الفصل الحادي والخمسون:

ابدأ من البداية
                                    

ظل سهيل ينظر إليهما باسمًا، سهيل لا يراها تبتسم ولا يتحسن مزاجها إلا مع تلك الصغيرة، فكيف وإن عاشت معها! لن ينكر أن معتصم له هيبة كرجلٍ يعمل في النيابة العامة، لكن في ذات الوقت هو لا يعلم عنه الكثير، إلا أنه وقف بجانب أخته كثيرًا.
يدرك هو ضرورة أن تبدأ أخته في تأسيس أسرة خاصة أنها أهلٌ لذلك، لكنه في كل الأحوال لن يضغط عليها أبدًا، وقرارها قراره في النهاية.

بعد ما يقرب من الساعة، كانت تالا قد نامت وأدخلتها فيروز غرفتها،
خرجت من غرفتها بعد أن دثرت تالا جيدًا وأغلقت الباب عليها.
فاقترب منها سُهيل ثم أمسك يدها وفتحها لها ليضع بداخلها شيئًا ما، ثم يغلقها عليه. نظرت له فيروز ثم فتحت يدها لتنظر ما وضعه لها، فوجدت قلادة من الذهب كتب في نهايتها كلمة "الله"
نظرت له سريعًا وسألته:
-إيه دة؟ وجبتها منين؟!
رفع حاجباه مبتسمًا وهو يردف بتفاخر:
-إيه يا بنتي إنتي مستقلية بيا! أنا بشتغل حلو يابت!
مسحت هي آثار الدموع المتبقية وهي تتابع بدهشة:
-آه بس دي غالية جدًا و..
-وأنا أختي أغلى، أنا جبتلك دي عشان تبقى تذكار مني لو روحتي في أي مكان، وعشان تعرفي إن ربنا معاكي دايمًا.
ابتسمت له بامتنانٍ وهي تعيد النظر للقلادة، لتقبض عليها بكفها بقوةٍ بعدها.
تابع سهيل حديثه بهدوء:
-أنا جبتهالك من امبارح بس جيت لقيتك نايمة، والصبح نسيت أديهالك و...
تفاجأ بها وهي تعانقه بقوة وتبكي، فسألها بهدوء وهو يمسح على شعرها:
-طب بتعيطي ليه الوقت؟
أجابته باختناق:
-كلهم شايفيني ناقصة، إنت بس اللي بتحاول تحسسني إني...
قاطعها وهو يردف بحدة:
-فيروز، أنا قولتلك وهرجع أعيد، إللي حصل دة يتنسى دة عدى من حياتك خلاص، ومات، ولو معتصم هو السبب في اللي إنتي فيه دة وربنا ما هخليه يقرب منك تاني!
ابتعدت هي عنه سريعًا وهي تهز رأسها نافية وتقول:
-لأ مش معتصم، أنا اللي مش هـ...
-إنتي زي الفل، ثم إني شايف إنه كان معانا في كل خطوة، يعني لو هو شايف اللي إنتي شايفاه بعماكي دة عمره ما هيتقدملك، ولا إيه؟
فكرت هي فيما يقول لثوانٍ قبل أن تجيبه بخفوت:
-مش عارفة!
مسح دموعها سريعًا، وتابع بجدية:
-لأ صدقيني، هو مش بيفكر في كل دة، وبعدين بقى إنتي مش بتحبي تالا
-بحبها
-خلاص فكري في الموضوع دة كويس، وأنا معاكي في اللي هتختاريه.
نظرت له بامتنان، ثم أومأت رأسها عدة مرات، فتنفس الصعداء حين وافقت وابتسم لها محييًا.

...............

ولج إلى غرفته بعد يومٍ مضنٍ من الذكريات، يجب أن يذهب غدًا للعمل، خاصة وأن الشركة كانت بدون ادارة اليوم.
أخذ نفسًا طويلاً، وجلس على الفراش.. من كثرة تدفق الذكريات والأفكار لا يستطيع أن التركيز في شيءٍ بعينه. تمدد وظل ينظر للفراغ أعلاه. كان تفكيره منصبًا على كيفية حدوث كل هذا وهو لا يعلم أي شيءٍ عن الأمر! كيف دُفن الماضي بتلك الطريقة؟ كيف لم..، وأين كانت مذكراتها كل هذا الوقت؟ هل كان رحيل يعلم كل هذا ولم يخبره؟! هل هو السبب في ما حدث لوالدته؟ ماذا لو لم يرحل ويتركها هل كان سيؤخرها عن..!
-إتاخر!
نظر إليها بدهشة، فرفعت حاجباها، ونظرت له ببرود وهي تعيد:
-تاخر
تزحزح هو قليلاً وهو ما يزال ينظر لها مشدوهًا، حينها نزعت الغطاء عن الفراش ثم نامت بجانبه موليةً إياه ظهرها، وتدثرت.
عجب صهيب لما قامت به، مع أنه لم يدرك ابتسامته التي ارتُسمت على وجهه. ثم وبهدوء سألها:
-هتنامي هنا؟
أجابت ببساطة:
-آه
سأل مجددًا وابتسامة متسلية تعتلي ثغره:
-ليه؟
فأجابته ببرود:
-بصفتي مراتك مسموحلي أتنقل في البيت دة براحتي جدًا، حتى لو على السرير دة، و حتى ممكن أطلعك برا بس أنا طيبة!
ألجمته بِرَدها، أهناك سؤال لا تستطيع الإجابة عليه؟
ظل ينظر لها قليلاً قبل أن يقترب منها أكثر، ثم لف ذراعاه حولها من الخلف وأردف بابتسامة سمجة:
-أوضتك ساقعة مثلاً؟
ارتفع حاجبها وهي تجيبه بنفس البساطة:
-مثلاً!
-أنا قولتلك قبل كدة إنك مكسب!
-مممم لما خطفتني!
اتسعت ابتسامته قليلاً وهو يتذكر هذا اليوم الكارثي، ثم سألها بجدية:
-مكنتيش خايفة خالص في اليوم دة؟
-الإنسان مبيخافش إلا من الحاجة اللي هتأذيه، و جويرية في العموم مبتخافش غير من ربنا!
-طب ما أنا كنت خاطفك، يعني ممكن أءذيكي؟
-أنا مخافتش عشان كان عندي قناعة إنك مش هتأذيني.
أمسك بيديها الإثنين، فأغلقت يديها على يديه، وأغمضت عينيها لتنام.. هو يعلم جيدًا لما جاءت، كما أنه على يقينٍ أنها لم تعد تنزعج منه، وهذا ما يسبب له نوعًا من الراحة والسكينة.
دنى من أذنها أكثر، وهمس لها:
-شكرًا.
لم تجبه، ربما نامت، أو هي يقظة ولم تجبه، في كل الأحوال لم يرَ هو ابتسامتها الودودة التي ظهرت للحظات وسرعان ما اختفت.
أغمض عيناه هو الآخر، وكف عن التفكير في أي شيء، ولم تمضِ أكثر من خمس دقائق حتى غرقا معًا في نومٍ عميق.

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن