الفصل التاسع والخمسون:

25.5K 613 8
                                    




بدأ صباحه بطريقةٍ مختلفةٍ اليوم، حيث أنه لم يفطُر، كان الشعور الذي يجتاحه جميلٌجدًا، شعورٌ بالنقاء.. بالسلام الداخلي، و التفاؤل.
ذهب إلى العمل و عاد بعد ساعتان، و كان قد حضَّر لتلك الرحلة المجنونة اليوم.. إن كانت تريد هذا فلها ذلك، حتى و لو كان في الأمر مخاطرة سيحرض على سلامتها أو يتأذى معها..!!
نظر لها و هي ما تزال نائمة، وظل هو يبدل ثيابه وينظر لها بين الحين و الآخر، إلى أن أنهى تبديل ثيابه و اقترب منها ثم انحنى قليلاً نحوها و قبل رأسها و هو يبتسم لها برفقٍ.. ليتركها بعدها و يتجه نحو حقيبة العمل خاصته، يُخرج منها مصحفه الذي أهدته له، ثم هاتفه، و يخرج من الغرفة..

استند على تلك الشجرة في الحديقة بعد أن وصل إليها، ثم فتح المصحف على الصفحة ٤٩ من سورة البقرة، وعبث قليلاً بأزرار هاتفه حتى انبعث منه صوتها و هي تُرتل:
-" آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"

سِره الخاص الذي لم يخبرها به.. كلما كان يسمعها تُرتل القرآن الكريم، كان يسجل صوتها بدون أن تشعر به، و اعتاد أن يستمع إليه في الوقت التي لا تكون معه فيه، كوقت العمل و غيره..
و اليوم قد أنهى سورة البقرة كقراءة كاملة، و حفظ منها ٣ صفحات، غير أنه قد حفظ بضع آياتٍ منها و هو يقرأها فقط.

صُدم فجأة حين وجدها تقف أمامه فاغرةً فاها تنظر له بصدمة، ولم تتفوه بكلمة حتى الآن، فانتبه هو إلى صوت الهاتف الذي بدأت فيه بقراءة سورة آل عمران، كاد أن يغلقه إلا أنها تقدمت نحوه وسحبته منه بصورة مفاجئة وهي تنظر له قائلة بدهشة:
-كنت بتسجل صوتي؟
قوس حاجباه، و وقف مجيبًا إياها بتعلثم:
-آآ دة، دة.. واحد صاحبي!
حدقت فيه بصدمة لعدة ثوانٍ قبل أن يركز هو فيما قال، ثم يضحك بقوة، أما هي فقد هزت رأسها عدة مراتٍ إلى الجانبين و هي تحاول إخفاء ابتسامتها عنه.. ثم نظرت له و قد اختفت الإبتسامة و سألته محاولة أن تبدوا جادة:
-بتستغفلني يا صهيب؟
أومأ رأسه عدة مرات و البراءة في عينيه، فأمسكته هي من ياقة قميصه و هي تضيق عينيها و تتحدث بوعيد:
-و بتقول آه عادي كدة مش خايف؟
هز رأسه نافيًا، فنظرت له بغيظ و تابعت:
-قول إنك خايف و أنا هسيبك!
اقترب من أذنها، و همس لها بخفوت:
-و مين قال إني عاوزاكي تسيبيني؟
ابتسمت و هي تضع يدها الأخرى في خصرها و تردف بهدوء:
-امممم بتستغل الأمور لصالحك يعني!
ضحك بخفوتٍ على طريقتها، فتابعت هي ببرود:
-بس دة ميمنعش إنك استغفلتني؟
وضع يده على ذقنه مفكرًا و هو ينظر له ويجيبها:
-امممم فعلاً معاكي حق! مع إن مكنتش عاوزك تعرفي!
-و أنا كالعادة هكون كريمة و همسع التبرير
-جمايلك كترت مش عارفة هوديها فين بعد كدة!
ضيقت بيدها على ياقته أكثر، و وقفت على أطراف أصابعها حتى تهمس له محذرةً:
-متلعبش بالنار! و اتكلم..؟
يا إلهي كم تبدوا جادة، حسنًا لننزع هذا القناع عنها الآن..
-ليه؟
نظرت له بثباتٍ و أردفت:
-عشان النار بتحرق!
وضع طرف إصبعه في فمه و هو يسألها بجدية:
-إوعي تكوني بتشبهي نفسك بالنار!
أشاحت وجهها عنه محاولة إخفاء ابتسامتها، فأدار وجهها إليه و تابع باسمًا برفق:
-بسجله عشان كنت عاوز اتعلم القراءة صح، و على إيدك إنتي مش حد تاني.
ابتسمت له بمودة، ثم تركت و هي تجيبه بجدية:
-مقولتليش ليه؟ كنت هعلمك بنفسي..!
صمت قليلاً قبل أن يجيبها بخفوت:
-يعني.. بتعلميني حاجات كتير و.. مش عاوز آآ..
قاطعته هي بنبرة حاسمة:
-يا صهيب أنا هنا عشانك، أنا موجودة معاك في كل وقت، في أي حاجة هتحتاجها بجد هعملها و أنا فرحانة، قبل أي حاجة دي طاعة و عبادة لربنا، و تاني حاجة عشان إنت يا صهيب أخدت مكانة كبيرة في قلبي و في حياتي، و أنا مبخلش بوقتي على اللي حياته هي حياتي.
وضع يده على و جهها ورفع له قليلاً و ابتسامة حنونة تعلوه، ثم أردف بصوتٍ أجش:
-إنتي اتغيرتي كتير يا جويرية!
بادلته تلك الإبتسامة الدافئة و هي تجيبه:
-لو فاضل حاجة حلوة فيا بعد كل اللي حصلي دة فمحدش غيرك يستحقها.. و بعدين إنت كمان اتغيرت تمامًا! و بعدين كمان كفاية كدة عشان مبحبش اللحظات المؤثرة دي!!
ضحك و هو يجيبها:
-بس دي مفيدة، مش عارف هنرجع النهاردة من الجنون دة و لا لأ!
-جنون إيه؟!
أجاب ببساطة و هو يعبث بخصيلات شعرها المنسدلة:
-مش طلبتي تقعي من الطيارة؟!
تحمست كثيرًا و هي تسأله:
-إيه دة بجد جهزتلها النهاردة؟
-أيوة
لم تستطع التماسك أكثر من ذلك، و أخذت تضحك بقوةٍ، لتتحدث بعدها بمرح:
-متنكرش إنك عاوز تعمل كدة إنت كمان!
رفع يديه الإثنتان لأعلى و هو يجيبها:
-مش هنكر الصراحة! بس المهم بعدها كدة إن شاء الله متقوليليش نفسي آخد سلفي مع الأسد!
-إيه دة إنت عرفت ازاي؟!!
رفع رأسه للسماء وقال:
-صبرني يا رب!!

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن