فجري أنت ، بقلم آلاء منير

By AlaaMounir201

649K 22.7K 6.3K

ماذا يحدث عندما تتلاقى سمو المبادئ مع دنيا الرغبات ! عندما تضعك الحياة بين اختيارين أحلاهما علقم .. عندما تُخ... More

تواقيع الأبطال
المقدمة
الفجر الأول
الفجر الثاني
الفجر الثالث
الفجر الرابع
الفجر الخامس
الفجر السادس
الفجر السابع
الفجر الثامن
الفجر التاسع
الفجر العاشر
الفجر الحادي عشر
الفجر الثاني عشر
الفجر الرابع عشر
الفجر الخامس عشر
الفجر السادس عشر
عودة 💫
الفجر السابع عشر
الفجر الثامن عشر
الفجر التاسع عشر
تنويه 😍
الفجر العشرون
الفجر الواحد والعشرون
الفجر الثاني والعشرون
الفجر الثالث والعشرون
الفجر الرابع والعشرون
الفجر الخامس والعشرون
الفجر السادس والعشرون
الفجر السابع والعشرون
الفجر الثامن والعشرون
الفجر التاسع والعشرون
الفجر الثلاثون
الفجر الواحد و الثلاثون
الفجر الثاني و الثلاثون
الفجر الثالث و الثلاثون
الفجر الرابع و الثلاثون
الفجر الخامس و الثلاثون
الفجر السادس و الثلاثون
الفجر السابع و الثلاثون
الفجر الثامن و الثلاثون
الفجر التاسع و الثلاثون
الفجر الأربعون
الفجر الواحد و الأربعون
الفجر الثاني والأربعون
الفجر الثالث و الأربعون
تابع الفجر الثالث و الأربعون
الفجر الرابع و الأربعون
الفجر الخامس و الأربعون
الفجر السادس والأربعون
الفجر السابع و الأربعون
الفجر الثامن والأربعون
الفجر التاسع والأربعون
الفجر الخمسون
الفجر الواحد والخمسون
الفجر الثاني والخمسون
الفجر الثالث والخمسون
الفجر الرابع والخمسون
الفجر الخامس والخمسون
مهم 💖
وحشتوني 💖
الفصل السادس والخمسون
الفجر السابع والخمسون
الفجر الثامن والخمسون
الفجر التاسع والخمسون
الفجر الستون
الفجر الواحد والستون
الفجر الثاني والستون
الفجر الثالث والستون
الفجر الرابع والستون
الفجر الخامس والستون
الفجر السادس والستون
الفجر السابع والستون
الفجر الثامن والستون
الفجر التاسع والستون
الفجر السبعون
الفجر الواحد والسبعون
الفجر الثاني والسبعون
مهم جدا
الفجر الثالث والسبعون
الفجر الرابع والسبعون
الفجر الخامس والسبعون
الفجر السادس والسبعون
الفجر السابع والسبعون
الفجر الثامن والسبعون
الفجر التاسع والسبعون
الفجر الثمانون
الفجر الواحد والثمانون
الفجر الثاني والثمانون
الفجر الثالث والثمانون
الفجر الرابع والثمانون
الفجر الخامس والثمانون
الفجر السادس والثمانون
الفجر السابع والثمانون
الفجر الثامن والثمانون
عيد ميلاد 👑🎂
موعد عودة 💖
الفجر التاسع والثمانون ( والأخير )
ختام الفجر ضي

الفجر الثالث عشر

6K 213 12
By AlaaMounir201

مساء الفل 💖
تنويه ان الكلام اللي تحت خط بيكون فلاش باك .. نركز 👍

 

" بل أريدك أنت سلطان " قالها فجر بسرعة يستوقفه فتوقف سلطان يطالعه بنظرة لا تحمل معنى ليهمس له فجر متمهلا بحرج " إذن .. كيف حال أخي الأكبر ؟ "

لم يستجيب سلطان فكرر فجر بحرج أشد " ألم نتصافى بعد ؟ "

" نتصافى ! " أعاد سلطان قوله بسخرية ثم استطرد قاسيا " أترى الأمر مجرد خلاف سهل التصافي بعده يا فجر ؟ "

هز فجر رأسه يجيب فورا " أنا أعلم بأنه ليس مجرد خلاف وقع بيننا .. أعلم جيدا أني خذلتك .. أعلم كل شيء .. لكن ما حدث قد حدث وأنا لا أطالبك إلا بتفهمي كأخ أكبر "

هتف سلطان بعصبية مُستَفَزا منه " توقف عن تكرار كلمة الإخوة بيننا فما فعلته جعلني أقيم علاقتنا جيدا "

ناظره فجر بيأس ليقول مستميتا في الدفاع " بداخلك تتفهمني .. بداخلك تعلم ما مررت به من عذاب "

ابتسم سلطان بحدة قائلا " لم يأتِ العذاب بعد صدقني "

 

" سلطان "

اسمه خرج من أخيه الواقف ورائه فالتفت سلطان إليه ليجد حسن يطالبه بعينيه أن يكن أكثر هدوءا وتفهما فزفر سلطان بغضب ثم عاود النظر لفجر بغير تنازل .. تقدم حسن مقتربا من فجر قبل أن يقول لسلطان مستشفعا بابتسامة طيبة " هيا يا أبو السلاطين .. عرفناك بقلب كالحليب "

لم يرد مرة أخرى فتدخل فجر ليقول بمحبة محاولا من جديد " أنا آسف يا سلطان حقا لما حدث .. دون أي ضغط عليك لا تريده .. لكني بالفعل لا أتمنى خسارتك "

 

نظر له سلطان ممتعضا للحظات قبل أن يتخلى عن تجهمه باستسلام أخ حقيقي لا يملك سوى الصفح فهتف حسن ممازحا " إذن صافي يا لبن ؟ "

فرد سلطان شبه مبتسما وإن لم يخف غير رضاه " حليب يا قشدة "

 

 

................................

 

 

بعد قليل كان سلطان جالسا في غرفة الضيوف ببيتهم بجواره فجر الذي أصر حسن على استضافته قليلا وتحرك يطلب شيئا يتناوله .. نظر سلطان لفجر قائلا بتمهل " فجر .. أنت تذكر أن ابنة خالة ليل المنصوري تكون شريكتي أليس كذلك "

أومأ له فجر مجيبا باهتمام " نعم .. أخبرتنا يوم رأيناها في السوق "

مط سلطان شفتيه بامتعاض وهو يقول " نعم .. يبدو تذكرك التام للحدث " صمت لوهلة بعدها مرتبا كلامه ثم قال بتأني " اسمعني يا فجر .. أنا أريد لتلك الأشهر أن تمر بسلام رغم قلقي من عواقبها .. لكن حاليا بتلك الفترة التي تعيشان فيها أريد منك ألا تتأذى منها أو حتى تؤذيها .. فتلك الـ ليل هي مجبرة كما علمت من ابنة خالتها "

 

رفع فجر له وجهه يكرر مقطبا " مجبرة ؟ "

رد سلطان " لا علم لي بتفاصيل لا تخصني .. كل ما أريده منك ألا تجرحها حتى لا تتأذى في المقابل بأي شكل من الأشكال .. انتبه أنها تكون مع أمك يا فجر وحدهما طوال اليوم .. فعليك أن تكون حريصا بتعاملك معها فمعاداتها غباء " ثم بسبابته أكمل محذرا " تعامل معها بحذر فقد تكون قنبلة موقوتة في منتصف بيتك .. خاصة وهي مجبرة كارهة .. هل تفهم ما أعنيه ؟ "

 

هز فجر رأسه إيجابا يقول ببطء " أنا أتفهم ذلك جيدا وهذا ما أقوم به بالفعل "

قال سلطان مهموما " أتمنى أن يمر الأمر بأقل الخسائر " ثم نظر لعيني فجر مستسرسلا بثقة " رغم رفضي وغضبي الذي لن يهدأ منك .. لكني في ظهرك أمام المنصوري ومن معه ..  تعلم ذلك "

 

ابتسم له فجر ممتنا يشكره حتى قاطعهما حسن وهو يعود لهما

 

 

....................................

 
 


قهقهت شروق على شيء ما قاله الممثل في المسرحية بينما ف يدها السكين تقشر إحدى حبات الفاكهة الطازجة ثم تمد يدها عفويا بعدها للشاردة بجوارها قائلة " خذي حبيبتي "

ابتسمت ليل ابتسامة صغيرة هامسة " كُلي أنتِ .. أنا لا أشتهي "

كررت شروق بإصرار لطيف " بل ستأكلينها هيا يا بنت "

 

بحرج مدت يدها تأخذها ثم تبدأ بتناولها ببطء .. ولم تتوقف شروق بعدها عن إعطائها قطع الفواكه المختلفة واحدة تلو الأخرى والتي أصبحت تأخذها منها بتآلف شيئا فشيئا ..

 

هذه المرأة رائعة .. لا زالت لا تتذمر ولا مرة منها رغم أن ليل تدرك جيدا بأنها تكون فظة أحيانا ولا مبالية أحيانا أخرى ..

لكنها لا تعترض بل بدت وكأنها تتفهمها وتريد كسبها بصبر ..

 

أغمضت ليل عينيها مستلذة بالطعم الحلو للفاكهة الذائبة داخل فمها .. حتى الفاكهة هنا تبدو بطعم متفرد !
ش

ديدة الحلاوة بشكل تتعجب منه هي التي ذاقت كل أنواع الثمار الفاخرة .. فماذا تختلف عنها ولمَ !
 
تدرك السبب ..
فكل ما أكلته في حياتها كانت تتناوله وكأنها مأمورة .. لم يطعمها يوما أحد أو يهتم بسؤالها عما تحبه أو تفضله ..
 
أما تلك المرأة الجالسة بجوارها لا تتوقف كل يوم عن سؤالها عما تشتهيه لتجلبه لها .. حتى الآن وهي تقشر الفواكه تسألها ماذا تفضل لتقشره !
 
إنها إمرأة غير واقعية بالمرة بالنسبة لها .. تشبه واحدة من هؤلاء السيدات الحنونات اللواتي تقرأ عنهن في قصص الأطفال التي تنتهي بنهايات سعيدة غير منطقية !
 
المزيد من الحكايا وأحلام السندريلا .. !!
 
قهقهت شروق على شيء ما بالمسرحية من جديد فانتبهت ليل تنظر للتلفاز المعلق بالحائط قبل أن تبتسم على منظر الممثلين بجلابيبهم البيضاء القصيرة المضحكة الشكل ..
هذه المسرحية رأتها مسبقا لكنها لم تكملها .. ولا تذكر أنها ضحكت عليها يوما أيضا فلمَ تبدو أم فجر كمن سيغشى عليها من شدة الضحك !!
 
التفتت شروق لها تسألها بشكل مفاجئ " ما رأيك لو نصنع العشاء معا .. لتكون مفاجأة لفجر "
 
وكأنها تهتم لمفاجأته .. هل ستخدمه أيضا !!
 
ردت ليل عليها بلا اكتراث " لا أجيد صنع الطعام "
هزت شروق كتفيها تقول " عادي .. عندما تزوجت لم أكن بارعة في الطبخ أيضا وجربته كله على منير رحمه الله .. لقد تحمل الكثير دون تذمر "
ابتسمت لها ليل بلا تعقيب وهي تتخيل ذلك الـ مُنير وهو يأكل طعاما سيئا شاكرا إياها فوق هذا !
لتنهض شروق تسحبها قائلة مصممة " هيا .. سأعلمك كيف تصنعين ( الشكشوكة ) .. فجر يعشقها "
 
 
بعد قليل كانت ليل بحرص تتبع تعليماتها .. واحدة تلو الأخرى بإصغاء شديد وكأنها تؤدي معادلة كيميائية .. بينما أم فجر تكفلت بتقطيع ما احتاجته من حبات الخضرة وارشادها بكل صغيرة وكبيرة ..
 
حتى مر الوقت سريعا كانت ليل تضع طبق أخير من البطاطس المقلية والتي تكفلت أم فجر بها بنفسها نظرا لخوف ليل من الزيت الحار مما أدى لضحك شروق عليها وإلقاء النكات التي كانت تعبس عليها ليل بشكل مناقض تماما لابتساماتها المرسومة على شفتيها !
 
بشيء من الانبهار تطلعت ليل للطاولة الصغيرة بعينين متسعتين بفرحة وغير تصديق .. هل حقا قامت بالمشاركة في إعداد الطعام بنجاح تام .. هل تتأمل باكتمال سعادتها أن يكون الطعم مقبولا حتى كما رائحته المثيرة للشهية !
 
وصول فجر قطع عليها أفكارها .. ها هو شعور البغض وغير الراحة عاد مهاجما كما هو حالها كلما رأته ..
 
ردت شروق بحبور السلام الذي ألقاه " وعليكم السلام والرحمة والبركة يا حبيب أمك "
ابتسم لها فيقترب يقبل خدها في مشهد معتاد حفظته ليل فهي تراه أكثر من مرة يوميا .. لكنها لا تبدي رد فعل بل دقائق حتى تنهض مستأذنة كما تنتوي الآن وقد قررت حتى ألا تتناول مما صنعت ..
ربتت أم فجر على خد ابنها قبل أن تبتسم بدهاء ترمق ليل المتباعدة فتقول لفجر " ألن تلقي التحية على زوجتك "
ابتسم لها قائلا ببساطة دون أن يتحرك " مرحبا ليل "
عقدت أمه حاجبيها تلكمه بخفة فتقول " ما بك تقولها كمن يكلم أمين شرطة .. قَبِل زوجتك "
اتسعت عينا فجر مصدوما بينما طالعتهما ليل بذهول ليقول فجر لأمه بنظرة تنبهها ألا تحرجهما " فيما بعد أمي "
" بل الآن " قالتها بعزم لا يلين لتسترسل موبخة " ما بك جلفا .. أتدعي الحرج .. أنت قليل أدب وأعرف ذلك .. هيا قبل زوجتك الواقفة منذ ساعة تصنع لك العشاء "
ارتفع حاجباه يسأل بغباء " هل صنعت العشاء ! "
هزت له أمه رأسها قائلة بفخر " نعم .. صنعت لك الشكشوكة التي تحبها .. هيا اشكرها كما يجب "
 
كانت ليل بدأت تشعر بصعوبة في التنفس من شدة التوتر فالتفت فجر لها بنظراته مستشعرا ما بها يعتذر لها بعينيه .. لكنه لم يجد بدا من التنفيذ .. فأمه على ما يبدو قررت التقريب بينهما كما تتمنى .. اللعنة
لذا بهدوء انحنى على وجه ليل الذي شحب متجاهلا خدها .. فيقبل رأسها بالكاد قبلة سريعة غير محسوسة تقريبا ثم استقام قائلا لأمه يصطنع المرح " هل أرضينا تسليتك الآن يا شوشو "
مطت أمه شفتيها بغير رضا لكنها ابتسمت بعدها تقول بمشاكسة خفية " هناك تطور لا ننكر "
عقد حاجبيه يستنكر قولها وما قصدته .. لماذا أخبرها أنه لم يدخل بها كغبي !
 
 
عندما جلسوا على الطاولة ليشرعوا بالأكل كانت ليل تشعر بالاضطراب .. تعتقد أنها وضعت الكثير من الملح ربما ؟
أو نسيت وأكثرت من التوابل مثلا !
لا تعلم .. هو فقط شعور الفشل يتربص بها رغم أنها فعليا لا تهتم برأيه .. لكنها لا تريد الفشل
 
كانت تقلب نظراتها بينه وبين أمه .. فيسري قليلا من شعور الراحة في قلبها القلق على أنة الاستمتاع التي أصدرتها الأخيرة والتي قالت بعدها بتشجيع حقيقي " والله لم أتذوق بجمالها .. سلمت يداك من المرة الأولى مبهرة .. فماذا ستفعلين في القادمة إذن "
ابتسمت لها بخجل تهمس " بالهناء .. كله بإرشادك "
 
كان فجر مستمرا في الأكل شاردا في طعمه اللذيذ لكنه لم يتكلم .. فهو ضاع في بؤرة أفكار متشابكة كلها حول تلك التي صنعت الأكل ..
هل حقا كانت مجبرة كارهة ؟
لكنه لم يكن يعرف ذلك ..
لا يدري لماذا علق في رأسه قول سلطان منذ أن أخبره .. وكأنه يشعر بالذنب أن شارك في إجبارها على ما ترفض !!
 
وليس فقط قول سلطان ما يشغله .. بل ذكرياته القليلة عنها في المرتين اللتين رآها فيهما بصُدفٍ قدرية عادت لتطفو بصور مكبَرة ..
صور كانت فيها باكية وتحديدا في الثانية كانت .. مضروبة !
 
رفع فجر وجهه لها فجأة ليجدها تأكل ببطء حتى رفعت عينيها وتقابلت خطوط نظراتهما ..
 
لا لم تكن فقط مجرد مضروبة بل كانت إمرأة معنفة بشدة !
ماذا تخبئ ورائها بالضبط ؟
أتملك هي أيضا هذا الجانب من الظلم والقهر الذي جعلها ترضخ في النهاية رغم الرفض ؟
 
إنه لا يفهم ..
ولا يعرف لماذا يشغل باله بالفهم ..
فرغم كل شيء هي امرأة سليطة اللسان سخيفة باردة بشدة أحيانا ومجنونة تكاد تنفث النيران أحيانا أخرى ..
ولا تتوقف عن رميه بنظرات البغض ..
فلمَ يعود ليقارنها بنظرات الاستجداء والضياع عندما قابلها من قبل .. هي نفسها لا تذكره حتى !!
 
زفر بصوت عال غاضبا من اهتمامه بالأمر فانتبه على نفسه ليسبل أهدابه بانعزال فأبعدت هي عينيها لطبقها تشتمه .. الحقير الدنيء لم يقل حتى شكرا ..
لم يكن الأكل بهذا السوء ليأكله كمن يلعق السم !!
 
عند هذه الفكرة كانت تنهض بحدة قائلة باقتضاب " لقد شبعت .. تصبحين على خير يا خالة "
ثم تحركت تدخل الحمام تنظف نفسها من الأكل الذي بالكاد تذوقته ودخلت الغرفة ..
 
قرصة عنيفة في خصره هي التي نجحت في إبعاد أي أفكار غير مستحبة من رأسه فيتأوه مبتعدا بجذعه عن مرمى أصابع أمه الشرسة ناظرا لها قائلا بصدمة " ما بكِ أمي ؟ "
هزت رأسها يأسا تنظر للأعلى بقلة صبر لتقول همسا بتوبيخ " هل أنت أحمق .. ما بك تحولت لرجل برأس عجل بري ما أن تزوجت "
" ماذا فعلت لهذا " قالها باعتراض فترد " لم تفعل " ثم تكمل ملوحة بعصبية " لهذا تحديدا أنت أحمق " ثم أشارت للطعام على الطاولة تكمل بحنق " البنت وقفت تصنع الأكل الذي نسفته كمفجوع .. دون أن تقول كلمة شكر حتى .. ما بك أصبحت سميك الجلد والعقل "
 
عبس ينظر لها قائلا يبرر موقفه " كنت شاردا في .. شيء ما "
طالعته بغضب حقيقي قائلة بنزق " اسمعني فجر .. البنت أنا بصعوبة أجعلها تتأقلم معنا .. فساعدني رضي الله عنك ولا تجعلني أغضب منك " ثم نهضت ملوحة بقرف قائلة " أنا ذاهبة لغرفتي .. ادخل وصالحها هداك الله .. البنت يا حبة قلبي كمن تنتظر كل كلمة حلوة تربت عليها .. هيا يا بغل "
 
 
..................................
 
 
عند دخوله الغرفة بعد أن اطمئن على أمه وجدها واقفة أمام المرآة تسرح شعرها بقوة ساهية عن تساقطه العنيف ليقترب منها قائلا بهدوء كي لا يجفلها " لقد مزقتِ شعرك .. وسقط ثلثه تقريبا "
 
هل شحب وجهها واهتزت حدقتاها أم تهيأ له ؟
نعم تهيأ له .. حيث أنها التفتت له تهمس بفظاظة من بين أسنانها  " ما خصك أنت .. هل هو شعري أم شعرك "
توقعت ردا حادا في المقابل وكانت تستعد لرده بأقسى منه منتقمة .. لكنه رماها بنظرة غامضة ساكنة ليهمس بعدها مسالما " سلمت يداكِ على الأكل "
قالت له ببرود وقرف " لقد أجبرتني أمك .. لم أفعله لك "
 
هل يبتسم !
تقريبا ابتسم بشبح ابتسامة غير واضح وهو يجيب ببساطة " شكرا لك في كل حال .. كان طيبا جدا "
بعدم فهم نظرت لظهره الذي ابتعد يُخرج من الخزانة الفراش الذي ينام به على الأرض ثم فرشه وبهدوء تمدد بجسده دون كلام ..
 
رفعت شعرها المسترسل ثم اقتربت تجلس على السرير لتقول له بصوت جاف غير مبالي " ألا تتعب من النوم على الأرض .. لمَ لم تشتري أريكة أفضل من هذا الذل الذي أوقعت نفسك فيه بغباء "
أغمض عينيه يهز رأسه بيأس من لسانها الطويل لكنه بصبر أو ربما بقليل من الشفقة وليدة المنبع أجاب " غرفة النوم بالأريكة كانت أغلى ثمنا .. وكان غريبا أن أتمسك بالأريكة رغم السعر "
 
اعتلت السخرية ملامحها الرقيقة فتقول بقسوة " لقد أخذت مبلغا كبيرا من المنصوري .. لمَ هذا التقشف يا رجل رفه عن نفسك قليلا "
برد فعل فوري كان يتصلب .. ومجددا انتظرت رد فعل قاس حاد يلجمها به ويوقفها عند حدها خاصة ويده تخللت شعره وهو مغمض العينين بشيء من الغضب وتنفسه يتعالى ..
لكنه أذهلها حقا وهو يجيب مباشرة بعد لحظات تماسك فيها بمزيد من صبر الحليم " الأموال لم تكن لي يا ليل .. لقد كانت كلها لعملية أمي وإلا ماتت .. أنا لست ببشاعة بيع نفسي طمعا للرفاهية لا أكثر .. لقد اتفقنا منذ البداية بأن ما خفي كان أعظم " ثم استدار يوليها ظهره هامسا ناهيا الكلام " تصبحين على خير "
 
انعزل عنها عندها بأفكاره تاركا إياها بشعور تفاجؤ و ذنب نغز قلبها الذي مهما تغلف بالقسوة والصلابة .. يظل قلبا نقيا بالفطرة هشا كصاحبته ..
 
..............................

إنه الربيع ..
 
الذي تغنى به الكثيرون .. بوروده المتفتحة التي ولى فصل صقيعها ..
بالعصافير التي تغرد في كل مكان بشكل يصيب الصداع أحيانا ..
بالشوارع الملونة بضحكات الأطفال الذين يرتدون الملابس الزاهية الخفيفة تفاديا للحر الذي اتقدت شعلته ..
 
وهناك أهم شيء طبعا !
 
عطست طفلتها الجالسة بجوارها في المكتب تلون إحدى الصفحات فطالعتها بعطف .. نعم إنه فصل متعب للأنوف جدا !!
 
ابتسمت انتصار بحنو وهي تنهض إليها تنظف لها أنفها حتى قاطعها رنين هاتفها لتنهض تتناوله تقرأ الاسم وسرعان ما ابتسمت ترد " ميدا "
 
قال الصوت الأنثوي بمشاكسة " وهل بقى هناك ميدا يا ست انتصار .. راحت علينا "
ضحكت انتصار قائلة " لا تتكلمين يوما إلا وأنتِ تشتكين يا ميادة !! "
قالت ميادة ببساطة " يا ابنتي وليت الشكوى تجني ثمارا معك .. هل يمكنك أن تخبرني أين أنتِ مختفية بالضبط يا بنت العم المسنة "
ردت انتصار عليها تغيظها " في حروب الحياة اليومية يا مدللة "
هتفت ميادة على الجانب الآخر ضاحكة " لا تجرؤي حتى على نعتي بالمدللة .. ألا تمتلئ عيناك بالبطيخة الصيفية التي في بطني تلك .. تجعلني بالكاد أنام "
ابتسمت انتصار بحنان تسأل مهتمة " هل الحمل يتعبك جدا ؟ "
ردت ميادة بصراحة " بصراحة أتدلل "
قهقهت انتصار فأكملت ميادة " ولكن هذه المرة الحمد لله جنيت ثمارها .. احزري ماذا ؟ "
سألت انتصار بفضول " ماذا ؟ "
" لقد أشفق أخي على حالي واليوم سيأخذني ليطعمنا السمك .. أتوحم عليه " صاحت ميادة بحماس
ضيقت انتصار عينيها تسأل بشك " أي وحام ؟ .. ألم تنتهِ أشهر وحامك "
قالت ميادة متشدقة " لكنه لا يعرف بذلك "
عقدت انتصار حاجبيها تقول " إنه طبيب ! "
همست لها ميادة متسائلة بشكل " طبيب أسنان .. لا تقولي أنهم يدرسون الوحام "
ضحكت انتصار تجيب " وما أدراني لقد درست التجارة كأغلب الشعب المسكين "
 
من جوار ميادة استمعت انتصار لصوت رجولي يتكلم قائلا بصبيانية ضاحكا " والله سواء يتم تدريسه أو لا بعد كلامك المفصل علمت .. ما هذا الحماقة يا بنتي "
 
اتسعت عينا انتصار تسأل متفاجئة " هل هو بجوارك ؟ "
ردت ميادة بسهولة " نعم نحن في السيارة بالفعل "
انفجرت انتصار في الضحك تقول " لا ما شاء الله نبيهة حبيبتي طوال عمرك "
تأففت ميادة ثم قالت بحزم " اسمعيني يا بنت عمي .. أنتِ معزومة على الغداء اليوم ولا نقاش في هذا "
قالت انتصار معترضة " لا أستطيع يا ميدا .. طفلتي متعبة قليلا تعاني من دور برد "
قالت ميادة معترضة " سنطعمها أكلا تحبه .. تحتاجين لتغيير جو يا انتصار لا تعترضي "
زفرت انتصار وقالت " صدقيني لا أقدر .. لا أريد مشاكل مع ابراهيم .. أصبح خانقا "
صرخت ميادة على الجانب الآخر بهرمونات حمل متفجرة " نعم نعم نعم ؟ .. مشاكل وخانق .. خانق على نفسه حبيبتي من هذا ليتحكم بكِ .. والله ستأتين وليضرب رأسه بأقرب حائط هذا السخيف وإن اعترض .. إن اعترض .. "
صمتت تعبس مفكرة في تهديد جاد قبل أن تكمل بثقة " سنرسل له أخي "
رفع أخوها حاجبه ينظر إليها باستنكار فتجاهلته ..
 
حاولت انتصار على الجانب الآخر التملص لتقاطعها ميادة تصميم " لا تجادلي انتصار .. بالله عليكِ لو لم نأت لزيارتك لم نكن لنراكِ .. ستأتين معنا .. كما أن أخي من أصر على ذلك .. هياااا يا بنت .. مريم أيضا بحاجة لنزهة "
ابتسمت انتصار تجيب بطاعة " حسنا لا بأس "
صاحت ميادة بسعادة ثم نظرت لساعة يدها لتقول بعدها " لم يبق إلى نصف ساعة تقريبا لمغادرتك من الروضة .. سنكون عندك حبيبتي .. إلى اللقاء "
 
أنهت المكالمة تنظر لابنتها التي صرخت فورا تتقافز من مكانها " أووووووه هل سنخرج مع ميدا وزوما "
ردت انتصار مبتسمة ابتسامة واسعة تأثرا بفرح ابنتها " نعم يا شقية "
 
قاطعها دخول العاملة التي تنحنحت قائلة " أم مريم .. لم يعد هناك إلا طفلين .. سلمى الجوهري وعبد الرحمن الصغير هذا .. ألن تغادري "
ردت انتصار عليها " لا هناك من سيمر لأخذي .. هاتي المفاتيح واذهبي أنتِ لأولادك هيا .. سأنتظر أنا مع الطفلين "
ابتسمت العاملة لها ممتنة ومدت يدها بالمفاتيح ثم تحركت مودعة لهما ..
 
بعد قليل كانت انتصار واقفة مع سلمى تضفر لها شعرها بعد أن أتى والد الطفل الآخر لأخذه ولم يتبقى غيرها ..
 
طرق على الباب نبهها .. فالتفتت بنقاب وجهها تنظر لـ سلطان الجوهري الذي دخل بكامل هيبته مجتاحا المكان بوجوده فارتبكت بشدة تبتلع ريقها ..
 
كانت المرة الأولى التي تراه بعد علمها بطلبه الزواج منها ورفضها المباشر طبعا ..
 
لقد عاد طلب والديها للتكلم معها بشأن الزواج مجددا ولا زالت على نفس الامتناع .. لحد الآن لا تعلم سر تشبثهما به .. في الحقيقة هي لا تعلم سر اختياره لها أيضا !
 
لم يكد يرها إلا مرات قليلة جدا
ربما لظروفها رآها الأنسب لتربية طفلته ؟ ..
آه .. الجميع يراها كمربية لا أنثى .. خاصة وهو يجهل حتى شكلها ..
 
وقفت انتصار أمامه تجلي ذهنها من أفكارها حوله قائلة برزانة وثبات " أهلا وسهلا .. "
ذهبت سلمى إليه تبتسم له بفرح فربت على رأسها يتبادل معها بعض الكلمات حتى رفع وجهه ناظرا لعمق عيني تلك التي لا يظهر منها إلاهما ..
 
فشعرت بالانزعاج لأول مرة من نظراته التي لا تتحرك من من فوق مقلتيها ولا تعرف لمَ ؟..
 
" كيف حالك انتصار " سأل .. و ها هو يكرر اسمها مجردا وكأنه يحق له مُزِيدَا من ارتباكها كأنثى !
ردت بهدوء تداري به اختلاجاتها دون التفات لاسمها " الحمد لله .. أنرتنا "
أطرق يبتسم ابتسامة صغيرة بدت ابتسامة شخص يجد ما يسليه فعلا ثم رفع وجهه قائلا " هل أنتم معتادون على شبه طرد أولياء الأمور ؟ "
ردت عليه برباط جأش " لا طبعا سيد سلطان أنت تنير المكان .. ولكن ولي الأمر أخذ طفلته وانتهى وقت العمل .. إذن لا وقت لأي استضافة كما ترى "
 
لم يعقب ولم تظهر عليه أي من علامات الحرج واستمر في مجابهة عينيها لفترة قبل أن ينزل بنظراته ببطء إلى طفلتها الجالسة تأرجح ساقيها تشرب من عصير ما ترمقه في براءة ليعيد اهتمامه لانتصار قائلا بهجوم مستقيم الاتجاه " لماذا ترفضين الزواج مني انتصار ؟ "
شعرت بالصهد من شدة الحرج .. تبا لم تتوقع تلك المباشرة بهذه السرعة !
 
ردت بعد لحظة ألجمت فيها " كلامك كله مع والدي سيد سلطان .. لكن ورغم ذلك إليك الإجابة واضحة .. أنا مكتفية بالاهتمام طفلتي "
ابتسم ببطء معيدا نظراته لطفلتها قائلا بغموض مربك " نعم أستطيع أن أرى هذا "
ثم أعاد تركيزه لها يستطرد بنبرة لم تفهمها " تزوجيني إذن وضعيني في قائمة الاهتمامات معها "
 
للحظة تشوشت .. حتى اتسعت عيناها وانفجر وجهها احمرارا فشكرت الله على نقابها .. يا له من رجل مباشر جريء .. وغير متوقع !
 
تتساءل ..
لماذا عندما رأته أول مرة توقعته لوهلة رجلا خجولا لا يرفع عينيه بالتي هي أمامه ..
لا ذلك الذي يجابه عينيها بنظرات ثابتة لا تتزحزح لرجل يعرف تماما ما يبتغيه .. بل ويطالب به صراحة وفورا !
 
إنه حرفيا طالبها بالاهتمام !
فلم تجد قولا يسعفها سوى " عفوا ؟ "
 
" على الباب أنا على الباب .. افتح لي يا بواب "
غناء متحمس اقتحم المكان مقاطعا حوارهما فالتفت كلاهما ينظران لتلك السيدة الشابة التي دخلت ببطنها المنتفخ والتي سرعان ما خرست متحرجة بجوارها شاب يحمل بعض الشبه منها يرمقهما بتمعن وفضول عاقدا حاجبيه ..
تنحنحت ميادة تقول " آسفة .. هل لا زلتِ تعملين ؟ "
ردت انتصار بهدوء وهي تتمالك نفسها تشعر بالامتنان لهذه المقاطعة " لا لقد انتهيت بالفعل "
صرخت مريم بجنون وهي تقفز من مكانها بلهفة " زومااااااااااااااا "
ابتسم الشاب الوسيم ينحني إليها فيرفعها عن الأرض يرميها في الهواء قبل أن يتلقفها قائلا وهو يقبل خدها بخشونة " مريمية كيف حالك اشتقت إليكِ "
هتفت مريم بفرح " وأنا جدا .. واشتقت لميدا جدا جدا "
ابتسمت ميادة لها ترحب بها حتى عم الصمت فالتفتوا كلهم لسلطان الذي لم يكن له موضعا من الاعراب في وقفة الأقارب الدافئة هذه لتقول انتصار بثبوت " حسنا لقد أنتهى عملي .. أراكِ غدا سلمى "
ابتسمت سلمى ترسل لها قبلة الهواء الشهيرة فتقدمت ميادة تنظر لسلمى تمسد على شعرها هامسة بوله " يا الله ما أجملك ما شاء الله .. دعيني أنظر لكِ حتى يخرج طفلي يشبهك "
 
اقترب أخوها يمد يده ممسكا بذراعها يضغط عليه ناهرا همسا " أي طفل يشبهها ؟ .. اصمتي ميادة " ثم رفع وجهه قائلا لسلطان بلباقة " حفظها الله لك سيد .. ؟ "
صمت سلطان للحظتين احتاج فيهما التدقيق .. كان شابا حنطي البشرة أجعد الشعر بعينين خضراوين فاتحين وجسده رياضي يوازيه طولا .. إلى أن أجاب متنازلا باختصار " سلطان الجوهري "
أومأ له الآخر يقول مضيقا عينيه " حازم نجيب .. تشرفنا "
 
لم يبتسم سلطان وهو يتحرك مع طفلته بعد أن رمى نظرة وعد لعيني صاحبة الوجه المحجوب التي تجاهلت الأمر متوترة فغادر على صوت ذلك الـ حازم الذي قال لانتصار بمرح " إذن يا بنت عمي .. هل سننال شرف تناول الطعام معك أخيرا "
فيأتيه رد انتصار الضاحكة " سأعطف عليك هذه المرة "
 
 
............................
 
 
رنين جرس الباب نبه كلتيهما وهما جالستان تشاهدان التلفاز معا بتآلف يضيعان الوقت .. لتقول شروق لليل " انهضي حبيبتي انظري من بالباب "
ببطء وتثاقل نهضت تستجيب للرنين الذي لا يتوقف فتفتح الباب لتنزل بنظراتها قليلا لتلك الشابة المراهقة القصيرة القامة الممسكة بين يديها صينية ما مغطاة ..
             
ابتسمت نورين فورا قائلة ببشاشة " آه أخيرا تقابلنا .. .. أنتِ ليل .. كيف حالك "
بلا تعبير رمقتها ليل دون رد وهي تجدها بمثل تلك الأريحية الغير مبررة .. لكن نورين لم تهتز ابتسامتها من صمتها وهي تكمل موضحة تهز كتفها بحركة بدت لليل مليئة بالدلع " أنا نورين أخت عمر "
لم ترد ليل مجددا فعقدت نورين حاجبيها لحظة ثم عادت تكمل بشقاوة مستمرة في السعي لحتمية الوصول " عمر المنسي .. المجرم "
في بلادة أخيرا ردت ليل تقول لها " هل أخوك مجرم ؟ "
مطت نورين شفتيها ترد بغير رضا " ليس كما وصلك تماما " ثم تأففت مكملة وهي تدخل الشقة تلقائيا " حسنا هل يمكنك أن تبتعدي عن الطريق من فضلك "
دخلت نورين تصيح " خالتي أم فجر لقد أتيت "
باتساع ابتسمت شروق فور أن رأتها .. تفتح ذراعيها لها فوضعت نورين ما في يديها على الطاولة وأقبلت تحتضنها وأم فجر تقبل خديها بعدد لا محدود من القبلات تقول " جميلة الحي ونوره وضحكته .. اشتقت إليك يا بنت "
قالت لها نورين " وأنا اشتقت لكِ جدا "
ضربتها شروق على ذراعها بخفة معاتبة " يا كذابة .. لو اشتقتِ كنتِ تأتين لزيارتي "
ردت نورين معتذرة " والله يا خالتي دونا عني .. امتحاناتي على الأبواب للأسف ما أن انتهي منها فقط حتى تملي مني .. أنتِ فقط اذكريني بالدعاء "
قالت لها أم فجر بطيبة " هل ستطلبين الدعاء .. يا حبيبتي دون طلب والله .. أنتِ فخرنا جميعا حفظك الله "
قبلت نورين خدها بقوة حتى ضحكت شروق ثم التفتت لليل المراقبة بتباعد و .. شيء من الحسد الخفي
قالت شروق لها مبتسمة " ما بكِ حبيبتي واقفة .. تعالي .. لم تتعرفي على نورين حتى الآن "
اقتربت ليل بغير اهتمام وجلست في جلسة منفصلة عنهما دون أن ترحب بها لتصيح نورين بحماس " لقد صنعت أمي البسبوسة .. ستحبينها جدا أعدك بذلك "
بصلف ردت ليل " ليس هناك داعي .. لا أحبها "
امتقع وجه نورين حرجا بينما التفتت شروق بحدة تنظر لليل مستنكرة ما قالته !
 
هل تطالعها حقا باستنكار !!
هذه أول مرة تماما تعترض على شيء يخصها أو توبخها بنظراتها كما تفعل للتو وكأنها غير متقبلة ..
وهذا لأجل تلك القصيرة القامة التي تنحنحت وعادت تبتسم ابتسامة أكثر تحفظا وهي تقول بسماحة " لا بأس فجر سيحبها كالعادة "
عبست ليل وهي تتطلع فيها بتمعن .. قصيرة قامة بيضاء البشرة بتورد يبدو طبيعيا وشعر عسلي يغطي كتفيها بدلال وجسد رغم رشاقته كان أنثويا ببنطالها الجينز الضيق وبلوزتها الطويلة تصل لفخذيها بأناقة .. بلون برتقالي بشع !
 
أسبلت ليل أهدابها تتلاعب في أصابعها السمراء معترفة .. ليس بشعا بل بالعكس يبدو منعشا عليها بشكل مثير للغيرة ..
زفرت تسمي بالله في قلبها تشعر بسكين ثلم يشق صدرها .. إلى أي حال انحدرت فتغار من فتاة مراهقة كهذه !
 
همست ليل بفتور " أنا سأدخل غرفتي .. هل تحتاجين لشيء "
عبست شروق وهي تقول لها بتعجب " ألن تضيفي نورين يا ليل "
 
ماذا ؟ .. حضرت العشاء لفجر مرة والآن تقدم ضيافة لهذه الظريفة !
 
عدم ردها زاد من حرج نورين وحيرتها لكنها عادت تقول ببساطة بطبعها اللطيف " أي ضيافة يا خالتي هل أنا ضيفة .. بل أنا من سأنهض وأصنع لنا الشاي بالنعناع "
قالتها ونهضت فعلا متجهة للمطبخ ليوقفها فتح الباب ودخول فجر الذي ما أن تنبه لها حتى ابتسم عفويا يقول " نورين عندنا .. وأنا اتساءل عن سر جنيات الألوان المتطايرة أمام الباب "
ضحكت بخجل تسأله " كيف حالك يا فجر "
رد عليها بمحبة " بخير يا حلوى القطن كيف حالك أنتِ .. كيف استعدادات الامتحانات "
تنهدت تقول له بدراما مفتعلة " كثف الدعاء يا أخي بالله عليك .. الأمر أشبه بكابوس "
 
ابتسم لها يدعمها بكلماته تحت نظرات ليل المتحجرة ..
دائما ما يكون غيرها من يخطف الأنظار ..
هي أبدا لم تخطف الأنظار يوما ..
لم تكن على رأس قائمة الاهتمامات لأحد ..
وقطعا لن تكون مرئية لذلك البارد بعينيه السخيفتين مثله ..
والذي تحرك يقبل أمه واستمر في التحدث مع تلك المراهقة كما حال شروق أيضا التي انسجمت ناسية أن تخبره أن يرحب ويقبل زوجته كما واظبت كل يوم ..
 
وقفت من مكانها ودون استئذان حتى كانت تدخل لغرفتها وتغلقها ورائها بهدوء متجاهلة نظرات الجميع المتباينة ..
وبخزي كانت تكتشف أن عينيها دامعتان
 
 
...............................
 
 
" هل أخبرتك بتلك السرعة ؟ "
قالت انتصار بتذمر فابتسمت ميادة تجيب وهي تأكل من كوب المثلجات بنهم " نعم أخبرتني أمك .. لاحاول اقناعك بالعريس .. وبصراحة لم أكترث وكنت قد قررت دعم رفضك عندما علمت أنه مطلق فنحن لا نريد رجلا يقرفنا ببلاياه " ثم نظرت لها تكمل مصطنعة الهيام تحرك يديها أمام وجهها ترسل له بعض الهواء " لكن عندما رأيته .. فوالله تكونين كحمارة غبية لو رفضتِه .. " ثم قطبت تضيف بعزم " الرجل يأتيك بنفسه متلهفا متعللا بطفلته .. لو كان يريدك فقط لأجل تربية الطفلة لا أكثر لما ظهر من جديد بعد رفضه بل ربما أخذه الكِبر فيرحل بابنته عن الروضة تماما "
 
لوت انتصار فمها فابتسمت لها ميادة تضع يدها على يد انتصار المستريحة على الطاولة أمامها بينما حازم ذهب مع مريم يشتري لها بعض الأشياء وقالت جادة " انتصار .. اسمعيني جيدا .. لقد تكلمت أمك عن كونه شخصا مناسبا لا يوجد ما يعيبه وسيرته حسنة ومن أصل طيب وهذه هي الصفات التي تبحث عنها الأهل .. لكن أنتِ من عليكِ تحديد ما تحتاجينه لأجل مريم إن كان كذلك .. ولكن أيضا يجب أن تضعي في عقلك احتمالا أن يكون بالفعل مناسبا لكِ يا انتصار .. لا داعي لهذا الخوف الزائد .. قد تحتاج طفلتك لأب  .. لمَ لا يكون هو .. لا داعي لنظرة الغير مناسب دائما العالقة برأسك تلك .. أنتِ بحاجة أن تقللي من الأدوار في حياتك وتبحثي عن دور الأنثى المطموس .. هذا ليس حراما ولا عيبا .. صحيح ؟ "
 
نظرت لها انتصار تومأ لها فقط لتسكتها ..
فلا أحد يفهمها ..
 
هي لا تبحث عن زواج جديد ولا تريد البحث عن أنوثتها الرافضين بدفنها .. هي راضية وفية لزوجها المرحوم ولا تنوي الدخول في تجارب أخرى قد تضر بابنتها إن لم تنفعها ..
 
لكن لا أحد يفهمها !
 
 
............................
 
 
( لم تكلميني منذ فترة طالت .. أردت الاطمئنان عليكِ فقط )
كتبت الرسالة وبسرعة وأرسلتها لمياسة .. شعور وحشة فظيع هاجمها أشبه بوقوفها عارية في منتصف الثلوج ..
إنها غريبة حتى عن نفسها وبحاجة ماسة للتواصل مع أي شخص يهتم لأمرها هي كـ ليل ..
 
حتى مياسة خسرتها .. فهي تباعدت عنها حتى أصبحت تمر فترات دون أي كلام بينهما وهذا ما لم يحدث يوما ..
لقد خذلت مياسة للأسف .. لكن هل خسرتها للنهاية ؟
كيف تخسرها .. ولأجل ماذا بالضبط ؟
إنها حتى لم تقم بأي خطوة جادة لحد الآن مما قررت القيام به ..
وكأنها ما أن تواجدت داخل الحدود التي رسمتها بأيدٍ متهورة عمياء بظلام الخذلان .. حتى تراجعت للخلف تود الانسحاب ذعرا ..
 
بأي سلاح قد تهاجم وهي لا تملك شيئا ..
كيف نوت أن تقدم نفسها لذلك الزوج وهي التي لا تملك ما تقدمه .. فلو ملكت لربما ما حدث معها كل هذا ..
إنها حتى لم تكن كافية لزوجها كأنثى فكيف بإغراء آخر لم يرها أصلا ما أن لمح مجرد مراهقة بيضاء البشرة عسلية الشعر !!
 
ابتسامة ساخرة شقت فمها .. غبية يا ليل .. غبية لم يكذب أبوكِ في هذا !!
 
فُتح باب الغرفة يدخل من ورائه فجر يلقي التحية بهدوء فلم تردها ولم يأبه .. كان ساهيا نوعا ما كما حاله مؤخرا ..
فتح الخزانة يخرج ملابسه فسألت بحقد غلفته بالبرود " هل ذهبت تلك التافهة ؟ "
عقد حاجبيه منتبها لها قائلا بعدم فهم " من ؟ "
ردت عليه " تلك المائعة المراهقة "
طالعها بجمود وهو يجيب " اسمها نورين .. ولا داعي للتكلم عنها بتلك الطريقة الغير لبقة "
رفعت حاجبها تقول متهكمة " آه .. عفوا لم أعتقد أن من ضمن الشروط احترام الصغيرات أيضا "
أغلق الخزانة وهو ينفخ من بين شفتيه ثم التفت لها قائلا بجلافة " لا ليست من ضمن الشروط .. إنها من احترام الإنسان لنفسه "
بجنون برقت عيناها لكنه تغافل عن الثورة فيهما .. فقالت بشراسة وهي تنهض واقفة أمامه " هل تقصد أني غير محترمة أيها الوقح .. من تعتقد نفسك بالله عليك لتتكلم معي بتلك الطريقة الغير مهذبة "
 
" تعامل معها بحذر "
" خاصة وهي مجبرة "
" إنها مجبرة كارهة "

كلمات سلطان فجأة سطعت من اللامكان كما أضحى حاله كلما نظر لها .. هل يبرر لها الآن وقاحتها لأنها مجبرة ؟
لكن لماذا تبدو له وكأنها تعبر عن ألمها في شكل الغضب وليس مجرد وقاحة وتعالي منها ..
إنها أشبه بشخص يقف في ظلام حالك فلا يحمي نفسه إلا بطيش الحركات والرعونة ..
 
سحب فجر نفسا طويلا وزفره لينظر لها قائلا في هدوء " أنتِ ما هي مشكلتك بالضبط ؟ .. ماذا تريدين تحديدا وأنا سأفعله .. فقط اطلبي "
 
ابتلعت ريقها وقد بهتت من هدوئه .. نعم هي ماذا تريد !
ماذا تريد لترتاح وتصل لدرجة السكينة !
أين طريق راحتها فقط وهي ستسلكه !
 
" ماذا رأيتِ في حياتك ليجعلك كارهة لكل من حولك " سأل بشكل مفاجئ متجهما فأجفلت بشحوب ترفع وجهها إليه مشتتة النظرات .. لتهمس له بعد فترة صمت بصوت متجمد " الكثير .. الكثير جدا مما يجعلني أكره نفسي شخصيا .. فمن تكونوا أنتم كي أحبكم .. تبا لك ولها "
صمت دون تعقيب يكتفي بأن يطالعها بنظرة غير مفسرة لعقلها الغائب في تخبطات غضبه .. يتخيل ماذا يمكن أن تكون رأت مثلا ؟
 
رأت الضرب ..
والطلاق ثلاث مرات ..
ورأت الاجبار على زواج آخر لتعود للزوج الأول !
 
هل يوجد أقسى من هذا على أنثى ؟
الكائن الذي نشأ وتربى على وصايا أبيه أن يحترمه ويعامله باللين والصبر والرحمة .. يتعامل بتلك الطريقة الدنيئة القاسية !!
 
لم تبتعد عيناها من فوق عينيه بتحدٍ قاسٍ .. لتعقد حاجبيها حينها وهي تكتشف سرا كان مجهولا عنها ..
 
بأن عينيه الباردتين السخيفتين .. رماديتا اللون تشبهان اسمه تماما ..
فجر منير ..
 
 
................................
 
 
رفعت الهاتف تقرأ الرسالة متمهلة .. قبل أن تتركه دون رد لدقائق طالت أنهتها بأن مدت يدها من جديد تكتب لها ( أنا بخير ) ثم توقفت قليلا لتستكمل بحنو غلبها ( وأنتِ كيف حالك .. اشتقت إليكِ يا ليل )
 
تركت بعدها الهاتف نهائيا لتنهض مغادرة مكتبها تُلقي التحية على السكرتيرة مودعة وتنزل للمرآب للرحيل ..
 
ما أن وصلت للسيارة لتفتحها حتى شهقت وهي تشعر بقبضة عنيفة تثبتها في وقفتها تحتجزها بصلابة على هيكل السيارة وسكين ما يوضع بقسوة على رقبتها بتهديد شرس .. بينما صوت غليظ عفن يهمس لها بترهيب " من تلاحقينه يرسل لكِ سلامه .. ويخبرك إن لم تبتعدي عن طريقه .. أبعدك هو عن الحياة بأكملها .. وتعرفين بما هو قادر على فعله يا جامحة "
 
لحظات لم تجد فيها وقت لتلتقط حتى أنفاسها .. حتى شعرت بضربة مدروسة على رأسها كانت بقوة كافية لتسقط أرضا فاقدة الوعي .
 
 
.............................
 
 
نزلت هوليا من جناحها تفرك رأسها متأوهة بصداع رهيب بعد وقت طال في نوم متأخر نتيجة سهرة احتلت ليلة الأمس كلها في حفل هام وجب حضورها بجانب زوجها فيه ..
 
كان حفلا خانقا جدا بسبب كثرة الأسئلة عن ليل وما حدث بينها وبين أمير الذي تغيب لأول مرة عن تلك الحفلات معتذرا ..
تقدم المبررات بحذر متحملة شماتة الكثيرات اللواتي قدمن تعاطفا زائفا بنفاق تعرفه ..
 
كانت وحدها في وجه المدفع مضطرة !
 
دخلت للمطبخ تطلب قهوتها الفاتحة تجلس على الكرسي فترتشفها وهي تقلب في إحدى المجلات
شعرت بنادر وهو يصل الفيلا قاطعا طريقه للمكتب لتتحرك بسرعة معدلة من هيئتها الفاتنة تلحق به تحت نظرات الخدم المستهجنة أو المشفقة ..
 
" نادر حبيبي " قالتها برقة فالتفت لها منشغلا بما يلملمه من أوراق تخص عمله لتكمل وهي تقترب منه واقفة بجواره متملقة " كل عام وأنت بخير "
عقد حاجبيه ينظر إليها بعدم فهم فاتسعت ابتسامتها توضح " اليوم عيد زواجنا "
نظر لها متصلبا للحظة ليتكلم بعدها بدون تعبير " كم أنتِ تافهة عديمة عقل ! "
رمشت بعينيها مصدومة وقد اهتزت ابتسامتها لتهمس بجرح " لماذا .. أنا فقط أردت أن أجعله يوما مميزا "
ثم حاولت التشبث بحماسها تشير لمكتبه مكملة ببعض الارتعاش " ألم تلحظ هديتي على مكتبك "
التفت ينظر لما تشير إليه من علبة مغلفة بأناقة مبالغ فيها فتأخذها تفتحها بسرعة تمد إليه ساعة يد فاخرة ثمينة قائلة بغير استسلام " كل عام وأنت بخير .. يوما مميزا حبيبي "
 
ظهر على ملامحه الشرود المجهول وكأنه ابتعد عنها فجأة بفكره ليهمس لها مبتسما بشيء من ألم يظن من يعرف المنصوري جيدا أنه لم يذقه أبدا " يوم زواجنا ليس مميزا أبدا يا هوليا .. أبدا ! "
مبهوتة نظرت له فهز رأسه كمتحسر مردفا " كما أني مللت من كثرة الساعات التي تشترينها لي في كل مناسبة .. لم تنجحي يوما في جلب شيء أحببته .. كان فقط نجم ورحل "
ثم تحرك مغادرا بغير اهتمام بجرحها المستمر في نزفه كل يوم
 
 
..............................
 
 
ما أن عاد لمكتبه حتى كان يجلس على كرسيه ملقيا ما بيده بغير اهتمام رغم أهمية ما يحمل ..
فتح الخزنة الصغيرة التي يحمل بداخلها أشياءا ثمينة ومد يده ناحية ألبوم صور صغير تناساه بمرور السنين ..
 
نظر إليه بشرود قليلا قبل أن يقرر فتحه مستقبلا الصورة الأولى ..
 
صورته معها ..
 
" كل عام وأنت بخير يا نادر "
ابتسم لها وهو يأخذ الهدية الملفوفة بشكل أنيق بسيط ليفتحها فيجد الألبوم .. رفع نظراته السوداء إليها فابتسمت قائلة برقة " سنملأه بالصور التي نشاركها مع أطفالنا مستقبلا "
ثم مدت يدها لحقيبتها فتخرج من محفظتها صورة مصغرة لهما معا تردف وهي تلوح بها أمامه فيتلألأ خاتم خطبتهما الماسي في إصبعها " هذه صورتنا الأولى .. وستكون أول واحدة بداخله "
ثم وضعت الصورة بالصفحة الأولى لترفع وجهها الأبيض له بترقب فيقول بعينين عابثتين مغازلتين " أنتِ جميلة جدا يا عالية .. ومميزة في كل ما تجلبينه "
اتسعت ابتسامتها بخجل فيضيف بثقة " كل عام وأنا دائما معك .. ومع أطفالنا يوما ما "
ضحكت بعذوبة تقول " بإذن الله نادر "

ابتسم نادر يخرج من شروده وهو ينظر لتلك الصورة التي كانا جالسا بجوارها بشكل متقارب لمتحابين لا يعكر صفوهما شيء .. 
 
يده أخذت تقلب في صورة تلو الأخرى حتى وصل لمنتصف الألبوم وكانت هنا نهاية الصور .. كما نهاية وجودهما معا كذلك .
 
 
...........................
 
 
" لماذا لا تردين "
همست من بين أسنانها بنبرة عصبية متحركة بعشوائية في الشرفة الصغيرة التي تطل على الشارع بإطاره الشعبي المشع بضوضاء رغم أنها محببة .. بدت لها الآن مستفزة وهي في تلك الحالة من التوتر القلق ..
مياسة لا ترد وقد حاولت الاتصال بها مرات ومرات بعد أن قرأت رسالتها .. ليست عادة لمياسة تجاهل الاتصالات حتى لو كان هناك خلاف ..
 
أرسلت الرسائل لخالتها والتي هي الأخرى لا ترد مما زاد من قلق ليل .. رفعت نظراتها للشارع تسحب بعض الأنفاس علّها تهدئها .. إنها لم تخرج للشارع قط منذ قدومها لهذا البيت .. تكاد تفقد الشعور بدفء أشعة الشمس .. لكن هذا أراحها فهي لا تريد مواجهة أي نوع من البشر يكفيها من يأتون للبيت ..
 
" يا حلوة .. يا حلوة "
 
التفتت ليل تنظر لتلك الجارة التي تشير لها منادية بـ الحلوة بشكل سمج .. والتي ابتسمت تقول بتزلف " كل عام وأنتِ بخير كيف حالك يا عروس "
بتعجل أجابت ليل وهي تنوي معاودة الدخول " بخير .. شكرا "
أوقفتها بسرعة تستكمل مطالبة أغراضها تتصنع حرجا هي أبعد ما تكون عنه " ألا تعطيني حبتيّ فلفل وحبة بصل وفصين ثوم "
رفعت ليل حاجبها تطالعها ذاهلها .. يا إلهي لمَ لا تطلب منها أن ترسل لها الطعام كاملا جاهزا !
 
لذا ببرود ردت " لا يوجد لدينا .. يمكنك شراء ما تريدين من السوق لسنا محل خضراوات " ثم دخلت الشقة من جديد تاركة الجارة تشهق بغير تصديق لمدى وقاحة العروس الجديدة على الشارع لتتمتم باستهجان " هل هذا لأني طلبت كم مرة بضع ثمار من الخضرة .. ما هذا البخل "
 
 
...............................
 
 
كان فجر بداخل غرفته يرتب ملابسه المغسولة ويطبقها بعناية فيتقدم من الخزانة ليضعها مكانها .. بالخطأ فتح مكان ليل فيها فتهاجمه رائحة عطرها بتأثيره الهامس الذي لا يشعر به إلا من يهتم بالشعور ..
لكنها تظل رائحة ابنة زوات مثلها .. علقت في كل أنحاء الشقة وغرفتهما بالذات
 
دون شعور كانت يده تمتد لتتلمس تلك الأقشمة الناعمة المتراصة لملابسها البسيطة .. إلى أن توقفت عند الملمس الجلدي الشاذ لتلك السترة المعلقة فيعقد حاجبيه وهو يتحسس ذلك التمزق في ذراعها ..
مد يده أكثر بفضول ليسحبها من فوق عَلاقة الملابس .. لتتسع عيناه بغباء حينها ..
 
إنها سترته !!
 
انفتاح الباب بعنف جعله يجفل وتظهر من ورائه تلك المجنونة بذبذباتها المشتتة .. والتي نظرت له بدهشة للحظة قبل أن تتسع عيناها باستنفار وهي تقترب منه وبحدة تسحب السترة من بين يديه حتى كادت أن تزد من تمزقها ..
بينما تقول بصوت حاد قاطع " هل تفتش في ملابسي .. كيف تجرؤ "
رد عليها بملل " ألا يمكنك مرة تهدئة هذا الاندفاع الأشبه باندفاع حمار متهور "
فغرت فاهها ذاهلة من إهانته لكنه أكمل مشيرا للسترة " ثم أين ملابسك ؟ .. إنها سترة رجالية "
جعدت السترة المسكينة المستغيثة في يديها بقوة لتقول له " ما خصك أنت رجالية أم تخص أطفالا .. تبا لك كيف تسبني .. أنا حمار متهور أيها البغل الأعرج "
 
ها هي تطاولت و سبته من جديد ..
فهل سيستمر صمته عن الإهانة مرة أخرى أم ربما يعاجلها بصفعة متوقعة ؟
فهي تذكر أمير كان يرفض مجرد رفع صوتها عليه ..
 
ابتسامته ( الغير متوقعة ) جعلتها تكاد تفغر فاهها !
المعتوه !!
خاصة وهو يقول ساخرا " ما هذا السباب الأنيق يا ابنة الذوات .. بغل أعرج ! "
لم تتجاوب معه وهي تلهث حتى انتفضت تدفعه بيديها في صدره لتقول " ابتعد عن خزانتي يا فجر " ثم بإصبعها أشارت تحذره " وإياك ولمس ملابسي من جديد .. خاصة تلك السترة إياك ولمسها أو حتى النظر لها "
 
ثم بلطف كانت تعلقها ثم تغلق عليها الخزانة كمن تغلق على كنز خاص !!
وتتحرك تاركة الغرفة باحثة عن شروق !
 
السترة الممزقة الخاصة به ؟
ترى ما سر احتفاظها بها ؟
وما سر تمزقها أيضا !!
 
 
............................
 
 
" طفلتي .. حبيبتي .. كيف تشعرين " همست عالية بنبرة ضعيفة وعيناها لا يزالان مليئين بالدموع التي لم تتوقف عن سكبها منذ وصلت المشفى .. فقد اتصلت بها السكرتيرة الخاصة بمكتب مياسة تخبرها بصوت مذعور بأنها وجدت مياسة مغشيا عليها بجوار سيارتها في المرآب .. ورغم ثبات عالية التي اتصلت فورا بالإسعاف في نفس الوقت الذي كانت تركب سيارتها وتقود بسرعة جنونية .. لكنها ما أن وصلت المشفى حتى انهارت باكية وهي تتخيل لوهلة لو فقدت وحيدتها التي كانت كمعجزة أهداها بها الله بعد أن علمت باستحالة حملها قبل حتى أن تتزوج من تاج ..
ولم تهدئ قليلا حتى طمأنها الطبيب بأنها بخير وأن الضربة التي أصابت رأسها كانت مدروسة كي لا تصبها بأذى .. فقط مجرد إغماء ..
 
أفاقت عالية على صوت الشرطي الذي شكر مياسة بهدوء وتمنى لها الشفاء عاجلا ثم تحرك مغادرا بعد أن أخذ أقوالها التي أخبرته فيها بأنه مجرد لص حاول سرقتها ولا تعرف من هو خاصة أنه كان ملثما لم تظهر كاميرا المراقبة هويته ..
 
اقتربت من رقدتها على السرير تمسد على شعرها الأشقر تهمس لها بكلمات الحب لترد مياسة بابتسامة قوية رغم شحوبها " أنا بخير والله .. وأريد الخروج من هنا من فضلك لا أطيق الرقدة "
ردت عالية بحزم " قلت لن تخرجي .. لقد قال الطبيب أن بقائك للغد أفضل "
تأففت مياسة من جديد ثم سألت " أين هاتفي ؟ "
أجابتها أمها " كان مع السكرتيرة .. ربما نسيته معها لقد أصريت على ذهابها قبل قليل " ثم أشارت لهاتفها تكمل " ليل لم تتوقف عن الاتصال .. وبدت قلقة من رسائلها جدا .. لكني لم أرد حتى أتمالك أعصابي أولا وسأخبرها بأنكِ مريضة "
همست مياسة " نعم .. جيد ما تفعلين "
 
قطع حوارهما انفتاح الباب دون مقدمات ليطل من ورائه شاب أشقر نهضت عالية ترحب به بمحبة قبل أن تطلب مياسة بلطف " ماما .. هل من الممكن أن تطلبي له ما يشربه "
 
أومأت تسأله ما يفضله فرد ببساطة " بعض القهوة لا بأس بها " ابتسمت عالية ملبية تدرك رغبة ابنتها بخروجها من المكان للتكلم بشكل خاص .. فأشد أسرار مياسة خفية لا تكون إلا معه
 
بعد خروجها التفت الشاب لها وبتهكم كان يقول دون تمني السلامة حتى " انظروا للفرس الذهبية التي سقطت بضربة صغيرة "
مطت مياسة شفتيها ساخطة فأكمل هو مباشرة " هاتي ما عندك .. وبصراحة طبعا "
 
 
...................................
 
 
بعد أيام ..
 
 
" يا عم العب .. هل أنت أحول "
صراخ عمر العصبي شق الشارع الواسع لحيهم والذي تجمع فيه عدد من الشباب يلعبون كرة القدم بدلا من الذهاب للملعب خاصة بالعدد الصغير لهم ..
 
تأفف الشاب المقصود حانقا من صراخه بعد أن أضاع الكرة بغباء جعل عمر يلوح بجنون  " لا تتأفف كالنساء .. العب بشكل مضبوط أو انسحب "
هتف الشاب وهو يقطع المسافة ناحية عمر " من يلعب كالنساء يا منسي .. احفظ لسانك هل ستخرج جنونك علينا "
تدخل حسن بينهما قائلا " حسنا حسنا .. اهدآ الآن يا شباب .. انتهى اللعب "
دفعه عمر بنزق يقول بلا مبالاة وقحة " أنا المخطئ لعبت مع مجموعة هواة "
 
ثم تحرك بعنجهية يرتمي على المصطبة بجوار فجر الذي لم يتدخل حتى تاركا الأمور لحسن الواقف يراضي الآخر وقد تفرقوا بعد مباراة بدت سخيفة جدا في نظر عمر رغم أنها كانت ممتعة على الجميع ..
نظر له فجر يسأل باهتمام " ما بك حاميا كحبات الفشار على النار "
نظر له عمر ليقول دون رد على سؤاله " كيف حال ابنة القصور في بيئتنا المتواضعة .. هل تحسن ضيافتها "
 
ابتسم فجر ابتسامة صغيرة دون أن يلتفت لنبرة السخرية التي فاض بها صوت صاحبه فيقول ببساطة " إنها أشبه بطفلة غاضبة طائشة لا تُحسن التصرف "
رفع عمر حاجبه وهو يطالع جانب وجه فجر المطرق بشرود غير مستحب لينتبه رافعا وجهه له فيتكلم الأول ببطء " ما معنى ( طفلة ) تلك "
عقد فجر حاجبيه ليجيب ببرود " لا داعي لتفسير كل حرف بعقلك السيء النوايا هذا "
لم يجاريه عمر وهو ينظر له بتدقيق خانق حتى اقترب حسن يصيح في عمر " لم يظل أحدا على علاقة طيبة بك في الحي بسبب لسانك السليط هذا .. ليس الجميع سيتفهم طباعك يا بني آدم "
ابتسم فجر على ما قاله بينما عمر لم يرفع وجهه حتى من فجر الذي نهض يقول متهربا " لقد عدت من العمل دون الصعود لبيتي .. سأموت وأنام .. أراكما لاحقا "
ثم غادر دون كلمة زائدة فيقول حسن غير منتبه لحالة عمر " لماذا لا تأتي لتتناول معي الطعام "
نهض عمر عابسا مجيبا بتباعد مفاجئ " لا .. سأتناول العشاء مع أهلي .. أراك لاحقا "
 
ثم على نفس حالة الجمود الغير مفسر تحرك يدخل بيته وحسن يراقبه في حيرة
 
 
............................
 
 
صعد فجر يُلقي السلام على أمه ويقبلها وتلقائيا وبحركة تعودها في الأيام الماضية كما تعودتها هي .. كان ينحني على رأس ليل مقبلا .. تحرك بعدها يشعر بالتعب في جسده رافضا الطعام ودخل غرفته .. لكزة من شروق على ذراع ليل جعلتها تلتفت لتقول شروق بهمس " انهضي وراء زوجك حبيبتي يبدو متعبا أعانه الله "
 
باستسلام نهضت بالفعل تدخل ورائه لتتسمر مكانها بحرج .. حيث التفت لها عاري الجذع يسألها " هل تحتاجين لشيء "
 
احمر وجهها دون رد فأخذ بعضا من ملابسه ليغادر للحمام فيتحمم سريعا قبل أن يعود ليجدها واقفة أمام النافذة بسكون حيث كانت تستقبل الرسائل من مياسة تطمئن على صحتها بعد مرضها التي علمته
 
نظرت له فيسأل من جديد " ليل .. هل ستنامين الآن ؟ "
هزت رأسها بنفي فأومأ وهو يتحرك للسرير الواسع قائلا " حسنا سأستأذنك بالنوم قليلا على السرير فجسدي متعب بشدة " ثم مد يده لهاتفه مكملا بتثاؤب " سأضبط منبها يوقظني في العاشرة حتى أعود للنوم على الأرض .. أيقظيني لو لم أسمعه من فضلك "
مجددا لم ترد لكنه كان أكثر إنهاكا من سؤالها على أي رد .. حيث ما كانت إلا دقائق وكان تنفسه ينتظم غارقا في نوم مريح اشتاقه بشدة دون حتى أن يمشط شعره المبلل ..
 
فأشفقت عليه .
 
 
.............................

شهقت نورين وكأنها تتلقى الخبر لأول مرة كلما تذكرته .. بينما تنهض صارخة بجنون الارتعاب " كيف يفعلون هذا بنا .. ألا يتقون الله أبدا .. كيف تكون الامتحانات في شهر رمضان .. هل سأصوم أم أدرس .. سأدرس أم سأصوم "
تنهدت أمها وهي ترمقها بقلق .. منذ علمها وهي تمر بحالة مجنونة من التوتر حتى وترت الأجواء من حولها .. ردت تقول بحنان " يا ابنتي اهدئي .. هذا أفضل لنخلص سريعا .. لا أعلم ما سر ارتعابك "
بشحوب نظرت لها نورين مجيبة " كيف تقولين هذا يا أمي .. أكاد أبكي من شدة الذعر والله "
 
اندفاع عمر من غرفته وصراخه العنيف جعلها تنتفض وهو يقول " كفى بالله عليكِ لقد وقف شعر جسدي من صراخك .. ماذا لو لم تكوني من هؤلاء الدحيحة .. هل تخافين الحسد "
دمعت عينا نورين فشتم وهو يقف متخصرا لتقول هي لأبيها المراقب بعطف " أبي .. أرجوك .. أنا أفكر بالتأجيل لا أريد الدخول للامتحانات "
فتح طارق فمه ينوي الرد اللطيف لكن لسان عمر سبقه وهو يهتف " نعم يا أختي ؟ .. هل نجد المال في الشارع يا نصف شبر أنتِ .. كفى تراهات تافهات ودعينا نخلص من تلك السنة الخانقة .. أنتِ أصلا لست وجها للتعليم "
 
صرخت أمه فيه بشراسة " ابتلع لسانك السليط هذا ولا دخل لك بابنتي يا عمر أو والله بالخف البيتي في وجهك "
 
تأفف عمر بحنق ليتوقف فجأة على صوت نشيج نورين الذي ارتفع وهي تدفن وجهها بين يديها .. نظروا لها ثلاثتهم فتقول موضحة وهي تمسح وجهها " أنا والله لا أتدلل .. أنا حقا مرتعبة صدقوني .. رمضان لم يبق عليه إلا أيام " ثم دفنت وجهها بين يديها من جديد تنخرط في البكاء لتنهض أمها تسحبها لحضنها تربت عليها برفق وحنان فيقول طارق " اهدئي يا طفلتي .. والله لو أردت التأجيل لما رفضت .. أنتِ فقط اهدئي "
 
بينما تحرك عمر لغرفته ملوحا بعصبية دون أن يعلق ..
 
عندما انتصف الليل كانت هي واقفة في الشرفة فاقدة لقدرتها على استجلاب النوم فتتلاعب قليلا بالزهرات الوليدة التي تحب اقتنائها ووضعها في شرفة شقتهم فتظهر الشرفة في وسط الشارع مختلفة جدا بما تحمله من بهجة ..
 
تنبهت على دخول عمر الذي ابتسم يهمس لها " هل تهتمين بورودك ليلا ! "
ردت وهي تتحس البتلات برقة " احاول إلهاء نفسي فقط "
اقترب مستندا على حاجز الشرفة فوقفت بجواره تفعل المثل حتى قطع صمتهما يقول " أنتِ لا تفكري بشأن التأجيل وتلك التفاهات صحيح "
نظرت لها تقول " أنا خائفة "
نزل بعينيه لها يقول موبخا " أنتِ تفرطين الدلال ليس إلا "
هزت رأسها يأسا فابتسم قائلا " أنتِ الأكثر نبوغا وذكاءا يا نورين ..  توقفي عن إيهام نفسك .. أنا أدرك شعورك لكنه سينتهي بمرور أول مادة .. فقط ثقي بالله أولا وبتعبك الذي عانيتِ منه طوال العام " ثم ركز في عسليتيها مكملا بدعم " أخبرتك مسبقا مهما كانت النتيجة نحن فخورون بكِ .. تماسكي لأجل أمك على الأقل "
أومأت له تبتسم أخيرا فربت على يدها البيضاء بيده السمراء قائلا بمزاح " أذكر عندما كنت في فترة الامتحانات لثانويتي كنت قد قضيت الليل في الشارع متسكعا .. بينما الدحيح شبيهك فجر كان يدفن وجهه في الكتاب دون قدرة له على دخول الحمام حتى "
ابتسمت له تسأله " وكيف نجحت إذن "
غمزها يجيب بشقاوة " أخوكِ فهلوي "
 
ضحكت على ما قاله فهمس لها " وفقكِ الله يا حلوى القطن .. ستكبرين وتدخلين الجامعة وسأضع عيني في منتصف رأسي للاهتمام بكِ .. أعانني الله "
 
ومن الشرفات المتراصة في الشارع كانت هناك شرفة تحتوي على واحدة تراقب من بعيد بفضول حمل الحنين .. كانت نظرات تعود لـ ليل الواقفة خلف الستار على شفتيها ابتسامة متألمة بينما تهمس باختناق " رحمك الله يا نجم "
 
 
...............................
 
 
ما أن انتظمت أنفاسه بجوارها غارقا في نومه حتى كانت هي تنهض بسرعة وخفة ركضا للحمام خارج غرفتها ..
 
ودون مقدمات كانت تنحني مفرغة ما بجوفها فورا بملامح شاحبة متعرقة بعرق بارد ..
 
جثت على ركبتيها في الحمام خائرة القوى بجسدها الأبيض العاري الذي حمل آثار نادر المنصوري عليه ..
آثار بدت مقززة في عينيها مما جعلها تصل لتلك الحالة ..
 
بعد دقائق حاولت التماسك فيها بتمرس معتاد نهضت من جديد لتقترب من حوض الاستحمام تملأه بالماء والكثير من العطور النفاذة وإن كانت فجة .. هي فقط بحاجة لتغيير رائحتها بأي طريقة ..
 
جلست في الماء متكومة ناظرة للفقعات الملونة بعينين شاحبتين تسكن حولهما ظلال سوداء ..
 
حالة طفو فوق اللاشعور تمر بها .. لو قطعت أيديها حتى لم تكن لتحس ..
إنها حالة متوقعة تأقلمت عليها ..
وتحدث معها كذلك كلما عاشرت المنصوري وشاركته لحظات حميمية ما أن تتذكرها حتى يهاجمها الغثيان
 
ليست المشكلة في المنصوري تحديدا ..
هي تشعر بتلك الحالة في أي معاشرة جسدية ..
 
تنفرها تلك العلاقات ..
لكنها لم تنفرها يوما مع أمير ..
 
تنهيدة حزن عميق ندت عنها وملامحها تذبل وتنحني ألما ما أن تتذكره ..
لتهمس شفتاها بانكسار " لقد تركتك ليل .. وها أنت اختفيت من كل مكان .. بينما يتشدق المنصوري بمدى عذابك .. ماذا فعلت لك .. ماذا تملكه ولا أملكه .. لقد أحببتك حد الإدمان ولم أكن لك إلا مجرد علاقة عبرت وانتهت كما صرخت في وجهي مرارا "
هطلت منها الدموع فتسترسل بعذاب " لقد أتخذتك قلعة أحتمي بها .. كنت أملي الوحيد .. كنت أملي الوحيد أمير .. لماذا لفظتني .. لماذا فعلت ذلك "
 
ثم أنهت همساتها المستجدية بأن أنزلت نفسها في المغطس وكأنها تبغى أن تتلاشى بداخله لدرجة انقطاع أنفاسها طويلا حتى كادت أن تعانق الموت
 
 
.........................
 
 
لقد أغلقت المنبه بنفسها .. وحرصت جيدا على ألا يطول رنينه .. فهو ما أن ارتفع حتى كانت تنهض استعدادا له تغلقه بسرعة قبل أن تنظر بعينيها في الظلام النسبي إليه لتجده يتململ للحظة ثم يعاود الاستكانة في نومه ..
 
لقد اعتنت بإطعام أمه !
والاهتمام بدوائها !
بل ودثرتها بالغطاء بعد أن رافقتها لغرفتها مقلدة إياه في رغبة ملحة منها أن تعرف إن كان الشعور بما يفعله مميزا جدا لدرجة أن يفعل تلك الأمور كل يوم ويخرج من عندها مبتسما بذاك الاتساع !
 
وابتسمت هي ..
نعم .. فأم فجر أمطرتها بالدعوات الطيبة التي انشرح لها صدرها فشقت الابتسامة شفتيها لا شعوريا لتتسع وتتسع ما أن احتضنتها وقبلت خدها بحنو ..
 
زفرت ليل في جلستها على الكرسي الواسع الملتصق بالنافذة وكأنه يعلم بمكانها المفضل فانتظرها هناك .. ترفع نظراتها للسماء التي أخذ الليل ينشق عنها سامحا بالشروق في أخذ فرصته ..
بينما من حيث مكان ما مجهول في إحدى الشقق في البيوت الملاصقة لبعضها دون تكدس عشوائي بالشارع يصلها صوت النقشبندي الذي يريح القلب والروح بذلك الصوت العذب بأدعيته التي تعرفها جيدا وقد كانت تسمعها في طفولتها مع جدتها قبل أن تموت وتتركها لوالديها ..
 
سحبت ليل نفسا بطيئا تفكر ..
ماذا تفعلين يا ليل ؟..
ما هذا الاسترخاء والهدوء وكأن كل مشاكل الكون قد حُلت .. وكأنكِ تناسيت الأحداث الكارثية التي سقطتِ فيها ومن المفترض أنكِ تعيشين الآن إحداها ..
فلمَ التعامل بتلك الطريقة وكأنكِ في فترة نقاهة وتنزه لا زواج تحليل مدفوع الأجر !
 
التفتت لفجر الغارق في السرير الذي تركته له بل واهتمت بألا تزعجه بإشفاق تستنكره لكنها تغاضت عنه ..
 
نعم لقد أخذ فجر المال .. لأجل أمه .. تلك المرأة الطيبة التي عرفت منها أنها كادت أن تحتضن الموت لولا سلفة وهمية حصل عليها ابنها .. وهي على ثقة كفاية لكي لا تشك به أبدا ..
 
لقد باع نفسه لأجل أمه !
أيكون هذا عذرا له ؟
قطعا لا ..
 
كما أن انتقامها ليس عذرا كذلك !!
 
لكن ماذا لو علمت أمه !
ارتعبت من الفكرة .. لا لا تريد أن تعرف فتنبذها بعد كل هذا العطف الذي شعرته منها وأغدقت به عليها ..
 
بابتسامة يائسة أغمضت عينيها ..
بماذا تفكرين ؟ ..
أتريدين الرحيل تاركة ذكرى طيبة في نفس المرأة !
 
الرحيل ..
وإلى أين سترحلين وأنتِ بغباوةٍ وجهل وافقتِ على الزواج لأجل انتقام أنتِ أضعف من اتمامه وأكثر اهتزازا وانعدام ثقة من أن تتولي زمام الأمور فيه ..
كيف ترحلين وأنتِ بمجرد طلاقك من فجر فستعودين تحت سيطرتهم من جديد ..
 
ارتفعت بنظراتها للسماء التي تلونت بلون ضياء الشروق فابتسمت بسذاجة لا معنى لها من وسط تلاطم أعماقها .. المرأة اسمها شروق وزوجها منير بينما أكملا الصورة بتسمية وحيدهما فجر !!
كم تشبه اسمها .. إنها فعلا كالشروق على قلبها المعتم ..
 
تململ فجر جعلها تستدير له بعينيها .. يبدو أنه سيستيقظ فهذا موعده ..
وصدق توقعها بأن تململه انتهى برمشة عينيه مرة تلو مرة ..
رماديتاه ..
 
مجددا ابتسمت بنفس السذاجة لتجد نفسها تتمم حماقتها تلك بأن أغمضت عينيها وبتمثيل تتقن افتعاله تصنعت النوم .. لا تعلم تهربا منه أم تود بشيطنة أن تشعره بالذنب لنومها المعذب على الكرسي ..
 
ويبدو أنه شعر بالثانية فما أن التفت منتبها لها يبصرها تحت النور الرمادي القادم من الشباك الذي جلست بجواره فتأوه بصمت قافزا من رقدته ينظر لساعة هاتفه فيتمتم بصوت ميزت حنقه " يا إلهي كيف لم أستيقظ .. والفجر أيضا لم ألحقه !! "
تحرك بعدها يقترب من تلك المنتظمة الأنفاس بشق الأنفس يراقب نومها برأفة .. كيف تحملت النوم بتلك الطريقة المرهقة ..
 
بشرود امتدت يده ترفع خصلاتها السوداء بحذر معيدا إياها لمكانها فتعود وتنسدل بسلاسة .. فابتسم من شدة نعومة خصلاتها السوداء ..
كادت أن ترتجف وهي تستشعر إصبعه يتحسس وجنتها للحظة قبل أن يتمالك نفسه فيهزها مناديا باسمها ..
تململت باصطناع ثم فتحت عينيها تنظر له بصمت وتجمد ..
عيناه !
عيناه ..
إنهما يبرقان !!
 
وثبت ناهضة من مكانها فتشهق بألم مفاجئ وهي تشعر بركبتيها متيبستين من جلسة الساعات الطويلة مثنيتين أمامها وليسا على استعداد لهذا الوقوف المندفع ..
أسندها من ذراعيها فورا وأعادها لمكانها جالسة يقول باعتذار " يا إلهي هل أتعبتك تلك النومة المتيبسة .. لا أعرف كيف لم أستيقظ "
لم ترد وهي تفرد ساقيها ببطء تعيد لهما دورتهما الحيوية فرفع عينيه الواسعتين لها يسأل باهتمام وهو جالس على عقبيه " هل يؤلمانك جدا "
 
لماذا عيناه يبرقان ؟
لديه عينان غريبان فهما واضحان جدا حتى في هذا الظلام النسبي وكأن هناك قناديل سرية يخبئهم بين جفنيه !
 
" هل أنتِ بخير ؟ "
سأل متوجسا صمتها فتحركت تقول وهي تعاود النهوض ببطء " أنا بخير .. هيا ابتعد أريد النوم بعد أن احتليت السرير بمنتهى انعدام الذوق "
مط فجر شفتيه وهو يستقيم قائلا " نعم تبدين بخير جدا وقد عاد لسانك للعمل الحمد لله "
استدارت له ترمقه بغيظ فمشى يسحب منشفته يسألها " هل ستتناولين الافطار معنا "
ضيقت عينيها تكرر باستفسار " معكم ؟ "
نظر لها بعينيه البراقتين مجيبا ببساطة " معنا .. أنا وأمي "
قالت له بسرعة " إنها نائمة لقد صلت الفجر ونامت "
عقد حاجبيه بتعجب " هل كنتِ مستيقظة ؟ "
ابتلعت ريقها تبرر بحدة الدفاع " كنت مستيقظة حينها .. وماذا بها ؟ "
ارتفع حاجباه ببراءة فيقول " لا شيء وهل اعترضت ! "
تشاغلت عنه بتعمد وهي تغطي نفسها بالغطاء قائلة " لا داعي لأن توقظها .. اذهب وتناول الفطور وحدك .. وارحل "
عندما رفعت عينيها تهيأ لها أنه يبتسم نوعا ما بينما يأتيها صوته الذي بدا عميقا " هل تحبين تناول الإفطار مع شروق "
قبضت على الفراش تجعده في يدها وهي ترد بارتباك " لا عادي .. ليس هذا قصدي .. كنت فقط .. أقول ربما هي نائمة لا أكثر "
أومأ لها ولم تر ذلك على كل حال فهي لم ترفع وجهها المضطرب إليه لكنها استمعت لصوته يحمل حنانا غريبا وهو يقول " لا بأس .. اعتني بها جيدا .. وهي ستجيد الاعتناء بكِ .. أكملي نومك .. أحلامكِ سعيدة ليل "
 
ثم غادر وتركها تنظر للفراش المكوم في يدها بعبوس
 
 
...............................
 
 
نهض سلطان من مكانه في مكتبه بالشركة ما أن فُتح الباب يطل من خلفه وجه طفلته التي تبتسم له تصيح بالإنجليزية " مفاجأة "
انحنى إليها مستقبلا يقول بمشاكسة " بالانجليزية يا ابنة الجوهري .. ما شاء الله "
حملها يضعها على المكتب أمامه فقالت وهي تتلاعب بما أمامها من أشياء مجهولة وهو يجلس على كرسيه المريح " أخيرا أتى بي عمو حسن لعملك .. شكل المكتب حلو جدا بابا "
" أنتِ الحلوة جدا يا روح بابا " قالها مناغشا يقبل وجنتها الناعمة فضحكت له ثم سحبت حقيبتها قائلة متحمسة " انظر بابا ماذا رسمت "
أخرجت كراستها الخاصة برسومها الطفولية فابتسم يراها وقد رسمت صورة له وهي معه ليقول مشجعا " إنها جميلة جدا .. ما رأيك لو احتفظت بها معي "
أومأت توافق فيقطع الصفحة بحرص لتظهر من تحتها رسمة أخرى طفولية .. لامرأة ما بفستان طويل عليه ما من المفترض أن يكون ورودا .. بشعر طويل لونته طفلته بالأسود عشوائيا .. هذه ليست دنيا فهي شعرها قصير بني اللون بدرجة فاتحة كطفلته ..
 
سأل سلطان بعفوية " من تلك حبيبتي "
شهقت الطفلة تأخذ الكراسة تخبئها وراء ظهرها تهتف معترضة " لا يجب أن ترى هذه "
رفع حاجبا يسأل ضاحكا " لماذا ؟ "
همست له ببراءة طفلة " لأن مِس انتصار منتقبة "
اتسعت عيناه اتساعا طفيفا وهو يكرر " هل هي انتصار ؟ "
عبست سلمى تجيب متأففة " أوووف لقد اعترفت بنفسي "
عاد سلطان بظهره للوراء يسأل باستمتاع " وأين رأيت شعرها يا شقية ؟ "
ردت بشقاوة طفولية " كنت في مكتبها اليوم وأغلقته تعدل من شعرها في هذا الجو الحار .. كانت جمييييييييلة "
شرد سلطان بعيدا لبرهة ليعود لطفلته ينهرها " إنها منتقبة يا سلمى أي لا تظهر أمام رجال غرباء .. هل تصفينها أمامي ؟ "
عضت الطفلة على شفتيها تقول " آسفة لقد تحمست فقط " ثم صمتت لحظة أكملت بعدها بثرثرة مرحة تحكي لأبيها عن يومها " واليوم أيضا قابلت عمو حازم "
عقد حاجبيه يستوضح " ومن عمو حازم هذا أيضا ؟ "
لوحت ترد " إنه يعرف مِس انتصار لقد قابلته في مكتبها من قبل "
تذكر فجأة ذلك الـ حازم الأسمر ليقول عابسا بخشونة " هل أتى مكتبها ؟ "
ردت ببراءة وهي تتلاعب بالأوراق بيديها تبحث عن المزيد من الرسومات الجديدة لتشاركه إياها " نعم عندما كنت معها دخل علينا فجأة .. إنه لطيف جدا وأعطاني حلوى أنا ومريم "
 
ساقه اهتزت بعصبية .. لا لن يسأل .. لن يسأل ابنته على ..
" هل دخل عندما كانت بشعرها "
لقد سأل .. اللعنة !
 
قطعا لن يدخل عليها بشعرها ووجهها فهي منتقبة وهو مجرد ابن عمها ..
ردت ابنته بإجابة لم تريحه للنهاية " لا كانت وضعت حجابها مجددا "
سأل بإلحاح " ونقابها "
رفعت سلمى مقلتيها الخضراوين ترمقه في تعجب بريء من أسئلته اللا مفهومة بالنسبة لعقلها الصغير لكنها ردت بتركيز طفولي " لا لم تضع نقابا .. كانت بدونه عندما دخل هذا العم فجأة " ثم عقدت حاجبيها تسأل بحيرة " هل يمكن أن يرى رجل وجهي لو كنت منتقبة بابا ؟ "
ثم ضحكت الطفلة تكمل بثرثرة وهي تواصل اللعب بأشيائه " لكني لا زلت صغيرة .. لن أجد نقابا لي صحيح ؟ "
 
لكن الـ بابا لم يكن ليرد أو حتى يتكلف عناء الابتسام .. فقد تجهم وجهه كفاية ليجعله يمتنع عن الرد وهو يتخيل هذا الشاب الغريب يتعامل بتلك الأريحية الغير مرغوبة !
 
يبدو أنه بحاجة لأن يزيد من الضغط للمطالبة بأخذه لما يريد .. وسيأخذه
 
 
.............................

 بيدين ترتعشان من الحماس حملت سارة كوبي العصير البارد في هذا الجو الحار نظرا للعاصفة التي تمر بها البلاد فتزيد من اختناق الأجواء ..
 
خرجت من بيتهم متوجهة إلى المرآب الصغير بجوار منزلهم حيث حسن قد طلب منها العصير له ولعمر ..
دخلت المكان تبحث بعينيها البنيتين على أخيها فلم تجده بل وجدت فقط عمر
ابتلعت ريقها تراقبه بفانلته البيضاء الضيقة يظهر أسفلها ذراعيه المتحركين وهو جالسا على ركبتيه أمام دراجته يصلح فيها شيء ما تجهله أمثالها ..
 
فاشتعل وجهها الأبيض الرقيق القسمات بالحمرة وهي تتعرق متسائلة إن كانت تعاود الرحيل .. سيبدو هذا غبيا وطفوليا جدا !
 
إنه فقط عمر المنسي لا داعي لهذا الخجل الفظيع
 
أثناء صراعها كان يستدير إليها منتبها فزاد احمرارها بحرج أن يظنها تراقبه .. خاصة بقلبها الذي انتفض ببراءة أنثى لم تجرب الحب بعد ..
مجرد حب عذري مختبئ في صدرها على استحياء ناحيته هو وحده ..
 
لماذا يبدو عمر المنسي دائما مميزا بتلك الهيئة العابثة التي تخصه في كل الحي وتسرق أنفاسها !
فشعره اللامع منتكش بشكل فوضوي قد لا يكون محببا للكثيرات .. وقد تخلى عن أناقته فيجلس أرضا بغير اكتراث بينما قميصه قد ألقاه في مكان ما بإهمال ليبقى فقط على هذا الشكل .. فتكتمل الصورة بالسيجارة المشتعلة المعلقة باسترخاء على فمه وقد تصاعد دخانها لإحدى عينيه فأغمضها وكأنه يغمز ..
 
تبا تبا .. ما تلك التفاصيل !!
 
بسرعة كان عمر يستقيم واقفا يبتسم وهو يُلقي السيجار يدعسها بقدمه ليقول " مرحبا سارة .. كيف حالك "
ابتلعت ريقها مرة أخرى تجبر صوتها على الخروج فتجيب " بـ خير .. كيف حالك .. أنت "
أومأ لها ببساطة ليمد يده آخذا أحد الكوبين صائحا " في وقته جدا .. لا أطيق الحر إطلاقا "
وجدت نفسها تقول بحمق " لا تطيق الحر وأنت معروف بمزاجك الناري دائما "
توقف للحظة ينظر إليها فاتسعت عيناها بذعر تسب نفسها .. ما أغبى قولها !
 
لكنه عاد يرتشف من الكوب مجيبا " لهذا أصلا لا أطيقه .. الشتاء يساعد على تهدئة الأوضاع في رأسي المغلي بعض الشيء "
ضحك ثغرها الوردي فانغلقت عيناها بلطافة ..
 
هذه البنت تملك ملامح أشبه برقة زهرة ناعمة .. هكذا فكر لثانية فتتوقف هي عن الضحك بارتباك تعيد خصلاتها السوداء لخلف أذنيها هامسة وهي تمد يدها بالكوب الآخر " هذا لحسن .. سأذهب إذن "
مد يده يأخذه ببساطة فتتحرك لتخرج بتعجل تكاد تنفطر من الخجل لتدخل من بوابة بيتهم الحديدة وهي تصيح في بلاهة تهوي بيديها أمام وجهها " يا ربي ما أوسمه .. قلبي سينفجر من جماله "
 
" من هذا "
 
صرخت فجأة مذعورة وهي تقفز مستديرة فتصطدم بهيئة سلطان الذي يطالعها متعجبا فيزداد وجهها تضرجا بالأحمر وهي تقول بتلعثم لاهثة بهلع " إنه .. إنه .. متى عدت ؟ "
لم يرد عليها فهمست بصوت هارب " سأصعد أنا "
ثم جرت وهي تكاد تلطم على وجهها متسائلة إن كانت فضحت نفسها باندفاع لهفتها ..
 
تحرك سلطان ما أن اختفت عن أنظاره متفقدا المرآب .. ليجد عمر وحده فيه فعقد حاجبيه يدخل إليه قائلا " السلام عليكم "
رد عليه عمر بحبور فسأل سلطان " هل أنت لوحدك هنا "
قال عمر ببساطة وهو يشير بإحدى الأدوات الحديدية في يده " نعم .. ذهب حسن لشراء شيء ما "
قال له سلطان بتأني وهو ينظر للكوب الفارغ بجواره " لماذا لا تصعد تشرب شيئا ما "
أجابه عمر وهو منشغل بما يعمل عليه " لقد أتت سارة للتو بشيء بارد .. سلمت "
أومأ سلطان ببطء وهو ينظر لعمر المنشغل بتركيز .. مفكرا به كشاب قصدت سارة التغزل فيه كبلهاء !
 
 
................................
 
 
ليلا ..
 
عند نهاية اليوم كانت ليل قد أنهت استحمامها سريعا قبل عودة فجر الذي خرج مع صاحبيه قبل قليل .. ذهبت لغرفتها تنهي تمشيط شعرها لتخرج من جديد حيث أم فجر جالسة بالصالة ..
لم تعد تحب أن تجلس وحدها في غرفتها .. بل إنها بالكاد تترك أم فجر طوال يومها دون أن تمل ..
 
خرجت واقفة وبابتسام تراقبها وهي جالسة على أريكتها المفضلة ممسكة بورقة وقلم في يدها تكتب شيئا ما .. لتعود فتتوقف من جديد مقطبة باستذكار قبل أن تعود للكتابة حتى انتبهت لكنتها الواقفة فرفعت وجهها إليها تبتسم قائلة " قمر البيت .. حمام العافية والهناء حبيبتي "
احمرت بخجل ثم اقتربت تجلس ورائها فتسأل بفضول " ماذا تسجلين يا خالة "
لوحت شروق بالورقة تقول موضحة " أجهز قائمة لأجل تجهيزات رمضان "
عقدت ليل حاجبيها وهي تمد عنقها ناظرة للورقة متسائلة بداخلها ما هي تجهيزات رمضان تلك ؟
 
رفعت وجهها تسألها " وماذا ستجهزين "
ابتسمت شروق تجيب بهذر عفوي " رمضان أتى مع بداية الشهر الحمد لله .. سيشتري فجر المعتاد مما يشتريه توفيرا له كل شهر وكذلك ليرتاح من كثرة التسوق .. بعض الخضروات والفواكه وأيضا البقوليات وما نحتاجه من اللحوم .. وسنزيد فقط بعض الاضافات المهمة في رمضان " ثم نظرت للورقة تشير لما كتبته " التي أهمها الياميش بالطبع "
حسنا .. تعقد الأمر بإجابتها الأخيرة .. هل يمكن أن تسألها ما هو الياميش أم لا يجوز أن تسأل بما إنها أنثى من المفترض بأصل شعبي هي الأخرى !
 
أكملت شروق وهي تمسك بهاتفها " أين هذا الولد ذهب ولم يرجع .. سيزدحم السوق الكبير " ثم رفعت الهاتف على أذنها تنتظر رد فجر فتأمره أن يحضر لينتهي من الاستعدادات ..
أغلقت الهاتف وهي ترفع وجهها لصورة زوجها على الحائط فتهمس " رحمك الله يا حبيبي .. رمضانك طيب بمكانك كروحك الطيبة "
شردت ليل تنظر لصورته وهي تسمعها تدعو له بتلك المحبة والاشتياق الخالص .. كلمات لم تسمعها بعمرها كله من أحد أبويها للآخر ..
 
وصل فجر يدخل وهو يصيح بتذمر متناقض مع القبلة المعتادة التي انحنى يهديها لخدها " لن تطير الدنيا يا شروق "
عبست أمه قائلة بحزم " كيف لن تطير .. تحضيرات رمضان وقتها قصير ماذا لو أنهيت مرتبك في التفاهات .. هيا اذهب الآن قبل أن يتأخر الوقت أكثر "
 
ابتسم على ما قالت أمه وهو يميل لليل لتقبيلها .. لكنه بتلقائية زادت عن الحد كان يقترب مقبلا خدها بشكل غير متوقع لكليهما معا ناسيا رأسها فأجفلها وهلة حتى كادت أن تشهق .. تمالك نفسه بسرعة ملتفتا بعدها لأمه المنشغلة بالكتابة فيقول " هيا أعطني ما كتبتِه "
أعطته الورقة برضا وهي توصيه " لا تجلب أكثر مما كتبت يا فجر .. لا نريد كميات زائدة ومصاريف على الأرض يا حبيبي "
" حااااااضر " أجاب بطاعة وهو يقرأ ما بالورقة فنهضت أمه تقول " انتظر .. سأجلب لك حقيبة صغيرة "
وافقها مستسلما لما تريده فنظر لليل المتكتفة يسألها بتردد " كيف حالك ؟ "
نظرت له عابسة .. هل قبل خدها لتوه ؟
ويسألها كيف حالك بوقاحة !!
 
لم تجب على سؤاله وإنما سألت فجأة من بين عبوسها " ما هو الياميش ؟ "
رفع بدريه إليها قائلا " ها ؟ "
لوحت بيديها تكرر بخشونة " الياميش .. هذا الذي ستذهب لشرائه "
 
" خذ الحقيبة .. ها هي "
قاطعتهما شروق فنظر لها يأخذ الحقيبة كاتما ابتسامة أغاظت تلك السمراء التي رمقته مغتاظة .. لتقاطعهما من جديد شروق التي صاحت فجأة " صحيح .. لمَ لا تأخذ ليل معك ؟ "
 
اتسعت عينا ليل باعتراض فقال فجر ببساطة " لا داعي لمَ آخذها "
ردت أمه بتبسيط أكبر " ولماذا لا تأخذها .. منذ قدومها لهنا لم تر الشارع كعروس في بداية زواجها .. لتشم قليلا من الهواء "
بشحوب حاولت ليل تمالك نفسها تهمس بتملص رافضة مواجهة أي أحد " لا لا .. لا داعي لذلك .. أنا أصلا أحب المكوث بالبيت "
" بل تذهبين معه " قالتها شروق بتعمد مغيظ فنظر كلاهما للآخر بغير رضا ..
 
هذه المرأة أحيانا تكون خانقة .. فلا يملكان أمامها إلا الاستجابة !
 
 
انتهى الفصل
متنسوش الفوت 💖👍
 

Continue Reading

You'll Also Like

my son | Tk By 🚬🎀

Mystery / Thriller

9.6K 898 16
-هوَ ابني لَكن... " احببتُكَ رغم خطأ ذَلك ! " ________ تايكوك. #تعود جميع الحقوق لي' 4/10/2023. ∆ الكتاب مُعدل△
1.9K 253 18
ليس كل كذبه بيضاء وليس كل حقيقه سعيده
5.1M 151K 103
في قلب كلًا منا غرفه مغلقه نحاول عدم طرق بابها حتي لا نبكي ... نورهان العشري ✍️ في قبضة الأقدار ج١ بين غياهب الأقدار ج٢ أنشودة الأقدار ج٣