كذبة مجلس الإدارة!

Start from the beginning
                                    

لعل آريس قد جمعت حولها من الأعداء أكثر مما جمعت من العاشقين ، لعلها لم تدرك ذلك بعد في محاولاتها الحثيثة للهروب والابتعاد هنا وهناك ، حتى من والدتها ..
تحلّت آريس في هذه اللحظة بحليّ ملكيّة ، تجلس مغمضة عينيها على سرير يتموّج على سطح الماء في غرفتها ، تحاول بتركيز نقل صوتها لمكان يسمعها فيه جبر ، تحاول نقل صوتها للمكان اللذي اعتاد دنوا حوتها المكوث فيه ، ولكن دون جدوى ، لم تسمع ردا من أحد ، لو يخبرها أحد بمكانه لنقلت صوتها إليه على الفور ، ولكن هذا بالنسبة لها كان مستحيلا .

" بماذا تفكّرين الآن ؟!"

قاطع صوت والدتها تلك المحاولات ..

" لا شيء ، غلبني النعاس فقط "

" أتمنى أن يكون هذا هو السبب الحقيقي فعلا ، تفهمين ما أعني "

" لا تقلقي أمي ، إنها تشرا ، هم أذكياء ولديهم القدرة لتشتيت صوتي قبل أن يصل للمكان اللذي أبعثه إليه "
" لا يهمني هذا كله ، ابقي مطيعة فقط ، لعلكِ إن حظيتي بالأمير ، حظيت أنا بالملك "

" أمي!، هل أنتِ جادة ، إنهم لا يحبوننا ، ألم تحصلي على طوف من صناديق اللآلئ لتعاونك المستمر معهم حتى تسلميني لهم ، بالنسبة لهم ، لقد حصلت على أجرك ! "

غضبت آرتيس بشدة واستدارت ضاربة آريس بذيلها حتى خرجت الدماء من فمها وهي تشتمها مقللة من شأنها :

" هجينة بشريّة ، كيف تتجرأين على والدتك هكذا "
ثم اسدارت لتضربها ثانية إلا أن لوتش أمسكها ،وصرخ بها :

" كيف تقومين بضرب أميرة تشرا ، و تهينينها بذم دمائها المقدسة ، لا تستحقين البقاء هنا بعد الآن "

ثم قام بنقل صوته للبوابات الخارجية مناديا :

" تانيــــا "
كانت تانيا من أسرع الحوريات سباحة ، كالضوء في تنقلها ، لم يمض وقت طويل حتى حضرت من الممر المائي لغرفة آريس ، فقال لها :

" آخرجي آرتيس من المملكة ، لا أريد رؤيتها بعد الآن"

كانت تلك الغصة في قلب تانيا قد ظهرت حزنا على وجهها ، وهي ترا لوتش يدافع عن آريس ويقف بجانبها ، ولكنها ابتلعت هذا الحزن بملامح الحارسة القوية لتقول :

" أمرك سيدي "

ثم تعتقل آرتيس وتخرجها من المملكة منفذة أوامر لوتش .

في ذات الوقت كان حرّاس الهيوشيب يسبحون بجبر وبينيت تحت الماء في ثقوب الإسفنج الحجري ، ليمثلا أمام مجلس إدارة المدينة ، حتى يقرر المجلس ماذا سيفعل بهما ، كانا يضعان نبتة التنفس اللتي يستخدمها بعض الحور ما عدا البلونز الزرق ، إذا أرادوا البقاء في الماء مدة أطول ، كان جبر يجول بعينيه ليحفظ تلك الممرات المائية ولكنه لم يلحظ أبدا أن تسو كانت تتبعه ، حتى تعرف إلى أين يذهبون به فتقتنص الفرصة فيما بعد لتصل إليه ، ولكن الأمر كان أشبه بالمتاهةلكثرة هذه الثقوب والممرات ، فخطرت له فكرة بأن يصدر مقاطع صوتية تصف اليمين واليسار بسبب وجوده مغلق الفم تحت الماء ، وعندها ستحفظها الصدفة ليستعين بها فيما بعد ، وهكذا استمر بإصدار تلك المقاطع الصوتية كلما توجه لإتجاه ، حتى وصل إلى بهو كبير عاجيّ اللون ، تتناثر الثقوب الممتلأة بضوء الشمس الأبيض على جدرانه ، ليتكسّر هذا الضوء على طبقة رقيقة من الماء قد لا يصل منسوبه ليغطي ساقي جبر ،تغطّي أرضية البهو ، فتنزلق عليها الحراس ومجلس الإدارة الماثلين في منصات مرتفعة بشكل دائري ، عندما يرتفع الموج في الخارج يدخل الماء كنوافير ناعمة لتحفظ التوازن في وجود المياه في الداخل ، والكثير من الحضور ينظرون من الثقوب من خارج هذا البهو ، يتفحصون هذين البشريين بعضهم بخوف وبعضهم بغضب ، أما الصغار فيملؤهم الكثير من الفضول والترقب ومن بين كل هؤلاء كانت تسو تراقب بقلق ..
نظر جبر لكل هذه المخلوقات اللتي تحيط به وبصاحبه اللذي لم يكترث لما يرى وكأنه مثل في هذا المكان عدة مرات ، وكأنه يقول في نفسه، ما اللذي جاء بي إلى هنا ، ولكنه تذكر خطته وما اللذي يجب عليه فعله في هذا المكان ، وبعد لحظات قليلة بدأ أعضاء مجلس الإدارة بالإنزلاق لمنصاتهم وكأنهم ظلال سوداء ، يتوسطهم ويرتفع عنهم ما يبدو أنه يترأسهم ، فقد كان ظلا أسودا كبيرا جدا يتموّج وكأنه يغطي أفاعي في داخله ، ابتلع جبر ريقه فقد شعر ببعض الخوف ، ولكنه كان يحدث نفسه مطمأنا :

" يجب أن تكون شجاعا ، إنهم يظهرون بهذه الطريقة ليثيروا الخوف في النفوس ، نعم إنه الخوف ، هذا هو الحل! "

وبينما هو يفكر بادره صوت أجش شيطاني يمتزج معه صدى مبحوح أقل ترددا ، قائلا له وبلغته :

" ما الذي جاء بك إلى هنا ، أنت أصغر وأحقر من أن تستطيع تدمير موزيريس العظيمة "

ثم تبعه صوت آخر :

" ستحاكم أنت وصديقتك الخائنة ، آريس الخائنة ، خالفت قوانيننا لتدخلك مدينتنا في قافلتها ، إنها خائنة "

بدأ الجمهور المتواجد بالهتاف ، خائنة .. خائنة .. خائنة
ولكن ضحكة اخترقت هذا الضجيج ليصمت الجميع بذهول حتى بينيت نفسه نظر لجبر وقد بدا الاستغراب الشديد على وجهه ، قائلا لنفسه :

" ما الذي يفعله هذا المجنون "

كان جبر يضحك باستهزاء ورزانة وقوّة ، وما إن صمت الجميع حتى استغل الموقف وقفز لمنتصف البهو بجسده الطويل المعتدل الضخم ،فاردا ذراعيه ، مما جعل الجميع يتراجع للوراء قليلا، الجميع حتى مجلس الإدارة! والهيوشيب ، فقد بثّ الرعب في قلوبهم جميعا بحركته المفاجأة وعدم اكتراثه للموقف ، ثم صاح بهم قائلا :

"إنكم ترتعدون خوفا منّا نحن البشر ، وإلا لما اختبأتم بتلك العباءات السوداء ، على تلك المنصات المرتفعة ، أسلوبكم المسرحيّ هذا ..إنه فقط يضحكني "
ثم استدار ناظرا للجميع ويشير إليهم بسبابته قائلا :

"نحن أسيادكم "
كانت نظراته الثاقبة في عيونهم جعلت أنفاسهم تتصاعد من الخوف ، وقلوبهم بدت وكأنها تتراكض ، وفي خضّم هذا الموقف ترتفع موجة في الخارج لتزيد منسوب المياه في الداخل بشكل كبير ، وكأن المكان بدأ ينغمر ، فاستغل جبر الفرصة قبل انحساره سريعا ، وقام بالسباحة للأعلى ليصل إلى المنصة العالية لذلك الشخص اللذي يتوسطهم ،ويمسك رداءه الأسود بكلتا يديه ، خاف بينيت من المجهول اللذي ينتظرهم بعد هذه الحركة الهوجاء اللتي قام بها جبر ، وأخذت خطواته بالتراجع دون أن ينتبه لنفسه ..

انحسرت الموجة فجأة وانخفض منسوب المياه ، فوقع جبر للأسفل ممسكا بذلك الثوب الأسود ليظهر ذلك الشيء الغريب واقفا على المنصة، ذلك الشيء اللذي لطالما حكم موزيريس دون أن يعلم أحد من هو ، دون أن يظهر ولو لمرة واحدة ، والآن ينكشف للجميع ، ليثير هلعا أكبر بحجم الكذبة اللتي كان الجميع يعيشها ..

* القمر المخمور : هو قمر لا يظهر إلا مرة واحدة في السنة ، في سماء أرض الحور ، بلون أحمر يصبغ به سماء أرض الحور كاملة وهو كبير جدا يكاد يملؤ السماء، سمي مخمورا ، لأنه يسبح متراقصا كالمخمور في السماء بشكل متعرج يمينا ويسارا ، ولأنه يصيب الحور جميعهم بالجنون كمن احتسى خمرا معتقا، ليكون ذلك اليوم هو اليوم الأكثر دموية واضطرابا وجنون ، ولذلك لا يحاسب أحد ما ارتكب جرما في هذا اليوم لذهاب عقله.

يتبــــــــع

آراؤكم الجميلة💙 وتصويتكم💛

آريس الحورية الهاربةWhere stories live. Discover now