الفصل الخمسون:

Start from the beginning
                                    

١٠/٣/١٩٩٦
نفس الفتاة، مع اختلافٍ طفيفٍ في ملامحها، ممسكة بذلك القلم، وهذا الدفتر الوردي أمامها وبدأت تكتب بملامح جامدة، قاسية، حادة.
"لقد وفيت بوعدي يا أختي، وأمامي فقط ساعة قبل أن أزج في السجن، لكن لا تقلقي فأنا سعيدة هكذا."
ارتسمترعلى وجهها ابتسامة جليدية، متشفية، وتابعت الكتابة..
"ها قد تخلصت من الجبناء الذين دمروا حياتنا، أتعلمين كيف؟ بسببهم يا أختي إضطررت للتخلي عن رحيل، وإيقاع جلال في شباكي، وصدمت حين علمت أنني حامل في ولدٍ من رحيل فأسرعت في كل شيء ولكن رغمًا عني شعرت بالسعادة، فهذا الولد ما كنت أحتاجه حتى أستطيع إعطاء جلال حبوبًا تمرضه وتجعله غير قادر على جعلي أنجب. فأنا لن أتحمل أن يكون لي ولدٌ من ذاك البغيض.
كنت أتجنب رؤية رحيل حتى لا أضعف، فلم أكن أستطيع إخباره بأي شيء، لم يكن لديه ذنب وأردته أن يحيا من بعدي بحرية. ولكن للأسف يا أختي لم يحدث هذا. لذلك أعتبر نفسي مذنبة في حقه إلى الآن..
أما عن جلال فقد زرعت بينه وبين أخيه معتز أشواكًا من العداء في تلك الفترة، فكنت ألعب على الحبلين. حتى نجحت في جعل أحدهما يقتل الآخر.. أأخبرتك أنني كنت أعطي جلال كل تلك الفترة حبوبًا تمكن الصداع من رأسه، وجعلته يزور طبيبة رشوتها ببعض المال حتى تصف له علاجًا يزيد من حدة آلامه. كنت أعلم في كل مرة يتوجع ويتألم فيها أن هذا لا يقارن بما عانيته أنتِ يا نوار، حتى حينما كان يبكي كنت أشعر أن هذا قليل جدًا بالنسبة لما فعل، لكن كنت أصبر نفسي وأخبرها أن انتقامي سيكون حادًا فيما بعد.
حينما أنجبت صهيب يا نوار رأيكِ فيه، كان لون عيناه كلون عيناكِ، ومع أنني أعلم أننا توأم أنا وأنتِ لكن كنت أنسى دائمًا أنه يشبهني أنا لا أنتِ، ولن أنكر أنه قد شبِه رحيل كثيرًا، وكأنه مزيجٌ بيننا. أحببته كثيرًا، أحببته أكثر مما أحببت رحيل ذاته. وربما هو السبب الوحيد الذي أخر انتقامي إحدى عشر سنة كاملة.
لم أنسَ معتز حبيبتي فحتى هو قد تزوجته، ولم أنفك عن إعطائه حبوبًا تفقده عقله، مع الطعام، والشراب، وكل شيء.. ما سرع انتقامي منه هو أن رحيل قد أخذ صهيب ليرعاه. في البداية خفت إن جلسا سويًا لفترة طويلة أن يعرف رحيل أنه ولده، فهو يشبهه كثيرًا، ولكن حينما حاولت إرجاعه كان ولدي الحبيب قد كرهني، فللأسف هو قد رآني أقتل من يظنه والده. لكني برغم صعوبة مفارقته وضعت انتقامي في المقدمة وعدت أنتقم لكِ منه.
حين بدأت الحبوب تصنع مفعولاً قويًا بدأت أضغط عليه بالحديث، وكرهه لأخيه، لكن للأسف لم أحسب حساب أن يحاول قتلي.
لأنني بالفعل ضغطت عليه كثيرًا، وبدأت أخبره عن سر قدومي، وتخللي حياتهما، فكرهني وحاول قتلي. وبدون تفكير للأسف إضطررت للإتصال برحيل لينقذني. وقتله هو بدون قصدٍ منه. كنت أتمنى أن أقتله أنا، لكن في النهاية عذبته، وحققت مرادي بانتقامي منه.
لازلت أعشق رحيل، وأعشق ولدي الذي كان ثمرة عشقي له. ولم أشعر بالعار يومًا أن ولدي منه. بل كنت أفخر بذلك فرحيل أهلٌ لأن يعشق.
أريد إخباركِ في النهاية أنني أصريت أن أذهب مع معتز وندفن جلال معًا. قبره بعيدٌ عن قبركِ بمسافة عشرة أمتار. ثم دفنت ذاك اللعين معتز بعد عامِ في نفس قبر أخيه ليحترقا في جهنم سويًا. ولكن صورت نفسي وأنا أطعنه وأنقل جثته للخارج، وأرسلتها إلى رجال الشرطة حتى يحكم علي بالإعدام.
قريبًا نلتقي حبيبتي..
ولن أقول وداعًا تلك المرة، بل إلى لقاءٍ قريب."
ثم عادت لتكتب تاريخ اليوم "١٠/٣/١٩٩٦"
ثم تركت القلم، وأسرعت نحو الفراش ممسكة بذاك الدفتر الوردي بعد أن أغلقته وانتزعت ما فوقه من مراتب، ثم وضعت الدفتر الوردي مسنودًا على خشبة السرير من الداخل.
وأعادت بعدها ترتيب كل شيءٍ كما كان، ثم أغلقت أضواء البيت كله، وخرجت منه..

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقWhere stories live. Discover now