فجري أنت ، بقلم آلاء منير

By AlaaMounir201

650K 22.8K 6.3K

ماذا يحدث عندما تتلاقى سمو المبادئ مع دنيا الرغبات ! عندما تضعك الحياة بين اختيارين أحلاهما علقم .. عندما تُخ... More

تواقيع الأبطال
المقدمة
الفجر الأول
الفجر الثالث
الفجر الرابع
الفجر الخامس
الفجر السادس
الفجر السابع
الفجر الثامن
الفجر التاسع
الفجر العاشر
الفجر الحادي عشر
الفجر الثاني عشر
الفجر الثالث عشر
الفجر الرابع عشر
الفجر الخامس عشر
الفجر السادس عشر
عودة 💫
الفجر السابع عشر
الفجر الثامن عشر
الفجر التاسع عشر
تنويه 😍
الفجر العشرون
الفجر الواحد والعشرون
الفجر الثاني والعشرون
الفجر الثالث والعشرون
الفجر الرابع والعشرون
الفجر الخامس والعشرون
الفجر السادس والعشرون
الفجر السابع والعشرون
الفجر الثامن والعشرون
الفجر التاسع والعشرون
الفجر الثلاثون
الفجر الواحد و الثلاثون
الفجر الثاني و الثلاثون
الفجر الثالث و الثلاثون
الفجر الرابع و الثلاثون
الفجر الخامس و الثلاثون
الفجر السادس و الثلاثون
الفجر السابع و الثلاثون
الفجر الثامن و الثلاثون
الفجر التاسع و الثلاثون
الفجر الأربعون
الفجر الواحد و الأربعون
الفجر الثاني والأربعون
الفجر الثالث و الأربعون
تابع الفجر الثالث و الأربعون
الفجر الرابع و الأربعون
الفجر الخامس و الأربعون
الفجر السادس والأربعون
الفجر السابع و الأربعون
الفجر الثامن والأربعون
الفجر التاسع والأربعون
الفجر الخمسون
الفجر الواحد والخمسون
الفجر الثاني والخمسون
الفجر الثالث والخمسون
الفجر الرابع والخمسون
الفجر الخامس والخمسون
مهم 💖
وحشتوني 💖
الفصل السادس والخمسون
الفجر السابع والخمسون
الفجر الثامن والخمسون
الفجر التاسع والخمسون
الفجر الستون
الفجر الواحد والستون
الفجر الثاني والستون
الفجر الثالث والستون
الفجر الرابع والستون
الفجر الخامس والستون
الفجر السادس والستون
الفجر السابع والستون
الفجر الثامن والستون
الفجر التاسع والستون
الفجر السبعون
الفجر الواحد والسبعون
الفجر الثاني والسبعون
مهم جدا
الفجر الثالث والسبعون
الفجر الرابع والسبعون
الفجر الخامس والسبعون
الفجر السادس والسبعون
الفجر السابع والسبعون
الفجر الثامن والسبعون
الفجر التاسع والسبعون
الفجر الثمانون
الفجر الواحد والثمانون
الفجر الثاني والثمانون
الفجر الثالث والثمانون
الفجر الرابع والثمانون
الفجر الخامس والثمانون
الفجر السادس والثمانون
الفجر السابع والثمانون
الفجر الثامن والثمانون
عيد ميلاد 👑🎂
موعد عودة 💖
الفجر التاسع والثمانون ( والأخير )
ختام الفجر ضي

الفجر الثاني

9.4K 247 56
By AlaaMounir201

أؤمن أن لا شيء في الحياة يسمى صُدفة .. هي فقط أقدار تلاقت !

 

مد عمر ساقيه أمامه مستندا من ورائه على الحائط وهو جالس على كرسي خشبي في الورشة مرتاحا يمط شفتيه مفكرا للحظات قبل أن يقول من بين دخان سيجارته المشتعلة " ممممممم .. إذن هذا كل شئ .. غريب ! "

رمقه فجر للحظة قبل أن يعود باهتمامه لعمله سائلا بسخرية " ما الغريب يا عبقري زمانك ؟ "

هز عمر كتفيه يرد بعينين لامعتين مكرا وشقاوة " أن تكون في واحد من أرقى أحياء البلد وفي فيلا المنصوري تحديدا .. ولا تصادف خادمات شقراوات بتنورات قصيرة "

ضحك حسن الجالس بجواره فهز فجر رأسه يأسا وهو ينهي عمله ليتحرك غاسلا يديه مجيبا " هل سأذهب لفيلا المنصوري وأراقب الخادمات الآن !! "

لوى عمر شفتيه بعدم رضا يقول بتهكم " لا طبعا .. بل تذهب لمصادفة صغيرات باكيات ! "

ابتسم فجر وهو يجلس على كرسي ثالث مقابل لهما يكرر بتوضيح " ليست صغيرة قلنا يا بني آدم .. كانت تبدو آنسة عشرينية "

أكمل عمر بإغاظة " باكية ! " ثم ابتسم ساخرا يردف " حظك دائما عالي ! .. يوم أن ترى فتاة من حي راقي تجدها .. صغيرة باكية "

تأفف فجر حانقا ليقول حسن يزيد من الإغاظة وهو يكتم ضحكاته " واسمها ليل !! "

قهقه عمر ناظرا لفجر نظرات ذات مغزى ثم قال " آه هذا الاسم الذي كان فجر يتمناه لو كان اسمه .. أفضل من فجر ! "

عاود حسن الضحك بتسلي وعمر يضيف " كان سيكسر به تعويذة الإشراق في العائلة "

هتف فجر بغضب " كفى أنت وهو .. أنا المخطئ أن أخبرتكما "

حرك عمر حاجبيه له وحسن يقول بطريقة تمثيلية كمن يؤدي تعويذة في فيلم هاري بوتر مادا يده بعصا سحرية وهمية " تعويذة .. فجر منير الرمادي "

انفجرا مجددا على حسابه ضحكا فتذمر فجر " هل ستستمران بالتنمر .. عيب عليكما وأنتما بطول الباب يا بغال "

قال عمر بسماجة " يا عم من يجد كل هذا النور ويرفضه .. حتى فواتير الكهرباء في ارتفاع مستمر "

قهقه حسن باستماع فنهض فجر يسبهما بوقاحة يقذفهما بزجاجة ماء بلاستيكية كانت بجواره ..

هدأ الضحك قليلا فسأل عمر بجدية تتناقض مع خبث عينيه موجها الكلام لفجر " أخبرني يا مجرم .. هل يوجد ما هو مثير للفضول بالفتاة "

رد حسن بشفقة ونية صافية " وأي شئ قد يثير الفضول في الفتاة سوى أنها باكية ! "

حدجه عمر ممتعضا فعقد حسن حاجبيه يسأل " حقا .. ما المفترض أن يثير فضولي في فتاة لا أعرفها أصلا غير بكائها "

تنهد عمر مصطنعا الملل وهو يتحدث " أرجوك .. هل كل ما يثير فضول الرجل في الفتاة .. أنها تبكي !! .. أي فضول هذا ! "

رفع فجر حاجبا يسأل بمكر " ماذا إذن "

سحب عمر نفسا أخير من سيجارته قبل أن يدعسها بقدمه ينفث دخانها ثم رفع سبابته مجيبا بتشدق " آها .. للتعرف على الفتاة فأنت تنظر لأشياء أكثر أهمية لتعرفها عن قرب "

طالعه حسن عاقد الحاجبين باهتمام يحمل بعض الريبة في نية عمر فهز الأخير رأسه يهتف بغيظ " لا أعلم حقا أين تذهب دروسي الثقافية .. هل أنت بهيمة ؟ "

" ولمَ تسب الآن " صاح حسن معترضا فتجاهله عمر وهو يمد يديه راسما منحنيات امرأة في الهواء قائلا " التضاريس الجغرافية .. التضاريس يا مختل "

غرق فجر في موجات ضحكه من جديد ووجهه الأبيض يحمر من شدتها بينما حسن احمر وجهه أيضا لكن لسبب مختلف ومط شفتيه بقرف ليصرخ عمر غير مصدق وهو يشير إليه موجها حديثه لفجر " انظر لوجهه يا فجر .. إنه يحمر كفتاة صغيرة "

هجم عليه حسن يضربه وهو يهتف غاضبا " سأريك ماذا ستفعل بك الفتاة "

ظلا يتعاركان بخشونة وفجر يصيح بتحذير " أقسم بالله يا بقايا نسل جنكيز خان لو أحدثتما أي تلف في الورشة لألقيكما خارجها ركلا "

دفع حسن عمر بنزق عنه و الأخير يهجم عليه ممسكا بوجهه الصبياني بإصرار وهو يهتف ضاحكا مغيظا " اسمع يا حسون .. حقا تحتاج لدروس تقوية .. دعني أعطها لك يا فتى وإلا ستفضحنا .. مجانا صدقني "

 

" ما هي تلك الدروس التي تريد اعطائها لأخي يا منسي .. أخبرنا لنستفيد "

 

التفتت ثلاثة رؤوس لسلطان الجوهري الذي دخل الورشة بهيبته فاعتدل الإثنان ونهض فجر مرحبا بينما عمر يرد غامزا " والله يا أبو السلاطين أنت من تعطنا كلنا "

ضحك ثلاثتهم وسلطان اكتفى في الابتسام فسأل حسن يقترب منه " ما الذي أتى بك في وقت كهذا "

 

مط سلطان شفتيه قائلا " لا شيء .. مللت من الجلوس بالبيت فقررت أن آتي لأرى ما الممتع جدا هنا ليجعلك تأتي كل ليلة "

أجابه فجر بنذالة متعمدة " يأتيان فقط ليُصبني صداعا منهما "

رمقته زوجان من الأعين الساخطة فهز حاجبيه بتلاعب قبل أن يتقدم سلطان جالسا وهو يطلب بهدوء " أين الشاي "

تحرك فجر ليجهز الشاي وهز حسن رأسه يقول لأخيه " مدمن شاي ! "

 

عندما عاد فجر بالشاي وجلسوا جميعا يتبادلون الأحاديث المعتادة حتى قال سلطان مستفيضا وهو يترك كوبه فارغا " إذن يا شباب .. أنا أحتاج لأشخاص أرسلها لفرع الشركة التي أتشاركها في أوربا .. لقد اتخذت قراري بأنني لن أعاود الاستقرار هناك مجددا .. فقط زيارات متتابعة للعمل .. أنا لست مناسبا للاغتراب أكثر من هذا "

صمتوا جميعا مستمعين بينما أردف سلطان وهو ينظر للثلاثة بتركيز مقترحا " فكرت .. ما رأيكم أن تسافروا أنتم هناك .. هذه فرصة عمل جيدة وأنتم في بداية حياتكم المهنية ستساعدكم للارتقاء في مجالكم جدا والاستقلال .. سأساعدكم بكل شيء فأنا لي علاقات قوية في تلك البلاد "

تبادل الثلاثة النظرات فيما بينهم ليشرد فجر للحظات بعينين لامعتين أملا نفضه سريعا متحكما في سقف طموحاته وهو يزفر بتعب قائلا " الحقيقة أنا أتمنى دائما فرصة السفر فهي فرصتي الوحيدة للنجاح للأسف .. لكني لا أستطيع .. أمي لمن أتركها "

أومأ سلطان بتفهم وقال " أجل هذا صحيح " ثم أكمل باهتمام صادق " ولكن أخبرني يا فجر .. إلى متى ستستمر حياتك بهذا الشكل .. أنت تحتاج لإنشاء مستقبل .. لا فقط تأمين حاضر "

كبت فجر تنهيدة عجز مستنزفا لأبعد حد محافظا على هدوئه بابتسامة وقال بثقة " أنا لا أشكو من شيء .. الحمدلله أنا وأمي بخير وأستطيع تأمين كل ما نحتاجه .. المستقبل بيد الله "

أومأ سلطان مرة أخرى يربت على كتفه مشجعا " ونعم بالله .. لا تقلق فالضيق لا يدوم يا فجر .. وأنت نعم الشاب .. سيرزقك الله بقدر ما تمنيت وأكثر .. يكفي برك بأمك أدامها الله لك "

ابتسم فجر وهو يربت على فخذ سلطان شاكرا وصمت

وجه سلطان نظراته لعمر الذي أجابه ببساطة " أنا لا مشكلة عندي في السفر .. بل أنا مثلي مثل أي شاب ينتهي به الحال متمنيا لحظة سفره وإنشاء حياته المهنية .. ولكن " رمق صديقيه مشيرا لهما مردفا " لا أستطيع تركهما .. بالإضافة لأمي وأبي وأختي نورين .. لست مستعدا بعد لخطوة الاغتراب "

 

مط سلطان شفتيه وهو يكمل بتقرير " وبالطبع لا سفر لحسن .. فالحاجة أم سلطان لا توافق على فراق صغيرها وحده " قالها ببعض المزاح رغم هدوء ملامحه فضحك عمر هاتفا " آه حبيب قلب الماما "

رمقه حسن شذرا فقال سلطان " لا بأس .. ربما فرصة أخرى عندما تتحسن الأحوال .. سأستعين بموظفين آخرين أهل ثقة بالإضافة لشريكتي فهي كفيلة بكل العمل مهما كثر " نهض بعدها ناظرا لساعته يسأل " هل انتهيت يا فجر من عملك "

وقف فجر يلحقه صديقاه وهو يرد " بالفعل قد انتهيت قبل أن تأتي .. يمكننا العودة لبيوتنا أخيرا "

أومأ سلطان وهو يخرج من الورشة يلحقه الجميع وأغلق الثلاث أصدقاء الورشة ثم سار أربعتهم معا بصمت دون الأفعال الصبيانية المعتادة احتراما لوجود سلطان بينهم ..

 

دائما كان لسلطان ذلك الجانب الذي يجعلك ترهبه ..

رغم صغر سنه فهو في السادسة والثلاثين لا يكبرهم بالكثير .. إلا أن رزانته وحكمته الكبيرة منذ صغر سنه يجعلانك تحترمه خاصة وهو يفرض احترامه في كل مكان يتواجد فيه ..

 

وصلوا جميعا كل لبيته وودعوا بعضهم انتظارا للقاء قريب في الغد
 


........................

أنهى استحمامه و خرج من الحمام ببنطال بيتي ثقيل وبلوزة قطنية خفيفة دون أكمام يسب ويلعن أنه نسي باقي ملابسه العلوية في غرفته

تحرك قاصدا غرفته لكنه عاد وتوقف في منتصف المسافة بعد أن قفزت قصيرة القامة أمامه تلوح له بملابسه

حاجباها منعقدان بصرامة وملامحها مزمومة وهي تقول بتوبيخ " هل أنت مجنون .. هل تريد أن تمرض .. لماذا لم تنادِني لأجلب لك ملابسك الثقيلة يا عمر "

ارتفع حاجبا عمر بتعجب من توبيخها وقال متهكما وهو يرتدي كنزته الصوفية " أخطئنا يا ست الحسن والدلال والله .. منك السماح "

ازداد انعقاد حاجبيها وهي تقول متذمرة " يا عمر لا تتهكم علي .. حقا قد تمرض فأنت مناعتك ضعيفة "

هذه المرة اكتفى برفع حاجبه عاليا بشكل مبالغ فيه وهو يرد " من مناعته ضعيفة يا نصف شِبر أنتِ .. نورين أنت تقولين هذه الجملة لكل من في البيت "

صمت منحنيا قليلا بطوله الفارع مجاريا قصر قامتها وأكمل مغيظا " بينما لا يوجد من هو ضعيف المناعة سريع المرض غيرك يا حلوى القطن منذ كنت كتلة متكدسة صغيرة لا تتوقف عن البكاء حتى كدت أن أُلقي بكِ للقطط "

ظلت منعقدة الملامح بعدم رضا للحظات حتى انفرجت معترفة بكلامه وهي تجيبه ملوحة بكفيها الأبيضين " حسنا أعترف .. أنا أخشى عليكم جميعا .. الآن أخبرني يا حبيب قلب أختك .. ألن تتناول العشاء معي "

فتح فمه ليجيب لكنها سبقته تقول مُصرة " إياك أن تقول تناولت مع الشباب .. لأنك ستأكل معي يا عمر .. لقد انتظرتك وقد يأست أمي من إطعامي "

نظر لها للحظة ثم مسد على معدته وهو يتنازل مبتسما ابتسامة حقيقة أخيرا وقال بصدق " لو أكلت مائة مرة .. من يرفض طعام مسمم من بين يدي قصيرتي ذات الغمازتين "

صفقت بيديها ضاحكة وهي تقفز متوجهة للمطبخ هاتفة همسا حتى لا توقظ أبويها وقد ناما للتو " لا أستطيع لومك بصراحة .. طعامي دائما يسبب الكوارث لك "

ضحك بخفوت وهو يتحرك لغرفته ممشطا شعره ثم توجه لغرفة المعيشة المتوسطة الحجم يجلس منتظرا مفضلا كالعادة تناول الطعام هناك لا على المائدة المخصصة بتلك الطريقة التي لا تعرف القوانين والالتزام ..

عمر المنسي يفعل الشئ حيثما يريد لا حيثما يُفترض !

 

تلفت بنظراته ملاحظا بعض التغيرات الجديدة التي طرأت على الغرفة الدافئة بألوانها وديكوراتها التي كلها على ذوق نورين طبعا

المهووسة الصغيرة قامت بتغييرات جديدة كما العادة

فقد أضافت مثلا فرعا من الاضاءة الناعمة الدافئة وزينت الحائط ببعض من رسوماتها الجميلة التي تليق بأجواء الشتاء .. كتلك اللوحة لرجل الثلج وأخرى لشخصية كارتونية مكتوب عليها .. فروزن !

 

دخلت نورين تحمل بعض الطعام البسيط المناسب للعشاء فربت على الأريكة بجواره بعفوية لتجلس وشرعا بالأكل سويا

أشار عمر للإضافات الجديدة يقول بمدح " ما هذه الروائع الجديدة يا فنانة "

انشرحت ملامحها تقول بفخر سعيدة وغمازتاها تتألقان على خديها " أحببت تزيين الغرفة للتجديد "

ثم رمقته بعسليتيها اللامعتين تسأله بسعادة " هل أعجبتك ؟ "

ارتشف بعضا من الشاي ورد " بالطبع .. أنتِ موهوبة في هذا المجال تعلمين ذلك "

تنهدت وهي ترتشف من الحليب خاصتها وقالت بتمني " حقا أتمنى أن أنتهي من دراسة الثانوية وألتحق بهذا المجال لأبرع فيه أكثر "

" بإذن الله حبيبتي .. سأتكفل لكِ بكل شئ تريدينه أنتِ فقط اهتمي حاليا بالثانوية " قالها عمر وهو يلتهم طعامه فابتسمت له بحب وفخر كبيرين وهي ترمقه بصمت متلاعبة بحافة بلوزتها الصوفية التي تغطي فخذيها

رفع نظراته لها يغمزها بتساؤل لترد بابتسامة واسعة جميلة كجمال وجهها الملائكي " عمووووور .. ألا تنوي الزواج "

رمش عمر بعينيه متفاجئا وقال " ولماذا تسألين "

مطت شفتيها الورديتين تجيبه " أتمنى أن أصبح عمة لطفل شقي يشبهك "

انشغل بطعامه يرد بلا مبالاة " يؤسفني أنكِ لن تصبحي .. على الأقل لن تصبحي قريبا "

شهقت تقول مستنكرة " بعيد الشر أخي .. لمَ تقول هذا "

نظر لها وهو ينهي طعامه قائلا ببرود " لأني مكتفي بكارثة واحدة متمثلة فيكِ .. لا أنوي إضافة كوارث أنثوية أخرى عما قريب إطلاقا لحياتي "

رمقته بغيظ لينهض صافعا مؤخرة عنقها بتحية أخوية معترف بها دوليا يتردد صداها بالغرفة وأكمل " شكرا على الطعام .. أكلته غصبا فطعمه لا يُطاق "

اتسعت عيناها بصدمة مستنكرة وهي ترمق الأطباق الممسوحة مسحا هامسة بامتعاض " واضح ! "

 
.............................

جالسة على كرسيها وراء مكتبها الصغير بغرفة نومها منذ بضع ساعات ترفع شعرها الأشقر في عقدة فوق رأسها وحاجباها معقودان بتركيز وهي تنظر لحاسوبها تراجع عقود آخر صفقاتها بنفسها للمرة التي لا تذكر عددها

كانت جدية جدا لدرجة مغيظة في عملها .. لكن ذلك الاهتمام الزائد بكل التفاصيل هو من جعلها قادرة على إدارة شركتها بشراكة مع سلطان الجوهري خاصة بعد وفاة أبيها .. وهي التي تشربت العمل منذ كانت مجرد طالبة جامعية ..

 

طرقات على غرفة مكتبها نبهتها لتأذن لأمها بالدخول بهدوء دون رفع وجهها

دخلت أمها بخطواتها الرشيقة تقول بحنق " حقا مياسة !! .. لقد مرت ساعات وأنتِ على نفس جلستك اللعينة أمام حاسوبك "

ردت مياسة " كدت أنتهي "

زفرت أمها وهي تتكتف واقفة أمامها بانتظار متململة فنظرت لها مياسة مبتسمة أخيرا قائلة " أمي .. أنا قاربت على الانتهاء حقا .. لا داعي لوقوفك هكذا "

تنهدت أمها مستسلمة تطلب بيأس " لا تتأخري أكثر من هذا أرجوكِ .. وجهك مرهق بالفعل .. كفاكِ عملا "

تحركت بعدها تنوي المغادرة لكنها توقفت عند باب الغرفة قبل أن تلتفت لها هاتفة باستذكار " آه صحيح .. كدت أنسى "

طالعتها مياسة بتساؤل فأخبرتها أمها " تلك الـ دنيا .. اتصلت أكثر من مرة تسأل عنكِ .. وتريدك أن تتصلي بها "

تجهم وجه مياسة لكنها أومأت تشكر أمها فانصرفت الأخيرة تاركة إياها على نفس التجهم قبل أن تهز رأسها تعود لإنهاء عملها فاصلة عنها أي إلهاء خارجي ..

 

بعد قليل كانت تنتهي وهي تدلك رأسها بإنهاك ثم نهضت تمط جسدها المغري تفك تشنجاته بسبب جلستها المتيبسة على الكرسي كل هذا الوقت ..

أغلقت الحاسوب بعد أن تأكدت من إرسال نسخة لسلطان على بريده الالكتروني الشخصي ثم توجهت لغرفة ملابسها الصغيرة الأنيقة تختار لها ملابس نوم مريحة فاختارت بنطال قطني قصير يغطي فخذيها وبلوزة ناعمة بحمالات رقيقة .. ثم توجهت للحمام لتحظى بحمام دافئ تمحو به آثار تعب اليوم ..

بعد دقائق طويلة كانت تخرج من الحمام تجفف رأسها الأشقر الناعم بتموجاته الطبيعية ثم سرحته وتركته حرا حول وجهها الأسمر وهي تبدأ بالاهتمام به وببشرة وجهها وذراعيها وساقيها العاريين بمنامتها الأنثوية التي تعشق اقتنائها ..

لطالما اعتادت مياسة على عشق وتدليل أنوثتها .. فلا تبخل عليها بشيء .. أنوثتها إحدى أسلحتها والحفاظ على سلاحها فرض ..

كانت دائما مثار حسد من جميع من حولها لجمالها الذهبي

حتى أن الجميع لقبها بالذهبية !

خاصة وقد مزجت الشيء ونقيضه .. فبشرتها ذهبية سمراء وقد ورثتها من أبيها بعكس شعرها الطويل الأشقر بتدرجات ألوانه وقد ورثته من أمها ..

عيناها العسليتان وغمازتاها ورثتهما أيضا من أبيها بينما ملامحها الجميلة من أمها ..

هي جميلة وتدرك أنها جميلة وتحب الحفاظ على جمالها !

 

وقفت تطالع نفسها للحظات قبل أن تقف وقفة جانبية تمسد على بطنها المسطحة لتهمس حينها باستنكار مضيقة عينيها " هل هذا بروز بدأ يظهر في بطني " زمت شفتيها لتقول بعدها بجدية لنفسها " لقد أهملت جدا تماريني الرياضية وسيزداد وزني .. هذا مستحيل حقا ولن أسمح به "

توجهت بعدها بخطوات نزقة لسريرها الواسع واستراحت تحت لحافها الناعم تتلمس دفئه ثم أمسكت بهاتفها تقلب فيه .. منتبهة لرسائل دنيا الكثيرة ..

تأففت تسبها وهي ترمي الهاتف ناظرة للسقف مفكرة .. دنيا تريد أن تعرف إن كانت أخبرت سلطان بخطبتها !

لكنها غبية .. نسيت أن مياسة الحكيم أبدا ليست تلك التي تسارع لنقل الأخبار من مكان لآخر وكأنها مجرد فتاة ثرثارة تافهة ..

 

زفرت مياسة وهي تبعد كل أفكارها بهدوء قبل أن تستدير على جانبها تغلق الإنارة .. غارقة في النوم

.........................

 

بعد يومين ..

 

خرجت من غرفتها بخطوات متثاقلة برفض مدركة أنه لا مفر إلا بخروجها .. فلبت صاغرة تنزل درجات السلم الداخلي للفيلا وهي تتوجه بملامح رخامية جامدة لغرفة المكتب حيث يقبع بانتظارها بمفرده ..

لقد أتت لها الخادمة قبل قليل تخبرها أن ( زوجها السيد أمير ) ينتظرها بغرفة المكتب ويقول إن لم تنزل له صعد لها

 

منعت تنهيدة ألم من الخروج وهي تقترب من المكتب لتدخله .. لا تريده أن يأتي لجناحها فيستغل سلطة جسده مهيمنا عليها فيزيد اشمئزازها من نفسها ..

دخلت المكتب الخاص بأبيها لتجده واقفا هناك بجسده الضخم محتلا مكانه بسطوة يراقب بعينيه الباردتين من النافذة الحديقة التي يهتم بها الجنائني ..

 

تكتفت واقفة دون كلام منتظرة إياه أن يستدير لها مدركة إنتباهه لوجودها لكنه يتمهل وكأن الكون في انتظاره

التفت لها ببطء أخيرا يطالعها للحظات بهدوء ثم سرعان ما ابتسم قائلا ببساطة " كيف حالك الآن ليل "

ردت ببرود " كنت بأفضل حال قبل قدومك "

اكتست عيناه بالثلوج بالمقابل وتحولت ابتسامته لأخرى ساخرة مسننة وقال " أنا أيضا اشتقت إليك "

 

رفعت حاجبيها ترد بسخرية ودت لو كانت مسننة هي الأخرى لكنها خرجت مُرة كمرارة أيامها بحرب كلامية قررت خوضها " مثير للشفقة أنت إن اعتقدت بذرة اشتياق صغيرة قد تنمو في قلبي لك بعد الآن "

بدأ بروده يتصدع لتظهر شرارة غضب ألجمها قسرا وهو يقترب منها يقول بصوت خشن " توقفي عن إلقاء كلمات تعتقدينها جارحة لتردي جرحك "

بزغ الألم في عينيها دون أن تستطع منعه وهي تهتف بغل مكبوت بقبضتين متشنجتين " تبا لك وتعترف بجرحي ببرود "

زفر وهو يبتعد بوجهه معترفا بداخله على الأقل بينه وبين نفسه أنه لا يستطيع تحمل حزنها رغم كل ما يدعيه ..

نظر لها مجددا يقول بكبرياء لا يتنازل عنه " حسنا ليل .. لا بأس .. "

" لا بأس ! " صرختها مستنكرة تقاطعه وهي تقفز خطوة للوراء ثم تصرخ بصوت أعلى بغضب أفلت لجامه " لا بأس فقط .. أيها الـ "

صرخ بها بحدة يوقفها رغم أنه قد درب نفسه قبل القدوم على أن يحتمل كل ما يبدر منها " صوني لسانك ليل "

 

لهثت ليل تطالعه باضطراب للحظات مخروسة .. ثم هجمت عليه وهي تشعر بطبقة من الدمع السخيف يتجمع في عينيها وضربته في صدره تهتف بألم " تبا لك أمير .. أنا أكرهك .. يا إلهي كم أكرهك .. أكرهك وأكره كل أيامي معك .. أنا أكرهكم كلكم .. توقفوا عن الصراخ في وجهي .. توقفوا عن قمعي .. توقفوا عن أمري .. توقفووووووووووا "

حاول أن يمسكها ليوقفها عما تفعله يطلب بقلق فاضت به نبراته " اهدئي ليل .. فقط اهدئي قليلا .. قلت اهدئي "

انتفضت مبتعدة عنه باشمئزاز لم تحاول اخفائه وهي تصرخ بجنون تشد شعرها بعنف آلمها ولم تكترث له " لا تلمسني .. أنا أقرف من يديك اللتين تلامسان كل ما هو مؤنث تبا لك .. أنت مقرف "

اتسعت عيناه بصدمة وانعقد لسانه يطالعها فنظرت هي لصدمته بذهول !

انفجرت ضحكا بعدها .. ضحك هستيري مجنون وعيناها تذرفان دموعها مرارا بين غضب وألم وهستيريا تهز رأسها بغير تصديق هاتفة " ما هذه الصدمة .. يا الله .. ألا تعلم بنفسك وصُدمت بحقيقتك فجأة أم ماذا "

 

صمتت تقترب منه شاعرة بكل خلاياها تغلي وتفور وكرامتها تئن مطالبة بالقصاص فقالت من بين أسنانها تشعر بلذة مجنونة مما تراه في ملامحه " أنت كذلك أمير .. تجذب كل ما هو مقرف يشبهك .. وتثير اشمئزازي لأني لست منك ولم أكن يوما .. لولا ظلم ما أحياه لما أكملت معك كل هذا الانتهاك وأشاركك جسدك المنفر المثير للشفقة "

 

" اخرسيييييي " قالها وهو يدفعها بغضب أعمى لتسقط أرضا مرتطمة برأسها على حافة المكتب تتأوه بعنف وقد تشوشت رؤيتها للحظات ..

بينما خيال جسده واقفا أمامها يطالع جسدها المُلقى أمامه بغضب حارق وهو يصرخ مانعا لهفته عليها من سقوطها من أن تخرج " لقد تعديت كل خطوطك الحمراء معي .. أقسم أن أؤدبك بنفسي من جديد إن كررتها "

 

تحاملت على نفسها رافضة أن تكون تحت قدميه بهذا الشكل المذل وقالت بنفور من بين لهاثها بنبرة ضعيفة وهي تقف تسند نفسها بنفسها " طلقني أمير .. ابتعد عن طريقي فأنا أمقتك .. ولا تحاول التأثير بي مجددا عن طريق أبي وتعنيفه أو أمي وخطبها السخيفة أو حتى بسطوتك .. ابتعد عن طريقي .. أرجوك .. أرجوك اتركني .. كفى أرجوك "

 

قالتها وهي تترنح تنوي الخروج ليتشبث بذراعها يديرها له حتى سقطت على صدره وهو يقول من بين شفتيه المتيبستين " أنتِ كاذبة .. لم ولن تمقتيني يوما .. أنتِ تحبينني .. رباطك بي كان ولا زال حبك يا ليل .. لاتجرؤي على إدعاء غير ذلك "

بدموع تهطل بألم وغضب وخزي همست له " الحب يموت .. وفي حالتنا لم يمت .. لا .. بل قُتل .. أنت قتلته أمير "

ثم سحبت ذراعها منه ولم يمنعها أو يحاول وقد بدا لها شاحبا مهتزا .. فخرجت من الغرفة باكية دون صوت .. فقط دموع تهطل بهدوء تعبر بها عن شعورها بالانتهاك الذي شاركها كل أيام حياتها وسنين عمرها

شعورها بالتعب .. شعورها بالموت !!

 

ليصرخ هو حينها صرخة حيوان شرس يتألم وهو يرفع يده ضاربا المكتب بعنف كاد أن يحطمه

شاعرا برغبة مُلحة بالقتل الآن !!

 
...........................

وقفت تطالع شكلها بالمرآة تمسح مستحضرات التجميل عن وجهها الفاتن الأبيض وعيناها تشردان بمشاعر مختلطة بين فرحة الظفر وغيظ من عدم اكتماله .. بعد !

عاودت النظر للمرآه تُنهي ما تفعله ثم أمسكت بهاتفها تنظر للرسائل التي وصلت كلها لكنها لم تُفتح .. تعلم بأنها ربما قرأتها من الإشعارات دون فتحها .. تلك المياسة البغيضة

 

زمت دنيا شفتيها حنقا وهي تضرب منضدة الزينة بقبضتها تحاول التفكير .. لقد خُطبت أو قُرأت فاتحتها بمعنى أصح وهو لم يعلم حتى الآن ..

تنفست بغل وهي ترفع يدها لوجنتها تتحسسها بألم للحظات شاردة ترتسم على ملامحها انفعالات متلاحقة جميعها عنيفة ..

قبل أن تستدير بهمجية هامسة من بين أسنانها " لا تُريدين أن تخبريه .. تخشين على شعوره إذن .. لا بأس سأخبره بطريقة أخرى وما أكثر الطرق لإخباره بخبر هام كهذا "

ثم التفتت تنظر للطفلة الجالسة بجوارها تلهو بفستانها الجديد الذي أشترته قبل قليل لها لحفل خطبتها القادمة قبل أن تلمع عيناها بتفكير .. وشفتاها بابتسامة

 
........................

تمدد على أريكة يطالع التلفاز أمامه بدون اهتمام حقيقي .. مد يده يتناول الشاي الذي صنعته له سارة قبل أن تخلد للنوم  قبل قليل فارتشف منه عله يلتمس منه دفئا يفتقده ..

تنهد وهو يشعر بالملل للمرة التي لا يذكر عددها .. ما باله الملل أصبح ملازما له !

نظر حوله في غرفة المعيشة الفارغة إلا منه وقد نامت أخته لتلحق بجامعتها في الصباح الباكر وأمه تقرأ القرآن كما اعتادت في غرفتها وحسن مع صديقيه أو ثلثيه الآخرين كما يسميهما ..
 


الأصدقاء ! .. هو حتى لا أصدقاء لديه ليخرج ويستمتع معهم فقط مجرد زملاء عمل أو أصدقاء من بعيد .. هو كائن بيتوتي يقدس عمله والذي من شدة تقديسه استطاع خلال سنوات أن يزدهر فيه صانعا اسما في سوق الأعمال رغم خلفيته المتواضعة ..

حتى وصلت أعماله بفروعها لأوربا ..

ورغم كل ماله ومكانته .. لا يستهويه شيئا كالجلسات الحميمة مع عائلته مثلا .. شرب الشاي وأكل كعكات بيتية .. حتى أنه لا يفضل العيش ببيته بالحي الراقي كما هو متوقع لرجل أعمال مثله ..

أجل هو شخص ممل !

لم يكن يوما متهورا مجنونا محبا للسفر والتزحلق على الجليد أو ركوب الأمواج

مجرد رجل اعتيادي مهمته في الحياة حماية أهله وصنع اسما له ..

 

زفر سلطان يغلق التلفاز الذي يثرثر دون أن يعي منه شيئا واستند برأسه على مسند الأريكة بصمت

أغمض عينيه على ذكرى كلمات متأففة حانقة ..

كلمات من فم متكور غضبا بغير رضا .. مهما حاول مجاراة صاحبته لترضى .. كان دائما يفشل من كثرة نفاذ صبره وعدم استمتاعه بما يفعل من تغيير لا يروق لشخصه ..

" سلطان .. لقد تعبت منك .. بالله عليك كيف تتحمل هذه الحياة .. أنت رجل أعمال ناجح ولك مكانتك ومركزك .. كيف لا نسافر ونمرح ونقضي كل أوقاتنا بسعادة .. لمَ تتعامل وكأنك موظف حكومي لا يستمتع نظرا لموعد عمله في الصباح الباكر .. أنا تعبت تعبت من أسلوب حياتك "

فتح سلطان عينيه نافضا تلك الكلمات من رأسه وهو ينهض ململما ما أمامه من كوب شاي وأطباق بها كعكات صغيرة من صنع يدي أمه الخبيرة وتوجه للمطبخ وهو يتمتم " لمَ لا نأخذ من أمامنا على عيبه .. لمَ نحاول دائما أن نغير من نحبهم ليشبهونا .. فنخسرهم أو يخسرون أنفسهم ! "

 

دخل للمطبخ يتلفت حوله بحيرة ثم اقترب يضع الصينية على رخامة المطبخ الباردة هامسا لنفسه " أين من المفترض أن أضع الكعكات "

عاد يبحث من حوله عن طبق خاص بالكعكات ربما فاصطدم دون انتباه منه بالصينية لتسقط أرضا فيتهشم الكوب الزجاجي وتتناثر الكعكات مدمرا نظافة أرضية المطبخ اللامعة

 

كز سلطان على أسنانه مغتاظا وصوت أمه يصله من داخل غرفتها تنادي على سارة لترى ماذا حدث بالمطبخ ..

دلك سلطان جبهته وهو يهمس " حقا أنا مريع .. حتى صينية لا أستطيع التصرف فيها دون إزعاج كل من حولي كطفل في الرابعة "

دخلت سارة المطبخ بملامح ضجرة ناعسة لترى ماذا حدث فابتسم سلطان ببعض الذنب وهو يقف متخصرا ببؤس لتنقشع ملامح الضجر عنها وهي تبتسم بعطف رغم سنها العشرين هامسة بعذوبة " كان يجب أن أنتظر حتى تنتهي من شايك .. آسفة حبيبي "

اتسعت بسمته بحنان وهو ينحني ململما ما تهشم وتناثر قائلا بفكاهة " صدقيني بريء .. مهما حاولت ينتهي بي الحال بكارثة دائما حتى لو كان الأمر بسيطا "

 

اندفعت تقول " لا بأس أخي .. اترك من يديك "

تنهد وهو ينهض بينما هي تلملم وهو ينبهها بحذر " انتبهي أن تُجرحي "

اتسعت ابتسامتها تطمئنه وهي تنتهي من تنظيف المكان بمهارة اعتادتها ثم عاودت الوقوف أمامه قائلة بمرح " السلطان فقط يأمر "

ضمها من كتفيها إلى صدره الرحب وهو يخرج من المطبخ قائلا بحنان فائض يخرج دائما مع عائلته " لا حرمني الله منكِ صغيرتي "

رفعت نظراتها له تقول ببراءة " سلطاااان .. هل لي أن أستغلك "

وقف يجيبها فورا ضاحكا " طفلتي تتدلل "

ابتسمت حينها تقول " قبل فترة تمت دعوتي على الغداء من قِبل إحدى صديقاتي مع باقي الشلة أنت تعلم .. وأريد رد الدعوة طبعا في المقابل .. فكرت لو آتي بهن للبيت لكن سيكون مجهودا .. فهل لي بدعوتهن بأحد المطاعم "

صمت للحظات مفكرا ثم سأل " متى "

ردت عليه بحماس " بمجرد أن توافق "

ابتسم لها وقال " لا بأس حبيبتي موافق .. لكن أخبريني بالتفاصيل حتى لا أقلق عليكِ ويقلك حسن بنفسه "

أومأت توافق بفرح ثم قالت بتملق وهي تفرد يدها مرقصة حاجبيها له " إذن .. أعطني مما أعطاك الله "

ضحك قليلا ثم ضرب يدها وقال " الآن فهمت يا مستغلة .. أمري لله غدا أعطيكِ ما تريدين "

ابتسمت بسعادة تشكره حاضنة إياه فربت على رأسها لتتحرك لغرفتها متثائبة بينما هو زفر يضع يديه في جيبي بنطاله القطني متوجها لغرفته حيث سريره البارد الفاقد لكل ما يتمناه هو كرجل في عز شبابه وعنفوانه كابتا رغباته بداخله ..

انتبه لرنين رسالة وصلته على إحدى تطبيقات هاتفه الحديث فالتقطه .. وسرعان ما شقت ابتسامة شفتيه وهو يرى رسالة صوتية من مدللته الصغيرة ..

 

فتحها ليصدح صوتها الناعم المتلعثم وهي تقول بلهفة " بابا .. أين أنت .. أريد .. "

انتهت الرسالة ليدرك أنها ترسل أخرى وسرعان ما وصلته أخرى فيفتحها بلهفة لتكمل حانقة " أووووف إصبعي دائما .. يرتفع عن الهاتف و .. ينتهي التسجيل "

قهقه سلطان وقد تبدد شعور وحدته وهو يرسل لها رسالة صوتية مماثلة بصوته الرخيم الدافئ قائلا ببطء " لا بأس حبيبة بابا .. أعيدي المحاولة أنا أنتظرك واشتقت لكِ جدا "

 

مرت لحظات وهو ينتظر ردها البطيء بصبر .. لقد علمها بنفسه كيف تتواصل معه وترسل رسائل صوتية حتى تتمكن من مكالمته في أي وقت .. كم يشتاق لها .. صوتها الطفولي يكون كحبات مطر هطلت على صحراء وحدته فترويها بمائها العذب .. ابنته الوحيدة وقرة عينه منذ أن خرجت من رحم أمها للحياة .. فأنارت حياته ..

هي خسارته الوحيدة في كل ما حدث ..

 

انتبه للرسالة التي وصلته فيفتحها فورا ليصدح صوتها مجددا تهتف بطفولية " أنا اشتقت لك جدا بابا .. أريد أن أريك فستاني الجدييييييد "

 

ابتسم سلطان وهو يرد في رسالة أخرى " مممممم .. هل اشترت صغيرتي فستانا جديدا "

أتاه ردها بسرعة هذه المرة تقول بفرحة متحمسة تليق بسنواتها الأربعة " أجل .. اشتريت فستانا حتى أكون .. عروث ( عروس ) كـ .. ماما "

 

بهتت ابتسامته مع كلمتها الأخيرة وطار استرخاؤه في الهواء وهو يكرر لنفسه بغباء لم يكن يوما من صفاته " عروس كـ ماما !! "

 

انتصب معتدلا بتشنج أصاب كل عضلاته وهو يحاول ارسال رسالة صوتية هادئة قدر المستطاع " كيف عروس كماما حبيبتي .. هل ماما عروس ! "

ردت الصغيرة بطفولة وبراءة " أجل .. ماما .. قالت لي أنها عروس .. تتزوج "

ابتلع سلطان ريقه يحاول ألا يعتمد على كلمات طفلته التي ربما لا تعي ما تقوله .. ربما هي ذاهبة لعرس مع أمها لذلك اعتقدت أنها عروس !!

 

رفع هاتفه وهو يطلب الرقم ليتصل مباشرة فأتاه صوت طفلته المبتهج تقول " بابا .. أنا سأجعل ماما ترسل لك صور الفستان "

لم يستطع الابتسام فتصنع هدوءا وهو يسألها " لا بأس سلمى .. هل ماما معك "

قالت سلمى " هي في غرفة المعيشة مع نانا ( جدتي ) تشاهدان فستان ماما "

نهض سلطان من مكانه يجوب غرفته بخطواته طالبا بلطف كاذب " اطلبي منها أن تأتي لتكلمني "

وصله صوت سلمى يتمتم بـ ( حاضر ) ثم غابت قليلا بصخبها وهو منتظر يشعر بذرات من الغضب تبدأ في التشكل بداخله مرسلة هالة من العنف المكبوت أحاطت به فورا ..

بعد دقائق طويلة - عمدا - وصله الصوت الناعم الرقيق يتكلم بهدوء بارد " مرحبا سلطان "

رد برزانته المعهودة التي تصيبها بالحنق " أهلا دنيا .. كيف حالك "

ابتسامة ساخرة علت شفتيها وهي تفكر بأنه لا يهتم بحالها البتة لكنها ردت ببرود كاذب " بخير .. شكرا لك "

قالتها وانتظرت أن يتحدث .. مدركة كل الإدراك لمَ طلب مكالمتها وهو الذي ينأى عنها بإصرار مغيظ .. لقد نجحت ولا حاجة لها لمياسة السخيفة المغرورة تلك ..

 

فها هي ابنتها بخطة بريئة بسيطة كانت تشارك أباها فرحتها بفستانها الجديد لـ .. خطبة ماما المنتظرة !

 

أفاقت من شرودها على صوته بينما ابنتها تلهو بفستانها الجديد تفرده على السرير ممسدة عليه بسعادة طفولية بريئة " ماذا تقصد سلمى بشأن .. أمي عروس ! "

تصنعت ملامح دهشة متهكمة وكأنه أمامها بينما صوتها يصله مليئا بالتعجب الساخر " أوه .. ألم تعرف بعد !! .. ألم تخبرك عن خطبتي القادمة مياسة .. عزيزتك المقربة ! "

رغم التهكم في آخر كلماتها إلا إنه عقد حاجبيه مركزا على أمرين أكثر أهمية ..

 

دنيا تُخطب و مياسة تعلم .. ولم تخبره !

 

..........................

" آآآآآه "

صرخت متأوهة بصفعة أوقعتها أرضا شاعرة بدوار عنيف اجتاح رأسها والغرفة تدور بها كدولاب هواء مجنون سلب منها أنفاسها ..

بينما صرخات أبيها تصلها بصوته الذي يرعب من كثرة ما يرعد " أي طلاق يا بنت الـ**** المُصرة عليه .. سأقتلك بيدي العاريتين يا ليل .. أقسم بالله إني لا أهتم مثقال ذرة بوجودك منذ أن وُلدتي .. أيتها القبيحة .. وتتشرطين أيضا يا قبيحة الوجه والجسد .. ألا يكفي أنه قَبِل بكِ أصلا منذ البداية وتزوجك "

 

ألم رهيب ذلك الذي ينتشر فيها كلها .. روحا وجسدا

وتستهجنه .. لمَ الألم يا ليل وقد كان رفيق عمرك منذ أن وعيت على الدنيا .. ألا تُكفين على الشعور به ولو لمرة رفقا بحالك ! ..

 

سمعت صوت أمها هوليا تقول همسا بجزع " بالله عليك توقف .. البنت ستموت "

" ليتها تموت وأخلص منها " صرخها بصوت غاضب تلمست فيه الصدق !

إنه يدعو بذلك حقا لا مجرد لحظة غضب .. وهي بالفعل تؤمَن على دعائه بكل قلبها فعسى الله أن يستجيب منه لترتاح !

 

قالت هوليا مجددا وهي تحاول دفع جسده لتخرجه من جناح ابنتهما ( العاق ) " أرجوك كفى فضائح .. مجرد سوء فهم بين زوجين .. أمير مدرك لجنونها ولن يهتم "

نظر لها نادر نظرة أرعبتها وهو يقول من بين أسنانه " بلى .. لقد فعلها مرتين .. فمن يمنعه الآن .. هذه الغبية تملك تلك السلطة عليه للأسف "

 

قالت له هوليا بذل " أنا سأحدثها .. فقط اتركها الآن أرجوك "

زفر نادر بعصبية وهو يرمق جسد ليل الصغير الملقى أرضا بعدم اكتراث ثم تحرك وهو يسب ويلعن ويتوعدها وهي تكاد لا تسمعه أصلا ..

نظرت هوليا لها تهز رأسها أسفا على حالها .. حتى وصلها صياح زوجها يناديها فانتفضت تتمتم بسرعة " سأرسل لك خادمة تعتني بك " ثم هرولت لزوجها تاركة ليل وحدها ..

 

عم الصمت في الجناح ما أن رحلا أخيرا بعد عواصف الصراخ ..

رحلت العواصف تاركة من ورائها الخراب الصامت الذي خلفته بدمارها ..

فبقيت هي على الأرض متكومة تتنفس بإنهاك زائغة العينين .. رأسها مدفون بين خصلاتها السوداء فشعرت به كقبر يحيط بها وياللعجب .. أراحها !

 

شعرت بالخطوات المسرعة التي تتحرك باتجاهها أولا قبل أن تنحني الخادمة الشابة على ركبتيها بجوارها وهي تهتف جزعا باكية بعطف صادق " يا إلهي ليل .. ماذا حدث .. انهضي انهضي "

تركت ليل نفسها لمُنى وهي ابنة الطباخة في البيت التي في مثابة صديقة لها وقد ترعرت معها ونهضت تتكئ عليها وهي تتأوه وتئن ..

نظرت لها منى مشفقة وغاضبة في آن واحد وهي تسير بها حتى السرير لتساعدها في الجلوس عليه ثم قالت بحنق وقلة حيلة من بين دموعها " لماذا تفعلين هذا بنفسك .. أتتعمدين ذلك .. حرام عليكِ أرجوكِ "

 

رمقتها ليل بتعبير ثلجي بارد وكأن ما يحدث لا يخصها .. وكأنها مشاهدة لمسرحية هزلية تتعذب فيها السندريلا على يدي الأشرار .. إلا أن لا أمير سينقذها في نهاية القصة .. بل أن الأمير هو السبب الرئيسي لمعاناتها

نسخة أكثر واقعية لسندريلا وفي نفس الوقت أكثر ردائة وبؤس فتقرف المشاهدين ولا تثير فيهم سوى تنهيدات العطف والشفقة !

 

زفرت منى وهي تتحرك لجلب بعض الثلج ثم عادت لها تجلس بجوارها تضع الثلج على وجنتها التي بلا شك سيُترك عليها الأثر ..

تأوهت ليل منتفضة ثم أغمضت عينيها وشفتيها ترتجفان مما جعل منى تكاد تبكي مرة أخرى على حال صديقتها

رغم الفارق بينهما وأنها خادمة وهي صاحبة البيت .. لكن ليل لم تعاملها يوما بطبقية .. تختلف عن والديها شكلا ومضمونا

لا تستحق ما تعانيه .. لا تستحق أبدا ..

 

انتبهت على صوت ليل الخارج بشرود بنبرة مختنقة وعيناها لا تزالان منغلقتين " هل لو أنهيت حياتي .. سأدخل النار .. لماذا .. سيكون نار في الدنيا والآخرة ! "

شهقت منى تقول بحزم صديقة " ما هذه الأفكار .. استغفري ربك .. لا تيأسي من رحمة الله يا ليل .. فقط اطلبي منه العون والمدد "

صرخت ليل وهي تضرب بقبضتها مكعبات الثلج فتتناثر في كل مكان " أنا أطلب .. طلبت منذ سنين .. سنين طويلة وأنا أطلب ولا يحدث سوى المزيد من التعااااااسة "

شهقت منى مجددا وهي تضم قبضتها لفمها ترى انهيار ليل بينما الأخيرة تكمل وهي تنتفض من مكانها مترنحة تكسر كل ما تطاله يدها في الغرفة " لماذا دائما يحدث هذا .. لماذا لا يستجيب لي .. ألا أستحق .. ألا أستحق .. ماذا فعلت في حياتي .. ما الذنب العظيم الذي اقترفته !! "

 

ركضت منى إليها تحاول أن تهدئها وهي تقول " توقفي أرجوكِ .. ما تفعلينه لا يفيدك .. هو مزيد من الأذى لكِ .. استغفري ربك "

 

انهارت ليل على ركبتيها وهي تشهق ببكاء هاتفة " أنا أريد ان أحيا بكرامتي كباقي البشر .. أشعر بالحب .. أريد أن أشعر بحب أحدهم لي .. حب صافي لي وحدي .. حب غير مشوه .. لماذا الجميع يكرهني حتى من يدعي حبي يذلني .. كيف يجتمع الحب مع الإذلال والكسر .. هل أتيت للدنيا ليذلوني "

احتضنتها منى تربت على كتفها بمواساة صامتة ودموعها تنزل معها بحزن على حالها تدعو لها بأن تجد سعادتها عما قريب .. وتقرأ عليها القرآن

 

بعد قليل كانت تهدئ منهكة وقد استنفزت قواها تماما .. فساعدتها منى لتعود تستريح على سريرها ثم همست " سأذهب لجلب بعض الطعام لك "

رفضت ليل بتعب لتقاطعها منى بإصرار " بلى ستأكلين .. أنتِ أصبحتِ هزيلة بسبب قلة التغذية .. ارحمي نفسك "

قالتها واستدارت متوجهة للمطبخ بالأسفل بينما ابتسامة ساخرة علت شفتي ليل وهي تفكر بهزلها .. لهذا ذكرها أبوها بقبح وجهها وجسدها إذن !

 

شردت بعدها في حالها .. في ذلك القرار الذي قرره أبوها قبل أن ترفضه فيضربها .. كالعادة !

سيعيدها بنفسه لأمير غدا .. قد اتفقا على هذا !!

تنهدت تتمتم " يا وجع قلبي .. يا سواد ليل عمري .. ألا نهاية له .. يا رب أرجوك .. سامحني لو ارتكبت ذنبا .. أرجوك ! "

 

ظلت تبكي بتعب حتى ارتفع رنين هاتفها مشيرا لوصول رسالة ما فتجاهلت الأمر غارقة في شرودها الكئيب أكثر .. عادت رسالة أخرى ترتفع برنينها القصير فالتفتت لهاتفها على الطاولة بجوار رأسها بفتور وملامح شاحبة باكية .. لكنها مدت يدها تتناوله مفكرة أنها قد تكون مياسة تحاول التواصل معها ..

 

لكن وما أن فتحت الرسائل .. حتى تمنت لو ماتت ولم تفتحها أبدا

 

........................

منذ ساعة وهو يسير في غرفته بغير هوادة .. نظراته كشعلتين من نار خضراء تحرق كل من يقربها اللحظة ..

غضب يسكنه لا يعرف فيمن يفرغه ..

ستتزوج .. أخبرته بمنتهى البساطة والبرود ثم تعللت بانشغالها بالتحضير لخطبتها الأسبوع المقبل وأغلقت المكالمة ..

 

تنفس نفسا حادا وهو يفكر بأن مياسة تعلم ولم تخبره بهكذا خبر فيصبح أمام دنيا مذهولا غاضبا لا يجد ما يقوله وقد أخذته على حين غرة ..

انتفض وهو يقترب من السرير بخطوات تحفر الأرض منتشلا هاتفه الذي ألقاه هناك بغضب .. مياسة تبا لها .. تبا لها ..

 

رفع الهاتف لأذنه غير مكترث بتأخر  الوقت .. على كل حال فالوقت هناك أقل بحسب فرق التوقيت ..

ظل رنين الهاتف للحظات قصيرة بدت له كدهور وغضبه كبركان يقترب من الفوهة بسرعة شديدة مهددا بانفجار وشيك ..

 

" سلطان البلاد "

أتاه صوتها الهادئ الواثق الذي بدا له مغيظا هذه اللحظة فتجهم وجهه يقول مبادرا " لم تخبريني بخطبتها "

على الطرف الآخر عقدت مياسة حاجبيها المرسومين بإتقان وتحولت ابتسامتها اللطيفة لأخرى هادئة تخللها بعض الرسمية وهي ترد بهدوئها المعهود " إذن .. لقد أخبرتك بنفسها "

" إذن تعلمين " قالها بصوت بارد أخفى تحت سطحه نيرانه فقالت وابتسامتها تنمحي تماما هذه المرة " أجل أعلم "

 

صمت سلطان للحظات ثم تكلم من بين أسنانه " لماذا لم تخبريني .. تركتِها تزف لي خبر خطبتها الموعودة بنفسها بنبرة وكأنها شامتة "

 

ارتفعت إحدى زوايا شفتيها المنتفختين وهي تجيب " وكأنها ! .. لا سلطان .. هي شامتة بالفعل "

 

" مياسة " صرخها فاقدا صبره المعهود فاشتددت خطوط وجه مياسة بصرامة قائلة " ماذا تريد سلطان .. هل تعتقد أن تلك التافهة ستستخدمي كطير مرسال بينكما فآتي إليك وكأني أشي لك بالأخبار الساخنة "

قال لها بعصبية " كان عليكِ أن تخبريني مياسة .. هل تعتقدين أن خبرا كهذا لن يصلني .. زوجتي أم ابنتي تُخطب .. وأنتِ ترين الأمر وكأنه بسيط "

 

قالت له ببرود استفزه تشد على الأحرف " طليقتك .. طليقتك سلطان .. ولها حق أن تُخطب طالما أنها .. طليقتك "

لم يتحمل برودها أكثر فصرخ " لا تتدخلي طليقها أو زوجها .. تبا لكِ "

زمت مياسة شفتيها ولمعت عيناها كنمرة شرسة رافضة ثم قالت بأسلوبها المباشر البارد ذاته " طالما أني لا أتدخل فلماذا تتصل بي الآن .. لا يخصني شيء بينكما سلطان .. لا يهمني تُخطب أو تطلق فهي ليست صديقتي ولا أريد أنا أصادقها حتى .. أنا كنت أعتبر نفسي صديقة لك أنت وأنت تعلم بأني لا أصادق أحدا بسهولة .. ولهذا لم أشأ أن أخبرك بخطبة طليقتك من فادي .. التي بالمناسبة أنهت شهور عدة طلاقها منك .. من أسبوع واحد فقط "

بهتت ملامحه وشحب وجهه رغم أن شيئا لم يهتز في وجهه الصخري إلا من عينيه اللتين زادتا نارا وهو يكرر بنبرة غريبة " فادي "

أغمضت مياسة عينيها وهي تسب وتلعن بداخلها قبل أن تقول بغضب بارد " حسنا .. يبدو أنها في النهاية نجحت بجعلي أخبرك بالجزء الأهم بنفسي "

همس بصوت حاد رغم خفوته " تبا لكِ مياسة "

صمتت قليلا ثم قالت " أعتقد بأنك لست بخير الآن .. نتحدث فيما بعد " ثم أنهت المكالمة تاركة إياه يجلس على سريره كتمثال رخامي بلا تعابير .. بعكس تماما ما يدور بداخله

 

وجملة واحدة تضرب إدراكه ودونا عنه يتألم كبرياؤه .. لقد خطبت بعد انتهاء عدة طلاقها .. بأسبوع فقط !!

من فادي !

 

 

................................

 

 

 

انتهى فجر من عمله في الورشة باكرا عن المعتاد في ليلة الخميس فأغلق الورشة بمساعدة صديقيه ثم أغلق سترته الجلدية وهو يسير معهما صامتا متثائبا .. فتثاءب عمر بالإيحاء تبعه حسن ..

 

شتم عمر وهو يقول متذمرا " توقفا عن التثاؤب .. سيعاني البشر من قلة الأكسجين "

نظر له الآخرين بطرفيهما فقال فجر " لن أرد عليك "

وأكد حسن " وأنا سأتبع مبدأ التجاهل أيضا "

 

هز عمر كتفيه بلا مبالاة ثم قال مقترحا " الوقت مبكرا .. لمَ لا نقضيه في التسكع هنا وهناك "

ابتسم حسن بحماس قائلا " أجل .. لنستفيد من انتهاء عمل فجر باكرا الليلة ككل خميس "

سأل فجر " أين سنذهب .. ولا تقولان المقهى .. لقد حفظنا طعم كل أنواع المشروبات هناك بالله عليكما .. وأنا أصلا جائع "

 

فكر عمر قليلا ثم قال " لنذهب للسوق الكبير للحي ونتناول عشاءا دسما من الذي يحبه القلب ويغذي الروح .. أحب الأجواء هناك "

صاح فجر بمرح نافضا نعاسه " مدد يا ستنا ! "

 
............................

بخطوات مرتجفة .. ونفس لاهث .. وقلب هلع ..

ترجلت من سيارة الأجرة تنقد السائق العجوز المال بأصابع مرتعشة غير مهتمة بالمبلغ الذي أعطته له ..

لقد انتفضت ترتدي ملابسها بعجل وهي لا ترى شيئا وأخذت بعض المال دون أن تنظر ..

 

رحل السائق العجوز وبقيت هي وحدها .. تنظر للباب الخلفي من الفيلا بخوف ترتجف كورقة في مهب رياح عاتية ..

كما خرجت من فيلا أبيها أيضا من الباب الخلفي حتى لا يمنعها أحد أو تراها منى ..

 

أخرجت المفتاح من جيبها وهي تتقدم من البوابة الصغيرة تفتحها بنفس الأصابع المرتجفة .. تخطئ مرة وأخرى

والرسائل التي وصلتها تعود لذاكرتها بصورها فتنتفض بشكل عنيف ..

 

تنفست ببطء .. فها هي الآن قد تكون على أعتاب خيانة جديدة .. مختلفة ..

واختلافها يكمن في رؤيتها لها وجها لوجه هذه المرة .. وكأن كل تلك الخيانات المقززة في سنوات زواجهما لا تكفي ..

 

فيأتي اليوم .. فتنحدر لتلك المرحلة من البشاعة ..

 

دخلت أخيرا للفيلا الساكنة في هذا الوقت وللحظة تمنت لو تكون فارغة منه .. لو تكون الرسالة التي وصلتها لصورته يدخل للفيلا بجوار امرأة ما .. مجرد وهم .. كذب وادعاء ..

تصعد فلا تجده هنا .. تتمنى لو أنها تظلمه .. بل تتوسل أن تكون ظالمة للمرة الأولى !!

 

لكن بنظرة واحدة لغرفة نومها في الطابق الثاني انقبض قلبها مذعورا فأغمضت عينيها تئن بيأس ..

 

فنور الغرفة .. مضاء !!

 
.......................

واقف أمام المرآة يطالع نفسه بشرود .. ملامحه الوسيمة بملامح مرسومة بحدة .. جسده متناسق ضخم يغطيه قميصه الأبيض الناصع محلول بعض من أزراره بفعل يدين عابثتين لمرأة ماجنة تتحمم استعدادا له في حمامه هو ..

شعره بلونه الفاتح مبعثر وذقنه غير حليقه الليلة بظلال داكنة تليق بغضبه ..

 

بدا رجلا ينضخ قوة ورجولة و .. رغبة !

على الرغم من عينيه الغائمتين بشروده الكئيب الـ .. غاضب !

وصوتها وهي تصرخ تنعته بأسوأ الصفات مشمئزة نافية حبه يضرب أذنيه وكأنها لا زالت تصرخ بها الآن ..

هو رجل اعتاد على خوف الجميع منه .. رغبة الجميع به .. اعتاد أن يريد فيأخذ .. يكره التمرد وعاشقا للتملك ..

محبا للسيطرة ..

 

لقد رباه جده على هذا لسنوات .. جده الذي كان يفخر به مع كل نجاح يحرزه أو علاقة يقيمها !

بل أن جده هو من دفعه دفعا لتلك العوالم ليغترف منها كيفما شاء منذ كان في الثامنة عشر من عمره ..

ضاربا بالأخلاق التي كانت تزرعها أم أمير فيه عرض الحائط .. حتى ماتت حسرة ويأسا في النهاية وقد فاز الجد في تشكيل شخصية حفيده الوحيد أمير الفارسي كيفما شاء ..

 

 

حتى رآها ..

منذ اللحظة الأولى مست بداخله شيئا وقد بدت صغيرة ناعمة في العشرين من عمرها .. خجلة النظرات من لا شيء .. منزوية وحيدة تطالع الجميع بتردد وحذر وكأنها تتوقع أن يهجم عليها أي شخص فجأة ..

 

فلم يشعر إلا وهو يقترب منها ويحدثها .. فترد عليه بابتسامة مرتبكة أذهلته من نقائها .. لم تكن الأجمل ربما لكنها الأنقى !

فخطفت نبضة منه ..

نبضة أجفلته ولا زالت حتى اللحظة تجفله ..

 

نبضة كانت السبب في رغبته بها .. وما أن علم بأنها مختلفة لا تؤخذ إلا بالزواج .. تزوجها

تزوجها وهي أقرب لمراهقة صغيرة .. رغم أنه منذ النظرة الأولى لأبيها نادر المنصوري أدرك بفطنة أنها لم تكن إلا طعما لاصطياده نسيبا له

وهي نفسها لم تدرك أنها طعم !

 

وببساطة لن يخسر شيئا .. زوجة ناعمة صغيرة يشكلها كيفما شاء .. بالإضافة لصفقات عمل مع أبيها فلمَ لا !

كان متأكدا أنه بامتلاكها جسدا وقلبا .. ستهدأ نبضاته وتعود لرتابتها

وقد اعتاد على المغامرات والانتقال بين زهرة وأخرى يمتص الرحيق ..

إلا أن النبضة لم تهدأ بل .. زادت لنبضات

فأدرك أنه يسقط في الحب مع زوجته

وهذا ما لم يُرده ..

فرغم حبه لها .. لم يستطع يوما أن يتوقف عن خيانتها

والحب كان كفيلا بعذاب ضميره

بعذاب قلبه !

لا يريد أن يؤلمها ولكن

لا يستطيع !! ..

 

انتبه خارجا من شروده على الصوت الماجن الآتي من ورائه يقول بإغواء فاحش " كيف أبدو "

رفع نظراته لها في المرآة ليجدها ترتدي فقط المنشفة تلفها حول جذعها فتظهر أكثر مما تخفي فيرد بجمود وعيناه تجري على مفاتنها " تبدين مستعدة "

 

ضحكة أنثوية عالية وصلته وهي تقترب منه بخطوات مدروسة حتى وصلت له تلتصق به قائلة بعتب مصطنع " أنا مستعدة منذ وقت طويل يا أمير .. أنت فقط من تأخرت "

 

أنزل نظراته  لها ينظر لملامحها فاحشة الجمال ومفاتنها الملتصقة به ونظراتها الماجنة بدعوة مغرية ..

قال بهدوء وعيناه تلمعان دونا عنه " سأعوضك "

ارتفعت على أطراف أصابعها تتعلق بها وهي تهمس " حقا .. ستعوضني عما فعلته زوجتك المتوحشة بي وهي تلقي بوجهي كوب العصير و .. آآآه "

قاطعها وهو يشد شعرها بعنف آلمها قائلا بتهديد " لا تذكري اسم زوجتي بيننا .. فهمتِ  "

زمت شفتيها بحقد سرعان ما دارته ثم عادت تقول تسترضيه " لا بأس .. آسفة يا شريك "

عادت تستطيل مقتربة منه بدعوة من شفتيها لم يلبِها للحظات وغضبه مستعر بمجرد ذكر ليل وداخله رافض ..

ليله الأسمر الحزين .. المختلفة تماما عن تلك التي تتمسح به ..

سمراؤه الناعمة القوام الخجلة النظرات !

شتان بينهما !!

 

ورغم رفضه اللحظي وهو يفكر بحال ليل متمنيا وجودها هي معه اللحظة .. لم يدم تجاهله للدعوة كثيرا .. فكل غرائزه تحركت بشهوة متحدة مع غضبه الذي لم يهدأ .. ليهبط يقبلها بعنف أجفلها للحظة لكنه سرعان ما أعجبها بشدة ..

ويداها تخلصه من ملابسه بلهفة بينما يداه بلمسة واحدة عرتها تماما !!

 
..........................

الفيلا كانت خالية وكأن الخدم جميعهم قد رحلوا !

مظلمة بشكل مقبض موحش وهي واقفة تتلفت حولها وكأنها أرادت أن يمنعها أحدهم عن الصعود !

 

بدا الأمر كمسرح واسع هي بطلته والجمهور خانقا الهمسات والأنفاس منتظرين بترقب مشهد الليلة الأهم دون تدخل من أحد ..

 

لكن وبعد دقائق مرت كالدهر اتخذت أولى خطواتها بارتجاف ناحية السلم متوجهة لغرفة نومها معه ..

 

بقلب مرتعب ..

ولسان يدعو ألا ترى ما يحطمها ما يقتلها زارعا خنجرا أخير فيها ..

تنزف دموعها قبل حتى أن تصل ..

إلى أن وصلت لجناحهما الخاص ودخلت بتردد متوجهة للغرفة فيه .. وهناك تجمدت ..

 

شحوب اعترى ملامحها أكثر فانسحبت كل قطرة دماء مغادرة وجهها تاركة إياها تحاكي وجوه الموتى ..

ركبتاها انثنتا بعجز عن حملها فتشبثت بالجدار .. وبدأت في الانتفاض أكثر حتى استمعت لصوت اصطكاك أسنانها ببعض بردا ..

 

مع كل صوت يخرج من الغرفة .. كل حركة مكتومة تستطيع تخيلها .. كل تأوه ملعون فاجر !

 

ارتفعت يدها لصدرها المختنق تمسده

ما أبشعه .. ما أبشعه !

وما أبشع جسدها الذي شاركه كما شارك العديد .. مثلها مثلهن !

عادت خطوة ببطء للوراء وهي تستند على الحائط بتخاذل ونظراتها على الغرفة وكأنما ترى ما بالداخل بشفافية مدمرة

وتتذكر صور أخرى .. صورها هي !

" تزوجيني ليل "

همست بتردد " هل .. تحبني "

ابتسم بخفة وهو يكرر " تزوجيني "

خطوة أخرى وتأوه آخر

وذكرى مختلفة ..

 

" لقد خنتني .. خنتني ولم تكد تمر سنة على زواجنا "

" لقد أخطأت .. جميعنا نخطئ لسنا ملائكة "

خطوة أخرى وتأوه آخر

وذكرى مختلفة ..

 

" طلقني .. طلقني أيها الخائن "

أمسك بذراعيها بعنف يهزها " وإن فعلت .. ستعودين .. دائما تعودين لا مفر لكِ مني "

 

خطوة أخرى وتأوه آخر

وذكرى مختلفة ..

 

صرخت بعنف باكية " تمنيت لو لم أرك يوما .. أنا أكرهك "

نظرة غاضبة منه و قبلة اثبات ملكية عنيفة وهو يهتف

" أنتِ لي .. للأبد .. افهميها فقط واحفظيها بداخلك "

 

انتفضت فجأة بذكرى القبلة وملكيته التي لا يتوانى عن إثباتها لها .. وصوت ما يحدث بالداخل مع الذكرى جعلها ترفع يدها تمسح شفتيها بعنف وقرف ونفور ..

 

ثم قبضت على يديها بقهر .. أيها الحقير الملعون الخائن ..

تمتمت من بين أسنانها " العار لي إن بقيت للحظة أخرى على ذمة حقير مثلك وتراجعت بجبن .. مهما حدث "

ثم ودون تفكير بالنتائج وبفورة قهر السنين اندفعت الخطوات التي رجعتها قاتلة رغبة الهرب

نافضة ذلك الجبن والتردد .. مُقدمة على رؤية خيانتها بعينيها مباشرة بشجاعة تحاول التشبث بها علها تبثها قوة تحتاجها ..

 

فتحت الباب بعنف ورغم معرفتها بما يحدث إلا أن رؤيته هو أبشع ما يكون .. فصرخت بألم من تتعذب روحه

انتفض الجسدان المتلاحمان بعنف وأمير يلتفت بنظراته الغائمة المشوشة برغبته وذهوله الذي تحول لصدمة وهو يرى وجه آخر من توقع وجودها ..

 

" ليل " همسها مترنحا وهو ينهض منتفضا كمن لسعته حية غير منتبه لتلك التي كانت تشاركه مجونه كيف أنها رفعت الغطاء على جسدها .. ببطء متعمد وبنظرات خبيثة موجهة لـ ليل .. نظرات فهمتها ليل جيدا

لقد أخبرتها أنها أخذت زوجها بمنتهى البساطة .. كما شاءت تماما !

 

رغبة في القيء تسيطر عليها بشق الأنفس فترفع يدها لفمها تكتمه وهي تنظر لأمير للحظات بذهول قبل أن تهمس " أيها الملعون .. على سريري .. على سريري وغرفتي .. أيها الخائن عديم الشرف "

بارتباك لم يعتده ارتدى بنطاله مقتربا منها يقول " ليل أرجوكِ اسمـ .. "

قاطعته وهي تصرخ بجنون هستيري متفجر " اخرس أيها المقزز .. طلقني حالا طلقنيييييييي "

 

أمسك بها من كتفيها يهزها صارخا برعب " ليل اهدئي .. دعيني أشرح "

نفضته كمن ينفض شيء مقرف وهي تصرخ " ابتعد أيها الزاني .. طلقني حالا وتحلى ببعض الرجولة والكرامة .. طلقني فأنا حرة لا أبقى مع زاني مثلك .. طلقنيييييييي طلقنييييييييييييي "

 

صرخت وصرخت وهي تتحرك في الغرفة تكسر كل شيء تطاله .. تحطم الكثير والكثير .. وكلمة الطلاق لا تفارقها بينما هو واقف وشحوب هاجمه ..

هذه المرة مختلفة .. هذه المرة ستكون الثالثة !!

 

عند هذه الفكرة انتفض يقترب منها مرة جديدة محاولا أن يحتويها غير منتبه لتلك التي نهضت من على السرير ترتدي ملابسها ببطء مستفز رأته ليل فانتفضت مجددا تصرخ وهي تضرب بجنون " لا تلمسنيييييييي .. طلقني .. طلقني يا عديم الشرف يا حقير .. ألا لعنة الله عليكم جميعا طلقني "

 

فتيل غضب اشتعل بأعصابه فيصرخ " اهدئي ليل قلت لكِ " قالها وهو يتشبث بها فلم يشعر إلا بصفعة مجنونة نزلت على وجهه تبعتها بصقة

بصقة في وجهه !!

 

وليل تصرخ " طلقنيييييييييييييييييييي "

 

صدمة ما جمدته لم يتلقى يوما كمثلها .. يرفع يده لوجهه فيتأكد مما حدث بالدليل وهي واقفة أمامه بهمجية رغم ضعفها الواضح ..

و دون شعور منه كان يرفع يده فيصفعها بقوة حتى ترنحت متعثرة بالسجادة الوثيرة لتسقط على رأسها بعنف كاد أن يُفقدها وعيها ..

 

كانت الغرفة انفجرت بشحنات جنون جعلت شريكته ذاهلة خائفة وهي تراقب ما يحدث بينما ليل تنهض تكرر بصوت كان كنشيج مختنق " طلقني .. طلقني .. طلقنيييييييي .. طلقنيييييييييييييي "

هبط على ركبتيه أمامها يراقبها مرتجفا لأول مرة في حياته ولكمات قوية تضرب قلبه مع كل حرف متكسر على شاطئ شفتيها الداميتين فيهمس بضعف وتخاذل " أنتِ طالق .. أنتِ طالق حبيبتي "

 

عقد حاجبيه بعدها وبدت هي كمن لم تسمعه ولا زالت تكرر كلماتها وهو يهمس ذاهلا غير مصدق أنه حررها غير قادر على رؤية انهيارها " يا إلهي .. أنتِ طالق .. للمرة الأخيرة .. سامحيني أرجوكِ .. أرجوكِ .. أنا آسف .. أرجوك اهدئي .. أنتِ طالق "

 

 

حينها صمتت ترفع وجهها له .. كان وجه امرأة مقتولة .. قتلها الحب !

لقد قتل الأمير السندريلا !

 

فنهضت بترنح ودون كلمات كانت تجري حتى تعثرت على السلم ساقطة لكنها لم تكترث وهي تقف مكملة ركضها وصوته يصرخ بعذاب " ليييييييييييييييييل "

 

 .........................

" يا الله .. لا يوجد منافس لهذا المطعم أقسم بالله "

قالها عمر وهو منكبا على الأكل بشراهة بينما فجر وحسن يراقبانه ممتعضين فقال فجر حانقا " ستنسف كل الطعام يا بغل .. انتظر حتى نأكل نحن "

نظر له عمر بسخرية وهو يكمل طعامه دون اكتراث

كان طعاما شعبيا بجدارة بما يعرف بـ (فواكه اللحوم ) .. فكانوا منكبين عليه كمفاجيع يتضاحكون كصبية لا هم لهم ..

 

بعد أن تم القضاء على الطعام بنجاح بطريقة ستتسبب لهم الأرق ليلا بسبب امتلاء البطون

قال فجر " أريد عصير قصب !! "

بينما قال حسن متأوها " أي عصير بالله عليك نحن نحتاج لفوار هاضم ! "

 

تأفف عمر وثلاثتهم يخرجون من المطعم ممسدا على بطنه قائلا " وأنا أريد السقوط في النوم .. أشعر بالتخمة "

مط فجر شفتيه يخبره بقرف " بالطبع تشعر بالتخمة .. لقد أكلت بمفردك ضعف ما أكلناه نحن "

هز عمر كتفيه دون اهتمام قائلا ببساطة " وما دخلي أنكما تأكلان كالفتيات الأنيقات "

 

نظر له حسن مستنكرا يهتف به " بل أنت من تأكل كأنه آخر يوم لك .. كالمفاجيع "

ضحك عمر بفخر غير مبالي وهو يسير في الشارع يتابع المحلات والمقاهي الشعبية بروادها بصخبهم المحبب ثم هتف " إذن من أين سنأتي بالقصب الآن "

هتف فجر " من ( **** ) .. لنذهب الآن "

سارا الإثنان معا بينما حسن يلحقهما قائلا بتذمر صبياني " أنا أريد فوار .. تصرفا "

 

 

.............................

 

 

كانت تركض وتركض وهي لا ترى أمامها شيئا .. الشوارع فارغة ساكنة .. الفيلات صامتة بهدوئها المزعج .. التناسق بدا لها مخيفا كأشباح تراقبها مترصدة فرصة للانقضاض عليها ونهشها نهشا ..

وهي تفر لاهثة بأنفاس كانت كشهقات قصيرة جارحة صدرها .. تحاول الخروج للشارع العام مبتعدة عن كل هذا الهدوء الذي يبتلعها .. دموعها تسبقها .. تشوش نظراتها فتكاد تسقط على وجهها كما سقطت مرتين وجرحت ركبتيها ممزقة بنطالها إلا أنها لم تبالي ولم تشعر بألم ..

فألم الجسد سيكون وجع مرفه أمام روحها النازفة ..

 

كمن تلاحقها العفاريت .. لا مال معها حتى ورنين هاتفها لا يتوقف عن الالحاح وهي وكأنها منفصلة عن العالم

 

لقد تحررت !

تحررت !!

إنه الطلاق الثالث .. لقد تحررت !!

 

ابتسامة مرتجفة تظهر على شفتيها التي جف عليهما الدماء بشكل مناقد تماما لحزن عينيها وأمطار دموعها الغزيرة ووجهها المصفوع

كيف من المفترض أن تشعر !!

 

لا تعلم !

 

كل ما تتذكره أنها سمعت الطلاق يخرج من بين شفتيه كرصاصة الرحمة ..

إلا إنها تظل رصاصة .. قضت عليها في النهاية !!

ركضت من أمامه وركضت وركضت خائفة من خطواته التي كانت تتبعها وصراخه بها أن تتوقف إلا أنها لم تكن لتتوقف

 

ملعونة هي إن كانت توقفت فتنظر له نظرة أخرى وهو واقف بأثار جسده من أخرى .. تلك الآثار التي كانت السبب في حزنها وألم قلبها لسنوات وسنوات ..

 

هربت تريد أي شيء يبعدها عن تلك المنطقة الهادئة جدا .. بأصحابها الراقيين التي تتمنى لو لم تكن منهم يوما !

 

ليذهبوا عنها بهدوئهم الكاذب

بأخلاقهم الزائفة

برقيهم المخادع

 

إنهم مجرد صور مبهرجة .. ميتة الروح

تماثيل جميلة مرسومة بإتقان .. وللأسف هي منهم

 

لا ..

لا لم تعد منهم ..

ستبتعد عنهم للأبد .. هي لن تكون منهم

لن تكون !

 

خرجت للشارع العام فتشهق ساحبة أكبر جرعة أكسجين بعنف آلم رئتيها وهي لا تشعر بساقيها اللذين يئنان وكأنها ركضت آلاف الكيلومترات ..

 

تتلفت حولها بضياع ودموعها تنسكب مدرارا ..

ظلت تسير وهي تتلفت شاعرة بالتيه ..

إنها حتى لم تحاول السير يوما أو التنزه مشيا .. كانت دائما تؤمر بالركوب بأحدث السيارات بسائق خاص فينقلها من مكان راقٍ لآخر أكثر رقي !!

 

أين تذهب !!

من لها لتستنجد به !

انتبهت بعد فترة بأنها واقفة وسط مكان مليء بالسيارات الجماعية بعد أن سارت من مكان لآخر حد الضياع  .. سيارات تنقل عامة البشر من البسطاء والذين قد يكون أغلبهم يعملون خدما وعمالا في الأحياء الراقية ..

 

اقتربت واقفة أمام إحدى السيارات تشاهد الناس بلا تعبير ودموعها تجف من الهواء ..

غير منتبهة لذلك السائق الذي يؤشر لها سائلا إن كانت ستصعد !!

 

ودون شعور منها .. صعدت !

تركب وسط الناس الذين لا تعلمهم ..

ولا تعلم حتى أين تذهب تلك السيارة التي انطلقت بها حيث المجهول !!

 

 

..................................

 

 

" اللعنة "

صرختها بغضب منفلت وهي تنزل هاتفها من أذنها بعد أن أعادت الإتصال للمرة العاشرة ربما !

مسدت على جبينها بأصابع متوترة تزفر وهي تتمتم " أين أنتِ ليل .. لمَ لا تجيبيني "

هذا كثير .. مكالمة سلطان لها جعلتها غاضبة رغم عدم اظهارها ذلك له ..

والآن تحاول الوصول لليل فلا ترد الأخيرة بشكل جعلها تقلق .. فليس من عادات ليل ألا تجيب بعد كل هذا الرنين المتواصل !!

 

دخلت أمها عليها الغرفة تحمل معها القليل من الشطائر الخفيفة لتأكلها قائلة برقة " لم تأكلي شيئا اليوم مياسة .. عليكِ الأكل عزيزتي "

أومأت مياسة بذهن مشغول وهي تعاود الاتصال فنظرت لها أمها تسأل بقلق " مياسة ما بكِ !! "

زفرت مياسة وهي تجلس على السرير تجيبها " أتصل بليل ولا ترد عليّ لا أعرف لماذا "

عقدت أمها حاجبيها مفكرة " ربما مشغولة .. أو ليست بجوار هاتفها "

هزت مياسة رأسها نفيا تقول " لا ماما .. أنا أتصل منذ أكثر من ساعة دون أن ألقى ردا .. بدأت أقلق "

جلست أمها بجسدها الناعم بجوار ابنتها الوحيدة وهي تفكر بقلق هي الأخرى وقد انتقل لها من ابنتها ..

 

رغم الصلة المقطوعة بينها وبين أختها هوليا لكن ليل دائما كانت تشعرها كمياسة بل وأكثر .. مدركة كل الثقة أن مثل هذه الفتاة لا يجب أن تكون ابنة لامرأة تافهة كهوليا وزوجها السادي هذا

نظرت لمياسة تقول بحزم " اتصلي بهوليا "

عقدت مياسة حاجبيها برفض تلقائي ترد " تعلمين أني لا أكلمها ولا هي تطيقني .. كلما سمعت صوتي لا تتوقف عن قول تراهات "

تنهدت ( عالية ) أمها وقالت بهدوء " لا بأس .. فقط للاطمئنان على ليل "

أومأت مياسة بعدم رضا وبعض الضيق بينما نهضت عالية مردفة " سأذهب لأرى ما وضعته في الفرن .. طمئنيني من فضلك "

 

" شكرا ماما " قالتها مياسة بحب فابتسمت أمها وهي تخرج من الغرفة بينما الأولى رفعت الهاتف وملامحها باردة رسمية كنبرتها التي خرجت وهي تقول مباشرة بترفع " مرحبا هوليا .. أين ليل "

 

عقدت حاجبيها بعد لحظة وهي تهتف منتفضة واقفة " ماذااا .. اختفت !! "

.....................

 

" هناك فرد لم يدفع الأجرة "

 

قالها السائق بنزق فانتفضت ليل من شرودها ناظرة حولها برعب .. أين هي !

أعاد السائق كلماته بضيق وهو يستغفر بعصبية فتوترت ليل تقول بصوت مبحوح " أعتقد .. أنا لم أدفع "

قال السائق بنفس ضيقه المحرج لها " ولماذا لا تتكلمين "

" عفوا كنت شاردة " قالتها وهي تبحث في جيوب بنطالها الجينز وشحب وجهها وهي تتذكر أنه لا مال معها !!

ابتلعت ريقها تسب نفسها .. يا الله ما هذه الورطة ثم إلى أين هي ذاهبة !!

 

" الأجرة يا آنسة " صرخها الرجل بنفاذ صبر ولكن قبل أن تتكلم ليل هتفت امرأة عجوز جالسة بجوارها " ما بالك تصرخ على الفتاة .. هل ستطير الدنيا "

استغفر الرجل وهو يقول بتذمر " لم أقصد يا حاجة "

التفتت المرأة لليل المتوترة بجوارها تقول همسا " ألا مال معك .. هل أدفع لكِ "

احمر وجه ليل بحرج رغم الامتنان لكنها قالت " لا لا .. يمكنني تدبر الأمر "

قالتها ثم رفعت يدها لرقبتها تخلع سلسال من الذهب ثم نظرت له بدموع تجمع .. إنه سلسال ترتديه منذ صغرها .. كان هدية من جدتها من أمها رحمها الله من نصف قلب أعطته لها والآخر لمياسة .. مخبرة إياهما أنه قلبها قسمته بينهما وسيربطهما للأبد ..
 


قبضت عليه بغصة وهي تقول للرجل باختناق " لا مال معي .. لكن معي السلسال .. إنه ذهب خالص و .. "

قاطعها شاب يجلس قبالتها دون أن ينظر لها يخرج نقودا " لا عليكِ يا آنسة .. سأدفع أنا "

" لا "

صرختها ليل فورا حتى أجفلت الجميع وقالت بإصرار " سأدفع بالسلسال "

 

لكزتها المرأة بجوارها تقول غاضبة وكأنها توبخ حفيدتها " أي سلسال ذهب تفرطين فيه لأجل بضع قروش .. احفظي سلسالك يا بنت لا تغضبيني .. لا أحد سيدفع غيري "

" لا يا خالة أرجوكِ .. أنا " قالتها ليل معترضة وبدت كمن تناست كل ما حدث معها لوهلة .. فقط وهلة ..

تندمج مع ناس ليسوا منها ولا يشبهونها ..

لكنهم في خلال ثوان أثبتوا لها أنهم أفضل ممن عاشرتهم طوال عمرها

 

انتبهت على صوت السائق الغاضب الذي على ما يبدو لم يعد غاضبا وهو يقول متصنعا التأفف " لا أريد منكم شيئا .. هل أنتم أفضل مني .. احتفظي بسلسالك يا آنسة "

 

قالت ليل ووجهها يحمر بشدة " ولكن .. "

قاطعها الرجل بتسامح وقد ابتسم أخيرا ينظر لها بالمرآة أمامه " لا بأس يا آنسة .. كل سنة وأنتِ طيبة "

" وأنت طيب "

قالتها بعدم فهم وهي تقبض على سلسالها وشعور امتنان يغمرها بينما لكزتها المرأة مجددا تومأ لها ألا تعترض

ورغم كارثية وضعها .. ابتسمت ليل بشفتيها المجروحتين !!

 

 

...............................

 

 

" آه لو لعبت يا زهر

واتبدلت الأحوال

وركبت أول موجة

في سكة الأموال "

 

كان فجر يغني بالكلمات بصوت عالٍ مرح وقد أنهى قبل قليل شرب عصير القصب وتحدث مع أمه يطمئن عليها بينما عمر بجوار يترنح راقصا في الشارع بطريقة رجولية محببة والناس تشاهد مبتسمة والبعض منهم معارف ..

أكمل حسن الغناء مع فجر وهو يلوح بيديه بمُديَة وهمية ..

 

" لأروح لأول واحد احتاجتله في سؤال

كسر بخاطري ساعتها ودوقني ضيقة الحال "

 

توقف عمر عن الرقص فورا وهو ينظر لحسن قائلا بسماجة متعمدة " ضيق الحال ! .. أي ضيق حال يا ابن شكائر الأموال أنت .. هل ستدعي الفقر علينا يا جوهري "

 

قهقه فجر وحسن ابتسم ابتسامة صفراء ونفش كتفيه قائلا " انظروا من يتكلم .. صاحب دراجة نارية ( **** ) الذي يقدر سعرها ( **** ) "

 

اتسعت عينا عمر بهلع مضحك وهو يفرد كفه بصوابعه الخمسة في وجه عمر قائلا " الليلة خميس .. أعوذ بالله من عينيك "

 

تنهد فجر وقال رافعا وجهه للسماء " الخميس .. متى سيأتينا هذا الخميس الخاص بإبليس يا شباب "

رمقه عمر بنظرة خبيثة ثم هجم يطوق رقبته بذراعه قائلا بجوار أذنه بصوت يصل لحسن " ولد يا فجر .. أخبرني .. فضفض لي .. هل تلح عليك رغباتك أم ماذا "

تجهم وجه فجر متصنعا البرود ململما ابتسامته يجيبه " هل تعتقد الجميع مثلك .. دائما تلح عليهم رغباتهم "

 

رد عمر ببؤس " وأين هي الرغبات .. حسبي الله أنا مكبوت يا بني والله "

حول نظراته بعدها لحسن المراقب لهما يقول باستخفاف " سد أذنيك يا أحمر الوجنتين حتى لا تخدش حياءك كلماتنا "

تأفف حسن بنفاذ صبر وصرخ " كف عن التعامل معي هكذا .. فأنا لست مهذبا "

نظر له عمر ببرود مستفز فهجم عليه الآخر يضربه بغضب وعمر يقهقه مشاكسا ..

 

بينما فجر لم يتدخل لفض النزاع كالعادة متصلبا ..

 

 

فعيناه الفجريتان .. كانتا مسلطتين على أخرى ..

نحيلة سمراء بشعر حرير أسود كجنح الغراب .. ليلية الشكل والاسم ..

تتلفت حولها بضياع ووجه أحمر وعينين منتفختين وقد لاحظ ارتعاشها !!

 

فعقد حاجبيه هامسا بتعجب " ليل !! "

 

انتهى الفصل
قراءة ممتعة متنسوش الفوت 🥳💖

Continue Reading

You'll Also Like

7.2M 355K 71
" سَــتَتركينَ الـدِراسة مِــن الــغدِ.. لَــقد سَـحبتُ مـلفاتكِ مِــن الـجامعةِ بـالفعل ..! " " مـالذي تَــهذي به..!؟ " " هــذا مــا لَـدي... لاتَ...
my son | Tk By 🚬🎀

Mystery / Thriller

9.9K 949 17
-هوَ ابني لَكن... " احببتُكَ رغم خطأ ذَلك ! " ________ تايكوك. #تعود جميع الحقوق لي' 4/10/2023. ∆ الكتاب مُعدل△
6.9K 122 10
بخطواتٍ عاشقة سارت على رمال قلبه، ونسيت أن الرمال تمحي الأثر✨❤️
1.3K 147 20
كان يعيش طول حياتة بدون احتكاك مع الجنس الاخر ليقرر ان يعمل ما يحب ليقع فى حب فتاة اقل ما يقال عنها انها شاب فى صورة فتاة فماذا يفعل معها و كيف يتغلب...