الفصل الرابع والخمسون:

21.6K 597 20
                                    



"لقد تغزل الشعراء قبلنا بتفاخر..
وقالوا في زوجاتهن كل الكلام الفاخر..
أما أنا فيكفيني السكوت..
فإن جئت أكتب فيكي أبت الحروف أن تشكل كلمة تقلل من شأنكِ، لم يأبَ قلمي إلا تأدبًا، وتخوفًا في وصفه لكِ أن يخطَ عبارة بها شوب أو بهوت.."
تلك العبارات هي من قرأتها توًا بهدوء. لم يبدُ على ملامحها التغير كثيرًا.. وظلت تنظر للورقة لفترة بصمت، حسنًا مع أن طريقة التقديم لم تكن جميلة، إلا أنها كانت تفهم لما فعل ذلك، لقد أراد أن تراها أول شيء حين تستيقظ.
انفرجت شفتاها بابتسامة رقيقة وهي تتذكر من جديد حين استيقظت ووجدت الورقة على وجهها!
لاحظت فجأة أن يديها اليمنى بداخلها شيء ما، ففتحتها لتجد ورقة أخرى مطوية بداخلها.. كيف لم تشعر بالأامر من البداية! بل كيف استطاع وضعها بدون إيقاذها فنومها خفيف جدًا؟!
تركت الورقة الأولى بجانبها، وفتحت الثانية بتمهلٍ وبدأت تقرأ بخفوت:
-"زوجتي العزيزة.. لا تتركي المنزل بدوني من جديد"
وضعت يدها على جبهتها بقلق.. هناك ما يشغل تفكيرها وهو أنه لا يعلم كل شيء، إلم تخرج اليوم فستفعل غدًا هي تكره كثيرًا المكوث لفترات طويلة بالمنزل.. علاوةً على ذلك حياتها مهددة بالخطر في أي لحظة، فقد استلمت رسالة من أخيها بمجرد عودتها أمس مفادها "أن من لاحقوهما كانوا من نفس العصابة ويسعون للإنتقام، غير هذا أن من أمسكوهم فقط ثلاث، وبعد تهديد أحدهم اعترف أنه ما يزال هناك من يسعى خلفهم فهم يريدون آعادة تنظيم العصابة من جديد.. عصابة آل سبر"
لو علم صهيب هذا الأمر سيزجنها هنا.. ربما لن ينام من جديد، لقد رأته يصارح أسوء الأحلام ليلاً فقط لأنه اعتقد أنها ستموت.. ستتركه!
أخذت نفسًا عميقًا، وبرغم كل هذا حين نظرت للورقة مرةً أخرى ابتسمت بهدوء، ثم تركت الفراش وذهبت نحو مكتبه وهي تفكر في أمرٍ ما، وحين جلست على المقعد، وأخذت ورقة وقلم بدأت بسكونٍ تدون..
"مضى الآن بضعة أشهرٍ على اليوم الذي سكبت فيه الماء على بنطالك"
ابتسمت وتابعت بتأنٍ..
"أتعلم! لقد سكبته عن قصدٍ يومها لأنك كنت متكبرًا جدًا، لقد أثرت حنقي يومها وكان هذا ما استحققته، فنظراتك للجميع وحتى من يطلب منك أن تمليه رأيك كانت نظرات استعلاء وهذا ما لا أطيقه أنا..
جديًا يا صهيب كل شيءٍ يتغير، فأنا لم أعتد على الحكم على الناس من الإنطباع الأول، وبرغم هذا في المرة الثانية التي رأيتك فيها محوت اعتقادي بأنك مغرور.. لقد علمت أمرًا مهمًا وقتها، أنت تخبئ نفسك خلفك قناع التكبر لكيلا تنكشف.. و رغم ما وضحته لي الأيام من تسلطك وعنجهيتك، وبالرغم أنك كنت تحاول التفوق علي في فتوري إلا أنني استطعت أن أفهمك بسهولة ليس لأنني ذكية ولماحة، بل لأنني بدأت أرى فيك نفسي ولم أشعر بهذا إلا في الأيام الأخيرة.
أتدري! رغم أنه من كان المفترض أن أعاديك بسبب طريقة زواجنا، ولتسرعك ولجعلي آخذ قرارًا بدون تفكيرٍ لأول مرةٍ في حياتي، إلا أنني لم أفعل.. لم أستطع أن أكرهك، أو حتى أشعر بالنفور منك.. لم أستطع أن أعاديك، لم يكن لدي رغبة في محاسبتك.. لم أرد فتح ملفات الماضي.. مع الأيام فهمت لما؟ لأنك لم تترك لي المجال، صحيح أننا تزوجنا في ما كنت أنا أتألم وأتعذب، لكنك استطعت التخفيف عني، استطعت جعلي أشعر بالسكينة، لم أنساهم لكنك جعلت الألم أقل، بطريقة أو بأخرى لقد ساعدتني وأنا لا أدري كيف...!
إلى أي مدى يا صهيب.. إلى أي مدى يستطيع الإنسان التحمل.. الألم، الحزن، الإنكسار، الإختناق، الإشياق.. بدون أن يظهر ضعفه حتى لنفسه..
سأخبرك أمرًا قد تعجب إن سمعت به.. أنا أردت البقاء معك منذ الأيام الأولى، سأعترف أنني كنت في أمس الحاجة إليك وأنت لم تقصر، وسأعود لأعترف أنني لم أرد الإنفصال ليس فقط لأنه لقراري ويجب علي تحمله، بل لأنني كنت أجد راحتي ببقائي معك؛ وبعد كل هذا لن أشكرك.. فهذا واجبك كزوج، وواجبي كزوجة أن أبرد الجو إن تعطل المكيف..
ودعًا،
زوجتك جويرية.."

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن