فجري أنت ، بقلم آلاء منير

By AlaaMounir201

650K 22.8K 6.3K

ماذا يحدث عندما تتلاقى سمو المبادئ مع دنيا الرغبات ! عندما تضعك الحياة بين اختيارين أحلاهما علقم .. عندما تُخ... More

تواقيع الأبطال
المقدمة
الفجر الأول
الفجر الثاني
الفجر الثالث
الفجر الرابع
الفجر الخامس
الفجر السادس
الفجر السابع
الفجر الثامن
الفجر التاسع
الفجر العاشر
الفجر الحادي عشر
الفجر الثاني عشر
الفجر الثالث عشر
الفجر الرابع عشر
الفجر الخامس عشر
الفجر السادس عشر
عودة 💫
الفجر السابع عشر
الفجر الثامن عشر
الفجر التاسع عشر
تنويه 😍
الفجر العشرون
الفجر الواحد والعشرون
الفجر الثاني والعشرون
الفجر الثالث والعشرون
الفجر الرابع والعشرون
الفجر الخامس والعشرون
الفجر السادس والعشرون
الفجر السابع والعشرون
الفجر الثامن والعشرون
الفجر الثلاثون
الفجر الواحد و الثلاثون
الفجر الثاني و الثلاثون
الفجر الثالث و الثلاثون
الفجر الرابع و الثلاثون
الفجر الخامس و الثلاثون
الفجر السادس و الثلاثون
الفجر السابع و الثلاثون
الفجر الثامن و الثلاثون
الفجر التاسع و الثلاثون
الفجر الأربعون
الفجر الواحد و الأربعون
الفجر الثاني والأربعون
الفجر الثالث و الأربعون
تابع الفجر الثالث و الأربعون
الفجر الرابع و الأربعون
الفجر الخامس و الأربعون
الفجر السادس والأربعون
الفجر السابع و الأربعون
الفجر الثامن والأربعون
الفجر التاسع والأربعون
الفجر الخمسون
الفجر الواحد والخمسون
الفجر الثاني والخمسون
الفجر الثالث والخمسون
الفجر الرابع والخمسون
الفجر الخامس والخمسون
مهم 💖
وحشتوني 💖
الفصل السادس والخمسون
الفجر السابع والخمسون
الفجر الثامن والخمسون
الفجر التاسع والخمسون
الفجر الستون
الفجر الواحد والستون
الفجر الثاني والستون
الفجر الثالث والستون
الفجر الرابع والستون
الفجر الخامس والستون
الفجر السادس والستون
الفجر السابع والستون
الفجر الثامن والستون
الفجر التاسع والستون
الفجر السبعون
الفجر الواحد والسبعون
الفجر الثاني والسبعون
مهم جدا
الفجر الثالث والسبعون
الفجر الرابع والسبعون
الفجر الخامس والسبعون
الفجر السادس والسبعون
الفجر السابع والسبعون
الفجر الثامن والسبعون
الفجر التاسع والسبعون
الفجر الثمانون
الفجر الواحد والثمانون
الفجر الثاني والثمانون
الفجر الثالث والثمانون
الفجر الرابع والثمانون
الفجر الخامس والثمانون
الفجر السادس والثمانون
الفجر السابع والثمانون
الفجر الثامن والثمانون
عيد ميلاد 👑🎂
موعد عودة 💖
الفجر التاسع والثمانون ( والأخير )
ختام الفجر ضي

الفجر التاسع والعشرون

5.6K 215 17
By AlaaMounir201

وحشتوني .. جاهزين لفصل النهاردة 😍
متنسوش الفوت 💖

..................

صوت زقزقة منتعشة للعصافير النشيطة المتحررة من أعشاشها مع تحرر خيوط الشمس في السماء بحرية كان أول ما استقبل وعيه الشبه غائب في سباته .. وهي تترنم متنعمة بالشمس الصباحية الدافئة والتي سطعت بحرارة وكأن عواصف الأمس وهم لم يكن ..

حتى الطقس رغم برودته الشتوية عاد محملا بهدايا النسمات من الدفء المرغوب ..

رمش تاج بجفنيه وهو مستلقي على جانبه فكانت النافذة التي اجتاح نور الصباح ثناياها من خلف الستائر أول ما التقت بها نظراته الناعسة ..

 

تأملها للحظات طالت بتعبير هادئ باحثا عن اتصال ذهنه بيومه الجديد عقب ليلة قضاها ببقايا إعيائه ..

 

افتر ثغره عن بسمة شاردة يستذكر ببعض العبث خيالات عقله الباطن التي استوطنتها جميعا عالية ..

منذ أحبها وقد اعتاد الأحلام بها .. حتى منحه القدر معجزة زواجه بها وأصبحت أهم امرأة في حياته .. فهو ولد يتيم الأم وتربى فقط على يد أبيه ..

ولم يتنعم يوما بالدفء والحنان الأنثوي إلا مع عاليته ..

حبيبته الباردة كما يعتقدها الجاهلون .. إلا هو فقط من يدرك كم هي الأكثر حنانا وحبا بكل قوتها وعنفوانها .. واللذان سرعان ما يختفيان معه وحده فتتحول لمجرد قطة وديعة تبادله حرارة الحب مستلذة وراغبة ..

ضحك تاج ضحكة خفيضة بصوت خشن وهو يعي أن فراقها أنهكه ومن الجيد عودته غدا لها ..

فهو أتى لمشاكل المصنع المتعددة والتي استطاع معرفة أن نادر المنصوري هو من تسبب بها جميعا ..

 

نادر المنصوري والذي لا ينفك عن اصطناع العوائق في طريقه .. والتي هو تاج يحلها بهدوء متجاهلا تماما لنادر العاجز عن الإيقاع به لنزاهته وقانونية كل أعماله ..

لذا يتجه للتسبب بالخسائر التي تكون أحيانا كثيرة فادحة فيضطر تاج إخفاء الأمر عن عالية .. لن يسمح لنادر أو غيره بتعكير صفو حياته الرائقة أبدا ..

 

رمش تاج بعينيه خارجا من سهوه فيتأوه وهو يتمدد على ظهره مغمض العينين مستشعرا بقايا الألم في أماكن متفرقة من جسده .. لكنه يحس بنفسه أكثر راحة واسترخاءً ..
 


تجمد وهو يفتح عينيه ناظرا لذراعه العاري قبل أن يشعر بعري جسده أسفل الغطاء الدافئ .. فيزداد تجمده في الوهلة الثانية وهو يلتفت بحدة ما أن لفحته أنفاسا دافئة بجانبه !!

 

أحلام ! ..

تعرقل تنفسه حتى احتقن به صدره مع إجفال قلبه وهو يراها جواره ..

بدأ خافقه يدق بعنف وتسارع وعيناه تتسعان بعد استيعاب كلي ضربه وهو لا يجد سببا منطقيا في دهاليز وعيه عن سبب وجود أحلام نائمة بعمق على سريره ..

 

وبترجمة بطيئة كانت مقلتاه تنزلقان باستكشاف مذعور لكتفها العاري الظاهر من تحت الغطاء والذي يحمل بعض أثار حمراء شلته للحظات ..

 

ليصل هلعه للذروة وتنحسر من شواطئ تعابيره كل الدماء وهو يقع بعينيه على شفتيها المنتفختين في إشارة صارخة لسبب تواجدها ..

 

كتم شهقة جزعة كادت أن تند منه وهو ينتفض كمن صعقه الرعد فيسقط من السرير لتمتص السجادة الوثيرة صوت سقطته .. بينما هو يتحسس جسمه العاري بنظرات مذهولة غير مصدقة ..

 

" يا رب العالمين .. يا إلهي ليكن كابوسا "

تمتمها متضرعا وهو يوزع نظراته الزائغة من حوله علّه يجد ما يدل على كونه حبيس أحد غرف الكوابيس لا أكثر ..

 

لكن لحظات قد مرت والحال كما هو عليه لا يقطع الصمت إلا صوت لهاثه العنيف وأصوات العصافير التي توهم أنها قد علت فجأة وكأنها تشي للكون بما فعله ..

ولكن ماذا الذي فعله !!

 

بجنون كان يهب باحثا عن بنطاله فيرتديه بأعين مغيبة قبل أن يرفع حدقتيه لأحلام على سريره عائدا بخطوات مرتعشة للخلف حتى أحال الحائط من خلفه بينه وبين المزيد من الهرب ..

 

فتصلب متشنج العضلات والأعصاب يواجه وضعا لا يدرك تمام أبعاده بعد .. ولا يذكرها

يركض متوسلا بين خلايا إدراكه ببحث هستيري لا يشابه تخشب وجهه الشاحب .. دون صورة واحدة لذكرى تروي عطشه لجواب ..

فقط صور له مع عالية .. فمن أين خرجت له أحلام !

 

 تململت حينها أمام هيئته المتجمدة من الصدمة فترمش بعينيها ناظرة لنفس النافذة التي كان يراقبها قبل دقائق متنعما ..

ويبدو أنها شاركته نفس التنعم حيث تنهدت وهي تبتسم للحظتين قبل أن تعقد حاجبيها بشعور غريب وهي تنظر حولها بتشوش ..

 

إلى أن وصلت رؤيتها حيث سيدها فتجحظ عيناها وهي تنتفض جالسة كاتمة بيدها صرخة ذعر قصيرة انتفض على إثرها تاج ..

 

فيرفع كفيه لرأسه يستدير عنها مفزوعا وألف سؤال يدور برأسه .. لا .. لا لم يفعل معها شيئا ..

لا يذكر ..

لكنه لا يفعل دناءة كتلك ..

 

شعر بالأرض تميد من تحته فترنح للحظة لتصله شهقتها الخائفة من أن يسقط ..

لكنه أسند نفسه على الحائط بيد مرتعشة ملتفتا لها من جديد بنفس الصعقة وعقله لم يستجب بعد لرد فعل مصدق ..

 

انتفض كلاهما على صوت دقات على الباب من خلفه يأتي صوت محاسن وهي تنادي على سيدها ..

 

ورغم رغبته بالصراخ ليصد دخولها لكن صوته أبى الخروج .. فجمد كأحلام في وضع لن يُصنف إلا بمعنى واحد يقضي على صورتهما معا ..

 

استمعا لصوت صبحي وهو يقول ناهرا " لماذا تدقين على الرجل .. اتركيه ليرتاح "

ترددت قليلا تخبره برغبتها في الاطمئنان عليه فيجيب " هو بخير بإذن الله .. الطبيب قال الأمر سهل لا تقلقي .. لا داعي لنزعجه .. هيا لنلحق بالسوق "

 

أومأت زوجته بقلة حيلة وكان سترا من الله عدم فتحها الغرفة .. فيغادران ويستمع تاج لصوت صبحي يتحدث ضاحكا " البنت أحلام ليست موجودة .. بالتأكيد تستيقظ مع العصافير وذهبت قبلنا للسوق .. تلك البنت تخيفني بتهورها .. خاصة وهي ساذجة "

 

ضحكت زوجته تؤيد كلامه وسرعان ما تلاشى كل الصخب بابتعادهما حينها كان ساقا تاج يخذلانه فينهار جالسا على ركبتيه ناظرا للأرض دون رؤية واضحة يهمس ذاهلا " يا الله .. رحمتك يا رب .. لطفك "

شهقت أحلام فجأة شهقة بكاء مرتعب وهي تحاول استيعاب المصيبة التي ألقت نفسها فيها ..

قبل أن ترفع يديها تلطم على خديها بعنف وهي تولول فوثب تاج باهتزاز يهتف بارتياع " أحلام توقفي .. لم .. لم يحدث شيئا بالتأكيد .. أنا لم .. لست .. "

تقطت أحرفه الواهنة ما أن اصطدمت عيناه ببقع حمراء على الغطاء في إشارة باترة تحيل بينه وبين إنكاره لما وقع وانتهى ..

 

فارتد تاج خطوة للخلف صارخا بعينين دامعتين من بين الصدمة " لطفك يا ربي .. ماذا جنيت أنا .. لا .. لا أرجوك "

صعد بوجهه المهتز لها يهمس بضياع ملتاعا " ماذا فعلت .. لا أذكر .. سأموت .. هل .. هل استدرجتك أم .. يا إلهي .. هل اعتديت علـ .. "

" لا " صرختها أحلام وهي تتشبث بالغطاء حول جسدها الذي سمحت بانتهاكه بعاطفتها المشوهة بغباء عقلها الساذج .. راقبها مشتتا من بين غيمة الدموع فتكمل هي شاهقة بالنواح " لا سيدي .. ليس ذنبك .. سامحني أرجوك .. أنا السبب .. أنا من أتيت لك وقد .. قد كنت مريضا "

 

شاب التيه بصره فقالت هي بتهدج وصدق وقد بدت صورته وهو يقتل نفسه لوما قاتلة لها " سامحني أرجوك .. آسفة " ثم أشارت لنفسها تكمل فورا بلهفة ورعب " ليس ذنبك .. أنا سأرحل .. سأرحل ولن ترى وجهي مجددا .. أرجوك "

 

قست عيناه فجأة بدموعها فجفت وهو ينظر لها بجمود ولا زال عدم الفهم يطغى عليه .. لا زال مصعوقا بما حصل ..

لا زال يحمل آثار جريمة لا يعتقدها قد تُنسى قط ..

ولا زال لا يفهم كامل قولها ..

 

لكنه وجد صوته مختنقا وهو يقول بأمر صارم " انهضي .. دقيقتان ترتدين ملابسك وتعودين .. حالا "

أومأت بسرعة وهي تنتفض باحثة عن فستانها راكضة للحمام وهي تشهق بالبكاء متشبثة بالغطاء ..

 

ظل هو يدور حول نفسه برهبة وتنفسه يتثقافل وكأن كل الدنيا تضيق من حوله .. حتى اسودت عيناه بقتامة مرعبة لا يصل لها بسهولة وهو حليم الصفات ..

 

عندما خرجت من الحمام تتمايل بتعب تبكي وتشهق ووجهها أحمر بشدة كمن لم تتوقف عن اللطم لحظة بالحمام .. لم يكن يرى أمامه إلا التشوه الذي هاجم صفاء حياته فيقفز مقتربا منها يجذبها من شعرها على حين غرة حتى تقطعت بعض بصيلاته وهي تصرخ بألم عنيف بينما يشدها بقسوة وغل يصرخ " من تكونين أنتِ يا بنت الكلب .. انطقي قبل أن أقتلك "

 

بكت بشدة تتوسله أن يرحمها لكن الرحمة قد لفظها قلبه هذه اللحظة فيعنفها أكثر برج رأسها أقوى يكرر بجنون " انطقيييييي .. والله لن أرحمك .. هل أرسلك المنصوري .. هل وصلت به الدناءة لتلك المرحلة .. هل أنت تخصين نادر "

بفزع كانت تتشبث بيده علها تخفف من قسوة قبضته تصرخ بارتعاب متقطع من بين بكائها العالي " لا .. لااااا لا اعرف من يكون نادر .. اتركني أقبل يدك "

نظر لها بحقد أرعبها وقد اختفى فجأة السيد تاج اللطيف الذي تعرفه .. فيرفع يده نازلا على وجهها بصفعة ارتدت منها فأسقطتها أرضا .. رفعت وجهها المتوسل والدماء تخرج من داخل فمها الذي جرح بضربته الغير رحيمة .. لكنه لم يشفق عليها وهو ينحني رافعا إياها من رقبتها فيضغط عليها بيده وهي لا حول لا ولا قوة تتمسك بساعديه وقد بدأت تشحب تماما من الاختناق وتنفسها يضمحل وهو يهمس " انطقي .. والله أقتلك وأدفنك يا عديمة الأصل فلا يسأل عنكِ بشر .. انطقيييييي "

 

عادت تهمس وهي تشعر بنفسها تموت فتستسلم " لا .. أعـ..ـرفـ..ـه .. ارحمـنـ..ـ..ــي "

لم يكن يدرك حتى جنون ما يفعل أو إنه على وشك إزهاق روحها للنهاية .. لم يكن يرى إلا إنه قد تم خداعه ولا يذكر شيئا حتى ..

لم يكن يحس إلا بالخراب الذي يقترب منه بسرعة صاروخية بعاصفة ستسلب منه كل ما يملك وحرص على الحفاظ على بنائه لسنوات من عمره ..
 


فأغمضت هي عينيها أخيرا بترحاب للرحيل عن الدنيا ..

حتى شعرت بنفسها تسقط أرضا وهي تشهق بقوة تلقائيا متجرعة أكبر قدر من الهواء ما أن أفلتها مجبرا بنقاء قلبه الرافض لقتل روح مهما كانت روحا حقيرة تستحق ..

 

استدار عنها مغطيا وجهه بين يديه المرتجفتين وعقله متوقف تماما عن أي تفكير .. فتنظر هي إليه هامسة بهوان وقد حرم قلبها الغر خداعه " ليس ذنبك .. أنا من فعلت .. أنت لم تكن بوعيك .. سامحني .. ارحمني بالله عليك "

 

" أرحمك ! .. وأنا من يرحمني " همسها بتحشرج وهو لا زال يخفي وجهه بذل وخزي فبكت أكثر تتمتم مرة تلو الأخرى " سامحني .. آسفة .. سامحني .. سامحني "

هز رأسه بنفي لا يعرف ما الذي ينفيه بالضبط ..

لكنه رفع وجهه بعد فترة ينظر إلى الفراغ أمامه بعينين حمراوين دون الاستدارة لها هامسا بصوت رغم الذنب فيه كان وحشيا " غادري .. إن رأيت وجهك في حياتي مجددا .. فلن تأخذني فيكِ شفقة .. وحق من لا إله إلا هو لن أرحمك .. بقدر ما عطفت عليك فأنا سأنهيكِ "

اتسعت عيناها وقد توقفت حتى عن التنفس فيتابع هو بتهديد صريح تعلم جيدا مدى سهولة تنفيذه " ولو تفوهتِ بحرف واحد .. أي حرف .. وربي سآتي بكِ ولو كنتِ تحت سابع أرض "

 

أغمضت جفنيها على مزيد من شلالات دموع حارة ملتاعة .. فصرخ هو بجنون عنيف أفزع العصافير الصغيرة " ارحلــي "

اختلج جسدها الصغير وهي تزحف للخلف ناظرة لقامته الطويلة أمامها وهو يوليها ظهره وقد بدا لها مخيفا اللحظة ..

قبل أن تستقيم متعسرة راكضة في الحال للخارج .. قاطعة الحديقة ثم البوابة تركض وتركض إلى المجهول وقد لفظتها الجنة بعد أن دنست بأفعالها المتهورة طهر أرضها ..

 

راقب رحيلها من النافذة أمامه حتى اختفت تماما تضيع بين الطرقات الموحشة بمفردها نازفة معنفة ملفوظة ..

من يفتح ذراعيه لها الآن وهي وحيدة في كل الدنيا !..

 

رفع يديه يفرك رأسه يغمغم مكتظا صدره بما يحمله " يا ويلي .. يا ويلي "

مشى في الغرفة بغير هدى فتقع نظراته على مفرش السرير بما يحمله من أثر هزه كليا ..

فتحرك بهستيريا يجذبه ساحبا الكبريت يتوجه للحمام فيسكب البنزين على الغطاء مشعلا النار فيه وكأنه يخفي عن نفسه الجريمة ..

 

فيحس بجسده المقرف يحتاج لنفس الحريق علّ النار تطهره .. أ تطهره نار الآخرة !

 

انفجر جسده بلهيب تدفق من بين طيات نفسه فيشهق وهو يقف في حوض الاستحمام فاتحا الماء البارد فوقه يرتجف حتى انزلق يجلس على الأرض الملساء يهمس مذعورا " لماذا .. لماذا ! "

 

بدأ يخلع ملابسه بهستيريا يفرك جسمه بقسوة حتى تصنم فجأة ينظر للفراغ بعينين متصلبتين وهو يهمس مصعوقا بإدراك قاتل " عالية !! "

 

أ خُنتها يا تاج وأنت الذي أهدتك قلبا مجروحا بالخيانة لتطببه !

أ خُنتها كاسرا العهد القاطع بين قلبيكما !

 

هز رأسه نفيا والمآقي  تسكب للحسرة أنهارا ..

يتلظى بين حرقة قلبه على حاله وعلى عالية وعلى مراهقة بالكاد تدرك بالحياة شيئا رماها بالشارع لتوه مشردة ..

 

فرفع رأسه للأعلى يبكي وهو يصرخ " يا رب .. الرحمة أرجوووووووك "

ثم دفن وجهه بين يديه ينخرط في البكاء خاضعا للذنب مهان
 

...........................

ترجلت ليل من سيارة الأجرة والتي أنقد فجر سائقها مقدما وذلك بعد أن استأذنته ليل في ساعة تخرج لملاقاة ابنة خالتها بعيدا عن الحي ..

 

الأمر الذي قابله فجر بالرفض مبدئيا نظرا لعدم خروجها منذ تزوجا وحدها .. فبدت كطفلة يرفض والدها تركها تعبر الطريق للمرة الأولى وحدها ..

ورغم أن هذا قد يضايق بعض النساء المتفذلكات في رأيها .. لكنه أنعم قلبها بشدة ..

 

لكنها في النهاية نجحت بإقناعه بتلاعبها رغم توجسه من تلك المقابلة والتي بررتها أنها فقط اشتاقت لابنة خالتها وتحتاج لفهم بعض الأمور منها تخص نورين ..

 

فوافق على مضض خاصة وما يتعلق بنورين أصبح يهم الكثيرين الآن .. وطوال الطريق لا يتوقف عن الاتصال بها ..

 

ابتسمت ليل والهاتف يرن ما أن فكرت به فردت بعد أن رحلت السيارة " نعم حبيبي "

وصلها صوته المتجهم " هل وصلتِ ؟ "

أومأت ترد وهي تبحث بعينيها عن سيارة مياسة حيث اتفقا على المقابلة في منطقة نائية بعيدا عن الأعين المتطفلة لعلم الوسط بسفر ليل الوهمي خارج البلاد منذ أشهر " نعم .. وصلت لتوي " قالتها وهي تلوح بيدها لمياسة مقتربة منها فقال فجر " لا تتأخري جدا .. أقلق عليكِ "

ابتسمت كحمقاء وهي تركب جوار مياسة هامسة " حاضر حبيبي لن أتأخر والله "

رفعت مياسة عينيها للأعلى بنفاذ صبر والأخرى تودعه ضاحكة باتساع مضحك تبدد بعبوسها وهي تلحظ تعابير مياسة الملولة هاتفة بحنق " توقفي أيتها الباردة "

رمقتها مياسة ببرود فتنحنحت ليل تسأل متجاهلة " كيف حالك ؟ "

أومأت مياسة مهمومة مجيبة " الحمد لله "

ضيقت ليل عينيها قائلة " ما بكِ .. حدث جديد .. تكلمي "

نظرت لها مياسة للحظة ثم أردفت " كلمني سلطان عقب مكالمتك الغامضة بالأمس .. لقد قابل نورين .. وأعطاني الإشارة بأخذ خطوات حذرة تجاهها في وقت غياب عمر فقط "

قالت ليل بهدوء " هذا شيء جيد .. لماذا أنتِ مهمومة إذن ؟ "

هزت مياسة رأسها تعبر عن اختلاجاتها " بصراحة أنا خائفة من هذا الوضع .. لقد أخبرني سلطان بإنها إن رفضت فهذا رفض نهائي .. وأنا .. يا إلهي لن أسمح بخسارتها .. لا سلطان ولا غيره سيردعني "

 

رفعت عينين مذهولتين تشير لنفسها مسترسلة بحرارة " إنها أختي .. هل تعين معنى أن يكون لكِ نصف آخر يا ليل "

ابتسمت ليل ببعض الشجن تقول وهي تذكر نجم " نعم .. أعي "

 

أسندت مياسة رأسها للخلف قائلة بضيق " هل من الممكن أن أفشل في كسبها .. أنا فقط لا أريد إلا كسبها وتعويضها .. تظل وصية أبي "

 

نظرت لها ليل مليا ثم أجابت برفق " بعيدا عن كوني لا أفهم أبعاد وصية العم تاج الغريبة وأنتِ تؤجلين كل الكلام كلما سألت .. لكن نورين يسهل كسبها .. ثقي بي "

تطلعت فيها مياسة باستفهام فابتسمت ليل تتمسك بيدها وبثتها التشجيع اللازم " لديك من الحب ما يتكفل بكسبها .. يمكنني رؤية هذا بعينيك يا مياسة .. أما نورين .. فهي طيبة القلب لحد لن تصدقينه " هزت رأسها تضحك فجأة بذهول مكملة " نعم .. إنها تشبه عمي تاج في هذا جدا "

عضت مياسة شفتيها ببعض القلق قائلة بشك " حقا ؟ .. لقد حاول سلطان أن يطمأنني بذلك أيضا "

 

أومأت ليل بحرارة تجيبها " نعم .. فقط لا تشتتي نفسك بتلك الأفكار السلبية .. سأخبرك بشيء "

تأملتها مياسة بعناية فضغطت ليل على شفتها السفلى تخفي ضحكة شقية وقالت " في أول لقاء لي بنورين .. قابلتها بشكل سيء لسبب ما .. لكن .. لن تصدقي .. في المرة التالية التي قابلتها عاملتني بمنتهى البساطة واللطف .. حتى عندما أوشكت على الاعتذار لسوء معاملتي الأولى قاطعتني بتسامح قبل أن أتم عبارتي .. إنها شديدة النقاء لدرجة نادرة في هذا الزمن الأسود "

اجتاحت عيني مياسة أطياف ساطعة إثر تلك الصورة الملونة المرتسمة لها عن نورين ..

نعم تصدقها جدا مناقضة طبيعية شخصيتها المتشككة .. لكنها في هذا تحديدا لا تقدر على التشكيك بطيبة نورين طويلا

حتى وإن قابلت حقيقة اخوتهما بكل ذلك الرفض القاسي وطردتها ..

 

شعرت بضغط أصابع ليل المحيطة بقبضتها وهي توصيها بحرص " فقط كوني حذرة كما قال سلطان .. فالبنت مرت بفترة صعبة بوفاة والديها وما تلاها "

تقارب حاجباها في عقدة اللا فهم لكنها أومأت قائلة بثقة " لا بأس .. لن أكف عن المحاولة .. تدركيني لا أستسلم بسهولة ونفسي طويل .. المهم فقط أن يبتعد عن الصورة ذلك الهمجي "

انغلق جفنا ليل قليلا ببلاهة وسألت بتقرير " همجي ؟ .. عمر المنسي أكيد "

رمتها مياسة بنظرة صقيعية لم تكن تعنيها بها تقول " هو الزفت "

ارتفع حاجبا ليل بدهشة عبرت عنها بنبرتها " لماذا تنفرين منه لتلك الدرجة "

نظرت مياسة للأعلى فاردة كفيها تخبرها ببساطة " لأنه أكثر البشر استفزازا قابلتهم في حياتي "

رفعت ليل شفتها العليا في حركة استهجان مغمغمة " انظروا من يتكلم عن الاستفزاز "

حدجتها مياسة بنظرة صاعقة وهي تبرر ببرود أنيق " لكني لست وقحة اللسان مثله .. قليلة أدب وعديمة فهم .. إنه ثور .. ثور ناطح "

" لكنه حافظ على نورين " جادلتها ليل بمنتهى السلام والهدوء .. فتهكمت مياسة على الحجة " فذهب كي يتزوجها .. ونعم طرق الحفاظ والله ! "

تكتفت ليل تخاطبها " أجزم بأنكِ لا تدركين القصة كاملة .. أعلم بأن الأمر صاعق بوقعه في البداية .. لكن عاطفتك الوليدة تجاه نورين قد تدخلت في حكمك العادل تجاه الأمور هذه المرة .. فما حدث لنورين مؤخرا أكثر صعوبة من أن يتم تهوينه "

 

 زوت مياسة بين حاجبيها تستوضح " وماذا حدث تماما ؟ "

أسبلت ليل أهدابها ترد " يفضل لو تدركين الأمر من نورين نفسها .. بعد كسبك لها كأخت طبعا "

 

حركت مياسة رأسها إيجابا تتفق بصبر كي لا تشوش نفسها في أحداث جانبية لن تفيدها الآن " نعم .. نعم ليل .. صدقيني أنا لا يهمني عمر المنسي أو غيره .. لا يهمني إلا نورين فقط .. وهذا قيد الزواج مرفوض بأي شكل من الأشكال عندي .. يظل قيد زواج رُبطت به أنهى كل أمل لها في مستقبل سليم مع رجل مناسب لها .. وهذا العمر قطعا لا يناسبه إلا تيس ينطحه "

 

مطت ليل شفتيها تخبئ بسمتها وهي تهز رأسها بفقدان أمل فأردفت مياسة بصدق وهي تزكي موقفها بالقول الواثق " قد أبدو في موقف ضعيف .. وأنا أعترف بذلك فعلا .. لكني ظُلمت تماما مثلها .. وليس عدلا ألا أرد حقي في أختي .. خاصة ونيتي تجاهها ليست سيئة .. من حقي فرصة .. وقد اعتدت بحثي عن الفرص بنفسي دون انتظار لمجيئها .. فبعض الأشياء لا تسترد إلا بيدك "

 

ربتت ليل على يدها داعمة وقالت " أتفق معك .. على فكرة أنا أتمنى لنورين أختا مثلك .. أنتما حقا تحتاجان بعضكما .. ستكملان بعض جدا .. الأمر فقط يحتاج صبرا "

 

ابتسمت مياسة بأمل مرددة " حقا ؟ "

أومأت ليل تجيبها فورا " حقا مياسة "

 

ضيقت مياسة عينيها بتنبه وهي تتفحص ليل حتى أخبرتها بعد لحظات تأني " ليل .. لقد تغيرتِ "

ابتسمت ليل تصحح بسرعة " لقد وجدت نفسي "

رفعت مياسة حاجبها تسخر " مع فجر ! "

تجهمت ليل تزجرها وعيناها تقدحان بشرر " لا تنطقي بحرف عنه .. توقفي فأنا جادة "

لم ترد مياسة بامتعاض فتصر ليل على كلامها " لقد رأيته بنفسك .. صحيح لم تتكلما .. لكنه ليس سيئا "

هزت مياسة كتفيها مجيبة بعقلانية " لم أتعامل معه ليل لذا لا أعرفه .. لكن نعم .. إذا أغفلنا عن كونه صديق عمر عديم الأخلاق الآخر .. فيبدو مجرد رجل بسيط .. لذا السؤال هنا .. هل هو بقدر لعبة بحجم نادر المنصوري وأمير الفارسي ؟ "

 

تأملتها ليل للحظات ثم قالت برباط جأش " لن يقدرا على فعل شيء .. يخشيان الفضيحة يا مياسة .. أي شيء قد يهون لهما .. إلا فضيحة كتلك "

حركت مياسة رأسها نفيا تسرد قناعتها الخاصة " لست مقتنعة .. أنتِ تجرينه لشيء لا يعرفه .. سيجدان ألف طريقة لأذيته لا تنكري ذلك "

" لقد وافق .. هو لن يتخلى عني .. أنا أحبه .. فكيف أتركه " دافعت ليل مستميتة في حقها بالحياة فنظرت لها مياسة بجمود ..

مطت شفتيها تمنعها بجفاء " لو تحبينه فلن تؤذيه "

 

لمعت عينا ليل بغضب حقيقي ثم قالت لها مقارعة " إذن لو تحبين نورين فاتركيها أيضا "

لم تهتز مياسة وهي تحادثها " الموضوع يختلف ليل .. لا مجال للمقارنة أصلا "

شمخت ليل بعناد مصرة " كلاهما حب "

 

قطبت مياسة حاجبيها وقد بدأت تغيظها الأخرى فتنهاها بجدال عقيم " أنا حبي لنورين يختلف .. حبي لها أمان أهديه .. أنتِ حبك المزعوم له أذى ! "

انتفضت ليل عقب جملها فتصرخ بانفجار وقلبها بدأ ينكمش مذعورا " توقفي عن معاملتي كمرض سيميت من يقربه "

صمتت مياسة للحظات تلهث فيها الأخرى إلى أن قالت بهدوء تحتويها وقد خشت أن تخرج الأمور من سيطرتها " لم أقل هذا ليل .. إن كان هناك من أحبه فبكل تأكيد أنتِ ولن تهمني إلا راحتك .. لكن طريقتك في نيل الراحة خاطئة .. وخوفي كله في أن يعود عليكِ بمشاكل "

 

عادت ليل تبتلع ريقها وهي تهمس بإنفعال " فجر يحبني .. هو أخبرني .. أليس هذا ما سألتِ عنه من قبل .. لم أتوسله كي يحبني حتى وإن تمنيت حبه .. لكنه يا للعجب وجد فيّ ما يستحق حبه .. فأحبني .. وأنا لست مثالية لدرجة لفظ ذلك الحب مياسة "

لم تعقب مياسة على الحجج الواهية فأدارت ليل وجهها عنها بتهرب ناظرة للشارع الخالي من الناس لتكمل بصوت اختلط به بعض الجليد الحاد " ربما قد يكون ما سأقوله دنيئا .. لكني رغم حبي له .. لم أضربه على يده .. لو كان رافضا لم أكن لأقدر على إقناعه "

 

سكن الفراغ من ذبذبات كلامهما لوقت لم يقطع الصمت منهما أحد بعد هذه المحادثة التي استنزفتهما .. حتى قالت مياسة بصوت ثابت النبرات بتصميم " ربما لم تضربيه على يده .. لكنكِ قد تكوني تمسكتِ بيده كفاية لدرجة منعته من تركك .. خاصة بتلك الصفات التي حدثتني عنها بشأنه "

 

تشنجت ليل ونكست رأسها معقودة الملامح وشاحبة وبدت وكأنها واقعة داخل رحى طُحنت بين شقيها ..

 

لكن غالبا ما يتوج هوى القلب بنصر النهاية في كل جدال !

 

" أكرر بأني لا أهتم إلا بمصلحتك .. لذا إن اتفقتما على مواجهة الأمر فمن أكون أنا كي أردعكما .. كلاكما راشدان " قالتها مياسة من جديد بشفقة على حال ابنة خالتها ثم أضافت برفق " أنا معك وإن رفضت الطريقة "

رفعت ليل رأسها قليلا تتنفس ببطء وتثاقل فزفرت الأخرى ثم استفسرت بيأس " أخبريني بما أردته مني "

 

حولت ليل عينيها لها فقرأت فيها اضطرابات التردد فكررت ببسالة " أخبريني ليل "

رمقتها ليل بدقة للحظات ثم اعتدلت بجلستها وهي ترفع كفيها لشعرها فتلملمه بسرعة في عقدة فوق رأسها بأصابع متوترة وهي تسهو بتفكير طويل قبل أن تنثني شفتاها في ميل معتم المعاني ..

 

ضيقت مياسة عسليتيها وهي تقول بخشية " لست مرتاحة لكِ "

تظللت ملامح ليل بشيء غامض أشد ظلمة أكد ظن الثانية .. حتى رفعت وجهها لمياسة تطلب مباشرة دون مزيد من المط أو التجميل " أريد أحد الرجال .. محترف في مجاله "

نظرت لها مياسة بحذر تسأل متمهلة " أي المجالات تحديدا ؟ "

رفعت ليل حاجبها تجيب ضاغطة على الأحرف بتأكيد " اقتحام أشد البيوت حراسة "

بضع مرات رمشت مياسة بتشوش وهي تهمس " عفوا ؟ "

استطردت ليل بغير اكتراث ومنتهى الثبات الانفعالي وكأن غضبها قبل دقائق لم يقع أصلا " أريد رجلا مياسة .. يقتحم فيلا المنصوري .. ودون آثار جريمة .. فهناك منى ستساعده بتسهيل الأمور لدخول البيت بهدوء "

 

نظرت لها مياسة بعدم فهم وصدمة أخرساها فتردف ليل بنفس التعبير المقبض " المقصود هو مكتب أبي في البيت .. خزنته التي يضع فيها أشياء غير هامة من أوراق أو بعض الأموال .. تعمل برقم سري أعرفه وسأعطيه له .. لكن إن كان قد غيره أبي فسيكسره بطريقته "

أوقفتها مياسة وقد بدت مصعوقة " لحظة لحظة .. على مهلك .. أي سرقة وأي خزنة .. هل فقدتِ عقلك يا ابنتي "

 

رنت لها ليل لوهلة ثم تكلمت " بل استعدته مياسة .. لذا تصرفي .. أريد أحد الرجال بسرعة .. وما سيجده من مال بالخزنة له .. لا يهمني إلا ورقة واحدة مهملة بالنسبة لنادر "

 

نظرت لها مياسة باستفسار متوجس فابتسمت ليل بشيطنة موضحة " شيك يحمل توقيع فجر منير الرمادي .. أريده مهما كان الثمن "

 

دارت مياسة بعينيها قبل أن تستقر بهما على وجه ليل قائلة بتركيز " هذا شيك مقابل الطلاق الذي وقعه حين الزواج صحيح ؟ "

أومأت ليل فسألت مياسة بذهول " وفجر يعرف بما تنويه ؟ "

هزت رأسها نفيا وقالت ماكرة " لكنه سيعرف عندما أحصل عليه .. سيكون هديتي له "

 

عادت مياسة بظهرها مستندة للخلف تشاهدها لدقائق مذهولة ثم قالت بعبوس " نادر المنصوري سيعرف حتما بوقوع تلك السرقة "

" أعلم " أجابت ليل بإدراك مدروس فزادت حيرة الأخرى لتكمل ساخرة " بالتأكيد سيعرف .. في النهاية هذه فيلا المنصوري .. لكن معرفته لا تعنيني كثيرا .. في كل الأحوال سيدرك برفضي للرجوع .. لذا عادي علمه الآن أو فيما بعد "

رمشت مياسة بعينيها وهي تتساءل إن كانت أضحت غبية مؤخرا لكثرة الأحداث المتلاحقة على رأسها أم أن ليل فعلا تنطق ألغازا يصعب فك أحرفها للترجمة ..

 

رفعت حدقتيها إليها تقول باضطراب وهي تلوح بيديها " ليل .. هل يمكنك أن تشرحي لي فقط كلامك بهدوء أكثر لأني لا أعي من حديثك إلا تراهات ؟ "

 

زفرت ليل نفسا بطيئا ثم أجابت وهي تجبر نفسها على الاسترخاء كي ينشط عقلها في وسط هادئ " المدة تنقضي مياسة .. وحتما ظهور نادر المنصوري لا مفر منه بل وأصبح وشيكا .. أول ما سيهدد به هو الشيك برقمه الضخم .. لذا أريد التخلص منه ولا طريقة لي إلا بسرقته .. لو كان سيعلم فليعلم .. على أي حال ستأتي المواجهة .. لذا لنتحكم نحن في زمام الأمور أولا وعلى غفلة منه "

 

زمت مياسة شفتيها تفكر بتنبه ثم سألت " ومن أين تدركين أنه يحتفظ به بخزنته تلك بالذات ؟ "

هزت ليل كتفيها تسرد من واقع علمها " سمعت بذلك قبل زواجي من فجر .. ترتيباته مع أمير كنت أعرفها كاملة .. فالمنصوري لا يعطي أهمية أصلا لتلك الورقة ولم يعتقد أنه قد يستخدمها يوما .. فجر بالنسبة له شخص يؤدي مهمة ولن يحاول المراوغة يوما معه "

 

رفعت مياسة حاجبيها بسخرية حادة " أتساءل لماذا لا يعطي أهمية .. ربما لأنه قادر على سحقه مثلا سواء بشيك مالي أو دونه ؟ "

تنهدت ليل ثم ناظرتها بأعين مترجية تطلب " أعلم .. أعلم بأنه قد يفعل أي شيء .. لكن ما يطمأنني أن أبي من المستحيل أن يفضح نفسه .. مطلقا .. وأنا قد قررت المواجهة وانتهى الأمر مياسة فلا تحاولي أن تثبطي أولى محاولاتي للنجاة "

 

رفعت مياسة أصابعها تفرك جبهتها بتفكير عميق ثم هزت رأسها قائلة " حسنا سيدة ليل .. لكن يؤسفني إخبارك بأن أمور العصابات لا تمت لي بصلة فأنا كل أعمالي سليمة "

هزت ليل كتفيها تخبرها بملل " في وسطنا يسهل الوصول لشخص ينفذ المهمة مياسة فلا تعقديها "

 

نظرت لها مياسة من أسفل حاجبها المرفوع قائلة باستنكار " هذا وسط خاص بنادر المنصوري يا ابنته .. أما أنا فابنة تاج الحكيم "

تأففت ليل ثم هتفت حانقة " وابنة عالية .. هل ستدعين الآن البراءة لعالية رجالا تشيب لهم الرؤوس .. عموما حسنا .. سأتصرف بطريقتي يا ابنة الحكيم .. شكرا "

 

ضغطت مياسة شفتيها ترمقها بغير رضا تماما ثم صرخت " تبا لكِ ولأفكارك السوداء تلك .. لقد فقدت عقلك "

ابتسمت ليل باتساع وقالت دون أن تكل " أريده في أسرع وقت .. أرجوكِ ساعديني ! "

هزت مياسة رأسها بعدم تصديق لكنها لم ترد فأمسكت ليل بيدها وأكملت باستغلال لحمائية مياسة " فجر يستحق عناء الحرب للحفاظ عليه .. إن رحل انتهيت أنا مياسة .. افهميني "

 

تأملتها مياسة لبعض الوقت وبدت شديدة التردد خوفا على ليل فقط .. ثم قالت فجأة شاردة " لمَ أشعر بأن جينات المنصوري طفت على سطحك فجأة .. بشكل يقلقني ! "

 

ابتسمت ليل بغموض وأجابتها بصوت بدا بغيضا لأذنها " هذا شيء لن ينفرني في هذا الوقت تحديدا .. أعترف بأنه يملك من الجينات ما يفيد أي إنسان في هذا الزمن "

التوى فم مياسة من مبدأها الكريه لكنها قالت متجهمة " عامةً .. سأرى أين يمكن البحث بسرية عن شخص مناسب لتلك الكارثة .. حقا لا أصدق من أين سأجدها لأجدها "

 

غمزتها ليل قائلة بخبث ولهجة ممطوطة " المصالح تتصالح .. أعدك سأكلم فجر عنكِ لتليين رأس المنسي بشأنك "

اتسعت عينا مياسة تصيح " مقايضات وكلام شعبي أيضا !! "

ضحكت ليل وأخبرتها بفخر " طبعا .. عاشرتهم لأشهر يا ابنتي "

انغلقت تعابير مياسة تدير عنها وجها قلق فزفرت بتوتر .. أي ورطة هذه !!

حسنا الأمر سهل .. فهي بالفعل لها علاقات تساعدها في الوصول لمراد ليل .. فقد تعاملت مع أكثر الرجال غلظة وجرما فلن تهاب مهمة كتلك لن يلتفت المنصوري لفاعلها بقدر ما سيهتم بغرض ليل ..

 

استمرت للحظات ساهية بغية تنظيم أفكارها إلى أن تشوشت فجأة فتنظر لليل بتردد ثم تسأل بفضول وحذر " ليل .. بما أنكِ تفهمين الشعبي قليلا الآن .. هل تعرفين معنى .. بغاشة ؟ "

 

ارتفع حاجبها في تعجب وأجابت متذكرة " نعم .. إنها حلوى شعبية "

 

فغرت مياسة شفتيها وهي تنظر أمامها للشارع في صدمة قبل أن تتمتم بصوت خفيض حانق " وأنا التي ظننها سبة غامضة .. حلوى شعبية يا ابن الـ ... "

 

......................

 

اليوم التالي ..

 

كانت سارة واقفة أمام جامعتها تلصق هاتفها لأذنها في سعي يائس للوصول إلى حسن منذ فترة دون أن يريحها برد ..

تنهدت بهم وهي تنزل هاتفها وقد ملت التكرار وأيضا هاتف سلطان مغلق ..

لقد أتت لجامعتها لإنهاء شيء ما قبل بدء سنتها الدراسية الأخيرة قريبا ..

 

والوقت هذا يتسم بازدحام المرور الآن ولا يمكنها طلب سيارة أجرة لما ستحتاجه من وقت للوصول ولا تحب إيقاف سيارة عشوائيا فهي وللأسف تتحرج وتتلجلج بالكلام وتبدو كحمقاء تائهة ..

 

رفعت يدها تعيد خلصتها الفارة لشعرها دون فائدة من فرط نعومته .. بينما تتوتر تلقائيا من نظرات بعض الشباب المارة يغازلونها ضاحكين ..

 

حينها بارتباك اتصلت بأمها وقد رفضت معاودة الوصول لحسن .. فهو أصلا بالكاد يهتم بها منذ فترة ولن تشأ أن تثقل عليه

 

أتاها صوت والدتها تسألها عن سبب تأخرها فأجابت سارة حانقة " أمي أنا عالقة في الشارع "

استفسرت أمها عن السبب فوضحت سارة أن حسن في اجتماع كي لا تورطه .. صمتت أم سلطان بتفكير حتى قالت بقلق " لا يوجد إلا أن توقفي سيارة أجرة حبيبتي .. وأعطيني أنا لأكلمه وسأظل معك على الهاتف لأتأكد من إيصاله لكِ لحد باب البيت "

 

كانت سارة مضطرة للموافقة فهي تعبت الوقوف بالشارع .. حتى سمعت صوت انتصار بجانب أمها تهتف " أعطني إياها يا أمي "

 

ناولتها أم سلطان الهاتف فسألت انتصار بلطف " سارة .. أخبريني أين أنتِ تحديدا .. سأرسل لكِ من يأتي لأخذك كي لا نقلق عليكِ "

 

......................

 

كثرة ترددها على الحي أعطاها الشعور بتعجب الناس في الشارع

ملفتة هي بهيئتها وتكرار تواجدها كل بضعة أيام ..

خاصة بتنقلها الغير مفهوم من بيت المنسي للجوهري أمام الأعين الفضولية والتساؤلات أخذت في التزايد ..

تقرأها جلية في الأعين المتشككة فأصبحت تنتظر اليوم الذي ستعلن فيه أحقية الظهور وقتما شاءت ..

 

بلا مبالاة وخطوات رشيقة قصدت مياسة بيت المنسي مباشرة ..

 وبنزق استنكرت عن سبب كون البيوت هنا مشرعة يسهل فتحها .. فهي تمد يدها ساحبة مفتاح الباب ببساطة !

 

هذا أمر لا يجوز مطلقا .. في النهاية نورين تجلس وحدها في البيت أثناء فترة غياب الهمجي !

 

أدركت أنها تثرثر كثيرا في نفسها بغرض الإلهاء عن توقع مواجهة لا تقرأ فحوى ختامها بعد ..

متروك الأمر كله بين يدي نورين .. لكن على الأقل تم التمهيد لها وقد مرت أيام كفيلة لها للتصديق ..

 

زفرت مياسة تصفي ذهنها من شوائب أفكار غير مهمة حاليا  مستمدة التماسك من قوة إيمانها بالرابط بينها ونورين ..

 

صعدت بيدها تطرق باب الشقة طرقات ثابتة لا تشي بتنافر انفعالاتها ..

 

استمر الصمت للحظات فأعادت الطرق ومجددا نفس النتيجة ..

 

عقدت حاجبيها وتململت لكنها لم تيأس فتعيد الأمر وقلبها يرجو بأمل ..

 

صوبت نظراتها للعين السحرية الخاصة بالباب فترى سده بعين شخص لتدرك أنها مراقبة ..

وبالفعل كانت نورين من خلف الباب تضع يدها على صدرها الخافق بعنف متأملة من أتت ..

 

حتى أجفلت تقفز للخلف ما أن استقر بصرها عليها فبدت وكأنها تنظر لها مباشرة ..

 

رجعت خطوات بظهرها متعثرة شاعرة بالتعرق وأن الأمر يفوق احتمالها فدمعت عيناها برهبة ..

 

فتستعيد بغرض حماية نفسها كلام سلطان وطلبه ألا تضغط على نفسها .. وهي الآن تشعر أنها تطحن نفسها !

 

زاد احتباس دموعها فهطلت بعضها بهرب وهي تستدير عن الباب الذي عاودت من خلفه الطرق فوق بطرقات خفيضة وكأنها تتوسل عبرها ..

 

لا لن تقدر ..

تعيد الطرق .. فتنكمش !

لن تقدر ..

 

" ارحلي " صرختها مع الطرقة الجديدة وهي تنتفض بغير احتمال قبل أن تعيد بصوت مبحوح متهدج " لن أقدر أرجوكِ ارحلي الآن "

 

نكست مياسة رأسها بألم من خلف حاجز خشبي كان لها أشد متانة من ألف جبل وهي تستشف كل هذا النبذ في صوتها .. ودونا عنها تشعر بالحقد على أمها !

 

فهي السبب الأول في كون أخت لها تلفظها بكل هذا الكره والرفض .. بل والأشد

كل هذا الرعب .. وكأنها لها جحيم فاتك

 

تجرعت حسرتها مع ابتلاعها ريقها وهي ترفع يدها تلمس الباب وكأنها تتمنى لو يفتح وحده بسحر ما ..

كسحر إخوتهما الصادمة ..

 

ليس عدلا ما يحصل معهما ..

لكنها عاهدت نفسها ألا تؤذيها ..

لذا سحبت نفسا تشد فيه إزر حالها نافضة بوادر الضعف .. ثم بهدوء اعتدلت في وقفتها ترمي العين السحرية بنظرة عميقة تعلم أنها تراها ..

 

ثم التفتت ونزلت السلم تغادر ملبية الطلب على أمل بالعودة غدا ..

لن تيأس .. ستفوز بها !

 

في الداخل ما أن راقبت جسدها يختفي من أمامها حتى كانت تنزلق جالسة على الأرض تزرع نظراتها من حولها بتيه ..

 

إنها ضائعة .. ولأول مرة طوال حياتها القصيرة تفعل شيئا من خلف عمر

وهذا يزيد من رعبها ..

تراقبها وهي تبدو مترجية بشكل مناقض لتجبر هيئتها فتزيد حيرتها

 

فماذا تفعل ..

أتعترف لعمر أم تتصرف لأول مرة وحدها !

 

.....................

 

كانت سارة جالسة في أحد المصاطب المخصصة للجلوس وحدها قريبا من الجامعة في انتظار مرور الدقائق الكسيحة لتنقضي وينقذها أحدهم ليعيدها سالمة لبيتها الآمن ..

لطالما أحبت البيت وتوترت من الخروج بمفردها .. منذ صغرها وكان التعامل مع الناس يربكها فلم تكن شخصا اجتماعيا يجيد الكلام .. رغم أنها لطيفة جدا مع المقربين منها !

ربما بسبب نشأتها المعتمدة على أخويها في الكثير من شئون حياتها .. أو لالتزاماتها المبكرة بخصوص البيت والاهتمام به فقل احتكاكها بالغرباء لتفضيلها معاونة أمها أولا ..

هذا أعطاها شعور مؤخرا بأنها غير مرئية جدا .. ربما بسبب حادثة زواج عمر ..

عمر لم يرها يوما .. وكانت أكثر حياء من تعرية مشاعرها بأي شكل ..

كما إنها لم تمر يوما بأي ارتباط عاطفي نظرا لاستهجانها تلك الأمور التي تحصل من خلف ظهور الأهالي ..

فبدت كطيف يمر مرور الكرام في حياة من حولها أحيانا لا يحس بها ..

ولحد وقت قصير لم يكن هذا مشكلة بالنسبة لها أو عيب ..

ولا تعرف لماذا تنجرف بأفكارها حاليا وكأنها تكتشف بعين ناقدة شخصيتها الشفافة ..

 

رمشت بتتابع وهي بهلع تحس بوخز مجهول في عينيها فتهبط نظراتها لساعة يدها الفخمة قبل أن ترفعها مجددا ببحث ملول وهي تهز ساقها بسرعة تدعو أن يمر الوقت لتُخرس ضجيجها بانخراطها في اهتمامات البيت ..

حتى توقفت بالقرب منها سيارة رياضية زرقاء داكنة لم تتبين من داخلها ..

حتى أنزل السائق زجاج النافذة يطل من خلفه مبتسما باسترخاء وهو يقول بتسلي فور رؤياها " مرحبا يا زهرية .. تأخرت عليكِ "

 

جحظت عينا سارة ببلاهة وهي تنظر له متجمدة .. لا .. قطعا لن تكون انتصار بغباء إرسال حازم ليقلها !

حتى لو كان ابن عمها يظل بالنسبة لها غريبا !!

سلطان إن عرف لن يسكت ..

 

لكنها لحظة وطلت من جواره أخته ( ميادة ) والتي مالت لتراها فتبتسم هاتفة وهي تلوح بحماس " مرحبا يا سارة .. هيا انهضي نعتذر للتأخير كنت عند طبيبتي "

 

رمشت سارة بعينيها وهي تستقيم متلفتة بارتباك لا تعلم كيف يكون الوضع الآن ..

تبا يا انتصار .. ليتك تركتني أستقل سيارة أجرة أرحم من تعاملي مع حازم ..

فهو شخص قادر على تجميدها من شدة الارتباك ..

 

راقبته وهو يفتح الباب مترجلا بتكاسل فيقترب منها ليزداد انكماشها وهي تتجهم في وجهه ساعية أن تبدو شرسة وغاضبة ..

لكنها وعلى عكس ما تمنت ظهرت كطفلة متذمرة حمراء الوجنتين ولطيفة للغاية خاصة وشعرها ينفلت كل لحظة على وجهها فتعيده بسرعة حانقة من النسمات الخريفية ..

 

اشتدت خضرة عيناه في ألق وترها وهو يقول ببطء " ما بكِ .. هل تخجلين .. معي ميادة "

تنحنحت وهي تتحلى بالعبوس قائلة " لقد أتعبت نفسك .. أنا سأركب سيارة أجرة "

 

أشار لسيارته يحل العقدة ببساطة منطقية " اعتبريها أجرة "

لم تنظر له بإصرار مغيظ وهي تتشبث برفضها " شكرا .. أنا مصرة سأركب سيارة أخرى "

بدأ يتململ فيناوشها مصطنعا الضجر " اركبي يا سارة .. ما تفعلينه طفولي للغاية "

انقلبت عيناها مستهجنة تكرر " طفولي ؟ .. هل تتهمني بالطفولية !! "

مط شفتيه متحكما في تعابيره المتأففة فزمت شفتيها وهي تصمم أكثر " أنا سأركب سيا.. "

 

" قلت اصعدي " بتر العناد الغير لائق برقة شخصيتها بصوت هادئ لم يغفل عن الحزم فيه .. فأجفلت تنظر له بصدمة ليعيد " أنتِ ناضجة كفاية كي تصعدي السيارة بعد أن تكلفت عناء الوصول لكِ في هذا الازدحام .. لن آكل منكِ ذراعك .. خلصيني عندي مشاغل " أنهى جملته وهو يتحرك لسيارته فاتحا الباب لها بلطف خالف تحدي نظراته فجف ريقها ..

 

ودت لو تمتلك قوة الصراخ والرفض والتمرد وأمره ألا يكلمها بتلك الطريقة شامخة بذقنها وهي تخبره أنها سارة الجوهري لذا فليزم حده ..

 

لكن نظرا لكونها سارة الجوهري تحديدا فستصبح أكثر خجلا من أن تقدم على فعل كهذا ..

لذا احترمت نفسها و كتمت قهرها من أسلوبه وهي تمشي بتردد صاعدة صاغرة مستقرة في مكانها بالخلف دون أن تلمح تلك الابتسامة المستمتعة على منظرها المكبوت ..

 

حتى أغلق الباب خلفها وصعد أمام المقود ينطلق بالسيارة رائق البال أمام نظرات أخته المترصدة باستمتاع !

 

........................

 

ليلا ..

 

" مريم .. تعالي لغسل أسنانك خلصيني " قالتها انتصار بصبر وصل لمنتهاه من ابنتها التي تذمرت تطلب مزيدا من الحلوى بطمع ..

 

لكن انتصار كانت أشد عصبية من تحملها فجذبتها محتدة وهي تصرخ " قلت خلصيني .. هيا لتخلدي للنوم تأخر الوقت "

شدت مريم نفسها بعيدا تهتف باعتراض " ولماذا تشديني بعنف "

أمسكت بها انتصار من جديد تطبق على أسنانها محذرة من بينهم " والله يا مريم لو لم تعتدلي فسأضربك .. لقد تعبت منك ومن قرفك "

 

كانت مريم تنظر لها مزمومة الملامح لكن عينيها حزينتان بلوم .. إلى أن خرج سلطان من غرفته يفك قبضة انتصار عنها وقال آمرا " مريم .. ادخلي للنوم "

 

نظرت بقهر وعتاب لأمها لكنها تحركت تلحق بسلمى الساكنة هي الأخرى تشاهد الصور التي ترسلها لها أمها بغرض مشاركتها بعض تفاصيل بيت الزوجية مع فادي قريبا ..

 

تململت انتصار تتحرر من تمسكه بها وهي تستدير عائدة لغرفتهما .. زفر نفسا طويلا بإرهاق ..

منذ أيام وهي تعامله بجفاء متباعدة وإن لم تهمل احتياجاته كاملة كزوج ..

هذا إن غض طرفه عن عدم حدوث أي تقارب حميمي بينهما ..

فكرة أنها تغار وترفض بحمية بدت له رائعة من الخارج .. لكن في نفس الوقت لم يقدر على التعامل مع هذا مطلقا

 

ورغم سعادته كرجل بذلك التملك نحوه لكنه عند الفعل تجاهلها مستمرا في تواصله مع مياسة دون وضع أي توضيح منطقي لانتصار بعد ..

يعلم أنها محقة ..

ورغم ذلك الوضع بقى كما هو عليه حتى نأت بنفسها تاركة إياه يضرب رأسه بالحائط دون ذرة عتب عليها ..

 

محترفة هي بأخذ موقف يهزه ..

فها هي لا تنقص عليه شيئا .. حتى لو طلبها في علاقة يدرك أنها لن تتمنع ..

لكنها نجحت في أن تخلف الفراغ بحضورها الشاحب ..

وها هو يعترف باشتياقه العنيف لضحكة رقيعة منها ..

لتدليلها له وتحملها لطباعه وكأنه طفلها الغالي ..

 

انتصار في فترة زمنية بالغة القصر أضحت محورا هاما في حياته ..

 

ولا يريد أبدا الاعتراف بذلك لها ..

لكنها زادتها !

 

أدرك أنه أطال في وقفته فتحرك لغرفة الطفلتين أولا مطمئنا على نومهما بسلام .. غافلا دون قصد عن اصطناع سلمى للنوم تغمض جفنيها الرطبين بالدموع والضياع ..

 

انتقل بعدها لغرفته فيجد انتصار وقد بدلت ملابسها لبجامة خريفية خاصة بالنوم .. تنتقل هنا وهناك مرتبة المكان والذي تعمد إثارة الفوضى فيه بقصد عله ينجح في مضايقتها لتنطق ..

 

لكن عبثا قد حاول !

 

وقف يراقبها خشن الوجه حتى أجفل وهو يراها تترنح في مشيتها وفي لحظة كان يقفز كقفزة قلبه ممسكا بها يهتف " انتصار .. هل أنتِ بخير "

تنفست بقوة وهي تستند عليه مغمضة العينين بحثا عن التوازن .. حتى تأكدت من ثبات استقامتها فتستغني عن دعم ذراعيه قائلة بهدوء وهي تنوي الابتعاد " أنا بخير "

أوقفها بيديه المشددين عليها وهو يسأل بقلق صافي " تبدين مرهقة .. هل أكلتِ جيدا اليوم ؟ "

أومأت وهي تتطلع لفكاك قريب من قربه " نعم .. أمك لا تترك شخصا دون أكل "

 

ابتسم بخفة وهو لا زال مصرا على التلاصق الذي انتعش ببعض الشرر الحار ما أن تماسّا " أنتِ من تصرين على الذهاب لبيت أمي كل يوم تقريبا "

أسدلت ستائر الرموش على عينيها توضح " أفضل من البقاء بمفردي في غياب الطفلتين "

هبط بكفيه من ذراعيها المرمريين إلى خصرها اللين بتمهل حسي جاهدت بعزم كي لا تستجب له وقد نجحت بينما يهمس محتالا " إذن .. لمَ أنتِ متعبة .. أ هو الاشتياق لي من أجهدك ؟ "

 

رفعت حاجبها عاليا وهي ترتقي بمقلتيها لخضراويه بكبرياء إلى أن ردت بصمود " لست متعبة "

 

يعني لست مشتاقة !

فكر بمعنى كلامها المستتر فزادت بسمته انثناءً بينما يجابه بنبرة ملتوية شديدة الحرارة " لكني متعب .. بشدة "

تهكمت ببرود " يا مسكين ! "

 

تغضنت زوايا عينيه في ابتسامة بالغة جادت على حدقتيه باللمعان بينما يقول مستعطفا " مسكين جدا والله .. أ تكرميني في جنتك "

لم تهبه ردا وهي تدير وجهها عنه وقد ضاقت جنتها بشعور ضيقها من أفعاله .. فانحنى لاثما فكها بقبلات خفيفة حتى كرر إلحاحه " أترفضيني يا انتصار ؟ "

نظرت له تجيب بسكون " لا أعصى الله في واجبي تجاهك "

 

أجفل قلبها وجلا من هوجاء ناره التي تأججت في نظراته لحظيا .. حتى عادت عيناه للدكنة قبل أن يبتعد فجأة عاتقا جذعها ليهاجمها احساس البرد وهو يرد نائيا " بارك الله فيكِ يا انتصار .. شكرا لواجباتك لا أريدها .. أغلقي الضوء لدي عمل غدا "

 

نظرت لظهره بصدمة وهو يتمدد على سريره دون مصالحتها أو إعطائها مبرر واحد تعذره به ..

أومأت بصمت وهي تغلق النور ذاهبة بجانبه لتنام كاتمة الغضب والتوعد ..

لا بأس يا سلطان .. لنرى !

 

......................

 

إنها تحب الخريف جدا ..

فرغم كآبة مشهد تساقط أوراقه الصفراء كنهاية ذابلة لكنه يوحي لها دائما ببداية وشيكة ..

كفرصة جديدة مآل القدر أن يهديها لصاحبها ..

حتى لو مضى الخريف منهزما فهناك طريق جديد يُفتح يغزوه ازدهار جديد !

 

ابتسمت مياسة بميل شابه بعض شجن الخريف .. لكن لمعة الفرصة المكتسبة في عينيها سطعت ترقبا لفصل داني ..

 

فحتى مع تكرار سقوط أوراق فرصها مرة تلو الأخرى .. لم ترتدع

 

لقد نبذتها نورين يوما بعد يوم

لكن ها هي في يوم جديد أتت بأمل لم يخبو بعد ..

 

زفرت مياسة وهي تصل لبيت المنسي .. وكالعادة شرعت الرؤوس في الارتفاع المعتاد رغم أن البعض قد مل التساؤل وتجنب الفكر فيها ..

 

هذه المرة اقترب أحد المتزلفين منها وهي تفتح بيت المنسي فيدنو طارحا السؤال الفضولي " مساء الفل يا آنسة .. هل تقربين لبيت المنسي .. كثرت زيارتك وهم أحباؤنا "

التفتت مياسة ترميه بنظرة باردة أربكته وهي ترد رادعة " ما شأنك ؟ "

رمش الرجل بعينيه متوترا لكنه تنحنح بخشونة زائدة يبرر " نحن نقلق خاصة والبنت نورين وحدها بالأعلى "

 

لم يتبدد برود مياسة وإنما تثاقلت طبقاته في عسليتيها وهي تتكلم بينما فتحت الباب " ادخر قلقك في شيء يخصك واحتفظ بأنفك داخل حياتك فهي لا تخص الناس ليتحملوا حشرها "

 

اتسعت عينا الرجل بصدمة لكنها دخلت تغلق الباب أمامه ليعبس وهو يغمغم ذاهلا " هل كل ما يتعلق بهذا البيت بعيار منفلت !! "

 

ارتقت السلالم المحفوظة لساقيها بسرعة وهي تنظر في ساعتها .. تكاد تجزم أن نورين الآن تنظر من العين السحرية كما تفعل كل يوم ..

لكن .. كم تتمنى لو تتغير النهاية هذه المرة فتفتح لها الباب لا تأمرها أن ترحل من ورائه ..

 

من الجيد أنها تجيد تحمل الألم ..

 

ابتسمت ما أن لاحظت خيالها بالعين السحرية وتعمدت أن تتشبع ابتسامتها بكل الدفء الممكن ..

 

قبل أن ترفع يدها طارقة وقلبها لا يكف عن الدعاء ..

 

افتحي يا نورين .. افتحي ..

 

عادت الطرق عدة مرات حتى بدأ اليأس يتخللها متمكنا ..

لكنها تجمدت تزدرد لعابها وهي ترهف السمع لصوت المفتاح يلف في الباب عدة مرات .. بتردد وبطء

 

لتتسع عيناها وشفتاها ترتجفان بالابتسام ما أن تحرك الباب أمامها فيقابلها الفراغ ..

 

رمشت بعينيها وهي تميل ببحث علّها تظهر من مخبئها .. حتى ظهرت عين نورين الشبيهة بخاصتها وهي ترنو لها بوجل

 

فذاب قلبها وابتسامتها تتسع في ذهول وقد شابهت قطيطة ناعمة خائفة يتوق الفرد لاحضانها متنعما بجمال فرائها ..

 

ظهر وجه نورين أكثر فتجفل مياسة من الدموع بمقلتيها .. لتتكلم برقة محاولة التخفيف عنها " مرحبا نورين .. ابهرتني بمجابهتك بفتح حصنك لي أخيرا "

 

 توترت نورين وهي تتشبث بالباب بعنف حتى تألمت أصابعها واحتبست في أطرافها الدماء بشكل ناقض هزال وجهها الشاحب ..

 

فتحت نورين فمها وعادت تغلقه وكلامها محشور لا تجد بداية الخيط لفرطه ..

 

فبادرت مياسة من جديد برفق " أنا ممتنة جدا لكِ لمجرد محاولتك .. "

 

عادت عينا نورين تدمعان وهي تشهق فجأة هامسة بتعثر " لا .. أقدر "

سارعت مياسة تتكلم " لا بأس .. لا أريد شيئا والله .. أريد فقط أن نتكلم "

 

هزت نورين رأسها وهي ترفع يدها لموضع قلبها المتخبط واضطراباتها لا ترحمها .. حتى همست من جديد بألم " لا أقدر "

صمتت مياسة بعجز تكاد تئن غضبا من الظلم .. لكنها همست بتفهم تام " لا مشكلة .. لا تضغطي على نفسك .. لا يهمني إلا راحتك ولو كانت ضد رؤيتي لكِ فهي أولى "

 

شهقت نورين وهي تتقاذف بين طيبة ورفض .. كانت مياسة تكافح للمس عمقها بذكاء

بذرة نورين الحسنة تشجب الاستمرار في إيلام مياسة .. خاصة وهي وحدها دون درع عمر من حولها ليتصرف نيابة عنها

 

" عمر سيأتي بعد نصف ساعة " قالتها نورين بسرعة وهي تحتمي باسمه من كل سوء وهمي مهدد ..

 

فرفعت يدها مياسة يدها تقول في الحال " حسنا .. يكفيني أني رأيتك .. ربما آتي غدا في وقت أبكر .. أقصد لأطمئن عليكِ يعني "

 

أومأت نورين بسرعة وهي لا تريد إلا رحيلها فقط هذه اللحظة

 

فأهدتها مياسة ابتسامة ناصعة مشجعة وهي تعدل من حقيبتها على ذراعها قائلة بسعادة " شكرا لكِ من جديد على تلك الفرصة .. وبإذن الله أراكِ غدا .. اتفقنا "

 

هزت نورين رأسها بتشوش ودموعها تجف قليلا مع بعض الهدوء الذي سكن قلبها مهدئا من قفزاته .. حتى أغلقت الباب ببطء في وجهها دون وداع ..

 

لكن مياسة لم تنقص سعادتها .. نورين صحيح لم تدخلها البيت

لكنها فتحت لها الباب

وهذه نقطة نصر أحرزتها بصبرها لأيام طالت جدا عليها ..

 

نورين حنونة بالفطرة .. وهي ستحسن استغلال هذا جيدا

 

.......................

 

كان حسن واقفا في كافتيريا الشركة مستندا على الحاجز الذي يقف من خلفه العامل ينتظر طلبه وهو يتلاعب شاردا في هاتفه على لعبة ما ..

 

كان يشعر بالجوع كثيرا مؤخرا .. وذلك بعد استلامه لمشروع عمل قرر توليه بنفسه بعد إصرار عنيد منه أمام سلطان الذي كان يخبره أن يترك المشروع لموظف متخصص ويكتفي هو بالإدارة ..

 

لكن حسن يملك الكثير من الطاقة وينوي إخراج المشروع بأكثر الطرق احترافا مستثمرا كل جهده فيه

 

أغلق الهاتف والعامل يعطيه طعامه الخفيف فابتسم حسن بخفة يشكره قبل أن يحمل طعامه ماشيا بين الطاولات القليلة ..

بحث بعينيه عن مكان فارغ حتى وجد مراده .. لكنه لمح منار تسير بالقرب منه عائدة لطاولتها وهي تحتسي قهوتها الساخنة فنادى عفويا " مرحبا منار "

 

تصلبت برهة وهي تستدير إليه بدهشة بالغة .. بينما تلاحظ الأعين الفضولية التي ارتفعت لها فاحمر وجهها لكنها ابتسمت ترد ببلاهة " مرحبا سيد حسن "

دنا منها قائلا " هل تجلسين وحدك ؟ "

أشارت لطاولتها فقال " كانت مرادي .. خذيني معك إذن "

فغرت فمها قليلا وهي ترمقه بغباء .. فاسترسل بحرج متأخر " أقصد .. لو لن يضايقك "

نفت بسرعة وكانت لتصبح غبية لو لفظت فرصتها القدرية فتقول " لا لا .. أنا وحدي عادة .. تفضل "

 

سار بجوارها حتى جلسا معا فشرع بأكل طعامه وهو يسأل متعمدا احراجها " ألم تجلبي المحشي معك "

اتسعت عيناها وتضرج وجهها أكثر وهي تنشغل عنه رامية نظراتها من حولها فيزداد ارتباكها من استغراب الموظفين بجلوس حسن الجوهري مع إحدى الموظفات علنا راسمين بعض الصور في مخيلاتهم ..

 

سمعت صوت ضحكته وهو يخفف عنها " أمزح معك .. بالمناسبة أنا أحب المحشي أصلا "

ابتسمت عندها وهي تقول ببعض الشقاوة " هل هناك من لا يحبه "

 

تعمقت ابتسامته وهو يوافقها بشرود " نعم .. معك حق منار " ثم رمش مركزا معها يمازحها بالمزيد " المرة القادمة اجلبي معك صحن ملوخية "

 

نظرت له كحمقاء حتى رفعت يدها تكتم ضحكة انفجرت فيها وشاركها معها مبتسما باتساع

 

.........................

كانت ليل في غرفتها منذ الصباح تسير جيئة وذهابا في أنحائها المحدودة بغير رشد ..

هاتفها في يدها تترصد أي صوت يصدر عنه ..

منذ الأمس لم تنم ..

 

حيث كان الموعد الذي حدده الرجل في اقتحام بيت المنصوري ..

 

لم تكن الصعوبة تكمن في إيجاد الرجل أو اقتحام البيت .. لكان ليصبح الوضع أشد تأزما لو كان الغرض هو أذية فعلية للمنصوري ..

لكن ما يطمأنها على مياسة أن أباها ما أن يعي ما سُرق منه تحديدا فسيترك الجميع مركزا مع مراد ليل فقط ..

خاصة ولم يتم سرقة أي شيء إلا الورقة بالذات وفقط .. وقد أبت مياسة أن يسرق حتى أي مال منه

 

في الحقيقة من تخشى عليها هي مُنى .. والتي لولاها لما نجحت .. حيث هي من استطاعت تمهيد الأمر وفتح الطرق للرجل قبل رحيلها عن الفيلا ..

لكن منى والتي كانت غبية لم تفهم أي شيء ولا ظهور ليل باتصالها المفاجئ السري وهي كالباقيين ظنتها خارج البلاد .. أصرت على فعل كل ما تراه بمصلحتها مهما كانت النتيجة ..

كانت منى نعم الصديقة لها لسنوات ولم تخذلها يوما ..

 

ورغم قلق ليل عليها .. للأسف كانت مستغلة كفاية لتوافق تضحية منى ..

 

زفرت ليل وهي تنظر للهاتف تسب وتلعن .. لماذا لم تكلمها مياسة بعد !

 

مر الوقت بطيئا وطويلا انهارت فيه أعصابها حتى وثب قلبها بالنبض مع رنين الهاتف الذي ارتفع كزغاريد فرح شعبي ..

 

ردت فورا على مياسة " بشريني "

صمت ممتعض وصل من مياسة حتى زفت النبأ السار وهي تقرأ الورقة الصغيرة في يدها " الشيك في يدي "

 

اتسعت عينا ليل بشدة حتى ضحكت كمخبولة وهي تقفز كطفلة متشردة قبل أن تقول لاهثة " أريدها بأسرع وقت .. أريد الاحتفال بتمزيقها أشد تمزيقا مع فجر "

 

زفرت مياسة نفسا يائسا وهي تخبرها باستسلام " حاضر .. أنا قادمة أصلا لنورين .. يفضل لو تقابليني الآن "

 

........................

 

 

كانت نورين جالسة في غرفتها تعض على شفتيها وهي كل هنيهة وأخرى تحدق بالساعة المعلقة بالحائط متجاورة مع صورتها وعمر ..

 

 نهضت بتثاقل متحركة للمرآة تنظر لوجهها بدقة .. أحيانا تشعر بنفسها أشد غرابة عن السابق ..

بل أحيانا تشهق مجفلة بتوهمها بشعرة بيضاء تتخلل خصلاتها ..

لكن ما أن تقترب متمعنة حتى تجد الشعرة لا زالت تحتفظ بعسل تلونها وما الأبيض إلا انعكاس ضوء ..

 

ما يجفلها كونها تصدق لوهلة خروج بعض الشيب لها .. وكأنها تطبق كون الشيب شيب قلوب لا سن !

 

رتبت شكل خصلاتها في ذيل الحصان خاصتها بينما تغرق بتفكير بشأن أخيها ..

يؤلمها كونه في غفلة عما يحصل .. تحس بنفسها تغدر به بل تذرف الدموع ليلا على ذلك ..

 

هو لم يعد يتحدث عن مياسة تحسبا لأي أذى نفسي قد يطولها .. آخر مرة أخبرها أنها لم تعد تظهر وسلطان لم يعد فتح الموضوع ..

 

تستطيع استشعار توجسه .. وتجيد التهرب بعينيها منه

لكن ورغم العذاب هي لا تنشد إلا أمان أخيها .. لا تنفك عن استعادة كلام سلطان المحذر بشأن تهور عمر

 

لا تنفك عن تذكر سكينا كاد يغرز في قلب شريف ما أن اعترض طريقها يوما وقد نجحت بمنعه بأعجوبة ..

 

بإمكانها ببساطة أن تتهرب محتمية خلفه .. لكنها تريد المواجهة هذه المرة ..

إن كتب عليها الألم فلتأخذ نصيبها .. لن تسمح بالمزيد لعمر

يكفي كل ما قدمه وسيقدمه .. كما إنها لا تفعل إلا محاولة معاونته في صلب طولها بنفسها ..

 

وإن شعرت برغبة السقوط .. فيداه موجودتان على كل حال ولن يسمحا لها بالأذى

 

زفرت نورين بارتعاش تغمض عينيها .. لحد الآن بالكاد تصدق كون لها أخت !

 

أخت ظهرت من العدم لم تتوقعها ولا حتى تمنتها يوما ..

كانت مكتفية ولا زالت طوال العمر لذا لا يهمها هي أو غيرها ولن يقدر أحد على إجبارها على ما لا تريد ..

 

فتحت عينيها من جديد ترمق انعكاس حدقتيها في المرآة ..

 

ولوهلة تخشبت إثر طول التركيز .. عيناها تشبهان مياسة لحد ما !

 

ضحكت فجأة كمعتوهة وهي تفكر بارتباك .. الأمر مرعب حقا !

 

أدارت وجهها عن شكلها لفظا لمزيد من الاستكشاف وهي من جديد تنظر للساعة .. لماذا لا تتوقف عن التفكير بشأن تلك المياسة المرفوضة والتركيز المهتم على ملامحها الداعمة المحبة المحتوية ..

 

لماذا تمثل الحب عليها !

فمن المستحيل أن تكون قد أحبتها بين يوم وليلة !

كما أن ذلك الشخص الذي أنجبها قد مات .. فلماذا أتت !

ماذا تنوي تماما !

بمَ تفيدها هي !

 

كلها أسئلة أخذت تتدفق بطول الأيام المنصرمة فسحبتها لدوامة سريعة بجنون جعلتها تتشتت عن الوجع مركزة على البحث عن إجابات تائهة ..

كلها لن تحصل إلا بمقابلة مياسة ..

سترفضها نعم ..

لكنها ستعلم أولا ..

 

وستخبر عمر لاحقا متحملة غضبه !

 

دق الباب فانتفضت وقد اجتاح الوجل صدرها محتلا بارتفاع الطرق ..

 

نظرت للساعة بسرعة قبل أن تتحرك بتردد ناحية الباب .. وكالعادة تنظر من العين السحرية فتقابلها نفس الهيئة المبتسمة برجاء ..

 

ولا تعلم لماذا ينتابها إحساس أن الرجاء لا يليق بتلك المياسة .. بل هي أصلا تتوجس منها !

 

زفرت وهي تستمع للطرق فترفع يدها تلف المفتاح مرة تلو أخرى .. قبل أن تمتد يدها بارتعاش لعتلة الباب كي تفتحه ..

 

وإن كانت أشد تماسكا من الأمس لم تتحكم في خوفها ما أن رأتها ..

 

لقد تساءلت كثيرا عن الوقت الذي تمل فيه مياسة من كثرة القدوم لبيتها والعودة خالية الوفاض ..

 

لكنها لم تفعل لحد الآن !

 

احتقن صدرها بنفس محبوس وهي ساكنة أمامها ولم تدرس كيف تكون الخطوة التالية أصلا ..

 

فتبادر مياسة بإمساك الطرف بحرص " مرحبا نورين .. كيف حالك "

 

لم تجبها وهي تعقد حاجبيها قليلا فأكملت مياسة دون أن تتلاشى بسمتها " هل يمكنني طلب قليل من الماء ؟ "

ارتفع حاجبا نورين بدهشة وهي لا زالت متصنمة فتابعت مياسة برفق " منذ وقت وأنا بالخارج وقد تعجلت القدوم بلهفة منعتني من شراء زجاجة ماء بالطريق "

 

لعقت نورين شفتيها وهي تومأ ببطء دون حراك خطوة فقالت مياسة تحثها " شكرا مقدما "

 

حينها بارتباك سارت نورين تترك الباب على مضض متوجهة للمطبخ .. قبل أن تجلب كوب من الماء والذي أخذته مياسة تتجرعه كاملا رغم أنها أصلا لم تحس بالعطش ..

 

ثم شكرتها تعطيها الكوب وهي تقول ولا زالت على العتبة " شكرا جدا .. منذ الصباح وأنا بالشارع بالفعل أكاد أموت من التعب "

 

عقدت نورين حاجبيها أكثر وهي تقول بفتور " هل تحاولين إثارة عاطفتي لإدخالك للجلوس .. هذا مكشوف جدا .. فأنا في الثامنة عشر من عمري لأفهم المغزى "

 

ضحكت مياسة ضحكة قصيرة بصوت خفيض ثم مالت برأسها فتميل خصلاتها المحكمة بذيل حصان أعلى رأسها وهي تجيب بصراحة " نعم .. هذا صحيح .. فهل تدخليني أم تردين بابك لآتي غدا "

 

أطرقت نورين قائلة " أنتِ لا تيأسين صحيح ؟ "

أومأت مياسة تهمس " بشأن من أهتم بهم لا .. لا أيأس "

 

نظرت لها نورين تسخر بجرح " وهل تهتمين بي الآن "

عادت مياسة تومأ وأجابت " نعم نورين .. فأنا على عكس ظنونك .. مظلومة مثلك .. وهبني الله أختا حُرمت منها وعشت طوال عمري وحيدة .. لذا نعم أهتم بكِ كهدية فاجأني بها الله "

 

لم تتغير تعابير نورين وهي تسكن لفترة حتى قالت " هل من المفترض أن يؤثر هذا بي ؟ "

هزت مياسة رأسها نفيا وطلبت بلطف ذكي " ربما لا .. لكن يفترض أن يحثك على إعطائنا فرصة .. مجرد فرصة "

 

سكنت نورين من جديد إلى أن أخبرتها " عمر سيأتي بعد ساعة "

بحذر قامت مياسة بتنقية كلماتها فترد بابتسامة متزنة " سأكون أختا جيدة خلالها .. أعدك "

 

ارتجف شفتا نورين فلعقتهما وهي تبتعد للخلف فاتحة بابها المنيع هامسة بقلب واجف " ادخلي كضيفة لا أخت .. فوقتك معي محدود "

 

......................

 

صعدت ليل بخطوات متحمسة لبيتها تفتح باب شقتها مبتسمة ببهجة لم تستطع منعها بما تحمله في جيب بنطالها ..

 

اقتربت من شروق تقبل خدها بقوة بمزاج رائق ضحكت منه شروق التي قالت " ماذا .. أين الحلوى التي أردتِ شرائها ؟ "

غمزت ليل وهي تخرج لها قطعة حلوى اشترتها لها وقالت ملوحة بها " تفضلي يا شروق العمر أنتِ "

 

ابتسمت شروق وهي تربت على خدها وهمست " شكرا حبيبتي .. اعطيها لفجر فهو بالغرفة "

 

قفزت ليل مستقيمة تهتف " هل عاد مبكرا "

أومأت شروق تحثها على الذهاب له فاستأذنت ليل تقتحم عليه الغرفة لتجده يبدل ملابسه متجهما ..

 

ودون أن تتحرج من عري جذعه تقدمت منه بدلال " عدت مبكرا "

التفت لها على نفس حالته يقول مهاجما " أين كنتِ يا هانم "

تنهدت وهي تخبره بحالمية " كنت أجلب نجمة من السماء لنا "

فاجأها بضغطه على مرفقها يصيح حانقا " أنا لا أمزح .. أين كنتِ وكيف تخرجين دون إخباري "

 

من جديد لم تتذمر من تعنته بل أهدته قبلة على خده هامسة " ولا أنا أمزح والله "

 

ناظرها بصبر نافذ فعضت على شفتيها وهي لا تقدر على الإخفاء رغم نيتها مسبقا أن تفاجؤه بشكل رومانسي ..

لكن كل ما يتعلق بعيني فجر سيكون رومانسيا بأقل مجهود .. يكفي فقط مجرد وجوده

 

اقتربت منه ملازمة لجذعه تسأله بدلع " أغمض عينيك "

" ليل " صاح مستنكرا فضحكت تستفزه أكثر وهي تكرر بتذمر " قلت أغمض عينيك .. عندي مفاجأة وأنت تفسدها بعبوسك هذا "

 

تأفف غير فاهم سبب هياج حالتها وكل تذبذبات الحماس التي تشع منها ..

 

حتى انصاع يغمض عينيه متخصرا فرمته بنظرة حارة وقد كان مثيرا في عينيها بهيئته لدرجة أن ابتلعت ريقها .. لكنها تنحنحت للتركيز على ما تبتغيه الآن مخرجة الورقة من يدها والتي قابلت مياسة خارج الحي لأخذها بسرعة قبل قليل ..

 

فتضعها لتستقر في كفه الذي فردته فوق يدها ..

 

عبس فجر وهو يفتح عينيه متعجبا حتى أمسك الورقة وهي تراقبه بانفعال مكتوم وقلبها كاد يخرج من مكانه من شدة الخفق ..

 

فتحها ولحظات مرت عيناه على فحواها حتى تلاشى كل تعبير عن وجهه وشحب قليلا وطل شبح القلق في مضيئتيه فتعتمان ..

 

رفع لها التساؤلات المتعددة التي تفجرت بسرعة صاروخية فارتجفت وهي تقول له بارتعاب حقيقي سمحت له ليخرج " لقد سرقته يا فجر .. وبمجرد علم المنصوري .. فنحن سنواجه نيرانا مستعرة .. وهذا قريب جدا .. فلا تترك يدي وأنا لن أفلتها كما أمرتني .. مستعد حبيبي ؟ "

انتهى الفصل
متنسوش الفوت وقولولي آرائكم
وعاوزاكم تستعدوا للجاي بقا 😂🙈💖

Continue Reading

You'll Also Like

7.2M 355K 71
" سَــتَتركينَ الـدِراسة مِــن الــغدِ.. لَــقد سَـحبتُ مـلفاتكِ مِــن الـجامعةِ بـالفعل ..! " " مـالذي تَــهذي به..!؟ " " هــذا مــا لَـدي... لاتَ...
16.3K 721 24
ممثلة مشهورة في مواجهة الموت كل فنية والآخرى لسببٌ مجهول، ومن قاتل مجهول.. فمَ اقترفته؟ وما الذي جنته؟ وذات مرة ينقذها سائق سيارة متدين، وتدعي الم...
773K 22.6K 38
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...
99.4K 5.6K 45
Covered by: BatO_ot النهايه ليست دائما سعيده... بل يمكن ان تكون مؤلمه .... صادمه.... حزينه.. لكن اعلم دائما ان كل نهايه لقصه ماا... تكون بدايه لقصه ا...