❤️العشرون❤️

1.5K 62 15
                                    

اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنام محمد
❤️العشرون ❤️
خرجت لتقابل هشام بعدما تحدثت إليه وأخبرته بضرورة مقابلته ليتفاهما ويصلا لحل قبل أن يطلب جدها حضور حمزة لحل المسألة، فإما طلاقًا أو زواجًا رسميًا.
ارتدت عباءة والدتها وخمارها الطويل وخرجت غير عابئة بتوسلات مودة ولا رفضها.. خرجت من باب المنزل مرتعشة تتطلع حولها بحذر، غافية عن عينا خالها التي توهجت بشرٍ عظيم، وقد ظن فيها السوء بفعلتها تلك.
وقف امامها قاطعًا طريقها، أدارت رأسها بعدما تجولت نظراتها خلفها لتترقب فاصطدمت بخالها أمامها يتوعدها وهو يحيط ذراعها بقبضته (هتهربي ولا إيه.؟ ولا رايحه تجابلي حد يابت)
شهقت بإنفعال متفاجئة، أدركت الآن وهو يجرها للمنزل  أنها هالكةً لا محالة ولن ينجيها قول أو فعل، فخالها بعد موافقتها على هشام ومؤازرة أمها لحمزة يبيت لهما والآن جاءته الفرصة لينتقم منهما ويحقق رغبته في إذلالهما وتعذيبهما ثأرًا لكرامته التى أراق حمزة دمائها.
ضربت مودة خديها حينما رأت خالها بوجهه البشع يدخل للمنزل دافعًا أختها، يصرخ بصوت هز ثباتها وارجف والدتها (بتك بتهرب يا راضية، نايمة وسيباها تحط راسنا فالطين)
ترك سكينة لذراعي أختها وذهب لأخته النائمة بهلاك بعدما داهمتها الحمى، ضربها عدة ضربات قوية فوق رأسها زاعقًا (جومي يا واكلة ناسك)
أحاطت راضية رأسها مخافة الضرب، نهضت جالسة تبكي بحرقة ليتركها رفعت ويذهب لتلك التي صعدت تستند على ذراعي مودة، ركض ملتهمًا السلالم أوقفها قائلًا (هعرف هتهربي كيف تاني)
سحبها من خصلاتها للحجرة، خلفه مودة تترجاه (سيبها ياخالي والله ما كانت هتهرب)
دخل بها الحجرة وأغلق خلفه فإنهارت مودة أرضًا صراخها المرتعب يوازي صراخ أختها التي انهال عليها رفعت ضربًا بكل ما أمتلك من قوة، ظلت تطرق الباب متوسلة حتى خبتت قوة أختها وتحول صراخها لأنين مكتوم.. حينها أدركت مودة أنه فرغ من تعذيبها وانتهى ولابد أنه نال منها حتى رأى ما أراحه فتوقف.صح ظنها حين خرج رفعت لاهثًا، دخلت هي خلفه تحبو غير قادرة على النهوض رأت أختها أرضًا فاقدة لوعيها الدماء تغطي وجهها فلا تكاد ترى منها شيئًا ولا تسمع إلا أنينًا خافتًا كشعلة صغيرة تخبو شيئًا فشيء.
ضمتها مودة تمسح عن وجهها الدماء بكفها، شكرت الله لإغماء سكينة فلو لم تفعل لأكمل خالها حتى ماتت بين يديه.
ساندتها حتى وضعتها فوق الفراش ودثرتها، وخرجت تستمع لزعيق خالها وهو يوجه كلماته لعمار (تجفل عليهم لما نشوف هنعملوا إيه فيهم)
بقيت مودة تتنقل بين والدتها وسكينة حتى تعبت، من المؤكد جدها لا يعلم بما حدث وإلا لما تركهما لهذا القبيح.. وتلك كانت أصعب ليلة مرت على مودة لن تنساها وستظل في ذاكرتها أبد الدهر.
******
استيقظ مفزوعًا من نومه، تجرع كوب الماء الموضوع بجانبه ونهض يذكرالله.. جلس يفكر فيما رأه وعلِق في ذهنه، رأى فتاة تتجول في المقابر خائفة يفصلهما باب حديدي تناديه وتستنجد به وحينما يحاول إنقاذها يد سوداء تسحبها، جاء من خلفه والده وخاله فتحا له البوابة في إشارة للعبور، همس والده (شوف سكن ياحمزة) فعل بطاعة، إن لم يأمراه ما كان ليقدر على عصيان قلبه ودقاته، وأبيه يخبره أن سكنه تُضرّ
بعدها استيقظ من نومه، مسح وجهه مستغفرًا وهو يضع راحته موضع قلبه ملتقطًا أنفاسه وهو يهمس (فيكِ إيه.؟ جلبي مش بيهدا ولا يرتاح، كني روحي بتتسحب مني ياسكن ومش جادر أتنفس)
نهض يجوب الصالة بقلق، ذهابًا وأيابًا في توهةٍ وضياع، يحاول مراسلة هيما بعدما أضاع هاتفه ولم يستطع فتح تطبيق الواتساب علي هاتفه الجديد ولا بعض البرامج التي تحتاج الرقم المصري الخاص به، سيجن من فرط ما يحدث له وتسارع نبضاته بهذا الشكل.
استيقظت ورد لتجده على حالته، شملته بنظرة يترقرق فيها الدمع ثم همست بعزم وبأس شديد(احجز يا حمزة آن الآوان)
قطب مندهشًا في حيرة لتجلس ورد مرتبكة تقص (سكن فيها حاجة ياحمزة، مبشوفش غير سواد) جلس على ركبتيه يسألها برجاء خافت (ليه شوفتي إيه؟)
همست بقلب منقبض وهي تسلب الأنفاس سلبًا (مبشوفش ودي المصيبة ياحمزة)
تاه لم يفهم مقصدها لكنها استطرد بتعب (يوم ما حصلك الي حصل شوفت سواد، وانهردا شوفت نفس السواد)
جلس مستريحًا لا يفهم يتخبط، فأوضحت (نصك التاني وسكن جلبك فيها حاجه ياحمزة)
شرد وسؤال واحد يقفز لأفكاره مَن تكون سكنه.؟ قرأت ما يدور بأفكاره فاستطردت (جلبك هيدلك ولسانك هيناديها ياحمزة، خلينا نرجع على جنا ياحمزة)
هز حمزة رأسه بالموافقة وهو يضع كفه على صدره يمسد ربما يشعر بتحسن لكن لا فائدة الوجع يزداد والإنقباض يقيّد أنفاسه.
********
استيقظ حسااان من غفوته، مسح وجهه وخرج من المسجد وجلس مُفكرًا وقد اهتدى للحل، فشرع في تنفيذه على الفور، رفع هاتفه واتصل بأخته منى، التي أجابت على الفور بلهفة (كيفك يا خوي)
هتف بعدم صبر واستعجال كأن القدر يطارده  :(فين إبراهيم.؟)
ارتبكت، تعجبت من طلبه الغريب والسريع في ذات الوقت فسألته (ليه.؟)مترددة، تخشى عواقب ما يطلبه فراوغت لتهرب تعلم أن ولدها لن يُجيب.
كرر حسان بنبرة متوسلة : (جولي لإبراهيم يكلمني)
اقتربت تحاول مع ولدها، الذي لم يقلّ عنها دهشةً، لكنه تجاهل و رفض بغضب، فعادت لأخيها خائبة تعتذر بخجل وحرج:(معلش يا خوي الواد مش راضي)
هتف بصبر، متحملًا لينجو من خوفه ويلحق بتلك المسكينة التي تكالب عليها ذئاب البشر(سمعيه كلامي زين)
إقتربت من ابنها الذي تأفف ولعن وهو ينهض مبتعدًا، فتحت منى مكبر الصوت وانتظرت كلمات حسان بفضول ، الذي هتف بإستنجاد (كلم حمزة وجوله يرجع ضروري على أول طيارة، جوله سكينة خالها هيجتلها ومفيش غيرك يلحجها منيه)
تصلب جسد هيما مكانه، تجمدت نظراته، ترك الهاتف الذي يلعب فيه واستدار يستوعب ما قاله خاله، انتفض إبراهيم مشككًا في قوله (إنت كداب أكيد عايزين تأذوه)
بهتت ملامح حساان وشعر بغُصة في قلبه من كلمات ابن أخته لكنه التمس له العذر وتابع (كلم مودة واتأكد منيها، لما تتأكد كلّمه محدش غيرك هيعرف يوصله)
أوضح إبراهيم بقلق حقيقي لما لمسه من صدق في نبرة هذا الرجل الخشنة ولهفته التي تحيط نبرته المرتجفة (معنديش رقم مودة)
ضجر حسان من مراوغته قائلا (كلم حمزة وهو هيعرف يتأكد من كلامي)
أنهى هيما الإتصال ورفع هاتفه، يحاول الإتصال بسكينة ليتأكد هي الوحيدة التي ستنبأه بما لم يستطع عليه صبرًا، وحدها لن تراوغ أو تكذب مهما حدث، لكن هاتفها مغلق ، يصفعه بالحقيقة، يهمس له بأن الأمر جلل وهذا العجوز التائب صادق.
ضربت منى على صدرها مولولة، تشعر بمرارة الوجع وبغتتة الفجيعة:(حصل إيه يامري) تجاهلها هيما مشغولًا يهمس كلما تأخر حمزة في الرد (يلا يا حمزة يلا)
تنقل في الشقة يحاول الإتصال بحمزة ووالدته في أعقابه تتنصت،تريد معرفة ما الكارثة التي ستقلب حياتهم من جديد،يأس من محادثة حمزة فسارع لمهاتفة ورد حمزة كتب له رقمها  منذ أيام
ركض حمزة تجاه هاتفها،يشعر بعظيم الأمر، فهاتف والدته قليلًا ما يرن، اتصال من مصر  ثبّت ما لحق بعقله من هواجس، وضع كفه على قلبه وأجاب بقلق (أيوة مين)
هتف إبراهيم بلهفة (أيوة ياحمزة أنا هيما)
سأله حمزة ووالدته خلفه تتابع (إنتوا كويسين حد جراله حاجه، وخاف أن يسأل عنها لتصدق الرؤيا فانتظر حتى يأتيه الخبر اليقين على جناحي القدر) .
صمت  هيما مترددًا يشد خصلاته فشجعه حمزة وقلبه يكاد يقف (إيه.؟ حد جراله حاجه.؟)
قال إبراهيم مرغمًا  (حد كلمني وقالي أقولك تنزل بسرعة.. )
انتفض حمزة صارخًا يدور حول نفسه بجنون (إيه.؟ ليه.؟)
أجاب هيما بفشل (بيقول سكينة فمصيبة ولازم تلحقها من خالها ممكن يموتها)
هتف حمزة بينما تضع ورد راحتيها فوق  صدره (إيــــــه.. ليــــه.. عملت إيه لكل دِه )
أجابه هيما مُحبطًا(معرفش تليفونها مغلق ومعرفش رقم حد غيرها هناك، ومش فاهم حاجه)
لا يعلم مَن يهدىء من روع مَن، نفسه أو إبراهيم (هتصرف وأفهم)
أنهي الإتصال وراح يبحث عند الأجندة الجانبية التي يكتب بها أرقام الجميع للإحتياط.. فتحها بإرتجاف، وقعت من بين أنامله أكثر من مرة لا يستطيع السيطرة عليها من شدة توتره وفزعه، أفكاره تركض عندها هي تُري ماذا حدث وهل سيفقدها..؟
إذًا هي سكنه الذي يبحث عنه.
رن علي هاتفها فوجده مغلقًا، هاتف عمار فلم يجبه فهاتف مودة التي أجابت في تردد(مين.؟)
هتف مضطربًا (أنا حمزة يا مودة)
قالت بلهفة مستنجدة ونظراتها تقع فوق جسد أختها المسجي تحاكي الأموات في شحوبها (حمزة حمزة...) قالتها بعدم تصديق وتلعثُم بعدما يئست من رده وفقدت الأمل في أن يلحق بأختها.
هدأها يحاول أن يفهم سر فزعها هذا(اهدي اهدي.. فهميني بالراحة
قالت بتقطع مرير ونشيج بكائها يعلو بينما اختها تأن من شدة الوجع ومالاقته على فاقد يدالضمير خالها(سكينة بالله عليكِ ياحمزة بتموت... ومش جادرة أحميها أكتر من كِده
سقط من علو الأمل لحضيض اليأس والفزع جلس بإنهيار يرمش مستوعبًا كلماتها.
ترك الهاتف وركل نحيب مودة، نظر لوالدته التي نهضت وضمت رأسها لصدرها تحتوي الفزع الذي تملّك منه (اهدأ يا حمزة هتكون بخير..
رفع الهاتف من جديد وسأل مودة بنبرة محطمة(حصل إيه.؟ وهي فين أكلمها.؟)
أجابته وهي تمسح دموعها (خالي حبسها ياحمزة بعد ما ضربها ووصلها للموت، مفيش وجت أفهمك بس لازم تيجي بسرعة علشانها وعشان أمي وأنا معدتش جادرة أحميهم بالله عليك إنت بس الي تجدر حتى جدي مش عارف) .
ضغط زر الإنهاء لامزيد من الكوارث، قلبه تمزق بأنياب الفجيعة، يتهاوى في ألم.. همس لوالدته (في إيــه.؟))
ضمته ورد لصدرها هامسةً(جول يارب ياحمزة)
غمغم وهو يعتصر عينيه وأبشع الصور تترئ له وتمر على خاطره فيتلوى وجعًا، بعد ساعة
لايدري كيف لملم أغراضه وكيف ذهب للمطار كأنه ليس هو جسدًا بلا روح، روحه فارقته لتبقى بجانبها هناك، يعمل بروتينية شديدة،يتحرك بآلية، يتمنى لو أغمض عينيه وفتحهما ليجد نفسه هناك معها يحتضنها بقوة ويحميها،جلس أخيرًا ينتظر
تربت والدته على كتفه في مؤازرة ثم تعود لصمتها ودعائها.. ويبقا هو أسير هواجسه وعبدًا لخوفه الذي يتضخم ويكبر حتى يبتلعه
****
وصل أخيرًا ملتقطًا أنفاسه، رأته مودة من نافذة الحجرة فتهللت وركضت تجاه سكينة تطمأنها (حمزة جه يا سكينة)
لكنها غائبة واهنة، منذ ماحدث لها وهي فوق الفراش لا تأكل أو تشرب، تطالع ما حولها بصمت ثم تعود لنومها الغريب.
تحاول معها جاهدةً لتأكل لكنها ترفض فتضطر مودة أن تسقيها عصيرًا من وقت لأخر حتى تبقا، فلو تركتها لماتت.
هبطت مودة درجات السلم بركض، تنبيء والدتها النائمة في المندرة الصغيرة فاقدة الحياة (حمزة جه يا أما)
نهضت راضية متعثرة، تتعكز في تعب بعد ما لاقته من ضرب على يد رفعت وما نالها من وهن.. دبت في جسدها العافية وفي روحها الحيوية، فاندفعت ناحيته واستقبلها هو بضمة حنون مقبلًا رأسها، يبحث عنها بنظراته فلم يجد سوى مودة، ضمتها ورد بعدما تركها حمزة واتجه لمودة وفي عينيه ألف سؤال وعلى شفتيه اسمها (ازيك يامودة عاملين إيه.؟) تنهدت مودة براحة حين جاء، كأنه الآن يمكنها منحه القيادة وتريس المركب حتى لا تغرق بهم جميعًا، أسقطت عن كاهلها حملًا ناء به ظهرها وانحنى(ازيك يا دكتور حمدعلى السلامة)
تأملها، شاحبة هذيلة للغاية، تخلت عن خجلها أخيرًا منه وهذا أدهشه، رفعت نظرات قوية له منتظرة أن يفصح عن أسئلته ويحرر قيد مشاعره المكبوته في ملامحه ويترك اسم أختها يعبر أبواب شفتيه وحوائط الصمت والصبر، فعلها وسأله (فين سكينة.؟ في إيه.؟)
من خلفه كانت عمته تبكي بأحضان ورد، ترثي حالها وتوضح العلّة، لم يصبر ليستمع، هتف بهدوء حتى لا يفزعهما (فين سكينة.؟)
أشارت مودة للأعلى، فقال زافرًا يحاول السيطرة على انفعالاته (جوليلها تيجي، ناديها)
جاء رفعت وفي أعقابه عمار، يقولان بتحدي (إزيك يا واد أخوي)
استدار حمزة متجاهلًا سلام عمه في قعر وحل خطاياه الكثيرة، تجاهله، أجابت مودة (متجدرش تتحرك يا حمزة)
أخرسها عمار بحدة (اكتمي)
قال رفعت ببرود وهو يجلس بإسترخاء في تحدي(ما ترد السلام.؟ جاي محمل علينا ليه.؟ حد داسلك على طرف)
صرخ بهما في غضب آتى محملًا به متجاهلًا سخافة عمه (جبل أي حاجه اطلعي يا أمي إنتِ ومودة هاتوا سكينة وخديهم هي وعمتي ومودة البيت وأجفلي عليكم.؟)
لوى رفعت فمه بتهكم، وصمت الجميع..
أطاعت ورد بصلابة وكبرياء، صعدتا للأعلى.
على باب الحجرة تصلب جسد ورد وزاد انقباض صدرها، كأن جبالٍ استقرت فوق خافقها المضطرب، تلت الكثير من الآيات وتحصنت ثم ولجت للداخل نظراتها تستقر بفزع فوق الجسد المتكوم الفاقد للحياة
هرولت بلهفة وفزع تجاهها، لملمت عنها الدثار وتفحصتها بدقة وقلب كاد يشق صدرها ويغادر، تنهمر دموعها فوق خديها وهي تتأمل كدمات وجهها وخصلاتها المقصوصة بعشوائية وانتقام،جلست و رفعتها لصدرها تبكيها وهي تربت بحنو فوق خدها (بت يا سكينة جومي يابت)
جسدها بارد كالثلج، انتفضت جسد سكينة كأنها عادت للحياة من جديد، همست (ورد، حمزة)
ضمتها ورد بقوة وهي تبكي في حسرة داعية بحرارة وكراهية (منك لله يا رفعت ربنا يشل يدك ويهدك)
تابعتها مودة ببكاء، فأشارت لها ورد بعدما كفكفت دموعها (تعالي يامودة ساعديني نفوجها ونردلها عافيتها شوية علشان نجدر ننزلها)
أطاعت مودة اقتربت تساعد حتى أفاقت سكينة وعاد لها جزء من وعيها، حينما لمحت ورد وتأكدت من وجودها انتفضت بلهفة (مرات خالي، إنتِ بجد هنا) قالتها وكفيها يتحسسان وجه ورد التي قبّلت كفيها معتذرة لها عما لاقته وحدها (هنا يا ماما أيوه اطمني)
سألتها بلهفة أكبر (وحمزة هنا.؟)
أجابتها ورد تطمأنها (أيوة ومستنيكِ تحت)
انحسرت ابتسامتها وانكمشت، تذكرت مصيبتها، كيف سيكون رد فعله هل سيصدقهم هو أيضا.؟ سيشك في عفتها وطهرها كما فعل هشام؟ سيلومها.؟ سيوبخها وينعتها بالمجون كما الجميع.؟
أراحت رأسها في خوف، تخشى اللقاء به والخيبة، هو من بقيّ لها.. هو من يراهن عليه قلبها بأنه لن يفعل فعل يخيّب ظنها.؟
قرأت ورد أفكارها بسهولة فأجابتها وهي تربت على رأسها (شكي فالدنيا كلها إلا حمزة يا سكينة)
تنهدت سكينة بتأثر، منتظرة رؤيته بفارغ الصبر والشوق...
بالأسفل
أبى أن يتحدث إلا في وجود جده واجتماعهم جميعًا، جاور عمته يضمها مُربتًا عليها يهرب من سهام الحقد المنطلقة من نظرات عمه
يبث الطمأنينة في قلبها ويهدؤها حتى يأتي جده وتغادر مُعذبة قلبه هذا المنزل.
جاء جده فنهض حمزة واستقبله بمودة وتقدير قبّل كفه وأجلسه، ثم انتظر هبوطها هي، لا حديث حتى يطمئن قلبه.
أطلت من علو تخفض النظرات، مودة ووالدته يساعدانها على الهبوط، وقف متجمدًا عيناه عليها ونظراته ترشف منها، يحيطها بعنايه ويفتشها بلهفة قلبه، كنزه الثمين الذي عثر عليه بعد شتات.
مازالت تهاب الإلتقاء به، تخاف الخيبة فيه، قلبها يلومها على ظنها السيء به وينهرها لكن ما حيلتها هو عزيز القلب الذي لن تتحمل خذلانه مجددًا، إن فعل ستموت حقًا
لما اقتربت وتفحص وجهها  أشاح متوجعًا، متألمًا لا يقدر على رؤيتها هكذا،يضع كفه علي عينيه لا يريد رؤيتها الآن، أجّل مقابلتها والتحدث معها حتى يتحدث مع هؤلاء، وبعدها سيتفرغ لها طوال العمر إن رضيت.
منحته نظرة تتبين بها حاله ورد فعله فأشاح مجددًا، تتعمد هي، ويصرّ هو، ظنته مثلهم صدّق ونفر، أخفضت نظراتها تاركةً مآقيها تنعي حظها وترثيها في مصابها.
أغمض عينيه يفرك جبهته بحسرة
محدثًا نفسه في ألم وياليت حديثه يصلها وقد فهم ما تريد ( مصدقتش والله بس يعز عليا يا حبيبتي والله أشوفك كِده، اصبري أخدلك حجك وبعدها محدش هياخدك مني ولا من حضني تاني، والله ما مصدق ولا هصدق سامحيني)
همست وهي تقف بالقرب منه لا تقدر  الحركة (لا ياحمزة متصدقش إلا إنت)
ابتعد عنها في صمت فيئست
وخرجت معهما، التقط أنفاسه وجلس قائلا بقوة وصلابة  (دلوجت نتكلم بجا بهدوء، بزعيق، بالسلاح لو حابين.. أخرج سلاحه ووضعه أمامه استعدادًا لما يراه في نظرات عمه..)
سأله رفعت ببرود أثار اشمئزاز حمزة (السلاح لمين يا واد أخوي.؟)
قال حمزة بنفور (لأي حد هيمس عمتي وبناتها)
هتف عمار بغيظ (حمزة إنت مش كبيرنا ولا ليك حكم علينا، اسمع الأول وأفهم خلينا نشوف هنعملوا إيه.؟)
هتف حمزة ساخرًا مغتاظًا منه بشدة يود لو لكمه وحطم له أنفه (اسكت يالاااا)
تأفف رفعت بغضب (اللهم طولك ياروح)
هتف حمزة الجحيم يستعر داخله (أفهم الي حصل دِه كله ليه.؟)
تحدث جده قائلًا خرج من صمته أخيرًا (أنا هجولك يا ولدي)
قصّ عليه الجد ما حدث وأراه عمار المحادثات والصور التي مازالت تُرسل لهم ولا تتوقف، اشتعل حمزة غضبًا مما يرى لكنه تمالك نفسه رمى الهاتف بإستهانة وهو يخبرهم بتهكم ونفور ملأ جوفه (إيه يعني.؟ مش دليل.؟ أجدر أعمل زيها لأي حد  حتى لعمي وأجول إنه جتل أبويا مثلا ومعترف كمان)
ارتبك رفعت لملم جناحية اللذان يفردهما منذ آتى مندهشًا من تلك المباغتة، صعقته كلمات حمزة الذي يتشفى فيه الآن بنظراته فطنًا لإرتباكه،بينما ابتسم الجد بخشونة وبهت عمار..
هتف عمار بقرف لا تروقه لا مبالاة حمزة(والصور..؟)
أجاب حمزة ببرود كاد يرديهما مقتولين (عادي هكر خد صورها ونزلها، ولفجلها كل دِه ذنبها هي إيه.؟)
مسح رفعت وجهه ضائقًا في غيظ (ذنبنا احنا إيه .؟ احنا اتفضحنا وسيرتنا على كل لسان)
مال فم حمزة بسخرية قبل أن يهتف (لما ولدك يشرب ويسكر فالكباريهات مكناش مفضوحين.؟ ولما تعيش مع واحدة ياعمي  بعيد عن الناس فالحرام كانت الناس ساكته وبتجول فينا أشعار)
انتفض رفعت متفاجئًا من كلمات حمزة وتعريته الأمور والأدهى معرفته بتلك التفاصيل الخطيرة، ابتسم حمزة لهيئة عمه مستلذًا عذابه، قال حمزة وهو يشمله بإحتقار(الناس هتتكلم وتنسى عادي أو هتسكت خوف)
تحدث الجد بعدما استمع بإنصات مقتنعًا بقول حمزة ورجاحة عقله (هشام مرضيش يدخل بيها ويجطع لسانتهم)
أجاب حمزة بشرود (فداهية، أنا هعرف أخليه يطلجها غصب عنه )
هتف رفعت في ترقب خطير (هتديله أرضهم.؟)
أراح حمزة ظهره للآريكة قائلًا بإسترخاء (هشوف.. بس لو هتجف عليها هديهاله بزيادة ولا يمس شعرة منها فداها كل حاجه)
اندهش رفعت رفع حاجبه في تفكير، يرى بعيني ابن أخيه حبًا كالذي كان يراه بعيني والده، ليته قتلها ولا أن ينالها هذا المتعجرف
قال الجد بصلابة (يطلجها وتتجوزها إنت وتمشي بيها من هِنا خالص لغاية ما كل حاجه تهدأ ونعرفُ مين ورا المصايب دي)
تنهد راضيًا ويؤكد قرار جده بشرود وقلق (هو دِه الي هييحصل ياجدي بس خليني أكلم هشام ياجي وأشوف نيته إيه)
*********
هناك في منزل ورد إحتد الخلاف بين ورد وراضية، ورد التي ثارت وجن جنونها من جُبن راضية وتخاذلها عن نصرة فتاتها وحماية نفسها من شر رفعت، اطمأنت لنوم سكينة وبعدها وقفت أمام راضية تصرخ مستنكرة (سيبتي البت يعملوا فيها كدا ليه.؟)
قيدت ورد ذراعها بقوة ونفضتها (هانت عليكي.. مش دي بتك وحته منك ربتيها وعرفاها يا حزينة) انكمشت راضية بألم، تشعر بصدق كلمات ورد، عتابها ينزل على روحها كسياط ملتهبة تدميها فتبكي موضحة بحجة فقيرة المنطق واهية (مجدرتش عليهم)
لم يعجبها ورد الرد، ولا حجتها التي لا تدخل رأس طفل صغير، صرخت ورد (مجدرتيش...؟ حقه تُجفي زي الصجر تاخدي جلب أي حد يأذيها، تجلعي عين الي يبصلها بصه عفشة
اخس عليكي يا راضية اخس.. الله فسماه يا راضية لاخدها وما تشوفي ضفرها تاني غير لما يأذن المولى وبتي ترضى)
اتسعت عينا راضية على أخرهما،لكن سرعان ما جلست متحسرة لا تجد ما ترد به على ورد، بكت فتركتها ورد لندمها ينهشها، كلما رأت سكينة بتلك الحالة تثور وتتمنى لو شقت صدورهم والتهمت قلوبهم القاسية..
جلست تضرب كفًا بكف، قبل أن تنتبه لمودة الجالسة في صمتٍ وإطراق، شعرت ورد أن تلك الفتاة رغم قوتها تحتاج لمن يربت على خافقها فقد عانت الكثير وحدها وتحملت حتى نفذت طاقتها، صلبة قوية لكنها بحاجه لضمة تطمأنها وقد خارت القوة وتفتت العزيمة
التفتت ورد لمودة مبتسمة جذبتها لأحضانها تثني على أفعالها وشجاعتها  (جدعة يا مودة بت أبوكي صح)تعجبت مودة من تلك الحميمية وذلك الدفء، تشنج جسدها أول الأمر ولم تبادل ورد عناقها، لكنها سرعان ما استرخت متنهدة تتقبل عطاياها بحب، ضمتها هي الأخرى متشبثة بها، تشكرها من صميم قلبها على احساسها بها وتلك المبادرة العطوف منها، لو قالت أنها أحبت ورد أضعافًا ما كذبت،سكنت بين ذراعي ورد التي تركتها تأخذ ما تحتاجه من القوة وتشحن طاقة حبها
تربت على رأسها حتى جاء حمزة مستأذنًا الدخول فاعتدلت مودة تاركةً أحضان ورد تتعلق نظراتها بحمزة الذي سأل عنها بلهفة (فين سكينة)
قالت ورد بإشفاق وهي ترى تعبه (إرتاح شوية لغاية ما هي تفوج وتعرف تتكلم معاها)
سألها بلهفة(أجبلها دكتور.؟ أوديها المستشفى.؟ عايزه علاج.؟)
ابتسمت ورد موقنة أن ولدها لن يرتاح ويكف حتى يراها ويُطمئن خافقه بقربها والإطمئنان عليها.
نهضت ورد متجهة للحجرة تقول (هصحيها وأفوجها وإنت اطمن عليها وشوفها محتاجة دكتور ولا لااااه يا حمزة)
هز رأسه منتظرًا أمام الحجرة، غابت والدته داخلها دقائق مرت على قلبه دهرًا، ثم خرجت مبتسمة تخبره (ادخل يا حمزة)
فتحت الباب فدخل يزدرد ريقه بتوتر، من أين يأتي بالصلابة وهو يراها هكذا.؟ لله ما هو فيه من شتاتٍ ووجع
دخل الحجرة محمحًما رمى السلام فأجابت بوهن، نظراتها تطوف على ملامحه منتظرة،
رفع نظراته إليها فوجدها تثني ساقيها ،و تضم ركبتيها لصدرها تحاوطهما بذراعيها ذقنها يستند أعلى ركبتيها فيختفي نصف وجهها عنه، فقط عيناها يراهما عيني قطة مزعورة تنتظر قرار موتها.
ابتسم بإشفاق وهو يسحب الكرسي الجانبي ويقرّبه من الفِراش جلس فوقه وهمس يبدد حزنها (ازيك يا حلوة)
هل يرى ابتسامتها أم أنه يتوهم.؟ رفعت رأسها ومنحته الإذن أن يتفحصها بدقة، تلك الكدمات كأنها بقلبه، نظراتها فقدت البريق والوهج الذي طالما أحبه،لكن لا بأس سيعود كل شيء كما كان وأفضل، كيف يتركها وهي سكنه، نفض كل ذلك ومال (عايز أكشف عليكِ ينفع)
قطبت مستنكرة في صمت فضحك ضحكة قصيرة ملبدة بالوجع وانتظر ردها،خرجت عن صمتها وبادرت بصوت مبحوح
(صدجت الي بيجولوه عليا يا دكتور) همستها بتخبط والخوف يرجف جسدها من مجرد تخيلها أنه يفعل وهو الذي راهنت عليه
ابتسم ليطمئنها وما حيلته غير ذلك وهو يراها بكل هذا الإنكسار ، ملامحه صفحة بيضاء لا حزن لا جمود تعامل كأن الأمر مجرد صداع خفيف سيزول، هي لا تحتاج أكثر من أن يطمأنها أحدهم ويشعرها بالأمان ليسكن وجعها ويتضائل خوفها، ليرفرف جناحاها المكسوران من جديد
العتاب ليس له فائدة واللوم نبته خبيثة لن يزرعها بقلبها المتصدع الآن، هي تحتاج لضمة حنان بخل بها الجميع وهو الآن لا يقدر على فعلها فليكن لسانه زادًا تتزود به في محنتها ولتكن عيناه ذراعان تضمانها
قال بحرارة وصدق نبع من داخله وابتسامة تخطف القلب (لو شوفتك بعيني هكدب عيني وأصدجك يا حلوة)
فغرت فمها لا تصدق نصرته لها ولا مؤازرته، صدق عواطفه وحنانه الذي ينهمر من نظراته الآن كأن الكلمات ليست كافيه فسخر نظراته لتفعل،يفعل مالم تتخيله ويجود عليها بسخاء من عواطفه  يفتح لها أبوابًا من دفء وحنان وإحتواء.. حروفه تلثمها وكلماته تضمها وعواطفه تلملم شتاتها، مشاعره جنودًا يطلقها لتثأر لها من الخذلان البغيض
غالبت، راوغت، همست تثنية، تردعه ليهدأ خافقها المعذب (شوفتني جبل كِده معاه فجنا)
قال بيقين هو يبذر الأطمئنان داخلها، شديد الانتباه لمحاولاتها لوم نفسها وزجر روحها (جيتي وجولتيلي أنا أبويا رباني يا دكتور، جولتهالي بفخر.. أنا عايزك دلوجت تجوليلهم أنا مغلطتش وأبويا رباني تجفي جصاد الكل بعين جوية) حدته غلبت وقوته ثارت، ف لان وشاكسها  فهي هشة للغاية ومهزوزة لن تتحمل عواصف ثورته على الآخرين ولا الضوء الذي يمنحه لها (ولا بس تعرفي تتشطري على حمزة يابت)
بكت قائلة بصدق (بس هما مش مصدجني وخوفت إنت كمان...)
اسكتها معاتبًا بحنان غزير وهو لا يجرؤ على الإقتراب  (اش.. انا جولتلك إيه.؟ اسمعي الكلام مرة واحدة ومتتعبنيش)
همست تستعتبه تبحث وتفتش داخل نفسه عن جواب ليغذي ضعف روحها وخيبتها في الأحبة(جيت ليه يا دكتور.؟ )
قال يشاكسها تاركًا لعينيه مهمة السرد بما في قلبه ويناقض قوله وليتها تفهم(أسيبك يعني تموتي.؟ خسارة هفتقدك ومش هلاجي حد يجولي يادكتور البهايم يا كئيب)
سألته حائرة في أمره متخبطة(أنت مبسط الأمور ليه.؟)
أكد يطمئنها يرفع من معنوياتها المتناثرة في الوحل  (علشان بسيطة بإذن الله، محنة وشدة هتزول وهترجعي أحسن، مش عايزك تفكري فحاجه وخليكي جوية محدش هيلمسك تاني ولايجدر)
بروح ميتة وملامح باهتة همست بلا مبالاة (عادي يا دكتور وإيه يعني لو موت.؟) اتسعت ابتسامتها بهذيان وهي تنظر لشيء وهمي فقط هي من تراه (مش حاسة إنها مشكلة بالعكس أنا هرتاح وإنت وأمي وخالي وهشام ومودة)
اقترب أمسكها من كتفيها وهمس أمام وجهها (فوجي يا سكينة محدش هيرتاح بموتك)
طالعته بنظرة ذابلة لأول مرة يكون منها بهذا القرب جسدًا وروحًا، همس حين قبض على نظراتها (أنا مش هرتاح أبدًا يا سكينة بالعكس، أنا راحتي إنك تبجي بخير) ابتسمت وهي تخفض نظراتها في حياء (علشان إنت طيب يا دكتور) هزها لترفع نظراتها إليه ثم همس لها بلوعة(دي مش طيبة افهمي)
طرقت ورد الباب، قائلة :(هشام بره يا حمزة)
انتصب يرمق الجالسة متصيدًا رد فعلها، ازدردت ريقها وتعجبت من مجيئه، قال حمزة بصرامة (أنا طلبته يطلجك)
زاغت نظراتها، ندت حبات من العرق فوق جبينها فمسحتها وهذت بضياع :(يطلجني)
غامت نظراته بحزن عميق، وهو يرى حيرتها وترددها، تبدل حالها حين وقعت الكلمة على مسامعها.. قال موجوعًا بحسم (جرار نهائي ومفيهوش رجعه)
أخفضت نظراتها، يظنها مترددة تختلق له الأعذار وتريده، هي فقط تقارن بين انفعالاتها يوم قالت له أريده والآن هو يخبرها أن تتركه،شتان بين تمسكها به وتخليه هو عنها الآن.
خرج من عندها قاتم الملامح، صلب، فمه مذموم في صرامة، بخل بالسلام عليه، اكتفى بنبرة حادة حملت ما يجيش داخله و رمقه في غرور وطالعه من علو
(إزيك يا هشام)
ماثله الآخر غرورًا رد بإقتضاب ونفور (ازيك يا حمزة)
أشار له حمزة وهو يجلس مقابله في وقار (اتفضل يا هشام)
جلس هشام ينقر فوق حافة الكرسي الأنيق بتوتر منتظرًا أن يجود حمزة بما جاء به لأجله، خرجت ورد ذات هيبة تقدمت ببطء فتعلقت نظرات هشام بها مأخوذًا بنور وجهها وجمالها، ضياء ملامحها ونظرتها القوية اللامعة، انتفض واقفًا في أدب أرُرغم عليه فمن يراها ويجلس ، هتف بتأدب (ازيك يا عمتي)
قالت بصوت رقيق لكنه حاد ذو بأس (ازيك يا هشام البجية فحياتك فأبوك)
أجابها وهو يرفع نظراته متأملًا تلك المرأة التي محى الزمان ما يحمله عنها في ذاكرته (البجية فحياتك ياعمتي)
قالت وهي تجلس بجانب حمزة (متأخذناش معرفناش غير لما رجعنا وكان بودنا نيجي ونعزيك بس الظروف)
تنهيدة حرجت من شفتيه بطيئة كنظراته ثم قال (حجتكم معاكم ياعمة)
أشارت له ورد ليجلس من جديد ففعل، بعدها نهضت ورد تاركة لولدها زمام الأمور واثقة في رجاحة عقله وقوة موقفة، تتبعتها نظرات هشام حتى اختفت، هامسًا داخله أنها جميلة جدًا وبها ماهو مختلف يجذب العين والروح لها. روحها الجميلة تطفو وتزين ملامحها فتزداد بريقًا وضياء.
أفاق من شروده على سؤال حمزة (ناوي على إيه.؟)
أخرج هشام سجائره، استل واحدة وأشعلها تحت نظرات حمزة الداكنة قائلًا (فأيه بالضبط.؟).
قال حمزة بصبر وتحمّل شديد (الفرح)
آجاب هشام ببساطة وهو يهز رأسه (مفيش فرح، أنا مش هتجوز واحدة زيها)
هتف حمزة يحذره في غضب اشتعل بنظراته (هشام إلزم أدبك واتكلم عنها أحسن من كِده)
نفس وآخر ثم سحق سيجارته تحت أقدامه ودهسها متوترًا مما يراه من حمزة والصلابة التي يتكلم بها والهدوء رغم أن ما يحدث ليس بهينًا، هتف غير ملتفت لعاقبة كلماته (الكلام دِه تجوله ليها هي.؟ الي على ذمة راجل وبتكلم غيره وبتبعتله صورها بهدوم البيت)
انتفض حمزة تحمل نبرته جحيم غضبه (هشام)
وقف هشام قائلًا (مفيش جواز ولا فرح)
اقترب منه حمزة يقول (يبجا تطلجها)
انتفض جسد سكينة بزعر وهي تستمع لعراكهما وأصواتهما، جسدها يهتز فاقدًا السيطرة، حركات رتيبة بينما كفاها يغطيان أذنيها لا تريد سماع المزيد.
حاولت ورد ضمها وتهدأتها لكن اهتزاز الأخرى كان يشتد، وجلدات سوط النار على روحها تزداد فتنهمر دموعها وتهذي (والله حرام.. دا ظلم.. دا ظلم)
ضمتها ورد تهمس بآيات قرآنية، مرات صوتها ينخفض ومرات يعلو تزامنًا مع حالتها وهذيانها،حتى دخلت نوبتها المتكررة تصلب جسدها وتشنج وبعدها بدأ صراخها الذي انتزع قلب حمزة من صدره ولم يفهم ما يحدث.. اندفع تاركًا هشام الذي سخِر من الموقف ببرود، اقترب من الحجرة لكن والدته أغلقتها من الداخل في إشارة واحدة مفهومة أن لا يقترب ويكمل ما بدأه.
عاد مشتت الفكر، عقله وروحه معها في مصابها، عشرة دقائق غادرته فيها روحه وعادت إليه، عشرة دقائق كانت كفيلة ليتبدل حاله ويهتف (طلجها)
هز هشام رأسه قائلًا (أنا مجصرتش ياحمزة ولا سايبها بمزاجي هي اضطرتني وعليه فأنا من حجي إن سكينة تتنازلي على كل حاجه)
مال فم حمزة بإبتسامة ساخرة قائلًا ببساطة (بس كِده)
تعجب هشام من رد فعل حمزة، على الفور كان يجلب الأوراق التي أعدها بالفعل وجهزها، وضعهم على الطاولة ونادى على والدته (هاتي سكينة يا أمي تمضي)
قالها وهو يُطالع هشام بتحدي وسخرية، هيأتها ورد وبثتها الشجاعة لتخرج بعدما ارتشفت المياه التي تحتاجها كلما دخلت نوبتها، خرجت متعبة الجسد، مرهقة جفناها ثقيلان تريد النوم الآن..
حينما رأته واقفًا واستوعبت ما يحدث، وقفت بجانب حمزة في استنجاد، تطلب الحماية، شجعها حمزة بلطف (امضي يا سكينة خليه يمشي)
ساعدها بحنو، أجلسها وأعطاها الأوراق والقلم تحت نظرات هشام المتشفية بحالتها، مُرجحًا أن ماهي فيه نتيجة عقاب أهلها لها وكم استحسن الأمر وراقه ما فيها
مسح حمزة فوق رأسها وهو يهمس (امضي)
رفعت نظراتها تأخذ حقها من أمان عينيه ودفئهم ثم أخفضت بصرها تمضي حيث أشار.
تذكر هشام حديث سامي عن حبها لحمزة، وأنها وافقت فقط على زواجه منها لتنقذه من مكائد خالها والثأر.
لقد رأها أكثر من مرة بصحبته حين كان يراقبها.
انتهت سكينة فسحب حمزة الأوراق وناولها لهشام الذي قرأها تحت نظرات حمزة الساخرة ونظرات ورد الغائمة بالحزن.
هتف هشام وهو يغلق الملف (تمام)
حاول الإقتراب من سكينة لكن حمزة دفعه وأوقف تقدمه، هتف هشام (اشبعي بيه، إنتِ طالج)
بصق بغيظ عليها وهو يراها تتشبث بذراع حمزة،فنال دفعة قوية ولكمة من حمزة الذي استغل الفرصة وانفجر.. أوقفتهما ورد بإشارتها وصراخها (بس بس)
ترك حمزة ملابس هشام، فتقدمت ورد وصفعته بحدة وغضب قائلة وهي تشهر سبابتها بوجهه (دي علشان الغلبانة الي متستحجش منك كِده وهي الي وجفت قصاد الكل عشانك، عيب.. أبوك كان راجل مُحترم ولو عايش مكانش عجبه عمايلك)
رفع هشام كفه يتحسس موضع الصفعة غير مصدق، لتستطرد ورد(امشي يا ولدي الله يهديك) رحل هشام بخزيه، يلعن الجميع
غطت سكينة وجهها بكفيها تبكي بعمق الألم والمهانة التي شعرت بهما الآن، هل هذا تقديره لها بعد كل ما فعلته لأجله وخسارتها أهلها وعزيز قلبها وورد، لم يقف جوارها غيرهما ولم يؤمن ببراءتها سواهما. وهي التي اختارته هو على حسابهما.
أبعد حمزة كفيها عن وجهها يحدثها بهدوء (متبكيش، رفع كفه ومسح وجهها معتذرًا (حجك عليا أنا يا سكينة)
حدجته بنظرات ذبيحة، فانتفض واقفًا في جنون وثورة، يريد غمسها بين أضلعه، ضمها بذراعيه واحتوائها لكنه عاجز، مقيد..
سحبتها ورد شاعرةً بما يعانيه ولدها، أدخلتها الحجرة وهدأتها حتى نامت ودموعها على خدها، دثرتها جيدًا وخرجت للاطمئنان على ولدها، الذي يكاد يجن ما يعانيه .
***'' ''
في اليوم التالي ظهرًا
خرجت مترددة بخطوات ثقيلة، وجدته ينظف أسلحته بعناية، شجعها بإبتسامته الحنون (تعالي خايفة ليه.؟)
جلست مقابله مرتبكة مهزوزة، مسح كفيه في خرقة باليه وانتبه لها بكامل وعيه وطاقته فسألته (بتعمل إيه.؟)
أجابها بهدوء  وابتسامة (بنضفه يمكن حد عايز ياخدله طلجتين ونستريح منه)
همست بوجع (بس أنا الي استاهلهم مش حد تاني)
ابتسم بدفء لكلماتها التي أوجعت قلبه، ثم نهض وجلس بالقرب منها كأنه يخبرها أن لا شيء يشغله عنها ويمكنها الحديث بما تشاء، همس بخفوت وهو يميل تجاهها يلثم وجهها بنظراته قبل أن ينطق (لااه إنتِ تستاهلي حاجتين تانيين)
رفعت نظراتها مستفسرة فبدل حواره قائلًا بمشاكسة (هيما بيسأل عليكي وعاملي دماغي قلبان من الزن، ابجي كلميه وطمنيه)
تذكر هاتفها المحطم، فأخرج من جيب جلبابه واحدًا جديدًا ناوله لها (خدي دِه خليه معاكي)
تراجعت رافضة في حذر ورهبة، شجعها (خدي محدش يستجري يجي جنبك)
سألته متعجبة ولا تجد الجرأة ولا القدرة على الإمساك بالهاتف  (بتعمل كل دِه علشاني أنا.؟)
قال بثقة وصدق ومشاعر دافئة (وأعمل أكتر من كِده لو عايزه)
سألته من جديد بإنهزام، مرتبكة تتخبط في التفسيرات(وبتعمله ليه.؟)
سخر بإبتسامة واسعة وهو ينهض ويعود لسلاحه (فضا وفراغ يا سكينة)
مسحت دموعها التي كلما هبطت أشاح عنها في وجع، مستغفرًا يقاتل رغبته في ضمها ولملمتها لها بنفسه وتقبيل تلك العينان التي ذبلت وغرقت في ظلمة حالكة.
سألها بإهتمام قبل أن يبدأ العمل من جديد (أكلتي.؟)
أجابت بإمتعاض وضجر طفولي (لا ماليش نفس)
ترك كل ما بيده، ونهض قائلًا في حسم (هغير هدومي وأرجع هنعمل أكل سوى ونتغدى)
همست رافضة توفر له طاقته (ماليش نفس)
قال بقوة وحزم (وأنا بجول هنتغدى)
أبدل ملابسه سريعًا بملابس بيتية متناسقة، وجدها جالسة بنفس ضياعها كأنها طفلة تاهت من والديها وبقيت مكانها تفتش عنهما لا تقوى على المغادرة ولا البحث،أشار لها (جومي يلا) تبعته في استكانة فاقدة للروح..لا تقوى على الجدال معه، وللحق كانت متعطشة ترغب في قربه.
حينما دخلا قال بمشاكسة وهي يرتدي مريول المطبخ (اطلبي واتمني يا بت عمتي)
عدد قائلًا بمرح (بيتزا؟.. فراخ.؟ كفتة.؟ كباب.؟ هااااا)
قالت بلامبالاة وهي تراقبه (أي حاجه يا دكتور)
سحبها وأوقفها بجانبه قائلًا (يلا يابت أكيد مش هتاكلي عالجاهز ساعديني)
قالت بضياع (بس أنا فاشلة ياحمزة والله)
ضم شفتيه وابتسم، ثم همس يطمئنها  بحنان(هعلمك كل حاجه متخفيش واطمني)
همست بما يشبه الهذيان كانها تعاتب قلبها فيما تحسه (الغريبة إن طول ما أنا معاك مطمنة ياحمزة)
تأوه يرد لها همسها بلوعة (ربنا يصبرني يا سكينة)
رفعت تجاهه عينين حائرتين وسؤال (يعني إيه.؟)
هتف مغيرًا الحديث، يهمس بصدق وجدية تلك المرة (على فكرة أنا أفتقدتك وفي حاجات كتير عايزه احكيهالك)
برقت عيناها وتوهجت أثر همسه، تلك كلماتها هي قالتها له أخر مرة، سألت بغباء (سامحتني ببساطة يا دكتور..؟ )
اتجه ناحية البراد قائلًا يمازحها (لاااه مش جوي لسه برضو نفسي أجطع لسانك)
سخرت منه (كِده بجت أُمنية..؟)
ابتسم وهو يخرج المطلوب من البراد (تقريبا ربنا ينولهاني)
بعد مرور وقت كانت تجلس أمامه تتلاعب بطعامها شاردة الذهن، سألها وهو يطرق بأنامله فوق الطاولة (بت فوجي)
تأففت منزعجة تخبره بغيظ (بجيت رغاي جوي يادكتور دماغي فصلت منك)
ضحك قائلًا :(من بعض ماعندكم)
شردت من جديد هامسةً وهي تضم جسدها بذراعيها (مبجاش عندنا يادكتور)
قالتها ونهضت مستأذنة بسرعة قبل أن يمنعها، رحلت للحجرة التي تمكث فيها مع والدته.. دخلتها وأغلقت خلفها... فتحت ورد ذراعيها لها تستقبلها (تعالي يا سكينة)
اندفعت لذراعي ورد مسترخية تاركةً لدموعها العنان ولصوتها اعتناق شهقات البكاء الحادة، حياتها انقلبت فجأة وتدمرت، هاهي سنة دراسية أخرى تنطوي وهي لسيت في صفوف المتقدمين، ماذا عساها تفعل.؟
وهذا عزيز قلبها ماتلك المشاعر التي يبثها لها، ويقحمها في قلبها عنوة، كيف يكون بكل هذا الألق،صامدًا ثابًتا كالجبال ليسندها.
ربتت ورد على ظهرها هامسًا(كله هيبجا بخير وأحسن، اطمني هانت يابتي بعد العسر يسر)
مرّ من أمام الحجرة يتمزق، يشاركها ألمها ووجعها دموعها تهبط على قلبه شذرات من نيران، يتعذب برؤيتها كهذا يندم لتركها، ويتلوى متحسرًا لضياعها منه.. حينما صمتت غادر للمطبخ، صنع كوبين من القهوة وخرج لعلمه بوجود مودة جالسةً خارج المنزل في لحظة تأمل وشرود، مشفق عليها هو من وحدتها هي أيضًا وتعبها لذلك قرر منحها بعض المواساة لتنهض من عثرتها،سلّم عليها بإبتسامته المشرقة وجاورها قائلًا وهو يضع كوب القهوة بينهما (جولت أجي أجعد معاكي شوية وأشوف أخبارك إيه.؟)
ابتسمت بإمتنان رافعة نظراتها إليه في قوة وقد فقدت تلك المشاعر التي كانت تجعلها تخجل منه وتتلون في حياء (ازيك يا دكتور.؟)
أشار بنظراته لكوب القهوة قائلًا (جربي جهوتي وجوليلي رأيك)
ابتسامة جانبية منحتها له وهي ترفع الكوب شاكرةً (تمام هجرب بس أنا بجول رأيي بصراحة)
ابتسم وهو يهز رأسه بالموافقة (اكيد محبش تجامليني)
سألته بنظرة حزينة (سكينة هتبجا بخير يادكتور.؟)
هز رأسه حائرًا مثلها لكنه طمأنها (هتبجا كويسة بإذن الله)
سألها بإهتمام (احكيلي يا مودة كل دِه حصل إزاي وامتى.؟ وكان في بداية للموضوع.؟)
سكينة لن تجيبه وهو لن يحاول، قد تفهم محاولاته بشكل خاطئ، هو لا يريد أن يؤذي قلبها، ويضعها بين شقي رحى من الشك والحيرة، لو سألها وفتش ستظن أنه يشك بها أو تتأذى لذلك اختار مودة لتقص له ويبقا هو مع الأخرى داعمًا يشد أزرها ولا ترى منه إلا المحبة ولا تسمع إلا ما يريح قلبها لتهدأ.
ارتشفت مودة من القهوة قائلة (مش بطالة يا دكتور تسلم يدك)
صبر بصمت منتظرًا حديثها، مودة دقيقة في اختيار كلماتها، تنتقيها بعناية وترتب أفكارها بهدوء ورزانة تشببه لكن قلبه تعلق بمعذبته الأخرى وأحب منها جنونها وعفويتها في الحديث.
قالت مودة متنهدة (والله يادكتور هي من فترة كان تليفونها عليه رنات كتير ورسايل مش كويسة ولما سألتها قالت متعرفش مين دول وكانت بتبلكهم، بالنسبة للصور معتقدش سكينة بالسذاجة الي تخليها تبعتها لحد) صمتت متحيرة مثله ثم أردفت (حتى هشام معتقدش بعتتله)
سأله يقاسمها الحيرة (ليه ماهو جوزها)
صرحت بما يجيش داخل صدرها من أفكار (معرفش كان في بينهم حاجز دايما وعمرها ماكانت مندفعة معاه أو عادية)
اشتدت حيرته من كلمات مودة سألها من جديد (والتعب الي بتتعبه)
أوضحت مودة (جدي جابلها شيخ وقال معمولها عمل شديد)
استنكر حمزة مصدومًا (عمل)
أجابته مودة (دِه كلامه..)
أخذ نفسًا قويًا وزفره قائلًا(طب اشربي وسبيها لله يدبرها، المهم أخبار امتحاناتك إيه.؟)
هزت رأسها ممتنة لسؤاله (الحمدلله بخير)
نهضت سكينة من نومها، رتبت ملابسها وخرجت تبحث عن ورد، نظرت عبر النافذة فوجدت حمزة يجلس بالقرب من مودة مبتسمًا يتحدث بإنطلاق كعادته مؤخرًا وكذلك أختها  تشاركه الابتسام على استحياء..
غامت نظراتها بحزن، وشعور غريب يتسلل لها ويسري منها مسرى الدم،شعور بالإمتلاك كأن هذا الجالس يخصها هي وحدها ولا يحق له مجالسة غيرها ويبتسم هكذا، شعرت بالإختناق متضايقةً من انسجامهما، ابتعدت عن النافذة عائدة للحجرة تنزوي فيها، حمزة يستحق فتاة مثل مودة جميلة، قوية ورائعة وأختها تستحق أن تسعد وتنال فرحتها المنشودة، أما هي فلماذا تتضايق.؟ واحدًا كحمزة لماذا ينظر لها من الأساس وهي بكل تلك المعاناة، لا فائدة منها تُرجى، معها مستقبله مظلم غير معلوم، هي ليست مميزة كمودة، بل ضعيفة هشة، مجنونة متهورة وأخيرًا مطلقة بحظٍ تعس.، تضايقت من منحنى أفكارها وهذا العبث، لماذا تفكر في حمزة من الأساس؟
ضغطت رأسها بقوة تود فتحها وسحب تلك الأفكار الغريبة والكثيرة، رأتها ورد فاقتربت مبتسمة تسألها (موجوعة.؟)
قالت بصدق وهي ترفع نظراتها لها(جوي)
فهمت ورد أن الصغيرة تغار، تبدلت حين رأت حمزة بصحبة أختها... جلست ورد جوارها بعدما أغلقت الباب، تربعت أمامها فوق الفراش قائلة بإبتسامة (في حاجه عايزه رأيك فيها يا سكينة)
قطبت سكينة مندهشة وهي تسألها (إيه يا عمتي)
ابتسمت ورد وقالت بنظرات متألقة (حمزة عايزك)
هزت رأسها بتوهةً وعدم فهم، قلبها يضرب داخلها بعنف (يعني إيه.؟)
قالت ورد مدركة ماهي فيه (طلبك من جدك ووافق وبعتني أسألك موافجة ولا لاه.؟)
اتسعت عيناها بذهول، مررت لورد سعادتها المخلوطة بالقلق وهي تستنكر (أنا وحمزة)
هزت ورد رأسها، فسألت سكينة (ليه)
ابتسمت ورد تطمأنها (إجابة السؤال دِه عند حمزة مش عندي) أرادت أن يبلغها حمزة بحبه ورغبته فيها وقتما يحب هو ويريد بالطريقة التي يرتضيها لذلك راوغت.
تذكرت سكينة مودة مشاعرها تجاه حمزة، حالتها هي ومرضها الذي ليس منه شفاء بل سيشقي من يأخذها، فضيحتها وفشلها في إنهاء دراستها، طلاقها وصورها المنتشرة والأفواه التي تنطق بالزور وتحيطهم بالغمغمات، فعادت لورد قائلة بحدة (لاااه أنا مش موافجة)
ضيقت ورد نظراتها فوق ملامحها تسألها (ليه لاااه؟ وإنتِ بتحبيه ياسكينة وعيزاه هو عذاب وخلاص يابتي)
انتفضت كالملسوعة تنفي التهمة عنها (لااااه مبحبوش) عضت شفتيها تؤنب نفسها متداركة عظيم وقع الكلمة على نفس ورد فصححت (أنا بحبه زي عمار ومودة مش أكتر)
صارحتها ورد بقوة، فاضحة لها مشاعرها (كدابة يا سكينة)
صاحت سكينة بضيق وغضب، وقد بدأت الدخول في نوبتها (لااااه حمزة لااااه)
تشنجت، دخلت نوبتها من جديد ضمتها ورد باكية وهي تراها بحالتها تلك، انقضى الأمر وعادت لوعيها من جديد، اعتدلت بوهن قبل أن تنهض ذاهبة للمطبخ، تركتها ورد وهي تعلم علم اليقين أن ولدها بالخارج سيتكفل بالباقي...
دخلت المطبخ راكضة لتصطدم به أمامها يحمل دورق المياه وبعض الشطائر المغلفة المُعدة مسبقًا ، طافت نظراتها على ملامحه الحزينة التي تنبض بالوجع لأجلها.. المبتسم دائمًا يقف أمامها الآن مادًا كفيه بما تحتاجه، ملامحه تحمل كل وجع العالم وخيباته.
استنكرت معرفته بما يحدث لها، طأطأت رأسها بخزي، تحبس دموعها خلف قناع الصلابة الوهمي.. همس بصوت مبحوح (خدي)
تشعر كأنها تعرت وهو يدثرها،لكنها ما كانت تحب أن تتعرى أمامه هو، لم تعد نجمة متألقة يشتهيها كل من يطالعها بل حجر ثقيل في طريق الجميع يرمقونه مره بشفقة ومرة بغضب واستنكار.
تركته وركضت للحجرة من جديد، أغلقت خلفها وارتمت بجانب عمتها تبكي بقهر.
لم ييأس وغادر لها حاملًا الطعام والماء، طرق فأذنت له والدته بالدخول، وضع الطعام جانبًا وخصها بنظرة طويلة تموجت فيها مشاعره وبعدها خرج وأغلق خلفه لتنال ما تريده بعيدًا عن نظراته،حتى لا تخجل منه أكثر، يشعر بمعاناتها وجلدها لذاتها وحرجها الشديد من انكشاف أمرها له، من غيره يمكنه الشعور بها،ستظل نجمة عالية مضيئة في سمائه ولن ينقصها في عينيه مرضها  بل يزداد عشقًا لها، أراد أن يخبرها بأنه يعلم وسيظل بجانبها مهما حدث ولن يردعه شيء ولا يعنيه سوى أن تكون له وبأحضانه. جلس مُطرقًا يستمع لشهقاتها التي تنغرس سهام بأحشائه، قلبه يغوص داخله ثم يعود بأنفاس ثقيلة ووجع بشع.
#انتهى
*****

ملاذ قلبي سكن जहाँ कहानियाँ रहती हैं। अभी खोजें