. مبلغ ***** سيكون شافيا جدا لأمومتك .. وخادشا لحساباته "

 

شهقت تنظر له غير مصدقة .. وقد فغرت فمها وهي تسمع الرقم المهول المقابل لترك ابنتها !

 
.

.....................

كانت واقفة على شاطئ البحر الرملي .. تستمتع بالضربات الناعمة المتتابعة للأمواج فوق ساقيها السمراوين وقد شمرت عنهما بنطالها قليلا ..

 

شعرها الأسود الفحمي طليق تعبث به الرياح في كل اتجاه .. بينما يصلها الأصوات المتداخلة لصيادين بالقرب منها يتغنون بأغاني شعبية شهيرة ويتضاحكون ..

فبدت توليفة مثالية لراحة أعصابها ..

 

" صياااااد "

نداء خشن وصل من ورائها .. ميزت صاحبه قبل أن تراه حتى .. فالتفتت تنظر له وزرقة عينيها تتوهج في الشمس فتعطيها مظهرا يصهر قلب العاشق !

 

مما زاد من تعابيره قسوة وهو واقف بنفس الهيئة المألوفة لدى الجميع ..

 فانلته الضيقة المحددة لعضلاته المفتولة إثر العمل الشاق .. وبنطاله الجينز البالي ..

يقف قرب أحد القوارب وبيده يحمل شبكة صيد كان منهمكا في العمل عليها ..

 

رماها بنظرة غاضبة محذرة فرفعت حاجبها تتمرد على أوامره الصارمة رافضة للقيود فتتغلغل أكثر بالماء متحدية بعنفوان يميزها هي ابنة البحر ..

 

مال برأسه متربصا بكل حركاتها وعيناه تتوعدان بالتلذذ بتعذيبها لاحقا ..

 

و بالفعل .. بعد وقت قصير كانت تدلف إلى الكوخ الصغير الخاص به وقد كان مقر لقائهما السري ..

فبحثت عنه في الأرجاء يصلها صوت البحر القريب بينما تنادي عليه بحذر تتوقع هجومه الضاري في أي لحظة ..

 

شهقت تصرخ مذعورة وهو يظهر من العدم خلفها محيطا جذعها بذراعيه الصلبتين فيحملها عن الأرض يدور بها ..

ضحكت تعج بصوتها حتى توقف لتستدير له فكتم ضحكتها بشفتيه القاسيتين في قبلة خشنة كعقاب متداول بينهما ..

التهم شفتيها بجشع لا يهدأ .. حتى اضطر للانتهاء كي لا يزهق روحها .. فعادت للضحك والشهقات تلتقط أنفاسها المسلوبة ..

 

رفعت عينيها الواسعتين إليه تغزل حول قلبه شباك السحر وتهمس بإغواء يليق بها رغم صغرها " أحب عقابك .. عقاب يدفعني دوما لإغضابك والتمرد لنيل المزيد "

 

تجهم وجهه ولم يتكلم بعد .. فانحنى في قبلة جديدة أكثر نعومة ولطفا .. إلى أن رفع وجهه يراقب خطوط وجهها الذائب أمامه بينما تغمض عينيها باستكفاء مراهقة متخمة المشاعر ..

 

فمد أنامله الخشنة يمسح وجهها بخفة لترفرف بأهدابها تهديه زرقة عينيها اللامعة بجود ليقول مدلها فخورا بلونهما " بحر .. بحر في عينيكِ "

 

شهقت تثب خارجة من نومها إثر طرقات على باب غرفتها .. فتحت عينيها مذعورة تبحث من حولها بتخبط .. رفعت كفها تتحسس شفتيها ونبض قلبها يوهمها أنها كانت تعيش الماضي حاضرا بكل جموح تفاصيله ..

 

عاد الطرق على الباب ينبهها فسحبت نفسا تلملم شتاتها وقالت بتوتر " ادخل "

دلف أخيها الأصغر يصيح " كل هذا نوم يا منار "

تأففت تنهره " ماذا تريد يا غبي "

تخصر يرمقها بحنق سرعان ما انحسر وهو يخبرها متحمسا " ابن عمنا في الخارج "

 

قطبت وقلبها الذي بالكاد كان يهدأ عاد لينفجر طرقا جديدا بينما تسأل بزيغ " ابن عمنا .. من .. "

استمعت لصوت ضحكاته تصلها من الخارج ..

ولم تكن في حاجة لسماع إجابة أخيها للكشف عن هويته ..

 

لقد كان بحر الصياد !

انتهى الفصل 😍💖
بانتظار آرائكم بشووووق

Continue Reading

You'll Also Like

11.6M 919K 70
صرت اهرول واباوع وراي شفت السيارة بدأت تستدير ناحيتي بمجرد ما يجي الضوء عليه انكشف أمامهم نجريت من ايدي وگعت على شخص ردت اصرخ سد حلگي حيل بعدها أجان...
7.2M 355K 71
" سَــتَتركينَ الـدِراسة مِــن الــغدِ.. لَــقد سَـحبتُ مـلفاتكِ مِــن الـجامعةِ بـالفعل ..! " " مـالذي تَــهذي به..!؟ " " هــذا مــا لَـدي... لاتَ...
29.9K 316 5
اجتماعي دراما وأهلا بك عزيزي القارئ في قاع المجتمع