الفصل السادس والخمسون:

22K 575 4
                                    




مكتفة اليدين، منزعجة العينين، متذمرة الوجه كانت. زفرت للمرة العشرون منذ أن استيقظت وحتى الآن، ثم تحدثت بتذمر:
-لأ مش كل يوم كدة، مش هفضل في البيت لحد ما يرجع مستحيل!
نزعت الغطاء عنها بعنف، ونزلت من على السرير، ثم جيئة وذهابًا أخذت تسير وهي عابسة الوجه. وتتحدث مع نفسها بحدة:
-أنا مش هفضل كدة والله، أنا بكره قاعدت البيت دي!
جديًا صار الأمر مزعجًا، لن تستيقظ كل يومٍ لتجده في العمل وتجلس هي في المنزل لتنتظره! لا فإن كانت هذه قاعدته ستخرق القاعدة أم أنه لا يعلم من هي زوجته!
سارت فجأة متجهة إلى الخزانة، وأخرجت ثيابها سريعًا، وحجابها الطويل وهي تتابع بجدية:
-مش هفضل قاعدة في البيت كدة، زهقت!
ثم أخذت الثياب بعدها واتجهت للحمام سريعًا...

..............

-سايبك بمزاجي يا عقاب، المهم ميزدش عن يومين كمان لأن الشغل الجاي هبقى محتاجك فيه.
أردف بها صهيب عبر الهاتف بنبرة طبيعية وهو ينظر لشاشة حاسوبه النقال، ثم صمت قليلاً ليتحدث بعدها بجدية:
-عقاب قولت ميزدش عن يومين اتنين وبس سمعت.
أومأ رأسه وهو يتابع بهدوء:
-طيب زي ما قولتلك، يلا سلام.
أغلق الهاتف ووضعه بجانبه، ولم يمضِ أكثر من عشر دقائق حتى وجد أحدهم يطرق الباب..
-ادخل
دلفت فتاة حمراء الثياب، شقراء الشعر، على الأرجح وقعت في علبة الطلاء قبل مجيئها إلى هنا.. المهم أنها اقتربت منه ممسكة بملفٍ ما وذهبت لتضعه على مكتبه بقوة وهي تردف بانزعاج:
-اتفضل الملف اللي طلبته!
لم ينظر لها، بل أمسك الملف وأخذ يعبث بمحتوياته قليلاً قبل أن يعيد النظر للحاسوب ويتحدث باقتضاب:
-اتفضلي.
نظرت له الفتاة بغيظ، وظلت واقفة في محلها، وللعجب ظلت أكثر من خمس دقائق تنظر له، وهو ينظر لها في حالة من التجاهل التام، أو ربما هو لم ينتبه لها من الأساس، لأنه اندهش فجأة حين وجدها تقف بجانبه، وتمد يدها لتضعها على كتفه قائلة بدلال:
-هو أنا وحشة للدرجادي عشان متبصليش، دة أنا ليلية واحدة و..
نفض يدها عنه بدون لمسها كأنه يخشى أن تلوثه، ثم وقف ونظر لها نظراتٍ أرعبتها مع أنها ظلت محلها، ليحاول هو السيطرة على نبرته وهو يردف:
-إنتي مجنونة! أنا مش قولتلك اتفضلي؟
اقتربت منه من جديد ووضعت يدها على كتفيه، فظل ينظر لها بصدمة.. خطر في باله فجأة زوجته وهي تضع المسدس على رأس الرجل لأنه أمسك بها عنوةً، لقد كان يرى ملامح وجهها حينها، خالية من الرعب، لا تخلوا إلا من الإشمئزاز! كيف لهاتين أن ينتميا لنفس الفصيلة؟ الإناث..!!
حين شرد هو استغلت هي الفرصة وأخذت تتحدث:
-أنا هنا في الشركة من زمان، عمرك ما لاحظتني.. أنا بحبك جدًا و..
رفع هو يده ليزيحها عن يده، و في ذات الوقت ولجت جويرية إلى الداخل، فرأتهما على ذاك الوضع، حينها كتفت يديها ورفعت حاجبيها، ولم تتحدث.. مما جعل الأخرى تذهب ناحيتها وتهدر بها بغضب:
-إنتي ازاي تدخلي كدة من غير ما تخبطي!
ابتسمت هي وظلت على نفس وضعها، فتابعت الأخرى بغيظ:
-أنا بكلمك على فكرة!
كان صهيب حينها قد استند على مكتبه يراقبها تستنزف دمها باستمتاع، فقد استحقت ما سيحدث لها وبجدارة.. لكنها أثارت حنقه أكثر حين صرخت بوجهها من جديد، مما جعله يذهب ويقف بجانبها، ثم وضع يده على كتفها وجذبها إليه قائلاً ببرود:
-الطريقة دي تكلمي بيها حد في الشارع مش مـ..
نظرت له جويرية بهدوء وقاطعته وهي تعيد النظر إليها:
-لحظة يا صهيب، سيبها تقول اللي عندها.
نطرت لهما الفتاة بصدمة قبل أن تتحدث بغضب:
-اشمعنا دي يعني!
رفع كلاهما حاجباهما بدهشة ثم سألتها:
-اشمعنا أنا إيه؟
-سامحلك تقربي منه، حتى لما كنتي بتيجي الشغل مكنش بيشيل عينه من عليكي!
ببرودٍ عادت لتسألها:
-طب إنتي عاوزة تقربي منه بصفتك إيه؟
حدثتها الأخرى بنحق:
-طب وإنتي بصفتك إيه سمحاله يقرب منك، طب ما احنا زي بعض في النهاية!
لم يتحمل صهيب أكثر من هذا فتشبيهها بها أثار حنقه لدرجة رهيبة، فثار عليها وهو يتحدث:
-دي مراتي أولاً، ثانيًا لو سمعتك بتشبهي نفسك بضافر من ضوافرها هيبقى دة آخر يوم في حياتك، واتفضلي من هنا!
كادت أن تخرج غاضبة الوجه إلا أنه أوقفها بجملته الأخيرة:
-ومتنسيش تستلمي ورقة رفدك، وتطلعي أوقعهالك.
تجمدت الفتاة في ملحها بعد أن استمعت له، وحين استدارت وجدته ينظر لها والشرار يتطاير من عينيه، فآثرت الخروج.
نظرت له جويرية بضيق وبدأت تتحدث:
-مين البت دي!
أجابها بهدوء:
-كانت السكرتيرة، مش عاوز أقولك إني غيرت أكتر من ٥٠ سكرتيرة لحد الوقت، أنا مش عارف إيه دة!
-الله وكيل، دي مش أشكال والله!
نظر لها باسمًا وتحدث بهدوء:
-بس إيه المفاجأة دي؟
ابتعدت عنه ووضعت يدها في خصرها وهي تجيبه بتذمر:
-يعني إنت كل يوم هتصحى تروح الشغل، وترجع على آخر النهار ولا أيًا يكن واكون أنا قاعدة كل دة في البيت!
ضيق عينيه بحيرة وتساءل:
-وأنا المفترض اعمل إيه؟
صمتت قليلاً قبل أن تجيب ببساطة:
-عاوزة اشتغل!
كاد أن يرفض، ودلت تعابيره على ذلك، وفي المقابل اتخذت هي تعابير الدفاع، إلا أنها تفاجأت به يقول:
-لو معايا أنا موافق.
فكرت قليلاً قبل أن تجيب بجدية:
-والمرتب كام؟
ضحك هو لسؤالها، فرفعت حاجباها وهي تتابع قائلة:
-لو أقل من ألف منيش لاعبة!
وضع يده على كتفها، وسار معها للدخال وهو يحاول ألا يضحك وهو يجيب:
-ألف لأ كتير ٨٠٠ حلو
-لا طبعًا ألف
-طب ينفع اتنين
جلست على المقعد، وجلس هو على المجاور لها ثم نظرت له مليًا وهي تتصنع التفكير قبل أن تجيب:
-ألفين، امممم مش بطال!
ابتسم هو وتابع متسليًا:
-وواحد كمان عشاني!
نظرت له وهي تقوس حاجباها وتتحدث:
-إنت بتحاول تستعبطني بقى، ماشي موافقة، بس مش هقبل تنازلات أكتر من كدة!
-وكمان واحد عشانك!
-ما اول اتنين عشاني!
-لأ أول اتنين بتوع الشغل، وواحد عشاني، وواحد عشانك، ركزي!
ضحكت بخفوت وهي تردف:
-ماشي موافقة
-وواحد عشان العيال!
رفعت حاجباها متسائلة:
-فين العيال دول؟
كتف ذراعاه وهو يجيب بجدية مصطنعة:
-ما العيال لسة هتيجي ركزي بقى الله!
وقفت هي وضرت على المكتب بيديها قائلة بانفعالٍ زائف:
-لأ إنت بتخم!
ضحك عليها فهي بارعة في التمثيل إلى حدٍ كبير، ثم أجاب بهدوء:
-معلش عشاني
-ما أنا هاخد ألف عشانك، لأ كدة عملت كتير أوي عشانك!
وقف هو بجانبها ثم رفع وجهها إليه، فلم تقوَ على التحمل وضحكت، فظل ينظر لها وهي تضحك وكأنه يراقب لوحة فنية أبدع الرسام فيها إبداعًا. وحين توقفت، تحدث هو باسمًا:
-معلش كمان المرادي استحمليني.
جلست هي على المكتب، ونظرت له بتأنٍ قبل أن تتحدث:
-يعني في البيت، وهنا كمان.. دة إنت هتشوف أيام ما يعلم بيها إلا ربنا!
استدار هو ناحية المكتب، وأخرج منه بضعة أوراق، ثم أعطاها لها قائلاً بهدوء:
-إيه الجديد، ما من يوم ماشوفتك أيامي اتلخبطت!
هزت كتفاها ثم قالت ببرود:
-إنت اللي بتجيبه لنفسك!
لتنزل بعدها من على المكتب وتسير بداخله وكأنها تتفحصه، فوجدته يمسك يدها فجأة ويديرها إليه وهو يسألها ببساطة:
-وأنا اشتكيتلك؟
ثم تبعها بوضعه بعض الأوراق في يدها، وتابع:
-يلا ابدأي من الوقت.
نظرت له نظراتٍ دافئة بالرغم من محاولتها إخفاءها، فأكمل هو حديثه بجدية:
-المكتب واسع هخليهم ينقلولك مكتبك هنا.
-طب هات..
ثم صمتت، فسألها بحيرة:
-أجيب إية؟
أجابت بهدوء:
-قلم عشان اشتغل!

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن