🌹الخامس والأربعون🌹

2K 88 50
                                    

🌹الخامس والأربعون 🌹
صَلُّوا‬⁩ ⁦‪عَلَى‬⁩ ⁦‪مَنْ‬⁩ عَلّمَنَا اَلْحُبَّ
وَآخَى الْقَلْبُ بِ اَلْقَلْبِ
وَفتَحَ لِلْخَيْرَاتِ كُلُّ دَرْب
صَلُّوا‬⁩ ⁦‪عَلَى‬⁩ ⁦‪مَنْ‬⁩ يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّتِي أُمَّتِي
اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد💜
*************
جفف حسان عرقه المتفصد على جبته وجلس ليستريح قليلًا ملتقطًا أنفاسه ذاكرًا الله، رن هاتفه البسيط فرفعه لعينيه مدققًا قبل أن يضغط زر الإجابة ويرفعه لأذنه مُجيبًا (أيوة مين..؟)
هاتفه هيما وهو يدور في المكان بقلق وخشية (خالي يا خالي)
ابتسم حسان بحنو وقد عرف هويته فقال برفق ملازم له(أيوة يا ولدي)
صاح هيما بلهفة غريبة واستنجاد ملأ نبرته (أنت فين؟  )
أجابه حسان وقد أصابته عدوى القلق من ارتباكه وزعره الواضح(في الشغل يا ولدي خير..؟)
هلك هيما بإحباطه وخوفه واعترف بغلطته (نسيت انبّه سكن إن هشام عندك)
انتفض حسان من جلسته متسائلًا وقد أدرك سبب خوفه وفطن إلى لهفته (وبعدين)
أجابه هيما بزعر بلغ منه مبلغه (بكلم خالتي من شوية قالتلي إنها راحت تطمن عليك، خوفت أقول لخالتي تزعل مني ومش عارف أعمل إيه)
طمأنه حسان وهو يتحرك ممسكًا بعصاه الغليظة تعينه على السير وتمسك بيد ضعفه (أنا راجع يا ولدي اطمن)
هتف هيما وهو يرمق الطريق من نوافذ السيارة بتعجُل وانقباض شديد (هروح أنا كمان وراك أخدها)
هتف حسان بقلق لم يُظهره وأخفاه بين طيات نفسه (ماشي يا ولدي خير)
أنهى هيما الاتصال وسارع بمهاتفتها لكن محاولته باءت بالفشل فهمس بغضب (ردي يا بني آدمه)
وهناك كانت هي ترمقه بعين التحذير والتهديد، تمنحه من التحقير ما عجزت يومًا عنه، تبارز غروره بإستخفافها له وبقوتها الجديدة التي استمدتها ممن حولها، قالتها بصمود وهدوء لا يشوبه شائبة ارتباكٍ أو تردد، لم يهتز لها جفن لكنه اهتز هو من قوتها ونظرات عينيها الجديدة كليًا عليه
قهقه بإستخفاف رغم ما يخنق أنفاسه من وجع (وماله بسيطة فداكي يا بت العم)
هددته بثبات مخبئةً عنه خوفها واضطرابها الذي لا تستطيع إنكاره، فعلى أي حال هي وهو وحدهما في مكان واحد أمام طاولة مفاوضات متهالكة، في محاصرة ليست عادلة واستجواب ليس من حقه ولا يعنيها، بل هو كله لا يعنيها بماضيه، الماضي الذي خرجت منه اليوم بحبيبها فأصبحت ممتنة له ولندوبه التي أزهرت اليوم، هددته لينتهى هذا العبث
(لو مبعدتش هصرخ وأوديك فداهية)
قال بتحدي وعزيمة وهو يطالعها بنظرة متوجعة
(برضو مش هتمشي غير لما أفهم الي عايزه)
خرج منها تأفف ساخط يلعنه ويلعن الصدف  (أنت عايز إيه؟)
سألها ونظراته تلتهمها بحسرة، وداخله يحقد على مالكها ويتجرع الندم على تركها(جايه هنا ليه؟)
رفضت أن تجيبه وقالت بغضب عله يرتدع ويتركها وشأنها تلك الوقفة توخز ضميرها تجاه زوجها  (وأنت مالك؟)
قال ساخرًا في مرارة متذكرًا ما قد سلف (مش هو دِه حسان الي مكنتيش عايزه تكلميه وعامله خاطر لحمزة؟)
تأففت بضجر قائلة (كلامك فيه عتاب مالوش فايدة ولا يلزمني، لو رديت وخدت واديت معناها إنك فارق)
سألها بغصة وهو يقترب منها قليلًا فابتعدت في نفور ومقت (كنتي بتحبي حمزة يا سكينة؟)
رمته بنظرة مستهينة محتقرة وهي تخبره بتأكيد،تطعنه في قلبه انتقامًا وتشفيًا وهي تراقب انهزامه وانتصارها (ومحبتش غيره)
هتف في ألم (الي اتجال إنك جربتي مني عشان تحميه صح)
شملته بنظرة ساخرة وهو تخبره (صح والي بلغك مكدبش )
هتف بحقد شديد وغيظ (كنتي على ذمتي وجلبك وعجلك معاه،كنتي هتكملي كدِه؟)
أجابته بصدق وعاطفة شديدة واستهزاء خصته به  (أوحش حاجة حصلتلي هي ذمتك دي،وكنت هكمل أيوه، أنا روحي فدا حمزة وكل ما فيه)
ابتلع كلماتها المهينة وسألها (ليه حمزة، أنا مجصرتش معاكي؟)
قالت متفاخرة بقوة
(عشان هو الي الجلب شاور عليه واختاره من ساعة ما شافه ومكانش يهمني غيره حتى لو على حساب نفسي)
هتف بصدق وهو ينظر لعينيها بقوة يفتش فيهما عن شيء يتشبث به (أنا كنت بحبك )
لم تروقها نبرته، ولا كلماته ولا هزلية اللحظة، هو لا يعرف معنى ما ينطقه وكارثيته،
هو رجل لا يحب سوى نفسه وأهدافه وما يريد،
اندفعت ناحية باب الشقة تشعر بالضيق من المجادلة والحوار معه، أمسكت بالباب في عناد وعزم، لا يهمها شيء ولا تريد تلك المصارحة لا تعنيها من الأساس..ما يحدث خطأ في حق زوجها لن تسمح به وها قد عرف ما يريده فليتركها وشأنها أوقفها قائلًا(ولسه بحبك ومش عارف أنساكي )
شعرت بالغضب الشديد من كلماته اللعينة الخبيثة ومحاصرته،ماذا يظن بها هذا المعتوه؟من أجل كلمة قد تعود،يهتزعشقها لزوجها ببضعة حروف ملوثة بالحقد والضغينة  قالت هازئة (شكلها هبت منك عالآخر)
تركها تفتح الباب مهزومًا ضائعًا
لتبتسم قائلة بفخر وعشق (معايا راجل لو أطول أبوس التراب الي بيمشي عليه هعمل كدِه)
وقفحسان أمام الباب لاهثًا يطالعهما بنظرات قلقة، اندفعت سكن ناحيته وهي ترمق الآخر مشمئزة محتقرة (جول لواد أخوك ياعم ينسى،أنا جوزي مستبدلهوش برجالة الدنيا وأنه لو عرف بعملته دي مش هيبقيه عالدنيا، لولا خوفي عليه وأنه يروح فواحد زيه كنت جولتله بنفسي )
سألها بدهشة والنظرات الغامضة تلاحق هشام الواقف محتقنًا بالغضب (حصل إيه يا بتي )
وجهت نظراتها لهشام قائلة بكراهية (اسأل واد أخوك وهو يجولك يا عم، ثم بصقت أرضًا في تحقير قبل أن تصفعه بكلماتها التالية (هو دِه الفرق بينك وبين حمزة عبد الحكيم يا هشام، هو راجل وإنت ندل وواطي)
اندفع هشام برعونة يحاول الإمساك بها ليدفعه عمه للداخل ويتركها تخرج من باب الشقة، وجدت هيما يقف في نهاية الدرج لاهثًا فاحتمت بوجوده... وهرولت مستنجدة ودموعها تنهمر (يلا بينا من هِنا)
توقف هيما مسلطًا نظراته على خاله وهشام يسأل بغضب حاد (عملك حاجه؟  لمسك؟)
هزت رأسها برفض وهي ترمق هشام بتحقير (ميجدرش)
هبطت درجات السلّم بسرعة فتبعها هيما مناديًا بعدما أغلق خاله الباب وانفرد بهشام متسائلًا وهو يهزه بغضب (كنت عايز منها إيه وعملت إيه؟)
أجابه هشام ومطارق كلماتها تنهال فوق رأسه بينما نظراتها المحتقرة تطارده (مفيش كنت عايز أفهم منها الي مفهمتوش؟)
هتف عمه برزانة لا تخلو من الغضب (وتفهم ليه؟  كل واحد راح لحاله وفضيناها)
هتف هشام بعصبية وحدة (جيتها عندك لوحدها عايزه ميت سؤال يا عمي)
أجابه حسان بغضب حاد وتحذير غليظ (أنت تسأل ليه؟  ليك إيه عندها ولا عندي؟)
أجابه هشام بإرتباك (فيوم....
قاطعه حسان بقسوة (الي فات خلص يا واد أخوي همّل سكينة لحالها ولجوزها وجفل على الجديم متنبش فيه)
اشتعلت عينا حسان وتجمهرت القسوة في نظراته وهو يفرد سبابته أمام وجهه محذرًا بجفاء (أوعاك تيجي تاني ناحيتها محدش هيجف لك وجتها غيري)
خطا ناحية المرحاض راغبًا في الوضوء وإطفاء نار غضبه، أوقفته كلمات هشام الهازئة (هسيبها لواد عبد الحكيم زي ما سبت أنت عمتي لأبوه)
تقبض كفاه في غضب وحزن وحسرة، اغمض عينيه وفتحهما يقرّ (أنا أخترت وأنت اخترت متغصبناش، النعمة للي يحمد ويشكر مش للي بيتبطر عليها
عاد هشام للحجرة مكلومًا ونجح حسان في الخروج من جحيم الشيطان ووساوسه المميتة،توضأ وخرج يأوي لركن الله الشديد، يلوذ بذكره والدعاء.
*******
انتقل لحجرة عادية بعدما زال الخطر عنه… تأملته بنظرة تغشاها سحابة دموع وهي تتفقد ملامحه التي اشتاقتها وتعذبت بغيابها عنها
هتفت والدته بإمتنان حقيقي وهي تطالع مودة الواقفة بعيدًا في صمت وسكون (مودة مسبتكش لحظة يا زين، بالعافية كانت بتوصل تغير هدومها وترجع تاني)
انطلقت نظراته تجاهها كالسهم، سهم أصاب قلبها فابتسمت له بتحية، ابتسم هو أيضًا بعذوبة وهو يشير لها، فتقدمت لتجلس بالقرب منه، نهضت والدته قائلة (هروح اصلي وارجعلك)
أغلقت خلفها الباب لتتركهما وحدهما قليلًا، همست مودة بخجل طُبع على محياها الجميل (حمدالله على سلامتك)
سألها ونظراته الذابلة تتأملها بشوق وافتقاد حقيقي لا ينازعه الشك (قاعدة بعيد ليه؟)
أجابته بخجل (حبيت أسيبكم على راحتكم)
تجاهل قولها وهمس بعاطفة صادقة وهو ينهل من ملامحها ما شاء (وحشتيني)
رفعت نظراتها إليه متحررة من خجلها، تتأكد من صدقه وجدية قوله، فلم تجد إلا وهن رفيق الصدق في  ملامحه وذبولًا يحتل نظراته… همسه كان صادقًا لأبعد حد ونظراته كانت تكتب عهدًا جديدًا، صافحتها عيناه بنظراته المحبة وهو يهمس (دا حب دا ولا إيه يا مودة؟)
أخفضت بصرها في خجل، تفرك كفيها بتوتر بالغ لا تعلم بماذا تجيبه فإن كان خوفها عليه الذي مزق أحشائها حبًا فهي تعشقه، وإن كانت لهفتها لسماع صوته حبًا فهي تغرق فيه، لا تعرف ماهو الحب؟  تضاربت مشاعرها منذ زمن واختل ميزان مشاعرها حين تبخرت أحاسيسها تجاه حمزة، كل ما تعرفه عن الحب محته،هي الآن معه بدفاتر جدية ، تختبر معه المشاعر وتتذوقها بنكهته الخاصة .
أشاح بنظراته متعبًا يائسًا منها،فهمست بصدق (مش عارفة أنا معاك بتعلم وبجرب كل حاجة لأول مرة)
عاد إليها بنظراته مبتسمًا، بسمة هادئة محطمة فوق صخور ضعفه، همس بمرح (تلميذة يعني؟)
ابتسمت تجاريه في مرحه (أن شاء الله أكون تلميذة نجيبة)
سعل قليلًا فاستقامت في استعداد، أقتربت منه تراقبه بحنو قبل أن تتناول قارورة مياه وتفتحها ثم تضع فوهتها على شفتيه، نظر إليها نظرة ذائبة في العشق فقد السيطرة عليها، فابتسمت وقد أحدثت رائعته تلك ضجعة قوية في قلبها فتهاوى..
ارتشف القليل محاطًا بسؤالها (بجيت أحسن؟)
هز رأسه بتأكيد وهو يضع رأسه على الوسادة متعبًا، جلست من جديد لكن تلك المرة اقتربت أكثر بداعٍ من قلبها ونداء من روحها التي تبكي لرؤيته هكذا بهذا الضعف وبذلك الانهزام
عاد إليها بنظراته هامسًا بمرح مسروق من مخالب الوجع (عاجبك كدِه فضلتي تأجلي وتترددي لغاية ما جات من عند ربنا أهي)
شعرت بلومه وعتابه الذي حمل في رياحه ذرات من تراب القسوة التي خدشت عينيها فأدمعت، همست وهي تلتقط بأناملها الرشيقة دموعها المنزلقة (آسفة مش هأجل تاني)
أمسك بكفه المرتعش كفها وسحبها لفمه مقبلًا يعتذر في حنان ورفق (آسف بهزر معاكي)
هاجمته نوبة سعال أخرى ساءت لها وتمخضت ملامحه المتعبة عن ضيق وألم، فنهضت ممسكة بقارورة المياه لتمنحه دفقة أخرى من المياه وقربها، ارتشف القليل وأعاد رأسه للوسادة يعتصرعينيه من شدة الألم الذي يحاول تجاهله وعدم الوقوف عنده
جلست مجددًا تراقبه بصمت، فتح عينيه بعدما هدأ الوجع، أذاب خوفها وقلقها بابتسامته وهمسه (مكنيش بتمشي ليه يا مودة هانم؟)
همست بصدق وتلك المرة لم تخفض نظراتها بل تركتهما لأسره مُرحبةً بغزوه على قلبها واحتلاله (مكنتش هرتاح غير لما تفوج واطمن عليك)
صمت يطاردها بنظراته، يكتفي بما همست حتى صدح صوت وردة
(وفيوم لقيته، لقيته هو، هو الي كنت بتمنى أشوفه، نسيت الدنيا وجريت عليه، سبقني هو وفتح إيديه…)
تراقصت نظراتهما والتحمت في عناق دافىء رقيق مثل مشاعرهما، تاركين اللحن خلفية ًلرقصتهما واعترافهما غير الكامل ببداية الحب، كلمات تُغني عن أي قول وقد جاء مناسبًا للحظة ولما يشعران به الآن.
طُرق الباب فانتزعت مودة نظراتها ونهضت من مكانها تاركة له يرفض أن تُسرق منه وتغيب عن ناظريه، استقبلت مجيء الطعام ببسمة عملية وجدية واضحة بعدما تعكر صفو اللحظة، تقدمت تساعد الممرضة في وضع الطعام وتقريبه منه، وحينما حاولت الممرضة مساعدته رفض بضيق وصاح مناديًا (لاااا مودة تعالي)
ابتهجت من فعلته، وعادت ملبية بحماس، تنحت الممرضة تراقبهما بصمت، فاقتربت منه مودة وساعدته في تهيئة جلسته ليهمس لها بعدما استراح (تسلم يا حبيبي)
خرجت الممرضة وتركتهما على حريتهما، بدأت في إطعامه بحنو ورفق شديد، صمت لا يجد طاقة أو حيوية لمشاكستها الآن، الألم الذي يمر بجسده كذبذبات متفاوتة الحدة يمنعه من ذلك فيصمت ويتقبل اقترابها منه بقلة حيلة واستسلام
هتف بإعياء (كفاية يا مودة مش هقدر)
قالت مترفقة به متفهمة وضعه (لازم تاكل يا زين أنت تعبان)
أغمض عينيه قائلًا بضعف أزعجها (مش قادر معلش)
سحبت طاولة الطعام ونحتها جانبًا ثم دثرته جيدًا بأنفاسها قبل الدثار وهي تقول (نام شوية طيب)
فتح عينيه وسألها بلهفة (هتمشي دلوقتي؟)
أخبرته بإبتسامتها الودودة المطمئنة (لاااه هجعد جنبك أقرأ قرآن ولما تصحى وتكون أحسن همشي)
أومأ بصمت وهو يغمض عينيه مستسلمًا للنوم في وهن شديد بدأ يحفر أخاديده في وجهه.
رن هاتفها فخرجت لتجيب خوفًا من أن تزعجه (ازيك يا سكن عاملة إيه؟)
(الحمدلله، أخبار زين إيه وأنت ِ كويسة؟)
أجابتها مودة بقلق (هو كويس ومش كويس بس الحمدلله كنا فين)
(بإذن الله يبقى كويس وتطمني عليه)
(يارب)
(أنتِ جنبه؟  ينفع أكلمه؟)
(لسه نايم دلوجت لما يصحى هرنلك)
(ماشي بس متنسيش، وحمزة كمان حابب يكلمه)
(تمام لما يصحى)
(مع السلامة)
(مع السلامة)
تنهدت مودة وهي تعود له مجددًا،جلست تتأمله متذكرة لهفة سكن وخوفها عليها وإرسالها عاليا خصيصًا لتحادثها من هاتفها وتطمئن،مشاركتها لها البكاء ومؤازرتها بالقوة.
جاء اليوم الذي تصبح فيه سكن أختها حائطًا تستند عليه هي بكل قوتها وقلبًا يدعم ويحتوي ويحنو في رقة، لكم تغيرت سكن؟
أصبحت أخرى جديدة رائعة،ممتنة هي لحمزة وعمتها لمنحها تلك النسخة من أختها لتكون لها سندًا ودعمًا متى احتاجت،يمكنها الآن أن تطمئن وتستريح،تحكي وتفيض وهي تعلم أنها ستجدها دائمًا جوارها وفي استعداد كامل لمساعدتها والوقوف جوارها.
***********
دخل هيما المنزل وأغلق خلفه بقوة تحت نظرات والدته المندهشة التي تراقبه بمصمصة شفاه، جلس فوق الأريكة بتأفف مما جعل والدته تسأله باهتمام (مالك داخل بزعابيبك؟)
أجابها هيما وهو يشد خصلاته من شدة غضبه(واد أخوكي)
انتبهت متسائلة (هشام؟  ماله حصل منه إيه؟)
قال وهو ينهض متحركًا في أنحاء الشقة بإنزعاج شديد (متزفت عند أخوكي وسكن راحت لقته مرضيش يطلعها وحبسها)
ضربت والدته فوق صدرها مستنكرة فعلة ابن أخيها وتطاوله غير المستحب(يا مرررري.. ليه كدِه يا هشام؟ وخالتك عرفت؟)
صرخ فيها هيما وهو يعود ليجلس مقابلها (ليه كده عشان واطي وزبالة؟ وخالتي مجدرش أجولها ولا حتى سكن )
هدأته والدته ملتمسة له عذرًا (يمكن مش جاصد يا ولدي )
انتفض هيما قائلًا بجنون (مش إيه؟  مش إيه؟…)
قال بتحذيرغليظ  (الواد ده ميدخلش هنا تاني ولو جيت وشوفته والله ما هيحصل خير)
هتفت والدته برفق ولين (يا ولدي يعني هجوله أمشي لو جيه؟)
زعق هيما في غضب شديد (أيوة تجوليله أمشي ومتجيش عشان البيت دا بيت حمزة)
عاتبته والدته (ميصحش يا هيما دِه واد خالك برضو ويمكن أنت فهمت غلط)
صرخ فيها بعصبية (أنا ماليش أخوال، أنا معرفش غير حمزة من يوم ما مات أبويا)توجه ناحية الطاولة الجانبية وأمسك بطبق الفاكهة الكبير يهزه قائلًا
(باكل من بتاع حمزة)
تركه وقبض على قميصه القطني زاعقًا(وبلبس من بتاع حمزة وبتعلم من بتاع حمزة)
اقترب منها يسألها (كان فين هشام دا وأبوه،  بعد ما مات جوزك وعيالك اتيتموا؟)دارت نظراته في الشقة وقال
(كان فين وحمزة بيجبلنا الشقة دي عشان نسكن جنبه؟)
طالع ملابسها وقال بسخرية (دا أنت ِ بتلبسي زي أمه، الحاجه الي بيجبها لخالتي ورد زيها بيكون عندك وتقوليلي واد أخوي)
ربتت والدته فوق كتفه بحنو تهدىء ثورته وغضبه (معاك حج يا ولدي بس اهدأ)
استقام قائلًا بحسم ( الواد دا لو جه هنا هطرده وهمسح بيه الأرض فقوليله ميجيش، ميشرفنيش وجوده ولا هزعل حمزة وخالتي عشانه)
أومأت والدته بطاعة (حاضر يا ولدي)
انسحب هيما لحجرته ومازال الغضب يشعل الحرائق بصدره.
***********"
طرقت سكن باب حجرة ورد تستأذنها الدخول (عمتي ينفع أدخل)
هتفت ورد من الداخل مُرحبةً بوجودها (تعالي يا بتي)
ولجت سكن بتردد وإرتباك،نظراتها مهتزة حائرة ومشاعرها متناثرة مفككة تنازع كل الرغبات داخلها .. جلست بصمت فوق حافة الفراش أفكارها تشبه تلك الملابس المبعثرة والتي تعيد ورد ترتيبها، منحتها ورد ابتسامتها لترتب لها هي أيضًا أفكارها وتشجعها ثم قالت (هااااا إيه شاغل بالك يا بت جلبي)
ابتسمت سكن برضا قبل أن تنفي بكذب (مفيش حسيت بالملل فجولت أجي أجعد معاكي؟)
ضحكت ورد مستنكرة شعورها هذا (واه وحموزتك فين أمال؟)
ابتسمت سكن بخجل وحرج من تقليد ورد لها وهي تهمس بتوتر يأبي تركها (جال هينام شوية ويصحى يكلمني)
زوت ورد ما بين حاجبيها مستحسنة وهي تطوي قطع الملابس وترتبها في الخزانة بعناية شديدة (زين جوي يعني هيسهر معاكي عشان تنامي النهار كله وتفضيله في الليل ناصح واد عبد الحكيم)
اتسعت ابتسامة سكن من تفسير ورد لأفعال ولدها وفهمها له ولتخطيطه، أنهت ورد ترتيب الملابس وقالت براحة وهي تغلق الخزانة (كدِه خلصنا)
قبل أن تغلقها لمحت هديتها لسكن والتي أحضرتها معها خصيصًا منتظرة الوقت المناسب، ابتسمت وسحبتها ثم أغلقت الخزانة جيدًا وعادت لتجاور سكن الصامتة بتفكير، أخرجتها تحت نظرات سكن التي ما إن رأتها حتى شهقت بإعجاب (بدلة الرجص بتاعتك يا مرت خالي)
أكدت ورد بابتسامة متلألأة (جبتهالك معايا وأنا راجعة)
سألتها سكن بحيرة (جبتهالي أنا؟ متى؟)
اتسعت ابتسامة ورد وهي تخبرها بحنان طاغي (لما رجعنا من جنا، أنا وعدتك بيها)
اتسعت عينا سكن فوق ملامح ورد المضيئة وهي تسألها بلهفة(هتديهاني؟  هاخدها؟)
أكدت ورد وهي تُخرج محتوياتها ومكملاتها (أيوة أمال إيه؟ جولتلك يوم ما تتجوزي الي بتحبيه وتكوني سكنه هتاخديها)
وضعت سكن كفها فوق فمها في دهشة عجيبة، متذكرة كلمات ورد لها جيدًا
رددت ما تذكرته منها (جلبك احفظيه للي تكوني لجلبه سكن)
توقفت ونظراتها تلملم ملامح ورد الباسمة في ضمة حنون وسألتها(إزاي مفهمتش)
قرصت ورد خدها ضاحكة في مرح (علشان بجرة)
تنفست الندم مع زفراتها الحارقة (ياريتني فهمت)
ذكّرتها ورد وهي تنظر لعمق عينيها (يومها جولتلك بتهربي مني ليه؟)
طأطأت سكن رأسها وهي تهمس بخفوت وخزي (عشان كنت عارفه بعمل حاجه تزعلك مني)
سألتها ورد مباشرةً بمكر (والنهاردة عملتي إيه يزعلني منك؟)
رفعت رأسها تنفي بهزة رأسها التهمة (أنا معملتش حاجة والله؟)
واجهتها ورد بقوة (أمال عايزة تجولي ايه ومش جادرة)
اعتصرت عينيها بضيق وهي تهمس مصارحةً لها في حزن (روحت عند عمي ولجيت هشام)
سألتها ورد بقلق أخفته عنها رأفةً بها (وبعدين حصل منه حاجة؟)
رفعت سكن رأسها وقالت في عداء وقوة (وأنا هسيبه لما يحصل منه كنت كلته بسناني)
تنفست ورد في راحة وابتسامة إعجاب منحتها لها كهدية لتسألها بهدوء واطمئنان (أمال إيه مزعلك يا مرت الغالي) ابتسمت سكن سعيدة بالوسام الذي منحته لها ورد، تنفست سكن بقوة تستجمع شجاعتها وتشحذ همتها قبل أن تسرد عليها تفاصيل ما حدث..
استنكرت ورد بضيق فعلة هشام بخزي شديد وإنزعاج  (ليه يا ولدي بس)
لتقبض على ذقن سكن وترفع وجهها هامسةً بابتسامتها الدافئة الحنون وتشجيعها الدائم وفخرها بما فعلت اليوم (وأنتِ متضايجة وخايفة ليه ما طلعتي جدعة اهو؟)
هتف سكن باندفاع تنفي عن نفسها ما تظن ورد ستتهمها بها (والله ما حبيت غير حمزة ولا هحب غيره)
ضحكت ورد قائلة بإنشراح (ما أنا عارفة، هو أنتِ لو مكنتيش بتحبي حمزة وراحته معاكي كنت سيبتك يوم معاه ولا على ذمته)
صمتت سكن مشدوهة تنتظر كلمات ورد كمطر (إياك تحسبي حمزة دِه ولدي بس؟!  لاااه دِه ولدي وأخوي وصاحبي وواد حبيبي، رضاه يرضيني وسعادته تسعدني وأحب الي يحبه وأكره الي يكرهه)
نظرت إليها وهي تملّس فوق رأسها قائلة (وأنتِ بتي وبت أخوي وبت حبيبة حبيبي ، وحبيبة ولدي وأم أعز الولد إن شاء الله ولو أعرف مش هتكوني مرتاحة مع حمزة ولا مش بيحبك مش هرضى لك الهوان والتعب، بس ولدي رايدك وراحته معاكي وجلبه مشغول بيكِ)
أدمعت عينا سكن وهي تقبّل كف ورد ممتنة شاكرة.. لتوضح بضيق (كان نفسي احكي لحمزة)
طمأنتها ورد (مفيش داعي، أنتِ رديتي غيبته وحفظتيه ، وأنا مطمنة عليكي وواثقة وعارفه إنك هتحفظي شرفه وتصونيه فأي مكان ووسط مية راجل)
أكدت سكن بدموع من تلك الثقة الغالية التي تمنحها لها ورد(أيوة والله يا عمتي)
هتفت ورد بمكر وهي تترقب رد فعل سكن مستغلة جلسة المصارحة (مش هتنزلي الشغل تاني؟)
انزعجت بشدة متذكرة حسن وأفعاله  (لاااه لما يرجع حمزة بخير؟)
واجهتها ورد(عشان حسن؟)
زاغت نظرات سكن وهوى قلبها لحضيض الزعر، أنكرت (لاااه حسن؟  هو ماله؟)
زرعت ورد نظراتها بعيني سكن قائلة بثبات استندت عليه سكن بضعفها(عشان جلبه اتحرك ناحيتك)
توترت أكثر وتململت لا تعرف بماذا تجيبها، لتتابع ورد برزانة وحكمة
(ياك فكراني نايمة على وداني يابت جلبي لاااه أنا عارفه وسيبتك تتصرفي وحدك عشان أشوف)
دافعت سكن عن نفسها (والله أول ما حسيت منزلتش تاني مكنتش أعرف ولا فاهمة)
ربتت ورد على خدها تطمئنها برفق وعطف وهي تحتوي شتاتها وتجيبها على تساؤلاتها الظاهرة على ملامحها المزعورة (عارفه يا ضنايا وعارفة إن ملكيش ذنب) ثم قرصت ورد خدها وهمست بفخر (مخيبتيش ظني يا بت جلبي )
هتفت سكن وهي تطالعها بتقدير (كيف أخيب ظنك يا غالية، وإيه يبهرني وأنا في الجنة)
ثم صارحتها بما يقلقها ويؤرق مضجعها (خايفة حمزة لما يرجع يحس؟  خايفة من حسن)
سألتها ورد بتعجب (وإيه يخوفك من حسن؟)
همست سكن بإشفاق (خايفة على جلب حمزة من حسن مش عليا أنا)
منحتها ورد قبسًا من الراحة (متخافيش هتدبر بإذن الله)
همست سكن متضرعة  وهي تغمض عينيها في سكينة (يارب)
ثم فتحتهما ومررتهما على هدية ورد بإعجاب وهي تهمس بضيق وقلة حيلة
(ودِي هتتلبس متى وولدك مش جاعد)
ضحكت ورد قائلة (لما يرجع)
مطت سكن شفتيها بغير رضى، ثم قالت بإستياء (شكلي أنا الي هطفش منكم لو اتأخر)
ضربتها ورد بخفة ناصحة لها (اتجلي يا بت شوية، واعملي بس الي بجولك عليه وهينزل ويسيب الشغل وكله)
ثم مصمصت متعجبة ساخرة منها (تطفشي منينا؟ عجايب دا أنتِ مصبراش خالص)
ضحكت سكن متنهدة بهيام (أنتِ الي مخلفة جمر هعملك إيه أنا)
دفعتها ورد برفق قائلة (خدي حاجتك وروحي شوفي الجمر بتاعك وسبيني أنام)
نهضت ورد وضمتها مقبلة رأسها بتقدير وشكر قبل أن تأخذ الهدية بين كفيها بقدسية وترحل.
بداخل حجرتها قررت ارتدائها ورؤية نفسها في المرآة، أعجبتها بشدة ولاقت بداخلها استحسانًا فريدًا وهي تتأمل تناسقها على جسدها وروعة تفاصيلها التي تبرز جمال جسدها وفتنته.
رن هاتفها بنغمته الخاصة فركضت لتُجيب، ثبتت الهاتف وجلست أمامه مبتسمة (نوم الهنا يا حموزتي)
فرك منابت شعره بأنامله هامسًا (حبيبي أخبارك إيه؟)
أجابته بمرح وهي ترتب خصلاتها الطويلة  (تمام لا ينقصنا إلا رؤياك)
مسح وجهه بكفه وابتسم لها قائلًا (وأديني جدامك)
دقق النظر في الشاشة وسألها وهو يجعد جبينه (سكن أنتِ إيه الي لبساه دِه)
نظرت لنفسها نظرة تقييمية قبل أن تقف أمامه مستعرضةً تطلب رأيه (بص شوف وجولي رأيك)
تأملها في انبهار وإعجاب قبل أن يعتدل هاتفًا بإستنكار (بدلة رجص)
أجابته بتأكيد (أيوة ورد ادتهاني هدية)
ضرب جبهته بنفاذ صبر وإنزعاج شديد وهو يغمغم (صبرني عليها يارب)
سألته معاتبةً له بدلال(حموزتي حلوة ولا لاااه؟)
تأملها مرة أخرى بتدقيق قبل أن يهتف بإحباط (حلوة بس؟ حرام عليكي والله)
لوت فمها مستنكرة متعجبة من كلماته (إيه عملت إيه مش باخد رأيك)
سألها ساخرًا منها (دور هند رستم دِه مش هيخلص؟ عشان أنا مش جاعد بمزاجي هنا دا أنا طالع عيني منك ومن نصايح أمي ومؤامراتها والشغل)
دبدبت بإعتراض  وهي تعاود الجلوس عاقدة ذراعيها (وأنا عملت إيه؟)
تأفف قائلًا وهو ينزع نظراته من عليها مستغفرًا (ولا حاجة غيريها وتعالي نتكلم)
اعترضت بتزمت طفولي (حمزة مالها؟)
أنهى فورًا لا يقبل الجدال والمناقشة (جولت خلاص يلا و هستناكي ترني تاني)
تأففت بضيق من فعلته ثم نهضت لتبدلها وتضعها بالخزانة،انتهت مما تفعل وعادت محاولةً الاتصال به 
****"
في اليوم التالي صباحًا
نظرت إليها سكن بإمعان وتدقيق جعل ورد تسألها بإبتسامة متألقة ساحرة(بتبصيلي ليه خير؟)
ضحكت سكن قبل أن تخبرها بإنبهار عجيب وهي تأسر تلك الابتسامة وتخزنها في صناديق ذاكرتها (ابتسامتك النهاردة غريبة يا ورد ومختلفة)
راوغتها ورد متهربة من الإجابة (وأنتِ رايجة ليه)
تنهدت سكن وهي تخبرها بهيام (شوفت حبيبي)
ابتسمت ورد وهي تجيبها على تساؤلها بنفس الابتسامة (وأنا زيك شوفت حبيبي)
قفزت سكن بسعادة وهي تقترب وتجاورها مخمنة (شوفتي خالي)
أكدت ورد وهي تشرد فيما رأت وامتلأت به نظراتها (ماليش حبيب غيره)
جعّدت سكن أنفها معترضة (وحمزة)
سخرت منها ورد بمرح (حبيبك أنتِ وولدي أنا)
تحمست سكن بسعادة (احكيلي شوفتي إيه؟)
رفعت ورد حاجبها ورمقتها باستهجان (احكيلك ليه؟)
تغاضت سكن وواصلت السعي للمعرفة وإرضاء الفضول (طيب ليه فرحانة أول مرة تشوفيه؟)
اغمضت ورد عينيه متنفسة براحة قبل أن تخبرها بنظرة شاردة (مش أول مرة بس مبيخلنيش أطل فوشه كتير وأشبع منه)
سألتها سكن وهي تتأملها بإعجاب، منغمسة معها في بحر مشاعرها (ليه؟)
همست بعشق (بيجولي طلي فوش حمزة تشبعي)
هتفت سكن مستغلة تلك اللحظات وحديث ورد (مبتتكلميش عنه كتير)
أغمضت ورد عينيها تستحضره في نفسها وهي تهمس (أخاف لساني يعتر فكلمة متوفهوش، ولا ميجولش الي يكفيه، كلامي عنه مهما اتقال ينقّصه)
أدمعت عينا سكن بتقدير وإعجاب وهي تهمس (سيدي يا سيدي)
ثم سألتها بحنين وشجن (وأبوي يا ورد؟)
نظرت إليها طويلًا كأنما تستدعيه في صورة ابنته وهمست(رفيج الجلب والعمر والأيام، واحنا صغيرين لما كان يلاجي زحمة يشد على كفي ويتمسك بيه وكبرنا وهو شادد على كفي فكل زحمة ميسبوش،و فزحمة الوجع والخوف والكسرة ساب الدنيا كلها وشد كفي)
انسابت دموع سكن بغزارة قبل أن تنحني وتمسك بكف ورد مقبلة إياه في حنان، تمنح نظرة التيه في عينيها الطريق والفقد في نبرتها الحضور، تخبرها أنها هنا جزءً منه لن تترك كفها.
***************
في قنا بمنزل عاليا
هتف عمار في لوم شديد وهو يطالع والدته (عاجبك يا بوي بجول لأمي ناخد الأوضة مش راضية)
طالعها رفعت بنظرة مستهينه باردة وهو يقترح على ولده (وليه أوضة، جهز شجتك الي فوج وأنجل فيها)
هلل سعد وارتاحت نفسه لقول والده وقراره (صح كدِه)
ليتابع رفعت وهو يسترخي في مقعده قائلًا (وأنا كمان هجهز الشجة الي جنبها)
وضعت نفيسة قبضتها على خدها متسائلة بسخرية (ليه عاد هتتجوز فيها؟)
اتسعت ابتسامة رفعت القبيحة وقال بوقاحة وشماتة فيها (بتجولي فيها، ما أنا هتجوز صُح)
ابتسامته ونبرته الثلجية الواثقة، جعلتها تنتفض وتدرك مدى صدق قوله وجدية ما نطق به، سكنت عاليا في مقعدها تتلفت حولها للوجوه بخوف وترقب، أما سعد فتوجهت نظراته لوالدته منتظرًا الإنفجار.
وقفت نفيسة غاضبة يتطاير الشرر من عينيها (بتجول إيه؟ )
أجابها بنبرة متشفية (هتجوز إيه؟ حرام؟  ولا عيب؟)
صرخت به نفيسة في استهزاء (لاااه جلة عجل وجلة جيمة)
حذرها رفعت من التمادي وهو يعتدل في مقعده (اكتمي)
هتفت عاليا بحزن معتق في نبرتها (بتجول إيه يا أبوي جواز إيه؟)
رمقها رفعت بنظرة زاجرة (ملكيش صالح يا بت)
لم تتراجع عاليا والألم يأسر روحها (لاااه لما تكون العروسة هتيجي تعيش وسطنا يبجا ليا صالح)
قال أبوها بنظرة ناعسة باردة (أنتِ هتمشي مع جوزك لما هي تيجي)
هدرت نفيسة (على جتتي يا رفعت)
ابتسم بوقاحة وهو يقول (هيبجا الفرح وجتها فرحين)
استنكرت عاليا قوله (مين عريسي؟ أنا موافجتش على حد)
هبطت كريمة الدرج مهللة في فرحة مستفزة (مبرووك يا حمايا مبروك)
توجهت الأنظار إليها حتى وصلت إليهم وأقتربت مهنئة رفعت (خالتي كلمتني وجالتلي، الف مبروك)
انتفضت عاليا من مكانها متسعة العينين في ذهول شديد، بينما ضربت نفيسة على صدرها في رفض واستنكار شديد
ضم سعد زوجته بذراعه في حماية مُعلنة، بينما ضرب رفعت على صدره بغرور يرد المباركة (الله يبارك فيكِ يا مرت ولدي يا وش الخير)
سألته نفيسة وهي تشير بسبابتها ناخية كريمة في نفور (دا الكلام صُح عاد وخالت دي كمان)
أكد رفعت بإبتسامة سمجة (إلا صُح)
صرخت نفيسة عدة صرخات مدوية مُهيبة تعلن بها الحداد وتقبل الرثاء وفتح سرادق نفسها للعزاء، انتفض رفعت يخرسها بقبضته التي كانت تتهاوى على رأسها بعنف (اكتمي..)
اندفعت عاليا تفصل بينهما متوسلة له بدموع (بس يا أبوي)
لكنه لم يلتفت وواصل الضرب بعنف ونبرة انتقامية (عشان تكتمي خالص ومسمعش صوتك)
بينما نفيسة تدفعه بقدرة واهية وحرقة قلب دون أن تهين نفسها وتظهر ضعفها بالدموع (منك لله ربنا ينتجم منك)
تحرك سعد لفض النزاع بحيادية حتى لا يخسر عون والده (سيبها يا بوي خلاص)
دفعت عاليا سعد بحنق وزمجرة غاضبة من بروده حيال الموقف وجفاء عاطفته، ووقفت حائلًا بينهما في رفض ، تنهي والدها مقدمة جسدها قربانًا يأكله الغضب و تطاله يد الأب الأثمة، ما كانت تحتاج لأكثر من ضربتين متتاليتين تحملان عداءً شديد حتى تسقط أرضًا فاقدة للوعي.
تراجع رفعت خطوة مُحملقًا في جسدها المسجى بلهاث بينما ولولت نفيسة وهي تجلس على ركبتيها ترفع رأس فتاتها عن الأرض متوسلة (بت يا عاليا جومي)
انحنى سعد في قلق يحاول معها بعدة ضربات على خديها (بت يا عاليا)
مسحت نفيسة الدماء عن أنفها بظاهر كفها وعادت لتربت بنفس الكف على رأسها لتفيق (عاليا)
انسحب رفعت من المشهد بقسوة، بينما وقفت كريمة تتابع بشماتة، حملها سعد بين ذراعيه وركض بها للوحدة الصحية القريبة منهم.
ركضت نفيسة وارتدت عباءتها السوداء ووضعت حجابها الأسود بعشوائية ثم لحقت بهما ،  جلست كريمة في برود ولا مبالاة واضعة ساق فوق الآخرى بسعادة وقهقه عالية.
**************************
انحنى يفتش عن قلمه الذي سقط من كفه تحت الفراش، فوجد ورقة مطوية، جذبها وجلس فوق الكرسي يفضها، تبدلت ملامحه في ثانية، قرأها أكثر من مرة قبل أن يُلقي بها وينقر فوق هاتفه بعصبية وغضب شديد.
ما إن جاءه صوت هيما حتى قطع حديثه (عايز أعرف عمار جه هو وخاله ليه وعملوا إيه عشان سكن تعملهم محضر ؟)
ابتلع هيما ريقه بتوتر شديد قبل أن يتصنع الجهل (قصدك إيه مش فاهم؟)
زعق حمزة بغضب وهو يضغط خصلاته (هيما اتظبط)
اضطربت أفكار هيما وتشتت، حاول التملص منه والتهرب حتى يسأل خالته (طيب مشغول هخلص الحصة واكلمك)
هدر حمزة في عصبية شديدة (إبراهيم متلفش وتدور هتحكي ومش هتجول لخالتك إني عرفت)
حاول هيما محاورته بهدوء لكنه حذره (هعرف من زين لو مجولتش وساعتها مفيش بينا كلام، كفاية إنك مجولتش ولا عرفتني)
اعتذر هيما شاعرًا بالمحاصرة (غصب عني والله خالتي وسكن نبهوا عليا والصراحة سكن مقصدرتش)
لانت ملامح حمزة قليلًا تنفس بهدوء مسيطرًا على انفعاله الشديد وحثه (احكيلي حصل إيه ومتسيبش تفصيلة)
لطم هيما بقلة حيلة وهو يغمغم بكلمات غير مفهومة مما جعل حمزة يكرر تحذيره (لو أمي عرفت هنفخك والله العظيم)
التقط هيما أنفاسه ودفع الكلمات مرة واحدة (الي حصل.....
ما إن انتهى ثار حمزة ودار في مسكنه غاضبًا يلكم الجدار بقوة لا يبالي سوى بألم قلبه ووخزات ضميره وشعوره بالتقصير تجاه والدته وزوجته التي عاشت تلك الأحداث وحدها وتحملت مهانة وضرب أخيها.
تذكر إصابات وجهها وسأل هيما بوجع (لما كلمتكم وكان وشها متصاب ده بسبب عمار)
هتف هيما مؤكدًا قوله (أيوه)
شد حمزة خصلاته بقوة لاعنًا عمار متذكرًا وعده لها في تلك البقعة التي يقف فيها الآن، بأن لا يمسها سوء ولا تُمد يدًا عليها
سأله هيما بقلق وخوف(ناوي على إيه؟)
قال حمزة باقتضاب وهو ينهي الاتصال (بعدين هجولك سلام دلوجت)
على الفور كان يهاتف عمار، لن يهدأ حتى يفعلها.. حين أجابه عمار صرخ حمزة دون وعي بغضب مكتوم وهوان يتربص بقلبه 
(بجا أنت تروح بيتي فغيابي وتتهجم على أمي و تمد يدك على مرتي؟)
هتف عمار بلا مبالاة وتأفف غليظ (حمزة!) ملامحه أعلنت  النفور من تلك المكالمة الثقيلة،أزاح الهاتف عن أذنه مطالعًا الرقم في رغبة لإنهاء الاتصال وتركه يصرخ ويثور بعيدًا عنه لكنه تنفس وقال بعدما أعاد الهاتف لأُذنه (دي أختي جبل ما تكون مرتك) ثم قال بسخرية (وبعدين إيه الطريجة بتاعتك دي)
هدر حمزة فيه مغتاظًا من بروده (طريجة إيه؟) ثم هزأ منه
(عايزني أجولك ازيك يا عمار عامل إيه؟ يا بجاحتك) 
زعق عمار بنفاذ صبر وإنزعاج (احترم نفسك واتكلم عدل، سكينة أختي ويحجلي أعمل الي عايزه)
لكم حمزة الجدار الذي أمامه بغضب وهو يصرخ فيه (أختك!  والله! ويحجلك كمان،يا أخي كسر حجك)
أبعد عمار الهاتف عن أذنه مستاءً من صوت حمزة العالي وغضبه، يلعنه، أعاد الهاتف لينهي الاتصال ليصله تهديد حمزة الصريح
(ورحمة أبويا وأبوك لأكون كاسر يدك الي اتمدت عليها هي خدت علاج و٢١يوم أنا هخليهملك الضعف ولو كانت عمتي معرفتش تربيك أربيك أنا)
صرخ عمار بغضب من تهديده،مستهجنًا قوله  (بتهددني بدل ما تتلم أنت وهي)
ضحك حمزة ضحكة غليظة ساخرة وهو يخبره بإحتقار (خلصت... أنا هاجي أمسح بيك الأرض ومحدش هيخلصك مني)
قال عمار هازئًا منه مستفزًا له في برود  (ورينا شطارتك)
هتف حمزة بغضب وندم لتركه والدته وزوجته ( شوف والله زعل أمي يومها ما هيعدي وبكاء مرتي ورحمة أبوك
لأكون مخلصه منك بعدد دموعها كلها الي نزلت بسببك وهجيب الجديم والجديد يا عمار الكلب ولا هيفرج معايا حد ولا هعمل حساب لحد )
أنهى عمار الاتصال متخذًا السخرية درعًا كارهًا استماعه له (يلا من غير سلام شوف طبيخك)
ما إن أنهى الاتصال بعمار حتى سارع بمهاتفة مودة التي انسحبت من جوار زين واختلت بنفسها بعيدًا تهمس، بعدما سألها عن أخبارها وصحة زوجها طلب منها(عايز عنوان شجة عمار فجنا الي جاعد فيها)
سألته مود بقلق (ليه خير في حاجة؟)
أجابها بإختصار وضيق (مفيش عايزه مش هو برضو نجل فجنا؟)
أجابته بتأكيد (أيوه)
قال حمزة بجدية وحزم (اكتبيلي العنوان بالتفصيل يا مودة وأوعي تجولي لسكن أني خدته)
ارتبكت مودة وحارت في أمرها، تردد (بسس
قاطعها بحدة أول مرة تستشعرها منه (مبسش يا مودة)
وافقت مودة بعدم اهتمام (تمام الي يريحك)
سألها بعدها بلين (عايز أكلم زين لو جنبك؟)
استدارت عائدة لزوجها وهي تخبره بترحاب (جنبي ثواني)
منحت الهاتف لزين قائلة (حمزة عايزك)
تناول زين الهاتف بملامح غامضة أدهشت مودة التي وقفت مترقبة
(ازيك يا حضرة الضابط ألف سلامة عليك)
أجابه زين بعملية وجدية (ازيك يا دكتور حمزة الله يسلمك)
شكره حمزة بإمتنان(شكرًا على وجفتك مع مرتي والي عملته)
أفسحت ملامحه المغلقة لابتسامة مشاغبة وهو يهتف (عيب عمك دا حبيبي)
ابتسم حمزة قائلًا (إن شاء الله أجيلك جريب)
رفض زين شاكرًا (لا متتعبش نفسك)
هتف حمزة بسخرية (لا أزاي لازم اطمن عليك وأجي لعمار بنفسي)
اتسعت ابتسامة زين وشجعه بحماس (فدي معاك حق وأنا مستنيك تجبهولي في الأوضة الي جنبي و تقعد معايا شوية)
ضحك حمزة موافقًا على قوله (تمام)
أعلن زين حماسه للفكرة (عايز مساعدة ولا هتكسرله إيده بنفسك)
كتمت مودة شهقتها بباطن كفها فرمقها زين بنظرة ثبتتها وأخرستها فهتف حمزة (لاااه خليها علينا المرة دي)
هز زين رأسه مستحسنًا (تمام هستناك يا دكتور)
أنهى الاتصال ومنحها الهاتف متسائلًا (إيه مالك؟)
سألته بقلق (حمزة هيجي لعمار عشان الي عمله؟)
ابتسم زين بإنشراح وهو يخبرها بأمنيته (كنت مستنيه والله، أصل أخوكي محتاج يتربى)
زمت شفتيها بغير رضى وانتهج الجدية (أخوكي يا مودة يستاهل إزاي يروح لأخته فغياب جوزها، ويسمح لنفسه يمد إيده عليها ومحترمش مرات خاله ولا وجودهم لوحدهم)
طأطأت مودة رأسها بخزي من أفعال أخيها ليبتسم زين وهو يهمس (غلطان أنا؟  بعدين لو مكان حمزة كنت حسرت أمك عليه، خليه بس يلمس شعرة منك)
ابتسامة مهزوزة رسمتها على ثغرها بمشاعر مضطربة متضاربة، ليصرف تفكيرها عما يقلقها قائلًا (أكليني يلا علشان تلحقي تروّحي)
تركت الهاتف جانبًا  واقتربت تساعده في تناول طعامه داعية الله أن يمر الأمر بسلام.
*************
رمى حمزة الهاتف لاعنًا في ثورة غضب مجنونة، يضرب بقبضتيه الطاولة وهو يلعنه ويتوعده ألف مره.
تذكر وصايا والدته وكلماتها فترك مشاعره المتقدة جانبًا ونحى غضبه سارع بالوضوء وإطفاء تلك النيران بالماء، افترش سجادته متذكرًا قول والدته له (تعبان صلي يا حمزة، حزين صلي، مهموم صلي، صلي وأوصل بينك وبينه هيدلك ويهديك)
جلس بعد دقائق أرضًا يذكر الله ويناجيه، يرتب أفكاره المبعثرة ويلملم شتاته وشظايا روحه المتناثرة في حقول الغضب
أمسك بهاتفه متخذًا قراره (عايز احجز تذكرة لمصر بعد بكرة إن شاء الله)
حين استقر وهدأت ثورته، اختار أن يلوذ بها، هاتفها وهو يتسطح فوق الفراش استعدادًا لأخذ قسطًا من الراحة يفصل به قليلًا، عاتبته برقة (فينك برن عليك مبتردش)
همس برجاء (افتحي الكاميرا يا سكن خليني أشوفك)
فعلت كما أمرها، جاب ملامحها التي يعشق بنظرة متوجعة نادمة قبل أن يهمس (العلامات الي فوشك راحت يا سكن.)
اندهشت من تطرقه المفاجيء للأمر وسألته (ايه فكرك؟  بعدين أنا كلي علامات والكريم الي جبتهولي بستعمله وكويس)
مال فمه بسخرية وهو يتأمل وجهها (مفعولة سحر، خفى عن عيني حاجات كتير يا سكن)
همست بعشق وهي تمنحه أروع ابتساماتها (السحر فيك أنت يا حمزة، ولا ألف كريم كانوا هيعملوا حاجه من غيرك، كلمة واحدة منك بتضيّع الوجع والتعب وتبدل العلامات فل وياسمين، مبجتش أشوفهم أصلًا زي الأول راحوا وكأن كل حاجة حلوة تبدأ بيك وتنتهي بيك)
أغمض عينيه متأثرًا بقولها الذي داعب نبضاته ، تنهد بحزن يخيم على صدره وبعدها همس وهو يهرب بنظراته منها (آسف يا سكن إني بعدت وسيبتك كل دِه)
شعرت بالقلق من نبرته الغارقه في الحزن وملامحه المتألمة في حسرة، ونظراته بئر أسرارها المشتتة، همست تسأله (مالك يا حمزة إيه مزعلك؟)
شحذ ابتسامة مخادعة وقال متمالكًا نفسه (مفيش وحشتيني بس)
ضمت شفتيها ونظراتها لا تبرح وجهه بتأمل، همست غير مقتنعة (لااه أنت زعلان من حاجه وفي حاجة مضيجاك)
راوغها قائلًا (لااه زعلان عشان اشتقتلك ومتضايج عشان مش طايل أخدك فحضني، راحتي كلها فيكِ وعندك يا سكن)
شعت ملامحها بإبتهاج خاص، ضحكت بسعادة ونظراتها تتألق (ماشي هصدج إن دِه السبب)
أغمض عينيه وقال لها (اتكلمي يا سكن ومتسكتيش حتى لو لجتيني نايم)
تعجبت من قوله وحولت الحديث فقاطعها متعربًا بنبرة هالكة (تعبان شوية ومش هعرف أنام وأنا لوحدي دلوجت)
لولا معرفته أن والدته ستكشفه، لركن إليها بضعفه وانهزامه وخيبته في الأقربين، ستعرف ما به وإن جهلت ستسأله ووقتها لن يستطيع التملص منها، ستقرأ نواياه وقد ترفضها وهو لن يهدأ حتى يفعل ما يريد، تركها تثرثر أحيانًا وتقرأ أحيانًا ونام
صوتها وحده من يستطيع بعد والدته التهوين عليه، شعوره أنها بخير وبأفضل حال مسكنًا فعالًا لكل أوجاعه المزمنة.
********
دخل جدها الحجرة ليجدها على وضعها وجلستها منذ تركها ورحل ليحضر الدواء، في ركنها القصي الذي تفترشه جوار فراشه  تلوذ به محتمية من هجمات الحزن مصفدة بالضياع ومعصوبة بالنكران ، تضم ركبتيها لصدرها في بؤس قاتل، تذرف الدموع بلا توقف وليس لجزعها نهاية.
أسبل الجد أهدابه بعجز قبل أن يخطو ناحيته ويجلس بالقرب منها قائلًا بعتاب (لسه بتبكي يا عاليا)
مسحت أنفها وقالت ساخرة (خدت تفريعة من نهر النيل عشان يبجا دمياط ورشيد وعاليا) اغتصب الجد ابتسامة واهنة ليُرضيها، لتقول وهي تنظر للدواء (كل دِه علاج ليه عندي إيه؟)
منحها الحقيبة البلاستيكية قائلًا  (خدي يا بتي واشربيه فيكِ العافية)
طوحته ساخرة (ولا هيعمل حاجة الوجع في الجلب والروح يا جدي)
شاركها الألم بطأطأة رأس عاجزة، قبل أن يخبرها بأمل سحبها لجنته الخاصة (الشيخ سليم طلبك مني تاني يا عاليا)
تعلقت نظراتها به في دهشة امتزجت بالأمل وهي تستنكر (لسه مزهجش؟)
قال جدها بإبتسامة حنون (رايدك يا عاليا، وجال طلبه مش هيتسحب ولو استنى العمر)
رفرف قلبها بين ضلوعها فرحةً بقوله ورغبته المستميتة رغم ما حدث، لكنها سرعان ما تذكرت سبب تعاستها وقالت بيأس (جوله يشوف حاله ياجدي)
رمقها بنظرة متحسرة قبل أن يطرق برأسه في تفكير هامسًا (خير يا بتي محدش عارف بكره فيه إيه)
ابتسمت هامسةً بيأس (بكره مشرق جوي يا جدي وباين اهو)
سحبت الشال الرجالي من على كتفها ومنحته له شاكرة ً(خد يا جدي الشال أنا دفيت خلاص)
ابتسم وهو يأخذه منها قائلًا (دِه شال الشيخ سليم يا عاليا، لما روحت وراكي المستشفى لجيته واجف براها مستني وأدهوني أغطيكي بيه وأنتِ مروحة)
توقفت كفها الممدودة به في رغبة قاتلة ونزاع، تريد الاحتفاظ به أو إبقائه لأطول فترة ممكنة وتريد رده له في سرعة ليموت الأمل داخله قبل أن ينجب السعي الذي قد يهلكه... في تلك اللحظة تذكرت والدها وأخيها فتلاشى النزاع، قدمته رافضة (خد يا جدي وجوله شكرًا،بس هو عِرف منين ؟)
أوضح جدها بتقدير واحترام (ساكن جنب المشتشفى، وشافهم وهما بيجروا بيكِ وفضل جريب منينا بعد ما مشي سعد ، لما طلعتي بعبايتك رمى شاله على كتفي وجال داريها)
انهمرت دموعها بغزارة ليتابع جدها (شافني دلوك رايح أجيب الدوا وخد هو الورجة وجابه وادهوني)
لا تدرى لما انتفضت مفتشة فيه، خاطر ما أخبرها أن أرسل لها شيئًا ما، لم يكذب حدسها ولا خيّب سليم ظنها، وجدت ورقة مطوية بعناية فضتها بعينين سابحتين في بركة دموع (مأمور من جلبي يا ست البنات،أجر وعافية هدعيلك فكل صلاة بإذن الله )
************
🌹بعد مرور يومين 🌹
كان يهاتف مودة ليعرف منها رقم الشقة والطابق، ما إن تأكد أنه يقف أمامها حتى أغلق الهاتف ووقف يرن الجرس منتظرًا وهو يرفع أكمامه ويستعد.
فتح عمار الباب في غفلة؛ ليجد حمزة أمامه مبتسمًا بظفر يشمّر ساعديه قائلًا(ازيك يا واد الخال؟)
لم يمهله بعدها الرد لكمه بقوة على وجهه فاختل توازنه وتراجع للخلف ممسكًا بأنفه، دخل حمزة الشقة وأغلق خلفه قائلًا لزوجة عمار التي تقف خلفه مزعورة (ازيك يا مدام معلش جيت من غير ميعاد، ومبرروك عالجواز ولو انها متأخرة)
عاجلة حمزة بضربة أخرى قبل أن يفيق فصرخت زوجته بتردد لا تعرف هل تبقى  بجانب زوجها أم تدخل وتغلق عليها (أنت مين؟)
ابتسم حمزة بسخرية وهو يجيبها بينما يقبض على ملابس زوجها ويشده (حمزة عبدالحكيم ابن عمته وابن خاله وجوز أخته)
رددت باستنكار وهي تتراجع للداخل (جوز سكينة)
أكد حمزة بفخر وكأنه نال أمرًا موقعًا بضرورة تأديب زوجها حين ذُكر اسم حبيبته..صرخ بها عمار في حدة (ادخلي جوا واجفلي عليكي)
وقف عمار يبادله الضرب بعدما استجمع قواه، فصرخ حمزة بزوجة عمار لا يروقه وقوفها رغم تحذير زوجها  (مش جال ادخلي، أنا وواد خالي هنجول كلمتين براحتنا)
نقّلت نظراتها بينهما في تردد ليهدر فيها حمزة مرة أخرى وهو يسحب عمار ليجلسا (ادخلي)
دخلت وأغلقت الباب خلفها بإحكام، فنهض حمزة وأمسك بتلابيبه (بجا أنت تيجي تمد يدك على مرتي فبيتي)
واجهه عمار ببرود وسماجة (أختي)
لكمة حمزة زاعقًا (دا عند أمك مش عندي)
بادله عمار اللكمة وهو يقول (أمال أسيبها لغاية ما تفضحونا أنت وهي)
ثار حمزة وضربة عدة ضربات متتالية عنيفة قائلًا من بين أسنانه (اتكلم عنها كويس، هي ملهاش ذنب فحاجة لو عايز تحاسب حاسبني أنا، وأنا اهو جدامك وبرضو مالكش حاجة عندي أنا حر فحياتي)
سخر عمار منه وهو يتفادى بعض الضربات (حر لما كنت وحدك مكنتش تلزمنا)
انغرس سهم كلمات عمار السام بخافقه وتوقف قليلًا عن ضربه متألمًا، متحسرًا قبل أن ينقض عليه من جديد منفذًا ما أنتوى فعله
داخل المستشفى، كانت مودة تخبر زين بقلق (حمزة عند عمار)
انتفض زين جالسًا مبتسمًا برضا مثنيًا عليه (والله جدع عملها واد الأستاذ)
تعجبت مودة واندهشت من موقفه تجاه أخيها وإن كان يستحق، فسحبت حقيبتها وقالت (هروح ألحقه جبل ما يعمل حاجه)
أمسك زين بذراعها مانعًا (سبيه يا مودة دا ابن خاله وهو ح ياخد حق مراته زي ما يحب)
استنكرت بغضب (ما يروح لعمه هو السبب ملا دماغه)
قال زين بجدية وإقناع(الي يستاهل أخوكي لأنه سمعله ووافق يروح لأخته وعمته وهما لوحدهم يفزعهم، رفعت مكانش يقدر لوحده)
شعرت بصدق كلماته وحقيقتها فصمتت بإنكسار خدش قوتها أمامه، فواصل زين (بعدين من بعد ما خد شقة لمراته فقنا وسابكم وأنا مخنوق منه ولو ينفع كنت عملتها أنا)
صمتت بعينين دامعتين في خذلان قاتل، أحس بها فجذبها وأجلسها جواره هامسًا (بتبكي ليه؟)
ماتت كلماتها على عتبات الحرج والخزي فهمس يغلف رغبته بالسخرية(يموت رفعت والدنيا تتظبط)
رفعت إليه نظرات مهزوزة بالزعر فابتسم ومال بسرعة يخطف قبلة من شامتها قائلًا(فليحيا حمزة وتحيا الفرص)
انتفضت واقفة متضرجة بالخجل من لمساته وقبلاته التي يخطفها في كل وقت، وحين تأتي الفرص غير غافل أو متهاون بل يتربص بقربها منه ليفعلها ومن بعدها يضحك بإنتصار..
طُرق الباب فمسحت دموعها بسرعة وعدلت من هيئتها ثم اتجهت للباب،تفاجئت بحمزة أمامها مبتسمًا كعادته (ازيك يا مودة)
استقبلته بترحاب وهي تفسح له مجالًا ليدخل الحجرة (ازيك يا دكتور نورت جنا)
دخل حمزة الحجرة بتؤدة قائلا (الحمدلله)
اعتدل زين مستقبلًا له (يا اهلا بخال العيال)
سلّم عليه حمزة بمودة وشعور صادق بالأخوة ثم جلس قائلا (أخبارك إيه ألف سلامة عليك)
ابتسم زين قائلًا(بخير الحمدلله ربنا ياخد ولاد الحرام بدري بدري)
قطبت مودة مفكرة في تفسير كلماته، لكنه صرف تفكيرها بقوله (مش هنضايف الدكتور ولا إيه؟)
رفض حمزة (لا مفيش داعي أنا جاي اطمن عليك وهمشي يادوب ألحج الجطر)
اعترض زين وهو يصرفها بإشارة من يده (يلا هاتي حاجة لحمزة وشوفي أخوكي جه ولا نبعتله إسعاف)
غادرت في غيظ من سخريته وشماتته بأخيها، ليبتسم موجهًا حديثه لحمزة (جدع يا حمزة والله يستاهل)
شكره حمزة بإمتنان (شكرًا ليك على وجفتك معاهم مجاتش من الجريب)
هتف زين متفهمًا (ما أنا قريب برضو وخال العيال وعمهم، سيبك منه دوره جاي وهظبطهولك)
دخلت مودة بضيافته فنهض حمزة مستأذنًا (اسيبكم أنا والحمدلله اطمنت عليك)
رفض زين مغادرته (يا ابني أقعد لسه بدري)
أخبره حمزة بشكر حقيقي (رجعت على مطار الأقصر ولسه مشوفتش أم حمزة ولا مرتي)
تفهم زين قوله (ماشي مش هعطلك ربنا يسهلك سفرك)
هتفت مودة (أمي هتزعل وجدي يا حمزة استنى سلّم عليهم)
ابتسم حمزة قائلًا بحزن (عمتي فكل الحالات هتزعل فامشي أحسن)
ضمت شفتيها متفهمة سبب قوله، فتخطاها متجهًا للباب قائلا (يلا مع ألف سلامة)
غادر حمزة وتركهما وحدهما، جلست مودة مهمومة قلقة من القادم فأزال زين ما هي فيه بمشاكسته (هاتي العصير اتقوى)
منحته له بابتسامة مهزوزة وفكر شارد مشتت.
*****""
تعجبت سكن من وقفة ورد أمام الشرفة اليوم، وابتهاجها الخاص فسألتها (خير يا ورد من امبارح فيكِ حاجة غريبة)
ابتسمت ورد ابتسامة واسعة وهي تخبرها (مفيش بس جلبي بيهمس بحاجة غريبة)
سألتها سكن وهي تعلق حقيبتها على كتفها (إيه؟)
أجابتها ورد وهي ترمقها بنظرة متأملة (روحي بس عند عمتك منى زي ما طلب هيما)
تنهدت سكن قائلة (هروح اطمن عليهم واشوفهم لو محتاجين حاجه، عمال يصرخ فوداني عشان عمتي تعبانه وهو عايز ياكل والبيت يضرب يجلب، ويجولي بخدمك اخدميني)
ابتسمت ورد شاعرة بأن هيما يخفي عنهما أمرًا هام ويتزرع بمرض والدته لتأتيه سكن، تشعر بتدبير خلفه فلذة كبدها..
أمس استيقظت من النوم قلبها يطرق بقوة هامسًا بمجيئة وحضوره، الهواء يحمل لها رائحته، الجو حولها معبق بأنفاسه فأيقنت أنه هنا يشاركها نفس الهواء ونفس الأرض.
تنهدت سكن تنهيدة قوية أحضرت ورد من شرودها فجرى السؤال على لسانها (مالك يا سكن؟)
صارحتها سكن بالشعور الخفي (حاسة جلبي كأنه ركّب جناحين يا ورد وبيطير جوا صدري، وروحي خفيفة بتجري ورا  فراشات، كأن حاجة حلوة مستنياني)
سألتها ورد بفطنة (كلمتي حمزة؟)
أكدت سكن باهتمام (أيوة وخدت أذنه إني أروح لهيما)
أثنت ورد على فعلتها وقالت بمرح (جدعة جومي يلا استني الحلو الي مستنيكِ)
ودعتها سكن بقبلة على الرأس ورحلت
لتضع ورد راحتها على قلبها هامسةً(واه يا حمزة مرسال جلبك وصلني جبل ما ينطقها لسانك يا ضنايا)
#انتهى


ملاذ قلبي سكن Tempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang