فجري أنت ، بقلم آلاء منير

By AlaaMounir201

613K 22K 6.2K

ماذا يحدث عندما تتلاقى سمو المبادئ مع دنيا الرغبات ! عندما تضعك الحياة بين اختيارين أحلاهما علقم .. عندما تُخ... More

تواقيع الأبطال
المقدمة
الفجر الأول
الفجر الثاني
الفجر الثالث
الفجر الرابع
الفجر الخامس
الفجر السادس
الفجر السابع
الفجر الثامن
الفجر التاسع
الفجر العاشر
الفجر الحادي عشر
الفجر الثاني عشر
الفجر الثالث عشر
الفجر الرابع عشر
الفجر الخامس عشر
الفجر السادس عشر
عودة 💫
الفجر الثامن عشر
الفجر التاسع عشر
تنويه 😍
الفجر العشرون
الفجر الواحد والعشرون
الفجر الثاني والعشرون
الفجر الثالث والعشرون
الفجر الرابع والعشرون
الفجر الخامس والعشرون
الفجر السادس والعشرون
الفجر السابع والعشرون
الفجر الثامن والعشرون
الفجر التاسع والعشرون
الفجر الثلاثون
الفجر الواحد و الثلاثون
الفجر الثاني و الثلاثون
الفجر الثالث و الثلاثون
الفجر الرابع و الثلاثون
الفجر الخامس و الثلاثون
الفجر السادس و الثلاثون
الفجر السابع و الثلاثون
الفجر الثامن و الثلاثون
الفجر التاسع و الثلاثون
الفجر الأربعون
الفجر الواحد و الأربعون
الفجر الثاني والأربعون
الفجر الثالث و الأربعون
تابع الفجر الثالث و الأربعون
الفجر الرابع و الأربعون
الفجر الخامس و الأربعون
الفجر السادس والأربعون
الفجر السابع و الأربعون
الفجر الثامن والأربعون
الفجر التاسع والأربعون
الفجر الخمسون
الفجر الواحد والخمسون
الفجر الثاني والخمسون
الفجر الثالث والخمسون
الفجر الرابع والخمسون
الفجر الخامس والخمسون
مهم 💖
وحشتوني 💖
الفصل السادس والخمسون
الفجر السابع والخمسون
الفجر الثامن والخمسون
الفجر التاسع والخمسون
الفجر الستون
الفجر الواحد والستون
الفجر الثاني والستون
الفجر الثالث والستون
الفجر الرابع والستون
الفجر الخامس والستون
الفجر السادس والستون
الفجر السابع والستون
الفجر الثامن والستون
الفجر التاسع والستون
الفجر السبعون
الفجر الواحد والسبعون
الفجر الثاني والسبعون
مهم جدا
الفجر الثالث والسبعون
الفجر الرابع والسبعون
الفجر الخامس والسبعون
الفجر السادس والسبعون
الفجر السابع والسبعون
الفجر الثامن والسبعون
الفجر التاسع والسبعون
الفجر الثمانون
الفجر الواحد والثمانون
الفجر الثاني والثمانون
الفجر الثالث والثمانون
الفجر الرابع والثمانون
الفجر الخامس والثمانون
الفجر السادس والثمانون
الفجر السابع والثمانون
الفجر الثامن والثمانون
عيد ميلاد 👑🎂
موعد عودة 💖
الفجر التاسع والثمانون ( والأخير )
ختام الفجر ضي

الفجر السابع عشر

4.7K 194 5
By AlaaMounir201

عند بداية اشراقة الصباح الباكر كانت ليل تفتح عينيها المنطفئتين ترنو للسقف الشبه معتم للحظات قبل أن تلتفت رأسها ببطء حيث جسد شروق الهانئة بنومها الرتيب بجانبها ..

 

إنها تشاركها النوم منذ أيام .. بعد ما حدث بينها وبين فجر تحديدا ..

فقد أخبرتها شروق بأن المرأة عندما تغضب من زوجها تذهب لبيت أهلها حتى يراضيها ..

وهي - شروق - أهلها ..

لذا أصرت على بقائها في غرفتها متجاهلة تذمر فجر الذي لم يكن رافضا بجدية وكأنه بالفعل لا يرغب بقربها ولا يمانع نومها مع أمه ..

 

وهكذا .. مرت الأيام بينهما بتباعد تام من الطرفين كل منهما في عالم آخر يسبح فيه معيدا حساباته ..

دون أن يجدا نقطة التلاقي بعد أو يحددا ما القادم ..

تاركين شروق بينهما بجهل تام لما يحدث ..

 

و تلك الأيام التي مرت كانت تستعيد فيها توازنها فترى إلى أي درجة كانت دنيئة رخيصة بأفعالها ..

كلما تذكرت ما فعلت ترتعش بذعر ..

لو انحدر فجر معها إلى وحلها ماذا كان سيؤول إليه حالها .. بل حالهما معا !

إلى أي درجة هي مشوهة جدا فأرادت تشويهه معها بدافع الخوف من العودة تحت سيطرة من لا رحمة في قلوبهم ..
 


زفرت ليل باختناق ثم استقامت مغادرة السرير بتمهل حتى لا توقظ أمها وخرجت من الغرفة تتوجه للحمام ..

عندما وقفت أمام المرآة كانت تنظر لوجهها في حاله الذي يرثى له ..

لكنها لم تقف عند هذا كثيرا فعلى الأقل هي مجرد آثار بكاء وأرق فقط دون علامات ضرب أو صفعات طائشة !

 

خرجت من الحمام تجفف وجهها فشعرت به موجودا بالمطبخ ..

كنسمة فجرية باردة مداعبة لقلوب متقدة ..

 

اقتربت بخطوات مترددة جبانة تقف على باب المطبخ فتجده يعطيها ظهره منشغلا بما يفعله كل يوم من تجهيز طعام الافطار حتى نصفه ليُنهيه ما أن يعود إن لم تفعل أمه ..

 

كانت تحركاته خفيفة جدا كشخص يحرص ألا يصدر ازعاجا لمن حوله .. ابتسمت ابتسامة حزينة سرعان ما تشققت وهي تراه وقد تصلب لثواني رافعا وجهه أمامه دون حركة ثم عاد ينشغل بعمله بهدوء ..

 

لقد شعر بوجودها ..

عادت شفتاها ترتجف بالابتسام الضعيف وقلبها يتخلى عن رتابة قفزاته بشكل بائس ..

على الأقل شعر بها دون أن تتكلم فهذا إحساس مميز بالنسبة لباهتة وجود مثلها ..

 

عندما استدار لها أدركت أنها شردت لوقت طال حال دون هروبها من مجابهته ..

نظرت لعينيه فانتفض قلبها ملتاعا من النظرة الباردة المظللة لمقلتيه ..

ودون أن يوجه لها حرفا سار متحركا لغرفته متحاشيا حتى ملامستها وهو يمر بها ..

 

نكست ليل رأسها بمشاعر عديدة ثقيلة أعيتها ..

بين ألم ..

حزن ..

وغضب عنيف لا تعرف إن كان موجها له أم لها ..

والكثير من .. الاشتياق لوجوده !

 

حزمة مشاعر تضغط على أعصابها بتقلباتها ..

 

ولكن رغم الرغبة بالفرار إلى أن يرحل لعمله كما تعودت الأيام المنصرمة .. لم يطاوعها جسدها الخائن هذه المرة وكأنه تاق الحنان والرفق بعد سنوات صرعته الآلام ..

فتوجهت للغرفة تدخل إليه بعينين كسيرتين ..

 

رفع وجهه متفاجئا ينظر لها عبر المرآة الواقف ينهي استعداده أمامها للذهاب للعمل وقد ظهرت خلفه تطالعه بتردد وضياع لم يُظهر رد فعل حنون أمامهما كما تمنت ..

 

سحب بعدها أشياءه يمضي للباب الواقفة بجانبه ينوي الرحيل ..

 فأوقفته تلقائيا بصوت مخنوق وهي تتشبث بساعده لا شعوريا وقد كرهت الجفاء " فجر .. "

أنزل عينيه خاليتيّ التعبير لموضع يدها فتحشرجت أنفاسها متوقعة لفظه لها بنفور لكنه عاد ينظر لها صامتا مخالفا توقعها فتهمس مترددة بأمل " ألن .. ألن نتكلم .. لقد مضى وقت ؟ "

 زم شفتيه للحظة قبل أن يجيب بهدوء " هل هناك المزيد لتضيفيه فوق قولك الأخير ؟ "

هزت رأسها بغير معنى تقول له مبررة بعجز " فجر .. أنا .. الأمر حقا لم يكن يعنيك بشيء .. ليس .. ليس لك دخل .. فقط .. "

 

" هذا أسوأ " قاطع كلماتها العشوائية بسخط وأكمل " كونك تدركين أن لا دخل لي بشيء فهذا أسوأ .. "

ارتجفت شفتيها تزيد من تشبثها بساعده دون إدراك فأبعد يدها بحدة قائلا واصلا لأقصاه " منذ أتيتِ لهذا البيت .. لم تقابلي مني إلا كل الخير .. رغم أني لم أرى منكِ إلا القرف .. ومع ذلك التمست الأعذار لكِ .. صبرت وتقبلت وعاملتك بما يرضي الله ولم أرنو إليكِ يوما بغير احترام .. وكل هذا تضربين به عرض الحائط وتصممين على سحبي لمتاهة لا قِبل لي بالخروج منها .. أي وقاحة وانعدام ضمير تمتلكين أنتِ "

بدأ ارتجافها وأضحت مهتزة جدا في عينيه لكنه لم يلتفت لذلك فتقول له برجاء مدافعة بيأس وعيناها تبدآن في تجميع الدموع فوقهما " أنت .. أنت قبلتني .. لقد .. "

قاطعها من جديد بنبرة شرسة هذه المرة وقد طفح كيله " توقفي عن تشويه الأمر بدناءتك .. ما حدث بيننا لم يكن ببشاعة تصويرك له .. لعنة الله على غبائي حينها لكنها كانت أنقى من هذا التدنيس فأنا لست حيوانا "

ابتلعت ريقها الجاف تقول بعذاب " أنت لا تفهم شيئا .. لا تفهم أي شيء "

 

هز رأسه باستياء غاضب يجيب " أنا أفهم ما رأيته منكِ .. أنتِ لستِ أهلا للثقة يا ليل "

انحشرت أنفاسها بصدرها وبدأت دموعها بالهطول فوق وجهها الشاحب لكنه لم يرحمها مكملا " أنتِ أكثر عطبا من أن يتم الثقة بكِ .. امرأة متخبطة لا تميزين .. فبينما تقولين أمي لشروق .. تخططين لقتلها بي .. حتى أبسط معاني كلمة أمي لم تدركيها .. إلى هذه الدرجة أنتِ معطوبة "

 

 اهتز جسدها بالبكاء تطرق خزيا لوقت حتى همست بنبرة متألمة فيها الصدق " لم أفهم الكلمة يوما إلا هنا .. يشهد الله .. أنا آسفة .. آسفة أرجوك .. أرجوك "

 

أدار وجهه عنها متحكما بعطفه اللعين ..

ابتعد ..

لا تقترب ..

لقد قررت الفرار ..

لا دخل لك يا فجر ..

إنه وقت المواجهة وإنهاء الأمر ..

لديك أمك لن تقدر على المجازفة بها ..

لا تتدخل ..

لا تتدخل ..

 

" أعتقد بأننا انحرفنا عن طريقنا .. لذا لنعد له " قال بصوت خالي التعبير يبدأ بأول خطوة في قراره فرفعت وجهها المغرق بالدموع تهمس بعدم فهم " أي .. أي طريق "

رد عليها ببرود قاسٍ مجبرا على الالتزام به " طريقنا المرسوم مسبقا يا ليل .. كغريبين نكره بعضنا البعض كما فُرضت علينا الظروف .. فهذا .. تمهيد جيد للطلاق أمام أمي خاصة وقد تعلقت بكِ .. للأسف "

شحب وجهها شحوبا رهيبا وزاغت عينيها تكرر " طـ طلاق ! "

صمت ينظر لتعابيرها مخرسا اعتراضه الداخلي الذي يحرقه محاولا دفعه للمجهول فيرفضه متمسكا بإصراره قائلا بسخرية " نعم .. آسف أني لم أكن كما توقعتِ .. ولم أتمم لكِ خطتك العظيمة في انتقامك الغبي .. لذا لتستمعي بخيبة أملك إذن عند إنهاء الأمر "

 

ثم تحرك فاتحا الباب لا يطيق صبرا للذهاب من أمامها واضعا نقطة النهاية

وصوت انغلاق باب الشقة بهدوء من بعده كانت الاشارة لها لتسقط أرضا ملتاعة تبكي هلعا .. وكسر خاطر !

 
 


........................

" نورين .. نورين ابنتي ! "

رددت أم عمر الكلمات بنبرة متفاجئة وهي تنظر للمرأة الجالسة بجوارها تبتسم لها بتزلف مجيبة " نعم نورين .. ما بكِ متفاجئة "

ابتسمت أم عمر ترد بلباقة " عذرا منكِ .. نورين ابنتي لم تتم الثامنة عشر بعد يا أم شريف .. تعلمين .. لهذا تفاجئت فقط أن تطلبيها لابنك "

مصمصت المرأة شفتيها تقول بضحكة سمجة " وهل هذا عمر صغير .. أنا بعمرها كان لدي أطفال يا أم عمر .. وأنتِ كذلك كنتِ حاملا في ولدك في عمر مقارب "

لم تختف ابتسامة أم عمر التي أجابت بصبر " الزمن تغير يا أم شريف "

عقدت أم شريف حاجبيها تقول بجمود " ما قصدك ؟ .. هل هذا رفض لابني يا أم عمر "

قالت أم عمر بثبات " ابنك لا يعيبه شيء حماه الله .. لكن أنا ابنتي صغيرة وأمامها دراسة لم تنهيها بعد .. إنها بالكاد تنهي المرحلة المدرسية .. لن نقبل بربطها بزواج هي أصغر من فهمه أصلا "

 

رفعت أم شريف حاجبها وقد بدا وجهها أكثر تجهما قائلة " يمكنها أن تنهي دراستها إن كانت متمسكة بها رغم أني لا أرى فائدة من دراسة البنات أصلا التي بلا معنى .. إنهن يتزوجن وينجبن في النهاية وانتهى الأمر .. لكن عموما سيراعي شريف ولدي هذا "

 

كتمت أم عمر زفرة نفاذ الصبر بداخلها بينما تسمعها تضيف متمسكة بإصرارها رغم رفضها للزيجة .. لكن يبدو ابنها متعنتا جدا وقد أعاد تهديداته بشأن الهجرة وترك البيت أكثر من مرة إن لم يحصل على نورين " تعلمين أن البيت كله سيكون لشريف في النهاية .. كما أن دخل محل البقالة كثير والحمد لله .. ستعيش حياة مرفهة "

 

عادت أم عمر تبتسم وهي تقول بأدب لكن بحزم " يا حاجة أم شريف .. الأمر ليس في دخل وحياة وإن كنت بالطبع سأختار لابنتي من يأمن لها حياة ترتاح فيها .. لكن كما قلت لكِ الأمر ليس في ولدك الأمر أن طفلتي بالكاد تفك ضفائرها .. والدها وأخوها لن يقبلا بزواجها .. ولا هي نفسها ستقبل وقد أقبلت على مرحلة جديدة تعتمد فيها على نفسها "

 

غضبت المرأة هذه المرة تقول لها ساخرة بصفاقة " تعتمد على نفسها .. بأي مجتمع نحن يا أم عمر .. هذا بدلا من أن تستروها بزيجة تصونها وتتخلصون من حِملها "

 

" من نستر ؟ "

 صوت عمر الذي وصل لتوه قاطع أمه من الرد الصارم على المرأة لتبتسم في وجهه تقول " هل وصلت حبيبي .. كيف كان يومك "

هز عمر رأسه لها دون رد يكرر سؤاله " من نستر ؟ .. هل هناك شيء "

دعت أمه في قلبها ألا تتغابى المرأة في كلامها الأرعن أمام عمر بالذات .. لكنها خذلتها وهي تقول متشدقة " احضرنا يا عمر .. نورين .. أتيت أطلبها وأمك ترفض  لأنها تريد لابنتها أن تعتمد على نفسها وتتعلم .. هل يعجبك الكلام هذا يا بني .. أنت رجل وتفهم في تلك الأمور أكثر "

 

عقد عمر حاجبيه يقول بصوت غير مفهوم " تطلبينها لمن ؟ "

ردت عليه بفخر " ومن لدي غيره .. شريف ولدي طبعا "

بسخرية ابتسم عمر تزامنا مع اشتعال جمرات عينيه وقال " شريف ؟ .. هل أتيتِ تطلبين ابنتنا ليسترها شريف ويحمل عنا حملها ؟ "

" عمر .. اتركنا وحدنا " قالت أمه تطلب منه بهدوء حتى لا يتطور الأمر لكن المرأة المتبجحة قاطعتها تقول باستنفار " لمَ تتكلم بتلك الطريقة عن شريف .. هل ستجد نورين مثله في كل الدنيا "

حينها انفجرت أعصاب عمر المتحفزة دائما خصوصا فيما يتعلق بأخته فقال مشددا بوقاحة " ابنك من يا حاجة .. ابنك الذي لا يفرق بين الألف وكُوز الذرة يتزوج من نورين زينة البنات أوائل المحافظة كل عام .. هل فقدتم عقولكم أم أتيتم لتفقدوني أنا عقلي "

 

شهقت المرأة منتفضة لتقول أم عمر بحزم " عمر .. تأدب واذهب من هنا "

رفع عمر سبابته مسترسلا بتوعد " طلبك مرفوض .. وإن لمحت ابنك يرفع عينيه في أختي .. اقتلعتهما .. ارسلي كلماتي له عن لساني "

ثم تحرك مغادرا لغرفته يغلقها بعنف تاركا المرأة تشهق وهي تستقيم صارخة " قلة أدب .. لم يحسن أحد تربية ابنك يا أم عمر .. لكن ماذا أقول .. أنا هي المخطئة .. هل ستجد من يأخذها أصلا كشريف "

قالت أم عمر حينها بصوت مشتعل فبدت قريبة الشبه من ابنها رغم خفوته ورزانته " أم شريف .. إلزمي حدك من فضلك .. ابنتي يتمناها الآلاف .. ما فعله عمر أعتذر عنه .. لكن أكثر من ذلك لا تطلبي .. وفق الله ولدك .. وأنرتِ بيتنا "

هزت أم شريف رأسها بغل قبل أن تتحرك بعاصفتها راحلة عنهم تسب وتلعن ..

 

ما أن غادرت حتى كانت أم عمر تقتحم غرفة ولدها مبادرة بصياحها " لا أصدق مدى طيش كلماتك .. هل تنوي فضحنا وقطع علاقتنا بالبشر بسبب سلاطة لسانك "

ثار بهياج قائلا " ماذا تتوقعين مني وأنا أجدها تطلب أختي ذات السابعة عشر من عمرها لتستر عليها بزيجة .. هل هي مجنونة .. لقد احترمتها فقط لأجلك "

دلكت أمه جبهتها بيأس تهمس " يا ربي منك يا عمر .. لقد يأست منك " ضربت بعدها على فخذيها تقول بوعيد " عندما يأتي أبوك هو من سيجد لي الحل معك .. تبا لك ولجنونك قليل أدب وتربية فعلا كما أسمعتني المرأة بسببك "

 

ثم مشت تصفع الباب وهو يتمتم " شريف .. لم يظل إلا هذا الحقير لينظر لأختي "

 

 

..............................

 

 

ليلا ..

 

في بيت عبد الله نجيب اجتمعت عائلة الجوهري بأفرادها بغرفة الضيوف التي استقبلهم فيها أهل البيت للخطبة التي أتوا ليتموها بموعد سابق ..

لقد أتت قبل يومين أم سلطان مصرة أن تقابل العروس وأهلها في جلسة نسائية منفصلة اصطحبت فيها سارة ..

وفورا دخلت انتصار لقلبها مستبشرة بها الخير عكس الزيجة الأولى المشئومة التي كانت ترفضها ..
 


حضر الخطبة أفراد عائلة انتصار المقربين من أمها وأبيها وإخوانها الثلاثة الداعمين لها ..

وقد ارتدت انتصار فستانا رمادي اللون بدرجة فاتحة تزينه نقوش ورد خفيف عند نهايته في شكل محايد للمناسبة ..

 

لكن ما أدهشهم بحق هو سلطان الذي ارتدى في المقابل حلة رمادية دون ربطة عنق بدت تدمج بين الهيبة والشباب .. حتى أن أختيها سألتاها سرا إن كانا قد اتفقا مسبقا على ارتداء ملابس متشابهة لكنها أقسمت سرا وجهرا أنها لم تتواصل معه منذ الرؤية الشرعية فأكتفت كلتاهما بالغمزات عليها وإلى أي درجة هما متناسقين يليقان ببعض مما زادها حنقا ..

وقد قدم سلطان باقة الورد الأنيقة وقالب الشوكولاتة الفاخرة وهو عابس بشدة وكأنه لا يستسيغ ما يحمله بين يديه والذي اختارته سارة بتصميم .. مما جعلها تكتم ضحكا وهي تعاود تخيله بدب أحمر من الفرو كالمرة الماضية .. فازداد عبوسه وقد أدرك بطريقة ما ضحكها السري ..

 

بعد وقت طال في أحاديث تراوحت بين عفوية ورسمية اندفعت أم سلطان بغير قدرة على التماسك " لمَ لا نقرأ الفاتحة إن شاء الله .. لتكن خيرا علينا "

ابتسموا جميعا موافقين قبل أن ترتفع الأيادي لقراءة الفاتحة بادئين بها الخطوة الأولى الرسمية ..

 

ما أن أنهوها مصدقين وارتفعت المباركات الهادئة فيما بينهم كانت أم سلطان تقول من جديد وهي تمد يدها لابنتها بجوارها قائلة " نحن اشترينا هدية العروس أيضا .. لم أقدر على منع نفسي من التسريع بالأمر فخير البر عاجله .. خاصة وفترة الخطبة قصيرة "

أخرجت سارة من حقيبتها علبة زرقاء من المخمل تناولها لها مبتسمة بسعادة وتحمس لتأخذها أمها فتفتحها تُخرج منها أولا خاتم زواج سادة من الذهب تنظر لانتصار الجالسة بجوارها تقول " هاتي يدك يا عروس "

شعرت انتصار بالحرج الفظيع لكنها مدتها فتبدأ حماتها بوضع الخاتم في إصبع يدها اليمنى ..

 

عادت تنظر للعلبة فابتسمت فجأة بسحابة حنين مرت على ملامحها وهي تخرج سلسال ذهبي يتدلى منه مصحف قائلة " أعلم أنها قديمة .. كانت أول هدية ذهبية من زوجي المرحوم .. كنت أهتم بها طوال سنوات وقد أقسمت ألا أعطيها إلا لزوجة سلطان .. لكنها لم تخرج حتى الآن .. ويبدو أنها كانت بانتظارك أنتِ حبيبتي "

 

ابتسموا جميعا بينما عينا سلطان تلقائيا دارت في المكان تبحث عن سلمى فيرتاح بإيجادها منشغلة في لعبة ما على الهاتف مع مريم .. ليعود بنظره لانتصار التي ردت متأثرة " إنه جميل جدا .. يكفي إنه مصحف وهدية من أبي سلطان رحمه الله "

انشرح صدر أم سلطان بتفاؤل ثم مباشرة مدت ذراعيها تُلبسها لها بنفسها حول رقبتها من فوق حجابها الطويل الذي يعلوه النقاب ..

 

وعندما انتهت أكملت بفرح وهي تخرج الباقي من العلبة " أما هذا فذوق سلطان .. لقد أصر على شيء من اختياره "

تنحنح سلطان دون تعليق فأخرجت أمه خاتما ذهبيا بفصوص من الماس اللامعة .. كان على شكل زهرة متفتحة فخطف الأبصار التي سمت بالله بفرحة فتبدأ أم سلطان بوضع الخاتم في إصبعها وضحكة كبيرة تملأ وجهها ..

نظرت أم سلطان لها تقول من جديد بسرعة " كلها أذواق منا فرحة بكِ يا ابنتي لكن إن أردت تغيير أو إضافة شيء فيها لا تتردي أبدا .. كله لكِ .. أنتِ الآن تخصين الغالي على قلوبنا .. وأصبحت معزتك من معزته "

ضحكت لها عينا انتصار بلمعان ليتكلم عبد الله " هديتكم غالية والله يا حاجة .. نحن أخذنا سلطان لسمعته وأخلاقه ولا يهمنا إلا سعادتهما "

 

ابتسم له سلطان يشكره فاندفعت ابتسام بزغرودة لم تستطع كتمها أجفلتهم جميعا حتى أنهتها تقول مبررة بحرج " عفوا .. لم أستطع منع نفسي .. علينا إشهار خطبتها على كل حال فزواجها قريب صحيح "

 

حدجها حازم بنظرة متوعدة فتنحنحت تبعد وجهها لتعود المباركات ترتفع والتي قطعتها مريم التي هبت فوق الكرسي تحيط فمها بيدها تطلق صوتا رفيعا غريبا من المفترض أنها زغرودة رنانة جعلت الأعين تتسع بصدمة حتى انتهت تصرخ " ماما عرووووووسة "

 

انفجروا جميعا ضاحكين فقالت أم سلطان " العقبى لكِ يا حلوة عندما تكبرين ونحرص على تزويجك لزينة الرجال "

" أنا سأتزوج حازم " قالت بشقاوة تشير لخالها الذي ابتسم يقول ممازحا " هذه هي فتاتي "

 

قالت انتصار موجهة الكلام لسلمى الخجولة " وسلمى أيضا "

 

اندفعت مريم بثقة وهي لا زالت واقفة على الكرسي " سلمى ستتزوج زوما معي أيضا .. صحيح يا سلمى .. إنه يستطيع شراء العديد من السكاكر ويعالج لنا التسوس التي تسببه في نفس الوقت "

 

احمرت سلمى بلطافة تتلاعب بفستانها الأصفر فضحكت ابتسام تقول " يبدو أن حازم سيقضي على مشكلة العنوسة في البلد بجانب التسوس "

عادوا يضحكون بعفوية فنظرت ابتسام لسارة قائلة ببشاشة " وأنتِ يا سارة أخبرينا .. في أي جامعة تدرسين "

احمر وجه سارة تجيبها برقة " أنا أدرس بالجامعة الأمريكية "

 

ابتسمت ابتسام تقول عفويا بغرض التقريب بين العائلتين أكثر " ما شاء الله .. أنا درست في كلية التربية قسم فيزياء لقد رأيت فيها أياما سوداء والله "

تدخلت ميادة مضيفة " وأنا درست الآداب علم النفس .. طبعا لا داعي أن أخبركم أنها جلبت لي المرض النفسي "

عادوا يضحكون فأكملت ميادة " وانتصار درست التجارة أما حازم فكان الدحيح بيننا لا نعرف كيف .. حيث تخصص في طب الأسنان .. لذلك تجدونه يملك ابتسامة هوليودية مخالفا مبدأ أن باب النجار مخلع ! "

رماها حازم بنظرة استنكار فقال عبد الله لحسن الجالس بهدوء دون مشاركة " وأنت يا حسن .. كيف كانت دراستك أخبرنا "

ابتسم حسن يرد " أتمنى لو شاركتهم التنمر على حازم لكني كنت دحيحا مثله "

عادوا جميعا للضحك يتبادلون أطراف الحديث والمزاح الذي كان دافئا وعفويا للغاية رفع كل الحرج والتكلف عنهم شيئا فشيئا وقد تلاءمت العائلتان ببساطة طباعهما وأصلهما الطيب ..

 

إلى أن عاد سلطان للحدث الأهم فيما يخصه قائلا " حسنا .. هل نتكلم في أمر السكن .. أنا لدي مكانان كما تعلم يا عمي .. واحد في الحي الشعبي حيث بيت أهلي وآخر في حي بعيد يختلف .. نحن بحاجة لتحديد أي المكانين سنشغلهما حتى أنتهي من تجهيزه "

توجهوا بالنظر لانتصار منتظرين قرارها والتي ابتسمت مجيبة ببساطة " أنا لا مشكلة عندي .. يُفضل لو تقترح أنت "

كادت أم سلطان أن تقترح بلهفة أن يسكنوا معها البيت لكن سلطان سبقها يقول بهدوء " أنا أفضل العيش في الحي الآخر "

 

قطبت أمه رافضة اقتراحه .. فانتصار تختلف كما هو واضح عن دنيا .. وأيضا تسكن في حي شعبي لا يفرق عن حيهم ..

لماذا يبتعد عنهم !!

 

لكنها لم تعقب تاركة له حرية الأمر على مضض وإن خاب أملها فيقول عبد الله لسلطان موافقا " إن رأيت فيها الأفضل فكما تحب "

أومأ سلطان يقول له " إذن لتأتي أم مريم ومن معها لتراها أولا قبل إجراء أن تغيير فيها "

ردت أم انتصار بحبور " نأتي طبعا .. ليكتب الله لكما السعادة في حياتكما الجديدة .. وفقكما الله يا ولدي "

ابتسم لها سلطان يردد مع الجميع " آمين .. تمم الله على خير "

 

........................

 

عندما عادوا ليلا للبيت كان كلٌ يدخل غرفته يبدل ملابسه وأم سلطان لا تتوقف عن الثرثرة مع ابنتها بكل تفاصيل الخطبة السعيدة معهما سلمى التي أصرت جدتها أن تبيت معها ..

 

دخل سلطان لغرفته يتحمم ثم غير ملابسه جالسا على سريره .. رفع يده السمراء ينظر بشرود لخاتم الخطبة الفضي في يده الذي ألبسه لنفسه يبتسم قبل أن يقاطعه رنين الهاتف فيسحبه يرد على مياسة التي بادرت بلطف " كيف حال العريس "

ابتسم يقول بمزاح هادئ " هل يمكنني القول العقبى لكِ "

عبست على الطرف الآخر متوقفة عن شرب الشاي الأخضر قائلة " العقبى لي .. عيب عليك يا سلطان البلاد "

ضحك فأضافت بتسامح " حسنا لا أريد أن أكون فظيعة في يوم خطبتك "

شكرها بتهكم فقالت " أتمنى لك كل السعادة يا سلطان حقا "

عاد يشكرها من جديد بهدوء هذه المرة ثم يسألها " هل ستحضرين زواجي "

قالت له بفضول " هل ستقيم حفلا ؟ "

عقد حاجبيه يقول متشككا " لا .. ليس تماما .. إلا إن غيرت أمي المخططات دون إخباري بالاتفاق مع العميل السري سارة "

ضحكت برقة أنثوية تقول بشماتة " أتمنى أن تتغير المخططات فعلا "

عبس بغير رضا فعاد يسأل مجددا " في كل الأحوال هل ستأتين "

هزت رأسها بحيرة قائلة " لا أعلم الظروف يا سلطان .. لو استطعت سآتي بالتأكيد "

أومأ يرد ببساطة " حسنا لنرى حينها .. لا تهتمي "

قالت له أخيرا " عموما أرسل لك مباركات عالية هانم كذلك .. بإذن الله أكلمك فيما بعد عزيزي "

رد عليها بأدب " سلامي لها .. وداعا مياسة "

 

أغلق المكالمة معها ثم عاد يتلاعب بهاتفه باحثا عن الصور التي التقطتها سارة لمناسبة اليوم فيجد نفسه يبتسم تلقائيا مدققا النظر في هيئة العروس البسيطة بفستانها الفضفاض ..

ودون تفكير كان يتخذ قراره آتيا برقمها يطلبه دون انتظار يرفع الهاتف لأذنه ..

 

استمر صبره لفترة انتهت بصوتها الثابت " السلام عليكم "

تعمقت ابتسامته يقول " وعليكم السلام والرحمة .. هل تعرفتِ على رقمي "

ردت بهدوء " احفظه عندي "

صمت فأكملت مبررة وقد تخلل صوتها حرجا أطربه " لقد أخذته منك مسبقا .. لأجل سلمى "

" نعم أذكر " تكلم يرحم حرجها ثم أضاف " إذن كيف حالك ؟ "

ردت بعذوبة " الحمد لله بخير "

سأل من جديد " ومريم "

نظرت لابنتها التي تحمل علبة الشوكولاتة على ساقيها تأكل منها بغير رحمة فضحكت عفويا قائلة " تأكل الشوكولاتة خاصتك بجانبي "

ابتسم لها وقال " هل أعجبتها "

صمتت ترنو لطفلتها ضاحكة فتوضح " بالنظر لشكل وجهها الذي تدمر فأعجبتها جدا "

ضحك هو هذه المرة ضحكة صغيرة مستمتعة قائلا " وهل أعجبتك أنتِ "

ترددت للحظة ثم همست " لم آكل منها .. لأجل صيامي غدا "

لم يرد فأكملت بخجل " لكني أحببت الورد .. أنا أحب الورد عموما .. وأحب شرائه "

صمت من جديد فتوترت ليزيد من توترها لا يخففه بالقول الهادئ " عندما نتزوج سأحرص على وجود الكثير من الورد في بيتنا "

ابتسمت دون تعقيب فقال " ماذا عن الهدية هل أحببتِها "

ارتفعت يدها تتلاعب بالسلسال الذهبي الذي لم تخلعه بعد هامسة " جميلة جدا .. أحببتها "

 

ابتسم وعيناه تلمعان بشدة حتى قال " هل ستذهبين للعمل غدا "

أومأت ترد " نعم بإذن الله "

فقال بهدوء " حسنا أتركك لتنامي .. هل تحتاجين شيئا "

هزت رأسها تجيب " لا شكرا "

" قبلي لي مريم " طلب بصوت عميق فشعرت بالحرارة ترد " حاضر "

ابتسم من جديد يقول " تصبحين على خير يا أم مريم "

ابتسمت كمراهقة سخيفة تقول " وأنت بخير .. إلى اللقاء "

ثم أغلقت المكالمة بسرعة تعبس أمام نفسها وكأنها تستهجن هذا الشعور الأنثوي الذي عاد يطفو على السطح بعد سنوات قررت دفنه والالتفات لبنتها ..

نفضته وهي تنحني لوجنة ابنتها تقبلها بقوة فتضحك الأخيرة تقول لها وهي تمد لها قطعة مما تأكل " هل تأخذين واحدة "

سحبت انتصار العلبة من بين يديها متجاهلة تذمرها وهي تحملها بين ذراعيها قائلة " يكفيييييي .. تحتاجين للتنظف والنوم لأجل الروضة غدا "

" مااماااااااا " قالت مريم حانقة بدلع فردت انتصار بمزاج رائق وهي تبدأ بتنظيف وجهها وأسنانها " قلب ماماااااااااا .. هيا يا قلبي لنغسل الأسنان اللؤلؤية الصغيرة هذه "

 

 

................................

 

اليوم التالي ..

 

" نورين .. نورين الصغيرة !! "

كرر فجر بدهشة بالغة لعمر الجالس بجواره يقص عليهم ما حدث مسبقا وطلب شريف ليد أخته .. بينما حسن بجوارهما قد تجهم وجهه مع كل كلمة ملجما نفسه عن التعليق ..

 

تجعدت ملامح عمر يقول مستنكرا " نعم هل تصدق .. الحقير ينظر لأختي .. والله أمسك نفسي عن ضربه بقوة مجبرا بسبب أبي "

 

ارتفع حاجبا فجر قائلا بتعجب " اهدأ يا عم .. ليس لتلك الدرجة .. هل تتوقع ألا يتقدم لها الطالبون "

انتفض عمر رافضا " لا زالت صغيرة بالعمر .. أي دنيء ينظر لفتاة لم تُنهي مدرستها بعد "

أغمض حسن عينيه وقد امتقع وجهه محرجا ولا زال مكتفيا بالهدوء بينما فجر يقول ضاحكا " حسنا .. هل هذا طبيعي أن يغار الرجل على أخته جدا .. فأنا لم أجرب هذا الشعور "

نظر لحسن يسأل عفويا " أخبرنا أنت فلديك أخت "

التفت له متمالكا نفسه يجيب " طبعا الرجل يغار على أخته .. لكن الأمر عند عمر مستعصي بصراحة .. لا أنكر غيرتي على سارة ولكن رغم ضياعنا من بعدها يظل يوم السعد هو يوم اقترانها برجل يصونها "

قال عمر معترضا بقرف " في بيت أبيها تُصان أيضا ما المشكلة "

ضحك فجر يرد " إنها مستعصية كما قال فعلا يا منسي ! "

لوح عمر بيده يبرر " أنا لا أرفض زواجها بالطبع .. الأمر أنها لا زالت صغيرة جدا كما أن صيغة المرأة بالطلب كانت وقحة .. إنها تنظر لابنها كمن ليس له نسختان بالدنيا فتتعطف به علينا .. هذا التافه "

ضحك فجر من جديد واكتفى حسن بتصنع الابتسام ليسترسل عمر لصاحبيه " أنا أرى أختي في مكان أفضل .. لا أريدها مجرد تافهة تبحث عن زوج تتوقف عليه حياتها .. أريدها أن تكون فتاة شجاعة قوية معتمدة على نفسها "

نظر له فجر باستغراب وقال " أنت مدهش يا عمر .. في هذا الوقت الجميع لا يفكر إلا بتأمين مستقبل أخته بنفسه خوفا عليها "

 

هز عمر كتفيه قائلا " أنا لا أشبه أحدا .. ثم أن تأمين مستقبلها وحاضرها وكل ما يخصها مسؤوليتي لا خلاف على هذا .. لكن هذا لن يلغي وجودها وحياتها .. تحت ناظريّ بالطبع "

ابتسم فجر بتقدير رافعا حاجبيه يقول " ولد يا مجرم .. البنات تحتاج لنوعك كأخ في حياتهن .. بغض النظر عن تصرفاتك التي لا تطاق وشخصيتك المقرفة .. لكن حقا أنت مذهل في بعض الأشياء لا ننكر "

 

وضع عمر ساقا على الآخر يرد بحبور " حبيبي الله يبارك لك "

فضحكا كلاهما ومجددا شاركهما حسن الابتسام بإخفاء تام لانفعالاته بتحكم يتقنه .

 

.............................

 

" تعالي لتأكلي "

طلب فجر بهدوء بعد أن دخل الغرفة فيجدها واقفة في النافذة شاردة في عالم آخر يخصها مظلم كروحها ..

التفتت له ببطء ترمقه للحظات بصمت ..

 

لم يتواجها منذ آخر مرة قبل يومين .. فقد عادت للغرفة بعد الليلة التي في نفس اليوم مصرة تنام على السرير وهو على الأرض بجانبها لكن بينهما آلاف الأميال التي فصلت عالميهما ..

 

وهكذا .. عادت غريبة متباعدة عنه ..

تتعامل مع أمه بنفس اللطف وإن تخلله الحزن لكن ما أن يأتي حتى ترفض ملاقاة عينيه تماما ..

ولا يغفل عن نظرة الخوف والخذلان فيهما ..

 

ردت بصوت فاتر ذكره بأيامها الأولى هنا " لا أشتهي "

قال لها بصبر " ليل أنتِ لم تأكلي على الافطار جيدا "

عادت تنظر للنافذة هامسة " بلى لقد أكلت ما يكفيني "

كاد أن يتأفف بنفاذ صبر هذه المرة يقول بنزق " ليل .. اضرابك عن الطعام هو أمر طفولي للغاية ولن يفيدك بشيء "

عادت تنظر له بنفس التعابير الهادئة تقول " إضراب ! .. لكني آكل بالفعل فأين الإضراب "

قال بخشونة " هل هذا تسمينه أكلا "

ابتسمت ابتسامة بلا معني تهمس " كان لسنوات هذا مقدار أكلي "

قال لها بجفاء " لم تأكلي لسنوات إذن "

ابتسمت بسخرية وهي لا ترد عليه ناظرة من النافذة فاقترب يقول من جديد متنهدا " ليل .. أنتِ تحتاجين للطعام .. هيا من فضلك "

سكتت لثوان اتبعتها بالقول البعيد " لا أشتهي "

" ليل " صرخ باسمها بغضب فالتفتت له بحدة توقفه قائلة بعصبية " لن آكل .. قلت لن آكل .. توقف يا فجر .. لا تجبرني على ما أرفض "

عقد حاجبيه يقول " ماذا تعتقدين نفسك فاعلة بالضبط "

اقتربت منه تفرد ذراعيها قائلة " أعود لموضعي .. أحاول ألا أتألم جدا عند المغادرة .. وما تفعله يؤلمني .. لذا توقف إن كنت لا تريد ألمي "

سأل بخشونة " وماذا أفعل "

 

" تهتم بي " قالت بصوت يائس وأردفت " حتى في كرهك لي أنت تهتم بي للنهاية "

صمت لفترة يبصرها حتى همس بصدق مخالفا لما يفرضه عقله من منطق " لكني لا أكرهك "

هزت رأسها ترد همسه " اكرهني إذن .. هذا قد يساعدني "

رفع يده مدلكا صفحة وجهه فعادت تنأى بنفسها عنه متابعة وهي تقف أمام النافذة " اتركني يا فجر .. اتركني لحالي أرجوك "

 

ها هي تقول اتركني لحالي أرجوك .. بشكل معاكس لكل خلية فيها يستطيع الشعور بها تصرخ ألا يتركها لحالها ..

فأي حال لمرأة حقا غير متزنة نفسيا لا تعرف ما تفعله .. !

 

لكنه رغم هذا الصراع كان يعود خطوة للخلف قبل أن يتحرك بعدها تاركا الغرفة بسرعة وكأنه يهرب ..

 

ومجددا تكاد تسمع صوت خاطرها الوهمي وهي يتهشم على يديّ جفائه الذي تطالب به كذبا ..

 

..........................

 

قبل الفجر ..

 

كان الظلام دامسا ..

لا يرى شيئا من حوله فيتلفت هنا وهناك وهو يخطو في المجهول مستمعا لأصوات مكتومة تصله لا يستطيع تبين مصدرها ..

ظل يمشي فيسقط من إحدى العقبات التي أمامه فيعاود النهوض متألما باحثا عن أي بصيص ضياء يرشده في طريقه المتعثر ..

 

حتى توقف فجأة أمام جسد هش مُلقى على الأرض رآه بصعوبة .. كان هو مصدر الأصوات المكتومة ..

والتي لم تكن إلا أنات مختنقة من حنجرة صاحب الجسد المكبل بسلاسل تقيد حركاته الضعيفة بالفعل ..

 

اتسعت عيناه الرماديتان بوجل وهو يعود خطوة للوراء ..

حتى رفع الجسد وجهه الدامي هامسا بوهن " فجر .. أرجوك "

 

انتفض فجر من نومه فاتحا عينيه على اتساعهما بأنفاس غير ثابتة ونبضات قلب قوية هادرة في صدره ..

تأوه ساخطا وهو يكتشف أنه كان حبيس كابوس سيء ..

تململ فينهض جالسا ذاكرا الله قبل أن يلتفت عفويا للسرير بجواره .. فتعود عيناه تتسعان مكتشفا تغيب ليل ..

 

استقام مغادرا الغرفة متوقعا ربما تكون في الحمام أو أي مكان آخر ..

حتى أنه فتش كاحتمال أخير في غرفة أمه فيهاجم القلق قلبه عندها محتلا إياه وهو يجد أمه تغط في النوم وحدها ..

شحب وجهه .. أين ليل !!

 

بسرعة كان يتحرك يرتدي حذائه يفتح الباب لا يعرف أين يذهب .. ليعود فيتوقف ناظرا للأعلى قبل أن يصعد للسطح مستجيبا لنداء بداخله يخبره أن ليل أبدا لن ترحل بتلك البساطة ..

 

وقد صدق توقعه وهو يلمحها ما أن صعد جالسة فوق السور العالي الذي شاركها الجلوس عليه من قبل ..

 

توقف يلتقط أنفاسه المقطوعة بفزع اختفائها حتى تمالك نفسه قائلا بحدة متحكما في صوته في هذا الوقت المتأخر " هل فقدت عقلك .. ماذا تفعلين هنا "

شهقت ليل منتفضة تنظر له قبل أن تسمي الله مجفلة تقول " لقد أفزعتني "

تخصر قائلا بتهكم غاضب " آه عفوا .. المرة القادمة سأطلب موعدا مسبقا "

نظرت له بغباء فعض لسانه مستشيطا منها وهو يصعد إليها بالسلم الخشبي حتى استقر بجوارها فيقول بتقريع مباشرة " لقد انقطعت أنفاسي وأنا أتوقع هروبك .. تبا لكِ كيف تصعدين هنا وحدك "

 

ارتبكت بشكل بريء للغاية تبرر بتعثر " أنا .. لم أستطع النوم .. خشيت أن أقلقك بتململي .. فـ أتيت هنا أراقب الـ .. ليل "

عبس دون تهاون معها يقول من جديد " لا يجوز أن تصعدي هنا يا ليل .. هذا سطح مشترك لكل أفراد البيت .. ماذا لو وجدت شخصا هنا .. أو أي متسلل قد يؤذيكِ هل تحسبين نفسك في قصر أبيكِ "

التفتت حولها بخشية قائلة بقلق " هل قد يصعد أحد هنا "

رفع فجر وجهه الناعس للسماء يتمتم " الصبر يا رب أرجوك "

عضت على شفتيها بذنب وقالت " أنا آسفة حقا .. لم أفكر "

هاجمها بالقول الغليظ " نعم .. أنتِ لا تفكرين في شيء إطلاقا .. تفعلين فقط ما يأتيكِ بغباء تام دون حساب للعقبات "

 

طأطأت رأسها دون رد فبدت كطفلة أحزنها والدها دون قدرة على الاعتراض ..

 

تبا يا فجر لقلبك اللعين لتشفق على نفسك بدلا من الشفقة عليها ..

 

" لماذا تراقبين الليل أصلا " سأل بجفاء فعادت رأسها ترتفع للأعلى قائلة بابتسامة حزينة " كان القمر بدرا .. أحببت رؤيته بجانب النجوم "

 

نظر لجانب وجهها المرتفع للأعلى يراقب رسم ملامحها للحظات ..

كانت أقرب للوحة جميلة تنبض بالحزن والأسى ..

مما استجلب زفرة حنق خرجت عالية فتوترت تنظر له برهة حتى همست باعتذار حار " فجر أنا حقا آسفة "

هز رأسه قائلا بتباعد " لا بأس .. لا تصعدي هنا مجددا في كل حال "

لم ترد لفترة حتى وضحت " لم أقصد هذا تحديدا "

 

أدار وجهه لها يبادلها النظر ..

فرغم اتفاقهما وجفائهما .. ها هي تعود فتعتذر عن تلك الليلة والذنب يشع من صوتها معترفة به ..

 

فيعود عقله صارخا بصرامة ..

 

احذر ..

لا تتدخل ..

لا تتدخل ..

لا تسأل فيما لا يعنيك ..

لقد تحكمت في فضولك الفترة الماضية ..

لا تتدخل بما قد يضرك ..

المعرفة قد تؤذيك أحيانا ..

 

أغمض عينيه يطرق بتعب حقيقي جعلها تظن أنه أبدا لن يسامحها ..

يا إلهي إلى أي حد ذنبها كبير جدا في حقه !!

 

أحنت رأسها هي كذلك حتى أتاها صوته مكتوما رافضا " سأنصحك فقط لوجه الله يا ليل .. "

نظرت له بأمل وترقب فقال ناظرا لعمق عينيها " الغباء حقا أن تردي الضربة عن طريق أذية نفسك .. الإنسان يحارب لنجاة نفسه لا تدميرها .. دائما هناك طرق أخرى .. زوجك السابق مهما كان متجبرا .. مهما كان .. لا تستسلمي أمامه .. وقطعا لا تسمحي له بضربك بتلك القسوة التي لا تخرج إلا من عديم ضمير و رجولة .. هناك دائما طريقة ما ! "

 

كانت تستمع له بإنصات تام .. تعقد حاجبيها بعدم فهم حتى أنهى كلامه فتقول بغباء " ليس أمير من كان يضربني .. " صمتت للحظة تقول مستدركة " أقصد .. لقد صفعني من قبل لكن .. ليس هو من ضربني .. هو لا يضربني "

 

رفع فجر وجهه لها ببطء ينظر لها كمن يطالع معتوهة !

فيغمغم مرددا بذهول " صفعك من قبل لكنه لا يضربك !! "

بدا في عينيها رجل وصل لأعلى الصدمة فيكمل بضحكة لا معنى لها " هل الصفعات هذه تربيت حاني !! .. ماذا تقولين !! "

امتقع وجهها دون رد منها فهز رأسه مستدركا بتوجس " ثم .. إن لم يكن هو .. من فعلها وكيف تسمحين له ؟ "

 

شعرت بالعار والخزي يحيطان بها ..

إنها بررت أن الصفعات ليس ضربا .. لكنها حقا ليست ضربا أمام ما رأت

 

لذا وجدت نفسها تهمس بصوت غريب ميت " أبي .. نادر المنصوري من جلدني ومزق سترتك "

جحظت عينا فجر وهو يكرر " أبوكِ من جلدك .. يا إلهي ! "

 

لقد قال العقل بأنها منطقة مجهولة تحوي على الكثير من الدوامات التي قد تسحبه ..

لكنه لم يستمع بفضول مؤذي !..

 

انتهى الفصل
متنسوش الفوت بليز 🥺💖

Continue Reading

You'll Also Like

279K 15.7K 64
يناديها يا حفنة العسل فيسيل الحب في قلبها حارًا غصونك تُزهر غشقًا الرواية الأولى في سلسلة (لعنة تسمى العشق)
6.8M 347K 73
" سَــتَتركينَ الـدِراسة مِــن الــغدِ.. لَــقد سَـحبتُ مـلفاتكِ مِــن الـجامعةِ بـالفعل ..! " " مـالذي تَــهذي به..!؟ " " هــذا مــا لَـدي... لاتَ...
99.1K 5.6K 45
Covered by: BatO_ot النهايه ليست دائما سعيده... بل يمكن ان تكون مؤلمه .... صادمه.... حزينه.. لكن اعلم دائما ان كل نهايه لقصه ماا... تكون بدايه لقصه ا...
6.6K 122 10
بخطواتٍ عاشقة سارت على رمال قلبه، ونسيت أن الرمال تمحي الأثر✨❤️