الفصل السابع والأربعون:

Start from the beginning
                                    

...
٢٠٠٥
كان الأربعة رجال مقيدون في مقاعدهم، وكلاً منهم يستجدي ويصيح متوسلاً بتركه.
اقتربت هي منهم حاملة سكينًا حادة بيدها، فركض نحوها الآخر يمسكها ويردف:
-جويرية استني، اهدي شوية.
نظرت له والشرار يتطاير من عينها وصاحت به:
-براء منصحكش تقرب مني الوقت، خالص.
ثم اقترب منهما الثالث ووقف أمامها فهدرت بغضب:
-معتصم ابعد الوقت
أخذ معتصم نفسًا هادءًا وأجابها بثبات:
-لأ إنتي فهمتيني غلط، أنا بتمنالهم أكتر من الموت
ثم مد يده لها بمسدسه وهو يتابع ناظرًا لهم بحقد:
-أنا مش عاوزك بس تتوسخي بدم الأنجاس دول.
ابتسمت له ابتسامة مرعبة، ورفعت السكين أمام بصرها وهي تجيبه بهدوء:
-بس أنا شايفة إن السكينة هتوجع أكتر
نظر لها براء بصمت، هو لا يمانع أن يقتلهم هو وصديقه، لكنه لم يكن يريدها أن تدنس يدها بدمهم، ولكن لا بأس إن كانت تريد ذلك فلها ما شاءت.
ابتعد معتصم من أمامها فتقدمت هي نحو أحد الرجال. كان معصوب العينين، فنزعت له غطاء عينيه، ولكنه بمجرد أن أبصرها اتسعت عيناه هاتفًا بصدمة:
-آآ إنتي!
أمسكت هي بشعره وجذبته بعنف، وبدأت تتحدث بخفوت كفحيح الأفعى:
-إيه خايف!
ثم وضعت السكين على رقبته وهي تتابع بنفس النبرة:
-بسألك، خايف؟
هز الرجل رأسه أي نعم بذعر، فضحكت، وبعدها سألته بهدوء:
-هسألك سؤال واحد بس تجاوبني بصراحة
أومأ رأسه سريعًا، فبدأت تتحدث:
-لما إنتم كنتم بتتهجموا عليا زي الحيوانات، و أنا فضلت أصرخ عشان تسيبوني، سبتوني؟!
أطرق الرجل رأسه، فصفعته بقوة وسألته بانفعال:
-جاوب.
أجابها برعب:
-لأ
ابتسمت بجمود فأرعبته، وقالت:
-يبقى أنا ليه أسيبك!
اتسعت عينا الرجل وبدأت أواصله ترتجف، وتحدث بخوف:
-أنا آسف، أنا مكنش قصدي آآآ..
لم يتابع لأنها كانت قد غرست السكين فى بطنه، وعاودت النظر إليه قائلة بألم:
-آسف دي مبترجعش اللي مات، آسف مش هترجع أختي.
ثم قررت القضاء عليه نهائيًا، فرفعت السكين إلى رقبته، وذبحته كما الخرفان.
في ذاك الحين كانت أصوات الرجال الثلاث تتضارب بين الذعر والبكاء، وبراء ومعتصم ينظران له بتشفي، أما نظراتها فكانت تختلط نظراتها بين التشفي والألم، وبدون مقدمات صوب كلًا من معتصم وبراء مسدسهما نحو أحد الرجال، وسويًا أطلقا النار فقتلاهما.
و ظلت جويرية تنظر للقتيلان الجدد بخواء، حينها كاد معتصم أن يصوب المسدس نحو الأخير ليقتله، لكنها أوقفته قائلة بهدوء:
-كفاية عليك كدة، دة ليا أنا.
نظر لها بصلابة، لقد اشترك الجميع يومها في نفس النظرة. نظرة الحقد والكره، أعطاها المسدس، فأمسكته بثبات، وصوبته نحو قلبه مباشرةً، وبمجرد أن أطلقت النار، لقي مصرعه.
العجيب أنها لم تخف حتى من الإمساك بالمسدس أو القتل، لم تخف أبدًا بل استدارت ونظرت لمعتصم بجمود، ثم قالت وهي تعيد له سلاحه:
-الخامس فين؟
أخذ نفسًا حادًا وأجابها:
-لسة همسكه متقلقيش، و دة عليا أنا.

...
٢٠١٠
بعد أن انتهت جويرية من سرد الأحداث تفاجأت أنه ينصت إليها، ولم يمهلها وقتًا حتى سأل صهيب مصدومًا:
-يعني إنتي عاوزة تفهميني إنك كان عندك ١٦ سنة، وقتلتلي راجلين، ومسكتي مسدس!
أجابته بهدوء برغم غضبها من نفسها لانسياقها للحديث هكذا:
-أهلي خط أحمر.
أخذ نفسًا حاول فيه السيطرة على أعصابه، وسألها:
-طب والخامس
-معتصم لقاه بعدها بسنتين وقتله، بس اتكشف ساعتها لأنه قتله في مكان عام، وبما إنهم كانوا بينضفوا دفاترهم أول بأول فمكنش مذنب من وجهة نظر الحكومة، ومعتصم كان مستحيل يسيبه للقضاء الشامخ بتاعنا! بس اتكشف للأسف وكان ممكن الموضوع يكبر لولا إن والده وشوية من صحابه اتدخلوا وخرجوه من الموضوع.
اقترب منها صهيب ووضع يده على وجهها وقد حانت ملامحه كثيرًا لدرجة لم تفهمها هي، فهي حين انتهت من الأمر ظنت أنه سيكرهها، فهاهي تقتل كوالدته تمامًا، لكنه وضع يدها على وجهها وأردف باسمًا بحزن:
-لو كنت مكانت كنت هعمل نفس اللي عملتيه.
صمت لثوانٍ، ثم عاد يتابع بخفوت:
-إحنا اتحملنا كتير أوي، أكتر من طاقتنا.
تابعت هي بشرود:
-ولسة بنتحمل، لسة عشان عايشين.
هز رأسه نافيًا، فانتبهت له يقول بعدها بثقة:
-مش إنتي بتقولي دايمًا إن عندك أمل في ربنا!
-أكيد
-أنا كمان عندي أمل إنه مش هيسيبنا نعاني أكتر من كدة.
ابتسمت له، ثم قالت بعد صمت ثوانٍ:
-فكرت هتكرهني زيهم بعد ما..
-قولتلك لو كنت مكانك كان فات دي ردة فعلي، وكمان دة حقك.
لم تصدق أنه يعطيها العذر في كل ما تقول، أو ما تفعل، يعطيها الرد الذي تريد سماعه أغلب الوقت، لا يحاسبها بل دائمًا يؤيدها!
تقدمت خطوتين واستقرت داخل ذراعاه، ثم ضمت يداها إليها، وأستندت رأسها على صدره وهي تنظر تحتها، أما هو فقد اعتلى ثغره ابتسامة راضية، وقيدها بذراعيه بقوة، يريد أن يخبرها أن الأمر لا يحتاج كل هذا العناء، بقاؤهما سويًا سيجعل الجروح تنضب سريعًا..
هل سمعت من قبل بأن الداء فيه الدواء! فالأفعى تبخ سمًا قاتلاً وعلاجه الوحيد يُستخرج منها! والقهوة تزيد الهالات السوداء بينما ما يتبقى من كوب القهوة يوضع تحت العين فيزيل الهالات! حسنًا هل تعلم أن أجنحة البعوضة أحدهما سام والآخر فيه الدواء، سبحان الله، هكذا الأمر بينهما، هو السم والدواء، وهي الدواء والسم.
مضى الوقت ولم يحسب له أحدهما حسابًا. وتوقف كلاهما عن التفكير.. توففا عن الشعور بالألم والحزن وتركا الهدوء والسكينة يتسللان إلى قلبهما..
-لما شوفتك أول مرة قولت إنك حية سامة، بس الفرق إنك مش بتخبي سمومك، مش خبيثة.. وأخدت وقت عشان أعرف إنتي إيه بالظبط.
سألته بهدوء:
-ولاقتني إيه؟!
رد باسمًا بخفوت:
-جويرية، لقيتك جويرية كائن فريد من نوعه، وباقي السلالات منه انقرضت!
ضحكت ساخرة وهي تقول:
-قكرتك هتزهق مني بسرعة
ارتفع حاجباه للأعلى عفويًا، وسألها بدهشة:
-أزهق منك!
ابتسمت بوجوم وهي تتابع:
-آه، أنا مش بسلي فاهم
ثم ابتعدت عنه قليلاً وتابعت بجدية وهي تنظر له:
-مش بضحك كتير، مش بتكلم كتير، انطوائية، سلبية مع المواقف الجديدة، مش فضولية، وبـ..
-سؤال واحد بس!
قاطعها هو بتلك الكلمات وقد بدى عليه الإندهاش وهو يسألها:
-إنتي بجد معتبرة دول عيوب!
عقدت حاجبها وهي تردف بجدية:
-لأ طبعًا، أنا بحب نفسي كدة ومش هتغير. أنا بتكلم عليك إنت لأن مش أي حد يقدر يتحملني لفترة طويلة.
زفر صهيب يائسًا منها، فبتسمت في المقابل. وضع يده على جبهته ومن ثم مسح على رأسه بسرعة، فكتفت يداها ورفعت حاجباها.
-إنتي نسيتي حاجة وإنتي بتوصفي نفسك.
-قصدك إني باردة يعني!
ابتسم وهو يجيب بهدوء:
-أيوة، هو دة اللي أقصده.
حركت يدها في الهواء، وبنبرة غير مكترثة أردفت:
-أكيد كنت هقول، بس إنت قاطعتني
صمتت قليلاً قبل أن تكمل بجدية:
-ثم إني مطلبتش نخرج عشان أتحبس في البيت برضوه!
عقد حاجباه بحيرة وسألها:
-طيب، نروح مطعم!
-لأ
-جنينة
-لأ
-البحر!
-طب ما البحر قدامنا، لأ برضوه!
-طب عاوزة تروحي فين!
ظلت تفكر قليلاً، ثم نظرت له فجأة وقالت:
-مش عارفة، بس مش عاوزة أفضل هنا بجد مليت.
كتف يداه بهدوء، وظل يفكر لدقيقة، ثم نظر لها، وتحدث:
-خلاص أنا عرفت.
ثم أخرج هاتفه من جيبه ونظر للأرقام، ثم أخرج رقمًا ما وطلبه......!!!

.......................................!!!!

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقWhere stories live. Discover now