الفصل الرابع والثلاثون:

25.6K 596 11
                                    




إنعطف بالسيارة نحو الشمال، وأسرع بالسيارة وقد بدى على ملامحه الغضب..
نظر لمرآة السيارة مرة أخرى، فوجد الشاحنة الكبيرة ماتزال تلاحقه، يبدوا أن أحدهم يريد التخلص منه.
أمسك هاتفه بسرعة بينما يقود باليد الأخرى وطلب أحدهم، ثم وضع الهاتف على أذنه وتابع مسرعًا أكثر..
ما إن سمع صوت أحدهم في الجهة الأخرى حتى تحدث بإنفعال:
-معتصم، فيه عربية نقل ماشية ورايا وشكلها مستقصداني
هدأ قليلاً ليستمع للجهة الأخرى قبل أن يرد بضيق:
-أنا على الطريق السريع، مشيت فيه عشان أعرف أسوق حلو
سكت للحظات، وأعاد النظر للمرآة، ثم تابع بعدها بغضب:
-أيوة ماشية ورايا
أومأ رأسه للحظة ثم سأله:
-من الجنب التاني صح؟... ماشي
ثم أغلق الهاتف بسرعة، ووضعه بجانبه على الكرسي، ثم بدأ يحاول الإنحراف عن المسار الذي يسلكه.
حسب أولاً المسافة التي تمكنه من السير بجانب السيارة بسرعة لا تمكنها من الإحتكاك به، حينها سيستطيع تنفيذ الخطة
فجأة بدأ يبطء السيارة حتى قارب المسافة بينه وبين السيارة الأخرى، فأسرع صاحب السيارة الأخرى أكثر، في حين ظل هو يبطء السيارة، ولأن السائق في السيارة الأخرى لم يتوقع هذا فأسرع لدرجة أنه لم ينتبه لنفسه إلا حين سبقه، أما الآخر فقد إنحرف بالسيارة للجانب الآخر وسار بسرعة مضاعفة، وهو ينتبه جيدًا للطريق من أمامه، ومن خلفه .

...............

طرق الباب مرة أخرى، ولكن لا فائدة لم تجبه فقال بهدوء قبل أن يفتح الباب:
-أنا هدخل ها؟
لم يسمع لها صوتًا مجددًا، ففتح الباب، وكاد أن يلج للداخل لولا أن ما رآه إستوقفه، فقد وجدها مغشيًا عليها في منتصف الغرفة، وشعرها الأسود يحجب وجهها .
إتسعت عينه من هول ما رآى، وأسرع نحوها مرددًا إسمها بهيستيرية.
-جويرية، قومي، جويريـــة!
لكن لا حياة لمن ينادي، حينها حملها بسرعة، فإنساب شعرها على يديه، وضعها على السرير وأحضر كوب ماءٍ بجانبه، ونثر بعض القطرات على وجهها
كان جفنيها يرجفان كأنها ستفتحها كلما نثر عليها الماء، ثم تعود للسكون مرة أخرى، حينها أدرك أنها بخير فاسترخى.
هل إنتابه الشعور بالقلق حيالها، هل سمع صوت دقات قلبه تعلوا؟ لا ربما هو يتوهم، لكن لا يجب أن ينكر شعوره بالقلق عليها كما يشعر بالقلق على رحيل إن أصابته علة!
وضع يده على وجنتها التي تستلقي عليها، ثم إنحنى حتى جلس بمستوها أمام السرير، وظل يرنوها بهدوء لفترة قبل أن يقول بخفوت:
-أنا مش متعود أشوفك ضعيفة كدة، أنا إتعودت عليكي قوية ومبتسبيش حد يقرب منك عشان يقولك معلش، مبتسمحيش للوجع يكسرك، وبتحاربي عشان دموعك متنزلش.
صمت قليلاً ورفع يده الأخرى ومسح على شعرها برفق ليتابع بعدها بنبرة أكثر خفوتًا، وخزنًا:
-إوعي تكوني مفكرة إني مش حاسس بيكي تبقي غلطانة، أنا من يوم ما شوفتك وأنا عارف إنك بتتعذبي، لغة العيون ميفهمهاش حد أدنا، حد عاش الوجع وإتكسر، حد معدش بيثق في أي حد، حد حاسس بالوحدة مهما زاد الناس حواليه.
أخذ نفسًا عميقًا ثم تابع ناظرًا لها نظرات غامضة:
-تعرفي!
ظهرت شبه إبتسامة وهو يضيف:
-أنا بعد ما شوفتك حسيت إني طبيعي، عشان لقيت حد شبهي، لو مش مصدقاني بصي في المرايا، متبصيش على شكلك بصي على عنيكي، هتلاقي نفس النظرة
سعلت هي حينها، وبدأت تفتح عينيها، بمجرد أن رأته أمامها إنتفضت جالسة، ومن أثر الحركة المفاجئة أصيبت بالدوار، فوضعت يدها على رأسها، أما هو فوقف وراقبها بهدوء
بعد أن خف الدوار قليلاً، نظرت له بضيق، وتحدثت بحدة:
-إنت لو قصدك تجعزني مش هتعمل كدة!
رفع حاجبه ساخرًا وقال وهو يشيح وجهه عنها:
-إبقي قوليلي إنك هتصحي الأول!
بدأت هي تحاول تذكر ما حدث، قبل أن تفقد وعيها، فوجدته يردف بنبرة ساكنة:
-أغمى عليكي وأنا حطيتك على السرير بس!
وضعت هي يدها بين رأسها من أثر الصداع الرهيب، والدوار.
فجأة نظر أسفله فوجد حجابها ملقى على الأرض، فإنحنى بجذعه وإلتقطه، ثم مد يده لها به قائلاً وهو يشيح وجهه عنها:
-إمسكي
نظرت له، ثم نظرت ليده، ومدت يدها وأخدته ثم وضعت بجانبها غير آبهة به، فسألها بدهشة:
-مش هتلبسيه؟
زفرت بحنق وأجابته:
-لأ، هو إحنا مش إتجوزنا، لسا هنعمل فيلم!
أغمض عينيه مرة ثم فتحها من الدهشة، فهي تتصرف بغرابة حقًا!
حينها تابعت هي بهدوء:
-أنا.. أنا مصدعة، و عاوزة قهوة
جلس على الفراش أمامها، ونظر لها مطولاً يستشف ما تفكر به، فسألته ببرود:
-فيه حاجة؟
وضع يده على جبهتها ليعرف درجة حرارتها، فنظرت هي له بانزعاج، رافعة حاجبيها وعينيها للأعلى، ليجيبها هو بقلق:
-جويرية إنتي إيه آخر حاجة فكراها؟
أجابته بإقتضاب:
-إتجوزنا
سألها مجددًا:
-طب قبل ما نتجوز؟
وضعت يدها على رأسها مجددًا ثم قالت بضيق:
-مش فاكرة، بحاول أفتكر لسة!
صمتت قليلاً تراقب نظراته الغريبة، وظلت هي تحاول التركيز فتابعت بهدوء:
-الأول كنت في البيت،صحيت ودخلت، وبابا كان واقع من على السرير، و..
بدأت نبرتها تهتز قليلاً وهي تتابع:
-وبعدين، فضلت أحاول أفوقه، صحى شوية وفضل يقولي أخلي بالي من نفسي، وطلبت عربية الإسعاف و..
صمتت فجأة وإتسعت عينيها بشكل لا إرادي، فأدرك هو أنها قد تذكرت كل شيء من جديد، العجيب أنها تذكرت زواجهما ألا تعتبر ذاكرتها أن زواجهما مصيبة فتقرر حذفها!
نظر لها مرة أخرى فوجدها ما تزال متسعة العينين ناظرة للأمام بشرود
سألها هو بخفوت:
-سكتي ليه؟
حركت قدمها للجانب الآخر من الفراش تريد النزول، وظل هو يرقبها بصمت حتى رآها تكاد تفقد توازنها فأسرع إليها لكي يسندها، سألها برفق:
-عاوزة تروحي فين؟
أجابته بشرود:
-عاوزة أطلع من هنا وبس
حينها أعانها على الخروج مقررًا أخذها لحديقة المنزل، هل فكر لما يساعدها؟ هل فكر لما يشعر بالألم لأجلها؟ لا، لم يفعل، ولم ينوي حتى أن يفعل، هو يجد راحته في ذلك، فلما يرهق عقله بالتفكير إذًا؟

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن