الفصل الثالث والخمسون:

22.3K 551 3
                                    




أسرع ذاك الرجل ذو البذة السوداء نحوها، وطوق رقبتها من الخلف بيديه بسرعة قبل أن تتحرك، ثم صوب مسدسه نحو رأسها.
ظلت هي تنطر له باشمئزاز، ووقف هو متسع العينين، قلبه ينبض بقوة.. بقوة تكادصوت دقاته تقتله، تنفسه صار سريعًا جدًا وبدأ يتقدم خطوتان نحوها إلى أن صاح الأخير:
-خطوة كمان والمسدس دة كله هيبقى في دماغها.
توقف صهيب في مكانه، ونظراته تحولت للرعب، الفزع، الذعر..
تخيل أنه يفقدها، يفقدها بعد كل ما مرا به سويًا.. يفقدها بعد أن وجد نفسه بسببها.. يفقد من تكون الحياة بالنسبة له.. من عشق تفاصيلها أجميلة كانت أم غير..
شُلَ، وتعلقت أنظاره بها وكأن الزمان قد توقف عند تلك اللحظة.

لكنه قرر أنه سينقظها منه وإن كلفه الأمر حياته، فتقدم عدة خطواتٍ أخرى فنظر له الرجل بجمود وصاح فيه:
-إنت اللي عاوز كدة!
ثم قام بإطلاق النار على رأسها....

...

انتفض صهيب فزعًا من نومه، فاستيقظت جويرية على إثره ونظرت له بقلق ثم سألته بقلق:
-فيه إيه؟
كان هو حينها يأخذ أنفاسه بصورة هيستيرية كالعادي لمسافاتٍ طويلة، ولكن حين استمع لصوتها نظر لها مباشرةً وكأنه كان يبحث عنها، وظل يتطلع إليها بنظراتٍ غريبة.
وضعت جويرية يدها على كتفه، وسألته بهدوء:
-دة كابوس؟
أنزل يدها من على كتفه، وضم كفها بيديه ولم يتفوه بكلمة، مع أن عينيه لم تفارقها للحظة. حينها وضعت يدها على وجهه وأردفت بخفوت:
-صهيب دي تالت مرة تقوم مجعوز كدة!
لمعت عيناه وهو يحاول الحديث، فخرج صوته مختنقًا:
-بشع أوي الكابوس دة، معتش عاوز أنام.
وضعت يدها خلف رقبته، وعانقته قائلة برفق:
-أنا معاك محصليش حاجة والله
أسند كتفها ووضع يده خلف ظهرها وضمها إليه وهو صامت تمامًا. فظلت تمسح على شعره وهي تردد بعض آيات من القرآن الكريم حتى يهدأ إلى أن شعرت أنه قد نام، فابتعدت عنه، وأمالته على الفراش، ثم عادت تمسح على رأسه من جديد..
لم تتصور أنه سيكون بتلك الحالة حالما يتخيل أنها قد تتركه.. ربما كانت تعلم أنه سيحزن كثيرًا، لكن لا، ليس لتلك الدرجة! كلما سألت نفسها ماذا يعني لها لا تستطيع نفسها الإجابة. لكنها على الأقل واثقة من أمرٍ ما وهو أنه بات يعني لها الكثير.

أغمضت عينيها، فتذكرته..
...
خوفه عليها..
اتجهت نحوه وهي تبتسم له بهدوء وكأن شيئًا لم يكن، ثم قالت:
-كنت شايفاك وانت ماشي ورانا بالعربية و..
صمتت هي حين وجدته يحتضنها بقوة، حتى كادت تختفي بين ذراعيه، ثم بدأ يتحدث بنبرة مجهدة:
-معتش هسيبك تخرجي من غيري تاني
دُهشت هي لرد فعله المبالغ فيه، ومع ذلك تركته يضمها بل وتشبثت به وهي لا تعلم لما تفعل هذا، هي أرادت هذا وفعلته، ثم أردفت بهدوء:
-وإيه كمان؟
ناداها هو بخفوت:
-جويرية!
أجبته بخفوتٍ مماثل:
-نعم؟
دمعت عيناه وهو يتابع بألم:
-متسبنيش بالله عليكي
تشبثت فيه أكثر، وقد لمعت عيناها وهي تجيب:
-ما أنا معاك أهو
أغمض عينيه وهو يقول:
-لما شوفته حاطط المسدس على دماغك.. فكرتك هتسيبيني وهتمشي، عارف إنك بتحبي الناس اللي هناك كتير بس أنا مقدرش من غيرك، أنا مقرش أعيش من غيرك، فاهمة!
اختنقت نبرته وهو يتابع:
-لو سيبتيني هموت.. أنا مقدرش من غيرك.

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن