8

43.4K 888 17
                                    


  داخل سيارة صهيب .....

كان صهيب يقود سيارته متجهاً إلى منزله أخيراً، بعد يوم مضني من العمل ...

بالنسبة لشخص كرس حياته للعمل فقط، فلن يشكوا إن زاد العمل يوماً، ولن يشكوا إن إرهقته مشاقُه أبد الدهر ...

كان يسير مستقيم المسار، ولكن فجأة .. ظهرت تلك الفتاه من حيث لا يدري ..
في البداية ظن أنها ستبتعد، ولكن ما أثار ذهوله حقًا أنها لم تحرك ساكناً، بل على العكس إستكانت .. غير آبهة ...
إتسعت عيناه من إثر الدهشة، وعقد حاجبيه مقوسًا كليهما في حيرة ..
أعاد إطلاق بوق السيارة مرة أخرى بإنفعال، ولكن بدى له أنها لن تتحرك !

إنحرف بسيارته عن المسار حتى كاد يصطدم هو بالجدار الجانبي، إلا أن براعته في القيادة مكَّنته من تفادي الإصطدام، والعودة بالسيارة إلى مسارها الفعلي ..

ثم وقف بسيارته .. وترجل منها، وقد إعتلى وجهه بشارات الغضب الشديد .. وذهب نحو تلك الفتاة التي لم تتحرك من موضعها بعد ..!

وقف أمامها، وبنبرة غاضبة أردف بـ :
-المعروف إن الناس الطبيعين هيتحركوا لما يلاقوا عربية بتقرب !

إبتسمت له بعد أن فتحت عينيها، ولم تعي تلك الإبتسامة إلا حين بدأت تتحدث بنبرة غامضة قائلةً :
-بس إنت بتقول الطبيعين !

ذلك الصوت الذي جعله يمعن النظر جيداً إلى محياها، حينها فقط إرتسمت على وجهه علامات الصدمة، الممزوجة بالغضب الهادر ثم ..
صهيب بصدمة، وهو يضيق عينيه :
-إنتي !!!
رفعت وجهها لتراه جيداً، وحينما تذكرته ... أومأت رأسها على فورها مؤكدة ...
ثم وبنبرة هادئة أردفت بـ :
-أيوة أنا ..
ثم أطالت النظر إلى سيارته .. وهي تقول لنفسها متحسرة، بعد أن إعتلت إبتسامة إستنكار ثغرها :
-حتى الموت مش طايلاه ..!!!

ظل ينظر صهيب إلى تعابير وجهها، كم بدت غامضة، لا تبكي، لا تحزن، جامدة وكأنها لا تتألم، هاك تبدوا ..
تبتسم مع كل ما يواجهها وحين يحاول أحدهم تحديها تشعره وبدون حتى أن تحرك النَرد كم هو ضئيل ...

-كمجنونة مثلاً مكانك مش هنا ..!
أردف بها صهيب بنبرة ساخرة وهو يرمقها بإحدى نظراته المشدوهة ..
أعادت النظر له، وبكل هدوء وثبات وجمود أردفت بـ :
-عارفة، مكاني مش هنا ..
ثم أنزلت إصبعها الصغير مشيرة به تجاه الأرض، قبل أن تضيف بنفس النبرة التي ذادت عليها لمحة من الحزن جاهدت لإخفائها :
-مكاني هنا ..
ثم ضمت ذراعيها حولها وذهبت من أمامه ببطئ كما تتهادى أوراق الشجر حين تنجرف على سطح الماء ...

تابع النظر لها وهي تسير مبتعدة، لن يستطيع أن ينكر مدى الجلبة التي أثارتها داخل عقله، أو لما هي هكذا !
أهي مجنونة ..!!!!
هز كتفه مستعجباً فقد كان يتصور أنه سيفجر بركاناً من الغضب في الحال ..
ولكنها لا ... لا تغضب، لا تبدي أي ردة فعل !

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن