❤️السادس والعشرون♥️

1.6K 54 11
                                    

أفضل ما نطق به النّاطقون، وكتبه الكاتبون، وردّده الذّاكرون:
لا إله إلا الله
قال ﷺ:
"أفضل الذّكر لا إله إلا الله"
حديث صحيح رواه الترمذي
وقال ﷺ:
"من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنّة"
حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود
فأكثروا منها أثابكم الله.
❤️السادس والعشرون ❤️

دخل من الباب مُلقيًا السلام بقوة؛ فانتفضت نفيسة من جلستها هاتفةً بإسمه في لهفة: (سعد ولدي)
ضمته بحنان قائلة:  (حمدالله على السلامة)
ابتعدت توزع نظراتها على جسده متفحصة قبل أن تقول : (صلاة النبي عليك يا سعد رادد ووشك رايج)
ضحك سعد قائلًا بتفاخر وهو يلتفتت للواقفة خلفه :(البركة في كريمة يا أما)
هتفت نفيسة مندهشة :(كريمة مين..؟)
وجهت نفيسة نظراتها للواقفة خلفه تقيمها بنظرة تقديرية واندهاش قبل أن تكرر سؤالها بملامح ممتعضة :(مين دي.؟)
نادى عليها وهو يبتعد عن والدته: (تعالي يا كريمة)
ترقبت نفيسة بتوجس وهي ترمي نظراتها لتلك التي تتهادى أمامها بدلال وغنج، حينما اقتربت من سعد أحاطها بذراعه مُعرفًا: (كريمة مرتي يا أما)
ضربت نفيسة فوق صدرها مستنكرة :(مرتك)
مدت كريمة كفها بدلال :(ازيك يا حماتي)
وجهت نفيسة نظراتها لسعد في غضب مستعر: (مين دي وجايبها من أي داهية يا واكل أمك..؟)
توتر سعد وأقترب من والدته يهمس وهو يضحك بإضراب: (يا أما يا أما عيب كدِه)
لتهتف كريمة ونظراتها تدور في المنزل بإعجاب واستحسان: (الله يسامحك يا حماتي)
ابتعدت نفيسة صارخة :(مين دي يا حزين..؟ رجاصة..؟)
مصمصت كريمة وهي تشيح في عجب قائلة :(الله يسامحك يا حماتي)
تأفف سعد قائلًا: (رجاصة إيه بس يا أما)
شملتها نفيسة بنظره مشمئزة وهي تفسر سبب قولها :(إيه اللبس دِه واللبانة واللحمر واللخضر هتبجا إيه بشكلها دِه بلياتشو)
غضب سعد وقال بحنق: (يا أما ماهي عروسه)
لطمت نفيسة شاعرة بالخيبة : (عروسة فبيتها يا حزين مش فالشارع للناس، هي دي عوايدنا برضك)
هتف سعد وهو يزفر بضيق :(حرجة أبو عوايدنا أنا ميهمنيش حد)
جلست نفيسة تضرب على فخذيها ناعيةً حظها: (يا خيبتك يا نفيسة من الواد لأبوه)
هبطت الجدة مستندة على عكازها تسألها : (خبر ايه يا نفيسة بتولولي عالصبح ليه)
قالت نفيسة :(تعالي شوفي خيبتنا يا عمتي ومراري التجيل)
سألت الجدة وهي تضيق عينيها فوق الأجساد: (مين دي..؟)
مال فم كريمة بسخط وإنزعاج وهي تهمس: (وبعدين يا سعد..؟)
هدأها سعد: (معلهش اصبري)
اقتربت الجدة تطرق فوق الأرض بعصاها وما إن اقتربت حتى تقدم سعد مبادرًا : (ازيك يا جدة)
هللت الجدة بترحاب وشوق : (واااه ياسعد كيفك يا واد اتوحشتك)
طبع قبلة سريعة فوق كفها المتعضن قائلًا : (وإنتِ كمان يا جدة)
لامته الجدة وهي تربت على خده : (كل دي غيبة يا ولدي هو جدك الي كبر وخترف دِه حد ياخدله على كلام)
سألها سعد بنظراته : (هو فين)
قالت الجدة ونظراتها تحوم حول كريمة بإسستفسار غير منطوق :(عيان وراجد، مين المصراوية دي..؟ )
تقدم سعد يعلمها بهوية زوجته :(كريمة مرتي يا جدة)
سخرت الجدة بحنق شديد :(طلعت بمصيبة جتلنا بداهية)
تأففت كريمة بصوت مسموع جعل سعد يواسيها ويصبرها بنظراته، ضربت نفيسة فخذيها تنعي حظها العاثر وتطلق ندمها :(لوأعرف كدِه كت جوزتك سكينة وخلصت، يا مرارك يا نفيسة وحزنك)
قال معاتبًا لها محترقًا في آتون غيظه :(اهي اتجوزت واد ورد يكش تكوني ارتحتي يا أما)
التفتت تسأله بدهشة :(عرفت..؟)
قال بإبتسامة هازئة: (مين في البلد ميعرفش، يلاااا)
ضربت كريمة بقدمها قائلة : (إيه العبارة يا سعد ومين سكينة دي، مش كفاية بتهزق وساكته)
راضاها سعد : (معلش حوار كدِه هبجا أحكهولك)
سألته بضيق :(أنا تعبانه من السفر مش هنرتاح بقا.؟)
ضربته نفيسة على ذراعه صارخة : (روح ارتاح يا روح أمك)
تجاهل سعد كلمات والدته وأحاط كتفي كريمة يقودها تجاه الدرج :(لاااه ازاي يلا نرتاح)
صعد بها للأعلى وبقيت نفيسة تنعي حظها وسوءه، بينما تهتف الجدة بنفاذ صبر :(بطلي نويح الحمدلله إنه رجع بخير)
قالت نفيسة بحرقة :(جايبها وجاي كيف الحرامية، لا فرح ولا زيطه ولا يجولنا)
قالت الجدة ببرود :(هتعمليله إيه الي حصل حصل، يبجا يعملها فرح هِنا)
قالت نفيسة بعدم استحسان :(واصلها وفصلها.؟ من بيت مين وعيلة مين..؟ لو ليها ناس كيف جوزوها من غير ما يسألوا عنه ولا يدوروا)
طرقت الجدة بعصاها قائلة بحزن : (هيبان.. بس كلمي أبوه ياجي)
قالت نفيسة بيأس وإحباط : (تلفونه مجفول بجاله مدة من ساعة ما جال مسافر)
تنهدت الجدة داعية :(ربنا يسلم طريجه)
صمتت نفيسة بحزنٍ وقهر، تمتلىء عيناها بدموع الحسرة.
******
نهضت من نومها تبحث عنه بنظراتها كما تعودت الأيام الماضية، يسهر جوارها ليطمئن عليها وإن نام يستقيظ على فترات يدثرها أو يقيس حرارتها وأحيانا يعدّل من وضع نومتها بإهتمام، ابتسمت متذكرة القبلة الدافئة التي يلثم بها جبينها كلما استيقظ ليلًا..
ويل لقلبها من عشق هذا الرجل ونبله، أخبرتها راضية أمس أنها محظوظة به، ادخرت لها السماء دعوات والدها لها وأمنياته ثم منحتها هذا العاشق المحب بتفاني، قالت لها إنه عوضها عند فقدها لأبيها.
قالت لها إنه ربتةً ربانية على قلبها الموجوع، ومنحة الحياة وزينتها، رجل بألف رجل، عوضها عنهم جميعًا وسيفعل..أوصتها بقلبه خيرًا.
امس دعت الله أن يشفيها وتعود لطبيعتها، دعت أن لايحرمها من وجوده ولا يعذبها بفراقه، العزيز الذي رأت في عينيه عالمها، هو صنيعة أحلامها التي أوجبت السماء تحويله لحقيقة ملموسة مكافأة لها على ما مرت به..
ترى لو لم يأت..؟ لكانت الآن في عداد الأموات..
حمزة الذي تمنت أن لا يغيب فأصبح لها
أن تبقى جواره وتحادثه كيفما أرادت دون قيود فشاءت الأقدار أن لا تحادث سواه ولا تستمع غيره.
الصموت الكئيب غدى ثرثارًا مبتهج على الدوام يسابق نفسه وأفكاره ليسعدها ويحصل منها على ضحكة.
ابتسمت وهي ترتب الحجرة وتطوي الدثار، دخل الحجرة مبتسمًا، فطالعته بنظرة منبهرة كعادتها كأنه قمرًا كل لياليه معها بدرًا, مكتمل دائمًا، يحترق هو ولا تفتقد هي نوره، يتعذب  بسهره  ليضيء لها الظلام من حولها.
(صباح الفل)
مالت برأسها مثله هامسةً بصوت ناعم : (صباح الورد يا حمزاوي)
دخل الحجرة وشملها بنظرة قائلًا بعتاب :(متعمليش حاجة عشان يدك يا سكن)
ابتسمت قائلة تطمئنه :(لا عادي مش بيوجعني)
أقترب منها بعدما تناول مشط الشعر وعدة ربطات مطاطية، همس وهو يُجلسها: (بيوجعني جلبي أنا خوف عليكي)
اسلمته رأسها برضا وانتظرت، لملم لها خصلاتها ثم قسمهما لنصفين وبدأ في تصفيفهم بعناية، صنع لكل نصف جديلة تبدأ من منابت الشعر وبعدها لملم أطراف الشعر بربطة مطاطية بعد دقائق كان يعلن انتهائه (خلصت يلا علشان تفطري)
تلمستها منبهرة تمرر نظراتها فوق ابتسامته المتألقة وهي تسأل :(عملتها إزاي..؟)
تأفف بضجر وهو يخبرها محرجًا: (فضلت لما نمتي أشوف فيديوهات كتير علشان اعملهالك)
ضحكت مستمتعة وهي تبحث في درج الكومود عن مرآة صغيرة، وجدتها وسحبتها تطالع ما صنعه لأجل إرضائها، استدارت تطلق إعجابها (حبيتها يا حمزاوي جميلة)
سحبها من كفها للخارج موصيًا: (يلااا صلي وجولي الأذكار ومستنيكِ نفطر)
غادرت للمرحاض بينما اختلى هو بنفسه داخل المطبخ يصنع لنفسه كوبًا من القهوة وهو يقلب في هاتفه ويطمئن على سير العمل..
عادت له بحماس وحيوية اطلقت حاسة الشم خاصتها بقوة وهي تهتف بإعجاب اختلط بإنبهارها الطفولي (ريحة الجهوة بتاعتك حلوة جوي يا حمزاوي)
سألها دون أن يلتفت مبتسمًا رائق المزاج : (اعملك واحدة ؟)
قالت بلا مبالاة مُتعمدة إغاظته (هبجا أشرب معاك أجرب الأول)
زفر بقنوط قبل أن يهتف معترضًا يوضح لها بمشاكسة :(مش بحب كدا، يا أعملك واحدة يا بلاش..)
قالت ضاحكة متشفية فيه تغلبها شقاوتها في التعامل معه : (عارفه إنك بتجرف ومبتاكلش بمعلجة حد ولا بتشرب ورا حد )
ابتسم لاهتمامها وملاحظتها له بدقة هكذا، فقال :(شطورة مركزة؟)
قالت بتعجب شديد وفمها يميل علامة الدهشة وهي تستحوذ على نظراته عندها : (أول مرة أشوف دكتور بهايم بيجرف بتبهرني)
قال بإبتسامة رائقة مثل صباحه : (يارب دايمًا أبهرك، أعملك واحدة.؟ )
قالت زاهدة وملامحها تنقبض بضيق :(لاااه )
مازحها مستمتعًا: (الف حمد وشكر وفرتي)
عاتبه برقة ودلال لتؤثر على قراره : (اخس عليك يا حمزاوي إنت مش عايزني اشرب معاك)
ارتشف من فنجانه هازًا رأسه يخبرها بتأكيد :(ايوه صراحة )
أقتربت تعلن قرارها في عناد نكايةً به :(خلاص مش هفطر)
استدار يوليها ظهره رافضًا :(لا متحاوليش تأثري عليا)
تعلقت بذراعه قافزة بصخب وتصميم على تذوق قهوته :(علشان خاطري أدوجها)
رضخ متأففا من زنها وعنادها، يقرّب الفنجان من فمها مستسلمًا فضحكت متلذذة وهي ترتشف بينما نظراتها عنده لا تتركه قطبت تستسيغها قبل أن تقول :(مش عارفه مش حلوة)
شكر الله ونظراته ترتفع للأعلى: (الحمدلله)
حذرته وهي تضيّق عينيه فوق ملامح وجهه : (أوعى تدلُجها يا حمزاوي أزعل والله)
تصنع التفكير وهو يطالع قهوته بعبوس مزيف وضيق، فحذرته مجددًا :(لوعملتها وربنا ما هكلمك يا حمزة)
تجددت ملامحه بالإبتسام ليقول وهو يرتشق منها (لو عملت كدِه معاكِ إنتِ يا سكن هبجا كداب)
قطبت مستفهمة: (يعني إيه..؟)
اقترب منها ببطء ونظراته مسلطةً على شفتيها، إلتصق بها فاأسندت ظهرها على رخامة المطبخ خلفها، انحنى وهمس لها بأنفاس ثائرة (هجرف من حاجه هموت وأدوج طعمها من ساعة ما رجعت قنا وعيني وجعت عليها وشافتها، تفتكري ينفع..؟)
ازدردت ريقها وسألته بتوتر وأنفاس متلاحقة : (هو إيه يا حمزة مفهمتش)
اتسعت ابتسامته كفلق الصبح وهو يخبرها بينما يمد ذراعه ويتناول طبقًا من خلفها، وضعه أمامها فوق كفه قائلًا ::(ساندوتش الجبنة الجريش بتاع عمتي)
فغرت فمها قبل أن تنطق بإستهجان (نعم..عاجبك للدرجة دي)
قضم الساندوتش قائلًا بضحكة مستمتعة : (إيوه جربيه والله هيعجبك)
دفعت كفه قائلة بتأفف وإنزعاج :(لاااه مش بحب الجبنة  الجريش أصلًا)
صفت الأطباق فوق الطاولة الصغيرة وجلست أمامه فسألها :(إنتِ إيه هواياتك.؟ أكتر حاجة بتحبيها عندك موهبة إية..؟)
سألته ببراءة :(بتسأل ليه..؟)
قال بجدية : (تحاولي تنميها في الأجازة وتستغلي الوجت)
تذكرت أكثر شيء محبب لها فضحكت بحياء، سألها مندهشًا :(بتضحكي ليه..؟)
قالت ومازالت ضحكاتها عالقة بفمها: (هتستغرب)
سألها بجدية : (ليه عادي يكون إيه..؟ جتل مثلا)
توقفت عن الطعام وقالت بخجل: (لاااه بس هجولك بعدين يا حمزة أو أبجا اكتبهالك كتابة أحسن)
قال بعدم ارتياح وشك : (مش مطمن ربنا يستر)
واصلت تناول طعمها تفكر كيف ستخبره أنها تعشق الرقص وتحبه، هو موهبتها الأولى والشيء الذي تبدع فيه وتتعلمه بدأب وحماس دون مشقةً أو تكاسل.
بينما هو انشغل حائرًا فيما قالت، بماذا ستفاجئه هذه الصغيرة المجنونة.
بعد تناول الفطور جاءت مودة للاطمئنان على أختها، جلست بجانبها تهمس
فقال مبتسمًا ونظراته تصوّب للمودة الجالسة بجانب أختها تهمس لها :(مودة جالها عريس)
ارتجف كفها الحامل لكوب العصيرفسقط أرضًا محطمًا، كان وقع كلماته عليها عظيمًا كأنه أمسك عصا وهش بها أفكارها المرتبة فتفرقت.
اتجهت الأعين إليها في دهشة حملتها النظرات عداه هو لم يحرك نظراته من على وجهها من الأساس يترقب رد فعلها ويحفظه مدونًا له، قالت سكن بإندفاعها المعروف تخمن بما استحقت عليه سخط مودة (زين) واستحقت غيرة زوجها حمزة التي تكبر يومًا بعد يوم
قطب حمزة في غيظ، سألها بضيق بدا واضحًا (وإنتِ تعرفي زين منين يا بت..؟)
فغرت فمها بذهول غير منطوق، سُطر فرق ملامحها المرتبكة، لتخبره بتلعثم (زين.. آه.. معرفش)
كيف ستهرب منه الآن..؟ نظرت لمودة تستنجدها لكن مودة كانت في حالة من الغيظ والغضب الشديد.
نهضتا الفتاتين هاربتين سكن للحجرة ومودة للخارج
نظر حمزة لوالدته مندهشًا، قبل أن يركض خلف مودة مناديًا (مودة)
وقفت لاعنة، تفرك كفيها بتوتر، فاقترب قائلًا (مش بتكلم وبسألك..؟)
أوضحت بتلعثم (ما إنت عارف يا دكتور الكلام مش معايا)
قال بحنق شديد (أمال مع مين.؟ مش دي حياتك إنتِ وإنتِ تقرري)
قالت مشتتة الفكر متضاربة الأقوال (أنا لا)
سخر في غلظة (أمال أمي يا أستاذة مودة)
اعتذرت منه بإرتباك شديد (طب بعدين بعدين أمي بتنادي)
هرولت تجاه منزلهم وبقيّ هو مكانه يشيعها بذهول واستياء، عاد لمنزله متوعدًا الأخرى، دخل الحجرة وسألها بهدوء (عرفتي منين بجا..؟)
راوغت بدلال(أنا عرفت إيه.؟)
صرخ بها في ضيق (والله بتتلأمي عليا)
كتمت ضحكتها قائلة ببراءة مصطنعة (أنا يا حمزاوي محصلش جولي بس تجصد إيه.؟)
سألها من بين أسنانه بصبر (زين تعرفيه منين..؟ ومالك كنتي مبسوطة وإنتِ بتجولي كدِه)
حملقت فيه مستنكرة (مبسوطة.؟ جصدك إيه يا دكتور البهايم)
تقدم قائلًا من بين أسنانه (إنتِ وفهمك بس برضو افهم أنا عرفتي منين)
عقدت ساعديها قائلة وهي تهز كتفها (وانت مالك دِه سر بيني وبين مودة)
سألها وهو يقترب منها (بجا كدِه يا سكن)
أكدت بشموخ وهي تهز رأسها (أيوة)
رمها بنظرة مستهينة لا مبالية واستدار ليخرج من الحجرة فتراجعت هامسةً بدلال :(حمزاوي)
ووقف مكانه مبتسمًا، قطعت المسافة بينهما ووقفت أمامه تقول بإمتعاض (زعلك عفش ومبحبوش فخلاص هجولك)
قال بلامبالاة ونظرة مستهينة (لا عادي براحتك، ممكن برضو يبجا بين وبين حسن وهيما وزهرة وهند أسرار ومحبش أجولهالك)
اتسعت عيناها بغضب، انفعلت ترفض مستنكرة قوله:( مال زهرة فكدِه..؟)
ابتلع ابتسامته وقال معددًا بخبث (بجول حسن وهيما وهند)
قالت بحدة وانفعال طفولي: (ميهمنيش فدول غير راس الكلب زهرة)
أوضح مستمتعًا: (ماهي صاحبتي زيك )
نفخت قائلة بتهكم: (زيي إزاي، ماليش أصحاب غيرك لازم إنت كمان ميبجالكش غيري)
ابتسم لا يروقه حديثها: (أودي اصحابي فين..؟ اعملي إنتِ اصحاب تاني)
شبكت حاجبيها متذكرة صديقتيها، فقالت بحزن تراكم فوق ملامحها (لااه مش عايزه ولو إنت كمان هتفارج زيهم مش مشكلة)
قالتها بيأس ومرارة قبل أن تستدير وتفتح الباب وتخرج متجهة للمطبخ، فتبعها حتى وصل إليها عاتبها برقة (مستغنية عني)
ابتسمت بلا مرح (لااه بس عادي متفرجش محدش بيتجبرعلى الحاجات دي)
عاتبها وهو يقترب منها (ماشي هطنش إني مش فارج) قال هامسًا بإبتسامة وهو يجذبها لأحضانه ويحيط خصرها بذراعه (بس أنا مش مجبور، أنا مستمتع والله) تاهت في نظراته، صمتت تستمتع بقربه وروعة همسه وأنفاسه التي تعبق روحها بعطره فأردف:(حد يلاجي صاحبة حلوة كدِه ويفارج ليه حمار)
ابتسمت بحياء، احاطت عنقه متنهدة بحرارة وهي تهمس(انا مش عايزه أصحاب غيرك، إنت بألف صاحب وألف أب وألف…
صمتت تعض شفتيها بخجل، اخفضت بسرها وتململت تريد الفكاك من أسره، فأعادها بدفعه رقيقة يسألها (وألف إيه… كملي)
بينما هو ينتظر مترقبًا نبضاته تعلو وترتفع محطمة قواعد الصمت وخارقةً كل قواعد اللحظة من هدوء
ارتفعت على أطراف أناملها، طالعته بنظرة رائقة قبل أن توجه ثغرها ناحية خده الأيمن وتُلقي بعبقها عليه، حفرتها بنعومة فأغمض عينيه مستمتعًا محلقًا تحت سماء عشقها، همست وأنفاسهما تلتقي وتمتزج
(أمال مين فارج ياحمزاوي، لو إنت مش فارج..؟ من يوم ما شوفتك وفجلبي مش فارج غيرك وكأن الدنيا مفيهاش غير حمزة عبدالحكيم  ، محليها إنت بكل وحشتها تغيب الناس ولا تغيب يارب، تفارج الصحاب ولا تفارج إنت وتفضل منور دنيا سكن وماليها)
تأوه بخفوت وهو يغمسها بأحضانه هامسًا بعشق (وواد عبدالحكيم هيعمل إيه دلوجت، ربنا يصبرني عليكِ يا سكن)
ابتعدت لا يروقها همسه، تذم شفتيها معترضة (معملتش حاجه ياحمزة)
أمسك ذقنها هامسًا (عايزه تعملي إيه تاني..؟ هتضيعي حمزة إنتِ بكلامك الحلو الي طالع من الجلب)
علت الابتسامة وجهها وهي تحكي له (كدِه هجولك على سر مودة وأمري لله بجا)
***********
في بداية المساء
هتفت عاليا مستنكرة وهي تشملها بنظرة حانقة بعدما دخلت للمنزل:(معلش هو كل ما هاجي هلاجيكي بالإسدال ياشيخة سكينة.؟ دا إنتِ كنتِ بتصلي بالعافية يابت)
زمجرت مستغفرة، تتوعدها بنظرات حارقة كلهب لتهتف عالية متجاهلة يروقها ما ترى:(المسكين الي بره دِه ذنبه إيه.؟ بهايم بره وجوا مكدبش الي جال عليه فجري)
انتفضت سكن زاعقة، تنبهها مدافعةً عنه: (بجولك اكتمي إنتِ جاية ليه اصلًا.؟)
هتفت عاليا بتأثر متغاضية تخبرها بحنان :(هتوحشيني يابت فباجي أشبع منك، متغبيش كتير عننا ولا تنسينا)
لانت سكن احتل وجهها حزن عميق لتشاكسها وتطرد مشاعرها قائلة وهي تهز كتفها :(هنساكم أكيد ومش هعبركم)
واجهتها عاليا وهي تمسح الدموع التي قفزت من عينيها مستوحشة فراقها : (كدابة، عرفاكي دايما بتجولي العكس)
تجمعت الدموع بعيني سكن لتصرفها في ضيق خائفة أن تخونها قوتها وتهاجمها مشاعرها:(جومي غوري عالبيت لو هتنوحي)
ابت عاليا في عناد قائلة لها بعطف ولطف ترشدها (انسي يا سكينة وعيشي حياتك والدكتور مش هيجصر معاكي كملي دراستك يابت، مش مشكلة كان متجوز الراجل ميعبوش حاجه)
اسكتتها بعدما انتفضت  سكن هامسة ودموعها تنساب، اخبرتها بقوة نبعت من يقينها ورؤيتها لحبيبها وعزيز قلبها (حمزة عيوبه مميزات يا عاليا، مميزات خسارة فيا أنا بعيوبي، راجل مفيش زيه  )
واستها عاليا بإبتسامة مسروقة من تأثرها (متجوليش كدِه يا بت،إنتِ ست البنته، حافظي عالراجل الي مفيش زيه بجا )
ضحكت عاليا بينما خجلت سكن، متذكرة رحيلهم فقالت بسخرية (احافظ عليه اعمله إيه..؟ )
زعقت عاليا (نهارك أسود حتى دي مش فهماها..؟ يابت حمزة مشهور وحليوه ومرتاح ألف واحدة تتمناه لو فلتيه دا كفاية أخت مرته)
قطبت سكينة مفكرة في كلماتها، فأردفت عاليا تسألها (مش عيزاه يا بت.؟)
صمتت سكينة دقائق لتهز رأسها بخجل متهربة من ضحكة عاليا الماكرة، فقالت عاليا :(اها بجا معاكي وليكِ خلاص، تعذبي روحك ليه.؟ لو على جوازته فهو الفجري ملحجش يدخل دنيا دخليه إنتِ)
امتعضت سكن من كلماتها كرمشت وجهها زافرة بحنق وسخط فضحكت عاليا واقتربت تضمها هامسةً (بضحك يا بت معاكي، فجري إيه وهو واخد أحلى بت فالعيلة دي ورد دعياله بالجوي والله)
ابتعدت قائلة وهي تنهض واقفة:(همشي بجا البيت جايد حريجة من ساعة ما رجع سعد بمرته)
توسلتها سكن رافضة مغادرتها (خليكي يا بت شوية)
قالت عاليا بغمزة ماكرة (لااه جومي إنتِ غيري الإسدال العفش دِه واطلعي اجعدي مع جوزك بدل ما جاعدة هنا وسيباه)
استدارت مغادرة لكنها توقفت والتفتت مهددة (لو جيت لجيتك بالإسدال دِه هجطعهولك يا بومة)
ابتسمت سكينة هازة رأسها من كلمات عاليا، فألقت لها عاليا قبلة في الهواء وغادرت.
ظل حمزة جالسًا أمام التلفاز ممسكًا بحاسوبة الشخصي ينقر فوقه بتعجل وعبوس، جاءت سكينة إليه بخجل بعدما أخذت بنصيحة عاليا وبدلت ملابسها ببجامة أحضرها لها حمزة وكم كانت ممتنة لتفهمه ومراعاته في إنتقاء الملابس المناسبة لوضعهما، إلتقط نفسًا معبقًا برائحة حضورها الطاغي جعله يرفع نظراته يفرش لها بساط من إعجاب تمشي فوقه متدللة بخجل لون محياها الجميل وأيقظ شهيته لقربها.
جلست جواره هامسةً لا تجرؤ على رفع نظراتها وهو يطالعها بتلك النظرة التي تُغيّب وعيها وتخطفها لعالم آخر:(حمزة مشغول بأيه..؟)
سألها وهو يزدرد ريقه متطلعًا خلفها (هي عاليا مشت..؟)
قالت معاتبةً له وهي تتربع جواره متهربةً من نظراته التي لا تتحرك من على وجهها (من بدري…إيه واخد عجلك ومخليك مشغول ومحستش لما مشت)
أغلق اللاب ونظر إليها هامسًا (مشغول بيكِ صاحي أو نايم، بشتغل أو لاااه)
ابتسمت ابتسامة رقيقة وهي تخرج تنهيدة متأثرة من فمها جعلته يميل هامسًا (بس إيه الجمال دِه يا سكن.. يرضي مين إلي أنا فيه دلوجت دِه.؟)
رفعت نظراتها تسأله بخجل شديد(بجد حلوة البجامة)
أمسك كفها متخللًا أناملها بأنامله وهو يهمس بعدما عبق صدره برائحتها(لاااه إنتِ الي حلوة بزيادة وبتحلي أي حاجة)
ضمت أنامله ضغطت عليها وهي تهمس من بين أنفاسها المتلاحقة تأثرًا(شكرًا يا حمزوي، كل الناس جالت إني حلوة بس معاك إنت بشوفني أحلى بكتير)
أخفضت رأسها بتوتر وحرارة الخجل تكتسح وجهها وتشعله بنيرانها لتردف (عينيك مراية غير كل المرايات إنت يا حمزة، ببجا كأني أول مرة أشوف نفسي حلوة)
رفع كفها ولثمه تحت نظراتها اللامعة، تذكر جرحها فرفع معصمها لشفتيه ولثمه، قشعريرة تملكت جسدها كله وهو يلثمه بتلك الطريقة كانه يحفر شيئًا ما فوق علامته فهمست مندهشة (بتفتكره دايمًا ليه..؟)
رفع نظراته وأخبره بحب ونبرة دافئة رقيقة (ممتن ليه علشان رجعك ليا)
سألته وهي تسحب كفها من بين أنامله  وتشير بهزة رأس لجهازه (اشتغل يلااا)
عاد لجهازه متنهدًا، متهربًا هو أيضًا من تأثيرها الطاغي وحضورها بكل هذا الألق الذي يدمر أعصابه ويمنعه الصبر والتريث،مالت واضعة رأسها على كتفه تهمس (حمزاوي ما تحكيلي كل حاجه عنك من أول ما مشيت)
قال وهو ينقر فوق جهازه (لاااه يمكن الي أجوله يزعلك فبلاش)
رفعت رأسها تسأل بتقطيبة (ليه..؟)
أدار هو رأسه فتلامس وجهيهما فابتعد يصرفها عنه خارجًا من مدارها وسحرها عليه (اعمليلي كوباية شاي يا سكن تعرفي)
هزت رأسها بالموافقة رغم حيرتها وعزوفه عن الحديث فيما يخص ماضيه وحياته السابقة، ابتسامة متوترة رسمها على ملامحه وهو يهمس (يلااا جومي)
نهضت مستسلمة وتركيزها وأفكارها منصبة حول رفضه، تتساءل ما الذي سيجعلها تحزن لو قاله وحكاه.؟ تذكرت حديثه عن زوجته الفقيدة وتأثره بها وتلك المشاعر التي كان يحملها لها ومازالت جذورها في صدره واضحة ذل بها لسانه، تعيدها علي مسامعها فتتعذب غيرةً عليه..
ملأت غلاية بالمياه وانتظرت غليانها، ثم وضعت به بعض حبيبات الشاي وانتظرت قليلًا ثم صبته بكوبه الخاص والذي رأته أكثر من مره يستخدمه دون غيره ويحتفظ به بين أنامله لم تهتم أو يثير الأمر تساؤلها فلكل منا كوبًا مفضل وهي كذلك، سحبته وعدلت فوهته للأعلى لتصب فيه الشاي..
انتبهت للأسم المكتوب بخط بارز داخل قلب أحمر صغير، رفعت الكوب لعينيها تقرأ المكتوب بوضوح وهمس عالي اخترق قلبها الصب (حبيبي دائما مرام)
كتمت شهقتها بأناملها متفاجئة مما قرأته، نهشت الغيرة قلبها نهشًا فأدمعت عيناها في قهر غلبها وهي تتخيل مدى حب هذا الصموت لزوجته وتعلقه بها لدرجة أنه مازال يحتفظ بكوب مكتوب عليه اسمها ويتنقل به، يا ويل قلبها من هذا العذاب.! أو كان ينقصها ذلك.. وضعت الكوب وشرعت في صب الشاي بعدما تجمعت الدموع بعينيها وهددت بالهروب من حصار جفنيها، توقفت تفكر قليلًا هل أحبت حمزة لدرجة الغيرة عليه من زوجة ماتت..؟
هل كل ما تعانيه حقًا من لوعة وشتات تفكير وجنون ماهو إلا حبًا له نبت داخلها منذ جاء والتقيا وهي لم تكن تفهم أو تدرك ذلك وتهربت منه، وماذا عن حبها لهشام..؟ كيف نسيته بهذه السرعة.؟ هل بسبب ما فعله.؟ أم أنه لم يكن حبًا..؟ وأخذتها الاسئلة في زورق مثقوب تعبر بها بحار الأفكار حتى كادت تغرق لولا ما حدث..
انتبهت على سقوط الكوب أرضًا متهشمًا، تتناثر قِطعه تحت قدميها، جحظت عيناها بصدمة بالغة الوطأة وهي تشمل القطع بنظرة مفزوعة، الآن سيظن أنها فعلتها عمدًا..؟ وتخلصت من آثار زوجته وحطمت ما بقيّ له منها من ذكريات حافظ عليها كل تلك السنوات.
جلست علي ركبتيها باكية وقد تزاحم داخلها كل شيء مقسمين على هلاكها، تحاول لملمة البقايا بأناملها  باكية، تتوقف قليلًا لتسلب النفس من بين شهقاتها وبعدها تلملم... دخل المطبخ ليجدها على ركبتيها، انحنى أمامها في فزع وخوف (في إيه مالك يا سكن ؟)
قالت بهذيان مرتجفة تتوسله (والله ما أجصد يا حمزة.. مخدتش بالي سامحني)
امسك بكفيها ومنعها من لملمة الحطام خوفًا عليها وهو يرجوها بألم اعتصر قلبه (اهدي.. حصل خير المهم انك كويسه)
قالت موضحة تجلد ذاتها بتذكيره (كوباية مرتك ياحمزة والله ما أجصد...)
انهضها مُبعدًا لها،وقفا متقابلين فحاوط وجهها بكفيه هامسًا (فداكي أي حاجه اهدي.. خدي نفس واهدي إنتِ كمان مرتي يا سكن)
توقف بكائها وتطلعت إليه بامتنان وتعجب، مسح دموعها مبتسمًا يهوّن عليها (متزعليش خير)
قالت تستدعي بكائها من جديد تلوم ذاتها بعدما رأت تفهمه وحنانه (ذكريات مرتك)
أشار لموضع قلبه هامسًا يوضح (ذكرياتها هنا مش فكوباية متضايجيش نفسك)
تغضنت ملامحها بألم وهم عظيم ونظراتها تتعلق بموضع قلبه في شرود وتوهة.. تمنت لو كانت هي هنا الأولى والأخيرة بدلا منها أن يدفئها بحبه أن تحتمي بجدران قلبه وتزهر تحت شمس عشقه.
تقلصت معدتها بألم مما نطق، فغادرت راكضة للحجرة وتركته مبهوتًا، استفاق وانحنى يلملم بقايا الكوب ويلقيها في سلة المهملات، وقف متسمرًا يطالع البقايا في الصندوق بحزن عميق ونظرات مودعة وذكريات ذلك الكوب تُعاد لذهنه مرةً أخرى
كل قطعة رماها تحمل أثرًا للمسات مرام، أثرًا ترسم الصغيرة فوقه بقلبها شمسًا تدفئه وقمرًا ينير ظلمته.
ليتنهد ويرفع رأسه مغلقًا سلة المهملات يواري بين زواياها ذكرى، ليصنع غيرها مع معذبة قلبه الصغيرة.
غادر للأخرى، دخل الحجرة مبتسمًا يخبرها بمرح (دِه كله علشان كوباية شاي، كويس مكسرتيش المطبخ كله)
رفعت له نظراتها الدامعة تكرر اعتذارها (متزعلش أنا آسفة والله ما أجصد)
قطب مستفهمًا بضيق يخبرها بثقة (أنا متأكد أنك متجصديش بتحلفي ليه ومعذبة نفسك يا سكن)
مد أنامله يمسح لها دموعها وهو يهمس بتفهم وخبث (فكراني هشك إنك جاصدة مثلا تكسرية لاااه، ولا تكوني بتغيري عليا مثلا ..؟)
لا تفهم يسألها أم يؤكد، فاشاحت متخبطة، دخلت ورد الحجرة فانسحب حمزة وبقيت هي تتطلع لملامحهما بإندهاش، جاورت سكن متسطحة تسألها :(مالك يا بت حمزة زعلك)
قالت ببكاء تفسر لها سر بكاءها وتحكي لها ما يوجعها (كسرت كوباية حمزة)
سألتها ورد بملامح رائقة لا يشوبها حزن (بتاعة مرته ؟)
هزت سكن رأسها وهي تشرع في البكاء مجددًا فقالت ورد بفرحة مستحسنة فعلتها (أحسن جدعة يا بت)
توقفت سكن عن البكاء مندهشةً تطالعها مؤكدة (بس أنا مش جاصدة يا مرات خالي)
تهللت وود قائلة بإستهانة (ولو تجصدي عادي ايه المشكلة حجك تغيري عليه وحجك إنه يحترم مشاعرك)
حدجتها سكن ببلاهةً لتردف ورد متسائلة (زعلك.؟ زعجلك..؟)
قالت سكن وضميرها يوخزها (لاااه)
قالت ورد بسعادة (طيب متبكيش خد الشر وراح)
سألتها سكن وهي تمسح دموعها (إنتِ مبسوطة يا مرت خالي.؟ )
قالت ورد مبتسمة (أجولك حاجه يا سكن..؟)
هزت سكن رأسها مترقبة مهتمة بسماع كلماتها لتستطرد ورد (عمري ما حبيت مرام، الشهادة لله البت كانت كويسة وغلبانة وبتحبه ومتعلجة بيه ودِه الي خلاني وافجت بس أنا مكنتش حساها شبه ولدي ولا لايجه لجلبه إنتِ بس الي دخلتي جوا جلبي واتربعتي واتمنيتك ليه)
ابتسمت سكن فرحةً من كلماتها، شكرتها ممتنة (ربنا يخليكِ ليا يا مرت خالي)
ربتت ورد على كفها قائلة (ويخليلك حمزاوي يا أختي)
صارحتها سكن بوجع فاض من نظراتها واعتنقته نبرتها (قالي ذكرياتها فجلبه مش هينساها)
طمأنتها ورد محتوية خوفها بإبتسامة متفهمة حنون (اعمليله إنتِ ذكريات حلوة كتير تملا جلبه وتفيض وتطرد الجديم ومتخللوش عازة)
ضحكت سكن وهي تهز رأسها بالموافقة على كلمات ورد، فأشارت لها ورد (جومي اطفي النور ونامي يلا)
فعلت سكن ما أمرت به لكن قبل أن تجاورها خرجت تفتش عنه وتتقصى عن رد فعله الذي ربما يخبئه عنها ويحتفظ به لنفسه ولعزلته.
لم تجده في الصالة فاتجهت للمطبخ، فتشت ولم تجده فوقفت مفكرةً أين ذهب، لتعود بعدها للحجرة وتنام جوار ورد مستسلمة.
في الصباح خرجت من الحجرة لتجد ورد جالسة ممسكة بمسبحتها وكوب اللبن الذي تحرص على تناوله، بحثت عنه قبل أن تلقي صباحها على ورد التي استشفت من ملامحها وجهها وعبوسها ما يدور بعقلها فقالت (راح قنا بدري يا سكن)
غادرت للمرحاض وتوضأت ثم عادت وصلت فرضها وتلت أذكارها تحت دعوات ورد المشددة عليها بالفعل وتحصين نفسها، ما إن انتهت حتى ذهبت لتتناول فطورها وجدته غير معد ككل صباح، ضمت شفتيها بأسف وحزن، انقلبت ملامحها فجأة وفقدت شهيتها وحماسها لتناول الفطور.
وقفت حائرة قليلًا مفكرة، هل نسيّ.؟ أم يعاقبها على فعلتها أمس.؟ تركت ما بيدها واتجهت لحاوية القمامة فتحتها لتجدها فارغة إلا من حطام كوبه، مدت كفها وأخرجته ممتنة لنظافة الحاوية وبقاء الحطام داخلها.
وضعته في كيس بلاستيكي وغادرت به للحجرة تحت نظرات ورد وسؤالها الذي تردد (فطَرتي)
هزت رأسها بخجل من كذبها ودخلت الحجرة واغلقت عليها، فرشت الحطام على الأرض وتربعت أمامه تفكر ببكاء..
سحبت هاتفها وسألت عاليا عن كيفية لصقه وإعادته شكلًيًا وليس عمليًا، المهم أن تبقى الذكرى ولا تغادر وتكون هي سببًا في ذلك، متفهمة هي أن يكون لك ممن تحبه بقايا وإرث غالي تحتفظ به، فهي مازالت تحتفظ بأشياء والدها وتعتني بها لذلك لن توجع قلبه
هتفت ورد من خلف جدران الحجرة (رايحه لأمك يا سكن لغاية ما يجي حمزة)
اجابتها سكن (ماشي يا مرات خالي)
اخبرتها عاليا بما يتوجب عليها فعله لإعادته واللاصق المناسب وبرغم إلحاح عاليا وسؤالها عن السبب إلا أنها رفضت إخبارها لا ينقصها لسان عاليا وتوبيخها.
ذهبت للمطبخ مفتشةً حتى وجدت ما تحتاجه، عادت به للحجرة وانهمكت في إصلاحه داعية أن تنجح ويعود لما كان عليه.
مرّ الوقت سريعًا ولم تنتبه، كانت منهمكة فيما تفعله ولم تشعر بمجيئة،فتح الباب ودخل ليجدها متربعة تعطي ظهرها لباب الحجرة مشغولة منسجمة بفعل شيء ما.. قطب مندهشًا ترى ماذا تفعل لتغيب عن الواقع هكذا ولم تشعر بدخوله ولا وقع أقدامه.
وقف خلفها يناظر الأرض أمامها ليجدها تصلح كوبه..
تضاربت مشاعره واختلطت لكن الذي طغى فوق كل شيء واحتل كيانه وأرسى قواعد مملكته فوق قلبه هو العشق لهذه الصغيرة صاحبة أجمل قلب صادفه راقبها لوقت قصير فقد أوشكت على الإنتهاء مما تفعل، طالعت الكوب بنظرة منتصرة يعلوها الفخر بصنيعها قبل أن تهتف (الحمدلله يارب)
نهضت واقفة وضعته فوق الكومود الصغير فاقترب وحاوط خصرها لصدره يهمس أمام أذنها (وحشتيني يا سكن)
ابتهج قلبها، أفلتت ضحكة ناعمة وشت بفرحتها لمجيئة وهمسه الذي أعاد لها توازنها واستردت به روحها الجميلة تحلق داخلها في براح عشقه.
استدارت تعطيه وجهها قائلة (وإنت وحشتني يا حمزاوي)
استدارت تتناول الكوب وتعود لتقف أمامه تقدمه بحرج (حاولت أصلحه كد ما أجدر لإني عارفه إنه أكيد له ذكرى فجلبك يا حمزة، معلش متزعلش أنا آسفة والله)
سحب من بين أناملها الكوب ووضعه جانبًا تحت نظراتها المندهشة، ثم ضمها إليه بقوة هامسًا (ايه يا بت جلبك دِه احترت فيه أنا )
أبتعد عن أحضانها وغادر للخارج تناول عدة حقائب كان قد وضعهم على الطاولة أثناء دخوله، عاد لها وجاورها قائلًا وهو يفتح حقيبة ويمنحها علبة كرتونية مغلفة..
تناولتها متسائلة عنها (إيه دِه يا حمزة.؟)
قال بإبتسامة وملامح مترقبة (افتحيها وشوفيها)
فتحتها بلهفة لتجد داخلها كوبان، رفعت نظراتها إليه ليجيبها وهو يسحبهما (واحد ليكِ وواحد ليا)
أخرجهما ورفعهما أمامها شارحًا وهو يشير للمكتوب (هما جاهزين بس نرجع هوصي على واحد بمزاج هيعجبك يا سكن بإذن الله)
التفتت تعانق نظراته بإمتنان وهي تسأله (ليه كل دِه..؟ المفروض أنا الي اعمل كده)
رفع كفها ولثم باطنة هامسًا (بكيتي ووجعتي جلبك وجلب حمزة امبارح ونمتي بعيد عني وكأني السبب)
فسرت بخجل ما شعرت به (أنا فاهمة يعني إيه يكونلنا ذكرى حلوة من حد بنحبه) قالتها بغصة مريرة ليبتسم ويهمس (إنتِ الحلو كله يا سكن، هجعد كل شوية أجولك فداكِ مناجصش غير أخد طلجتين عشان تصدجي)
قالت بلهفة (بعيد الشر عنك يا حمزة)
نهض واقفًا يخبرها بإرهاق (جومي يلا جهزيلي أكل على ما أصلي وأرجع)
نهضت متحمسة تخبره بإبتسامة ومرح (ماشي ياحمزاوي)
التفت راجعًا إليها اقترب منها هامسًا في تأهب واستعداد لمباغتتها (سكن)
رفعت نظراتها المتوهجة تستفسر ملبيةً ونظراته تراقص دقاتها على أنغام هواه (إيه)
مال يرسم خطوط الهوى فوق وجنتها المشتعلة، طبع قبلته برقة ونعومة سحبتها لعالم آخر، ابتعد يهمس أمام شفتيها برغبة (دي عشان الكوباية الي تعبتي عشان تلزجيها، بس بأمانه جلبي أنا الي عايز يتجمع، الطلة فعنيكِ الحلوة دي بتجسمه لحتت كل حتة بتجري ناحيتك، حتة عايزة تحضن روحك وحتة تحضن جلبك وحتة تحضن كلامك الحلو وحتة عايزة تحضن شفايفك الحلوة دي والله العظيم لا تقاوم بس صاحبك بيقاوم عشان خاطرك)
رفعت نظراتها تهمس معاتبةً برقة ودلال مغيبة مع حرارة أنفاسه (حمزة)
ضحك قائلًا بشقاوة (امه دعياله حمزة)
طالعت سكن ما خلفه بضحكة، لتؤكد ورد ضاحكة (مكدبش حمزة أمه دعياله صُح)
ابتعد مرتبكًا محمحمًا بحرج وخجل، لتربت ورد على كتفة قائلة بضحكة رائقة بينما تخفض سكن نظراتها خجلًا (حمزة يروح يصلي دلوجت ويتغدى وبعدين نشوف)
انسحب للخارج صاعدًا للأعلى وخلفه سكن متهربةً من نظرات ورد وضحكاتها (هجهز غدا لحمزة)
تابعتها ورد بنظراتها قائلة بضحكة (ماشي يا روح حمزة)
افترشت الأرض ليلتفوا حول صينية الطعام، جلست سكن على ركبتيها مترقبة رد فعله ورأيه بشغف طفولي لذيذ، تناول القليل وهتف
(الله) قالها متلذذًا بإعجاب كاذب وهو يتناول معلقة أخرى من الطعام، لتسأله سكن بلهفة وهي تراقب ملامحه بإهتمام مشوب بالترقب (صح يا حمزاوي..؟ )
أكد حمزة وهو يمنحها أجمل ابتساماته ونظرة ذائبة في العشق (حلو جدًا يا سكن)
مصمصت ورد وحاجبها يرتفع تمردًا على سكون ملامحها، متعجبة مما يحدث (ما تبطّل تطبيل ياحمزة لمراتك الأكل ميتاكلش)
لامها حمزة بنظراته وهو يكتم ضحكته ويخفيها وهو يغمز والدته، لتشهق سكن وتهتف مستنكرة (بجا كدِه يا ورد)
أكدت ورد بخبث وهي تبتسم لها (ابني كداب ومش جصده عالأكل الي حلو جدًا دا مرته ركزي)
تبادل حمزة وسكن النظرات في دهشة واستنكار وخجل من ناحية الأخيرة لتهتف ورد ساخرة (استهبلوا أنتوا الاتنين)
نهضت ورد مستاءة متابعة بتأفف لكن داخلها سعيد لتلك الروح الجميلة التي يصنعانها في المنزل وبداية قصة حبهما الرائعة (كُل يا حبيبي إنت وطبلها بلا خيبة أنا هروح أشوف حاجه تانية تتاكل)
ضربت سكن حمزة موبخة معترضة (بجا كدِه يا حمزة بتغشني دِه اتفاجنا برضو)
التفتت لها هامسًا بصدق ونظراته تمر على ملامحها الجميلة التي عادت لحيويتها وإشراقها الرائع(لااه حلو جوي يا سكن )
ضيقت نظراتها تسأله بخبث وهي تميل ناحيته (يعني مش بتطبل ولا بتكدب يا حمزاوي )
ابتسم لمراوغتها وهو يتابع تناول الطعام قائلا بمكر (بصي في المراية وهتشوفي إني مبكدش ولا بطبل)
هتفت بصوت عالي مستنكرة وقد صدقت ورد فيما قالت هو لم يقصد الطعام بل هي (حمزة)
ليبدل كلماته وهو يكتم ضحكاته (جصدي الأكل جميل والله واعملي كل يوم عادي هاكل)
أبعدت الطبق من أمام مشفقة عليه وقالت وهي تستند على كتفه ممتنة له (وأنا ميرضنيش.. هو فعلا ميتاكلش وإنت بتطبل يا حمزاوي وكمان كداب)
مال يداعب خدها هامسًا بحنو (متزعليش هتتعلمي كل حاجه فوجتها يا حلوة )
عضت شفتيها معترضة متأففة قبل أن تهمس بإبتسامة امتزجت بدلالها الوليد  (بطّل إنت تبجا حلو كدِه يا حمزاوي)
نهضا يجمعان الطعام ويعيدانه للمطبخ، سألها حمزة وهو يفتح البراد مفتشًا (إنتِ مفطرتيش؟)
رفعت حاجبها مندهشة معرفته (عرفت منين..؟ )
أجابها ببعض الضيق (الأكل جاعد يا سكن اهو زي ما حطيته وجهزتهولك)
نظرت للبراد لما أشار ناحيته، لتتنهد بخيبة ضائقة من سوء ظنها (آسفة يا حمزاوي فكرتك نسيتني انهردا عشان زعلان فمفطرتش)
قال بوله (أنا أنسى الدنيا منساكيش)
جعدت أنفها قائلة بتهكم متذكرة سبب خصامهم (ما أنت نسيتني مرة جبل كدِه)
تنهد بصوت مسموع قبل أن يهمس بآسف حقيقي أخبرها من بين أنفاسه اللاهثة بإنفعال ( هفضل عمري معاكي  اكفر عن نسياني ليكِ المرة دي يا سكن..)
همست مشفقةً عليه (بس أنا نسيت يا حمزة)
أكد لها (وأنا منستش إن المرة دي كلفتني حزنك ووجعك، وخوفك.. وإني اتحرمت منك بعدها)
همست بلوعة وهي تندفع لأحضانه (أنا جعانة ياحمزة ومش بشبع خالص)
انتفض ملبيا بلهفة وحنو وهو يضمها ويحتويها بين ذراعيه (عنيا اطلبلك أكل يجيلك مخصوص  ولا   اعملهولك أنا آمري يا سكن)
أردفت بنبرة موجوعة مشتهية وهي تهمس بينما تضمه إليها بشدة (دايما جعانة لحضنك وجعانة لحنيتك وطيبة جلبك.. مبشبعش منك أنا يا حمزاوي)
***********
دخل الحرم الجامعي يفتش عنها بنظراته، قد علم من أخته بمجيئها اليوم لأمر يخص أوراقها، تابع مع ريناد حتى علم بمكان جلوسها منها، وصل إليه وحين وقع بصره عليها أنهى اتصاله بأخته وابتسم متحمسًا لتلك المقابلة، خلع نظارته الشمسية واقترب من المقعد الخشبي المقابل لها، جلس فوقه بأريحية
لترفع نظراتها من على الكتاب غاضبة من المتطفل الذي اقتحم خلوتها وشاركها في الطاولة الخشبية، ما إن طالعته وعرفت هويته صمتت متفاجئة بزعر جلب استمتاعه فابتسم قائلًا (أيوه أنا)
قالت بإرتباك وتلعثم وهي تلملم كتبها من على الطاولة استعدادًا للهرب (نعم حضرتك عايز إيه..؟)
حك ذقنه قائلًا بخشونة وهويتابعها بنظراته (قولت أجي يمكن تقعي فأشيلك تاني أصل الموضوع عجبني بصراحة وطلع لذيذ)
تسارعت أنفاسها في غضب مكتوم من كلماته الوقحة، رمقته بنظرة زاجرة معنفة قبل أن تستدير مقررةً تركه فقال بثبات وهو يتكئ بجزعه في هيمنة وبرود (لو مشيتي وسبتيني بعد المشوار دا كله هعملك فضيحة لطيفة وسط الجامعة)
فغرت فمها بذهول مما نطق، تسمرت مكانها لا تقوى على الحركة مرتجفة تلعن حظها الذي أوقعها مع هذا العابث المخبول، كتمت زمجرتها وغيظها والتفتت تسأل بثبات (حضرتك عايز مني إيه..؟)
حك جانب عنقه قائلًا بإستهانة وبرود (حمزة قالي إنك رفضتي فجاي أعرف ليه..؟)
استنكرت قوله رسمت الاستهجان على ملامحها وهي تهتف بحدة (من غير ليه..؟ هو كدِه ولا الجواز بالعافية)
ابتسم فزادت وسامته قال بسخرية (آه عافية أصل أنا ملمسش غير مراتي أمي موصياني أحافظ على نفسي ومفرطش فيها  لغاية ما يجي النصيب، بما إني اضطريت اشيلك وألمسك فخلاص صلحي غلطتك)
حملقت تحاول استيعاب كلماته، راقه التعبير الذي رسمته فابتسم أكثر بينما هتفت هي بحدة وغيظ (إنت متأكد إنك ضابط..؟)
مال فمه بإبتسامة مستفزة لها وهو يخرج هويته بأريحيه واستمتاع (هوريكِ البطاقة يا ميمو )
انحبست دماء الغضب في وجهها قالت صارخة نافذة الصبر(هكلم حمزة وأجوله)
ابتسم قائلًا وهو يشعل سيجارًا (هقوله إنتِ بعتيلي مع ريناد أجي أقابلك علشان غيرتي رأيك)
اتسعت نظراتها فوق ملامحه المستكينة، لتأخذً نفسًا قوي بينما هو يتابعها ببعض الإشفاق والمزيد من المتعة، عادت ببصرها له تسأل بهدوء قدر المستطاع (عايز مني إيه واشمعنا أنا)
اعتدل وقد اتخذ الحوار شكلًا آخر، قال بجدية (اقعدي يا مودة هنتكلم وبعدها أمشي)
نظرت حولها بقلق وخوف ليخبرها (بعيد عن كليتك ومش وقت دراسة محدش هيشوفك ومتخافيش مش هطوّل)
هدأتها نظراته القوية المطمئنة فجلست منكمشة تتوسله (بالله عليك خلّص بسرعة وجول الي عايزه)
قال متفهمًا (متقلقيش محدش يقدر يجيب سيرتك ولا إنتِ ولا أختك)
رفعت نظرات مذهوله ليردف مبتسمًا (عارف وفاهم كل حاجه متقلقيش، ومش هأخرك جاي أفهم سبب رفضك )
فكرت قليلًا بتشتت وحيرة، ليردف مشجعًا يدعمها (مودة لولا إني عارفك وفاهمك مكنتش جيت أسأل وأعرف بهدوء لإن واحدة زيك أكيد لها أسبابها ويا تقنعيني يا أقنعك)
سؤال واحد خرج من دائرة حيرتها هاربًا (اشمعنا أنا.؟ ومتجوليش الكلمتين الي جولتهم، أكيد عندك سبب يخليك حتى بعد رفضي تجي تسأل فياترى غرور منك إنك تعرف ليه واحد زيك يترفض ولاااا
قاطعها بإبتسامة معجبًا بكلماتها وحوارها (ولااا عايزك ومتمسك ومصمم عليكِ..؟)
ازدردت ريقها وهزت رأسها بخجل ليردف (هي الإجابة التانية الصراحة)
تعجبت أكثر فأوضح (إنتِ عجباني يا مودة فيكِ الي أنا عايزه وحلمت بيه، مختلفة عن الي شوفتهم وأعرفهم، مميزة ..من يوم ما شوفتك وأنا حاسك تشبهيني أظن مفيش أسباب أكثر من كدا)
انتفضت واقفة بخجل وإرتباك من مسار الحوار، تطلعت حولها وخجلها يشتد فابتسم مرفقًا بها (هجدد طلبي تاني يا مودة وتالت لو حبيتي لغاية ما توافقي، حمزة هيتكفل بإنه يقولك كل حاجه عني وأي سؤال تحت أمرك تقدري برضو ترجعي لحمزة وأنا هرد)
لا تعرف كيف هزت رأسها، لكنها كانت تائهة دقاتها تتناغم مع كلماته فتخدرت حواسها وانقادت له رغمًا عنها، انسحبت راكضة وصوته الضاحك خلفها (خلي بالك من نفسك هبقى وراكي لغاية من تروّحي بخير)
ابتسامتها غلبت توترها وخجلها، زاحمت حتى خرجت فوق ملامحها.. غادرت وبقيّ هو خلفها بسيارته حتى وصلت واطمئن.
عاد للمنزل فسألته والدته وهي تراه عابسًا (ها عملت إيه معاها ؟)
قال ببعض اليأس (عادي مطلعتش منها بحاجه ومعنديش أمل فموافقتها)
سألته والدته مستشفةً (عادي وإنت زعلان ليه..؟)
أوضح مخبئًا مشاعره (مش زعلان هي يادوب دقيقتين وجريت)
ابتسمت والدته بإعجاب قائلة (بنت متربية ومحترمة جدًا، بجد اتفاجئت إنها قريبة الاستاذ عبدالحكيم والدك كان بيحبه جدًا ويقدره ولو عايش مكانش مانع النسب بالعكس )
هز زين رأسه بالموافقة واليأس من موافقتها يستوطنه لولا أن أخته أبلغته أن مودة غير مرتبطة رسميًا ولا عاطفيًا وأنها ليست من هؤلاء الفتيات بل حالمة تحافظ على نفسها لحبيبها، مشاعرها بكرًا لمن يدخره القدر لها وكم يتمنى أن يكون هو.
علم عنها الكثير من أخته فازداد تمسكًا بها ورغبةً فيها، لم ينتظر على الفور تقدم حمزة ليخبره بعدها حمزة رفضها،فرتب مع ريناد حتى يلتقي بها ويعرف السبب الذي دفعها لرفضه.
أفاق من شروده على أمر والدته (غيّر هدومك وتعالى نتغدى يا حبيبي)
وقف قائلًا بعدم رغبة وإحباط (هنام شوية اتغدوا أنتوا)
تعجبت والدته مما تراه..؟ وتصميمه على هذه الفتاة دون غيرها وحزنه حين علم برفضها وإصراره على معرفة السبب ومناقشتها، من غير المعقول أن يكون أحبها بهذه السرعة ربما هو منجذب إليها أو معجب حقًا لا تفهمه.
داخل حجرته كان يخرج من جيب سترته عملة ٢٠٠جنيه التي منحتها له فردها أمام نظراته قائلًا (ماشي يا مودة أهو بتعامل بالأدب والرومانسية لغاية ما أشوف أخرتها بعد كدا هجرجرك على القسم وأحبسك لغاية ما توافقي)
********'********
غادر للمحافظة منذ الصباح، كتب لها يسألها (سكن محتاجة حاجه من قنا ؟ أجبلك حاجه ؟)
أجابته مبتسمة (لاااه تسلم)
سألها (بتحبي الرسم أجبلك ألوان ؟ بتحبي مثلا التطريز الكروشية ؟)
جعدت أنفها وأجابته بعفوية توّقف استرسال أسئلته (حمزة أنا الحاجه الوحيدة الي بحبها ومجتهدة فيها الرجص)
قرأ وصمت، بل طال صمته وبعدها انسحب من المحادثة، تعجبت من فعلته وتساءلت عن السبب هل استهزأ بقولها فنكره وتجاهله أم ماذا..؟
كتبت مجددًا (إيه ؟ فينك ؟)
قرأ ولم يجبها عليها فألحت عليه (جولت إيه؟ خلاك بلعت لسانك)
كتب لها (إنتِ كارثة متحركة يا سكن، ياريتني ما سألت بتبهريني)
كتبت متضايقه :(إنت الي سألت متضايج ليه، اشمعنا إنت تبهرني )
تذكر ما حدث فكتب ضاحكًا (إنتِ هتجلطيني بس)
كتبت معاتبةً(بعيد الشر عنك يا حمزاوي أنا جبلك يارب)
كتب متذكرًا (علشان كدِه جابولك بدلة رجص)
قالت بخجل (أيوة شطور حمزاوي، عارفين إنه كان نفسي فيها)
أرسل لها ضحكة يتبعها بقوله (تمام يا آخر صبر حمزاوي)
سألها بخبث(وحمزاوي مسمحله يشوفك بيها ولا إيه..؟)
ابتسمت بخجل وكتبت(لااه عيب هما بس)
استنكر وغضب(عيب! هما مين يا بت..؟)
كتبت بعفوية (الي جابوها أظن عادي)
هددها بغيظ وغيرة شديدة(اعمليها يا سكن وشوفي هعمل فيكِ إيه؟)
كتبت مستنكرة (وإنت مالك يا حمزة، بعدين ما أنا برجص عادي جدامهم من زمان)
تجاهل عن عمد مغتاظًا بشدة، كتب لها ينهي الجدل
(لو احتجتي حاجه اكتبيلي)
كتبت (اسأل ورد..؟)
أخبرها بثقة (سألتها جبلك)
ابتسمت فخورة به ثم كتبت (ماشي ترجع بالسلامة)
***********
بعد صلاة العصر وقت غروب الشمس، اختلى حمزة بوالدته،في جلسة رائقة بعدما اطمئن على زوجته بعد أن داهمتها نوبتها وغادرت لتجلس قليلًا مع مودة، اعتنى بها حتى ذهبت بعدها جاء؛ ليجلس بصحبة والدته، لثم كفها معتذرًا (مجصر معاكي أنا يا أمي سامحيني)
رفعت له نظرات متعجبة، تسأله بحنو بالغ (ليه يا حبيبي بتجول كدِه..؟)
فسر قوله (مشغول عنك شوية بسكن)
ربتت علي خده قائلة بتفهم (مش مشغول عني إنت الي حاسس كدِه لإنك اتعودت حياتك مفيهاش غيري دلوجت اتملت بسكن)
هتف بفرحة ورضا (الحمدلله بجت أحسن كتير)
ابتسمت سعيدة لفرحته (الحمدلله ياحبيبي وبإذن الله تخف خالص وتتهنوا).
سألها حمزة بحزن (الي هي فيه دِه إيه يا أمي.؟)
نهض حمزة على رنين جرس الباب، ملامحه مكسوةً بالحزن، فتح الباب ليتفاجئ بسكن قد عادت سألها (مش جولتي رايحه لمودة؟)
دخلت يسكو وجهها الضيق، قالت (إنت عايزني أروح؟ مالك اتضايجت ليه لما رجعت)
نادتها ورد بمحبة وتفهم (تعالي بطلي هبل)
غادرت لأحضان ورد، بينما وقف هو يراقبهما بمحبة قبل أن يغيظها (إيه المشكلة عايز أجعد مع أمي شوية لوحدنا)
لامته ورد بنظراتها وهي تربت على ظهر الأخرى، لتذم سكن شفتيها هامسةً بصوت متهدج (هيمشي عمار وهرجع تاني يا حمرة لو عايز وأبيت كمان)
ابتسمت ورد قائلة بحنو (حمزة بيهزر معاكِ هو يستغنى برضك..؟ مشوفتيهوش إنتِ وهو جايلي يجولي أنا عايز سكن يا أمي، مجدرش استغنى عنها ولا أكمل من غيرها)
أرخى حمزة جفنيه بحرج، بينما رفعت سكن رأسها عن صدر ورد تسألها (مِتى..؟)
أوضحت ورد بإبتسامة (لما رجعلك تاني وحصل الي حصل)
شهقة ناعمة عبرت حدود شفتيها ونظراتها المرتبكة تعرج لوجهه تطلب تأكيدًا، هل عاد لأجلها؛ ليخبرها أنه يريدها وهي استخفت يومها بكلماته وأحزنته، والأدهى احتالت عليه ووضعته بين شقي الرحى وهو تحمل وصبر لأجلها وعانى من فراقها مثلما عانت.
طال صمته وأشاح منشغلًا بهاتفه، استأذنتهما المغادرة للحجرة لتنام فأوقفها وهو ينقر فوق هاتفه (سكن اشربي كوباية اللبن الي فالمطبخ)
رمته بنظرة ساخرة وهي تخبره بفظاظة (اشربها إنت يا دكتور)
ضحكت ورد متشفيةً فيه، وهي تطالع ملامحه التي تحمل الخيبة،غادرت ورد خلفها لتنام وبقيّ هو بالخارج بعدما أنهى عمله استوحش المكان دونها وتضايق مما حدث وسخافته معها.
رتب مكانه وأعدّ جلسته منتظرًا خروجها ربما تتخلى عن عنادها وتفعل، طال انتظاره فتحرك في أنحاء المنزل بضيق محدثًا العديد من الضجة حوله مما جعل ورد تتأفف وتطلب منها (جومي اطلعيله)
قالت سكن (لا هناااام)
لكزتها ورد موضحة(ولدي مش هيناااام ولا يبطل كركبه غير لما تطلعيله أنا عرفاه)
كتمت سكن ضحكتها بينما هتفت ورد له (نااااام يا حمزة راسي وجعاني)
قليلًا واحتل الصمت المنزل، بعدما يأس من خروجها
جلس أمام التلفاز يقلب قنواته بغير استقرار وهدى
بالداخل كانت ورد تدفعها (جومي يا بت بره إنتِ كمان مش عارفه أنام من حركتك دي)
خرجت سكن من الحجرة بعدما رفعت عنها ورد الحرج وأنقذتها بتفهمها، تسللت للخارج، وجدته جالسًا يمدد ساقيه بينما ظهره يستند على وسادة كبيرة وجواره صحن كبير من الحبّ مختلف الأنواع.
استدار برأسه ليجدها تدخل المطبخ فهتف موصيًا (اشربي اللبن)
تناولت الكوب وخرجت به قالت وهي تجلس جواره (خد اشربه إنت مبحبش اللبن صافي كدِه..)
ابتسم وهو يفتح ذراعه داعيًا لها بحنو (سيبيها وتعالي)
ما كانت لترفض تلك الدعوة، ابتسمت هي الأخرى واقتربت واضعة رأسها على كتفه، سألته (حمزة الي قالته ورد بجد..؟)
أجابها وهو يوجه نظراته لشاشة التلفاز (أيوه)
رفعت رأسها إليه قليلًا تطالعه بينما أدار هو رأسه عن شاشة التلفاز، فتلامست الأنوف والتحمت الأنفاس ركنت نظراته عن شفتيها في رغبة وأغمضت هي عينيها متأثرة بقربه تلامست الشفاه دون موعد أو ترتيب، دقائق كلاهما حائر في أمره منجذب لا يقدر إلا على تتبع مشاعره التي تقوده للقرب المهلك، تذكرت حلمها به وتجربتها الفريدة وتذوقها نكهة قربه منها، تمنت لو تكررت تلك المرة حقيقة لتعرف هل المذاق متشابه..؟ انصاع هو لرغبته لاقيود تمنعه ولا شيء يردعه هي له. فليفعلها ويشفي قلبه العليل بهذا الثغر الذي أرقه ليالٍ وحلم بإمتلاكه كثيرًا.
تلمس شفتيها في مراوغة يمنحها جرعة صغيرة لتثمل وتكمل مطالبة بالمزيد أو تبتعد هربًا.
تصلبت، اسكرتها اللذة وهامت منتظرة أن يجود بالمزيد لتستكشف ذلك الأحساس وتتفتح زهرة حبها له بين يديه، لثم ولامس ثم نال الثغر برقة ونعومة، اكتفى وعرجت شفتاه للوجه للعينان في تناغم ثم هبطت للجيد وقد ترك كل شيء وانشغل  بما حققه.
تتنفس بقوة تركض خلف عواطفه الثائرة، كلما لملمت مشاعرها بعثرها من جديد بين يديه.
رن هاتفه فانتفضا نظرا لبعضهما ثواني يستوعبان ما حدث، قبل أن تقف منسحبة في خجل، راكضة للحجرة دخلتها وأغلقت خلفها، يتابعها هو بلهاث ورغبة جامحة في المواصلة.. مسح وجهه عدة مرات ربما يفيق، مازال التأثير موجود بل تصاعد. نهض عازمًا على الاسترخاء بحمام بارد، لو ترك نفسه لرغبته وأفكاره لتبعها وأخذ ما له.. لامتلكها وووصمها بصك ملكيته الأبدية، لكن مهلًا ليس الآن.. فلتستعيد عافيتها وحيويتها، وروحها ليفهم خضوعها الآن حبًا أم هرب جديد وتقبل للواقع الذي فرض عليها. خرج يجفف خصلاته عينيه على باب الحجرة وقد أدرك أنها لن تخرج ثانية...أمسك بكتاب وعاد للجلسة التي أعداها استند بظهره للوسادة وبدأ في القراءة عله ينغمس وينشغل عن هذا الشعور وتلك الأحاسيس التي تعربد داخله الآن.
بالداخل كانت تتلمس شفتيها ووجهها، جيدها الذي حمل أثر جنونه منذ لحظات، تنتفض غير مصدقة، استسلامها له وتلك المشاعر التي تتفجر داخلها الآن وتكبر.
كان جنونًا لذيذًا تمنت لو طال وأمتد، كان شعورًا فريدًا ورائعًا، أجمل مما تخيلت وأحلى مما رأت، لم تنفر منه كما فعلت مع هشام، لم تبتعد كانت تقترب مغيبة بسحره.
خرجت متسللة بحذر وجدته مكانه ممسكًا بالكتاب وهو غارق في نومه، تسحبت حتى وصلت عنده، سحبت الكتاب من بين يديه ووضعته جانبًا.
سحبت الوسادة من خلف كتفيه وعدلتها وهي تهمس بحنو :(نام كويس يا حمزة علشان راسك متوجعكش)
غمغم بكلمات غير مفهومة ثم اعتدل نائمًا على جنبه الأيسر، تأملته قليلًا مبتسمة قبل أن تقف مقررة المبيت بالحجرة، أمسك بكفها مغمغمًا (نامي هنا)
احتارت ماذا تفعل، همس لها (نامي مش هعوضك ولا هاجي جنبك) تسطحت بصمت تاركة مسافة بينهما
وهي تهمس بغيظ (ليه لا سمح الله جرفان)
فرق بين جفنيه يطالعها بنصف نظرة مندهشة، قبل أن يسحبها لتستقر بأحضانه في عناد ومشاغبة (نامي )
تملمت في حياء وحرج من وجودها بين ذراعيه، ظهرها ملتصق بصدره، أنفاسه الساخنة تضرب بشرة عنقها فترتعش أكثر، يحيط خصرها بذراعيه في تشبث همست بخجل (إبعد شوية ياحمزة)
سخر منها كما فعلت (ليه جرفانه أنا لسه مستحمي)
أوضحت بإضطراب (متعودتش)
همس بإستمتاع ولذة وهو مغمض العينين (اتعودي)
سكنت بين ذراعيه صامتةً متقبلة، راضية كأنها عادت لموطنها بعد طول غياب..
أغمضت عينيها على همسه الساحر في أذنها آخر ما تلقته منه (بحبك أنا يا سكن جلبي)
استيقظ على صوت الباب الحديدي يقرع بعنف شديد، نهضت سكن منتفضة فزعةً تسأل وهي تنكمش بأحضانه(في إيه يا حمزة..؟)
غاص قلبها بخوف كلما اشتد الطرق وتعالت الأصوات من خلفه، طبع قبلة فوق رأسها يطمئنها (ادخلي جوا يا حبيبي متخافيش)
تشبثت به ونظراتها تتوسله البقاء بقربه، رفضت تركه.. لتخرج ورد متسائلة (في إيه..؟)
أجابها حمزة وهو ينهض واقفًا ممسكًا بكف زوجته (مش عارف يا أمي)
وصلهم صوت عالي صارخ ينادي بفظاظة واستهزاء (اطلع يا واد عبد الحكيم لو راجل)
حملقت سكن وهي تنهض منكمشة بصدره (دِه هشام)
أشارت لها ورد بحدة بعدما استنفرت من صراخه (ادخلي يا سكن)
ابتعدت قليلًا عن حمزة ممسكةً بكفه، تحيطه بنظرات ضائعة خائفة، فابتسم هامسًا وهو يترك كفها (ادخلي هشوف في إيه)
دخلت الحجرة وأغلقت، ضاق صدرها وتملكها الخوف الشديد، تتابعت دموعها بغصة تشخص في الباب منتظرة مترقبة عودته لها سالمًا.
فتح حمزة الباب بعدما أخذ زاده وقوته من نظرات والدته، ليهجم عليه هشام دافعًا جسد حمزة بقوة لا يمهله الإدراك، شهقت ورد وهي ترى سلاح هشام تستريح فوهته فوق جبهة ابنها  بينما يقبض هشام على ياقة حمزة قائلًا :(موتك على يدي أنا يا واد عبدالحكيم)
#انتهى

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد

ملاذ قلبي سكن Donde viven las historias. Descúbrelo ahora