الفصل الأربعون:

25K 633 4
                                    




١/٤/٢٠١٠
جالسٌ هو على حاسوبه النقال؛ فمنذ فترةٍ طويلة لم تطأ أقدامه الشركة، وأراد أن يتأكد من وضعها، على الأقل يحاول متابعتها من بعيد. وها هو يمسك بالفأرة، يحركها يمينًا ويضغط على زرٍ ما، يطالع الحاسوب، دقيقة.. إثنتان.. ثلاث.. وها قد شرد من جديد، اختفت كلمات الحاسوب وحل محلها وجهها، مبتسمةً، عابسةً، قاتمةً، حزينةً. عينان رماديتان معظم الوقت، مملوءتان بدموع حبيسة، عينان كما الزمرد تلمعان، وإن حاول الوصف تعجزه الحروف والكلمات.
أخذ نفسًا عميقًا وزفره بروية شديدة، وابتسم لنفسه، إنه لشعور عجيب عندما يريد عقله رؤياها في كل مكان، وحينما تتخيلها عيناه في كل ملجأ. هكذا حدث نفسه واستمر التفكير لدقائق، لقد تغلبت على أي شخص داخل دوامة حياته ونبذت هي الجميع لتقف ولا سواها في المقدمة برضاه أو دونًا عنه، والأمر الأكثر غرابة أنها لم تفعل ذلك عن قصد! معها دومًا ينسى كل جرح عاناه وعاشه، معها كان لايتذكر إلاها، كيف الحياة قبلها ولما الحياة بدونها!

قاطع شروده صوت طرقات الباب، فأذن للطارق بالدخول، ولكنه ما إن رأى الدالف اندهش ثم تساءل بهدوء:
-رحيل!
إبتسم له رحيل واقترب منه، فوقف الآخر وذهب ليعاونه على السير، فعلام يبدوا أن صحته ليست بخير. ولكن بمجرد أن اقترب منه، ضمه رحيل إليه فابتسم خفيةً وظل كما هو.
أردف رحيل حينها بسعادة:
-وحشتني يا صهيب والله.
أجابه الآخر بهدوء:
-ما أنا قولتلك من فترة تبجي ومكنتش بترضى، وبعدين كنت تقولي إنك جاي عشان أجيبك.
إبتعد عنه رحيل وأردف ببشاشة الوجه وهشاشته:
-ما أنا جيت خلاص أهو.

عاونه صهيب ليجلس على الفراش، ثم سأله بعدها بحيرة:
-إنت جاي من إمت؟
أجابه وهو يلتفت حوله متفحصًا:
-لسة الوقت
صمت لثوانٍ قبل أن يسأله بروية:
-أومال فين مراتك؟
أجابه بهدوء:
-نايمة.
ضيق عينيه في حيرة، فشعر صهيب أنه لن يتوقف عن طرح الأسئلة، وما بينه وبينها لا يجب أن يعرفه أحد. وبالأخص هو فسيشغل باله بالأمر كثيرًا وسيضخمه والأمر لا يحتاج إلى تضخيم..
-بص هي مش بتحب تنام هنا، وأنا بحب اشتغل هنا.
استعجب الأخير من هذا الرد السريع، لكنه آثر الصمت. ومضى بعض الوقت دون أن تخرج الحروف من فم أحدهم، حتى قال صهيب:
-بتاخد الدواء كويس؟
-آه
-مش واضح!
هز كتفه مرتين وقال بضجر:
-كنت باخد، متخافش عليا أنا كويس
صمت قليلاً ثم عاد يسأله بتأنٍ:
-وإنت عامل إيه بعد الجواز؟
نظر له صهيب مطولاً، ثم زفر بضيق، لن يكف عن السؤال. رقف قائلا بصوتٍ أجش:
-أنا رايح اشوف صحت ولا لأ..
أومأ رحيل رأسه باسمًا فغادر هو على الفور.

مضى في الرواق بخطًا هادئة حتى وصل إلى غرفتها. طرق الباب فسمحت له بالدخول، ففتح الباب ودلف إليها.
كانت جالسة على الأرض ترتدي عباءةً وحجابًا، ومستندة على الحائط خلفها، فأدرك هو أنها كانت تصلي. ظلت كما هي حين ولج إليها، فظل يقترب منها حتى وقف أمامها.
استمر صمته لبعض الوقت ولم تقاط هي تقاطعه هي، وبعد دقائق كسر حاجز صهيب الصمت بحديثه الهادئ:
-عاوز أطلب منك حاجة؟
رفعت رأسها لتواجهه، وضيقت عيناها ناظرة له بإستعجاب، فمنذ متى يطلب منها، ولكن على العكس أجابته بهدوء مماثل:
-إتفضل
راقبها وهي تنتصب واقفة، ثم اتخذ القرار ببدء الكلام فتحدث بترقب:
-رحيل هنا، وعاوزك تتصرفي أدامه بشكل..
صمت قليلاً يحاول إيجاد ما يقوله قبل أن يتابع بثبات:
-يعني، تتصرفي زي..
-زي ما نكون زوجين طبيعيين مش كدة؟
أومأ رأسه مرة واحدة بعد أن قاطعته بتلك الكلمات، وأجابها بحماس أخفاه ببراعة:
-هيبقى دة أحسن، بس لو مش عاوزة هقوله إنك..آآ
قاطعته قائلة ببساطة:
-لأ يا صهيب، بسيطة، أنا كمان مش عاوزة حد يحس بحاجة.
ابتسم هو لتعاونها معه، برغم اندهاشه لتلك السرعة في الموافقة، لكن سرعان ما اختفت ابتسامته وعاد وجهه لنفس الهدوء، ليردف بعدها بجدية:
-رحيل مش هيسكت
عدلت هي من وضع حجابها وهي تجيبه بحسم:
-خلاص أنا هديله الإجابات إللي هو عاوزها، بس لو لقتني مش عارفة ارد، ساعدني إنت.
سار أمامها خطوتن، وقد أعجبته تلك الكلمات حقًا، لسبب لا يدريه، برغم بساطة عباراتها لكن فكرة تعاونهما في شيءٍ ما جعلته سعيدًا. وعاد ليجيبها بسكون بعد ذلك، وهو يوليها ظهره:
-أكيد
أخذت نفسًا عميقًا وذهبت معه بهدوء، لا ضير في مساعدته، فهو لم يرفض لها طلبًا من قبل. سارا معًا في الرواق، ولم يسبق أحدهم الآخر بخطاه حتى وصلا إلى الغرفة، نظر لها صهيب ثم أردف بصوتٍ منخفض:
-إنتي كنتي نايمة ها؟
فهمته فأجابته بإيماءةٍ خفيفة، ثم ولجا سويًا للداخل.
كان هو قد استلقى على الفراش، وما إن رآهما حتى اعتدل قليلاً ثم ابتسم لهما قائلاً بتلقائية:
-هي كانت صاحية ولا إنت إللي صحيتها؟
أجابه صهيب بهدوء:
-آه روحت لقيتها صاحية
أومأ رأسه ثم تفحصها بنظراته مستعجبًا وسألها بحيرة:
-إنتي كنتي هتروحي في حتة يا بنتي؟
ابتسمت هي الأخرى مبادلة إياه، ثم أجابته بروية:
-لأ كنت بصلي بس
أومأ رأسه بنفس الإبتسامة وفسر حديثه بـ:
-أصل قولت ملحقتيش تلبسي وكدة.

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن