الفصل السابع والخمسون:

22.2K 570 10
                                    




اقترب الأربعة رجال كلاً منهم يحمل سلاحه الخاص، ملامح وجهه الخاصة، صمتٌ رهيبٌ أطبق على المكان، إلى أن كسره هذا الرجل الذي تقدم كثيرًا منها وقال:
-إيه يا حلوة، كنتي مفكرة نفسك هتهربي كتير؟
نظرت له جويرية بثبات، ثم تقدمت نحوه، وما إن وصلت أمامه مباشرةً أردفت بهدوء:
-لأ، مش ههرب.. عاوزيني! خدوني بس صهيب ملوش دعوة.
التفت صهيب بمجرد أن تركته، وكاد أن يلحق بها إلا أنه وجد الثلاثة رجالٍ يتكاتفون عليه، فأحدهم قد قام بضربه بقوة في بطنه، بينما آخرٌ قد قام بركله في قدمه وحين كاد الثالث أن يلكمه في صدره صده بعنفٍ ممسكًا بقبضته، ثم ركله في بطنه بقوة فأوقعه، ووقع سلاحه أرضًا فأمسك هو به...
نظر الرجل لجويرية للحظاتٍ قبل أن يردف وهو يضع سلاحه أسفل ذقنها ويرفع وجهها به:
-في الحقيقة أذهلتيني! بس اديني سبب واحد أسيبه بيه عايش؟
ابتسمت له ابتسامة أرعبته رغمًا عنه، وتحدثت بجمود:
-طب لو اتقلبت الموازين؟
ضيق اارجل عيناه وسأل بحيرة:
-ازاي؟
رفعت يدها قليلاً وبدأت تنرل المسدس ببطءٍ من أسفل ذقنها، وتركها الرجل لكي تخبره عما تقصد.. حينها أشارت له بيدها للخلف و عينيها تتسعان، فنظر الرجل خلفه عفويًا، فاستغلت الفرصة بأن تنظر جيدًا لقدمه و وتحسب في رأسها بعض الزوايا، قبل أن تضع قدمها سريعًا بين قدميه وتسحب اليمنى بقوة، ثم عمدت إلى مقدمة رأسه فضربته عليها بقوة حتى لا يقاوم و يقع على رأسه فاقدًا الوعي..
حينها أمست بسلاحه الذي وقع معه، و وقفت ناظرةً إليه بثباتٍ وهي تقول:
-مسكين، بس كويس عرف ازاي.
استدارت سريعًا لتبحث بعينها عنه، فوجدته يتعارك مع أحدهم، ولكن ما جعل قلبها ينتفضهو ذاك الرجل الواقع خلفه و يرفع سلاحه عليه من خلفه، وبدون تفكير، رفعت المسدس نحوه وأطلقت عليه فاخترقت الرصاصة صدره واصطدمت رأسه بالأرض أسفله.
تنفست الصعداء بينما نظر صهيب نحوها بسرعة ليعلم مصدر تلك الرصاصة، وحين رآها سالمة ممسكة بسلاح والرجل الآخر واقع على الأرض رأسه تنزف، تنهد بارتياح، وكاد أن يبحث عمن أُطلق عليه النار إلا أنه تفاجأ بالرجل يلكمه في صدره، و كاد الرجل أن يصوب مسدسه نحوه إلا أن صهيب سريعًا سدد له لكمة في وجهه وأخرى في قدمه، وجديدة في معدته، وأخيرة في عينيه حتى أوقعه أرضًا.
ثم التفت نحوها وابتسم، فبادلته الإبتسامة، لكن سرعان ما اختفت الإبتسامة وهي ترى ذاك الرجل الذي أوقعه توًا يصوب سلاحه نحوه ثم صرخت فيه بصوتٍ عالٍ:
-صهيب!
بدى وكأنه فهم ما تعنيه فالتفت خلفه بسرعة و صوب سلاحه نحو الرجل، ثم أطلق النار فيُقى عليه.
أغمضت عينيها لتهدأ، فكلما رأت من يرفع سلاحه عليه.
فتحت عينيها فوجدته يقترب منها، حينها ركضت هي نحوه سريعًا لينتهي بها المطاف وهي ترتمي بين ذراعيه، وقلبها ينبض لدرجة مرعبة..
شدد من قوة ضمه لها حين وجدها تتشبث به أكثر، ثم قال باسمًا:
-قولتلك كله سوا
ابتسمت له وردت بكل ثقة:
-و هنفضل.
-مقولتليش متعلمة تمسكي السلاح وكل دة فين؟
-معتصم كان بيعلمنا أنا وبراء لما كان والده بيعلمه. مش بس السلاح لأ حبة مهارات تانية و ازاي ندافع عن نفسنا، و ازاي نغير الدفة لصالحنا، بس أنا لما كملت ١٥ وقفت معاه.
-ابقي فكريني اشكره
ثم رفع رأسها قليلاً عنه وتابع:
-عشان بسبب اللي علمهولك إنتي الوقت كويسة.
حاوطت رقبته بيداها وأجابته بخفوت:
-تؤ تؤ، اوعى تشك في مراتك، حتى لو مكنتش اتعلمت كانت هتدافع عن نفسها برضوه.
أهداها إحدي أجمل ابتساماته، ودنا منهى أكثر ليعيد احتضانها من جديد.. صدمة الأحداث الماضية أعطته شحنة جديدة من الرعب، الخوف، و لكنها أكسبته ثقةً عمياء، أكسبته الثقة في أنهما لن يبتعدا، لن يتركا بعضهما ما كانت الشدائد، هذا الشيء المسمى بالحب مخطئٌ من يظن أنه هو ما يجمعهما، لا بل يجمعهما أكثر من ذلك بكثير، يجمعهما الداء و دواؤه، يجمعهما الحزن وأسباب السعادة، يجمعهما الألم وعلاجه.. يجمعهما الكثير.
-جويرية!
-نعم!
-هما مش كانوا أربعة؟
قالها بعد أن ابتعد عنها ونظر خلفه، فأجابته بهدوء:
-الرابع هرب، بس متخافش معتصم مسكه.
نظر لها بدهشة وسألها:
-معتصم!
-كنت بعتله رسالة زي ما قولتلك، و هو اتعقب إشارة التليفون بتاعي، و بعد ما أنا قتلت الراجل، التاني هرب، بس حالاً وصلني رسالة إنه مسكه وجاي وبيسألني عاملين إيه؟
أمسك يدها و بدأ ينظر للرجال المقتولين وغير باشمئزازٍ قبل أن ينظر لها ويسأله بجدية:
-قتلتيه ليه؟
تنفست بعمقٍ قبل أن تجيبه:
-القاعدة الأولى متوقعش حد و في إيده السلاح و تسيبه، أكيد هيحاول يقتلك!
نظر لها وكاد أن يتحدث، إلا أن صوت سيارات الشرطة سبقته، فالتفت ليجد عددًا من السيارت واقفة على مقربة منهما، و من السيارة الأولى ترجل معتصم وبدأ الرجالون الآخرون يتوافدون من خلفه..
حين اقترب منهما وبدأ ينظر لجثث الرجال تنفس الصعداء، وأردف بنبرة قد بدأ القلق يختفي منها:
-مرديتيش عليا ليه، بجد قلقت جدًا
أجابته بهدوء:
-مكنتش فاضية ارد!
أومأ رأسه ثم اقترب من صهيب ووضع يده على كتفه و هو يتحدث بجدية:
-الحمد لله على سلامتكم، الحمد لله. المهم اهدوا ومتخافوش.
نظر له صهيب باستنكار، ثم أجابه ببرود:
-إنت واثق إن احنا اللي خافين مش إنت؟
نظر له معتصم بصدمة لثوانٍ، ثم عاد لينظر إلى جويرية الواقفة بجانبه ليردف بعدها بخفوت وكأنه يحدث نفسه:
-هي لحقت تعديه؟ و لا هو كان كدة!
بدأ رجال الشرطة حينها بحمل المجرمين وجثثهم إلى سياراتهم، وتابع معتصم أسئلته حتى يعلم ماحدث تمامًا.. ثم انتبه للسلاح في يد كل منهما فنظر لصهيب أولاً و أردف بهدوء:
-هات المسدس عشان هنحتاجه في التحقيقات.
أعطاه صهيب إياه، فنظر لها معتصم وطالبها بنفس الطلب، فنظرت جويرية للمسدس لفترة ثم هزت رأسها نافيةً و هي تقول:
-لأ عجبني.
بصعوبة استطاع صهيب ألا يضحك، في حين رد عليها معتصم بحنق:
-بجد يا جويرية هاتيه.
-قولت لأ، اعتبرها حرب و دي الغنيمة.
وضع صهيب يده على كتفها خلف رقبتها، و همس لها بخفوت:
-إديهوله واجيبلك غيره.
هزت رأسها نافيةً مرةً أخرى، فعلم أنها لن تتخلى عنه، لذا وببساطة قال:
-اعتبره ضاع.
نظر له معتصم بغضب، فهو كان يتحمل الحديث مع جويرية بصعوبة، فما باله الآن بشبيهها المذكر!
-المفروض تقنعها تجيبه مش تشجعها!
هز كتفه و نظر لها للحظة ثم عاد يتنظر له و تابع الحديث:
-هي عاوزاه، يبقى تدور على غيره و تحط عليه بصمات الراجل.
وضع يده على جبهته، فوقت الجدال قد ولّا، ثم تركهم و ذهب بعد أن أبدل إطارات سيارتهم المثقوبة كما طلب منه صهيب.
وأخبرهم بأن يرتاحوا قيلاً ثم ليأتوا لكي يقدموا البلاغ..

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن