فجري أنت ، بقلم آلاء منير

By AlaaMounir201

649K 22.7K 6.3K

ماذا يحدث عندما تتلاقى سمو المبادئ مع دنيا الرغبات ! عندما تضعك الحياة بين اختيارين أحلاهما علقم .. عندما تُخ... More

تواقيع الأبطال
المقدمة
الفجر الأول
الفجر الثاني
الفجر الثالث
الفجر الرابع
الفجر الخامس
الفجر السادس
الفجر السابع
الفجر الثامن
الفجر التاسع
الفجر العاشر
الفجر الحادي عشر
الفجر الثاني عشر
الفجر الثالث عشر
الفجر الرابع عشر
الفجر الخامس عشر
الفجر السادس عشر
عودة 💫
الفجر السابع عشر
الفجر الثامن عشر
الفجر التاسع عشر
تنويه 😍
الفجر العشرون
الفجر الواحد والعشرون
الفجر الثاني والعشرون
الفجر الثالث والعشرون
الفجر الرابع والعشرون
الفجر الخامس والعشرون
الفجر السادس والعشرون
الفجر السابع والعشرون
الفجر الثامن والعشرون
الفجر التاسع والعشرون
الفجر الثلاثون
الفجر الواحد و الثلاثون
الفجر الثاني و الثلاثون
الفجر الثالث و الثلاثون
الفجر الرابع و الثلاثون
الفجر الخامس و الثلاثون
الفجر السادس و الثلاثون
الفجر السابع و الثلاثون
الفجر الثامن و الثلاثون
الفجر التاسع و الثلاثون
الفجر الأربعون
الفجر الواحد و الأربعون
الفجر الثاني والأربعون
الفجر الثالث و الأربعون
تابع الفجر الثالث و الأربعون
الفجر الخامس و الأربعون
الفجر السادس والأربعون
الفجر السابع و الأربعون
الفجر الثامن والأربعون
الفجر التاسع والأربعون
الفجر الخمسون
الفجر الواحد والخمسون
الفجر الثاني والخمسون
الفجر الثالث والخمسون
الفجر الرابع والخمسون
الفجر الخامس والخمسون
مهم 💖
وحشتوني 💖
الفصل السادس والخمسون
الفجر السابع والخمسون
الفجر الثامن والخمسون
الفجر التاسع والخمسون
الفجر الستون
الفجر الواحد والستون
الفجر الثاني والستون
الفجر الثالث والستون
الفجر الرابع والستون
الفجر الخامس والستون
الفجر السادس والستون
الفجر السابع والستون
الفجر الثامن والستون
الفجر التاسع والستون
الفجر السبعون
الفجر الواحد والسبعون
الفجر الثاني والسبعون
مهم جدا
الفجر الثالث والسبعون
الفجر الرابع والسبعون
الفجر الخامس والسبعون
الفجر السادس والسبعون
الفجر السابع والسبعون
الفجر الثامن والسبعون
الفجر التاسع والسبعون
الفجر الثمانون
الفجر الواحد والثمانون
الفجر الثاني والثمانون
الفجر الثالث والثمانون
الفجر الرابع والثمانون
الفجر الخامس والثمانون
الفجر السادس والثمانون
الفجر السابع والثمانون
الفجر الثامن والثمانون
عيد ميلاد 👑🎂
موعد عودة 💖
الفجر التاسع والثمانون ( والأخير )
ختام الفجر ضي

الفجر الرابع و الأربعون

4.8K 211 34
By AlaaMounir201


مساء الفل على أحلى لآلئ 💫💖
ولازم بقا تتعودوا على اللقب ده اني مسمية قرائي لآلئ 😂🙈
وحشتكم الفصول ؟
طب نعمل فوت بقا 💖
ومنبخلش بالآراء لأنها تهمني جدا 🙈
هسيب مع الفصل وقرءة ممتعة مقدما

...............

كانت جالسة أمامه على الكرسي المقابل متهربة عن ملاقاة عينيه ..

صغيرة الحجم مهتزة أقرب لطفلة ترتعد هلعا من آتٍ مشوه لعالم مجهول اختارت العبور إليه بعقل مغيب غبي ..


حجابها المهترئ يتراجع للخلف بين حين وآخر مُظهرا شعرها العسلي الناعم قبل أن تعود وترفع كفها النحيل المرتجف تعدل من شكله بعشوائية تليق بهيئتها المزرية وكأنما تختبئ تحته

ملابسها متسخة فضفاضة ووجهها يحمل بعض آثار من صفعات يجهل صاحبها ..


كانت مناقضة كليا لحالتها التي كانت عليها في نعيم بيته قبل أن يلفظها ما أن جرَّته لدائرة الخطيئة

فكانت دائرة محكمة الإطباق لا فكاك منها .. ومهما ادعى بأنه خارجها عاد واكتشف رباطه بها مجبرا ..


فأحلام حامل ..

أغمض تاج جفنيه فوق عسليتيه المنكسرتين يكتم صراخا محترقا في صدره فخرج له بديل أنين متحشرج وصلها وانكمشت إثره أكثر دون الإقدام على التطلع إليه ..


لا زال يتذكر تلك اللحظة .. حيث كان في بيته يحاول استرجاع عاليته بشتى الطرق .. حتى أتته المكالمة المشئومة والتي لم يصدقها بادئ الأمر ..

ظنه فخًا منصوبًا .. أو كذبة غبية أو فقط محض هراء والصغيرة تلهو بالنيران غير عابئة


فلن يكون ذا حظ سيء لدرجة أن تحمل أحلام طفلا من مرة منسية غير مقصودة !


إلا أن ما قالته ظل عالقا في رأسه وامتص منه قواه ونومه واقضّ مضجعه ..

فترك رجالا له ليتحققوا من صدقها سريا وفي غضون أيام قليلة وصلوا إليها تعمل في أحد المصانع ..

وأكدوا له .. أحلام فعلا حامل !


حينها علم أن راحة باله انتهت تماما عند تلك النقطة

قرر التخلي .. الابتعاد عن كل هذا وحجته أنه لم يتعمد ما حصل ..

وعلى أحلام أن تتحمل تبعات تهورها ..

فليكتفي هو بلحاق عائلته الصغيرة وإعادة الحياة لطبيعتها بالقدر المستطاع ..


لكنه كان يملك قلبا لعينا لينا انتفض عليه منددا بقسوة فعلته .. اشعله بوقود الذنب محاصرا عقله الباطن بأدخنة كوابيس مريعة خنقته ..


فلم يجد نفسه إلا راضخا ساعيا حتى هنا بحثا عن إصلاح لما شارك به رغم أنفه

وكان الإصلاح بطريق واحد وهو الهدم .. هدم حياة طفل لا ذنب له ليحظى بأبوين مثلهما ..

وتحرير أحلام من عبء سيدينها لآخر العمر بين البشر

ولن يرحمها به أحد !


" هل أنت والد الجنين "

تنبه من غمرة تخبطاته العصيبة على صوت المساعدة الذي يحمل لمحة استهزاء صفعت مسامعه بقوة فرفع عينيه محتدا دون ابتداع رد وقد امتقع وجهه ..

حتى تنحنح قائلا بارتباك حاول اخفائه مديرا دفة الحوار " كيف ستمر تلك العملية "


رفعت حاجبيها ببعض السخرية المبطنة التي فطن لها قبل أن تتكلم بتهذيب مصطنع " بسيطة ولكن .. "


صمتت عن تعمد تسترعي اهتمامه أكثر فأضافت ببرود قاصدة إثارة الرعب فيه " عليها التنبه لنفسها .. هذا النوع من العمليات قد يؤدي للكثير من المضاعفات خاصة وأن الجنين ينبض .. لكن لا تقلق هي ستكون بخير .. فالطبيب لن يعرض نفسه لخطر المساءلة إن حصل لها شيء .. تعلم "


عقد تاج حاجبيه بتيه مغمغما بصدمة وقد نالت ما ابتغته من تلاعب " ما هذا الهراء .. كيف يعني .. إلى أي حد قد تقع لها المضاعفات ؟ "

مطت المساعدة شفتيها في إجابة صامتة مفهومة كاد أن يرتد رأسه للخلف وهو يصل لمفادها ..


فتحولت نظراته تلقائيا لأحلام بذعر ليجدها تراقبه باستنجاد عفوي - للعجب - مس أبوته !!


فقابلها بزيغ مقلتيه بالتشتت والذهول لتميل عيناها تأثرا وترتعش شفتاها بما يشبه تبسم ضعيف متشقق سرعان ما تلاشى وهي تنكس رأسها ساكتة بهوان ..


تدخلت المساعدة من جديد تقطع تواصلها الساكن بقولها الفضولي اللزج الموجه لتاج " هل الحمل عن زواج أم .. " تركت الجملة معلقة فشحبت أحلام بشدة ترمي تاج بنظرة خاطفة حملت أشباحا صارخة من الرعب ما أن رأت امتقاع وجهه مهانةً لتنفض رأسها هاتفة تبتر أي لغط رغم العار في نبرتها " لا يخصك من فضلك .. هذا الرجل هو من ساعدني بدفع المال لكنه ليس المسؤول عن شيء "


مطت المساعدة شفتيها بامتعاض جديد ترفع حاجبها في تعالي ثم استقامت مبتعدة وهي تتكلم بلهجة ممطوطة مليئة بسوء الظنون " سأخبر الطبيب إذن عن استعدادك لنخلص في يومنا هذا "


رحلت عنهما دون ترقب جواب من أحد وأحلام تعاود تأمل تاج باعتذار بينما كان لا ينظر لها وبدا منفصلا عما حوله في أفكار خاصة به هو .. إلى أن أطرقت مصفرة الوجه ليعثر على صوته بعد فترة صمت قاتل للأعصاب " أحلام .. العملية .. هذه خطر .. قد .. قد .. "


خرس من جديد لا يجد تتمة يعبر بها بمراعاة عما أراد إبلاغه فوجهت وجهها المرهق إليه مجيبة بمرارة غلفتها باللامبالاة " أموت ؟ .. وما المشكلة إن مت "


احتبس لهاثه وازدادت دماء وجهه هروبا من مجرد تخيلها ميتة وسيكون هو المسؤول أمام نفسه إن حدث


فأغمض عينيه بوجع داخلي مضني ظهر على تعكر ملامحه بينما يسمعها تتابع بحسرة بها مس من خوف وكثير من الندم " أنا فقط تمنيت فرصة للتوبة .. تمنيت التوسل كي يسامحني الله على ما فعلته "


أحس بالحرقة تغزو عينيه فلم يفتحهما واستمر سكون طويل أنهته المساعدة بقولها الجاف " هيا انهضي معي "

حرر نظراته عندئذ لتنصب على مراقبة أحلام التي زاغت ملامحها واتسعت عيناها وكأنها في حضرة الموت نفسه ..


ورغم الانتفاضات العنيفة التي تضرب جسدها كزلازل متتالية لم تعاند وإنما استقامت ببطء وحجابها يقع عن رأسها كاشفا رقبتها ..

فبدت في عينيه كشاه مربوط يستعد لذبح عاجل ..


وقف تاج فورا يدنو منها بتلقائية حتى أوقفته يد المساعدة آمرة بحزم " حضرتك ستنتظر هنا "


التفتت أحلام بسرعة إليه مبهوتة تناشده دون وعي ألا يتركها حتى جذبتها المساعدة تبتعد بها فلم تقاومها لتدخلان إلى غرفة بآخر الرواق والتي بداخلها الطبيب الذي وافق أمام المقابل المادي المغري أن يخاطر بالقيام بعملية الإجهاض بنفسه بشكل سري ..


ما أن اختفت حتى عجزت ساقاه عن التحمل أكثر فارتمى ساقطا على الكرسي يرمق الرواق الخالي بعينين متقلقلتين باضطراب ..


أطرق تاج يبصر الأرض المصقولة ضائعا فهاجمته بقايا صور لها في ذاكرته .. شابة صغيرة في مقتبل عمرها يتيمة الأبوين فاقدة لطيب المشاعر ..

لم تأخذ من الحياة أكثر من مجرد فساتين بيتية اشتراها لها في اجازاته ..

تحوم من حوله بفضول أحرقها في النهاية ولغبائه كان شريكا عندما لم يلجمها بما يكفي


و ها هي الآن تتلقى من النظرات أحقرها ومن المعاملات أسوأها

المزيد من الانتهاكات والتعرض لأقسى معاملة والتي لا تليق بصغر سنها

بل والأفظع .. قد تخسر حياتها كلها بجسدها الهزيل هذا !


خرج من حلقه تأوه مكتوم وعيناه تذرفان دمعا شحيحا على استحياء وعقله يحاوطه بخيالات صعبة ..

لم يرها يوما إلا كابنته رغم أن الفارق العمري لا يصل لتلك الدرجة


فماذا لو كانت مياسة ابنته مكانها ذات يوم .. !


هب شيء في صدره لدرجة عذبته فثارت نظراته وتنفسه يحتشد بذعر من وضع مياسة في قالب كهذا فتواجه أمرا دنيئا وحدها دون أن يرسل لها الله معينا ينجدها من مصير شاق !


عندها لم يشعر بنفسه إلا وهو يثب تاركا كرسيه متوجها للغرفة المقصودة يقتحمها بعنف أفزع من بداخلها وأثار الصيحات المستهجنة التي تنهره عما يفعل ..


لكنه لم يعبأ إلا بمطالعة الممددة أمامه تبكي بفجعة وتنظر للطبيب متوسلة بصمت ..

فلم يفكر وهو يسحبها لتنهض بتلهف خارجا من المكان برمته وكأنما تلاحقه شياطين .. وقد كانت تمسك بيده بقوة كأنه الخلاص الوحيد لها دون أن تفكر حتى بارتداء حذائها أو تعديل حجاب رأسها ..


كانت فقط تهرب إلى مكان تدرك أنه سيكون آمنا بوجود السيد تاج



بعد قليل كان جالسا في سيارته وهي بجواره تراقب سكونه الممتد لساعة كاملة أسرفتها في الارتعاش تترصد القادم بين جهل وتخبط

حتى شعرت بالضغط من حولها يستفحل مبتلعا أعصابها ففتحت فمها تهمس بتلعثم باكٍ " لمَ .. خرجنا .. كنا س .. "

" شششش " أخرسها دون النظر إليها مردفا باختناق " لا أريد أن أسمع لكِ حِسا "


أومأت فورا برهبة تضع يدها على فمها بإذعان تام واستمرت في سكب دموعها غزيرة بينما هو أسند رأسه على المقود أمامه مغمغما بعجز " ماذا أفعل .. يا رب أرجوك ماذا أفعل "

فزاد بكائها إثر كلماته وزاده بكائها حصارا عصيبا !


........................


خرج تاج من غمرة الشرود البعيد يطالع الشارع من النافذة الصغيرة بالشقة البسيطة التي استأجرها باسم واحد من العاملين لديه حريصا على الابتعاد عن أعين المنصوري ..


كان يبدو وكأنه أكبر من عمره الفعلي بظهره المحني وذقنه النامية وملابسه التي غاب عنها هندامها


شهر كامل قد مر مشحونا بأحداث غيرت حياته وغيرته هو نفسه ربما

شهر كامل عندما قرر السير وراء ضميره المعذب الذي أملى عليه ضرورة حفظ الفتاة اليتيمة أولا ولتذهب رغبته في لم شمل أسرته والرجوع لحياته الطبيعية للجحيم !


شهر عاد فيه لعالية وابنته وقد أعطاها رده بعد تردد طال كاد أن يرجعه عن قراره الصعب ..

قراره بقبول الطلاق !


لا زال يتذكر الاتساع الغائر الذي ضرب عينيها عميقا كرد فعل فوري ..

سكونها الخالي من المشاعر حد التجمد ..

شحوبها المستشري لأنحاء تعابيرها ..

ثم الأطياف السوداء بلون الشر والتوعد التي احتلت مقلتيها ناهية جمال رونقهما الذي كان ..


إلى أن عادت واستكانت بدكنة مليئة بالازدراء والغل قبل أن تمنحه إجابة غاية في الهدوء بعد دقائق مرت متوانية .. فاكتفت أن تومئ له مبتسمة بكبرياء وتستقيم بأناقة تطالبه بالرحيل


لقد طلق تاج عالية ومنحها مياسة بالرضا وتنازل لها عن معظم ما يملك مدركا أنه لو تنازل عن روحه ذاتها فلن يكون كافيا أمام فعلته بها


من يصدق !

بعد كل هذا الحب وسنوات العشرة وطفلتهما المعجزة !

بعد أن كانت مجرد حلم جميل شديد البعد لموظف متواضع مثله .. فحدث أن ابتسم له قدره وهبط ذاك الحلم إليه معانقا إياه بنفسه .. !


نظرة مياسة وحدها وهي ترحل مع والدتها كفيلة لترديه وجعا وحرمانا

نظرة تمزج بين رقة الدموع المحتجزة وقسوة الاتهام الذي وجهته له بصمت وإدانة !


" لماذا حدث هذا .. لماذا " همس تاج يعتصر قلبه في خسارة فادحة و نهاية دمرت حياته ..


استجلبت أنظاره سيارة رجاله التي ركنت أمام العقار وخرج منها ما ينتظره ..


فأغمض تاج عينيه بقلب خافق بعنف بين هول رافض وشعور ذنب يشجعه لإتمام ما بدأ ..

خرج من شروده على طرقات فوق بابه بعد لحظات اتبعها دخول عامل أمين لديه قائلا بتهذيب " المأذون وصل ومن معه يا سيدي وهم بانتظارك "


أحنى تاج رأسه يشير له ليرحل متشنج الجسد وكأنه يعاني مرضا مستعصيا بينما أطراف يده تمسد على خاتم زواجه الفضي الذي لم يخلعه بعد متحسسا نقش عالية فوقه ..


فتكالب عليه الاختناق حتى كاد أن يفر بنفسه ضاربا بكل مبادئه عرض الحائط ..


لكن ضميره لم يكن ليفلته يغدر بأحلام .. رغم خسة غدرها به !

هكذا خلقه الله .. يقدم الاحتواء والتفهم
ل

درجة اكتسحت فأفنته !

....................

كان جالسا على كرسيه العريض يسند رأسه للخلف مطالعا سواد السقف في الغرفة التي يعمها الظلام إلا من شعاع نور واهن قادم من مصباح صغير فوق مكتبه ..


كان لا زال قابعا بين رفات الماضي .. حيث ركام أفكاره المتناحرة بسكاكين مسننة بحقد وغيرة


دهمة مقلتيه تعكس سخمة قلبه المغلول وهو يتصارع مع سؤال واحد لم يجد له إجابة مهما بحث لسنوات بلا توقف

سؤال كاره مصدوم ..

كيف !

سامحته رغم الطلاق و زواجه عليها .. فقط كيف !


والآن يكتشف أن له ابنة تحمل اسمه .. أي يعلم بها بالفعل وأخفاها عن الأعين بقصد !


كانت أصابعه لا زالت تعبث متحسسة شاشة الهاتف في يده رغم أنه كف عن التطلع في وجهها محاولا الاستيعاب

كيف استطاع كل تلك السنين أن يخفها حتى بعد رحيله ظلت مخفية

كيف استطاع حمايتها حتى في غيابه !


نكس نادر رأسه ببطء فعادت تسقط على وجهها أمامه ..

كلما رآها انتفض قلبه مقهورا

وكأنها تتحداه بشبهها به وتسخر منه وتثبت له مدى رخصه في قلب حبيبته ببساطة

لقد علم الكثير عنها في حياتها البسيطة .. وأدرك جيدا إلى أي حد كانت آمنة مدللة !


سحب نادر نفسا عميقا زفره ببطء فيتحرر ساخنا كأنه دخان ناتج عن لهيب مؤذٍ ..


عقد حاجبيه ببغض والسؤال في رأسه يعاود التردد بصدى مفزع


والإجابة مفقودة ولكن ..

صاحبة الإجابة موجودة !

ترى هل تدرك صاحبة الأبراج المشيدة من الكبرياء والخيلاء تبعات نفاق حبيبها الذي قبلت به رغم إخلاله بالعهد ؟


ربما لو أخبرها شامتا سيمده ذلك لذة الانتصار المُسكرة كخمر حبها الذي أطاح بعقله !


هكذا ودون تفكير كان يحمل الهاتف يضغط فوق شاشته باستلقاء ومجرد الفكرة تمنحه انتشاءً مرضيا

سيبهج قلبه حتى وإن كانت قد علمت من مياسة أن لتاج ابنة ثانية


فإخبارها بنفسه سيكون له وقعا مختلفا ..


استمع بصبر فاتر للرنين الرتيب متجاهلا وثبات قلبه المتلهف بشوق ملتاع رغم العُمر الذي مر وارفا مخلفا بصمات الشيب على رأسه


منذ متى لم يسمع لها صوتا !


" مرحبا "

أتاه الصوت الملوكي الرخيم وقد أدرك أنها بالطبع لا تعلم هوية المتصل

صمت للحظات يجمع شتاته التي تناثرت بكلمة .. فكررت التحية بتعجب ليخرج صوته بزفرة حارة دون شعور متلفظا اسمها بتذوق خاص " عالية "


تخشبت على الجانب الآخر فوريا وملامحها تتكدر نفورا باعتياد كلما سمعت منه همسة أو رأته

حتى عادت اللا مبالاة تستقر فوق خلجاتها وهي تقول دون مراوغة ببرود تخفي دهشتها من اتصاله " ماذا تريد "

" إذن .. عرفتِ صوتي " قال متشدقا باستفزاز يتمسك بوهم في خيال مريض فمطت شفتيها تعيد لا تلتف لمغزى عبارته " ماذا تريد أو أغلقت الهاتف "


ناوشها بضحكة قميئة أعادت لها الانقباض فكادت أن تغلق المكالمة ناهية المهزلة إلا أنه قال يلهو متسليا بنبرة شامتة رغم غموضها " أردت الاطمئنان عليكِ بعد آخر الأخبار .. المؤسفة "


جذب اهتمامها أخيرا فصرفها عن رغبتها في إنهاء الحديث لتعقد حاجبيها بعدم فهم وتوجس لم تبرزه في برود طريقتها " أي أخبار .. قل ما عندك مباشرة فأنا لست متفرغة لك "


زم شفتيه لحظة بغيظ صرح بعده بما في جعبته من تشفٍ " مبارك .. الابنة الثانية الجديدة "


تسمرت عالية مكانها والبرودة تداهم أطرافها بحدة غافلتها فلم ترد مباشرة بينما يعاجلها بتتمة ساخرة " أم تراها لا تليق بلقب جديدة .. فعمرها من عمر طلاقك من حبيبك المخلص .. أ تذكرين تلك الفترة يا عالية "


أغمضت عالية عينيها وذكرى تلك الفترة توهنها بغزوها الوحشي فتدك حصونها لتضعفها للحظات تمكنت منها وهي وحدها تتمنى وجود مياسة جوارها توا ..


ليستكمل هجومه الضاري وقد رحل عن نبرته الاستهزاء والتشفي وبقى فقد قهره متجليا ولم تنجح السنون في وأده فصرخ حاقدا " قدمتِ الغفران له وكنتِ أكثر عنادا من منحي فرصة .. الآن دارت الأيام وتعرت أمامك حقيقته .. كونه مجرد بائس خائن وما الإخلاص إلا وهم في رأسك العنيد الذي لم يطاوعني عندما أتيت معتذرا متوسلا صفحة جديدة .. وحبه الأسطوري المزعوم ما كان إلا فقط سلم للصعود عبره .. لقد أخفى ابنته عنكِ في بيت خالها .. خوفا من خسارته للحياة الفخمة التي جربها معكِ .. رمى قطعة منه دون التطلع خلفه يا عالية فقط للمال .. تستحقين .. تستحقين وأكثر يا عالية "


كانت كل كلمة تخرج منه بمثابة طعنة غاشمة يصوبها إليها معصوب العينين بسواد قلبه .. فيرتج جسدها بقسوة بينما عيناها غشت وجنتيها بفيض دموع سخية حارة لو رآها لتفاقمت فيه الشماتة والسخرية ظنا منه أنها دموع صدمتها في حبيبها أو تأثرا بالخيانة المتصورة


ولم يكن ليدرك أنها دموع تحسر وذنب محبوس داخل قفص صدرها تضطر للتعامل معه كل يوم


هزت عالية رأسها المحني وقد حل وخم صمتٌ لم يقطعه إلا تسارع أنفاس نادر على الجانب الآخر وهو ينتظر رد فعل متراجع منها يداوي به بعضا من كرامته ورجولته المقتولة منذ زمن ..

يتلهف لاهثا لأي تلفظ نادم !


لتفتح فمها قائلة بثبات لا يشي بضعف حالتها " انتهيت ؟ "

ضيق عينيه مناورا بتفاخر " لدي الكثير لأقوله .. لكني أخشى عليكِ من الانهيار "


مال فمها المبلل بالدموع في تبسم مستخف بينما تسأل بصوت أجوف " ممن علمت تلك المعلومة "

رفع حاجبه قائلا لا يبالي بتشويه صورة ابنته أمام خالتها " لن تصدقي .. ليل ابنتي من منحتني طرف الخيط بوجودها .. لكني تأكدت بعد ذلك أكثر .. أي أنها معلومات لا غبار عليها "


عقدت عالية حاجبيها من تدخل ليل في شيء كهذا فتتسبب في ضرر لمياسة بنذالة ولؤم !


فشدها صوت نادر وهو يردف بصوت خافت يحمل عمقا مستميتا " لم يكن يستحق فرصته الثانية معك يا عالية .. هذه نهاية عنادك .. أن تكونين مجرد فرصة لرجل حقير مثله "


قاطعته ضحكتها الخاوية بينما دموعها أخذت تجف فوق وجهها الشاحب " مجددا .. مجددا يا نادر .. لا تيأس .. أم أنك تستمتع بإذلالك بالاستماع لنفس الكلمات "

بُهت وجهه وانتفخت أوداجه غضبا فانتفض لكنها لم تمنحه فرصة وهي تقفز من مكانها ثائرة بتجبر معجونة به " مجددا أمنحك ما يلزمك .. لا تقارن الثرى بالثريا .. فابنة تاج الثانية كنت أعلم بها من قبل ولادتها حتى .. واحذر ماذا أيضا .. أنا من ساعدت تاج لإخفائها عن حاقد مثلك "


صُدم بقولها يرتد رأسه للخلف لكنه هب معاندا بهتاف حاد غاضب مذهول " لا زلتِ تدافعين وترفضين الاعتراف بغدره بكِ .. لا زلتِ ترفضين الهزيمة أمامي يا عالية "

" لا أرى مهزوما غيرك يا نادر " قالتها واثقة يعلو حاجبها بكبر مفترس وتابعت " أعلم بوجود نورين وكانت لي اليد الكبرى في حمايتها .. وتابعتها كل يوم من حياتها .. حتى بعد وفاته ولحد هذه اللحظة "


لهث نادر غير مصدق أنها قد تتوله بتاج لدرجة حماية ابنة من صُلب خيانته لها ..

فقال مكابرا " كاذبة "

هزت رأسها ببأس من جديد تبلغه بتراخٍ أتقنت إظهاره " بل أحببته لتلك الدرجة .. لدرجة تجعلني أقبل بوجود ابنته إن أتت بها أختها لاعتني بها بنفسي .. هو تاج الحكيم يا نادر .. ليس أنت .. افهمها حبا بالله "


تحشرج الكلام في حلقه وقد استطاعت إيلامه بإصرار سلاحها البارد

عشقها بين ولا يمكن تغافله أكثر من ذلك ..


لم يقدر أحد على التسبب في كل هذا الأسى لقلبه وأن يطعمه كل تلك المرارة ويسقيه من براكين النار إلا عالية !


أغمض نادر عينيه مغتاظا باشتعال يكاد يجعله ينفجر متفتتا فأتمت صرعه للنهاية آمرة بتسلط " اسمع .. احذفني من رأسك يا نادر ولا تحاول العبث معي بما يخص الماضي .. فتاج لم يُخفي يوما عني شيئا وهو لا يشبهك مهما حاولت تشويهه بمثل ما تملك من تشوهات .. ومهما سعيت .. فكلامك عنه لن يزيدني إلا شوقا إليه وحبا فيه .. الآن انتهى لا تتصل بي مجددا " أنهت جملتها تغلق المكالمة في الحال دون ترقب لرد أو مماطلة في لغط لا تهواه


فتخلفه ورائها بدحر جديد وتترك حالها لبكاء وحدة واشتياق و .. ذنب

إنها بحاجة ماسة لوجود ابنتها !


.......................


اليوم التالي ..


من خلف مكتبها العريض كانت هي تستقر فوق كرسيها الجلدي المريح الذي تحركه بها يمينا ويسارا بتتابع رتيب وعيناها على الباب في تململ ..


دق الباب فاعتدلت في جلسة شامخة ثم أجلت حلقها تأذن للطارق بالدخول يحد الهدوء محياها فدلفت السكرتيرة تخبرها بوصول شخص آخر غير الذي تنتظره !


زمت ليل شفتيها تأذن له مستاءة فدخل موظف شاب وبعملية قدم ما تحتاج من أوراق طلبتها

رفعت ليل كفها تحيل دون كلامه متحدثة بجفاء " هذا الورق موجود على حاسوبي وقد راجعته بنفسي بالفعل .. أنا طلبت السيد أمير للمراجعة معه لا اكثر .. فأين هو "


ارتبك الموظف لا يدري ما يجب قوله أو تبريره فقد أمره أمير وهو ما عليه إلا التنفيذ

كتمت ليل زفرة حانقة تلوح له لينصرف بهدوء ملبيا بحيرة عائدا لعمله


أسندت ليل ظهرها للخلف ناظرة للباب بتفكير حتى همست ساخرة " ترفض اللقاء يا سيد أمير .. لنلعب إذن "


ابتسمت بتهازؤ قبل أن تقفز من مكانها راحلة عن مكتبها كله قاطعة المسافة القصيرة في الرواق بخطوات رشيقة تليق بأناقة هيئتها كسيدة أعمال صغيرة بمكانة عالية تحسن استغلالها


وصلت مكتب أمير تقضي المسافة دون إعطاء كلمة للسكرتيرة التي وثبت بتوتر تنادي محاولة إيقافها " سيدتي آآآ .. "

لم ترد ليل وإنما اقتحمت غرفته دون طرق أو استئذان مغلقة الباب ورائها بهدوء ..


رفع أمير عينيه من فوق حاسوبه متفاجئا في بادئ الأمر حتى احتلت القسوة مقلتيه ما أن رأى الماثلة أمامه بوقاحة تكلفه الكثير من ضبط النفس لتردعه عن دق عنقها


اقتربت منه بخطى بطيئة الوقع في تعمد مستفز حتى وقفت أمامه مستندة على المكتب قائلة بتمهل " لقد أرسلت لي موظفا .. مجددا "

رفع حاجبه يتراجع للخلف ببرود دون التنازل لها برد فأضافت بصفاقة " إن كنت ترفض العمل فتخلى عنه ببساطة .. أم أتيت لتلهو في الشركة "


افتر ثغرة عن بسمة قاسية قال بها " عجبا .. انظري لنفسك .. أصبحتِ سيدة أعمال حقا ! "

رفعت حاجبيها متكتفة باستعراض تقول دون اهتزاز " تربيتك "

مط شفتيه بامتعاض قال به " كنت أعلم بأني فاشل في التربية "


استفزها ببرودة وجهته التي عاد لها متماسكا بمرور الأيام فقالت مباشرة " إلى متى التهرب أمير "

هز رأسه واثقا يقول بغلظة " لا أتهرب .. فقط لا تلزمني رؤيتك

.. الموظفون يكفون للتعامل مع مبتدئة مثلك .. أفيقي يا ليل أنتِ تكلمين أمير الفارسي .. هل تظنين أني متفرغ لمناقشة الأعمال معك بنفسي "


رفعت حاجبيها وقد أعجبتها ثقته التي يشهرها بوجهها رغم علمها الواثق أنه محطما من الداخل فندت عنها ضحكة قصيرة تحفز لها بينما يشاهدها تنزلق ببطء مغري على الكرسي لتقول " انظر للثقة ! .. لمَ تراوغ يا أمير .. هل الاعتراف بالخسارة صعب عليك لتلك الدرجة "


ضغط على أسنانه حتى كاد أن يصدر صريرا قائلا بقرف " هل تحسبين دناءتك فوزا ؟ "

" وصلت لمبتغاي يا أمير وهذا هو نصري " بارزته تهز كتفها مستهترة فرد قاذفا نصرها في مكانه الصحيح مصمما " نصرك خداع "

أجادت اللعبة بدهاء فقالت بمكر دون تردد " خداعي مباح "


اشتدت خطوط وجهه وقد طفح كيل صموده أمامها فهتف مزمجرا " ماذا تريدين ليل "

لوحت تفرد كفيها تخبره ببراءة واضحة الزيف " لا شيء .. أتيت لعمل يا أمير .. وأريدك كرجل أعمال .. أما الخلافات فدعها جانبا لأنها تمحنك منظر ضعف لن يعجبك صدقني "


لهث بغضب جلي فنهضت واقفة وقد وصلت لمبتغاها باستفزازه عن قرب كما خططت ثم قالت بلطف خبيث " قلت ما لدي .. إن لم تكن تريد العمل معي وستتراجع أمامي فلا بأس .. لكن اترك المشروع بالكامل لي .. سلام سيد أمير "

مشت بعدها تغادر المكتب كما دخلته ببساطة وعلى فمها بسمة خبيثة .. استفزته بظهورها

القادم سيحتاج منها جرأة أكثر والمزيد من المناوشات الملتهبة !

فحب أمير المريض تجاهها لا زال حيا رغم توعكه .. وهذه تعتبر نقطة ربح في صفها !!


..........................


حملت انتصار كوب المشروب الساخن بين أناملها وتحركت تخرج لحماتها تضعه أمامها قائلة باهتمام " اشربي يا حاجة سيساعدك على تهدئة السعال "

أومأت أم سلطان تشكرها وتدعوها للجلوس قبل أن تبتسم ما أن نظرت لبطنها المنتفخ تقول ممسدة عليه بحنو " كيف حال الصغير "

بادلتها انتصار الابتسامة ترد " الحمد لله .. يتعبني قليلا " ثم مازحتها مضيفة " تصرين على إنه ولد .. إن كانت بنتا فستحزن من جدتها "

ارتشفت أم سلطان من المشروب الذهبي تقول بأمل " بإذن الله سيكون ولدا .. نحن نحتاج لولد مع البنتين وكذلك ليحمل اسم سلطان "

ربتت انتصار على بطنها قائلة باختصار " كل ما يأتي من الله خيرا "

جادلتها حماتها بتذمر " لماذا لحد الآن ترفضين الكشف عن نوع الجنين لا أفهم "

عقدت انتصار حاجبيها متكلمة ببساطة وهدوء " هكذا اتفقنا أنا وسلطان .. نحن لا ننتظر إلا طفلا بصحة جيدة أيا كان نوعه "

مطت حماتها فمها بغير رضا فحاولت انتصار تغيير الحديث فقالت " هل كلمتِ سلطان اليوم "

لوحت أم سلطان بثقة وفخر " وهل يمر يوم لا يكلمني فيه ولدي "

ابتسمت انتصار من جديد تقول بحلاوة " حفظك لنا الله يا حبيبتي "


ارتفع رنين هاتف انتصار فقفزت بتلهف لم تداريه تبحث عنه متمنية أن يكون سلطان


رغم أنه يكلمها بالفعل على الأقل مرتين في اليوم ولا ينام كلاهما إلا على صوت الآخر لكنها تود لو تحادثه طوال اليوم


حتى أنها ذات مرة غفت على مكالمة مرئية وعندما استيقظت بعد فترة مفزوعة باحثة عن الهاتف وجدت صورته لا زالت أمامها وهو منكفئ على عمل في شقته الخاصة بأوروبا وما أن تنبه لمناداتها المذهولة ضحك بخشونة قائلا أن شخيرها الأنثوي كان يؤنس وحشته وهو ساهر على حاسوبه


كم اشتاقت له ولكلماته وخشونة تعامله وغزله المريع

ضحكت انتصار ضحكة مائعة مكتومة بينما تتذكر اشتياقه المتبادل ووصفه لها متنهدا بحرارة أنها قطعة الزبدة المسالة ساخنة في عروقه !


حملت الهاتف ترفعه مسرعة فضربتها الخيبة وهي تقرأ اسم حازم .. عادت تبتسم وترد برقة مبادرة " كيف حالك حازم "

أجابها صوته المبتسم " بخير كيف حالك أنتِ "

تمتمت بالحمد فأكمل بتعجل " جلبت مريم من الروضة وأنا وصلت أسفل البيت افتحي لي البوابة "

ضاقت عيناها بدهشة تسأله " مريم فقط .. أين سلمى "

توقف وهلة بتفكير ثم قال بحيرة " قالت المشرفة أن والدتها أتت لأخذها لأن والدها مسافر وأنا بصراحة لم أعرف ما من المفترض فعله "


شهقت انتصار تغمغم مذعورة " يا إلهي .. هل تركت البنت .. ماذا سأقول لسلطان الآن "

زوى حازم حاجبيه بقلق يقول " ما المشكلة .. إنها أمها يا انتصار "

زفرت انتصار بحنق تفرك جبينها بتفكير سريع فقال حازم بملل " هلا فتحتِ البوابة واستلمتِ ابنتك فأنا لدي مواعيد مع المرضى وحلي أمورك العائلية بعيدا عني "

تأففت انتصار تسبه ثم قالت وهي تضغط على زر بجانب باب الشقة مخصص لفتح البوابة عن بعد " ادخلها وتعال معها "

فُتحت البوابة بالأسفل فدلف حازم مع مريم قائلا باقتضاب " لا .. أنا لدي عمل كما أخبرتك .. ربما لاحقا حبيبتي .. هل ستحتاجين لشيء آخر الآن .. هل ينقصك شيء أو ينقص بيتك "

شكرته انتصار ممتنة تنهي الحديث بينما هو بالأسفل يرتب شعر مريم التي رمقته في تبلد وعدم فهم بينما لا يتركها لتصعد !


كان هو يلاعبها بتعبير بشوش فوق محياه يخفي أسفله الشقاوة وهو يرفع ساعة معصمه ناظرا لها بمكر


الآن من المفترض أن تعود من جامعتها .. لم يرها منذ أن أتفق مع سلطان أن يؤجل موضوع زواجه منها حتى يعود من سفره


لكن سفره قد طال وهو قد اشتاق لها جدا .. لكنه لن ينقض عهده مع سلطان بالطبع !


إلا أنه انتظر بداية الدراسة ليستطيع التربص بعودتها من الجامعة ولم يقدر على المقاومة !


" هل توجد حشرات في شعري أم ماذا .. أنا أتحمم يوميا يا أكسجين .. ألن تتركني أصعد ؟ لقد جعت " قالت مريم وهي تبعد كفيه عنها بنزق

فقهقه من عبارتها يتندر على جوعها وقبل أن يتمادى في طول وقوفه الغريب انتبه لصوت البوابة من خلفه تُفتح يطل رأسها بشعرها الحريري المنساب وكتبها التي تصر على معانقتها بقوة رغم الحقيبة التي ترتديها

وكأنها مجرد درع تتخفى ورائه


رفعت عينيها وما أن سقطت عليه حتى شهقت قافزة خطوة غريزيا للوراء لدرجة أن ارتطمت بالبوابة من شدة التفاجؤ


لقد غاب لوقت ليس بقصير حتى أنها فكرت ربما جرحته برفضها له كزوج وقرر تلاشيها

وقد أراحها ذلك


هتفت مريم ضاحكة " مرحبا يا سارة .. هل اشتريتِ لي حلوى "

تنحنحت سارة وعدلت من وقفتها قائلة بارتباك تحاول ألا تتطلع فيه " نعم .. ممممم .. اشتريت لكِ "

ثم أخرجت من حقيبتها بعض الحلوى تمدها لها بيد مرتعشة فاختطفتها صارخة بحماس راكضة للأعلى بهرب جعل سارة تجفل


ضحك حازم فشعرت بسخونة تجتاحها وهي تتسمر مفكرة فقط بقرار واحد متهور

كلمة واحدة مستخفة أو أدنى غزل سخيف لا تقبله منه .. و ستشتمه في الحال !

" وداعا يا مريمية " هتف حازم لمريم التي صعدت تلوح قائلة " سلام يا خالووووو "


ستسبه إن كلمها ..

ستسبه .. ستسبه دون احترام لأي نسب أو فارق عمري

هكذا فكرت وتلقائيا يداها تكورت في قبضتين متحفزتين برد فعل غير مألوف منها خاصة مع اللمعة الحيوية الساطعة في عينيها


لينسكب دلو الثلج فوق رأسها وهو ما أن اختفت مريم كان يتراجع للبوابة دون حتى منحها نظرة عابرة قائلا بعبوس مقتضب " السلام عليكم "


ظلت ترنو للبوابة التي أغلقها هادئا بفم فاغر دهشةً بينما قبضتها أخذت تتراخي شاعرة برحيل الحرارة أمام برودة اكتست جسدها من شعور الحرج والذهول المستهجن !

لقد رحل دون اعارتها حتى نظرة واحدة أو سلام بسيط !!


.........................



رفعت نورين الهاتف لأذنها بملامح منغلقة صائحة بتذمر معاتب " هل تذكرتني لتوك أخيرا "

ضحكت مياسة على حنق كلماتها تخبرها " لقد شُغلت عنكِ مؤخرا أعلم ذلك "

تنهدت نورين بنزق قائلة " ما مشكلتك معي الفترة الماضية .. أصبحتِ قليل القدوم إلي "

أطرقت مياسة بوجوم ثم قالت باختصار " صدقيني انشغلت "

عضت نورين على شفتيها برقة ثم همست بتوتر " أمورك مع عمر ليست على ما يرام .. صحيح ؟ .. أنا أعلم بتوتر الأجواء بينكما "

أطبقت مياسة فكيها صامتة دون تعليق .. ليس لأن عمر أصبح يكثر من طردها حديثا

فهي كفيلة بالمراوغة والتعنت في الظهور ولم يكن ليحجمها


ولكن الأمر أصبح أكبر من ذلك !


إنه الوسواس !

حرب عليها أن تقرر خط السير فيها وأي اتجاه ستختار العبور إليه

لم تعد بقادرة على التحمل أكثر أو التواجد في البلاد لوقت أطول

ملت التواجد والعمل عن بُعد الذي لا يكفي نشاطها ولا حاجتها الدائمة لإثبات وجودها وحماية كيانها وما تملك ..

كما إنها قطعا قد قرفت من التحكم النسبي بحياتها من مجرد غريب مفروض عليها

والنقطة الأهم !


وجود نورين داخل عقدة شائكة للغاية وعلاقات غير مفهومة وبيئة صعبة كتلك وهي واقفة كأنها متفرجة على أختها تكتفي بتقديم الدعم عن طريق صناعة الطعام لها


" مياسة .. هل لا زلتِ معي ؟ " قالت نورين تجذبها متعجبة صمتها فردت مياسة بغموض بعد هنيهة سكون رغم قصرها كان التفكير فيها غائرا " سآتيكِ قريبا .. أما ما بيني وبين عمر فأنا سأتأكد من إنهائه بالشكل المناسب "


ابتلعت نورين ريقها وقد قُبض قلبها لسبب مبهم جهلت تفسيره .. فتقارب حاجبها في قلق لتعاود مياسة الابتسام وكأنها قرأت من ذبذبات سكوتها أفكارها المتشككة فقالت " عندما آتي سأقضي اليوم كاملا معك .. خاصة أننا لحد الآن لم نحتفل بنجاحك في الامتحانات السابقة .. ولم أمنحك هديتي "

ابتسمت نورين بتعثر تحاول أن تجلي ذهنها من سوء النوايا التي استشعرتها فقالت بتردد " طبعا .. أنتِ مدينة لي بهدية رائعة "

وافقتها مياسة بينما جزء من عقلها كان غائبا في سلك سبيل صحي سليم ..


عمر المنسي .. يا معضلة حياتي الباردة بتأجج نيرانك الهوجاء !


......................


اليوم التالي ..


" لا بأس .. في الموعد سأكون موجودا .. فهمنا اغلق الهاتف انجز " تحدث عمر بصوت ناعس وهو لتوه قد استيقظ من نوم متأخر يحك رأسه بعشوائية

رمى الهاتف ينهي المكالمة التي كانت تخص أحد الأعمال الحرة و التي يعمل بها منذ أن ترك وظيفته عند المنصوري ..


قرأ رسالة بجانب السرير تركتها نورين له تخبره أنها ذهبت الجامعة وتأمره ألا ينسى إفطاره اليوم أيضا


نهض عمر من السرير يتمطى متأوها ثم استقام يتوجه للحمام كي يستفيق مستقبلا يومه الجديد


خرج بعد قليل مجففا رأسه بسرعة بينما يسير ناحية الباب ليرى من الطارق

عندما فتح الباب ارتفع حاجباه متعجبا حيث لم يتوقع بزوغها من العدم أمامه


منذ بضع أيام لم يرها مطلقا وأشياء في نفسه تتأرجح بين الشيء ونقيضه

فبينما كان سعيدا معتقدا أنها تنسحب ببطء مدروس من حياة أخته للعودة لحياتها بأوروبا ، كان في نفس الوقت يحارب رغبة تلح عليه في رؤيتها


ما يحدث له مؤخرا أصبح يأخذ منعطف جلل لا يجب عليه حتى مجرد فك إبهامه وقراءته بوضوح


هناك أمور يجب أن تدفن في نفس يوم ميلادها !


" كيف حالك عمر " قالت تبتسم بلين ونعومة .. فعبس وجهه يميل براسه الرطب جانبا محاولا التأكد مما وصل مسامعه

هل قالت ( أومار ) حقا !

دون ان تحاول إخفاء ذلك بل بدت مسترخية لا تبالي بلكنتها المكسورة أو تحاول تصحيحها كما اعتاد منها


لم يرد لفترة لكن ابتسامتها لم تفتر حتى تكلم بغير ترحاب " نورين في الجامعة "

رفعت حاجبيها وهي تدلف للشقة أمامه تاركة حقيبتها قائلة " آه نعم .. أعلم أني أتيت مبكرا عن موعدي .. فكرت لو أعد لها بعض الطعام "


كاد أن يفغر فمه وهو لم يتوقع تبجح دخولها بينما أخبرها تقريبا أنه وحده بالبيت !

وما زاد غيظه إدراكه عودتها لارتداء نوعية ملابس لا يفضلها


تنهد عمر وهو يراها تغيب في المطبخ فهز رأسه لا يستوعب تلك المصيبة التي لا يقدر دفعها عن حياته حتى الآن ثم دخل لغرفته يغلقها بحدة متناولا هاتفه ليتصل بنورين كي تأتي بسرعة

فالسفاحة أتت وأوربيتها لا تجعلها تهتم بكونهما في البيت بمفردهما !


بعد وقت كان قد رضخ للجلوس على مضض بجوارها على الطاولة يتناول ما أعدته من شطائر وكوب شاي

الأمر حقا يدفعه للضحك أحيانا !


فهو فعليا جالس مع امرأة ظهرت في حياته منذ أشهر منصرمة مبعثرة أيامه باختلافها ..

ورغم المكانة والقوة والنفوذ الذين تملكهم وكل العنفوان والكبرياء

ها هي تجلس أمامه تراقبه يأكل مما أعدته له طواعية من إفطار

والأدهى !

كونه عمر المنسي يجلس بإذعان تام وتشوق مستتر ملتهما كل ما تقدمه كقط مسكين


ما الذي يحدث معك يا مجرم ؟


" ظننتك رحلتِ " قال عمر أخيرا يقطع السكون المشحون بينهما دون التطلع فيها فتكلمت " هل سأرحل هكذا دون قول سلام ! "

حول نظراته اللامعة إليها يقول بصوت أجش " هل ستهتمين بإلقاء السلام حينها "

ابتسمت بميل بدا لطيفا وهي تهمس بعد ثانيتين متأملة الجذوة المستقرة في عينيه عميقا " بيننا خبز وملح .. والكثير "


لا يعلم لمَ ابتسم ساخرا رغم وثبة خافق متقلقل ود لو يخرسه فقال مداريا يصطنع عدم اكتراثه " وهل أتيتِ اليوم لقول السلام لي اليوم "

" بل أتيتك لشيء آخر " قالت بهدوء وثبات انفعالي فعقد حاجبيه يجرها بالحديث " يعني أتيتِ لي بالفعل "

لم ترد فترك الطعام مردفا بعناية " أسمعك "


شبكت كفيها في بعضيهما تنظر لهم بإمعان وكأنها تتخذ قرارها الأخير والأهم

فأخذ يستشف ملامحها لتصده سدود الغموض المقامة فوق صفحة رائقة من الفتنة الحادة

حتى رغم هالات عينيها وكأنها لم تنم بشكل جيد الليلة السابقة


رفعت عسليتيها له بغتة ولا يعلم لماذا أحسها تعمدت خطف دقة منه


ثم فتحت فمها تقول بعزم مقروء في مقلتيها " عمر .. نحن اثنان راشدان أليس كذلك "

لم يعقب فأردفت " أعتقد بأن لدينا ما يكفي من نضج وعقل لاتخاذ القرارات الصائبة التي تصب في المصلحة النهائية صحيح "


لم تظهر أي تعابير على وجهه فرفع يده يحك بظاهرها ذقنه قائلا بتراخٍ " لا أحبذ المقدمات .. اخرجي ما في جعبتك "

اعتدلت في جلستها وهي ترمقه بعينين حادتين كصقر عنيد ثم قالت دفعة واحدة " عمر .. أنا بصفتي أخت كبرى لنورين أطلب منك .. بعد إذنك .. أن تطلقها "


ساد الصمت إثر جملتها الهادئة الغير مهتزة وقد منحته ما يلزم من وقت لإصدار رد فعل

والذي خرج على هيئة ضحكة خشنة خافتة انقطعت سريعا وهو يكرر بسخرية بنبرته الشعبية العتيدة " أنتِ بصفتك ماذا دون مؤاخذة ؟ "


احتكت ضروسها ببعض حتى كاد الشرر أن يخرج عنهم .. لكنها أبت التراجع وهي تشد عودها في جلسة واثقة قائلة " لست غبيا يا عمر حتى تصر على تعنتك في عدم الاعتراف بي كأخت .. بينما نورين نفسها قد اعترفت بإخوتنا "

سحب نفسا حادا حرره متعجلا يقول بعصبية " ماذا تريدين .. هاتي آخرك "

" سمعتني " قالت بأنفة دون معاودة الشرح واستكملت " نورين لا زالت أصغر من ان يتم ربطها برابط زواج عرفي يا عمر .. هي تستحق فرصة أفضل من هذه وأنت لا يمكنك إنكار مدى الظلم الواقع عليها "

تلاعبت على وتر وجعه فضم قبضته مصدرا فرقعة بأصابعه المستغيثة قائلا بجمود " ومن سيمنحها تلك الفرصة .. أنتِ ؟ "

" نعم " جابهت دون تردد فيجاريها بسؤال شرس المغزى " كيف ؟ "

قرأت خلجاته وتصلب عضلاته لكنه لم يثنيها عن القول الثابت " أنا أريد أخذ نورين معي يا عمر .. فرص دراستها أقوى وحياتها واستقلالها سيكون متاحا معي .. كما أني سأتنازل لها عن حقها في الميراث واكتبه باسمها لتبدأ حياة نظيفة بأرض أكثر ثباتا "


لهث عمر مع كل كلمة تخبره بها همس بنبرة غريبة وكأنه خائب الأمل " من البداية أتيتِ لهذا .. صحيح "

سكتت قليلا ثم أجابت بصدق " لن أنكر .. حد أني فكرت بمنح التسوية المناسبة لك وما تريده لتركها دون مشاكل .. أما لو أصريت فلدي من الحلول أشرسها .. لكن رؤيتي لعلاقتكما القوية ردعني عن كل هذا .. وحبك لنورين هو ما شجعني الآن للقدوم وإنهاء الأمر .. لقد طالت مدتي هنا يا عمر وتسبب هذا في بعض الخسارة لي بالعمل .. لذا من فضلك لننهي الأمر الآن بهدوء واعطني قرارك "


شملهما صمت أطول هذه المرة حتى دنا وجهه منها لحد غير مسبوق ثم قال بقسوة دون اهدار وقت أكثر " سأعطيكِ بهدوء إذن القرار المنتظر .. ارحلي مياسة .. فنورين مربوطة بي ليوم الدين "

زمت شفتيها وشعت من عينيها حدة غليظة جعلته يزداد تركيزا وتحديا لتقول " أنت تظلمها يا عمر .. أ تحبها لتلك الدرجة ؟ "


لفظ الحب منها كان غامضا لكنه لم يلتفت لفك التباسه أثناء رده " أكثر من أي شيء في الدنيا .. ومن يهدد رباطي بها يا مياسة لن يلوم إلا نفسه "


أومأت له بتفهم تهمس " هذا آخر قرار ؟ "

تراجع مستعيدا استرخاء هيئته خارجيا قائلا بترابط " نعم .. وما عندك اظهريه "

" أبدا .. أنا لا شيء لدي .. أنا سأسافر يا عمر .. فلن أجازف بخسارة علاقتي بنورين للأسف .. وسآتي زيارات مستمرة لها "


اقتربت هي هذه المرة منه مستكملة بشجن " تمنيت منك التفهم يا عمر ومنح نورين فرصة للخروج من هذه العقدة .. كانت تستحق ما هو أفضل .. أنت تدمر حياتها "

عقد حاجبيه ببطء وقلبه يطرق متخبطا .. بينما نظراتها كانت مسالمة جدا بشكل وديع .. لدرجة لا تشبهها !


فاستمر يطالع شموس عينيها الوهاجة فتغشي بصيرته وبصره لوهلة لينزلق تلقائيا بنظرة عابرة فضولية لشفتيها قبل أن يعاود الهبوط على سطح الشموس التي زادت تفجرا في شراسة لحظية سببت له التشوش


فقطب يراقبها تسبل أهدابها مبتسمة بأناقة حتى أنقذه دخول نورين تلقي التحية بمرح صرفه عن غرابة الأجواء للحظات

تنبهوا ثلاثتهم بعدها لجلبة قادمة من الشارع


نهضوا بفضول للشرفة يطالعون بصدمة أم شريف تولول في الشارع بينما زوجها واقف مرعوب يتحدث بالهاتف بشكل سريع صارخ


حتى وصل مسامعهم كلمات متناثرة من بعض الجيران بأن شريف ليلة الأمس قد قُبض عليه من الشرطة وهو يتعاطى المخدرات في مكان مشبوه !!


شهقت نورين متسعة العينين تتبادل مع عمر نظرات سريعة ثم التفت كلاهما لمياسة في آن واحد


والتي كانت تراقب بهدوء تام متكتفة قبل أن تهمس بتقاعس " آه .. هل كان مدمنا ؟ .. يا حرام ضاع مستقبل الشاب ! "


فغرت نورين فمها مصعوقة وقد علمت كأخيها أن مياسة وراء ما حدث ولم تقدر نورين على تحديد شعورها تجاه الأمر


بينما عمر قد انقبض قلبه متشككا وهو يسمعها تقول لنورين بينما تربت على كتفها تلهيها " هيا .. ادخلي لتنظيف نفسك كي تأكلين حبيبتي "

أومأت نورين بتوجس ثم تراجعت تدخل الشقة وهي لا زالت على نفس حالتها المصدومة


فتحركت مياسة تتبعها لتوقفها يد عمر وهو يتشبث بعضدها لتنظر لصلابة نظرته بينما يقول مشتدا " إلى أي درجة تتربصين لانتقامك .. وتستغلين نقاط الضعف "

رنت إليه لثوان عديدة دون ردود حتى همست له بشموخ " إلى أقصى درجة .. حد إهدار السنوات للوصول للغاية .. أومار "

سحبت ذراعها بعدها ليفلتها ببطء مأخوذا ..

يعشق المغامرات ..

ومياسة الحكيم أشد المغامرات خطورة وإغراءً !


..........................


اليوم التالي ..


ترجلت من السيارة ترتدي نظارتها السوداء التي أخفت بها هالات عينيها إثر سهاد زاد في الليالي الفائتة حددت فيها خط سير حربها


للأسف هي مضطرة .. ستتكهن النقاط المتاحة بمنتهى الحقارة !



دنت مياسة تقف قرب بوابة الجامعة تُلقي ساعتها بنظرة سريعة تتأكد من الوقت ..

رفعت وجهها تشاهد الطلاب الخارجين من البوابة مفتشة عن وجه أختها بينهم إلى أن ظهرت بجانب بعض الفتيات يتسامرن ويبدو على نورين ملامح الاستياء بينما تتناقش مع إحداهن ولغة جسدها تعبر عن عدم راحتها


تعجبت مياسة مما ترى حتى رفعت كفها تلوح لها للفت أنظارها فركضت لها نورين وكأنها سعدت بالفرصة للهرب من باقي المحادثة ..


استقبلتها مياسة تبتسم قبل أن تقول باستفسار " نوري ما بكِ .. تبدين غاضبة "

هزت نورين رأسها بلا معنى بغير إجابة فتقدمت باقي الفتيات منهن ترحبن بمياسة بتآلف وتملق

حتى تنحنحت التي كانت تكلمها نورين قائلة بنبرة غير مستساغة " هل أنتِ حقا أختها .. يعني أختها بالفعل أم كأختها ؟ "


رفعت مياسة حاجبيها بتعجب بينما تستمع لتأفف نورين الساخط فتحدثت مياسة بأناقتها الجذابة " نعم أنا بالفعل أختها الكبرى "

مطت البنت فمها وبدت غير راضية عن الإجابة القاطعة فتستفيض بشك " وأنتِ حقا سيدة أعمال في أوروبا ؟ "


تدخلت نورين وقد وصل السخط لذروته تهتف " إلهام .. ما مشكلتك هل هو تحقيق ؟ .. أيا كان ما تعمله هي فقط أختي .. ما تلك الأسئلة الغبية التي تصرين عليها "


رمقتها الفتاة بحقد لم تقدر على إضماره وكأنها تستكثر عليها ما تملك من حياة ظاهرة بين أختٍ مثل مياسة أو أخ كالشاب الرائع الذي يواظب على القدوم لها مدللا !

بينما نورين نفسها متفوقة وجميلة وتتهافت عليها نظرات الإعجاب والاصدقاء !!


كانت مياسة من أسفل نظاراتها تقرأ بحذاقة ما على صفحة الفتاة الصغيرة من انفعالات مفضوحة ساذجة ..

فمدت ذراعها تحيط كتفي أختها بإحكام وحماية ثم تستأذن من باقي صاحباتها مودعة تسحب نورين من بينهن بسكون غامض دون أدنى تعليق !


عندما وصلتا للبيت توجهت نورين للحمام تزيل عنها عناء اليوم السخيف .. فوقفت مياسة عند النافذة تنتظرها ولا زالت على نفس الواجهة الصلبة النائية بإلغاز معقد لا يصل أحد لقراره

رن هاتفها برسالة وصلتها فأخرجته متفحصة تقرا الكلمات من أمها بعينين اتسعتا في صدمة سمرتها لدقائق .. لا تصدق ما تخبرها به

ليل !!

لماذا !!


أحست به يدنو منها تسبقه رائحته فيقف جانبها مدخنا سيجارة لم يكترث هذه المرة بكرهها لرائحتها ..

قال بعد عدة أنفاس منها " ما بها نورين .. تبدو عصبية الحركات وهي تمشط شعرها .. هل حدث شيء ؟ "

أدارت وجهها له ببطء تتأمله برهة وجهها كصخر صلب ثم قالت دون تعبير " عادي .. ربما ضايقها أحد في الجامعة "

عقد حاجبيه ينفث دخانه ثم سأل بحمائية " ما قصدك ؟ .. من ضايقها "

رفعت حاجبا بنيا تمط شفتيها المكتنزتين قائلة بنبرة متلكئة " ماذا ؟ .. هل ستذهب للانتقام لها من الجامعة كهمجي "


أنهى باقي اللفافة يرميها محررا الدخان من الناحية الأخرى بعيدا عن وجهها قبل أن يعود لعينيها المنغلقتين بمعانيهما يرد " من يتكلم على الانتقام ؟ .. أم شريف منذ الأمس تركض وراء ابنها بعد أن ذهب في مصيبة ألبسها له أحدهم .. هل تعرفينه ؟ "


ببرود رمته بنظرة لا مبالاية تقول ردا على سؤاله الساخر " من ؟ .. الأحدهم ؟ .. عز المعرفة "

وجد نفسه يبتسم حتى تحولت إلى ضحكة أبرزت صف أسنانه بقهقهة عفوية فضاقت عيناها بتفحص مندهش مفكرة مرة أخرى بتيقظ ..

عمر المنسي - المجرم - يملك ضحكة طفولية !!!

كيف سيكون رد فعله إن علم بذلك ؟


عند تلك الخاطرة كانت تبتسم ببعض الغرابة حتى توقف عن الضحك مبهورا يتبادل معها نظرات بوجه مائل مسحور ..

أسبلت أهدابها متهربة عن ملاحقته الضارية لخطوطها تهمس بصوت خافت شديد الرقة " لماذا تنظر لي هكذا ؟ "

رمش بخفة ولا زال أسير دائرة الفتنة قائلا بصوت مبحوح " هكذا كيف ؟ "

أشرقت بعينيها من جديد تهدي بنيتيه أقداح عسلها مكررة " هكذا .. كما تنظر لي الآن يا ( أومار ) "


بدأ قلبه يهدر في دقات عاتية متنفسا ببعض الثقل بينما تبدو قبالته أكثر جمالا كلما زاد وجهها قربا ..

إلا أنه لم يرد بل استمر في التنقل بين ملامحها ناسيا كل شيء للحظات استباحها في غفلة ..


العينان .. الأنف .. والوجنتان

ثم الشفاه اللامعة !


زم فمه مُدبرا عنها برد فعل تلقائي يركز للحظة زائدة طالت فيرى مخارج الأحرف التي تركتها بأريحية لكسرتها الغربية مشوشة عليه بتعمد تهمس " هل يعجبك ما ترى ؟ "


لم يرتقب منها مثل هذه الكلمة !

بدت نشاز رغم طرب وقعها .. فخ ملون بنغمات زاهية خداعة للأسماع

تماما كتألق وجنتيها السارقتين للأعين


ترى إلى أي حد قد يكون خداها ناعمين كحرير و ورد ؟


" جدا .. يعجبني جدا .. كلك على بعضك تملين الرأس وتسطلينه " اعترف في زلة عابثة مدفوع بصراحة إجرام طباعه الغير مراوغة فعادت ترخي رموشها في خجل لم يتلون خداها بحمرته .. !


فقطب عمر محتارا بينما يسمعها تهمس له بصوت حوريات مغوي لأشد البحارة حنكة " هل تتغزل بي يا عمر ؟ "


مال رأسه بتمهل ثم همس لها بجرأة " نعم "

و أردف ماكرا " هل تحبين سماع الغزل يا مياسة "

ارتفعت زوايا فمها في ابتسامة خالية من المعاني وهي تجيب " مطلقا .. لا اشتريها بفلس واحد من أي رجل .. ولا تثير بي أي شعور "

عقد حاجبيه لا يقاطعها يتحين ختامها فاسترسلت تبصره بدهاء " لكنك لست كأي رجل "


لا .. العبارة ليست مريحة كي ينتفش به غروره فتمسك بصمت ذكي حتى ذُهل من بريق شرس ماج بأحداقها على حين غرة وهي تضيف بقسوة مباغتة " فالذي يتغزل بي الآن معترفا بجمالي .. يكون زوج أختي ! "


ارتد رأسه يفغر فمه مصفوعا بالجملة التي تلوت منها معدته برفض طبيعي فلم يستطع تداركها وهي تستكمل الخطة بضربة مؤلمة " عيناك تحبان ما تريان .. ملابسي تشعلك غيرة وترفض البنطال الضيق خشية أعين الناس عليّ .. بينما نظراتك أكثر تعريا من أن يتستر فيهما إعجابك الصريح بي أنا وبما أرتدي .. ترى كيف قد تكون نظرة الناس لواحد مثلك .. يا زوج أختي المحترم .. تجمع بين البنت وأختها "

هز رأسه وقد انتفخت عروق رقبته يلهث غاضبا ليغمغم بعدم فهم " ما الذي .. " قاطعته تردف دون هوادة " كلها مشاعر تصلني من اللحظة الأولى وهي الوحيدة التي أثارت فيّ الأحاسيس .. أحاسيس النفور والقرف .. أنت مقرف يا عمر .. وعلاقتك بأختي مقرفة تتلوى منها أمعائي كلما لمحت إعجابك بي ! "


" اخرسي .. اخرسي حالا " هتف بشراسة فتنفست بقوة وهي لا تروض وقد كانت منفعلة للنهاية وعيل صبرها من كل الأحداث التي لفت حياتها ولا تسيطر عليها " لمَ أخرس .. هل جرحت صورتك وشرفك العتيد .. تتشدق بحبك لأختي بينما عيناك وقحتان في تمعنهما بي .. أنت حقير .. حقير يا عمر كأي رجل من أمثالك "


" قلت اخرسي .. اخرسي ميااااااسة أو قسما أخرستك بطريقتي " هتف كمجنون وهو يدفعها للخلف يكاد ينسى نفسه من هول صعقته باتهامها الذي مس اعتداده بنفسه حتى قاطعهما الصوت المصدوم ملتاعا " ما الذي يحدث هنا .. عمر .. اتركها حالا ! "



انتهى الفصل
منتظرة الفوت والآراء الكتير عشان نتقابل قريب جدا بإذن الله 💖😍

Continue Reading

You'll Also Like

862K 42K 54
لستُ برجلٍ يُعاني من داء الكآبة.. لستُ أناني و لا سوداوي.. بل أنا في الحقيقة يا عزيزتي شيطانٌ تائب تراجع عندما لم يجد فيك مأخذا و أقبل عندما أبى في...
7.2M 355K 71
" سَــتَتركينَ الـدِراسة مِــن الــغدِ.. لَــقد سَـحبتُ مـلفاتكِ مِــن الـجامعةِ بـالفعل ..! " " مـالذي تَــهذي به..!؟ " " هــذا مــا لَـدي... لاتَ...
6.9K 122 10
بخطواتٍ عاشقة سارت على رمال قلبه، ونسيت أن الرمال تمحي الأثر✨❤️
363K 17.4K 30
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...