🌹السابع والثلاثون🌹

1.2K 61 23
                                    

🌹السابع والثلاثون 🌹
صَلُّوا‬⁩ ⁦‪عَلَى‬⁩ ⁦‪مَنْ‬⁩ عَلّمَنَا اَلْحُبَّ
وَآخَى الْقَلْبُ بِ اَلْقَلْبِ
وَفتَحَ لِلْخَيْرَاتِ كُلُّ دَرْب
صَلُّوا‬⁩ ⁦‪عَلَى‬⁩ ⁦‪مَنْ‬⁩ يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّتِي أُمَّتِي
اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد💜
*********
وضعت لها هند كوب العصير جانبًا وهي تسألها بإهتمام وعناية (أخبارك يا سكن أحسن بإذن الله؟)
هزت رأسها في مُجاهدة وعينيها الغائرة تفتش عنه بأمل، بحثت في ملامح ورد المتربعة بالقرب منها عن بصيص أمل يمكنها به صد رياح اليأس والكآبة عن نفسها لكن لم تجد إلا دموع متكدسة تخفيها عنها ببسمة شفاة جافة، ربتت هند بحزن على رأسها شاعرة بالمسئولية تجاه تلك الصغيرة ، لتسارع سكن بالسؤال في لهفة (مفيش أخبار حمزة متكلمش؟  محدش جال حاجه عنه؟)
لفظت السؤال وتحرك جسدها يتتبع تنقل نظراتها حوله مفتشتةً عن الهاتف وهي تقول بسرعة وإرتباك (يمكن كتبلي، أو حتى رن)
صمدت هند أمام انهيار سكن الوشيك ، تتابع بحزن خيبتها وارتعاش جسدها ونظراتها المتوسلة لاسمه وصورته (رد يا حمزة، رد وجول إنك زعلان مش أكتر وإن مفكش حاجه، رد واعمل الي عايزه وأنا راضيه)
تساقطت دموعها بغزارة وجسدها ينتفض بقوة وقد طعنته الخيبة في عزمه وبأسه فسقط مدرجًا بدماء الانكسار والخذلان، سحبت منها هند الهاتف رغم محاولات سكن المستميتة لإبقائه ومعاودة الاتصال وتوسلها(هيرد المرة الجاية متأكدة حمزة أطيب وأحن من إنه يسيبنا كِده جلبنا واجعنا عليه)
هدأتها هند برفق وهي تبعد الهاتف محاولةً الحديث معها بهدوء والخروج بها من تلك الحالة التي تلازمها منذ أمس(أشش ينفع تهدي يا سكن حمزة ميرضيهوش حالتك دي)
توقفت عن البكاء ونظرت إليها بإمعان تقلّب كلماتها بين كفي الصدق لتوضح سكن ونظراتها تهرب لورد التي طأطأت رأسها في انهزام واستسلام أوهنها (عارفة بس مش جادرة والله)
مالت هند وهمست برجاء حار (سكن اتماسكي علشان طنط ورد لما تلاقيكي كدا هتتعب أكتر)
تنسمت الحقيقة في كلمات هند فمسحت دموعها وهي تهز رأسها مؤكدة على كل ما قالته هند (صح معاكي حج، أنا مش لازم أبجا كده حمزة هيزعل ولو ورد تعبت هيزعل أكتر، حمزة مبيتحملش فيها حاجه)
ابتسمت هند براحة وقد وصلت لمبتغاها، تناولت كوب العصير وقدمته لسكن مشجعةً (خدي اشربي واجمدي)
تناولته بإرتعاش، قربته من فمها المرتعش ترتشف مرة ببطء ومرة بسرعة كأنها كل مرة تتحدى داخلها فكرة وتهزمها مرة باليقين، ومرة تستسلم لها.
انتهت منه فأعادته لهند قائلة وهي تنهض من رقدتها الكئيبة وانزوائها المميت (هجوم أصلي)
استحسنت هند القول فأفسحت لها المجال ونهضت موازية لها تساندها وتحمل بعضًا من وهن جسدها فهتفت سكن بعزيمة (أنا بخير هروح لوحدي)
تركتها هند متجهةً بأفكارها لاتصالاتها المتكررة ورسائلها التي لا تتوقف  ، تسخّر مالها ومعارفها هي ووالدها للبحث عنه والوصول لمكانه.
بينما بقيت ورد على صمتها الوقور واحتفظت رغم الألم والمرارة بنظرتها القوية الدافئة التي تربت رغم قصر اليد وتحنو رغم قسوة الحياة، لا تتوقف عن ذكر الله ومناجاته والدعاء لوحيدها
*بالحجرة المجاورة وقفت سكن بين يدي الله باكية متوسلة، تتضرع إليه ليكشف عنه السوء ويعود إليها في أفضل حال، تكرر كل ما لقنه لها عمها من ذكر وأدعية وآيات، تصمد مرة وتنهار مرات مرتعبة من فكرة الفقد وحرمانها منه، كلما لعب الشيطان بعقلها هزمته بحسن ظنها وهدأت.
دخلت عليها ورد بعدما زهدت الصمت ورحلت هند، ابتسمت لها بحنو وبعدها تقدمت منها وجلست جوارها تعانقت نظراتهما قليلًا قبل أن ترمي سكن نفسها بين ذراعي ورد، ربتت ورد فوق رأسها في صمت مقدس وهي تغمغم بأدعية متفرقة بصوت خافت سرّب الأمان لنفس سكن وجلب الاسترخاء لجسدها، شعرت ورد بسكون جسدها وانتظام أنفاسها فتيقنت من نومها وسيلة تتخذها سكن للهروب من كل تلك الضغوط النفسية التي تتعرض لها، فردت ساقيها أمامها وعدلت وضع سكن لتبقى رأسها فوق فخذي ورد مستقرة..
تابعت ورد رقيتها لها وتلاوة الأذكار والآيات خوفًا أن يعود لها تعبها مع تلك الغمة ويذهب ما فعله معها عمها أدراج الرياح .
**********
جلس هشام حول طاولة متهالكة في مقهى صغير مترامي الأطراف يوزع نظراته مفتشًا عن الصبي الصغير العامل بالمقهى.
سحب سيجارة وأشعلها وهو ينقر فوق هاتفه بسرعة، يحاول الاتصال بعمه حسان الذي اختفى منذ مدة ولم يستطع العثور عليه والوصول إليه، رن هاتفه حتى انقطع بعدها اتجه للفيس باحثًا عن معلومات تخص غريمه هكذا كان دأبه منذ ما حدث المراقبة بحقد، تحفزت خلاياه وانتبه للفيديو المثير للجدل، ألقى سيجاره واستمع بصبر لما يقال.
ابتسم بعدها برضا وتشفي واضح مغمغمًا بانتصار (تستاهلوا والله بالشفا)
فرد ساقيه بعدما وضع الهاتف وصفق بيديه يطلب (شيشة تفاح وشاي هنا)
بينما هو متكئًا مسترخيًا يفكر مرا من أمامه عمار وخاله، وقفا قليلا وبعدها جلسا بالقرب منه منشغلين بالحديث، اعتدل هشام بعزم، قال بإبتسامة لزجة (المشاريب عندي يا أبو سعد)
إلتفت له رفعت مضيقًا عينيه بضيق فابتسم له هشام بسماجة جعلت رفعت يتأفف ويميل تجاه عمار قائلا بخفوت (كنا ناجصينه)
أدار عمار رأسه ليرحب به هشام (واد العم)
أشاح عمار حانقًا بعدما رمقه بنظرة محتقرة،وقف وسحب الكرسي الذي كان يجلس فوقه حتى وصل لطاولتهما وضعه بينهما ثم جلس فوقه تحت نظراتهما المندهشة قائلا ببرود  (جصصكم كترت ؟  بتكم مش هتلموها ولا كبيركم ممشيكم على كيفه)
طالعه رفعت بعداء شديد بينما استفسر عمار بغضب (جصدك ايه؟  ومين كبيرنا)
ابتسم هشام وهو يردف بتشفي (كبيركم الي عامل فيها شريف واهو خدها وكمّل فضايحكم)
انتفض عمار بعصبية، أمسكه من تلابيبه زاعقًا (احترم نفسك وأعرف بتكلم مين)
أبعد هشام يدي عمار وهو ينفض عن ملابسه موضع كفي عمار غبار وهمي في اشمئزاز (اعمل راجل على غيري يا عمار اتشطر على الي عمل فيها راجل و بيمرمغ عرضكم وشرفكم في الأرض ومخليه سيرة فبوق مصر كلها)
زعق فيه رفعت بغضب مسعور (واد عزام الكلام خلص غور من هِنا)
سحب هشام كرسيه من جديد وهو يضمهما بنظرة واحدة ساخرة (الظاهر كبيركم عايز رباية هو وبتكم يكش تفلحوا وتلموا الي اتبعتر منكم يا أبو سعد عشان ريحيتكم  فاحت في النجع كله وبجيتوا متسووش)
سحب عمار سلاحه باندفاع أهوج واقترب من هشام موجهًا فوهته لصدغه وهو يقول من بين أسنانه (شكلك عايز جتيل ومش هتفضها يا واد المركوب انت)
تشابكت النظرات في تحدي ليقول هشام ساخرًا مشيرًا بإستهزاء لما فات (وماله اجتلك وكدِه كدِه أخرتها صُلح)
زمجر عمار فابتسم هشام شاعرًا بالظفر، ليتجمع الموجودين ويلتفوا حولهما محاولين فضك الاشتباك وتهدأة الأمور، انسحب هشام ببرود بينما أعاد عمار سلاحه لموضعه وهتف لخاله (يلا بينا يا خال والله ما أنا راجع غير بيها يا أما اجتلها هي وهو ونخلصوا)
عاد هشام للمنزل سعيدًا بما أحرزه من أهداف الليلة صبت كلها في منبع حقده على حمزه وكرهه له لينال رضا مؤقتًا وملطف بارد لإحساسه بالعجز والخسارة، ها هي تذوق العناء والشقاء تلك التي اختارت غيره وسعت له، تُفتضح على أعين الناس وهو يلقيها راميا بزهد ونفور، شاهد الفيديو أكثر من مرة وكل مرة شيئا ما في نفسه يزهر شماتة وتشفي وشيئا آخر من حقد يكويه فهي رغم كل ذلك من الواضح أنها تحبه. فتح شقته وولج للداخل بوجه غير الذي خرج به وشعور مختلف، فتش عن زوجته حتى وجدها تتوسط الفِراش ممسكة بهاتفها رفعت رأسها قليلا وبعدها عادت ببصرها في استهانة به للهاتف. مثله تماما لم تتوقف عن مراقبة غريمتها التي تركت حسابها مفتوحًا في تحدي ومن وقت لأخر تنشر بيتا من الشعر لزوجها أو كلمات معبرة أو فيديولأغنية..
كانت تشتعل كلما رأت وتدعو بقهر أن يفرقهما ويحرق قلبيهما.
نظر إليها قليلا لا يصدق كيف استبدل سكينة بهذه ولا كيف تزوجها بسرعة كيف أقنعته وكيف تسللت إليه ليرضخ هكذا ينفر منها أحيانا لكنه يسلم لها كثيرًا وينصاح ويهدأ كأنه مغيب منقاد لا يفهم، نفض أفكاره واتخذ موضعًا بجانبها قائلا  بابتسامة يستجلب بها رضاها ويطرد سخطها(بتعمل إيه يا سماسيمو يا جميل؟)
تأففت بضيق وهي ترفع نظراتها عن هاتفها قائلة بنفور (خير)
قرص وجنتها قائلا بضحكة (ايه بدلعك)
رمقته بطرف عينيها في استنكار وسخط قبل أن تهادن قائلة (ماشي)
طبع قبلة سريعة على خدها محاولًا استرضائها واستمالتها (جومي حضريلي عشا جعان جدا)
قالت بكسل واستهانة وهي تتابع تصفح صفحة حمزة تلك المرة(مفيش عشا انزل شوف أمك يمكن طبخت)
صك أسنانه بقهر وغضب قبل أن يبتلعهم في جوف بروده ويقول مرغمًا(ماشي مش مهم عندي استعداد أطلب أكل بس أنت ترضى يا جميل)
تجاهلت تدليله لها وتابعت ما تفعل بإنشغال وتغيب، فاقترب يستفسر وهو يرمي نظراته تجاه هاتفها(بتعملي إيه؟)
قالها وهو يسحب الهاتف من بين أناملها فقفزت صارخة بإعتراض يوازي حجم المأزق الذي هي فيه (جيب يا هشام)
تركها وانشغل برؤية هاتفها والتقليب فيه، ظللت الصدمة ملامحه حين فهم وأدرك سر انشغالها فرفع رأسها مصدومًا يصفع ملامحها بنظرات شيطانية مدرجة بدماء الغضب (بتتفرجي على صفحة حمزة ليه؟  )
ارتبكت أول الأمر وتلعثمت حروفها لكنها واجهته ببجاحة وهروب (زي ما أنت كل ليلة بتتفرج على صور سكينة وأنا واكلة مركوب وساكتة)
صاح بغضب وهو يقترب منها في تحفز واضح (أنتِ هتلفي عليا يا بت؟)
أمسكها من خصلاتها بقوة وهزها فصرخت بغضب (أبعد عني إنت اتجنيت سيبني)
شدد من قبضته قائلا وهو يضع الهاتف أمام عينيها سائلا (بتجلبي فصفحته ليه ها؟ عاجبك أنتِ كمان؟ كلكم زي بعض )
سخرت منه في انتقام وهي تجاهد للهرب من قبضته التي تعتصر خصلاتها (ما يمكن أنت الي متملاش العين)
رفع رأسها بغضب بعدما رمى الهاتف، صفعها عدة صفعات متتالية بحرقة جعلتها تصرخ مستنجدة.
قالت من بين شهقات بكائها (من يوم ما اتجوزنا وأنا مستحملة وساكتة بس خلاص، اتجوزتني ليه لما جلبك معاها؟  وصورها وحاجتها لسه معاك ليه ها؟ بتحبها؟  مش جادر على فراجها؟)
دفعها بعنف لتسقط فوق الفِراش بينما يرمقها بإحتقار قائلًا (أنتِ الي رميتي نفسك فسكتي وعملتي الي ما يعمل وأنا خدتك كيد فيها زي ما أنتِ خدتيني كيد فيها ولا فكراني عبيط ومش داري؟)
صرخت بإنفعال (خلاص طلجني مش عيزاك)
ضحك بتهكم قائلا في تهديد (نجوم السما أجربلك والله لأسيبك كِده لا تطولي سما ولا أرض)
رمى كلماته وغادر تاركًا لها تبكي بغيظ وانفجار تدعي الله عليه بحرقة شديدة (ربنا ياخدك ويريحني منك)
مسحت دموعها وتركت الفراش تبحث عن هاتفها حتى وجدته أرضا، نقرت فوق شاشته بعدما اختارت اسم خالتها وضغطت ليأتيها صوتها الخشن الجاف بحشرجته المقيته (أيوة يا بت يا سما)
صرخت بها في إنفعال حاد (مش جولتيلي هيبجا زي الخاتم فصباعي ومش هيشوف غيري)
سألتها خالتها بلا مبالاة (حصل إيه يا حزينة ما أنا جوزتهولك فأسبوعين)
صرخت سما بغضب (أعمالك مش نافعة ولا ليها عازة هو اتجوزني يغيظها ودلوجت مش ضايجني)
أردفت خالتها بنفس البرود (هدي حالك وتعالي هعمل حاجه تخليه يرجع ويبوس الأيادي)
تابعت بصراخ (جولتيلي حمزة هيسيب سكينة ويرميها ومحصلش)
خرجت خالتها عن برودها قائلة بتأفف (مجدرتش عليه واد ورد متحصن زين)
سألتها بأمل (وهي سيباها ليه؟)
أوضحت خالتها بإحباط ( الصبر حلو جبيلي بس اترها من صحبتك أبرار وهتشوفي)
زعقت بغضب وهي تلعن أبرار داخلها ألف مرة (مش بترد علي ولا بتعبرني)
تنهدت خالتها مفكرة ثم قالت لها (لمي خلجاتك وتعالي وأنا هعرف كيف أرجعهولك واد عزام زاحف دِه مش هياخد فيدي غلوة)
أطاعت بأمل (ماشي بس ابعتيلي توكتوك ياخدني دلوك الوجت متأخر)
قالت خالتها وهي تهم بإنهاء الاتصال (حاضر اجهزي بس)
أنهت الاتصال ونهضت متجهة للمرحاض تغسل وجهها وتلملم خصلاتها التي تبعثرت بعشوائية، كلما تألمت دعت عليه (تتجطع يدك يا شيخ)
لملمت أغراضها وأخذت ما وجدته من أموال وغادرت بعدما سمعت صوت تصفير ينبعث من أسفل المنزل فها قد أرسلت لها خالتها ما طلبت لتحضر إليها فيه.
بالأسفل استقبلتها نظرات والدة هشام بقلق وتساؤل (في إيه يا بتي على فين كِده فنص الليل)
قالت سما بنفور وفظاظة (سيبهالكم جال يعني مسمعتيش صوتي وأنا بصرخ من ضرب ولدك)
هتفت السيدة بصدق ونظراتها تنطق بالأسف (أمانة يا بتي ما سمعت حاجة)
اقتربت منها السيدة بحنو تمنعها المغادرة مطيبةً خاطرها (استهدي بالله المره وجوزها ياما بيحصل بيناتهم يا ضنايا)
قبل أن تربت السيدة على كتفها دفعت سما ذراعها عنها بنفور وآنفة (فاكرين ملياش ناس وأهل؟  لاااه مش راجعة غير لما يجي يحب على رجلي ويتأسف)
قالتها واندفعت للخارج بينما وقفت السيدة تضع كفا فوق الأخر فوق بطنها ممصمصة بآسف (لا حول الله يارب، مكانش ليك دي يا ولدي كان مالها بت عمك)
عادت السيدة للمندرة الصغيرة متأسفة على حال والدها داعية له.
***********
في الصباح نهضت مفتشة على هاتفها حتى عثرت عليه قلّبت فيه بأمل سرعان ما مات صريعًا على عتبات اليأس القاتلة، فضت من بعدها رسائل عاليا وأختها حين وصلها تحذيرهما انتفضت من استرخائها، غادرت للخارج باحثة ًعن ورد حتى وجدتها غافية فوق الأريكة فخشيت أن توقظها وأشفقت عليها وهي تعلم أنها تظل ساهرة تصلي وتناجي الله بالدعاء، كما أنها رغم قوتها منهكة تطحنها رحى الظنون فتركتها بشفقة وعادت للحجرة أغلقتها ودارت فيها مفكرة حتى وجدت نفسها تهاتف عمها وتقص عليه مستشيرة تسأله الدعم وتطلب من النصيحة والمؤازرة.
حوقل حسان قائلا بإنزعاج شديد مما يسمع (عاوز إيه خالك؟  مكفهوش مصايب وحرجة جلب)
أوضحت سكن بشهقات خافتة تكتمها خشية أن تصل لورد (مش عارفة أنا مشوفتش الفيديو ياعم ولا أعرف حاجة وحمزة أكيد زعلان)
غمغم حسان بالأذكار مفكرًا قبل أن يدعمها ويطمأنها (متخافيش منه يا بتي  أنتِ جوية وهتتصديله)
صرّحت بقلقها وخوفها تطلب الدعم خفية (خايفة ياعم وخوفي مش على نفسي بس كمان على عمتي هي مش ناجصة كفاية عليها غياب الغالي)
سألها حسان بلهفة حين جاءت سيرتها فانتبهت حواسه لما تقول وإنشغل بها وحدها عن كل خاطر وفكرة (كيفها الغالية طمنيني عليها؟  خلي بالك منها يا سكن خليكي جوية عشانها انهشي أي عين تبصلها واجطعي أي كف  تجربلها)
هزت رأسها كأنه يراها وقالت ببكاء (بتوصيني على مين ياعم؟ دا أنا روحي فيهم)
طمأنها عمها برفق مشفقًا عليها (هوني عليكِ يا بتي ربنا هيدبرها ولو حصل حاجه أنا جريب منك ، متهابيش الكلاب هتتمرع وتفكر نفسها أسود)
رن هاتفها عبر تطبيق آخر فقالت (هشوف مين ياعم بيرنلي وأكلمك تاني)
هتف حسان (ماشي يا بتي)
أنهت الاتصال وأجابت على اتصال أختها (أيوة يا مودة)
قالت مودة برجاء سريع(اسمعي يا سكن زين هيكلمك دلوك ويفهمك تعملي إيه لو خالك ولا عمار مدوا يدهم عليكي)
اندهشت سكن مما تخبرها به أختها وسألتها (إيه زين؟  ومين جال لزين يا مودة؟)
قالت مودة بعجالة(مفيش وجت هيرنلك دلوك ردي عليه وافهمي وبعدها لينا كلام ومتخافيش من حاجه يا بت واجمدي دول هما الي خايفين لو رجاله صُح  كانوا جولك وجوزك موجود مش وهو غايب)
مسحت سكن دموعها متقبلة الدعم وكلمات الشجاعة، محتمية بخوفها خلف حوائط المؤازرة وصدق ما قالته أختها، على الفور أنهت الاتصال مع أختها وأجابت على اتصال زين الذي بدأه بطريقته الطريفة الخاصة (أهلا بخالة ولادي من أولها كدا حتى مبروك مسمعتهاش منك ولا زغروته فويس حتى ولا أكلت حمام ولا اتهنيت بسببك)
صمتت سكن ببلاهة تحاول استيعاب ما ينطق به زوج أختها، الآن تتفهم لماذا تنعته أختها دائما بقولها (دا مش طبيعي مجنون وهيجنني)
أفاقت على هتافه وكلماته التالية (فوقي وصحصحي معايا وركزي فالي هقوله دا عشان أختك ترضى عني)
صمتت وابتسامة متعجبة تقفز لثغرها فقال (عارف التتنيحه دي بشوفها كتير شكله سلو العيلة)
حمحمت مجلية صوتها ليتوقف فقال بجدية شديدة ممزوجة بسخريته (ركزي معايا كدا خالك دا حبيبي)
***********
أخبرت ورد بمجيئهم حتى لا تتفاجئ، لكنها أسقطت اتفاقها مع زين وسامية فاستدعت ورد هيما ليكون جوارهما ويتدخل إن احتاج الأمر، تراكم الحزن بعيني ورد شاعرة بحصار الحزن على قلبها وتسوره روحها  ما كان ينقصها رفعت الآن وهي متخمة القلب بالجزع على ولدها، لذا بقيت بالحجرة منتظرة بصمت تاركةً هيما منتظرًا مجيئهما و مستعدًالاستقبالهما.
رن جرس الباب فشخص بصرهما في ترقب قاتل، بعدها أغمضت سكن عينيها تستدعي القوة الكامنة داخلها التي تستمدها دائما من صورته المطبوعة بروحها وعشقها له الذي يكبر يوما بعد يوم.
دخل هيما الحجرة بعدما استأذن  في بؤس وحرقة قلب يخبرهما بآسف وسواد احتل ربوع قلبه الأخضر(حضروا وعايزينكم بره)
قالها وتضرعت بعدها نظراته، سبق لسانه القول الهامس المبتهل(فينك يا حمزة)
نظرتا كلا من سكن وورد لبعضيهما بنظرات غامضة قبل أن تهمّ ورد بالنهوض هامسة بوهن تملّك من روحها الكسيرة بغياب وحيدها (هجوم أشوفهم)
شددت سكن من ضم كفها وضغطت عليه في إشارة فما كان من ورد إلا العودة لجلستها ففسرت سكن بدموع (سبيني أنا أطلع واتصرف معاهم)
ترددت ورد، خافت عليها لتسرع سكن قائلة بتوسل (سبيني يا عمتي واطمني أنا مش سكينة أنا سكن بت جلبك ورباية حمزة الغالي لو مفلحتش يبجالك الجول وجتها والفعل ياغالية)
ابتسمت ورد بفخر ودموعها تتكدس داخل عينيها، ربتت على كف سكن تمنحها الثقة وتبشرها بالنصر وتدثرها بالقوة، فنهضت بعدما قبلت سكن رأسها متباركة بها وغادرت مع هيما الذي أوصته ورد بعدم التدخل .
أغمضت ورد عينيها وهمست بوجع (يارب ولا مرة دعيت عليه مستنية العدل منك يا صاحب العدل بس أنا تعبت يا رب يا تهديه يا تكف أذاه عننا وتشغله بنفسه)
قبل أن تظهر عليهما وقفت تلتقط أنفاسها متذكرة تشجيع حمزة لها ودعم عمها وقوة ورد وبعدها خرجت عليهما ملقية سلام  قوي لا يشوبه الضعف ولا يلغبه الإنكسار (السلام عليكم يا مرحب يا خالي يا مرحب يا عمار)
استقبلاها ببرود، ردا سلامها بجفاء دون تلامس نائين بنفسهم في عجرفة وغطرسة كرهتها ونفرت منها، لكنها احتفظت ببسمتها الهادئة الواثقة وجلست بينما وقف هيما جوارها متحفزًا مستعدا للقادم
سألتهما بثلجية وهي تبادلهما النظرات الواثقة المهيمنة (تشربوا حاجة؟  ولا نحضروا غدا علطول؟)
أشار لها عمار بقرف وامتعاض (جهزي شنطتك يلا ومتكتريش حديت)
ليردف خالها بسؤاله ونظراته المقيتة تنهش وتنهب أركان الشقة بترقب ومكر (فين عمتك؟ وجوزك؟)
نقلت نظراتها بينهما قائلة وملامحها تستنكر بثبات(جوزي فشغل وعمتي نايمة، اجهز شنطتي ليه؟ في حاجة في البلد أمي بخير؟)
أجابها خالها ببسمة مستفزة (لاااه كله بخير إحنا جايين ناخدك ونعاود)
ماطلت بقوة (أيوة ليه؟)
أوضح خالها بصبر وهو يطالعها بغرور (بعد الي حصل معدش ليكِ جعاد هنا؟ ولما يرجع جوزك لينا حديت معاه على الفضايح وجلة الجيمة الي بتُحصل دي)
قالت في تحدي (مش هسيب بيت جوزي،  ولا هفارج عمتي والي حصل يخصنا لوحدنا متدخلوش فيه، بعدين من متى وحمزة وحاله فارج معاكم من زمان معتبرينه مش موجود ايه الي جد)
دفعها عمار من كتفها بقوة قائلا بنفاذ صبر وتأفف حانق (متكتريش كلام وجومي يلا)
نهضت واقفة تطالعهما من علو بإشمئزاز وهي تلقي بقرارها (جوزي غايب مسيبش بيته غير وأنا ميته ولا ناويين تجتلوني؟)
سخر خالها بفظاظة وتهكم وهو يطالعها بنظرة شرسة (جيتي فجمل نجتلوكي ونحسره عليكي)
ابتسمت بتسلية وهي تخبره بغرور مماثل (اعملها يا خال لو تجدر)
نهض عمار ممسكًا ذراعها بقبضته فتدخل هيما يحاول منعه بغضب حاول السيطرة عليه عملًا بتوصيات خالته المشددة بعدم التدخل (سيبها)
رغم الألم كتمت تأوهها المتوجع وصلبت عودها في تحدي وثورة لا يهتز جسدها ولا يطرف لها جفن من فعلته بل قالت بسخرية وهي تزرع نظراتها الحادة بنظراته (لو حمزة كان جاعد يا عمار مكنتش استجريت تمد يدك علي)
لا تعرف لما تكدست الدموع بعينيها حين نطقت بكلماتها، هل حزنًا أم شوقًا ضياعا أم حاجة..
دفعها عمار حانقا بعدما أججت براكينه بكلماتها الساخطة وتهديدها الساخر، ابتعدت قليلا ووقفت مهددة بغضب (لو مرجعتوش وسبتوني فحالي والله هصرخ وألمّ الجيران كلهم وأجول بتتهجموا علينا)
نظر عمارلخاله في غضب مما قالت وتوعد، ليهتف خالها وهو ينهض من جلسته (وه وه حصلت؟)
أكدت بغضب وتشفي قاصدة استفزازه ليُخرج قبح أفعاله فتنال منه وتصل لنهاية المخطط (أيوة وجرب وشوف بنفسك)
فار عمار غضبًا واستشاط من كلماتها اندفع يصفعها بقوة مما دفع هيما أن يفصل بينهما ممسكا بتلابيبه فيشتبكان في عراك، صرخ عمار بغضب وحدة (لو واد ورد مش هيلمك هلمك أنا أنتِ وهو)
ابتعدت سكن تهتف بفخر (اتكلم على كدك يا عماروبأدب فغيابة، حمزة راجل بعشرة منكم)
جاءتها صفعة خالها قوية يحفها السباب القذر (وه يا بت المركوب عيارك فلت)
انتفضت زاعقة لا تبين مدى ألمها ولا توجعها من شدة الصفعة بل ابتلعت كل شعور داخلها وواصلت (أبويا مش مركوب يا خال، وعياري مفلتش أنتوا الي معندكمش ذمة ولا ضمير جايين تبجحوا مفيش حرمة للبيت وأهله ولا احترام للغايب)
ثم أردفت بتشفي (لو رجالة صح تعالوا وهو هنا واتكلموا متجوش زي الحرامية)
اندفع عمار يمسك بحجابها مقيدا خصلاته يهزها بعنف وغضب (ماشي والله ما أنا طالع غير بيكِ)
حاول هيما جاهدًا دفعه وإبعاده عنها ليدخلا في مشاجرة عنيفة غير متكافئة القوى.، جعلت ورد تخرج مهرولة محاولة إيقاف تلك المهزلة
رن جرس الباب فركضت سكن تفتحه لتجد أمامها سامية ومعها الشرطة، فالتقطت أنفاسها واطمأنت
سمحت لهما بالدخول ووقفت منتظرة سألتها سامية بعدما توقف العراك وتوقفت على وجهها النظرات (سمعنا صوت زعيق وخناق فاتصلنا بالشرطة في حاجة يا سكن؟)
شمخت سكن برأسها قائلة وهي تطالعهما بنظرة قوية متشفية (أيوة جايين يتهجموا علينا ويضربونا)
بهتت ملامح عمار واستنكر قولها بينما توعدها خالها بغموض علها تتراجع لكنها واصلت متحدية ما تفعل.
وهي تشير لعلامات الأحمرار بوجهها وخيوط الدم المنسدلة من أنفها (اهو واضح على وشي)
وقفت ورد في نهاية الممرتهاف باسمها في قلق وزعر (سكن)
منحتها سكن هزة رأس مطمئنة وابتسامة ظفر رغم سحابات الدموع التي تتجمع بعينيها والألم الذي يغزو ملامحها متألفا مع خيط الدم الرفيع الذي ينساب من فتحة أنفها وجرح شفتيها، غادرت معهم سكن بينما اتجهت سامية لورد تبث الطمأنينة في نفسها وتهدأ زعرها الواضح.
في قسم الشرطة
رفضت سكن التنازل عن حقها وأصرت على أقولها فهاتف عمار زين مستنجدا يستشيره
أجاب زين على الفور متصنعا الدهشة مما يحكيه له عمار
*(لا إله إلا الله معقول سكينة تعمل كدا مبقاش في خير والدم بقا ميه والله)
كز عمار على أسنانه بغضب لكنه ابتلعه وسيطر على انفعاله يسأله
*(هنعمل إيه دلوك شوفلنا حد يطلعنا من هِنا.)
نصحهما زين بأسف مفتعل ووجهه يتألق بإبتسامة متشفية
*(لازم تتنازل طبعا دي إجراءات قانونية مش هقدر أساعدكم ياريت ينفع دا خالك دا حبيبي).
تأفف عمار بضيق فاقترح عليه زين
(•طيب خليني أكلمها يمكن أوصل لحل).
وافق عمار بضيق لاعنا الجميع داخله
(•ماشي)
أنهى عمار الاتصال وانتظر مهاتفة زين له وإعلامه بالنتائج.
بعد دقائق هاتفه زين فسارع عمار بسؤاله (•ها…؟)
أجاب زين بإستياء مفتعل
(•البت هتجيب تقرير طبي بعلاج واحد وعشرين يوم يا عم كان لازم تتغاشم؟)
سأله ببرود مغيظ وهدوء (*قولي بس ضربتها ليه وإيه سفرك ليها وحمزة فين؟)
ثم أردف زين بتهديد غليظ*(لو من حمزة وهتعمل كدِه مع مراتي يا أبو نسب هدفنك مطرحك ولو رجع حمزة وعباك فأكياس حقه والله وهقف معاه).
مسح عمار وجهه بكفه رافعًا نظراته للأعلى في ضيق واستنجاد من برود زين ومراوغته، ليهتف بنفاذ صبر
(*مش وجته يا زين خلصنا).
صحح له زين بحدة أربكت عمار
(•باشا… زين باشا)
نفخ عمار بسأم ليتخذ زين الجدية طريقًا ويخبره (امضولها على عدم تعرض وهتتنازل)
فغر عمار فمه مستنكرًا قوله وطلبه ليسأله رفعت بملل(ها)
أشار له عمار (استنى يا خال)
ابتسم زين حين وصله الهمس وقال بمكر (سلملي على خالك دا حبيبي)
ثم استعجله بعدما شعر بالملل والضيق من تراجع عمار وزهده تلك اللعبة (خلّص امضيلها مش ناقص نسيبي يبقا رد سجون)
زفر عمار بإستسلام فابتسم زين قائلا (حبيبي إنت يا أبو نسب هتصل وأجولها البت خالة عيالي دي)
وداخل قسم الشرطة لم تبرح المكان حتى وافقا مستسلمين بعدما شربا اللعبة وأخذت توقيعهما على ورقة تفيد بعدم التعرض لها والقرب منها وتحذير شديد اللهجة من ضابط الشرطة بالعودة لقنا دون ضرر لها أو أذيتها بأي شكل.
رمقتهما بنظرة متحدية ساخرة متشفية فيما حدث لهما وشعورها بالنصر عليهما.
اقترب منها عمار في غضب وتوعد مزمجرًا من بين أسنانه المطبقة ليسحبه خاله وينهاه عنها (سيبني أجطع من جتتها نساير)
قال خاله وهو يرميها بنظرة نارية متحدية (سيبها ليها روجة والله حسابها هي وجوزها تجل)
مال فمها ببسمة ساخرة مستهينة من قوله قبل أن تقول (سلملي على طنط نفيسة يا خالي)
رمتها وانسحبت من أمامهما مغادرة بصحبة هيما الذي كان ينتظرها للعودة
عادت للمنزل لتجد منتظرة لها تتهيأ لاستقبالها ما إن طالعتها واشتبكت النظرات حتى فتحت ورد ذراعيها في دعوة صماء
اندفعت سكن مرحبة بحصنيها تتنسم فيهما عبير حبيبها،ما إن اشتمت رائحة ورد التي تشبه رائحته والتي داعبت فيها وترا حساسًا وذكرى فائته حتى انفجرب في بكاء عنيف مرير ولم تفلح كل تهدأت ورد ولا كلمات هيما البائسة، غائبة عن كل ما حولها تناجيه هو بهمسها (فينك يا حمزة)
هتفت ورد تبثها الطمأنينة (اطمني هيرجع بخير وسلامة)
دعت وأممت خلفها بحرقة شديدة واحساس بالعجز والانكسار(يارب يارب)
أبعدت وجهها عنها لتطالعها بنظرة مبتهجة فخورة وبسمة متألقة وهي تثني على أفعالها وقوتها وشجاعتها اليوم (جدعة يا حلوة بت أبوكي)
انفجرت في البكاء ثانية تلوم عمتها (متجوليش حلوة زية هو بس الي يجولي)
ضحكت ورد وهي تضمها لصدرها(ماشي يا بت أخوي)
ابتعدت تمسح دموعها معترضة تصحح لها (أنا بت حمزة ربايته وربايتك يا ورد)
أدمعت عينا ورد متأثرة بما قالت فهي إن أبدت صلابة وقوة وثبات، داخلها يهوي من شدة القلق والحزن على ولدها الغائب مطمئنة واثقة في ربها لكن رغما عنها تفتقده تخاف عليه وترتعب لغيابه المفاجئ.
هتفت ورد (جومي غيري وكلي لجمة وريحي شوية يا ضنايا)
امتنعت بزهد وقلة شهية (لااه ماليش نفس هغير وأرجع أجعد جنبك وأحكيلك على كل حاجه)
تنهدت ورد بحزن مستسلمة لتنهض سكن لحجرتها ويبقى هيما جوار خالته يقص عليها أنباء ما قد كان.
******""""
في اليوم التالي
اقنعتها ورد بالعودة لعمها لتتعافى وينتهي هذا الأمر، محذرة لها من التوقف فرضخت سكن وغادرت فهي أيضا بحاجة للحديث مع عمها واستقاء الحكمة والمعرفة منه والتزود بخير الزاد من القوة والصلابة والصبر  لأيامها العجاف.
سألها عمها ملاحظًا شرودها وملامحها التي تبدلت وانطفأت، بريق عينيها الذي خفت وتوارى خلف دموع لا تبرح ساعات عينيها (كيفها عمتك يا بتي)
همست دون أن توليه اهتمامها ولا تمنحه بعضًا من وعيها الغائب فهنا فقط يمكنها الانهيار بعيدًا عن عيني ورد  (جوية واثقة فربنا ورحمته، في النهار صالبة طولها وفي الليل متفارجش مصلايتها تدعي شوية وتبكي شوية)
اعتصرت الكلمات قلبه وأوجعه الوصف فأدمع بإشفاق، ثم سألها بحنو أب (وإنتِ يا بتي كيفك وكيف حالك)
كأنما انتزعها انتزاعًا من غيبوبتها الفكرية، ثبتت نظراتها عليه ورددت تستنكر سؤاله (أنا؟ وحالي..؟)
قالت بدموع وصوت هلك بالوجع (أي حال ليا بعده؟ دِه حمزة حمزة يا عم، كل كلام الدنيا ميوصفوش؟)
ربت فوق كتفها متفهمًا يخبرها بصبر (اصبري، ربنا هيرده بخير)
تنهدت بوجع وهي تقول (متى طيب يا عم حاسة كل يوم حتة فيا بتموت من غيره)
أردفت متحسرة (كنت مستحملة على أمل يرجع وكل حاجه تتصلح وأراضيه بس دلوجت هتجنن يا عم وأنا مش عارفه فيه إيه؟ كويس ولا لاااه؟ طيب ولا عيان يا حبيبي؟ بخير ولا حاجه بتوجعه؟)
ربت على رأسها قائلا(اهدي آمال بكره هيطلّ عليكم بخير وسلامة وأبجي جولي عمي جال)
تجمدت نظراتها وثبتت ملامحها دون انفعال واضح ردًا على كلماته لتتسع ابتسامته أكثر ويخبرها (عمري جولتلك حاجه ومحصلتش)
هزت رأسها ودموعها تتكون من جديد ليؤكد وهو يخرج شيئا ما من حقيبة بلاستيكية مجاورة( ابشري يا بتي)
قالت بنظرات راجية (جبلت البشرى يا عم)
ابتسم بإشفاق وهو يفتح منديلا من القماش سحبه من الحقيبة البلاسيتيكيةأمامها قائلا بدموع بللت جفنيه المكرمشان حسرة عليها هي وعمتها (جبتلك حاجه حلوة عشان وجفتي لرفعت)
مال ثغرها بشبح ابتسامة واهنة قبل أن تخبره بغصة (الحلو فجوفي مرار ياعم بغياب حبيبي عني)
زهدت نفسها الحلوى وصممت على عدم تذوقها فتركها لراحتها، جلست متربعة تخبره ببكاء محبوس خلف قضبان الصلابة (يلا يا عم خلينا نبدأ)
طوى حسان منديله بعناية ووضعه جانبًا وهو يجلس بالقرب منها في استعداد لبدأ جلستهما اليومية.
*******
أوصلها عمها حتى باب العمارة ودعته وصعدت للأعلى، فتحت الباب ودخلت المنزل منادية باسم ورد متخذة نفس عادته (ورد)
وجدت هيما يخرج بكوبين من العصير وهو يستقبلها بمشاغبته يحاول التخفيف بها عليهما(اهلا بالرغي)
جلست جوار ورد شاردة الذهن بغير طبيعتها، صامتة بكآبة وحزن سرعان ما نفضته وسألتهما (مفيش جديد؟)
هز هيما رأسه برفض وآسف، لتطلب منه سكن (هيما عايزة أشوف الفيديو)
نظر هيما لورد بتوتر وقلق، لتبادر ورد معترضة (بلاش يا بتي هيزعلك ويضايجك وإنت منجصاش)
أصرّت سكن بعناد ودموع تقف على عتبات النزول (عايزه أشوفه وأفهم يا أمي)
تنهدت ورد بإستسلام بعدما منحت هيما إشارة الموافقة فرضخ وأخرج هاتفه ونقر فوقه حتى أظهره على الشاشة وبعدها منحه لها.
أخذته منه بإرتعاش، نظراتها تركض للصور وأذنها تتنبه لكل كلمة تقال عنها وعنه، تقلبها داخلها ثم تلفظها وتأخذ أخرى، تقارن ما قيل بما نطقت به،
نهضت ورد مغادرة لاتحب أن تسمعه مرةً أخرى ولا تُصفع مسامعها بتلك الكلمات المهينة التي قيلت في قرة عينها.
ليشفق عليها هيما ويوضح (متزعليش هيتمسح قريب، كله من البت زهرة هي الي عملت كدِه علشان تضايق حمزة)
رفعت نظراتها الغارقة في بركتي دموع تسأل بهلع (حمزة شافه؟)
هز هيما رأسه بتأكيد، لتسأله من جديد بإنشغال وتوهة (جال إيه؟)
ضم هيما شفتيه بآسف قبل أن يخبرها الحقيقة(كان خايف عليكي ، آخر مرة كان زعلان  قوي ووصانا متشوفيش علشان متزعليش)
همست ببلاهة واندهاش (هو مين الي يزعل؟ أنا السبب في الي حصل والكلام دِه لو مكنتش اتكلمته جدام زهرة وأحرجته مكانش هتعرف حاجه وتستغلها)
أوضح هيما مشفقًاعليها من هواجسها وظنونها يربت على قلبها(هو مكانش هامه غيرك)
قالت بحزن وندم يسلط خناجره لصدرها (هو الي اتأذي مش أنا، أنا أصلا متعودة) قالتها ساخرة من حالها.
قال هيما بحدة خوفا عليها مما خاف منه حمزة (هترجعي للكلام دهِ تاني الي يضايق، دي محنة وهتعدي وزهرة دلوقت مشرفة في السجن)
اندهشت مما قاله وبسمة الانتصار على شفتيه (ليه حصل إيه؟)
قال هيما بإنتشاء (ولا حاجة كان ليها فيديوهات متصورة وهي بتسرق فلوس قدمناها للحكومة واتحبست)
تعجبت بشدة قائلة (حمزة عمل كده؟)
هز رأسه مردفا (مش بالضبط هو قالنا اتصرفوا معاها لغاية ما أرجع وأحنا ما صدقنا أصلنا بنعزها وما صدقنا حمزة يدينا إشارة أصله كان بيمنعنا إنما قالها طالما جيتي على الي يخصني مش عاتقك)
تنهدت بتعب واستسلام قبل أن تمنحه الهاتف وتستأذنه بإرهاق (طيب يا هيما)
سألها بضيق (مالك بس إيه زعلك تاني؟)
همست بضعف وانهزام ونظراتها تشرد في المجهول (مفيش)
#انتهى*

ملاذ قلبي سكن Where stories live. Discover now