فجري أنت ، بقلم آلاء منير

Door AlaaMounir201

649K 22.8K 6.3K

ماذا يحدث عندما تتلاقى سمو المبادئ مع دنيا الرغبات ! عندما تضعك الحياة بين اختيارين أحلاهما علقم .. عندما تُخ... Meer

تواقيع الأبطال
المقدمة
الفجر الأول
الفجر الثاني
الفجر الثالث
الفجر الرابع
الفجر الخامس
الفجر السادس
الفجر السابع
الفجر الثامن
الفجر التاسع
الفجر العاشر
الفجر الحادي عشر
الفجر الثاني عشر
الفجر الثالث عشر
الفجر الرابع عشر
الفجر الخامس عشر
الفجر السادس عشر
عودة 💫
الفجر السابع عشر
الفجر الثامن عشر
الفجر التاسع عشر
تنويه 😍
الفجر العشرون
الفجر الواحد والعشرون
الفجر الثاني والعشرون
الفجر الثالث والعشرون
الفجر الرابع والعشرون
الفجر الخامس والعشرون
الفجر السادس والعشرون
الفجر السابع والعشرون
الفجر الثامن والعشرون
الفجر التاسع والعشرون
الفجر الثلاثون
الفجر الواحد و الثلاثون
الفجر الثاني و الثلاثون
الفجر الثالث و الثلاثون
الفجر الخامس و الثلاثون
الفجر السادس و الثلاثون
الفجر السابع و الثلاثون
الفجر الثامن و الثلاثون
الفجر التاسع و الثلاثون
الفجر الأربعون
الفجر الواحد و الأربعون
الفجر الثاني والأربعون
الفجر الثالث و الأربعون
تابع الفجر الثالث و الأربعون
الفجر الرابع و الأربعون
الفجر الخامس و الأربعون
الفجر السادس والأربعون
الفجر السابع و الأربعون
الفجر الثامن والأربعون
الفجر التاسع والأربعون
الفجر الخمسون
الفجر الواحد والخمسون
الفجر الثاني والخمسون
الفجر الثالث والخمسون
الفجر الرابع والخمسون
الفجر الخامس والخمسون
مهم 💖
وحشتوني 💖
الفصل السادس والخمسون
الفجر السابع والخمسون
الفجر الثامن والخمسون
الفجر التاسع والخمسون
الفجر الستون
الفجر الواحد والستون
الفجر الثاني والستون
الفجر الثالث والستون
الفجر الرابع والستون
الفجر الخامس والستون
الفجر السادس والستون
الفجر السابع والستون
الفجر الثامن والستون
الفجر التاسع والستون
الفجر السبعون
الفجر الواحد والسبعون
الفجر الثاني والسبعون
مهم جدا
الفجر الثالث والسبعون
الفجر الرابع والسبعون
الفجر الخامس والسبعون
الفجر السادس والسبعون
الفجر السابع والسبعون
الفجر الثامن والسبعون
الفجر التاسع والسبعون
الفجر الثمانون
الفجر الواحد والثمانون
الفجر الثاني والثمانون
الفجر الثالث والثمانون
الفجر الرابع والثمانون
الفجر الخامس والثمانون
الفجر السادس والثمانون
الفجر السابع والثمانون
الفجر الثامن والثمانون
عيد ميلاد 👑🎂
موعد عودة 💖
الفجر التاسع والثمانون ( والأخير )
ختام الفجر ضي

الفجر الرابع و الثلاثون

5.7K 207 37
Door AlaaMounir201


انا جيت بفصل جديد 🤫🙈
متنسوش الفوت 💖

......................

" هل ستظل قالبا وجهك "

الصوت المتجهم أيقظه من شروده فرفع نظراته الفارغة دون تعقيب ليكمل الآخر بعصبية مفرطة بينما يدنو جالسا قربه " طوال الاجتماع كنت شاردا في عالم آخر .. لم تتلفظ بنطق وإن كلمك أحدهم تبدو كأخرق لا تفهم قول الذي أمامك ويقيدك الخرس والارتباك .. كانت تلك مهزلة في حق مسيرتك التي تبدأ لتوها يا باشا "

تغضن جبينه فنأى بوجهه بلا رد أمام التوبيخ المحتد فزفر الثاني متمتما بكلمات حانقة قبل أن يتمالك أعصابه قائلا بدمج خبيث " بداية مبشرة لمكانة أمير آل فارسي ! "

عقد أمير حاجبيه يلتفت مطالعا إياه ولا زال ملتزما بصمته فهمس جده مزيدا بعناية " نعم لا زلت في بداية طريقك .. ولا زلت صغير سن .. ولكن مكانتك أضحت واضحة وتزداد كل يوم في الوسط كاملا فارضة نفسها بمجرد كنيتك .. لذا فكل كلمة وكل لفتة تصدر عنك .. فهي تحسب عليك للأبد "

لوح بكفيه مردفا بجدية " التشوش .. الاهتزاز .. قلة الثقة .. الارتباك عند خوض نقاش .. كلها أشياء ستُوصم بها مما يجعل أي منافس يستهين بك يا أمير .. وهذا لا يناسب رجلا أمهد لأن يكون وحش اقتصاد في المستقبل .. هل تفهمني ؟ "

أومأ أمير ببطء مطرقا بتشتت فتفاجأ بقبضة جده تشد وجهه بقسوة هاتفا بصرامة " لا تحني وجهك .. أمير الفارسي لم تعش من يُحني رأسه لأجلها .. حتى لو كانت أمه "

تعقدت ملامح أمير بتألم إثر ذكرى الأم المتنازلة ليزفر نفسا مرتجفا همس بعده بعذاب سؤاله " لماذا كرهتها دائما ؟ .. ربما .. لو لم تكرهها لما .. "

سكت وقد تبعثرت أحرفه البالية عن الدفاع الواهي فتابع عنه جده باستهزاء جارح متعمد " لما تركتك ! "

رجفة سارت بأطرافه سيطر عليها بصعوبة فتشنج أمام عينيّ جده عبد العظيم الذي أضاف بحنكة " أنا لم أكرهها يا أمير .. "

نظر له دون تصديق فعلي فقال الجد يزفر " كانت مجرد فتاة اختارها والدك لحبه لها .. وأنا لم أمانع حيث كانت تناسبه اجتماعيا ولم أهتم إلا براحة ولدي الوحيد بالفعل .. لكن ماذا قدمت هي بعد الزواج للعائلة وهي الكنة الوحيدة وسيدة البيت ! "

 

حصل على جل اهتمام حفيده الذي تحفز لما يقصه فاستكمل الجد بحنق " سحبته لها .. حتى أتى وقت لم أجد ابني الوحيد بجواري .. رآني مجرد شخص سيأخذه من بيته وأسرته وقد نجحت بضعفها أن تثير حميته فقط ليفعل لها ما تشاء كي ترتاح وتأمن ! .. فلفظني من مداره أنا أبوه ولفظ كل الجاه والسلطة لولا أني لم أشأ أن يهتز مكانه بين الناس فتركت له ما يؤمن به حياته ويزيد ورحلت في هدوء .. أمك كانت ولا زالت مجرد ضعيفة غبية "

وثب أمير مستقيما يجابه بحدة " لا تتكلم بالسوء عن أمي "

لم يهتز جده الذي قال بتريث " لكني لم أتكلم عنها بالسوء .. بل أعدد صفاتها يا أمير "

قدحت عيناه بشرر مستنفر فوقف عبد العظيم قبالته قائلا بتصميم حاد " لو كانت امرأة قوية لما جعلته يترك كل شيء حتى والده فقط لأنها تخاف من الأوهام وتعتقدني مصدر ألم لها .. لو كانت امرأة بحق لوثقت بنفسها وبمكانتها كفاية لتشد على يده وتحافظ على عزه وقوته وتكون معه بكل خطوة يخطوها داعمة "

توتر جسد أمير فأكمل جده متهكما " أو لمَ نبتعد للماضي .. دعنا في الحاضر .. لو كانت قوية كفاية لما تركتك الآن وذهبت مستبدلة إياك بغيرك متعللة بتغيرك عليها ! .. أتساءل إن كان والدك لم يستمع لها فهل كانت ستستمر معه ؟ "

شرد أمير وكأنه يفكر بتلك الاحتمالية المهينة فاقترب جده خطوة وأضاف بدهاء " هل قالت أنك تغيرت وعصيت .. لماذا لم تبقى معك لتردعك مرة واثنتان وألف كأي أم محبة إذن ؟ .. بل انظر لرد فعلها .. تركت لك البيت دون خشية بأن تلوث أركانه بالذنوب !!! .. تخلت لتبقى على أهوائك بدلا من البقاء مدافعة بشراسة عن ابنها الوحيد .. فيما كنت أنت تأبى ترك البيت والقدوم للعيش معي .. كي لا تبقى وحدها معتزا بها "

صرخ أمير فجأة يقاطعه بغير تحمل " كفى أرجوك "

" لا تقل كفى .. هذه حقيقة ترفض تصديقها .. أمك نبذتك " صرخ جده نافذ الصبر مستمرا بالكيل له دون هوادة فأغمض أمير عينيه متنفسًا بغضب والجد بدأ بالدوران من حوله بخطى ثقيلة كنبرته " ذكرني ما اسم ابن زوجها الصالح ؟ .. جميل ؟ .. آه أصيل ! "

" يكفي .. توقف يا جدي " صدح أمير معترضا من جديد وهو يكاد يتوسله فقط ليرحمه ويسكت .. فاستجاب الجد ساكنا ببرود متحدي جعل أمير ينتفض متوعدا يلوح بسبابته وعيناه تضطرمان بسوء النية " هذا الكلب الذي تزوجته وابنه لن ينعما في نفس البلد التي أعيش فيها .. أنا وهما والزمان بيننا طويل .. الحقير الذي يحسب نفسه رجل أعمال .. سأدمره بكل أعماله "

ابتسم الجد بمنتهى الهدوء وهو يومئ مهادنا يغمره الرضا " من حقك رد اعتبارك .. لكن بهدوء يا بني .. ولا تقلق فالغلبة لك يا أسد "

لهث أمير يديم النظر للفراغ بكمد وقهر يتخبط في أفكار جهنمية يهلك بها أعداءه ..

فأحاط جده وجهه يشجعه بتشديد " أنا أحبك يا ولدي .. أنا اكثر من يهتم لأمرك في كل الدنيا .. كل شيء أفعله يكون لك وحدك .. ومصلحتك عندي أولا وأخيرا .. كل ما أفعله وأبنيه لن يعود إلا لك فأنت سندي الوحيد .. لا أريدك ضعيفا .. فإياك أن تُكسر بامرأة .. واعلم جيدا بأنك إن انحنيت لواحدة مرة فستعتاد على الانحناء مكسورا طوال العمر .. هل تفهمني .. لا أحد يستحق إلا نفسك فقط يا أمير .. خاصة لو كانت أنثى .. إنهن أفاعي "

استمع له أمير بإنصات تام وهو متصلب نافر .. بينما يرتفع جرس الباب وتلبي فتحه الخادمة كان يقول خاضعا لفكر جده متشربا ببطء " نعم يا جدي .. فهمتك .. حاضر "

قال جده بميل ابتسامة خبيث بينما يصلهما صوت طرقات كعب تقترب بتؤدة أنثوية وخيلاء " الآن أنت بحاجة لفترة استرخاء تستعيد فيها ذهنك ونفسك يا أسد "

قطب أمير مستديرا لمصدر الصوت بعد فهم فيرى الأنثى الصاروخية الهيئة التي ابتسمت قائلة بدلال مشيرة بأصابعها " مرحبا يا وسيم "

" أهلا يا جميلة الجميلات " بادر الجد وهو يستقبلها بحفاوة مقبلا يدها فضحكت بعذوبة بينما تتقدم من أمير الذي فغر فمه بغباء يسمع جده يوضح مشيرا لها " إنها من إحدى معجباتك الكثيرات .. أصرت على مقابلتك ولم أقدر على حزنها "

غمزته الفتاة تشكره بميوعة قبل أن تستطيل لأمير تهديه قبلتين على خديه بحسية حارة جعلته يبتلع ريقه فيهمس لجده بزيغ واحتجاج ضعيف " ولكن .. هنا !! "

رفع عبد العظيم حاجبه متهكما من استمراره في احترام البيت حتى بعد رحيل أمه ..

فأطرق أمير بوجع خفي ثم تأمل حُسن الفتاة بتنبه أكبر يسمعها تخبره بشوق عارم " اشتقت للقائك يا وسيم "

عقد حاجبيه يرنو لملامحها ببؤس واضح لم تفهم له سببا ولم تهتم بالفهم .. حتى انحنى لثغرها يلثمه بقوة أجفلتها وفاجأت جده الذي ضربه على كتفه ضاحكا ينهره باستمتاع " حسنا يا وحش لا زلت هنا .. انتظر "

توقف أمير يرمقه بحرج لاهثا فربت جده على ذراعه يبتسم قائلا بثقة " خذ إجازة باقي الأسبوع .. وعندما تعد أريدك عارفا بما اخترته .. اتفقنا يا حفيدي "

أومأ أمير بسرعة وارتباك فأشار الجد للفتاة وهو يستعد للرحيل آمرا بمزاح " اهتمي برعايته "

اتسعت ابتسامتها دون إجابة فانحنى الجد على أذن حفيده متمتما " إياك أن تنسى ما أخبرتك به مسبقا من احتياطات .. لا تثق بها "

اتسعت عينا أمير متوترا وقد كان لا زال غرا في بداية طريق مجونه ..

فقهقه جده يغادرهما لتحتضن الفتاة أمير إليها بقوة وقد كانت تفوقه عمرا وخبرة ..

فتسحبه بحثا عن غرفته بالأعلى وقد خلى البيت له فعلا كي يتصرف فيه كيفما أراد خاضعا لتلاعب شيطانه بتغيب تام ..

 

ما أن اختفى حتى خرجت المسؤولة عن البيت خلفها إحدى الخادمات والأولى تقول ملتاعة بينما تقطع المسافة للدرج بسرعة " ما الذي يفعلونه بالولد .. أنا سأمنعه "

شهقت الخادمة الشابة تتشبث بها بذعر تنهاها " إلى أين يا أختي .. بالله عليكِ إن كانت أمه تركته فاقدة الأمل .. من تحسبين نفسك .. تجنبي شر عظيم باشا فهو رجل لا يتقي ربه "

توقفت المرأة بقلق وتوتر ترنو للغرفة برفض فسحبتها الأخرى بإصرار تعود بها للمطبخ حيث حدودهما تقول بلا مبالاة " ليفعل ما يشاءه .. أعانه الله على حرب نفسه .. هيا لننشغل بإعداد الطعام له .. سيحتاجه "

ثم أنهت كلامها بضحكة ساخرة

.............................

دخل عمر ليلا لغرفته رغم أن الوقت كان لا زال مبكرا على موعد نومه .. فهو بالكاد أدى صلاة العشاء وأتى رافضا تناول الطعام تاركا نورين المتعجبة لدروسها ..

 

جلس على سريره بتعابير وجهه المزمومة بعدم رضا وعيناه تموجان بالغضب الذي لا يجد مقدرة إقصائه عنه

نظر لهاتفه الساكن حانقا من طول خرسه ..

لقد اتصل عشرات المرات بفجر دون أن يصله ردا .. حتى أنه اضطر على مضض للذهاب مناديا عليه من بيته لتخرج له الخبيثة تخبره بعدم وجوده ..

فاكتفى بنظرة مزدرية كارهة وجهها لها قابلتها بحاجب مرفوع بقرف ثم دخلت تغلق الشرفة بعنف جعله يضغط على فكيه يكيل لها السباب واللعنات سريا ..

 

زفر كارها عجزه وقلبه لا ينفك عن الاجفال بين لحظة وأخرى بتوقع لأحداث سيئة .. خاصة ونورين تخبره اليوم عن رغبتها بزيارة أم فجر ..

فقد حلمت حلما سيئا بها وتحتاج للاطمئنان عليها ..

وللأسف .. نورين تتسم بإحساس عالٍ بكل ما هو قادم ..

وكم يتمنى فقط لو يخيب ظنها هذه المرة ..

 

نهض عمر يتأفف يخلع عنه ملابسه كي يبدلها لأخرى مريحة ..

سحب كنزة يرتديها فيقف أمام المرآة ساهيا متغضنا بكآبة .. حتى وقع بصره على العلامة الملونة في جانب ضلوعه اليسرى

زم عمر شفتيه غاضبا وهو يتحسس موضع الألم الطفيف هناك حتى همس من بين أسنانه مغتاظا " السفاحة .. ليست مياسة وإنما هراسة .. تبا لها تنتابني الرغبة في صفعها كلما رأيت وجهها القبيح بسبب وبدون سبب "

 

قبيح !

صوت ضاحك ضج بداخله ساخرا من مرادف الكلمة التي لا تنطبق على المذكورة ..

بينما أنامله لا زالت تتحسس موضع إصابته إثر غرز أصابعها الشرس وذاكرته تلكزه بلحظات متسارعة أوشكت السفاحة فيها أن تسقط متعرقلة .. فالتقطها كفارس مغوار شهم حال دون وقوعها في وهلة تشبثت به كأميرة رقيقة تطلب حماية ..

لكن الوهلة انقشعت سريعا ..

فلا هو فارس مغوار ولا هي أميرة رقيقة !

لذا انتصرت روح المجرم بأولوية الحضور .. فتحتفظ يداه بروعة وجودها للحظات برد فعل غريزي غير مقصود .. بينما تنفض هي عنها رداء الرقة وتردعه كفرس جامح يجيد الدفاع عن نفسه بكل قوة وبلا تردد .. !
 


زفر عمر بعبوس فوري نافضا رأسه بغية طرد أفكاره السخيفة هاتفا بنزق " باردة العينين ! .. "

 

تحرك بعدها عائدا لسريره يتمدد هناك بصمت يحاول إلهاء نفسه بأي شيء ..

 

ليعود ويفكر في لحظة مستقطعة ..

عيناها باردتا النظرة بشكل مناقض للأشعة المتألقة بعمق عسلها الذائب

 

تملك عينين كالشمس ..

تسطع فتخضع الجفون في حضرة توقدها مهابةً !!
 


شتم عمر بصوتٍ عالٍ عند تلك النقطة فيهب من رقدته متحركا للنافذة يسحب نفسا عميقا منعشا بنسائمه الباردة .. ثم يبدأ  بإجبار عقله على تغيير مساره قسرا ..

فيتجه لفجر معاودا التفكير بهم إن كان يعاود الاتصال به أم ماذا يفعل بالضبط !..
 


.....................

 

دخل البيت بصحبتها متمسكان بكفيّ بعضيهما بقوة ..

كان عابس المحيا يقدم خطوة ويتراجع أخرى لولا جذبها ليده متقدمة إياه كل لحظة تخاذل منه هازمة خوفهما سويًا لأجله ..

 

وصلا لباب الشقة يخرج المفتاح بيد مهتزة فأخطأ فتحه عدة مرات أشفقت فيها عليه ..

 

ابتسمت تمازحه علّها تخفف عنه وطأته " هل رأيت أم محمد جارتنا .. كادت عيناها أن تخرج من محاجرها وأنت تتملك يدي .. على الأغلب أبو محمد مقصر ! "

فتح الباب أخيرا وهو ينظر لها ضاحكا بحمق من بين همومه فرفعت يدها تمسد على ذراعه بحنو مشجع وهما يدلفان معًا ..

 

وقعا بنظراتهما على شروق الجالسة فوق أريكتها الخاصة ممسكة بالكنزة الصوفية التي كانت تغزلها لفجر ..

 

أغلقا الباب ولم ينتبها لارتجاف أصابعها المتحسسة للقطعة الغير مكتملة بذهول وكأنها تسأل الخيوط عن شيء مبهم لا يدركه عداها ..

 

" أمي " ناداها فجر بخفوت فلم ترفع وجهها ملبية ..

كتم تأوه الأسى بحلقه بينما يعتذر بذنب واضح على معالمه " أمي أنا أعتذر .. أقلقتك عليّ طوال اليوم "

ضغطت على الكنزة بشدة حتى تكورت داخل راحتيها إلى أن صوبت إليه وجهها المتشنج الموازي بشحوبه لبياض حجابها الملفوف ..

 

عقد فجر حاجبيه يعيد بقلق متوجس " أمي ! "

ارتجفت شفتاها فزمتهما ليلاحظ بإجفال اختفاء اللون عنهما وكأن الدماء انقطعت عنها .. حتى أنهت سكوتها بهمسة غريبة ثقيلة " فجر ! "

ود لو يدنو منها مطمئنا عليها .. لكن شيئا غامضا أبطلت من رغبته فتصلب بوقفته دونا عنه يراقبها تحول نظراتها ببطء إلى ليل المنكمشة بإحساس الوجل دون فهم وهمست على نحو مفاجئ بعد ثوان من التأمل المتلقلق " ما اسمك ! "

فغرت ليل شفتيها الجافتين تنظر لفجر الذي لم يرفع عينيه عن أمه فكررت شروق بنفس الصوت البعيد " ما اسمك ؟ "

 

دون استفسار عن سبب السؤال العجيب وجدت نفسها تجيب بطاعة " ليل .. "

 

عقدت شروق حاجبيها تصر " كاملا ؟ "

ازدردت ليل ريقها مكتشفة قسوة جفافه لتردف محتضنة نفسها " تعلمين .. ليل نادر المنصوري "

تفشى الشحوب في وجه شروق أكثر كمن تعاني من مرض عضال مفزعة قلب ابنها الذي هوى عند قدميه كما هوت المفاتيح من بين يديه فامتص السجاد صوتها ليعم المكان السكون التام ..

كسكون مقابر مخيفة !

 

استقامت شروق متحاملة على ضعف حالها تهمس من جديد " هل والداكِ ميتان ؟ "

لو في وقت آخر لكانت الإجابة حاضرة دون تردد وهي نعم ..

 

إلا أن نبرة ونظرة شروق كانتا كافيتين ليبتر سيف الخرس كل عبارة وهم اختلقوه مخداعين .. فشددت ليل من احتضان نفسها صامتة ملتصقة بالباب ، متمنية لو تختبئ بين ثغراته ..

 

همس فجر بصوت متوسل ومحياه يشحب بالتدريج في كل برهة تمر ببطء مميت " أمي ! "

رفت شروق بأجفانها فتنظر له قارئة صفحته المهترئة بصدمة كادت أن تترنح إثرها .. فتقول ببحة مختنقة برجاء أخير " كيف تزوجتها يا فجر "

 

أغمض فجر عينيه بقوة متهربا متعريا من كل ستر وقد أدرك الذي وقع ..

بينما رفعت ليل كفها لفمها تهز رأسها بلوعة ..

لقد كُشف الأمر بأسوأ الطرق ..

وها هما يراقبان بعجز شروق تُنحر بسكين الصدمة والجهل ..
 


" كلمني كيف تزوجتها " قالت من جديد بذهول متداعي وعيناه تفغران بتأمل موجع لتعابير ولدها الوحيد الذي نظر لها باعتذار قاتل يهمس " أنا آسف "

 

شهقت شهقة عنيفة آلمت صدره معها فتتمايل خطوة للوراء رافعة كفها لموضع قلبها الضارب بين ضلوعها بقسوة ..

 

نادى فجر مذعورا " أمي .. اسمعيني .. اسمعيني "

هزت رأسها نفيا بغير تصديق وهي تنقل نظراتها الخاوية لليل تتفحصها مليا باكتشاف مهلك لما توارى عنها طويلا حتى عاد ليسطع بحقيقة شوشت إبصارها للواقع فتكذبه بنكران ..
 


عادت بعينيها المحتقنتين لفجر ولا زال كفها فوق قلبها وكأنها تود لو تمسكه ساحقة إياه ليُكتم بينما تتمتم بصعقة " اشتريت قلبي ببيع نفسك !! "

هب خطوة بقبس ضعيف يهتف برعب " أمي .. اسمعيني .. "

" قل نعم أم لااااااا " صرخت شروق فجأة وكلها يرتجف وشحوبها في تزايد مقلق فيتصلب فجر أمامها يلهث ويهز رأسه بعذاب أن تكف عن النبش ..

 

إلا أنه لا بد من اعتراف مهين للنهاية ، ففتح فمه المتيبس يقر بخزي " نعم "

شهقت مجددا يرتد رأسها وكأنه أسقط فوق رأسها حجرا ثقيلا ..

 

بينما قلبها يخفق ويحتج معاقبا نفسه على ما تسبب به من خراب إثر علته الماضية ..

فتتعقد ملامحها لتؤكد على أذنيها بصدمة جاحظة العينين بهمس أقوى من الصراخ " محلل ! "

 

عاد ينتفض قاطعا المسافة القصيرة بينهما يهتف برجاء " أمي أمي .. أرجوك استمعي لي .. أنا .. "

 

أخرست كلماته فجأة بصفعة قوية مباغتة ..

لم يتلقى مثلها بعمره .. نزلت على قلبه قبل وجهه فسمرته محله محجما ..

شهقت ليل تفزع متقدمة منه " فجر ! "

 

" لا تلمسي ابنييييييي " صرخت شروق بجنون مفاجئ برقت منه عيناها كسماء يغزوها إعصار لف وعيها بزوبعته لتدفعها في صدرها بقوة نبعت من قهر أم ..

فتراجعت ليل بترنح هامسة تلقائيا برهبة " أمي ! "

هزت شروق رأسها بهستيريا نفضت حجابها عنها تهتف ملوحة بقبضة مضمومة " لا تقولي لي أمي .. أنا لست أمك .. لست أمك "

 

اختنق صدر ليل بالنبذ المباشر منها بينما هتف فجر " أمي أرجوكِ اسمعيني .. اهدئي حبا بالله "

 

لهثت شروق بقوة وجسدها يأبى الهدوء فيزداد ثورة وهياجًا وهي تهتف " محلل .. محلل يا فجر .. كيف استطعت .. كيف أمكنك "

بتخوف حقيقي قال فجر يتوسلها " أمي أرجوكِ اهدئي .. اخفضي صوتك بالله عليكِ "

اتسعت عيناها وصدرها يغلي بألف بركان ثائر فاضت جمراته على قلبها فتصيح بعذاب " أ تخاف الناس .. أ تخاف الناس ونسيت ربهم يا كلب "

 

أنهت عبارتها الشرسة بصفعة أعنف من الأولى تركت آثارها على وجهه فترتجف ليل هاتفة بدموع " أرجوكِ توقفي لا تفعلي أرجووووكِ "

 

استدارت لها شروق تخرسها بغلظة " أنتِ تخرسين .. تخرسين لا أسمع لكِ صوتا يا دخيلة "

 

زاد الألم في قلب ليل الذي انقبض حول نفسه فرفعت كفيها تخبئ بهما وجهها منفجرة في بكاء هلع ..

 

عادت شروق لفجر المتصنم بعلامات وجهه الحمراء فتمسك بتلابيبه تهزه بضعف بدأ يتسرب لها صارخة بكره أعمى " طلقها ! "

جحظت عينا فجر بصدمة من سرعة الطلب .. لا لم يكن طلبا

وإنما أمر ..

 

بينما انقطع بكاء ليل فجأة وهي ترفع وجهها بسرعة هاتفة دون تفكير " لا .. لااا "

كررت شروق بتسلط وشراسة و لا زالت تتشبث به بشدة فكانت مختلفة تماما عن نفسها الطيبة " طلقها .. طلقها حالا .. ارمِ اليميييين "

ارتجفت شفتا فجر وزاغت عيناه بينما تقبضت ليل تهز رأسها دون معنى مرتعبة وقلبها يطرق بقوة كأرنب مذعور ..

 

تواجه نظرات فجر إليها مترقبة القادم في حرب خاسرة فيها كفتها بكل تأكيد

فشروق لا تخسر حربا تسلحت فيها بحب فجر ..

 

نزل فجر بنظراته لأمه بصمت طال حتى قطعه بصوت ضعيف صدم الجميع وهو قبلهم " لن أفعل "

شهقت ليل تلتقط تنفسا ضعيفا مكتشفة انحسار الهواء عنها في وجل .. أما شروق فتراخت قبضتاها عن ملابس فجر تهمس بخور وضياع " ماذا قلت "

زم فجر شفتيه لبرهة ثم أعاد بصوت أكثر صلابة " قلت لن أفعل .. لن أطلقها يا أمي "

 

انزلقت بإعياء ولم تستطع ساقاها على المزيد من الدعم فتلقفها الكرسي من خلفها لتجلس عليه رافعة واجهها الذابل لابنها ..

 

فبديا متشابهين جدا ..

في عواصف أعينهما الغائمة بتعكر الوجع .. في لمعة السيول الوشيكة في المُقَل .. في زيغ النظرات المتأرجحة بين التوسل والخوف .. في التقاسيم المرتجفة والهزال الواضح ..

وفي احتقان الصدور بالأنفاس المكتومة ..

 كنسختين من جرح غائر لن يندمل بسهولة

 

شهقت فجأة كمن تقابل الموت وهي تراقب ليل من جديد برعشات متتالية غير مُحكمة هامسة بذهول وكأنها تذكرت للتو " لقد .. عاشرتها ! "

 

تشنج فجر حتى تألمت عضلاته بينما ارتجفت ليل بخزي ونفور وكأنها عارية أمامها ..
 


زادت شروق كلماتها بهذيان " عاشرتها وأنت محلل .. وأنا من دفعتكما .. كنت أمهد الطريق كل يوم وأقربكما أكثر .. عاشرتها .. يا ويلي .. يا ويلي "

بدأت بلطم وجهها بكفيها بعنف فانتفض فجر يمسك بيديها مانعا بتوسل " توقفي .. توقفي أرجوكِ "

هزت رأسها بقهر تزداد ولولة ودموعها تبدأ بشق الوديان فوق خديها هادمة كل السدود المشيدة وكأنها تستوعب بتتابع مُعذِب " عاشرتها .. يا ويلييييي .. يا ويلييييييييي "

 

" توقفي توقفيييي أتوسلك " صرخ فجر فتضاعفت فرط حركاتها بشكل سيء يؤذي جسدها الهزيل وهي تطالعه بغل وتبدأ بكيل الصفعات العشوائية له وهو أمامها ساكنا متقبلا مهانا للنهاية وليل خذلتها ساقاها فتنحدر القرفصاء تشهق وتبكي دافنة وجهها بين ركبتيها رافضة تلك الصورة المحتجز فيها فجر كرجل ذليل يُجلد ..

 

وشروق أخذت تكثر بهذيها بحرقة ووجهها عاد يحمر من اهتزازها العنيف بالنواح ولا زالت توجه له الضربات " أين أنت يا منير .. أين أنت من ابنك .. بمَ أضعنا شبابنا نحن .. ثمرتنا فسدت وفاحت رائحتها .. ليتني مت قبل بيعك .. ليتني مت قبل قهرك لي "

 

توسلها فجر يبكي " لا أرجوكِ .. لا تقولي هذا يا أمي .. أقبل قدميك كفى "

 

سقطت فجأة بقبضتها على عينه فتأوه وقد شعر بها تخترقها حتى تضررت ..

تسمرت أمه وهو يغطي عينه متوجعا فمدت يدها بسرعة ولهفة تبعد أصابعه مستكشفة ما اقترفته بذعر فيفتحها بصعوبة من بين دموعه وقد احمرت بشدة أصابتها هي ..

استمر صمتها للحظتين حتى شهقت في البكاء ناظرة له بخذلان وكسر اغتال قلبه تهمس له " بعت نفسك .. ليتك تركتني أموت .. كيف أسامحك .. وكيف أسامح نفسي .. ليت الله أخذني ولا أراك في تلك الصورة "

 

اهزت جسده ينتحب كالطفل ولم يجد إلا دفن وجهه فوق ساقيها متشبثا شاكيا لها عذاب السنين وقهر الرجال .. وهي تشد خصلاته بضعف تعاتبه مقهورة بصدمة عمرها تسأل وتكرر كيف أمكنه .. !

 

بينما ليل بقت مكانها كدخيلة فعلا .. ترى لوحة الحزن التي جمعتهما وهي خارجها .. وقد كانت السبب في رسمها بألوان قاتمة من البؤس والأنانية ..

 

تعود للتشنج بهمسة شروق المتوسلة " طلقها "

تكررها مرة وأخرى على ابنها الذي لف ذراعيه من حولها ولا زال يخفي وجهه في حضنها بينما يرد باختناق " لا أقدر .. لا أقدر "

رفعت شروق رأسها للأعلى تناجي بحرقة " يا ربييييي .. بماذا ابتليتنا .. رحمتك يا رب "

زاد فجر تمسكا بأمه خشية لفظها له خارج دفئها المستميت عليه .. خاصة وهي تبعده عنها بضعف فيهمس بذعر " أمي أرجوكِ "

لكنها أصرت في إبعاده عنها لا تطيق النظر في وجهه أو وجه ليل .. حتى استقامت وجسدها شبه يرتخي فتخشى السقوط لكنها تتحامل متحركة لغرفتها تهذر ويدها على قلبها " عوضي عليك يا رب .. رحمتك يا رحيم .. ليأخذني الله .. رحمتك يا رب "

 

" أمي " همس فجر وهو لا زال في جلسته على الأرض يراقب رحيلها عنه بكمد دون استطاعة منه على النهوض وقد خانته كل قوته ..

حتى أغلقت باب غرفتها على نفسها تتركه لجلد ذاته ..

 

زحفت ليل إليه هامسة بتعثر باكي " فجر "

نظر لها بحدة فجأة يهتف " أبوكِ فعلها "

تجاهلت الألم الذي هاجمها إثر نبرة الاتهام في صوته مدركة أنه يتلظى غير واعي بقوله ..

فاكتفت أن تنكس رأسها بينما أخبأ وجهه في الكرسي الذي كانت تجلس عليه المكلومة أمه .. منهارا

 

.....................

 

اليوم التالي ..

 

نزلت نورين من عند بيت أم فجر متجهمة بقلق .. لقد أتى اليوم وفورًا قررت الذهاب للزيارة كما انتوت ..

تفاجأت بعد طول دق جرس بفتح ليل الباب بوجه شاحب زائغ أقلقها وتعللت بسرعة أن أم فجر مع ابنها في زيارتها الدورية للطبيب وأخبرتها أنها بخير ..

دون دعوتها للدخول !

فتحرجت تسلم عليها وترحل ..

 

زفرت نورين تدلك جبهتها تدعو الله أن تكون أحوال المرأة الطيبة بخير ..

 

رفعت وجهها تفكر بما ستفعله الآن .. فاليوم لم يكن لديها محاضرات ويومها فارغ ..

رن هاتفها فنظرت له قبل أن تبتسم عفويا وهي ترد قائلة " مرحبا مياسة "

ردت مياسة بحبور " مرحبا صغيرتي كيف حالك "

أجابت نورين " بخير وأنتِ "

قالت مياسة " الحمد لله .. أين أنتِ .. ألم تقولي أنه لا جامعة لديكِ اليوم ؟ .. أتيت لكِ ولم أجد ردا "

وضحت نورين باعتذار " آه عفوا .. لقد ذهبت لجارتنا تدعى أم فجر للزيارة "

صمتت مياسة للحظة ثم استفسرت بغموض " وهل رأيتها "

أخبرتها نورين ببساطة " لا .. إنها مع ابنها في زيارة للطبيب "

 

أومأت مياسة على الطرف الآخر مدركة ما حدث .. لقد اتصلت بها ليل اليوم صباحا تبكي بقسوة وتقص عليها الأحداث المتلاحقة الأخيرة ..

وكم ودت مياسة لو تصرخ بالسباب لها ولزوجها الغبي !

لقد كانا لقمة سائغة للمنصوري بتخاذلهما المتردد في إخبار الأم ..

ونعم الخطط الحمقاء !

 

" أين ذهبتِ بعدما لم تجديني إذن ؟ " نبهها سؤال نورين فقالت " أنا عند بيت الجوهري .. لقد رأتني سارة بعد رحيلي من عندك فتعللت أني كنت قادمة لزيارتهم "

أومأت نورين تعض على شفتيها ثم همست " حسنا .. أنا سآتيك "

اتسعت عينا مياسة بفرح قائلة " جميل جدا .. سأنتظرك هيا "

ودعتها بعدها تعود لغرفة الضيوف حيث أم سلطان بجانبها كنتها انتصار والأولى تقول " أنهيتِ مكالمتك "

ابتسمت مياسة تخبرها " نعم .. كانت هامة "

دخلت سارة تضع أمامها ضيافتها فشكرتها مياسة بأناقة تزامنا مع رنين جرس الباب الذي لبت فتحه سارة .. بينما تقول أم سلطان " اليوم أنتِ في ضيافتنا لآخر النهار .. وسنتناول غدائنا دون انتظار لسلطان وحسن حتى "

ابتسمت مياسة بخفة مع دخول نورين التي هللت لوجودها أم سلطان وهي تحتضنها وتقبلها مرة بعد أخرى قائلة " ها .. جاءت على سيرة الطعام ستأكل معنا .. حماتك المستقبلية تحبك "

اتسعت ابتسامة نورين دون أن تلحظ تلجلج أم سلطان من غرابة العبارة الأخيرة ..

لكنها عادت تبتسم مستغلة عدم تركيز نورين التي تحركت تسلم على الباقيات وختمتها بمياسة التي أفسحت لها مكانا بجوارها فتجلس قربها نورين أمام عينيّ انتصار التي تترصد كل لفتة عنهما ..

 

وفكرت .. هل يلاحظ أحد غيرها ذلك الشبه بينهما .. رغم اختلاف ملامحهما لكن هناك شبه لا يمكن إغفاله يربطهما ..

حتى الحركات العفوية التي تصدر عنهما وكأنها جينيا فتقاسمتاها !

أم لأنها تدرك إخوتهما تتوهم ذلك !

 

زفرت بعدها وهي تنهض للمطبخ تعد مع سارة الغداء تاركة أم سلطان معهما في الثرثرة ..

 

وبعد وقت كنَّ يجلسن حول الطاولة في المطبخ بأريحية دون تكلف غرفة الطعام ..

تتوصى بهن أم سلطان تضع الطعام لكل واحدة بينما نورين تزم شفتيها تكتم ضحكة أغاظت مياسة بجانبها التي قالت بذعر " يكفي .. أين سأذهب بكل هذا .. تدمرت الحمية "

عبست أم سلطان تقول ملوحة وأساور يدها ترن " أي حمية .. ألا ترين نفسك .. المرأة يجب أن تكون كالبطة تملأ العين هكذا "

ضحكت نورين ببلاهة فضربتها مياسة في الخفاء بقدمها تحدجها بغيظ ..

 

التفتت أم سلطان بعدها لانتصار تضاعف الطعام أمامها توصيها بتشدق " كُلي أنتِ جيدا .. تحتاجين لغذاء مضاعف الآن "

تعجبت نورين ومياسة فابتسمت سارة توضح بفرح طفولي غامر " انتصار حامل "

انتفشت أم سلطان بخيلاء فخورة بابنها بينما صاحت نورين بسعادة " ما شاء الله ماذا ستسمينه "

ضحكت انتصار تقول " لم أحدد بصراحة .. كما لا زلت في بداية الحمل لا أعرف جنسه "

تكلمت مياسة تبتسم بلباقة " مبارك يا انتصار .. أتمنى أن يتربى في عزك وعز سلطان "

شكرتها انتصار بلطف فقالت أم سلطان وهي تشرع بالأكل " أنتِ يا مياسة لماذا لم تتزوجي .. ولا أقصد شيئا .. فأنا متأكدة أن آلاف الرجال يتمنون منكِ نظرة رضا "

قالت مياسة باختصار وهي تتلاعب بشوكتها " لم يحن الوقت البعد "

أومأت أم سلطان تدعو " رزقك الله بمن يصونك يا ابنتي "

 

حولت بعدها عينيها لنورين تقول عفويا وهي تزيد من الطعام أمامها " وأنتِ كيف حال المضروب أخيكِ "

عبست نورين تتذمر " لا تقولي عنه هكذا .. بعيد الشر "

ضحكن ببساطة غافلين عن لقب الأخ المتداول تلقائيا دون أن تشاركهن مياسة التي شردت مفكرة للحظات بتلك العلاقة الشائكة ..

 

رفعت نورين وجهها تشاهد سكون مياسة حتى قالت بعفوية " مياسة هل أنتِ بخير .. كلي ولو القليل حتى "

ابتسمت أم سلطان ترد نيابة عنها ممازحة " لأنها أوربية يا نورين على الأغلب لا تأكل إلا الأكلات الغريبة التي لا أعرف اسمها تلك "

افتر ثغر نورين تجيبها " بالعكس .. إنها قنبلة مطبخ لم تتذوقي الأرز المعمر منها ! "

 

لم تجفل انتصار التي ابتسمت بمكر بينما أم سلطان تسمرت قليلا كابنتها التي سألت بحماقة " هل طبخت لكِ المعمر من قبل "

صمتت نورين تنظر لمياسة التي استدركت بهدوء كي لا تحاصرها بما لا ترغب " ربما سمعتني أقول لسلطان ذات مرة "

 

أومأت أم سلطان ببطء فشردت نورين قليلا بطبقها حتى تركت معلقتها تقول فجأة " أنا لدي إعلان لكن "

التفتت مياسة بحدة التلهف مترقبة بينما تنبه لها الجميع فقالت نورين بثقة دون تراجع " مياسة تكون أختي "

عم السكون للحظات ومياسة تراقب ردود الأفعال الصامتة بحذر حتى ابتسمت أم سلطان تقول " إنها كالعسل والله .. وأنتِ يا نورين أخت لسارة وانتصار وابنة لنا جميعا "

 

ابتسمت نورين تشكرها بامتنان لكنها صححت بصبر " لم أقصد كأختي .. قلت أختي "

رمشت أم سلطان مرتين بغباء فهمست سارة بتوجس مضيقة عينيها " كيف هذا ؟ "

تبادلت نورين نظرات خاصة مع مياسة التي ابتسمت لها بحنان ودعم دون أن يمحى منها الذهول بقرار نورين المباغت في إعلان إخوتهما باعتراف واثق ..

قلبها انتعش بقوة وحب غامر وكأنها ابنتها لا أختها .. فقالت هي عنها دون أن تنهي تحالف النظرات العسلية بينهما " نعم .. هذا تأخرنا في إعلانه .. لكن نورين أختي فعلا "

قطعت التواصل على مضض تنظر لهن وأكملت " نورين تاج الحكيم أختي من ناحية الأب "

شهقت سارة مصعوقة تهتف " ماذااااا "

 

ضحكت نورين ووجهها يحمر بانفعال غريب تضخم منه قلبها ..

فهمست أم سلطان بعته " كيف !! "

هزت مياسة كتفيها وردت " الأمر مفاجئ .. لقد ظهرت كأخت لي لم أكن اعلم عنها .. سلطان أيضا يعرف وهو من ساعدني "

اتسعت عينا أم سلطان شاعرة بخيانة ابنها لها فصاحت لانتصار الصامتة " هل كنتِ تعرفين كزوجك "

نفت انتصار بتلاعب " كيف ساعرف أنا "

زمت أم سلطان فمها ثم نظرت لمياسة تأمر بنزق " هذه صدمة .. أخبريني كيف هذا "

ثم قرصت نورين التي صرخت ضاحكة وهي توبخها " تخفين عني .. حسابك معي سيكون عسيرا يا بنت "

 

......................

 

طرقتان على الباب دفعته ليأذن لصاحبها بهدوء " ادخل "

دخلت تقترب منه مراقبة جلسته خلف مكتبه قميصه محلول الأزرار العلوية يسند رأسه على قبضته المتمسكة بسيجارة مشتعلة يفوح منها الدخان مكونا غمامة رمادية فوق دماغة المنكبة على ورق يدون عليه شيء ما ..

 

رفع عينيه متوقفا عن الكتابة يقول " نعم يا منار "

زمت شفتيها تتوقف أمام مكتبه ثم قالت باقتضاب " الملف "

" آه " قال مستدركا يعتدل وأكمل " كان هنا "

قالها وهو يبدأ بالبحث العشوائي بين الأوراق المترامية بإهمال فوق مكتبه الكارثي الهيئة ..

لم يكن حسن يمتاز بالفوضوية مسبقا !

 

عبس يضع السيجارة في فمه كي يمسكها بينما يبحث عن الملف وهو يستقيم واقفا حتى عثر عليه فيبتسم كأنه نال جائزة وهتف " ها هو "

قال وقدمه لها عائدا لجلسته المتراخية يكمل ما كان يسجله ..

وجه لها نظراته من جديد يسأل متعجبا عدم رحيلها " هل هناك شيء بعد "

 

زفرت حانقة من حالاته المتأرجحة بين الاقتضاب والأريحية فقالت بفتور " أنت تدخن "

نظر لعقب السيجارة الشبه منتهية وقال بعدم فهم " يعني .. ليس بإسراف "

لم ترد وهي ترميه بامتعاضها فارتفع حاجباه وهو يضحك فاهما " آه .. لديك عقدة من الأمر صحيح "

ضرب على جبهته فجأة يقول بخبث " هل تدمرت مثاليتي أمامك جدا ! "

قطبت بعدم رضا لكنها سرعان ما تنازلت تبتسم أمام صبيانية هيئته العابثة الجديدة عليه ..

 

فاندفعت بجرأة تجذب من بين أصابعه السيجارة تسحقها في المِرمَدة ليتذمر صائحا " لم أنهها كاملة "

 

تحركت للنافذة العريضة في غرفته تفتحها على وسعها ثم تلتفت متكتفة قائلة بتوبيخ " السجائر مضرة بالصحة يا سيد حسن "

اتسعت عيناه وهو يلتفت لها بكرسيه هاتفا يصطنع الارتعاب " احلفي ؟ "

توقفت لوهلة ببلادة قبل أن تنفجر في الضحك أمامه فهز رأسه يمتعض منها ناهضا من مكانه يتمطى ثم قال بتثاؤب " أنتِ طيبة يا منار والله "

تحرك يستند على مكتبه ممسكا بعلبة السجائر بحثا عن أخرى فتقدمت منه تهتف بحنق ممسكة بالعلبة " توقف يا حسن "

اتسعت عيناه بدهشة خالصة وهو يراقبها فتقلصت أصابعها عن العلبة تعدل بفزع " توقف .. يا سيد حسن "

لم يرد فأكملت بنبرة لينة أكثر " من فضلك "

زفر يرمي العلبة على المكتب ثم قال " لا بأس .. ربما تضرك .. عودي لمكتبك "

عضت على شفتيها متصمنة فتأفف " ماذا هناك يا منار ؟ "

رفعت عينين متعاطفتين أجفلته بهما .. فقطب بحذر بينما تسأل " هل لي بسؤال "

ابتلع ريقه يجيب بخشونة " كثرت أسئلتك يا منار "

 

لم تعقب فورا على فظاظته حتى قالت " ما بك ؟ .. لماذا أشعر بك وكأنك تترنح بتشتت أضاعك عن نفسك "

تصلب قبالتها هنيهة قائلا يصطنع اللامبالاة بعدها " ما تلك التفاهة ! "

تأملت ملامحه التي تقسم أنها تتعذب أسفل قناع هدوئه فمدت كفيها تربت على يديه بأصابعها هامسة " اخبرني يا حسن "

سحب يده في الحال يزجرها " منار أنا .. أنا لا أحب التجاوز "

" ولكن " قالت بسرعة مشفقة عليه فقاطعهما فتح الباب العنيف اتبعه دخول سلطان الذي رمق مستنكرا وقفتها المتقاربة قبل أن تقفز منار خطوة للوراء ..

دفع الباب يغلقه بحدة ثم تخصر قائلا " كل هذا الوقت لأجل ملف بائس يا آنسة ! "

لم ترد منار بحرج فأكمل لها " صورة مألوفة .. لدرجة مثيرة للشك ! "

امتقع وجهها فشهقت هاتفة بعنفوان " سيد سلطان أنا لا أسمح لك "

دنا منها سلطان يزمجر بقسوة وجلافة " من أنتِ كي تسمحي أو لا "

" توقف " صدح صوت حسن وهو يقف أمامه ثم تابع بتشنج " لا تكلمها هكذا يا سلطان إنها بمكتبي "

كان سلطان عصبيا بشكل واضح بسبب ما يراه مؤخرا من أفعال مشينة لأخيه غير مفهومة الأسباب ..

 

تنفس يطبق فمه متحكما بنفسه بالقوة كي لا تقع فضيحة بين الأخين على مرأى الجميع ثم ولى وجهه لمنار من خلف كتف حسن آمرا " إلى مكتبك فورًا "

 

رفع حسن ذراعه جانبا يحيل دون تحركها قائلا بصلابة وتحدي نبع من العدم " بل تبقى .. أريدها في عمل "

ضيق سلطان عينيه مذهولا ثم كرر وهو لا زال ينظر إلى تحدي أخيه الأصغر " إلى مكتبك فورًا .. أو لا أرى وجهك في الشركة مجددا "

كادت أن تتحرك فهتف حسن بغضب " وأنا قلت تبقى يا سلطان "

استمر التحدي بين الأخين طويلا وقد تفجرت الغرفة بشحنات توتر وغضب مكتوم ..

حتى حول سلطان عينيه لمنار بنظرة لا تقبل تهاون فاضطربت ثم تنحنحت مستجيبة " بالإذن "

وخرجت ملبية أمر سلطان أمام حسن المصعوق الذي تهدل كتفاه برهة قبل أن يرنو لأخيه قائلا بذهول " من تحسب نفسك ! "

 

لم يرد سلطان المصدوم من تلك اللهجة الجديدة على حسن الذي أكمل بهذر غاضبا من كسر كلمته علانية ووجوده المضبب دائما " كيف تدخل غرفتي بمثل تلك الأريحية تأمر وتنهى على مزاجك .. وكأني لست مرئيا أمامك لا تحترم لي كلمة .. أنا مثلي مثلك هنا .. هل تفهم .. مثلي مثلك "

سقط ذراعا سلطان على جانبيه مبهوتا فأضاف حسن بمزيد من الهذيان وهو يشير للباب هاتفا " هذا الباب لا تدخله دون طرق .. هل تفهم يا سلطان "

من جديد لم يرد سلطان فوقف حسن يلهث بغليان فائر وسلطان ألجم نفسه بتذكير حاله عن وجودهما بالشركة ..

لا لن يسمح بوقوع فضائح في عمله ..

لذا ابتعد خطوة قال بهدوء " نتكلم في البيت يا حسن "

ثم استدار بهدوء مغادرا تاركا حسن يتنفس بعنف محتقن الوجه والصدر .. متوعدا

 

....................

 

" هذه قصة تصلح لعمل فيلم "

هتف حازم وهو يجلس على الكرسي العالي أمام حاجز المطبخ المفتوح على الصالة في شقة انتصار بالحي الشعبي ..

بينما انتصار تتحرك أمامه تصب له من الطعام الذي صنعته خصيصا لأجله وقالت " والله معك حق .. الأمر عجيب .. يعني بعد كل تلك السنوات تكون جارة شريكها ! "

 

مط حازم شفتيه وهو يحمل مريم على ساقه يطعمها بيده وقال " انظري إلى الصدفة ! "

سألت انتصار بتشكيك " هل تعتقدها صدفة ؟ "

هز كتفه قائلا دون اكتراث " لا شيء بعيد عن الله .. أو حتى ربما ليست صدفة لكنها تخص أصحابها ما خصني "

امتعضت انتصار قائلة بغيظ " ألا ينتابك الفضول ولو بقليل "

ضيق عينيه وأجاب " هذا الفضول يخصك أنتِ وأمثالك .. ارتقي يا ماما .. ما دخلي بالناس .. أنا أقصى فضولي يكون عما ستطبخينه لي "

لكزته في مرفقه حانقة فاستمر يأكل ويطعم مريم لتصيح انتصار " يكفيك إطعاما لها .. ستنفجر البنت على العام المقبل "

 

ضحكت مريم بسماجة كخالها الذي تحسس وجنتيها المتفختين وقال يصطنع الحسرة " أين الانفجار إنها فاقدة لوزنها يا قلب خالها "

أومأت مريم ببؤس تفتح فمها للمزيد باستقبال مرحب أغاظت به أمها ..

 

" صحيح متى ستذهبين لميادة " سأل حازم باهتمام فقالت مبتسمة " قريبا طبعا .. سعدت جدا بولادتها المتيسرة صباحا .. كم وددت لو ذهبت معها لكن النذلة هي وابتسام أختي أخفتا عني .. لكن حمدا لله على سلامتها أهم شيء "

 

ضحك حازم يتندر " حمدا لله خروج الطفل .. لقد ظننت أنه سيبقى بداخلها للأبد "

قهقهت انتصار فأكمل لها " طفل كالقمر ما شاء الله .. لكن فاتك لحظات قبل ولادتها وهي لا تكف الولولة بخوف وتوصي الجميع عن أشياء غريبة منها خفها البيتي .. وكأنها ذاهبة في معركة "

 

تعاطفت انتصار تقول " أنتم الرجال لا نأخذ منكم إلا السخرية "

لم يهتم قائلا " سنرى ولادتك القادمة بإذن الله ونتعاطف لا تقلقي .. المهم لا تجلبي لنا طفلا مشردا جديدا "

عبست مريم متشككة فابتسم يحشو فمها بالأكل بينما قالت انتصار " وأنت متى تتزوج .. أصبحت في الثلاثين "

دار بعينيه بملل وألهاها " ضعي طعام يا انتصار ابنتك نسفت الأخضر واليابس "

 

....................

 

كانت الساعات الأبطأ في كل عمره ..

جالس على الأرض يسند ظهره للسرير يضم ركبتيه إليه ناظرا أمامه للفراغ بغير معنى ..

وجهه الشاحب يقطعه علامات الصفعات التي لم يذق حرقتها حتى في طفولته ..

عينه المضروبة لا زالت تذرف الدمع مدرارا واحمراراها لا يخف رغم جفاف الأخرى ..

وصلابة النظرة في كلتيهما ..

 

شريط حياته يمر أمام عينيه مرات متسارعة ليعود فيتوقف أمام مأساة حياته ببطء يجلد ..

 

فُتح باب الغرفة تطل من خلفه ليل بوجهها المرهق بعد ساعات مضنية تقترب جالسة قربه وهمست بتحشرج " فجر .. ألن تنهض "

 

لم يرد تماما منذ الأمس ..

بعد أن انهار طويلا في البكاء كان يتصلب شيئا فشيئا حتى جفت دموعه وظل جالسا بصمت حتى انتقل للغرفة ومن وقتها وهو على نفس الحال ..

وشروق في الغرفتها مر الوقت عليها بين بكاء وهذيان وقراءة في القرآن ..

 

رفعت يدها تلمس ذراعه المتحجر هامسة برجاء متهدج " فجر كلمني أرجوك "

أيضا لم يرد فتعتذر كمذنبة وهي تحني رأسها على كتفه " أنا آسفة "

وإن توقعت منه الرد بتعاطف فلم تنل مبتغاها  ..

حتى يئست تنهض تاركة إياه جالسة وحدها منتظرة القادم الذي تجهله ..

 

مرت ساعة أخرى خرج عقبها من غرفته فتحفزت تهب هاتفة " فجر "

طالعها بلا تعبير ودون رد كان يتوجه لغرفة أمه ..

راقبت بأسى وقوفه المتردد وأصابعه المرتعشة بانعدام ثقة بينما يرفع يده لعتلة الباب ..

يفكر بقهر أنه أتى اليوم الذي يطرد فيه من جنة أمه ويخشى لو دلفها كشيطان غير مرغوب به ..

 

فتح الباب ببقايا شجاعة يرنو لجلسة أمه المتكومة على السرير تحتضن صورة قديمة تجمعها بزوجها وفجر طفلا فكاد أن يعود هو للبكاء ..

ضغطت بأصابعها على الإطار ما أن أحست بوجوده حتى قالت بصوت مبحوح دون النظر له " غادر غرفتي "

لم يستجب وإنما قطع خطوة يرجو " أمي اسمعيني "

كررت أمرها الواهن ببطء " غادر غرفتي "

" أمي " ناداها بألم فانتفضت تصرخ " غادر غرفتييييي "

أغمض عينيه وقال بتوسل " أرجوكِ اسمعيني "

أجابته ولا زالت تنأى بنظراتها " طلقها وسأسمعك "

 

هز رأسه معلقا كمشنوق في المنتصف بينما شحبت ليل من صوتها المصر فقال فجر " لم أعهدك قاسية "

ثارت تلتفت له عندها صارخة " وأنا لم أعهدك فاجرا "

ابتلع ريقه يخطو إليها أكثر وقال بألم " لم أكن يوما فاجرا .. ارحميني أتوسلك "

هزت رأسها بجنون قائلة " أرحمك أنا ! .. بل ارحمني أنت .. ارحمني وارحم كبري .. ارحم قلبي الذي عالجته لتعود فتكسره بغدرك ومجونك "

 

انتفض يعترض بقهر " أنا لست غادرا ولا ماجنا .. أنا مجرد عاجز يا أمي كاد أن يخسر أمه يوما لقلة حيلته "

" كنت تخسرني .. اخسرني ولا تخسر نفسك ودينك " قالت تحاججه بغضبه المستعر ..

هز رأسه بضياع فقالت مرة أخرى " وهل كسبتني الآن .. كيف أنظر أنا لنفسي وكيف أنظر لك .. لماذا .. لماذا تكسب دنياك بدينك "

صرخ يعترض قولها رافضا " أنا لم أكسب دنياي .. أين دنياي تلك .. لم أطلب يوما دنيا لنفسي حتى .. ماذا أفعل وكنت محشورا في الزاوية لا أملك ما ينقذك وأنتِ تذوين أمامي يا أمي "

لم تقنع تهز رأسها نفيا فانحنى أرضا أمام جلستها هامسا بتهدج ولهفة " لقد حاصرتني ظروفي .. ولم يرحمني أحد .. اخترت الصعب لأني خشيت فقدانك .. من لي في الدنيا غيرك .. نعم .. نعم اعترف أني أخطأت وأقسم بأني أريد التوبة عما اقترفته .. لم يكن بيدي شيء آخر يا أمي .. إما بيع نفسي أو بيعك "

 

من جديد استمرت أمه في هز رأسها فقال يشكوها بهذيان " أعترف بأن سلطان كاد أن يدينني .. لكن من أين لي بسد دين كهذا وأنا لا أملك إلا قوت يومي .. ماذا أفعل والدنيا لم تعد ترحم يا أمي .. تركض وأركض خلفها ولا أدركها "

مدت قبضتها الهزيلة تهزه بحرقة قائلة " لو تزحف على كفيك في الحلال أهون من ألف حرام .. بمَ تبرر أنت "

نظر لها ببعض التبلد المفاجئ يعقد حاجبيه قليلا من قولها وكأنه يفكرفيه .. حتى ضحك ضحكة قصيرة همس بعدها كمخبول " نعم .. لكن حتى الزحف لن يكفي فاتورة الكهرباء كل بداية شهر يا أمي "

نظرت لها مبهوتة من هذا القهر النابض في وجه شاب كالورد الذي انتهك طهره قسوة الحياة .. فضحك من جديد يردف بذهول " أنا أعمل فقط لأجل تأمين يوما بيومه .. أفيقي يا أمي .. إن لم ندفع الفواتير فستُقطع علينا سبل الحياة .. إن لم نشتري الأكل سنتلوى جوعا .. إن لم أجلب لكِ الدواء فستموتين مني "

هزت أمه رأسها قائلة بخذلان " هل هذا مبررك للحرام ! .. يا إلهي حسبتني أجدت التربية !! "

 

انتفض على قدميه أمامها يصرخ ملوحا " توقفي .. توقفي لا تنظري لي هكذا .. ليس عدلا ليس عدلا .. أنا لم أفعل إلا لكِ لأنه لو صار لكِ شيئا فكنت سأموت بعجزي .. ساكره نفسي وضعفي .. بعت نفسي لتأمنين بجانبي يا أمي .. ماذا أفعل .. ماذا أردت مني أن أفعل .. هل أقبل بالدين وكل شهر أطعمك خبزا ناشفا .. أرحميني .. أرحموني جميعا .. والله تعبت "

 

" اخرس .. اخرس " همست شروق تنظر له نافرة من أعذاره المقرفة التي لم ولن تتقبلها ثم تابعت " إن كان هكذا .. ورغبت التوبة .. فلماذا عاشرتها "

عاد فجر يطرق برأسه ثم جلس أرضا من جديد هامسا بهوان " أحببتها "

رفعت كفها لفمها تبكي وتهز رأسها بأسف فأردف بعار وقد أحس بالحب عارًا لأمثاله " أحببتها كقطعة من روحي .. أحبتتها وكلما أحببت أعطيت نفسي فداءً لهذا الحب .. فبعت نفسي مجددا ومجددا .. وضاعت مني التوبة وتكتفت بكِ يا أمي "

 

ثم أمسك بيدها يقبله هاتفا بجذوة احتلت حلقه " أقبل يدك سامحيني .. سامحيني يا أمي "

رغم وجع قلبها لم يقدر لسانها على منح السماح لتقول من بين نشيجها " طلقها .. طلقها أرجوك .. أنا من أتوسلك أن ترحمني "

رفع وجهه لها قائلا بكرب " لا أفرط في أنثى أحبها .. ليس لها غيري "

اشتعلت عيناها فجذبت يدها تصرخ " لها الله "

هز رأسه مرة أخرى بعجز فصاحت بحقد " أخرج من غرفتي إذن .. أخرج هيا .. اتركني عسى الله أن يأخذني ويرحمني منك "

ضاق به صدره وكأن أنفاس الكون لا تكفيه .. فوقف بطول محني يخرج من الغرفة بصمت يتركها تعود لبكائها الذي يقتات على صحتها بسرعة لم تهتم بها

 

.....................

 

فجر اليوم التالي ..

 

ضربت أم سلطان على فخذيها تستقيم من جلستها المتوترة هاتفة بقلق وصل لقمته " لا .. لن يحتمل قلبي أكثر .. افعل شيء يا سلطان .. أو والله نزلت أبحث عنه في الشوارع "

زفر سلطان الواقف بمنتصف الصالة ينظر للأرض مكفهرا صامتا فأعادت أمه بهتاف " لماذا أنت صامت .. انطق يا سلطان أين ولدي "

هب سلطان يصيح وقد عيل صبره " وماذا بيد سلطان ليفعل يا أمي .. حبا بالله اهدئي لا ينقصني "

 

لم تهدأ أو تستكين وهي تبدأ بالتحرك بلا هوادة في كل اتجاه تفرك كفيها معا تناجي الله " لتكن العواقب سليمة يا رب .. استرها "

توقفت فجأة تطلب من جديد من سارة المتوترة على الأريكة " اتصلي به مجددا يا سارة "

أومأت سارة ترفع الهاتف متصلة بحسن حتى طال الرنين وانقطع دون رد منه فهزت رأسها بخوف لتهتف أم سلطان " أين هذا الولد .. لقد طلع الصبح ولم يعد .. قلبي سيتوقف قلقا عليه "

تدخلت انتصار تربت عليها " وحدي الله .. سيكون بخير ليس صغيرا "

لم تعقب أم سلطان وهي تعاود الدعاء ..

 

لقد استيقظت للفجر وعندما دخلت الغرفة توقظ حسن للصلاة لم تجده ..

فاعتقدت ربما يكون بشقته ..

اتصلت به ولم يرد فزاد قلقها مما جعلها ترسل سارة إليه ..

وعندما اكتشفت سارة أنه ليس بالأعلى أدركت مذعورة أن حسن لم يعد للبيت أصلا ..

وسرعان ما اتصلت بسلطان الذي نزل لها مع انتصار القلقة ومن وقتها لم يعرفا كيف الوصول له ..

 

زفر سلطان يغمغم وهو يبحث بهاتفه " أنا سأتصل بصاحبيه "

قالت انتصار " ربما لا يعرفان مكانه ونقلقهما "

" لا يهم .. اتصل حتى لو نزلا معك من جديد معاودين البحث " قالت أمه فأومأ لها وقبل أن يكمل اتصاله كانوا يستمعون لصوت المفتاح يتبعه فتح الباب من ورائه يظهر حسن ..

 

تعالت الزُفَر يتنفسون الصعداء وهو يدخل قائلا باستغراب وتراخي " ما هذا التجمع خير ؟ "

ناظروه بصدمة لمدى هدوئه فقالت أم سلطان مبادرة بصوت متفاجئ " أين كنت يا حسن ؟ "

هز كتفيه يجيب ببساطة " كنت مع أصحاب قدامى لي "

تدخلت سارة تعاتبه " لماذا لم ترد على هاتفك "

عقد حاجبيه يفتش فيه قبل أن يقول بلا مبالاة " إنه على الوضع الصامت .. نسيت ذلك "

 

عم السكوت بينهم فتوتروا من سكون سلطان لتتنحنح انتصار قائلة " حسنا .. الحمد لله أنه بخير .. لترتاحي الآن يا حاجة "

لم يرد أحد مستجيبا خاصة وسلطان يتقدم من أخيه واقفا أمامه قائلا بخطورة " أي أصحاب كنت معهم للآن "

لم يجبه مباشرة بشيء من الاستفزاز ثم رد باقتضاب " لا تعرفهم "

أومأ سلطان وقال من جديد بصبر " وكم الساعة معك يا حسن "

لم يكترث حسن بالنظر في ساعته ووضع يديه بجيبيه " أنا لست صغيرا "

زاد من الضغط على سلطان ببروده فابتهلت انتصار بداخلها ألا يتطور الوضع .. سلطان لن يطول سكونه وهي خير من يدرك !

 

فتح سلطان فمه قائلا مباشرة " وهل الرجل يترك أمه قلقة عليه بهذا الشكل ؟ " قالها يشير ناحية أمه فصوب حسن نظراته لها ثم عاد لسلطان قائلا " هذا بيني وبين أمي .. اخرج أنت منها "

 

تعالت الشهقات فهتفت أم سلطان تنهره ممتقعة " حسن ! "

توترت انتصار تفكر لو تصعد لشقتها كي لا تسبب لحسن حرجا .. لكنها تخشى حصول سوء بينهما ..

 

ضيق سلطان عينيه وقد اشتدت بهما الدكنة تماما كما أظلم وجهه إثر كل إجابة رعناء ..

 

فيحسب نفسا يسيطر به على نفسه لكنه عاد يقطعه بما وصله .. فيرمي أخاه بنظرة غريبة حتى قال مصدوما " هل هذه رائحة حشيش ؟ "

" ماذا !! " صرخت أمه تلطم على وجنتها لكن حسن لم يهتز يقول بسأم " لا داعي للمبالغة أنا لا أشرب تلك الأشياء .. صديق معي كان يفعل والرائحة علقت فقط "

 

ابتلعت سارة ريقها الجاف فدنت منهما تقول بارتجاف وهي تشد حسن بقوة " حسنا .. أنت بحاجة للراحة .. تعال أصعد لشقتك "

اغتاظ حسن من فعلتها وقد كان متحفزا منذ ما حصل بالمكتب فصرخ يدفعها عنه " لا تتدخلي أنتِ "

تأوهت سارة مجفلة وهي تصطدم بكرسي ما ورائها آلم بضربته فخذها ..

 

فيقترب سلطان غاضبا يضربه بصدره " لا تعامل أختك هكذا "

التفت له حسن يصرخ بهياج " لا تتدخل أنت .. كم مرة سأقولها لك "

اتسعت عينا سلطان وقد فقد آخر تعقله فدفعه بعنف آمرا " اخرج من البيت يا حسن .. عد من حيث أتيت .. هيا "

 

تصلب حسن يلوح بوقاحة " ومن سيطردني من بيتي .. أنت ! "

" يا إلهي .. يا إلهي " هتفت أم سلطان مولولة فتحاول سارة تهدئتها بينما انتصار ركضت لزوجها تقول برجاء " كفى يا سلطان وحد ربك .. اتركه الآن .. لنصعد نحن لشقتنا "

قبل أن يرد سلطان كان حسن لا يتنازل عن ثورته المؤجلة فيعج كزلزال أتى مدمرا ما تبقى من عمار " هذا بيتي هل تفهم .. والمكتب هناك في شركتي .. هل تسمع ما أقوله .. تلك شركتي أنا وإياك معاودة التعامل معي وكأني شفاف بلا قرار ووجود .. أفق يا سلطان "

 

بدأت أم سلطان تبكي وهي تقترب منهما صارخة " يكفي .. يكفي يا حسن "

نظر لها حسن بعينين مضطربتين محمرتين بشدة وقال بشراسة مدافعا عما يراه حقه " لا لا يكفي .. ليعرف كل شخص حده في حياتي .. هذا البيت أن شاركت في بنائه رغم صغري .. أنا لي مكاني وليس لأنه الكبير سيتحكم بي هل تفهمون جميعا .. أنا أقدم هنا مثلي مثل الجميع وربما أكثر .. ولا أحد له من فضل عليّ "

 

استمر سلطان بصمت المراقبين  فهمس حسن متماديا بتخبطه المشوش ينهت " أفق يا سلطان .. عندما كنت أنت بأوربا مع أسرتك كنت أنا عمود البيت والعمل ولم نحتاج إليك يوما .. يكفيكم تسفيها لوجودي فقد قرفت منكم "

 

غطت سارة وجهها تبكي كأمها التي تشبث بملابس ولدها الأصغر تصرخ " اخرس .. اخرس يا حسن ماذا تقول .. اغلق فمك "

" لن أغلق فمي " صرخ حسن من جديد ثم انتفض ناحية سلطان يصرخ " ومن لم يعجبه .. فالباب يفوت سفينة .. يرحل عنا "

 

كان إخراسه سريعا دون إدراك لما حصل ..

حيث انتهى به الأمر مصفوعا بيد أخ كان أقرب لأب إليه ..

تجمدوا جميعا للحظات بصوت الصفعة العالية .. حتى سلطان تساءل بصدمة عما فعله من تهور أعمى دفعه إليه حسن برعونته ..

 

فتح حسن فمه يهمس مصعوقا " هل تضربني يا سلطان ! "

لطمت أم سلطان على وجهها فاندفعت سارة تتشبث بحسن الذي هب ناحية أخيه دون وعي .. تصرخ مفزوعة من هجوم على أخيهما

 

وبذهول طالعه سلطان وهو محاط بأمه وسارة المفزوعتين تتشبثان به وكأنهما .. تمنعانه !

بينما يشعر هو بيد زوجته ملتفة حول ذراعه بحزم توقفه عن المزيد .. فينفضها بقوة هاتفا بنبرة رغم قسوتها لم تخف فيها الصدمة " اتركاه .. اتركاه حالا "

رفع خضراويه لعمق عينيّ أخيه الأصغر الذي على الأغلب قرر ألا يحترم كونه الأصغر بكل تلك الهالة المتمردة العنيفة المحاط بها مكبلا ..

فأكمل سلطان صراخه بصوت جهوري أخاف النساء من حوله خاصة أمه التي انتفضت وهي لا زالت واقفة بينهما بهلع أم تراقب ولديها ينشقان " ماذا ستفعل يا حسن ؟ .. هل ستعارك أخيك الأكبر .. لقد كبرت كفاية لتهزمني إن أردت .. هيا أرني ماذا ستفعل "

 

" لاااااااا " رددت أمه باختناق تحتضن ابنها حسن اللاهث حائلة فقالت انتصار ممسكة بسلطان من جديد تشده بعيدا بقوة بدنية " كفى يا سلطان .. أمك ليست بخير "

 

تشنج سلطان مسمرا أمام نظرة أخيه التي شعرها تعود لعينيّ يتيم فقد أباه لتوه ..

فتمنى لو يندفع محتضنا إياه معتذرا محتويا .. لكن حسن سرعان ما نفض عنه النظرة كما نفض المتشبثتين به يتراجع خطوة قائلا بقهر " تبا لكم جميعا .. لا أحد منكم يستحق .. كرهت نفسي بينكم .. كرهتني وكرهتكم "

 

ثم سار يغادر المكان يصعد إلى شقته الخاصة على صراخ أمه المنادية باسمه باكية ..

فتتلقفها سارة وانتصار تسندانها لغرفتها وسارة تهتف ببكاء " طبيب .. اتصلي بطبيب "

وبقى سلطان واقف مكانه لا يعرف كيف انحدر الوضع فجأة ولم يستطع السيطرة عليه لأول مرة بحياته

 

....................

 

 دلف لغرفته جسده يهتز باضطرابات قاسية لم يعد يطيق عليها صبرا ..

رفع يديه يدلك وجهه فيحس بحرارة وجنته مستعيدا تلك اللحظة الصعبة التي أهين فيها أمام أهل البيت جميعا ..

لقد ضعفت نفسه وتهالكت ولا يعرف كيف السبيل للخروج ..

بداخله طاقة جبارة من الكره والنفور والغضب وانعدام الثقة ..

يود لو يجرح الجميع ويستفزهم علهم يحسون به ..

لم يراه أحد يوما فقد كان حسن السيرة ولم يعد عليه هذا إلا بالخراب والتجاهل ..

ربما لو آلمهم بتمرده وسخطه سيهابونه ..

 

ولكن لماذا يشعر أن هذا ليس طريقه ..

كلما جرح شخصا فهو يُجرح قبله ..

لا يحتمل نفسه وكلما كره أحد كره حاله أولا ..

هو فقط يريد الخروج من هذه الدوامة ..

ولا يعرف مساعدة نفسه ..

إنه بحاجة لمساعدة حقيقية وشخص يأخذ بيده في هذا الطريق المغروز بالشوك الذي يسلكه وحده ..

 

مشى يسحب هاتفه يبحث فيه عن أي معين .. أي أحد

فوقعت نظراته على اسم فجر ..

نعم .. فجر يعلم بما يعيشه ..

فجر يعلم بحبه لنورين وسيفهمه ..

 

اتصل به مدركا أنه سيكون مستيقظا فالصبح قد طلع ..

سيخبره أنه آسف وأنه بحاجة لإرشاد ..

سيقص عليه عذابه عندما يجلد نفسه كي يرتدع عن التفكير فيها ..

سيسأله إن كانت متزوجة حقا أم لا !

 

أيستمر بحبها أم تعد تلك خيانة !

أيحترم نفسه لحبه العفيف أم انتهت عفته بمجرد انتسابها زوجة لآخر ..

 

طال الرنين دون رد فأعاده مرة واثنتين يهمس بعينين دامعتين " رد .. رد يا فجر أرجوك .. لا تتركني في هذا وحدي "

انقطع الرنين بإغلاق الطرف الآخر للخط .. فعقد حسن حاجبيه يعاود الاتصال فتصله الرسالة المحفوظة بكون الهاتف مغلقا ..

 

نظر حسن للهاتف واجما بخواء وفتور ..

احتبس الهواء بداخله وهو يطرق حتى دون عتب على أحد !

جلس على السرير مبتئسا .. حالته تتدهور والبرودة تكثر ..

وكم يخشى لو يتجمد فيه الإحساس أبديا ..

ضغط على هاتفه بقوة .. ثم تلاعب به بضياع حتى رفعه لأذنه من جديد ويده الثانية تحيط رقبته متحسسا طوقا وهميا يقيده ..

 

" حسن " انتهى الرنين بالصوت المتلهف فلم يرد فكررت " حسن هل أنت بخير ؟ "

انعصرت ملامحه يشير بالنفي قائلا مختنقا " لا "

همست مرة أخرى بعطف " هل يمكنني مساعدتك ؟ "

أعاد نفس الإشارة بجهل هذه المرة يجيب " لا أعرف "

ابتسمت على الناحية الأخرى تنفض عنها النوم وقالت " لا بأس .. ستكون بخير "

تساءل بتهكم مرير " هل سأكون يا منار ! "

ذابت ملامحها بشفقة وأجابت " نعم .. لن أتركك حتى تكون بخير .. أعدك "

 

.......................

 

بعينين متحجرتين انزلق جالسا على الكرسي ينظر إلى اللامكان منصتا لما يُقص عليه بسكون مقبض ..

عندما انتهت الكلمات وجه نظراته للذي أمامه ثم فتح فمه قائلا بنبرة بغيضة " هل هذه أقصى شيء توصلت له يا نادر "

ابتسم نادر برضا تام طغى على عينيه فقال واثقا متنهدا براحة " هذا أفضل شيء .. أنت لم تشاهد وجه المرأة .. صدمتها وشحوبها عندما هددتها أن أنهي ولدها بطرفة عين .. وتلك المرأة مهمة جدا عنده .. أعرف هذا "

 

تكلم أمير من جديد بنفس الصوت متقبضا بكفيه " وماذا سنفعل معه هو "

تألقت عينا نادر بشيطانية يقول مستلذا " نربيه .. لكن الصبر "

 

الصبر !

وأين الصبر منه وقد فرغ كل مخزونه فبقى هو بحريقه لا يعلم كيف السبيل للاطفاء ..

 

نهض أمير دون كلمة وقال بتجبر ناهيا الحوار " نفذ من عندي يا نادر "

ثم غادره يركب سيارته التي يسير بها بلا هدف ..

الوجع ينبض فيه ولا يطيق بقائه في بيته ..

بعد صعقته بما وقع وانتهى .. عاد للبيت يحطم كل مكان بجناحه يطرد منه أشباحها .. فتعود وتنتصر ساخرة منه بقهقهات يتوهمها عقله المريض

 

فيصرخ بجنون وفزع وكأن الشياطين تلاحقه ..

حتى ليل فعلتها ..

ولكن هل له القدرة على إدانتها ..

لماذا يشعر بالقرف منها ..

فالأحرى به أن يشمئز من نفسه ..

لقد تركها لغيره .. أين كان عقله من تلك الفعلة وكيف آمن بحب ليل للنهاية

كيف وقد نبذته يوما من أنجبته فلماذا تتمسك امرأة مغدورة باسم الحب

أي حب !

الإناث لا يخضعهن حب !

قالها جده وتناساها وها هو يجني جزاء هفوته ..

 

حصل آخر على ما هو ملكه وهو مقيد خشية الفضيحة .. !

أي فضيحة تلك التي قد تمنعه عن تبريد ناره برؤيته يذل من سرق منه ما هو ملكه !!

لن يرحمه ..

يقسم بأنه لن يرحمه !

وسينتشي بصراخه جدا ..

 

اشتعلت عيناه بجحيم أزرق فوقف بشكل مباغت على قارعة الطريق يبحث بحركات جنونية عن موضع هاتفه ..

فيمسك به ضاربا فوقه بأصابعه حتى رفعه يستمع للرنين الرتيب مهتز الجسد مغلق العقل أعمى البصيرة ..

 

حتى وصله الرد الرجولي فقال آمرا مباشرة بسطوة يهابها الجميع " فجر منير الرمادي .. أريده حيا ولو كان يسكن تحت الأرض "

 

.....................

 

اليوم التالي ..

 

أمسك بهاتفه يقلب فيه يرى الكم الهائل من المكالمات والرسائل التي وصلته ولم تلقى منه ردا ..

فتح آخر رسالية صوتية من عمر يستمع لها بفتور والآخر يصيح بغضب

( أين أنت يا **** .. رد على هاتفك اللعين .. كلما أتيت لك تظهر لي وجه الخراب وتخبرني أنك لست هنا .. رد قبل أن أفقد عقلي متهجما على البيت غير مهتما بحرمته )

 

ترك الهاتف رغم توعدات صاحبه بلا جواب بينما جسده يتراخى فيسقط على سريره متكوما ..

لم يأكل أو ينم لدرجة أنهكته وامتصت كامل طاقته .. عيناه تحرقانه بشدة خاصة المصابة منها ..

فتنغلق أجفانه دونا عنه يغرق في نوم معذب مليء بكوابيس تفزعه بين ساعة وأخرى ..

ويختنق من تلك اليد التي أمسكت برأسه يحاول نفضها مصدرا صوتا ضعيفا مجروحا في حلقه ..

 

رفعت ليل كفها عنه وقد كانت تمسد على شعره علها تزيل عنه أحلامه السيئة ..

تنهدت وهي تتركه مغلقة الباب تطالع الباب الآخر في الناحية الأخرى من الشقة ..

 

اقتربت منه تضع أذنها فوقه مصغية ولم يصلها إلا أصوات مكتومة لبكاء شروق الذي لم ينضب بعد ..

 

رفعت أصابعها تمسد على الباب الأملس تتوسل صاحبته الرحمة بصمت ..

فيدفعها بعض الحنين وقليل من ثقتها بأمومة شروق لأن تدخل إليها ..

حاولت كثيرا وكل مرة تتخاذل بذعر من الطرد ..

 

هذه المرة حاولت أن تتسلح ببعض البسالة فتطرق بخفة دون أن يصلها صوت ..

سمت بالله ثم دخلت إليها هامسة بتردد " أمي "

تخشبت شروق متوقفة عن قراءة القرآن فتعيد ليل مستعطفة إياها " أمي شروق "

التفتت لها شروق ورغم الدموع لم تتنازل فشهقت ليل تجهش في البكاء قائلة " سامحيه أرجوك "

" اتركيه أولا " قالت شروق بنفس التسلط الذي يؤلم ليل .. فدنت تنحني أرضا تماما كما فعلها فجر من قبلها ..

 

وكأنهما يخضعان لملكتهما متوسمين عفوا وغفرانا ..

 

حتى قالت لها بذل " لم أكذب يوما .. أقسم أني يتيمة حتى وجدتك .. أنتِ لا تعرفين شيئا .. لا تعرفين كم استضعفوني وأذلوني يا أمي .. لا تجعليني يتيمة ثانية أرجوكِ "

 

ذابت عينا شروق بضعف فبكت ليل أكثر تهمس " ليس ذنبي أني وجدت أماني هنا .. وليس رحمة منكِ أن تُلقيني في النار مجددا "

رغم تأثر شروق الواضح لكن ملامحها لم تهتز .. حتى فتحت فمها وقالت " وليس ذنب فجر .. لا أقدر .. غادرينا .. اتركيه وارحلي "

هزت ليل وجهها لها مسترضية للنهاية فأبعدت شروق نفسها عنها لا تحتمل بيع ابنها لأجل أخرى .. حتى لو أحبتها

كفة ابنها تربح دون تردد ..

 

شعرت ليل بأنها حقا أغلقت كل باب في وجهها ولن تتنازل مهما تكلمت ..

لتنهض وقد نضبت كل الكلمات مغادرة إلى الأريكة تحتضن نفسها ببكاء صامت تفكر بما يجب أن تفعله .. تشيعها نظرات شروق الدامعة التي تتعذب بما يحصل ولا تجد القدرة على التضحية بابنها الوحيد ..

ماذا تفعل .. ماذا تفعل !!

 

....................

 

شهق مفزوعا يهب من نومه ينظر حوله بعدم استيعاب كامل ودون استيقاظ فعلي ..

 

مد يده يسكب كوبا من الماء يتجرعه كله فتتناثر قطراته دون اهتمام حتى حتى جلس يلهث مستعيذا من الشيطان ..

نظر للساعة فوجد أنه نام طويلا حتى غربت الشمس .. نهض يغادر غرفته مسرعا متجاهلا ليل المنكمشة بوجهها الذي يحمل آثار بكاء عنيف ..

يدخل غرفته والدته يجدها تسند رأسها بيديها فهتف " أمي .. ما بكِ "

كانت بدأت تزيغ وإبصارها يتشوش من شدة البكاء ..

بذعر كان يحيط وجهها هامسا " أمي .. حبيبتي ماذا تشعرين "

ابتلعت ريقها تنظر له بتفكير ضيق وضيم حسرها ..

انحنى يمرغ وجهه بين كفيها يقبل ويقول " أمي أرجوكِ .. أرجوكِ إياكِ أن تصابي بمكروه .. والله أموت أموت "

أبعدت كفيها تتأمل ملامحه بغموض فطالعها بصمت بائس لتقول له فجأة " أنا جائعة "

اتسعت عيناه بلهفة يهتف " جائعة .. حاضر يا حبة قلبي سأجهز لكِ ما تشتهينه .. "

قاطعته بطلبها " أريد أكل الدجاج المشوي "

قطب متعجبا الطلب فأضافت " من ذاك المحل بعد المسجد الكبير .. عندما تعبر الطريق العام .. احبه من هناك "

رغم عدم فهمه أومأ قائلا " حاضر .. حاضر .. ما تؤمرين به .. حالا "

استقام ليلبي بسرعة فأوقفته تقول بحرص " أريدها مشوية لتوها .. وهات معك دوائي .. فقد نفذ من عندي "

أومأ بحاضر وتحرك لغرفته يأخذ المال ليأتي لها بما طلبت مخلفا ليل تراقبه بتشوش وعدم فهم ..

 

وإن كان قد بحث في درج الطاولة بجانب أمه .. لوجد علبة دوائها عامرة !

 

..................

 

كان يجري قاطعا السلالم بسرعة فخرج من العقار راكضا ليراه عمر الذي كان يستند أمام بيته يدخن بشرود ليهب فور ظهور معترضا طريقه يصرخ بعصبية " فجر يا **** .. أين أنت لماذا ترد على هاتفك "

بتعجل قال فجر وهو يحاول تركه " فيما بعد يا عمر "

شده عمر بإصرار " ما هو الذي فيما بعد يا بني آدم .. "

توقف ينظر لملامحها ولعينه المصابة ثم أردف بذهول " فجر .. ما هذا الذي بوجهك "

امتقع وجه فجر وهو يتحسس وجنته لكنه نفض يده قائلا بنزق " قلت فيما بعد .. اتركني الآن لكوارثي "

قالها ونجح في الابتعاد عنه فصرخ عمر مناديا " فجر .. توقف إلى أين تذهب "

 

شتم والآخر وكأنه بطل عداء كاد أن يختفي من أمامه واصلا لنهاية الشارع فقلق عمر من هيئته ليقرر أن يتبعه معيدا النداء " يا فجر .. انتظرني .. فـــــجر "

خرج حسن من عقار بيته يدخن سيجارة مقبطا يراقب عمر الذي يركض خلف فجر باضطراب ..

 

فكر بأن يدخل دون اهتمام بما يفعلانه لكن منظر عمر وتره فتخيل متجهما لو كان فجر ذاهبا لمصيبة ما مثلا !

 

لذا دون تردد كان يلقي سيجارته ويركض خلفهما مستجيبا لنداء وهمي بداخله .. ملبيا للصداقة أولا

 

وكلٌ يلحق بالثاني بينهما مسافة ..

 

وفي طريق جانبي سلكه فجر مختصرا ..

قطعت سبيل سيره سيارتان ..

توقف فجر مبهوتا يهتف بعصبية " هل أنت أعمى ؟ "

خرج اثنان ضخام الهيئة فتراجع فجر خطوتين بتوجس قارئا الشر على تعابيرهما ..

لكنهما لحقا به لغرض إمساكه ..

فضرب فجر بساقه واحدا ليكتفه الثاني يردعه حتى تبعهم ثالث يسقط بضربة مدروسة على رأس فجر الذي ترنح تحت وطأتها فاقدا باقي قواه مع وعيه واقعا أرضا ..

فيحملونه بسرعة للسيارة وكل ذلك في ثوانٍ عديدة بمكان شبه خالي من المارة ..

 

ومن مسافة كان عمر يصدم بما رآه فيركض صارخا باسم صاحبه مستغلا اجفالهم فيمسك بواحد منهم متشابكا وإحدى السيارتين التي حملت بداخلها فجر تحركت مبتعدة ..

 

تجمع الباقين على عمر في معركة غير عادلة .. حتى انبثق من اللامكان وجود حسن الذي تلقى عن صاحبه ضربة مساندا له رغم عدم فهمه ..

 

صرخ واحد من الرجال بسرعة وهو يركض للسيارة " عودا للسيارة .. لا نريد دماءً .. الآآآآآن "

استطاعوا بالفعل التخلص منهما دافعين عمر المتشبث بأحدهم بعصى في صدره كادت أن تسحقه فوقع يتلقفه حسن بين ذراعيه ..

 

حتى غابت السيارة الثانية من أمامهم في الظلام وعم المكان الصمت بينما حسن يهتف بذعر " عمر .. هل أنت بخير يا صاحبي ؟ .. لماذا تتشابك معهم .. أين فجر "

تنفس عمر باختناق الضربة يرفع وجهه للطريق جاحظ العينين حتى همس بصدمة " فجر .. لقد أخذوا فجر يا حسن .. يا إلهي !! "

 

...................

 

طالت بها الساعات .. نهضت تتخبط في خطواتها خارجة ترمق بحسرة الشقة الخاوية عليها ..

 

نظرت للساعة بعينين مرتعبتين شاحبتين كسماء ملبدة ..

تناولت هاتفها الصغير تضغط أزراره بآلية تتصل بولدها للمرة التي فقدت عدها ..

مجددا طال الرنين ولم يصلها رد ..

تنفست شروق بتثاقل ورعب ..

ابنها ليس بخير ..

تعلم ذلك فقلبها ينهشها ..

حاولت الاتصال بصاحبيه وهما كذلك لا يردان ..

 

بدأت تنشج بارتعاب فتعيد الاتصال بفجر هامسة " رد أرجوك .. أين أنت يا فجر "

فُتح الخط فجأة فشهقت كغارقة وصلها جرعة هواء هاتفة " فجر .. فجر أين أنت يا ولدي "

وصلها صمت لحظي قبل أن يتكلم صوت مجهول يقول " عفوا .. على الأغلب هذا الهاتف سقط من أحدهم "

عادت تغرق والأكسجين ينفذ فتختنق ويزرق وجهها .. ارتعشت ساقيها فجلست على سريرها بتخاذل تهمس بتلعثم " سقط .. طيب .. يا ولدي أرجوك .. ابحث حولك .. أرجوك ساعدني "

رد عليها المجهول ببعض الارتباك " اعذريني يا حاجة ولكن الشارع جانبي وخالي أصلا من الناس .. كما أن الهاتف مكسور .. ربما لو يقابلني أحد ويأخذه "

لم تسمع شروق من ثرثته إلا بعضها ..

فتعيد قوله " مكسور ؟ "

أجاب الصوت ببساطة " نعم شاشته مكسورة وكأن أحدا دعس عليه .. ماذا أفعل الآن يا حاجة .. ألو .. ألو ؟ "

لم ترد وهي تنزل الهاتف فاقدة كامل جهدها للاجابة ..

حتى أغلق الخط بطول تجاهلها واستمرت على حالتها لفترة طويلة شاحبة متعرقة ورؤيتها تزيغ ..

 

ارتفع رنين هاتفها من جديد فنظرت له تقرأ اسم حسن ..

فترد مستمعة لصوته المرتبك وهو يبرر وجود فجر معه .. وأنه سيتأخر اليوم والعديد من العبارات الغير مترابطة والتي لم ترد عليها مما أقلق حسن من سكوتها وتحشرج أنفاسها ..

" أم فجر .. هل تسمعيني .. يا حاجة ؟ "

 

سقط الهاتف منها أرضا وهي مسمرة بجلستها فوق السرير ..

 

ابنها ليس بخير ..

نعم .. تدرك ذلك ..

هذا الرجل الذي كلما شردت تهاجمها ذكرى نظراته السوداء كجحيم مستعر والذي هددها صراحة أن يجعل من فجر حطبا لنيرانه ..

 

ولدها ليس بخير ..

طفلها وحبيبها الذي ضحى بكل شيء فقط لتحيا ..

رعاها وحفظها وأهدر نفسه ..

أضاع حاله أم أضاعته هي بحملها الثقيل ..

حمل قصم ظهره وهو شاب فانحنى ككهل صرعته السنون ..

ودون صرخة منه أو اعتراض ..

وبينما كان يحترق بالنار .. كان يبتسم لها مطمئنا مدللا ..

باع نفسه واشتراها ..

ليت الله أخذها وما حصل له ذلك ..

 

" طفلي .. طفلي .. ابني .. ابني حبيبي " همست شروق بتخبط ولسانها تشعر به ثقيل وكأنه فقد حتى مجرد القدرة على النطق ..

 

ولكن لا .. هي بحاجة للصراخ

للكثير من الصراخ حتى تتقطع حنجرتها بتسنن وجعها الذي ذبح ولدها الوحيد ..

بحاجة لتناديه وتتوسله أن يعود لها .. بحاجة لترشده كي يتوب وتبتهل لله أن يرحمه ..

 

هزت شروق رأسها بنواح تهمس وجسدها يبرد بجنون " لن أحتمل فيه السوء .. لا يا رب .. لا يا رب لا تبتليني به .. لا يا رب .. ارحم قلبي الذي سيتوقف "

 

طرقات قوية على الباب تصلها لكنها لا تستطيع الانسلاخ عن الوجع الذي تعيشه ..

تود لو تنهض ..

تركض وتبحث في الشوارع كاملة وتنادي على ولدها طارقة كل البيوت ..

تسألهم عن طفل جميل رمادي العينين مشرقا .. يملك ابتسامة كالزهر تنعش قلبها ..

قلبه كالذهب وروحه صافية كالجنة ..

 

نعم .. ولو ستنزل على أقدام من أرادوا به شرا ليرحموه فقط ويتركوه لها ..

فرصة أخيرة له وستربيه من جديد فقط يتركوه ..

 

نعم .. تريد الوقوف والتفتيش عنه كأم لا تهدأ إلا وابنها قربها نائما هانئا ..

تريد احتضانه بقوة .. وتشم رائحته الجميلة التي لم تتغير مهما كبر

 

فتفتح فمها علّها تصرخ جزعة بأمنياتها البسيطة فلا يصدر عنها صوتا ..

ساقاها تحاول وضعهما على الأرض ..

ستسقيم وتذهب له ..

ولكن أين الأرض ..

تبعد وتتمايل والغرفة من حولها تدور وطرق الباب لا يكف ..

 

أين الأرض ..

أين ساقاها !

 

عند تلك النقطة هبت تغادر سريرها بقوة أمومتها ..

لكنها كانت مخذولة كفاية فلم تحملها ..

لتسقط منهارة أرضا ضاربة رأسها ..

فتحت فمها لتنادي بطلها فجر ..

ولا تعلم إن كان الصوت خرج أم حُشر مستعصيا ..

 

هي فقط رأت ولدها يبتسم ملوحا لها بسلام ..

 

قبل أن تغمض عينيها تماما مستسلمة لما كتبه القدر في كلمة أخيرة !

 

 

انتهى الفصل
اعملوا فوت 🙂🙄🤷‍♀️
قراءة ممتعة وبانتظار آرائكم 💖

Ga verder met lezen

Dit interesseert je vast

3K 60 20
قالوا في الشدائد لا يبقى الا الرجال قالوا في الفرصة لا يقتنصها الا الاذكياء قالوا في المواجهة لا يدخلها الا الواثقون قالوا في الحب لا يخضع الا العشاق...
3.6M 53.5K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...
1.9K 253 18
ليس كل كذبه بيضاء وليس كل حقيقه سعيده
862K 42K 54
لستُ برجلٍ يُعاني من داء الكآبة.. لستُ أناني و لا سوداوي.. بل أنا في الحقيقة يا عزيزتي شيطانٌ تائب تراجع عندما لم يجد فيك مأخذا و أقبل عندما أبى في...