فجري أنت ، بقلم آلاء منير

By AlaaMounir201

650K 22.8K 6.3K

ماذا يحدث عندما تتلاقى سمو المبادئ مع دنيا الرغبات ! عندما تضعك الحياة بين اختيارين أحلاهما علقم .. عندما تُخ... More

تواقيع الأبطال
المقدمة
الفجر الأول
الفجر الثاني
الفجر الثالث
الفجر الرابع
الفجر الخامس
الفجر السادس
الفجر السابع
الفجر الثامن
الفجر التاسع
الفجر العاشر
الفجر الحادي عشر
الفجر الثاني عشر
الفجر الثالث عشر
الفجر الرابع عشر
الفجر الخامس عشر
الفجر السادس عشر
عودة 💫
الفجر السابع عشر
الفجر الثامن عشر
الفجر التاسع عشر
تنويه 😍
الفجر العشرون
الفجر الواحد والعشرون
الفجر الثاني والعشرون
الفجر الثالث والعشرون
الفجر الرابع والعشرون
الفجر الخامس والعشرون
الفجر السادس والعشرون
الفجر السابع والعشرون
الفجر الثامن والعشرون
الفجر التاسع والعشرون
الفجر الثلاثون
الفجر الواحد و الثلاثون
الفجر الثاني و الثلاثون
الفجر الثالث و الثلاثون
الفجر الرابع و الثلاثون
الفجر الخامس و الثلاثون
الفجر السادس و الثلاثون
الفجر السابع و الثلاثون
الفجر الثامن و الثلاثون
الفجر التاسع و الثلاثون
الفجر الأربعون
الفجر الواحد و الأربعون
الفجر الثاني والأربعون
الفجر الثالث و الأربعون
تابع الفجر الثالث و الأربعون
الفجر الرابع و الأربعون
الفجر الخامس و الأربعون
الفجر السادس والأربعون
الفجر السابع و الأربعون
الفجر الثامن والأربعون
الفجر التاسع والأربعون
الفجر الواحد والخمسون
الفجر الثاني والخمسون
الفجر الثالث والخمسون
الفجر الرابع والخمسون
الفجر الخامس والخمسون
مهم 💖
وحشتوني 💖
الفصل السادس والخمسون
الفجر السابع والخمسون
الفجر الثامن والخمسون
الفجر التاسع والخمسون
الفجر الستون
الفجر الواحد والستون
الفجر الثاني والستون
الفجر الثالث والستون
الفجر الرابع والستون
الفجر الخامس والستون
الفجر السادس والستون
الفجر السابع والستون
الفجر الثامن والستون
الفجر التاسع والستون
الفجر السبعون
الفجر الواحد والسبعون
الفجر الثاني والسبعون
مهم جدا
الفجر الثالث والسبعون
الفجر الرابع والسبعون
الفجر الخامس والسبعون
الفجر السادس والسبعون
الفجر السابع والسبعون
الفجر الثامن والسبعون
الفجر التاسع والسبعون
الفجر الثمانون
الفجر الواحد والثمانون
الفجر الثاني والثمانون
الفجر الثالث والثمانون
الفجر الرابع والثمانون
الفجر الخامس والثمانون
الفجر السادس والثمانون
الفجر السابع والثمانون
الفجر الثامن والثمانون
عيد ميلاد 👑🎂
موعد عودة 💖
الفجر التاسع والثمانون ( والأخير )
ختام الفجر ضي

الفجر الخمسون

4.8K 208 88
By AlaaMounir201

وحشتوني يا لآلئ 💖😍
يلا فوت كتير وآراء كتير ومنكسلش عشان أدلعكم 🙈

.................

توقفت فجأة بإجفال ما أن رأت وجهه الوسيم أمامها ..
تحكمت في اجفالها تتفحص الصورة فهاجمها التوتر وقتها ..
 
حيث كانت أخرى تشاركه الصورة المنشورة ..
واقفة تكاد تلتصق به .. بابتسامة واسعة أنثوية للغاية فاتنة ككل إنش فيها ..
 
تسلط زرقة عينيها على الكاميرا بإغراء عفوي بينما هو بجانبها مبتسم ابتسامته الرزينة المتحفظة !
 
أضاء عقلها حينها ..
تذكرتها !
إنها تلك الفتاة التي تعمل معه بشركة الجوهري !
ماذا كان اسمها ؟
 
لا يهم ..
فليس هذا ما لفتها مطلقا !
مطلقا !
 
ما لفتها هو أنها - تلك الفتاة -  هي من أنزلت الصورة تشير إلى صفحته جهرًا وأرفقتها بقلب أحمر مصحوب بعبارة ( وأخيرا حبيبي ) !
 
وفي التعليقات كانت الأصدقاء تتزاحم في إرسال المباركات والتهاني السعيدة بالخطبة الوشيكة

بين حسن الجوهري ومنار الصياد !

 

فغرت نورين فمها الجاف ببطء محسورة الأنفاس حتى شهقت تلتقطها عبره بشحوب ..

 

أغمضت عينيها وشعور غريب يراودها دفع قلبها للانتفاض بما يشبه الهلع .. أو الوجع !

لا تحدد تماما ..

 

فتحت عينيها العسليتين بعد فترة سكون ترمق الصورة هامسة لنفسها بفتور مفاجئ " يا لها من .. مفاجأة ! "

نكست رأسها أرضا تبتلع ريقها بصعوبة ثم هزت رأسها بلا معنى ترفعه وهي تعيد نظراتها للهاتف .. حتى ابتسمت بارتجاف قائلة من جديد " مفاجأة جميلة .. ما شاء الله .. العقبي لأخي "

كان قلبها لا زال ينتفض بتتابع بينما تجبر أصابعها على التحرك فوق الأحرف متفاعلة مع الصورة بتعليق حماسي " مفاجأة سارة .. تمنيت وجودي للحضور .. تليقان ببعضيكما جدا .. مبارك لكما .. مبارك يا حسن .. تممها الله على خير "

 

ثم أرسلت التعليق تسحب نفسا عميقا علها تنجح في دفع غرابة مشاعرها السلبية ..

نهضت تترك الهاتف نافرة منه .. ثم تحركت في الغرفة متوجهة صوب الشرفة مبعدة الستائر عنها سامحة لضوء النهاء القوي بلفحها ..

 

خرجت للشرفة فارتجفت قليلا ولسعة البرد تضربها .. رغم أنه الصيف لكن درجات الحرارة هنا تختلف عما اعتادته في بلادها من اشتعال حار ..

 

تنهدت تحتضن جذعها مشجعة نفسها أنها ستعتاد بالوقت .. وقفت قرب السور الذي يطل على الحديقة الخاصة بالبيت تتأمل الحديقة الغناء الخاصة بالبيت ..

كان البيت جميلا واسعا بغير بزخ ملفت .. أنيق الأنحاء ومرتب للغاية

لكنه بدا لها باردا ..

بالإضافة أن بكل ركن توجد صورة خاصة للعائلة السعيدة يترأسها تاج ضاحكا فرحا ..

 

تأففت نورين محولة نظراتها للشارع الخالي أمامها .. كان واسعا تغمره الأشجار المصطفة بعناية يهتم بها أصحاب البيوت ..

بالإضافة لخصوصية يتمتع بها كل بيت بمساحته الخاصة ..

 

مالت تقاسيمها في حزن جلي وعيناها تغيمان .. تعود بذاكرتها لليوم الذي وصلت فيه تلك الأرض الغريبة بأهلها ..

 

عندما وصلت للمطار بعينين محترقتين من شدة البكاء طوال الرحلة التي دامت لساعات ..

حتى أُنهكت تماما فاقدة القدرة على ذرف المزيد .. كانت تلتفت من حولها باحثة عن أمان دونا عنها خاصة خلال انشغال مياسة لإنهاء الاجراءات ..

 

وكأنها تتوقع ظهور عمر في أي لحظة يشدها لأحضانه ممتصا كل ذعرها ..

 

حتى انقضى الوقت بطيئا وخرجت مع مياسة يستقبلهما سائق خاص يعمل عندها ..

 

فركبت بجانب أختها مغمضة عينيها بارتياع وشعور غربة يداهم صدرها .. حتى أنها لم تفتح عينيها فاقدة أي أدنى فضول تجاه البلد الجديد المبهر

 

لم تهتم بأي شيء سوى حاجتها المُلحة لمحادثة عمر ..

 

حتى وقفت السيارة تصل للمنزل الفخم .. عندها فرقت أجفانها ترصد المكان المذهل دون أي انبهار فعلي بداخلها ..

 

بدت مترددة في مجرد الانضمام لبيت يخص رجل لا تعترف به ..

لكنها في النهاية أذعنت ليد مياسة التي أحاطتها في حنو ودعم

ودلفت له بخطى متثاقلة خائفة رغما عنها ..

 

وما أن قطعت المسافة للداخل حتى وقعت عيناها عليها ..

عالية هانم !

الزوجة الأولى لوالدها البيولوجي ..

 

وربما كانت هي الوحيدة التي استطاعت إرسال بعض من لفحات الانبهار والفضول إلى نفسها أخيرا ..

كانت كتلة من الرقي والفخامة والجمال ..

تشبه مياسة جدا ..

عندما تلاقت نظراتهما تجمدت نورين برهبة .. فهي تقابل زوجة أبيها الأولى !

بينما هي ابنة الثانية !

وفي وهلة شعرت نورين بالقلق تكتشف أنها لم تفكر بهذا مسبقا بشكل جاد ..

كيف قد يكون شعور تلك المرأة حيال ابنة زوجها من امرأة أخرى ..

 

ابتلعت ريقها وهي تثبت نفسها بقوة مستحضرة روح أخيها .. فتترقب القادم بهدوء ظاهري ..

تقدمت عالية تشاهدها بعينين منفرجتين بعض الشيء وكأنها مذهولة من شيء ما ..

 

وقد كانت بالفعل مذهولة من أنها - في لحظة ما – لاح لها تاج حيا !

 

أغمضت عالية عينيها ثم فتحتها ترسم ابتسامة رزينة متكلمة بلباقة " أنرتِ بيتك يا نورين .. كنت متشوقة جدا لرؤيتك "

 

لم ترد نورين ولم تبدأ أي منهما في مد كف سلام ..

شعرت بيد مياسة تشتد على كتفها معرفة " هذه أمي .. عالية "

اضطرت نورين أن تومئ بلا هدف مغمغمة بكلمات غير فصيحة .. فربتت مياسة على كتفها قائلة برأفة كي لا تحاصرها " حسنا صغيرتي .. أنتِ بحاجة للراحة .. تعالي معي الآن "

 

ثم اصطحبتها للأعلى ترشدها لإحدى الغرف والتي كانت ملتصقة بغرفتها مباشرة وكأنها بذلك تبثها بعض الأمان لوجودها بجوارها دوما ..

 

لم تسمع أي من كلمات مياسة التي أخذت تدردش معها سريعا وتعدها بأنها ستغير ديكور الغرفة بالطريقة التي تحبها هي ..

بل انتظرت للنهاية حتى استأذنت مغادرة تخبرها أن تتصرف بحرية حينها اندفعت لهاتفها تخرجه بأيدٍ مرتجفة ولم تهدأ إلا وصوت عمر يصلها مختنقا مبحوحا ..

وقضت ساعات طالت في الكلام المبعثر والبكاء الملتاع .. حتى غفت دون شعور على صوته المهدئ .. الذي يشجعها أن تتقوى في غيابه حتى لقاء قريب !

 

والأيام التالية كانت بالكاد تغادر غرفتها وقد طلبت من مياسة صراحة أنها تبغي العزلة بمفردها لبعض الوقت ..

 

بل إنها لم تتقابل مع عالية بالذات إلا مرات لا تُذكر تكتفي فيها عالية بالابتسامة بترحاب هادئ دون فرض نفسها ..

وكذلك منحتها مياسة ما احتاجته من مدة خاصة وهي انشغلت منذ أتت في اللحاق بما فاتها من أعمال كثيرة جدا ..

 

تنهدت نورين بعمق والضيق يستولي على قلبها باحتلال خانق .. فرفعت عينيها للسماء هامسة باهتزاز " يا رب .. كن معي "

 

تشتت عن شؤم سهوها المعتكر على صوت طرقات خفيفة فوق الباب .. قطبت مستديرة مدركة أنها مياسة فأذنت لها بالدخول ..

 

ظهرت مياسة بشكل منعش يليق بهيئتها الرائقة تسبقها رائحتها البرية إثر حمام طويل .. رنت لها مبتسمة تحادثها " استيقاظ مبكر نشيط .. صباح الخير يا نوري " قالتها وهي تتقدم من الشرفة محيطة وجهها بكفيها ودون استئذان طبعت على خدها قبلة قوية ..

 

تكلفت نورين ابتسامة ترد بشجن " صباح الخير "

تجاهلت مياسة بؤس نبرتها وأشارت من حولها تلغو " الطقس اليوم رائع .. صحيح "

ارتفع حاجبا نورين ناظرة من حولها بشك " يبدو رائعا بالنسبة لكِ "

ضحكت مياسة تخبرها بلطف " صدقيني هذا رائع جدا بالنسبة لهنا .. غدا تعتادين وتدركين معنى قولي "

هزت نورين كتفيها دون اعتراض فجذبتها مياسة للداخل مقترحة بلطف " حسنا .. قد أتت عطلة الأسبوع أخيرا وانتهت أعمالي الطويلة .. دعينا ننزل الآن نتناول إفطارا سريعا ثم نفكر بما قد يمكن فعله لاستغلال اليوم "

 

اكفهرت نورين برفض فوري ترد " لا داعي .. أنا لست جائعة ولا أفضل الخروج "

لم تهتز ابتسامة مياسة التي عارضت برقة " لقد تركت لكِ وقتا كافيا يا نورين كما طلبتِ من عزلة .. لكني قطعا لم آتي بكِ لهنا لمجرد حجزك بغرفة حتى لو باختيارك .. لقد عاهدت عمر على الاهتمام بكِ "

 

تقلقلت ملامح نورين عند ذكر عمر باشتياق جارف نبض منه قلبها بقوة .. فربتت مياسة على وجهها مستكملة " أعلم بأن الفراق صعب .. خاصة لشخص مثله .. لكنه لن يكون سعيدا بتلك الحياة التي تحييها الآن .. لم يوافق على سفرك إلا لأجل حياة أفضل .. أليس كذلك "

 

أومأت نورين وخافقها يؤلمها بشكل مبعثر وبأكثر من اتجاه وحدث ..

 

عادت مياسة تبتسم بثقة وحمستها " إذن .. لننزل لتناول الإفطار "

عقدت نورين حاجبيها مجيبة بتردد " سأتناوله هنا .. كي لا أسبب ازعاج "

تجهمت مياسة في الحال تسأل " هل تقصدين أمي .. هل فعلت شيئا يخبرك بانزعاجها "

تداركت نورين نافية " لا لا .. على العكس .. لكني فقط .. "

قاطعتها مياسة بلطف " لا يوجد لكن .. أمي بنفسها من أصدرت فرمانا بوجوب مشاركتك الوجبات كاملة معنا .. وإن نزلت لها دونك قد تحرمني من الطعام أصلا "

ضحكت نورين تجاريها مجبرة فتسحبها الأخرى خارج غرفتها كي تهبطان حيث المطبخ ..

 

دخلتا له فوقعت نظرات نورين على عالية التي تقف أمام الرخامة مرتدية ملابس فضفاضة توليهما ظهرها شاردة ..

 

ناغشت مياسة أمها وهي تدنو منها " انظروا لعالية هانم التي ترتدي ملابس رجالية "

ابتسمت عالية منتبهة قائلة بحنان " أعشق ارتداء ملابس تاج .. أحسها لا زالت تحمل رائحته "

أظلمت عينا نورين وهي تدقق في ملابسها بعناية .. مجرد بنطال مريح أسود واسع يعلوه قميصا واسعا باللون الأبيض ..

 

التفتت عالية لهما تفطن لوجود نورين التي استجابت أخيرا للنزول فابتسمت بهدوء مستهلة " صباح الخير نورين .. أخيرا نزلتِ "

 

تكتفت نورين تبصرها دون رد فتحركت عالية مجهزة باقي الطاولة بمساعدة مياسة التي اكتفت بالسكوت المتفرج تترك لهما الفرصة بالتعامل .. فهما سيعيشان معا ولا بد من التواصل بينهما .. كما لا بد أن تسمع نورين اسم تاج يتكرر كثيرا !

و رغم الحساسية بين الاثنتين لكنها تعرف أن نورين قوية ستتجاوز هذا فقط تحتاج لصبر ..

ورغم الألم الساكن لعينيّ أمها .. لكنها أيضا لن تخذل تاج هذه المرة

 

قالت عالية غير آبهة بسكون نورين المطبق " لو لم تنزلي .. كنت سأصعد لكِ مقتحمة خلوتك مضطرة .. فنحن لا نحب التفرق على طاولة الطعام "

اكتفت نورين بالإيماء فدعتها مياسة ببشاشة " هيا صغيرتي .. تعالي اجلسي "

 

طاوعتها نورين فنتأمل طاولة الطعام المستديرة المكونة فقط من ثلاث كراسي محدودة ..

نفس عدد أفراد أهل البيت حتى بعد غياب رب الأسرة ظل الكرسي فارغا وكأنه ينتظر ابنته ..

 

عقدت نورين حاجبيها ونظراتها تشرد منتقلة لصورته المعلقة حتى بالمطبخ .. فتغضن وجهها وهي تتجمد رافضة الجلوس فوقه بنفور

 

تأملتها عالية بنظرات ذكية لتقول بهدوء " هذا ليس كرسيه "

انتفضت نورين مجفلة تنظر لها متحفزة فأكملت عالية وهي تشير لكرسي آخر يخصها " هذا هو كرسيه .. وقد اتخذته لنفسي مقعدا منذ رحيله .. لا تقلقي .. واجلسي "

 

شحبت نورين وهي تشعر بنفسها شفافة متعرية الأفكار تماما أمامهما ..

إنها ترفض مجرد الجلوس فوق كرسي يخصه بينما ستتناول الآن من أمواله وتحيا في بيت يعود له !

أي تناقض مقرف هذا !

 

أحست بيد مياسة تمسكها لتشجعها على الجلوس ..

فزفرت بارتجاف تستجيب ممتقعة الوجه ورضخت تحاول الأكل غصبا ..

 

ولم يجبرها أحد على شيء حتى انقضت الدقائق ونهضت الأم وابنتها تتساعدان في تنظيف المكان تحت مراقبة حذرة من نورين المنكمشة ..

 

سألت عالية بصوت هادئ " من ستشرب قهوة ومن تفضل العصير "

ردت مياسة نيابةً وهي منكبة على غسل الصحون " أنا أحتاج لقهوة .. و نورين تفضل العصير "

اعترضت نورين مطالبة " سأشرب قهوة "

 

قطبت مياسة تعاينها بدهشة سائلة " أنتِ لا تفضلين القهوة "

هزت رأسها بتعنت تجيب " بل أريد قهوة "

ابتسمت عالية منهية النقاش " سأصنع لكِ ما تشائين يا نورين .. هل أصنعها حلوة ؟ "

أومأت نورين بجمود فالتفتت عالية تُنهي صنعها ..

 

بعد دقائق وضعت عالية فناجين القهوة الساخنة على الطاولة وعادت تنظف الموقد ..

 

ارتفع رنين هاتف نورين بوصول إشعار ففتحته متلهفة أن يكون شيئا يعود لعمر ..

حتى مرت لحظات شعرت عقبها بالتشنج والاشعار يأتيها من اسم مألوف غير مستحب لنفسها دون سبب معلوم ..
 


فتحته فوجدت – خطيبة حسن المفترضة – ترد على تعليقها بقول لطيف ( شكرا لكِ يا صغيرة .. العقبى ليومك مع رجل يُقدرك .. ليتك موجودة فعلا )

 

تصلل وجه نورين من جديد وهي تتأمل الصورة مرة أخرى بأعين بدأت تؤلمها في حرقة ناقضت برودة سرت بأطرافها بتمهل ..

ازدردت ريقها ومعه شَكس غصة عسّرت عليها طبيعية التنفس ..

رفعت نظراتها لعالية ومياسة وشعرت فجأة بالحنين لوجود عمر ..

 

مدت يدها المرتجفة تأخذ أحد الفناجين وبدأت ترتشف منه ببطء .. ودموعها تتثاقل حتى ذُرفت بعضها فالتفتت مياسة منتهية مما تفعل ..

تنبهت لها متفاجئة وتقدمت تهتف بقلق " نورين .. أنتِ تبكين "

أغمضت نورين عينيها وكان فضح بكائها إشارة كافية للانفجار .. فشهقت تنخرط في بكاء مرير عالٍ زاد من قلق مياسة وعالية المستغربة ..

 

احتضنتها مياسة مهدهدة " نورين .. ما بكِ .. ماذا حصل فجأة "

خبأت نورين وجهها في صدر أختها تفر عن صورة حسن البغيضة هاتفة بحرقة " القهوة .. القهوة مُرة جدا .. شديدة المرارة "

ارتفع حاجبا مياسة تستوضح " أنتِ لا تحبينها مُرة .. لقد أخذتِ الفنجان الخطأ "

زاد بكائها لدرجة أن جسدها أخذ يرتج بعنف شهقاتها واعترفت بشكوى " بل .. لا أحب القهوة أصلا "

 

لم تفهم مياسة وإنما اكتفت بأن احتضنتها بقوة محتوية صخب مشاعرها وتقبل فروة رأسها ..

 

تعلم بأنها تخرج ما بجوفها من ألم ومرارة ..

وقطعا المرارة التي تبكيها لا تتعلق بالقهوة !

 

.......................

 

غيم أسود لف البيت وظلله فعم الظلام أنحاء الشقة رغم النهار المشرق في الخارج والذي لم يجد منفذا يعبر خلاله ..

 

وصلته طرقات قوية على الباب قرر تجاهلها بينما كان ممددا على الأريكة في غرفة المعيشة .. عيناه شاخصتان للأعلى ورغم الرؤية الشبه منعدمة كان بصره الحاد يبحر في صور حلوة من ذاكرة بعيدة ..

صور ملونة لعائلة لطيفة متكاملة ومكتفية بنفسها ..

 

عادت الطرقات تنثر عنه الصور فيهاجمه ظلام الحاضر الخالي من كل صخب ضحكات شقية ..

 

ارتفع الطرق أعلى وصوت فجر يهتف من وراء الباب بتوعد وضجر " أعلم بأنك بالداخل يا عم الخفاش .. افتح يا عمر فلن أتزحزح هذه المرة "

 

تغافل عمر متعمدا عن الطرق يتمسك برفضه في مقابلة أحد .. عندها علت الضربات لدرجة كادت أن تصيبه بالعصبية لولا خمول أعصابه لأيام طالت في الوحدة ..

 

صرخ فجر منفعلا " والله لو لم تفتح فسأذهب وأحضر السلم الخشبي من مرآب الجوهري وأقفز إلى الشرفة في عز الظهيرة كسارق محترف أمام أعين المارة " ثم ضرب أكثر يعج بغضب " افتح يا *** لم تعد صحتي تسمح لهذه الأفعال منك لله "

 

تأفف عمر يثب من مكانه سائرا إلى الباب فيفتحه بعنف يطالعه بغضب صائحا " حقا يا فجر أصبحت كامرأة خانقة طلقها زوجها بعد أن عانقت سن اليأس "

ابتسم فجر بسماجة لا يبالي بكلامه فنفخ عمر عائدا حيث موضعه الأول فوق الأريكة نافذ الصبر ..

 

دلف فجر للشقة يرنو لأرجائها بنظرة مشمئزة قائلا دون تجميل " الشقة رائحتها بشعة .. تقرف الكلب الأجرب "

لم يكترث عمر بكلامه فتحرك فجر بلا إذن فاتحا الشرفات والنوافذ والإضاءة ليغمض عمر عينيه يردعه " ماذا تفعل يا *** "

 

اقترب فجر واقفا قبالته متخصرا " انظر لهيئتك بالله عليك .. تبدو كمتسول موطنه أسفل الكباري "

تنهد عمر ولا زال مغمض عينيه فبحث فجر من حوله ثم أمسك بزجاجة مياه هاتفا " آسف لهذا "

ثم سكب المياه عليه لدرجة أن شهق عمر قافزا من مكانه دون توقع مطلقا سبة عنيفة مهاجما فجر ..

 

أخذ الأخير يتلقى الضربات متأوها غير قادر على صدها يصيح " كفى يا عمر .. أنا جاد بشأن صحتي الضعيفة .. توقف "

دفعه عمر بعصبية ملبيا فسقط على الأريكة فجر يلهث متشفيا ..

 

أشار له فجر يتأمل أعقاب السجائر المتناثرة " رائحتك عبارة عن سجائر خانقة .. لا تطاق "

زم عمر شفتيه وهتف " ماذا تريد يا فجر .. أنا لست في مزاج "

 

لوح فجر قائلا " أتيت أصنع معروفا مشفقا عليك .. عسى الله أن يُشفي لي أمي .. تحرك وتحمم أولا هيا "

ثم حدق بالمكان المبعثر مكملا بقرف " سأتولى أنا أمر مكب النفايات هذا .. هيا انجز فقط "

 

رمقه عمر بوجوم لكن فجر لم يتنازل بعناد أصيل فتنهد عمر يرضخ داخلا غرفته يأتي بما يحتاج من ملابس ثم اختفى في حمامه ..

 

قضى في الحمام وقتا طال به بين المياه الباردة إلى أن انتهى يخرج بملابس بيتية نظيفة ترضي صاحبه

 

وصلت لأنفه رائحة تصدر من الأواني بالمطبخ فتعجب ..

خرج للصالة ليجد فجر وقد انتهى من لملمة وتنظيف الشقة كاملة بهمة مدندنا بإحدى الأغنيات الكئيبة

 

استقام قائلا بفتور هو يلحظ خروجه " نعيما "

جلس عمر على الأريكة ورد " أنعم الله عليك "

 

عاد فجر للمطبخ يولي عنايته لما يحضره من طعام فسأل عمر بفضول " ماذا تصنع "

شرح فجر مركزا على ما يفعل " بحثت في الثلاجة وجدتها فارغة .. فأخرجت من المجمدة ما يمكن طهيه لك .. بما أني مفلس يعني "

أومأ عمر ممتعضا حتى رن هاتفه يحمل اسم نورين التي رد عليها مسرعا بلهفة ..

 

أنهى فجر تحضير الطاولة ببعض الأصناف التي برع في صناعتها يدعو عمر الذي تقدم قائلا " أنت ست بيت شاطرة يا فجورة ! "

ارتفع حاجبا فجر يرمقه ببرود قائلا " تحت أمرك يا سيد عمر .. بالخدمة "

جلس عمر يبتسم مستخفا وفجر اتبعه وكلاهما شرع بالأكل في صمت ..

حتى كسره فجر بقول هادئ " إذن .. كيف حالك الآن "

تمتم عمر بتقاعس " كما ترى "

نظر فجر من حوله قائلا بصدق " البيت صعب دونها "

ثم أبصره وسأل " وما هي نواياك للقادم يا عمر "

هز عمر رأسه مجيبا " لا أعرف .. لا أشتهي فعل شيء .. أرغب في الجلوس والبكاء على الأطلال "

سحب فجر نفسا عميقا هامسا بنكد " نعم .. أتفهم هذا الشعور جيدا "

 

رنا له عمر وباح بما في خاطره " الأمر أني أشتاق لوالديّ بشدة .. وجودها بجانبي كان يمنحني الطاقة للاستمرار لأجلها .. كي لا تشعر باليتم .. كنت أسعى فقط لحمايتها وبقائها معي وتناسيت أي ألم قد يعرقل صمودي .. لكن بغيابها انهار كل الصمود والصبر وطفت الآلام على السطح .. اليتم .. القهر .. صعوبة فراق الأم والأب معا في يوم واحد .. أتساءل لو لم يفارقانا لما حدث كل هذا "

أومأ فجر يستمع له بإنصات فتنهد عمر يتمنى المستحيل بحسرة " ربما كنت سأتزوج وامنحهما الحفيد الذي تمنياه .. صحيح "

ابتسم فجر له وقال مشاكسا " ماذا عن الفرس "

قدحت عينا عمر بشرر فوري ولاحت الشراسة على تعابيره هاتفا " تكلم بشكل عدل يا **** عنها "

اتسعت عينا فجر متوجسا يوضح بغباء " لم أقصد شيئا .. قصدت أنها .. تبدو فعلا كـ .. "

ضرب عمر على الطاولة حتى ارتجت الأطباق من فوقها ينهره بجدية " فجر "

تأمله فجر متعجبا قبل أن يضحك قائلا بذهول " هل الأمر جاد معك لتلك الدرجة "

تجهم وجه عمر وهو يعود للطعام مستكملا فامتعض فجر " يا لك من فالح .. وكأن الدنيا ضاقت بك "

ردعه عمر مزمجرا بخشونة " كما ضاقت بك من قبل مع ابنة خالتها البائسة "

 

سكن فجر متخشبا على الفور واهتزت أحداقه قبل أن تشتد فيهما الدكنة ليسبل رموشه يعود لطعامه بدوره دون تناول فعلي ..

 

تنهد عمر يعض لسانه فاستدرك " وأنت .. كيف حالك .. ما جديدك "

هز فجر كتفيه مجيبا باقتضاب " الحمد لله "

استفسر عمر من جديد يجذبه إليه " هل هناك تطور في حالة أمك "

نفى فجر بهدوء مغمغما " ليس بعد "

شمله عمر بنظرات مشفقة التقطها فجر الذي توقف عن التلاعب بملعقته معترفا بهزال " اشتقت لأمي جدا يا عمر "

سكت عمر فأكمل الآخر جزعا " أعد الأيام ولا تنتهي .. أتوق لأحضانها بشدة .. أخشى لو أفقدها وأنا بعيد عنها .. لم أعد أحتمل فراقا "

 

هز فجر رأسه يبتسم ببعض الهذيان وأضاف وهو ينظر لأصابعه الخشنة " هل تعلم يا عمر .. أحيانا .. أحيانا أظن لو أن كل هذا مجرد كابوس .. وأنا لا زلت مجرد موظف بسيط يسعى لتلبية أبسط احتياجات الحياة ويقاسم أمه العيش براحة بال .. أكد وأتعب وأموت كل يوم في بذل جهدي ولكني كل يوم أنام بخير .. بخير أنا وأمي "

تهدلت ملامح عمر وهو يتشرب بؤس صاحبه متعاطفا وفجر يكمل " لقد حاربت لسنوات .. سنوات طويلة جدا قدمت كل ما أملك حرفيا .. فأتوا ببساطة وهدموا كل شيء "

ارتجف فمه فزمه بقسوة شابهت قسوة نظراته التي تصلبت وهو يغمغم " لقد هدموا فوق رأسي البناء الذي جاهدت سنوات لحفظه "

ثم هز رأسه يقول بغصة " وكأن كل سنوات عمري لا تعني شيئا .. مطلقا "

عم الوجوم من حولهما بعد كلماته فتركه عمر يلملم شتاته متماسكا والآخر يمسح على وجهه متنفسا بقوة ..

إلى أن تكلم عمر بقرف " كنت أعلم أنك كئيب بالفطرة يا فجر أقسم بالله "

عبس فجر ناظرا له باستهجان فصرخ عمر باعتراض وهو يرمي ملعقته " هل أتيت لتواسيني أم لتُنكد عليّ يا ذكر البومة أنت .. سُدت شهيتي "

 

تنازل فجر ووجهه يتراخى في ابتسامة حقيقية حتى غير الموضوع يستوضح " طيب أخبرني .. ماذا ستفعل .. هل ستظل عاطلا عن العمل ؟ .. لولا أعمالك الحرة هنا وهناك كنت ستعلن إفلاسك وتضطر لسحب الأموال من حسابك البنكي الذي تركه والدك "

قطب بعدها يقدم باهتمام " لمَ لا تسحب الأموال وتفتح مشروعا خاصا بك "

 

رفع عمر حاجبه قائلا " مشروع مثل ماذا في تلك الظروف الزفت "

مط فجر شفتيه يقترح " لا أعلم .. أي شيء بسيط وتعمل عليه وتجتهد "

ابتسم عمر ساخرا " وهل الشيء البسيط سيكون كافيا "

 

ضيق فجر عينيه يسأل بالتباس " كافي لأي شيء بالضبط ؟ "

أسدل عمر أهدابه يستكمل طعامه بهدوء دون منح جواب محدد وإنما قال " أين حسن "

 

مط فجر شفتيه بجهل يجاريه فأمسك بالهاتف وقال " سأتصل به "

 

لكنه بعد لحظات تصنم متسع العينين بصدمة فسأل عمر بتوجس " ما بك تخشبت كمن ضربه سهم ؟ "

رفع فجر نظراته هامسا بذهول " لقد خطب حسن ! .. يا للغباء !! "

 

.......................

 

" مرحبا يا فطوم " بادر حسن يدخل عليها المطبخ بعد أن تنحنح منبها أمه لوجوده ..

لوت أمه فمها تغمغم بوجه مقلوب " أهلا "

تحكم في ملامحه ودنا يبغي تقبيل رأسها باستمالة فابتعدت عنه بحركة حادة رافضة ..

أغمض عينيه يسحب نفسا طويلا  وتحدث بهدوء " ما بكِ يا أمي .. هل لا زلت تخاصمينني "

اتسعت عيناها استنكارا تهتف " خصام .. هل تحسبه خصاما ! "

تشنج جسد حسن قائلا بصبر " أمي من فضلك اسمعيني "

قاطعته بحدة صارخة " لا أريد أن أسمع شيئا .. ارحل من أمامي وافعل ما يحلو لك "

 

سيطر على خلجاته أكثر مهادنا " أنا يهمني رضاكِ يا أمي "

هزت رأسها بعنف " ورضاي لن تأخذه يا حسن مهما حصل .. أنا رافضة لتلك الزيجة ولن أتقبلها كنة لي مطلقا "

شعر بالغضب عندها فصاح ساخطا " ولماذا يا أمي لماذا .. هل رأيتها حتى على الأقل "

" لا أكترث برؤيتها " صرخت أمامه بصوت عالي للغاية لا يخرج منها عادة وأردفت بغيظ " أنا أرفض لابني أن يتزوج من فتاة أكبر منه لا نعرف لها أصلا .. وفوق كل هذا .. مطلقة ! "

ضرب حسن على الطاولة محتجا " كفى يا أمي .. تتكلمين عنها وكأنها من الشارع .. كما أنها ليست مطلقة كانت مخطوبة مجرد عقد قران على ورق "

 

ولج سلطان الذي أتى على صوتيهما هاتفا باستنفار " ما الذي يحدث .. ما بكما "

لهث حسن يتحكم في أعصابه المنفلتة بالفعل بينما أم سلطان بقيت على حالها متحفزة غاضبة للغاية ..

فاقترب سلطان يهدئها " ما بكِ يا حاجة .. اهدئي .. سيرتفع ضغطك "

 

" ليرتفع .. حتى يرتاح أخوك " صرخت أمه فغمغم حسن محوقلا وقال مجددا " بعيد الشر عنك أماه .. من فضلك اهدئي واسمعيني .. فكرك يظلم منار والعمر ليس مبررا .. هما سنتان فقط بحق الله "

 

لوحت أمه مُصرة " حقا .. هل أظلمها ؟ .. ماذا عن قبولهم بك .. كيف لبيت محترم أن يوافق على خطبة رجل أتى بمفرده دون أهله "

تجهم وجهه يهتف مغتاظا " أليس أنتِ من رفضتِ القدوم "

صاحت أمامه مستشيطة " ولأني رفضت فتكسر كلمتي وتذهب بمفردك .. وبدلا من أن تسأل الأسرة المحترمة عن أهلك أولا .. وافقوا مباشرة يدعون أهلك على الغداء لزيادة التعارف .. هللوا وكأنهم لم يصدقوا أن أتى لهم عريس مثلك "

كاد حسن ان ينفجر بالصراخ غير آبه بأي احترام أو آداب لكن سلطان سبقه مرسلا له نظرة محذرة " أم سلطان من فضلك .. أنتِ تتكلمين عن عائلة لم تري منهم سيئا .. وحدي الله "

قال حسن بقسوة مقارنا " انتصار كانت أرملة ولديها طفلة وذهب لها بمفرده في البداية .. ورغم ذلك تزوجها سلطان .. أم أنكم أوصياء عليّ أنا فقط "

 

زمجر سلطان يهتف " حسن .. كفى .. اخرس حالا ولا تقحم زوجتي في هذا "

 

عادت أم سلطان تنتفض مدافعة بشراسة " بمن تقارن أنت .. انتصار الأرملة التي لديها طفلة هذه .. جعلت أخاك يلف حول نفسه لفا كي تقبل به ووضعت الشروط متدللة .. كما أن أخاك وضعه يختلف .. مطلق ولديه طفلة "

 

أغمض سلطان عينيه نافذ الصبر فاعترض حسن " وماذا بي أنا كي يرفضونني .. هل هذا ما تريدينه .. رفضي .. هل تناقضين نفسك ! "

أخرسته أمه بغلظة مشيرة بسبابتها " الزم حدك يا ولد وأنت أمامي .. إن كنت أفخر بك وأثق بمكانتك وبك كعريس تتمناك كل بنت .. لا يعني أن أمنحك بالرخيص "

 

اتسعت عيناه مذهولا " أي رخص .. هل تجديني كتبت عليها ورقة عرفي يا أمي "

سخرت أمه بعنف " هذا هو الناقص ! .. وكأنك كبرت كفاية فلم تعد تصبر على ذكوريتك العتيدة "

 

شهقت سارة تنبههم لوجودها فالتفت لها سلطان متفاجئا بحدة يأمر بحزم " سارة .. لغرفتك حالا "

أومأت بحرج وركضت ترحل عنهم بقلق فأكمل سلطان غاضبا " تمالكي نفسك بالله عليكِ يا حاجة .. البنت واقفة "

 

لم تهتم أمه التي ضربت على الطاولة أمامها تتهكم بفظاظة " أي بنت هذه التي تُنزل صورة علنية لك معها يا حسن .. قبل حتى قراءة الفاتحة .. وكأنها تغيظ أحد أو مجرد معتوهة تتغنى بالخطبة ! "

 

عبس سلطان كحسن الذي أخرج هاتفه يسأل بعدم فهم " أي صورة "

بحث فوجد ضالته متفاجئا يكتم السباب في سره متوعدا وقد استنفر لكنه علل مدافعا " ربما تسرعت .. سأخبرها أن .. "

" لا أكترث " قاطعته أمه وأردفت " اخبرها أو لا ..لا أكترث .. أنا لا أريدها .. لا أرتاح لها يا حسن "

نظر لها حسن لفترة طالت إلى أن تصدى متمردا " أنا لم أعد صغيرا حتى أتبع الأوامر يا أمي .. لقد سئمت منكم "

 

" حسن .. كفى لهنا .. أنت تكلم أمك " أمره سلطان وقد بدأ يفقد هدوئه المعهود فأومأ حسن راضخا بتثاقل " لا بأس .. حاضر .. عامةً كيفما شئتِ أمي .. لا تأتي " ثم حول بصره لسلطان المتشنج يعفيه " وكذلك أنت يا سلطان .. إن لم ترد فلا مشكلة .. لا تضغط على حالك أعلم برفضك أنت أيضا .. لكن يكفيني أن تحترم قراري ولا تتعرض لمنار من فضلك بالعمل .. أنا صاعد لشقتي سأقضي فيها وقتي " قالها وغادر المطبخ يتركهما مستسلما فاغتاظت أمه التي اشتعلت سائلة باحتدام " هل ستذهب معه يا سلطان .. هل ستعصاني أنت أيضا "

تنهد سلطان يربت عليها محتويا " اهدئي يا أم سلطان .. ليست تلك طريقة التعامل الصحيحة مع حسن .. لم يعد صغيرا عليكِ أن تعلمي هذا .. حتى لو لم أوافق لكني لا أملك إلا الوقوف معه .. هل سيكون بلا أهل أمام الناس .. إنه ابني "

 

هزت أمه رأسها شاعرة بالحسرة فتهمس بصدمة " لكني لست مرتاحة .. لماذا عليه أن يخوض التجربة الخطأ أولا .. هل بعد أن كنت أختار له نورين زينة البنات .. يذهب لفتاة ظهرت فجأة تعيش وحيدة مع أمها وأخٍ أصغر مخطوبة مرتين منهما مرة كان عقد قران .. لا زال صغيرا يا سلطان "

 

زفر سلطان قائلا " أمي .. ليس عيبا فيها أن نصيبها لم يأتي للآن "

 

فغرت فمها تقول ملتاعة " أنت من تقول هذا .. هل توافق عليها "

تنهد سلطان يستقيم بوقفته لا يعلم ماذا يفعل ..

من ناحية أمه التي معها حق نوعا ما ..

ومن ناحية يوجد أخوه المشتت والذي لم يعد ينفع معه أي تصادم قد يتسبب في شرخ بينهما ..

لا يمكنه خسارة حسن معارضا قراراته !

 

عاد سلطان يربت على أمه مغمغما " اتركيها لربك الآن يا حاجة .. " ثم نظر لساعته متابعا " أنا بحاجة للرحيل يا أمي .. عندي موعد وتأخرت .. أراكِ ليلا "

 

ثم مشى وتركها مضطرا لحسرتها وحزن قلبها المقبوض ..

 

دلفت سارة تعود إليها التي راقبت الحوار من بعيد فشددت على كتفها تواسيها بأسى " لا تحزني يا أمي "

 

رغما عنها بكت تشكو بندامة " لم أرد له إلا السعادة واختيار زوجة مناسبة .. ألم يتعلم من درس أخيه الأكبر في زيجته الفاشلة الأولى .. لماذا عليّ أن أقف مكتوفة الأيدي كل مرة ولا يستمع لي أحد "

 

تألم قلب سارة على أمها فاحتضنتها بحنو لتدفعها الأخيرة بحنق محتجة " اتركيني .. حتى أنتِ تؤلمين قلبي .. أشعر بأني سأموت قبل أن أطمئن عليكِ .. اتركوني جميعا وافعلوا ما يحلو لكم .. أنتِ وهو .. والله لن أقبل بتلك الزيجة ولن أحضر خطبته هذه .. لن أفعل .. الحمد لله أن هدى سلطان على الأقل في النهاية .. اتركوني بالله عليكم .. قدري أن أتعب مع كل شخص من أولادي .. لا أحد يريد أن يسر خاطري .. لا حول ولا قوة إلا بالله .. فوضت أمري لك يا رب "

 

تجمدت سارة بقلة حيلة وشيعتها بعينين دامعتين في أسف وذنب .. قبل أن تحني رأسها مفكرة بألم بما يمكن تقديمه

 

.........................

 

صعدت السلالم تقطعها مسرعة متوجهة إلى الشقة بالدور الأخير ..

وجدت الباب مفتوح فدلفت تطرقه دون سماع رد منه ..

اقتربت من غرفته المشرعة فوجدته وهو ينهي تبديل ملابسه بحركات عصبية لتناديه برقة " حسن "

قاطعها بفظاظة " اتركيني يا سارة .. أريد البقاء وحدي "

تنهدت تدنو أكثر مصممة " هل ستبيت هنا .. ألن تأكل على الأقل "

 

زفر يجيب محتدا " أنا بخير يا سارة .. من فضلك اتركيني وشأني "

" ولكن .. " حاولت من جديد فقاطعها يضرب فوق الخزانة " كفى يا سارة .. اتركيني أقول لكِ .. أنا مزاجي سيء .. و لا أريد جرحك "

 

ذبلت ملامحها بكآبة واضحة دفعته ليتنهد قائلا وهو يفرك جبهته " سارة حبيبتي .. أنا لست في أفضل حالاتي .. لكن أنا سأكون بخير .. اتركيني الآن فقط "

عضت على شفتيها بتردد " لكني لا أريد تركك .. على الأقل كلمني .. اشرح لي لماذا فعلت ذلك "

قلب عينيه بضجر وهتف قاسيا " يا حبيبي ! .. هل عليّ تقديم المبررات لكِ أيضا "

عقدت حاجبيها مصححة " لا أقصد صدقني .. كل ما في الأمر أني أريد مشاطرتك وجعك "

 

تنهد دون تعقيب وملامحه المتحجرة تتهدل في كرب بين فتقدمت خطوة واستفسرت بحذر " ماذا ستفعل بشأن أمي على الأقل "

هز رأسه مستاءً وصاح حانقا " لن أفعل شيئا .. لن تأتي .. هي حرة .. لكن إن لم تفعل .. فأنا سأرحل من هنا مستقلا بذاتي عند زواجي "

 

شهقت متسعة العينين تهمس " هل تمزح .. ليس لتلك الدرجة "

ضحك بتعاسة حقيقية واندفع يصرخ بضيق " هل تعتقدينها ستتقبل وجودها هنا .. حالي سيكون كحال سلطان عندما رحل بزوجته الأولى "

 

قطبت سارة تبارز متجهمة " وهل هي مثل زوجته الأولى "

" ليس أنتِ أيضا .. لا تنقصك " ردعها بقسوة فانكمشت قليلا متراجعة " لم أقصد "

 

هز رأسه يستدير عنها وطلب " بالله عليكِ اتركيني يا سارة .. ارحلي وأخبري أمي بما قلته .. وعموما لا ضغط في هذا .. كل شخص حر "

 

أطرقت حزينة تشعر بالأسى حيال ما يحصل ..

حتى تشجعت تقول " هل أخبرك برأيي .. أمي معها حق .. هذه الفتاة تبدو .. "

قاطعها وهو يلتفت بحدة " اخرسي .. لا أريد سماع كلمة زائدة .. لست مضطرا لأخذ موافقة أحد .. وبكل صراحة لا تأتي أنتِ أيضا .. لا مشكلة عندي في هذا .. غادري الآن "

 

فغرت فمها مصدومة من قساوة تعامله .. ثم تحركت راحلة عنه ركضا تكاد تبكي جرحا منه !

......................

 

 

اليوم التالي ..

 

طرقة واحدة على الباب فُتح إثرها يطل من ورائه أمها التي وقفت متكتفة تراقب استعدادها للرحيل إلى العمل بوجه خالي التعابير ..

قطبت تسلط زرقة عينيها لها مبادرة بتوجس " صباح الخير .. لماذا تلك النظرة منذ بداية اليوم "

 

هزت أمها كتفيها تسأل " أطمئن عليكِ .. هل ستذهبين للعمل الآن .. أليس مبكرا "

أومأت بحماس وهي تركز على ارتداء عدساتها الداكنة مخفية زرقة عينيها التي لا تفضلها وقالت " بلى .. لكني فضلت لو أجهز الافطار بشكل جميل لتناوله مع حسن "

 

تنهدت أمها مقتربة جالسة فوق السرير قائلة بقلق " منار .. أحتاج للتكلم معك يا ابنتي .. منذ زيارة حسن ولم نجلس معا بشكل مناسب "

رمقتها بنظرة عابرة تقول " خير "

رتبت أمها الكلمات ثم أفصحت " بصراحة .. أنا لست مرتاحة لتلك الخطبة .. ولا أصدق أنكِ دفعتنا للموافقة حقا قبل حتى أن يأتي بأهله "

 

مطت منار شفتيها بلا مبالاة مجيبة " أهله سيأتون عاجلا أم آجلا .. ثم أني لا أتزوج من أهله "

زفرت أمها بغضب معترضة " توقفي عن أفكارك الجامحة يا منار .. الزواج عائلتان تتناسبان "

زمت منار شفتيها وتمردت " وأين عائلتي .. هل لنا أحد يا أمي "

 

" ولكن .. " قالت أمها لكن منار أوقفت استرسالها ببتر " من فضلك أمي .. بالكاد استقرت حياتي واختارني رجل أحبه مناسب أريده .. لا أريد عراقيل المجتمع التافهة "

 

اندفعت أمها صائحة " يا سلام ! .. كيف تقولين هذا .. لا نعيش بالدنيا وحدنا "

اعترضت منار واثقة " بلى .. نحن وحدنا لا نملك إلا الله معنا "

تنهدت أمها فاقدة فيها الأمل ثم سألت " هل تحبين هذا الشاب حقا يا منار "

حدقت بها منار لفترة ثم أومأت تهمس " أنا أحب حسن .. أتفهمه وأريده .. لا تقلقي عليّ "

 

وقفت أمها متأملة إياها بغموض حتى قالت " لست قلقة عليكِ  .. أنتِ لا يخشى عليكِ أحد .. قوية متمردة محددة أهدافها وواثقة حد الغرور .. لست قلقة أبدا عليكِ .. لكني قلقة عليه "

 

عبست منار بتجهم قائلة بخشونة " هل ترينني إنسانة سامة يا أمي "

دنت أمها تمسد على كتفيها قائلة " بالعكس حبيبتي .. أراكِ أفضل البنات .. وتستحقين الأفضل بالفعل .. لكن هذا الأفضل مهما فتشتِ لن تجديه بتلك المثالية التي تراهنين عليها "

ثم أنزلت يديها معلنة عن مخاوفها " أخشى أن تخوضي تجربة جديدة فاشلة .. عند اكتشافك له عن قرب أكثر "

 

قست تعابير منار فأدارت وجهها متعنتة برغبتها .. فهزت أمها رأسها عاجزة ثم ابتعدت تقول " وفقك الله يا ابنتي .. افعلي ما يحلو لكِ .. لقد أصبحت أكبر سنا من منعك عن شيء "

 

 

.........................

 

 

ما أن ولج إلى مكتبه حتى اصطدمت نظراته بوجودها المتوقع .. استدارت له راسمة ابتسامة جميلة على محياها تهمس " صباح الخير حسن "

دنا بوجه مغلق يرمق ما كانت تُعده سائلا " ماذا تفعلين "

تعجبت من هيئته المتنائية لكنها أشارت للطاولة التي كانت ترتبها موضحة " الطعام .. لم تكن متفرغا صباحا وبالتالي لم تفطر لحد اللحظة .. لذا هيا نستغل فترة الراحة كاملة "

 

لم يبالي كثيرا بقولها وما صنعته وإنما وضع يديه في جيبيه قائلا " منار .. أرسلت لكِ بالأمس كي تمسحي الصورة .. فلم تفعلي حتى الآن "

تكتفت ترنو إليه بدقة ثم أجابت مدافعة " كان طلبا غريبا .. وقد اتصلت بك عدة مرات بالأمس للفهم لكنك لم ترد "

 

تعلل بهدوء " كنت قد نمت مبكرا "

 

أومأت بتفهم لتستفسر " حسنا .. نحن فيها .. أخبرني لماذا أحذفها "

 

عبس قائلا بذهول " هل تسألين حقا ؟ .. من المفترض أن أسألكِ أنا كيف تنشرين مثل تلك الصورة قبل حتى أن نقرأ فاتحة لارتباطنا "

 

فردت كفيها تخبره ببديهية " أنا معتادة على مشاركة كل شيء على حسابي "

هز رأسه مستهجنا المبدأ يقول " وأنا معتاد على تقديس الخصوصية .. كيف لم تأخذي رأيي "

راقبته مستغربة وبررت " لم أظنك قد ترفض إعلان خطبتنا يا حسن "

 

لوح بكفه وقال بنزق " هل هكذا يكون الإعلان ! "

ثم أشار للهاتف بيدها مطالبا " الآن امسحي تلك الصورة هيا .. وأتمنى منكِ عدم فعل شيء كهذا قبل مشورتي "

 

رمقته بأحداق باردة أثارت تحفزه أكثر فهتف " لماذا تنظرين لي هكذا "

هزت كتفيها تشرح " أتعجب من أصرارك .. أنت حتى لم ترد على التهاني من الأصدقاء والمعارف "

استهزأ بعصبية قائلا " أي معارف .. هل تعتقدين أن أحدا من بينهم يخصني "

 

رفعت حاجبها تحدق فيه بنظرة مبهمة حتى قالت بتراخٍ " بلى .. كانت هي من بينهم "

ارتد رأسه كرصاصة منطلقة يسأل باهتزاز " من "

 

ألحقت حاجبها بالثاني وهي توضح ببساطة " نورين "

شحب وجهه للغاية يهمس مفجوعا " هل رأتها "

أومأت منار مؤكدة " كانت من المعلقين .. لقد أرسلت لنا المباركات وبدت سعيدة لك حقا .. حتى إنها قالت أننا نليق ببعض "

 

همد جسده المتحفز فجأة فاستند على المكتب من خلفه وملامحه تُصعق برعدة ضياع مكررا " نليق ببعض ! "

 

زمت منار شفتيها بقوة مستشفة اختلاجاته التي لم يكلف نفسه عناء مواراتها .. لكنها سحبت نفسا غائرا تشجع نفسها ببسالة داخليا ورصدت ما يفعل وهو يُخرج هاتفه متلاعبا فيه حتى وجد تعليقها يقرأه متسع العينين غير مصدقٍ ..

 

دنت منه خطوة تقول بنعومة " لا تحزن منها .. إنها تراك كأخ يا حسن .. وفرحت لأجلك بنية طيبة "

 

استطاعت تمييز فكيه وقد ضغط عليها مشددا بعنف .. وصدره الذي تضخم إثر نفس عميق مسحوب منه ..

حتى أغلق الهاتف متكتفا متمسكا بصمت مجهول المعاني لفترة إلى أن أمر بنبرة بدت صارمة لا تهاون فيها " احذفي تلك الصورة .. حالا "

 

من جديد أطبقت فمها ترمقه بضيق غير راضية .. لكنها مضطرة لبت ما أراد بتلكؤ ثم هزت رأسها نافضة الطاقة السلبية قائلة بنبرة حيوية " هيا .. لنأكل الآن "

 

هز رأسه رافضا يقول " لا أشتهي شيئا "

 

قطبت تنوي الجدال لكن الطرق ارتفع على الباب مثيرا سخطها .. خاصة والباب يُفتح يطل من خلفه شاب مألوف قال " مرحبا يا حسن "

 

تنبه له حسن رافعا وجهه الشاحب إليه " فجر .. أهلا تعال "

 

تقدم فجر متفحصا منار بهدوء متعرفا عليها في الحال ويثرثر " كيف حالك يا حسن "

أشار حسن في إيماء مشتت قائلا لمنار " هذا فجر .. صاحبي "

أومأت منار بحبور تمد كفها في سلام لطيف استقبله فجر سريعا بينما تعرف عن نفسها دون انتظار من حسن " أهلا بك فجر .. أنا منار خطيبته "

 

أغمض حسن عينيه يكاد يسبها لكل تلك الفوضى التي تُحدثها في حياته التي للتو بالكاد تدخلها .. لم يخبر فجر بعد !

 

لكن فجر أذهله وهو يرد ببساطة " نعم عرفت .. أهلا "

 

نظر له حسن مبهوتا فوضح فجر بنبرة ذات مغزى " علمت من الصورة "

 

دار حسن بنظراته مرتاعا .. يا لها من صورة تشاركها الجميع !

 

" هل نتكلم بمفردنا .. أريدك بأمر خاص بك وحدك " طلب فجر بسماجة وهو يجدها ملتصقة كالغراء فتكتفت متدخلة بثقة مفرطة " أنا أعلم كل شيء عن حسن "

 

" منار " صاح حسن يزجرها وأردف " لا تتدخلي بيني وبين أصحابي .. من فضلك غادري "

قطبت مستاءة من أسلوبه المرفوض وفجر يراقبها بغير راحة وقد بدت مستفزة متحدية بجرأة غير مألوفة ..

 

فنظر لها ببرود قائلا بخبث " هل تعلمين كل شيء حقا .. هناك أشياء تكون أكثر غموضا من إدراكك يا آنسة "

تدخل حسن غاضبا " كفى يا فجر .. منار ارحلي "

 

لكن منار تصلبت في عناد وهي تساجل فجر بعينيها وقالت " لكني بالفعل أعلم كل شيء سيد فجر "

رفع فجر حاجبه مذهولا من وقاحتها فاندفع بقوله " وهل تعلمين أني أتيت اليوم مستغربا من خطبته المفاجئة .. في حين أنه متعلق بأخرى "

 

صُدم حسن بإفشائه السر حتى وإن كانت منار تعلم بالفعل فهتف وهو يدفعه بقسوة " فجر .. هل جننت ! "

 

تمالك فجر نفسه مستديرا عنهما شاكرا الحظ أن عمر لم يتقابل مع تلك المستفزة .. وإلا دق عنقها دون تردد

 

" منار .. إلى الخارج من فضلك " أمرها حسن مكفهرا فأومأت بهدوء ترفض إغضابه " حاضر حبي "

ثم التفتت لفجر تدافع بصمود " لكن دعني أخبره .. بأني بالفعل أعلم كل شيء .. حتى عن نورين "

 

اتسعت عينا فجر في صدمة وهو يستدير إليها من جديد لتبتسم مستكملة دفاعها بثقة وعنفوان " وحسن أكثر نبلا من أن يُخفي عني شيئا كهذا .. بالإذن "

 

ثم غادرت بخطى أنيقة لا تهتز تاركة لهما ما أرادا من خصوصية ..

 

وما أن أغلق الباب عليهما حتى كان فجر يتلقى ضربة عنيفة في كتفه جعلته يتأوه متألما وحسن يصرخ " يا **** .. هل تفشي سرا بيننا "

 

سعل فجر قليلا يسب في سره تلك الصداقة التي تدفعه لتلقي كل تلك الضربات خلال كل لقاء يجمعه بصديق ..

 

تأفف معتدلا يعترض " وليتني نجحت على الأقل "

زمجر حسن منفعلا " اخرس يا فجر "

 

" لن أخرس " هتف فجر أمامه واستكمل " بل سأتكلم وأسأل عن الغباء والفوضى التي ترتكبها في حياتك يا غبي "

 

لوح حسن يلجمه بغلظة " انظر لحياتك أولا ثم حاسبني "

هز فجر رأسه مبهوتا و قال " ما خصك أنت بما أحياه .. على الأقل في بؤسي لم أذهب وأعلق أخرى كي تشاركني أحزاني "

 

دافع حسن عن موقفه " أنا لا أفعل ذلك .. منار قد صارحتها بكل شيء .. وهي تناسبني "

بذهول سأل فجر " تناسبك في ماذا بالضبط "

أشار حسن بلا هدف قائلا " في كل شيء .. أبحث معها عن استقرار .. وتلك التي تتكلم عنها  هي الوحيدة من كانت بجانبي في أصعب سنة مرت عليّ بحياتي .. على الأقل تحبني "

" تحبك ! " ردد فجر الكلمة مستنكرا فدنا منه مشيرا للباب يقول " تلك الفتاة لا تحبك بالطريقة التي يستحقها رجل مثلك يا حسن .. ربما هي نفسها لا تعلم ذلك حتى .. لكنها لا تحبك حقا .. إنها تتحدث عن نورين ببساطة وغرور يا غبي دون ذرة من حزن تمر في عينيها "

 

قاطعه حسن بتشنج " لا أريد فلسفة .. كما أن نورين انتهت من حياتي يا فجر .. وفقها الله وكتب لها الخير أينما كانت "

أومأ فجر مقارعا " نعم .. نعم .. هي انتهت من حياتك لكن هذا لم يمنع الألم الذي تفيض به نظراتك وصوتك يا حسن .. أنت تتمنى لها الخير لكنك تحترق كبائس لأن هذا الخير لن يكون معك أنت .. هذا هو ما أتكلم عنه .. هذا هو الحب "

 

صرخ حسن وقد عيل صبره " يكفي بالله عليك .. انظر لنفسك أولا "

" أنا أنظر لنفسي فعلا " قال فجر شاحبا يشير لهيئته وأضاف " بالفعل أنظر لنفسي وهذا هو ما فعله بي الحب .. هكذا يكون .. متطرفا .. إما جنة أو نار "

 

فرد كفيه بعدها يكمل بإيمان تام " المرأة تشتعل غيرة من مجرد أن يذكر رجلها اسم أخرى .. فكيف بها إن استحوذت على عقله وقلبه .. لا تكون بهذا التشدق وكأنها تتحدث عن فوزها بالجائزة الكبرى بالماراثون "

 

تأفف حسن هاتفا " أنا لا أفهم ماذا تريد .. لمَ أتيت بالضبط .. ألم تكن نصيحتك أن أتجاوزها "

صرخ فجر حانقا " فتذهب وترتبط بعد أسبوعين يا معتوه "

احتج حسن يزكي موقفه " أنا لم أخدع منار .. بالعكس تماما .. وصدقني لست مهتما بأي مشاعر أو حب .. أهالينا لم يكونوا عشاقا يا فجر .. أنا لا أبحث إلا عن مجرد استقرار فقد سئمت التخبط "

طالعه فجر بأسى وقد فرغت حججه فتابع حسن بعذاب " أقسم بأني صادق النوايا .. أريد أن التقط أنفاسي مستقرا .. وهي من بين الجميع من جعلتني أتخطى مرحلتي الصعبة دون ارتكاب الكثير من الأخطاء .. أنا ممتن لوجودها في كل مرة كنت وحيدا .. لو لم تكن حبيبة فهي صديقة جيدة .. وقد قامت علاقتنا على الصراحة المتبادلة يا فجر "

 

ظل فجر صامتا بفتور فأطرق الآخر برأسه قائلا " أنا أتوازن .. أبحث عن نفسي بالفعل .. أحببت نورين بشدة .. أحببتها لدرجة آلمتني جدا يا فجر .. لكنها أضحت كطير حر لا يليق به القيود حاليا .. نورين تحتاج لمن يثبتها .. وأنا أصلا تائه عن نفسي .. بحاجة لاستعادتي أولا .. لذا فلتكن النهاية .. ليس الجميع قادرا لخوض الحروب في الحب "

 

نظر بعدها في عيني رفيقه وابتسم بشجن يقول " وأكثر ما أريده حقا .. هو استعادة صاحبي .. عمر .. صدقني .. إن خيروني بين الحب والصداقة .. لاخترته متجاهلا أي ألم .. كم مرة نجد صاحبا يا فجر .. أحتاج لاسترداد صفاء علاقتي به "

 

أنصت له فجر للنهاية إلى أن انتهى حسن وعم السكون للحظات أعقبها فجر بإيماء متفهم قال به " نعم .. فهمت .. فهمت يا صاحبي "

تقدم قربه يربت على ذراعه بهدوء وأردف بصدق " لم آتي إلا لمساعدتك .. لكن في كل الأحوال لا يهمني إلا راحتك يا أبا علي .. خض تجربتك الخاصة لنهاية المطاف .. كلٌ له نصيبه "

 

أومأ حسن يبتسم له ممتنا فاستأذن فجر بتوجع صوب الباب يفتح بغية المغادرة ..

فتوقف هناك مترددا إلى أن نظر لحسن يقول " بالمناسبة يا حسن "

تنبه له حسن فأعلن له الآخر " عمر سيذهب اليوم لملاقاة سلطان "

قطب حسن بعدم فهم فوضح فجر أكثر " ثالثنا سيسلك طريقه هو الآخر .. قرر السفر معي لاستعادة أخته ونيل أختها .. تبدو عبارة غريبة "

 

فغر حسن فاهه مبهوتا بالمعلومة فلوح فجر مودعا وترك الثاني يسقط مرتميا على كرسيه يفكر باختناق ..

صاحباه راحلان لا محالة .. وكأن الوحدة أقسمت للأبد أن تُعرقل راحته !

 

...................

 

" سارة .. سارة انتظري "

 

تسمرت مكانها وصوته يصلها من ورائها مناديا .. لقد كسبت براهنها البريء !

 

أغمضت عينيها تعد للعشرة وعندما فتحتهما كان هو قبالتها يتأملها بوجه اختفى من فوقه المرح ما أن لاحظ هيئتها المهترئة ..

 

عبس يستفسر بحرص " مرحبا سارة .. كيف حالك .. هل أنتِ بخير ؟ "

 

كانت تدرك أن حالتها مزرية للاسف بوجهها الشاحب وعينيها المتقرحتين إثر ليلة طويلة في البكاء الملتاع ..

 

البيت ضاغط جدا لدرجة شديدة دمرت أعصابها الهشة .. الصراخ منتشر وبكاء أمها يُزيدها ألمًا ..

خاصة والأخيرة ترفض حتى تدخلها لتقديم أي مواساة وتعلن خصامها للجميع إلا انتصار العاجزة عن تقديم شيء يساعد ..

 

مما دفعها لأن تختلي بنفسها مفكرة بهدوء في طريقة لتقديم العون وتلطيف الأجواء المحتدمة في البيت وتسكين حزن أمها ولو قليلا ..

 

" سارة .. هل أنتِ معي "

جذبها من شرودها إليه فوجهت له نظراتها المحمرة من الارهاق والسهر لتهمس " ماذا تريد "

زوى بين حاجبيه يرفع ما يحمله بيده من ( حجة جديدة ) معللا " تلك لعبة تخص مريم ففضلت أن .. "

قاطعته بصوت فاقد لأي تعبير " وكيف عرفت بوجودي هنا اليوم .. لقد أنهيت امتحاناتي أصلا ولم آتي إلا لإنهاء بعض الأشياء "

 

" من انتصار " قال مبررا ثم استدرك " لقد استدرجتها دون علمها "

ظلت ترنو إليه لفترة زادته توجسا حيالها .. تبدو غريبة

حتى وجهها شاحب دون أن يطرأ عليه الاحمرار المعتاد الذي يحبه !

 

" هل هذا ما أتى بك حقا يا حازم " سألته بعد أن سحقت ترددها بصعوبة فتنهد يبتسم قليلا مستمتعا بلفظ حازم منها ليقول " يبدو أن محاولاتي تكررت حد أن تم كشفها "

 

أدارت وجهها الأبيض عنه دون رد فعل أو أي خجل متوقع ..

 

وأخذت عيناها تتقلقلان وتنفسها يتعثر بعشوائية وكأنها تخوض صراعا مخفي عنه رغم يقظة ترصده !

 

إلى أن مدت كفها تطلب بسرعة " امنحني ما تريد إيصاله لمريم "

تعجب منها لكنه أذعن يمد لها الحقيبة فأخذتها متعجلة وتحركت فورا دون وهبه سلام ..

 

راقبها وهي تبتعد من أمامه حتى زاد توجسه وهو يرى توقفها المفاجئ في منتصف المسافة توليه ظهرها المتشنج بوضوح لعينيه ..

كانت تحسم قرارا بداخلها .. وأدرك أنها تحتاج لمساعدة

كما أن فضوله من تغيرها لن يجعله ينام اليوم إن لم يرضه !

 

لذا بحسم اقترب مستوليا على مرمى أنظارها وسأل بحزم " سارة .. هل أنتِ بخير ؟ .. أخبريني "

 

رفعت عينين مهتزتين إليه فشجعها أكثر " يمكنك أن تثقي بي حقا .. تكلمي "

استمر صمتها المتخوف فدعمها بعينيه أكثر لتبتلع ريقها الجاف هامسة بارتجاف " حازم .. هل .. هل .. لا زلت تريد .. الارتباط بي "

 

اتسعت عيناه ولم يتوقع أن تكلمه في هذا يوما من تلقاء نفسها ..

لكنه تماسك يرد بحذر " لماذا تسألين "

امتقع وجهها وشعرت بالتعرق إلا أنها تحكمت في نفسها تُنهي الأمر " إن كنت لا زلت على موقفك .. فيمكنك أن تكلم سلطان من جديد .. أنا مو .. موافقة " قالتها ودمعة غبية تطفر من عينها بلا شعور ليعقد حاجبيه مصدوما فأكملت له " أخبره بنفسك لأني سأخجل "

ثم هزت رأسها توصيه بارتعاش " ولكن .. أرجوك .. لا تخبر أحدا بما قلته .. أنا اخترت الوثوق بك هذه المرة .. لا تخذلني أرجوك "

 

لم تمنحه فرصة للجواب فتراجعت خطوة للخلف مغمغمة بتلعثم " هذا إن كنت لا زلت تريد .. بلا ضغط عليك طبعا .. ب .. بالإذن "

ثم استدارت مسرعة تكاد تركض متوجهة نحو المكان الذي ينتظرها فيه السائق ..

 

فركبت متهربة أخيرا تسمح لبعض من دمعها بالهطول متنفسة بخوف حقيقي ..

 

لا بأس .. نجحتِ يا سارة

على الأقل ستسعدين قلب أمك الغاضب .. وتقدمين لحسن دعما خفيا

فعندما تكون خطبتك في نفس يوم خطبته ستضطر أمك للحضور فلا تكسر قلبه بغيابها

 

أحسنتِ يا أميرة آل جوهري !

 

بينما في ذات المكان بقى حازم مسمرا يرمق الأثر المختفي للسيارة عابسا دون راحة كان يظن أنه سيحسها ما أن ينال الموافقة !

 

بدت له موافقة حزينة مختلفة عما رسم له ..

هل هُدمت مخططاته الصبورة في كسب ودها وخالفه الحظ .. أم أن القدر قد ساعده !

 

لم يعد يعرف !!

.........

انتهى الفصل
مننساش الفوت والآراء .. قراءة ممتعة 😍💖

Continue Reading

You'll Also Like

29.9K 316 5
اجتماعي دراما وأهلا بك عزيزي القارئ في قاع المجتمع
1.3K 147 20
كان يعيش طول حياتة بدون احتكاك مع الجنس الاخر ليقرر ان يعمل ما يحب ليقع فى حب فتاة اقل ما يقال عنها انها شاب فى صورة فتاة فماذا يفعل معها و كيف يتغلب...
11.6M 919K 70
صرت اهرول واباوع وراي شفت السيارة بدأت تستدير ناحيتي بمجرد ما يجي الضوء عليه انكشف أمامهم نجريت من ايدي وگعت على شخص ردت اصرخ سد حلگي حيل بعدها أجان...
149K 4.4K 23
فتاة يتيمة تضطر للاستقلال بالمعيشة عن خالها لتفاجأ بشخص يتتبعها ويراقبها بكل مكان... ماتنسوش الڤوت والتعليقات لو سمحتم😍😍😍