28

24.9K 669 2
                                    


الفصل الثامن والعشرون :


نزع الهاتف من على أذنه وقد غلف السكون وجهه ..
غلفه بهدوء، وروية ..
ظل ينظر للهاتف مشدوهًا للحظات، لا يصدق ما قالته، في نفس وضعها هو المبتز وهي من ينفذ الأوامر، إلا أنها غيرت مسار الدفة كليًا، فأصبحت هي من لا يُبتز، ولا يؤمر !
لما العجب إن غيرت هي مسار الدفة، فقد غيرت ما هو أعظم منها ... لقد غيرت مسار حياته !
في الأيام السابقة أكسبته جزءً من هدوئها وسكونها .. ثم بعد ذلك عمدت إلى بعض الأفكار الرواسخ في ذكراه فأحرقتهم، جويرية ليست كل فتاة، وليست كل فتاة جويرية ..
ولكن ألن تأتي حقًا ..؟!

-صهيب، تعالى يلا، ولا خايف تخسر !
كان ذلك صوت عبد القدوس الذي أخرجه من شروده، نظر له صهيب بأعين هادئة، وسار إليه حتى جلس على المقعد المقابل له ..
حينها تابع عبد القدوس حديثه بقلق :
-مالك يا صهيب ؟!
إبتسم صهيب مجاملًا له، مع أنه شعر بالعجب من نفسه، فمنذ متى يبتسم ليزرع السكينة في قلوب الغير !
-أنا كويس يا عمي
نظر على الطاولة أمامه، وبالأخص في لعبة الشطرنج ومد يده ليمسك حصانه ويحركه بدهاء ليأسر إحدى أهم قطع لعبة الآخر.
نظر له عبد القدوس بإعجاب فحركته تنم على الذكاء الفطري، وقال وهو يمسك وزيره ويحرك البيدق :
-شكلك مش قليل
أجابه صهيب بنبرة قد شردت بين بعض الذكريات :
-عارف، بس هي مش مقتنعة !
نظر له عبد القدوس بعدم فهم وسأله :
-مين دي اللي مش مقتنعة بإيه ؟!
أدرك صهيب أنه يفكر بصوت عالٍ، فما كان منه إلا أن هز رأسه نافيًا ثم يحاول إبعاده عما قال بـ :
-لأ أنا بس إتلغبطت، وبعدين أنا قولتلك في النهاية صهيب قصي، مش اي حد !
ضحك عبد القدوس وهو يرنوه بنظرات مدهوشة، فمن غير الممكن هذا التشابه بينه وبينها ..
تقريبًا في كل كلمة يخرجها من فمه يتذكر أنه سمع مثلها من ابنته، حتى طريقة لعبه لتلك اللعبة !
-إنت عارف، إنت شبه حد قريب مني أوي ...
أدرك صهيب من يشبه، ثم إنتبه له أكثر وهو يقول، بعد أن حرك البيدق :
-لدرجة إني شاكك مين اللي قاعد قدامي الوقت ؟
سأله صهيب بلا وعي :
-إزاي ؟!
أجابه بهدوء :
-هدوءك، طريقة كلامك، ثقتك في نفسك، بساطة أسلوبك في الحوار، قلة الكلام ..
السرحان، ذكاءك في اللعب

يا الله، لقد أدرك صهيب أنه جالس مع والدها الآن، فكيف تكون المحللة العظيمة جويرية إلم يكُ والدها إحدى هؤلاء العظماء المحللون ...
سأله ببساطة :
-برأيك الشخص دة ممكن يحس بالشبه اللي بينا لو إتكلم معايَ ؟!
برغم أن السؤال غريب أجابه عبد القدوس برد أغرب :
-إنطباع الشخص دة جواه، ومبيظهروش للعامة، أو حتى للمقربين، معرفش ممكن يحس أو لأ، لكن حتى لو حس مش هيبين ..
هل يقسم أنه واثق من هذا لبقائه معها بعض الأيام القلائل، أم يحافظ على سرية هويته !

فجأة شعر أن عليه النظر للأمام، وحين نظر وجدها أمامه، تنظر إليه وعلى وجهها بعض علامات الإهتمام بما حولها، تلك العلامات التي كاد يجن ليراها، الإهتمام بما حولها وكفاها شرودًا ...
ظلت عيناهما متلاقيتان لفترة، من ينظر إليهما يظن أنها نظرات طبيعية، ثم إذا نظر مرة أخرى ودقق أكثر، سيجد أنها نظرات حادة تقابل نظراته الهادئة ...
أي أنه لا يمكن لأحد أبدًا أن يحلل نظراتهم بشكل صحيح، فقد غلف نظراتها التحدي، والغموض، غلفها الغضب، وفي نقطة بعيدة سكنها الألم، ولم تختلف نظراته هو إلا عن قلة الإحتداد ...

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن