الفصل الثاني والثلاثون:

26.1K 675 18
                                    



"فاضل 11 ساعة، بلاش تخليني أضطر أنفذ تهديدي ..."
نظرت للهاتف بذهول، وسرعان ما تحول ذهولها إلى الغضب، زفرت بحنق تنظر إلى ما كتبه ذاك المختل، وقد فقدت القدرة عن التعبير ...
كم يبدوا جادًا تلك المرة!
ماذا لو كان سـ.. لا لا، لا يجب أن أفكر بتلك الطريقة، هو فقط يحاول تهديدي ولن يفلح كعادته..
وضعت الهاتف أسفل الوسادة ثم وضعت رأسها عليها، وأغمضت عينيها، لكن لا يزال هناك شعور ما سيء بداخلها، هي تشعر بعدم اطمئنان للغد، وسرعان ما قامت مجددًا معتدلة في فراشها، وأخرجت الهاتف طالبة رقم أحدهم وهي تمتم مع نفسها بخفوت:
-أنا بس هطمن على براء الأول بس وبعدها أنام..

استمعت إلى صوت الجرس في الجانب الآخر وهي تهز ساقها باتزان، ولم يطل الأمر حتى سمعت:
- سلام عليكم، أيوة يا جوري فيه حاجة!
تنفست بارتياح حالما سمعت صوته، ثم أجابته بهدوء:
-لأ، كنت بس عاوزة أعرف، انت روحت ولا لأ!
أجابها بنبرة منهكة:
-آه روحت من نص ساعة، يادوبك إتغديت عشان مكالتش من الصبح، ورايح أنام عشان مش قادر
ابتسمت بمودة وهي ترد عليه:
-طيب روح انت نام عشان شكلك تعبت من الصبح، وبكرة لو عرفت تعالى عندنا
أجابها بهدوء:
-لأ، بكرة مش هينفع خالص، عندي شغل مهم جدًا هيفضل وقت طويل
تغيرت تعابير وجهها وبدأ القلق يجتاحها من جديد، وظلت صامتة فتابع هو حين لم يجد منها تعقيبًا:
-طب بصي، بالليل على 10 كدة لو عرفت أجيلك هجيلك..
حافظت هي على نبرتها الهادئة وردت:
-إن شاء الله، المهم خلي بالك من نفسك ...

بعد أن أنهت الحديث معه، أعادت وضع رأسها على الوسادة مرة أخرى، صحيح لم تكن مرتاحة البال بالكلية، إلا أنها خففت حدة التوتر الزائد لديها قليلاً، لتعود وتقنع نفسها من جديد أنه كانت تعلم أنه بخير، ولن يصيبه بأمر الله شيء، ثم لا أحد سيمس شعرة منه، لا أحد إن شاء الله ...

مضت ساعة كاملة، الأمر مزعج جدًا، لا يغمض لها جفن، فتساءلت فجأة بينها وبين نفسها، لما لا تلجأ لمن لا تنفك كرباتها إلا بمساعدته؟!
لم لا تلجأ إلى الله!
لم تنتظر أكثر من ذلك، وذهبت نحو الحمام لتوضأ وفي نيتها الاستعانة بالله ..
الاستعانة بالمعين ...

..................

صباحًا..

وقف هو وسار نحوها بثبات لبضع خطوات، وما لبث أن وقف أمامها وقد اتسعت عيناه اندهاشاً وسأل:
-إنتي بتتكلمي بجد؟!
أومأت رأسها أي نعم، وأضافت بنبرة بها بعض الترجي:
-أيوة، آآآ.. أنا زهقت من البيت، أنا مش متعودة أفضل كل الفترة دي من غير شغل..
حك رأسه مستفهمًا، وقال على مضد:
-إيه الشغل ده طيب؟
ابتسمت حينها فقد بدأت ساحة الحوار تنفرج، ثم أجابته بتلقائية :
-هشتغل مع يمنا صاحبتي في الحضانة بتاعتها
رد وكأنه يتذكر شيئًا ما:
-يمنا دي اللي كانت بتجيلك البيت اليومين اللي فاتوا؟!
-أيوة هي، هي عرضت عليا، وأنا قولتلها هسألك الأول
ابتسم لها بحنو، لقد بدأت تتناسى أنها تكبره بأكثر من أربعة أعوام، أو أنها بالفعل تتعمد هذا، تتعمد أن تشعره أنه رجُلها حتى ولو كانت هي الأكبر ...
وضع يده على وجنتها وهو يتحدث بهدوء:
-أنا عاوز راحتك بس، ولو الموضوع ده هيخليكي تبقي أحسن، أنا معنديش مشكلة
ازدادت ابتسامتها اتساعًا، قبل أن تضمه بسعادة وهي تردف:
-شكرًا يا سُهيل
مسح على شعرها، وهو يتحدث ضاحكًا:
-للدرجادي فرحانة؟
ابتعدت عنه قليلاً وهي وتقول:
-آه أصل كنت مفكراك مش هتوافق
نظر لها مطولاً وهو يبتسم بلمحة من حنان ورفق..
للحق، لم يعلم أن الأمر سيجعلها سعيدة إلى تلك الدرجة، لو كان يعلم لما ناقشها من البداية ووافق سريعًا..
لقد تطورت علاقتهما في تلك الفترة أكثر من أي وقت مضى، فقد اشتغل دومًا على إبهاجها وإرجاع أخته القديمة فيها، وفي المقابل، أعطته هي مفاتيح حياتها لكي يفتح هو لها إذا ما أرادت شيئًا، لقد أشعرته بالمسؤولية، وترتب على هذا، سرعته الكبيرة في إيجاد عمل مناسب، وكانت تلك هي المرة الأولى في حياته التي يعمل بها ...
لقد كان مدللاً في عائلته، حتى أنه حين طلب سيارة وألح في طلبها لم يمض شهر إلا وكانت معه، لكن في الوضع الجديد، يحمل مسؤولية نفسه، وأخته، وبيته، وللعجب لقد أحب تلك الحياة أكثر بألف مرة من الأخرى!
في وجهة نظره، لا حياة أفضل من حياة أسرة مترابطة، وحبها لبعضها حتى وإن كانت صغيرة ...!

عصفورة تحدت صقر.......للكاتبه فاطمه رزقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن