❤️الخامس والعشرون❤️

1.7K 60 30
                                    

🌼اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد 🌼

♥️الخامس والعشرون❤️
وقف منتظرًا بعدما أخذوها منه لعمل اللازم، يعتذر لها بنظراته عن عجزه وتركه لها وحدها لكن لا حيلة له
يدور لا تسعه الأماكن ولا تكفيه الأنفاس التي يسلبها،ضاقت عليه الأرض بما رحبت وظن أنه هالكٌ معها لا محالة، فكيف يحتمل كل هذا..؟
الكلمات تحجرت وتيبست على أعتاب شفتيه،لسانه تحنط فقط قلبه يتضرع ويبتهل لله.  يروح ويجئ يضغط رأسه بقوة لا يصدق نفس الموقف يعاد ونفس اللحظات، يترجم وجعه لضربات متتالية فوق الحائط بقبضته وقد استند بجبهته عليها في إنهاك حقيقي مؤلم للناظرين.
رائحة المشفى، وضيق صدره، ترقبه المميت وقلبه الذي ينبض بخوف عظيم، كل ذلك ماهو إلا تكرار قاتل يريق دماء صلابته وينشر داخله الجنون، كاد يفقد صوابه وهو يغمض عينيها يجلد روحه بالذكريات التي اصطفت تريد التنكيل به.
رن هاتفه فأجاب، سألته والدته بصوتها الذي حافظت على نبرته هادئة كمخدر له :(إيه يا حمزة)
استراح جالسًا صامتًا إلا من أنفاس متحشرجة وأنين مكتوم أصابها بالفزع، فقالت بجزع :(سلامتك يا حمزة وسلامتها اطمن هتجوم يا حبيبي وتبجا بخير)
ترك لوجعه العنان، أطلق سراح دموعه وبكى كطفل لن يحتويه سواها ولن يقدر على الإفصاح إلا لها، يمكنه الآن الإنهيار دون خوف بين سواعد صوتها الحنون ، أن يطرد تلك الكلمات التي تتزاحم وتمزقه لاعنةٌ زنزانةُ صمته (مرام ياورد بتروح مني)
انتفضت واقفة وقد أدركت أن واقعه تضافر مع ماضيه،استنشق دخان الصدمة المسكر بلذة الذهول وهذى بعدما نال الوجع من قلبه، الآن تُعاد التفاصيل لذهنه ويغيب هو معها؛ الماضي يرقص حاضرًا ببشاعته وقد غيبته الصدمة بالهوس والهواجس.
أخذت نفسًا عميقًا وطمأنته :(متخفش سكن هتبجا بخير إحنا في الطريج)
توسلها بخفوت، ونظراته تهرب للحجرة القابعة خلفها وحدها بما تعانيه  :(تعالي يا أمي أنا محتاجلك مش جادر لوحدي)
أجابته بقوة وحزم :(أصلب طولك يا حمزة وثق فربنا وعدله وحكمته، جوم صلي وارمي همومك وحمولك عنده وعليه مش هيخذلك)
هز رأسه بضياع  كأنها تراه لا تسمعه ، لتخبره غير مستسلمة ولا تاركةً له ليستسلم لضعفه وضياعه :(هاجي أنا ومودة على ما ناجي تكون اتوضيت وصليت)
همس بضعف مطيعًا لها :(حاضر يا أمي)
أنهى الإتصال ونهض يفعل كما طلبت منه والدته، مستغفرًا الله طاردًا من قلبه كل شعور اخترقه، مُغلقًا منافذ الضعف على شيطانه متوكلًا على الله، متدثرًا بالإيمان يقي وعيه برودة اليأس.
انتهى وعاد ليجد الطبيب يخبره بخروجها، ونقلها لحجرة عادية، ركض حمزة مفتشًا عنها حتى وجدها دخل الحجرة، سحب كرسي وجلس فوقه بالقرب منها، لثم كفها ثم ضمه بكفه في حنو بينما حرر كفه الأخر ورفعه ليمررها على وجهها برقة هامسًا: (سلامتك يا سكن...ربنا ما يحرمني منك أبًدا)
ترك الكرسي ونهض يميل ناحيتها مُلثمًا جبهتها وهو يهمس: (الحمدلله)
فتحت عينيها الذابلة لتجد وجهه فوقها، تطلعت إليه دقائق بإبتسامة هامسةً بشفاة جافة :(حمزة)
ابتسم وهو يمسك بكفها ويضمه لصدره بينما يطالعها بتلك النظرة الدافئة (حبيب حمزة ألف سلامة)
حركت رأسها متسائلة بوهن وعيها غير مدرك لما قال :(أنا فين.؟)
ملّس فوق خصلاتها بحنان هامسًا :(في المستشفى، عايزه إيه يا حبيبي...؟ )
حركت ذراعها المثقل بالألم لتتأكد حين غزى الوعي أفكارها ونبهها إدراكها الحاضر حقيقة ماحدث، لمحت بطرف عينيها ضمادة فوق جرحها فعادت ببصرها إليه تهمس بلوم :(جبتني ليه يا حمزة كنت سيبني)
انحنى يلثم كفها الذي بين كفيه هامسًا (مجدرش أسيبك أنا روحي فيكِ يا سكن)
رفع كفه وملّس فوق خصلاتها هامسًا ونظراته تغمرها بالحب والدفء، أدمعت عيناها وهي تهمس :(مجرياك ورايا وتعباك)
مال قليلًا ولثم جبهتها الباردة هامسًا أمام عينيها : (أجري عشانك العمر كله متعبش)
تأوهت بلوعة في عتاب رقيق امتزج ما بين الحزن والسعادة :(وااه على كلامك يا حمزة، كنه له رجلين مكان ما يدب فجلبي بينبت ورد، الصحراء تبجا واحة خضرا والهم يزول)
ابتسم متأثرًا بهمسها الدافئ الذي أعاد له روحه، سألها وهو يداعب وجنتها برقة شديدة (وكلامك إنتِ بيطيب كل وجع شافه حمزة )
استنكرت تهمس وهي ترفع كفها تتلمس وجهه في سابقةً منها (بحب اسمعك يا حمزة وبحب أشوفك وبحب تحضني وبحب وجودك جنبي، كل حاجه فالدنيا حلوة بيك من يوم ما جيت عندنا)
قبّل باطن كفها الذي تجوّل على وجهه بحرية، ابتسم والدموع تلمع بمقلتيه في إنذار (مين فينا دلوجت الي كلامه حلو.؟)
ابتسمت بذبول هامسة (إنت برضو يا حمزة)
طالعها هامسًا برجاء ولوعة (أطلب منك طلب يا سكن)
هزت رأسها أناملها ترتفع لتمسح دموعه التي استرسلت رغمًا عنه، همس وهو يخفض نظراته ويواري دموعه بعيدًا عنها (احضنيني يا سكن، عايز حضنك جوي)
أماءت في موافقة دون تردد، أغمضت عينيها وتركته يدفن رأسه في تجويف عنقها، ثم أحاطته  بذراعها تضمه، شعرت بإهتزاز جسده الذي نبأها بإنهياره وفقده السيطره على حزنه وغضبه منها الذي أبدله لبكاء حار أذهلها، جعلها تتساءل كيف هان عليها..؟ كيف فعلت بهذا الصموت هكذا.؟ كيف أوصلته لهذا الإ نهيار بين ذراعيها الآن وهو الذي عهدته قويًا لا يبالي.
اعتذرت شاعرةً بالذنب والندم ينمو داخلها :(أنا آسفة متزعلش مني)
أبتعد قليلًا هامسًا بحشرجة:  (مش زعلان غير علشان كنت هخسرك بعد ما لجيتك، ومتخافيش أنا عارف إنه غصب عنك بس متعمليهاش تاني يا سكن المرة الجاية هموت جبلك)
شعرت كأنها فاقت للتو من كل ما مرت به، هُدمت أسوارها أمام صدق مشاعره وقوتها ودفء نظراته، كُشف الستار ورأت ما خُفيّ عنها،تشعر به وبعاطفته بوضوح فهمست وهي تقترب منه :(جرب يا حمزاوي) امتثل لطلبها
مالت قليلًا تمنحه رضاها وحبها، وعدها وآسفها في قُبلة رقيقة فوق خده، ليتنهد بقوة هامسًا (شكرًا يا أجدع صاحبة في الدنيا)
انتشله طرق الباب من انغماسه، فنهض ليفتح وجد والدته التي لم تصبر واحتوته بين ذراعيها متنهدة لبلوغها غاية الراحة في رؤيته بخير، بينما اندفعت مودة تجاه أختها بكت أول الأمر وعاتبتها لكنها استسلمت وهدأت بعدما قبّلت رأسها، تركت ورد حمزة وخطت تجاه سكن، التي أغمضت عينيها متهربةً من نظرات ورد التي تخترقها (جلست ورد فوق الكرسي وهمست بإبتسامتها الحنون (بصيلي يابت)
مالت سكن على جنبها مقابلها هامسةً :(مش جادرة يا مرات خالي) رفعت ورد أناملها لذقن الأخرى وضغطت لتجبرها على فتح عينيها وحين التقت بهما قالت بتفهم محتويةً خوفها (عارفه إنه غصب عنك عملتي كِده، ومكنتيش فوعيك يا جلب مرت خالك متتكسفيش ولا تشيلي الهم)
غاص قلبها بندم حارق جعلها تسأل وهي ترفع بصرها لحمزة الواقف يمنحها ابتسامته ليذوب وجعها :(إنتوا كِيف كِده بس..قمر في الضلمة وشمس بتدفي في البرد وبراح كون لما تضيق عليا؟)
ابتسمت ورد قائلة (إحنا بنحبك وعايزينك معانا تكملينا وتكملي بينا ينفع يا بت جلبي ولا لااه ولو جولتي لاااه هنمشي ياسكن ..؟)
ابتسمت سكن وهي تنقل نظراتها بينهما بينما مودة تستمع لهما ولمواساتهما لأختها بدموع.
مرر لها حمزة كفه من خلف والدته، وضعها على رأسها أولًا ثم حركها ليمسك كفها المستريح بجانب رأسها كأنه يرجوها ألا تفعل وتتركه،  فهمست وهي ترفع له نظراتها (هو مينفعش غير كِده يا مرات خالي مليش عيش فالدنيا من غيركم وبعيد عنكم)
مالت ورد مقتربة من أذنها هامسةً (لو جالك الغالي تاني يا سكن جوليله سلامك وصل)
بهتت ملامح سكن رفعت نظراتها بذهول اقترن بإستنكارها لتهز ورد رأسها هامسةً لها من جديد (زعلان عشانك)
همست لها تحت نظرات حمزة المندهشة وتقطيبته المستفهمة (جلي أنا مش عايزك هِنا وزعلان منك، روحي للي عايزك وروحه متشعلجه فيكِ اكرميه زي ما أكرمك وراضيه زي ما رضاكي والسلام أمانه لبت عمي)
اتسعت ابتسامة ورد برضا تهمس بسعادة: (كفيت ووفيت يا واد عمي)
همست ورد ضاحكة: (ها هديتي وانبسطتي)
طالعت حمزة بخجل قبل أن تهمس بخفوت (مفيش بعد جول أبوي جول)
ضحكت ورد بإنشراح مهللة :(الحمدلله، الحمدلله)
استأذن حمزة المغادرة قائلًا: (هشوف الدكتور لو ينفع نمشي)
هتفت مودة بعدما صمتت احترامًا لهمسهما الخافت: (بجيتي كويسه يا سكينة)
أجابتها وهي تعدل من وضع جسدها: (الحمدلله)
بعد مرور وقت  عاد حمزة قائلًا: (الدكتور كتبلها خروج، حاسبت وجبت العلاج  ويلا عشان نمشي)
حاولت سكن النهوض بمساعدة مودة وورد، ليدخل حمزة الحجرة ويناول مودة الأكياس قائلًا (خدي دول يا مودة)
أمسكتهم لينحني حمزة ويحمل سكن التي شهقت في خجل واستنكار من فعلته، وهمست تعاتبه :(الناس يا حمزة)
نظر لعينها بغرق هامسًا :(إنتِ الناس)
عاتبته وهي تغمض عينيها في حرج :(هيجولوا إيه.؟)
وقف قليلًا منغمسًا في الشعور بقربها هامسًا :(ميهمنيش حد غيرك)
وضعت رأسها على صدره مستمتعة بهذا الشعور، تسكرها لذة قربه، وتخدرها رجفة قلبه ودقاته التي تلثم خدهها الآن، وضعها بالسيارة في عناية وحذر، وانتظر حتى اطمئن على دخول ورد ومودة ثم جاور السائق يأمره بالإنطلاق.
****************
في المنزل لم يمنح جسده قسطًا من الراحة رغم إلحاح والدته ونظراتها التي تطارده برجاء أن يفعل، هو يحتاج لأن يصفو ذهنه وتستقر الراحة في نفسه وعقله المكدود، نظراتها تخترقه تلهمه الطريق وتطفئ نيران الهم بحنو بارد خرج من ينابيع قلبها المتفجرة له وحده ابنها وابن حبيبها وروحها،قست عليه الحياة اليوم وانتزعته من اطمئنانه وأمانه؛ لتضعه في جوف ماضيه بين براثن الذكرى، يبتلع الوجع رغمًا عنه من بين أنامل الخذلان المريرة،رغم ذلك تحمل بجلدٍ
وصفى للحبيبة متفهمًا محتويًا ومن أقدر منه على ذلك.. ؟ تراه يمنحها الآن ما حُرم منه يوم ماتت زوجته وأغلقت عليه الحياة في زنزانة الانهيار العفنة يتنفس من رطب جدرانها المرارة ويعبق صدره بالخوف والذهول.
مَن أقدر منه على الشعور بضعف سكنه وانهزامها ومعاناتها، مَن غيره يتفهم أن الخذلان قادر على تذويبنا في ملوحته، وتفتيت عزيمتنا وضياعنا في شوارع الهلاك..
أن يهجرك الحب ويتركك كهفًا مظلمًا ملجأ لخفافيش الألم والحسرة، قد يُهدم وقد يأتي من ينيره بشعلات الأمل الجديد.
إنه الآن يصنع لجيَّد قلبها المُنهك عقدًا من أمان واحتواء استخلص ورده من واحات نفسه التي زرعها لأجلها يومًا منتظرًا مجيئها.
من تجاربه المرة وسم ويلات الزمن صنع لها دواء يشفيها مما هي فيه..؟ لم يختره الله لها عبثًا بل لأن ولدها قادرًا على صناعة الدواء الشافي لها وترياقًا لروحها.. لتتفتح يومًا وتمنحه رحيقها ويزهر قلبه من جديد وتتألق روحه المخبوءة بين ركام الفقد والوجع..
ستنتشله تلك الصغيرة وتبني معه يومًا قصورًا من عشق فريد يليق بهما بعدما تتضافر روحيهما وتختلطان، حينها سيحصلان على سحر الحياة الخاص وسحر العشق المبهر.
حرص حمزة أن يتعامل معها بهدوء وتفهّم، ألا يلومها وإن كان كان قلبه أحيانًا يستصرخه ليفعل يصم أذنه ويواصل المنح والعطاء دون كلل أو ملل.
********
هاتفتها مودة وأخبرتها حينما اطمأنت على صحة أختها وسلامتها، فعادت راضية راكضة في جزع، أنّبت مودة على  إخفائها الأمر ولامتها بحرقة قلب أم على إهمال مشاعرها ونفيها بعيدًا عن حياة سكينة ابنتها وفلذة كبدها، دخلت المنزل فانتفض الجميع، صرخت بمودة (فين أختك)
أشارت مودة للحجرة، لكن راضية وقفت أمام ورد تلومها بحسرة وبكاء مر:(وااه يا ورد كِيف متبلغونيش.؟ موت أنا خلاص ومليش لازمة)
ضمتها ورد معتذرة، مشفقةً عليها: (خوفنا عليكِ، جوزها هو الي جري بيها احنا روحنا وراه بعد ما فاجت)
هزتها راضية صارخة: (مبعتوليش ليه..؟ هي مرضتش)
التقط حمزة أنفاسه وغادر الحجرة بعدما استمع للوم عمته وصراخها، أغلق الباب حتى لا تفزع سكن وتقدم ناحية عمته وقف أمامها وهتف: (محدش فيهم جه معاي يا عمتي مشيت بيها لوحدي ومكنتش هصبر دجيجة واحدة لغاية ما تروح مني)
عاتبته بقلب مفطور وهي تضع راحتيها على صدرها في انكسار (مجولتليش ليه أروحلها يا ولدي هي دي مش ضناي وحتة مني)
أقترب حمزة ولثم رأسها تقديرًا موضحًا بهدوء وحنو (عشان حتة منك خوفنا عليكِ ياعمة، مرضتش أخلي مودة تجولك غير لما ترجع بخير وتشوفيها بعينك)
قالت راضية بإستسلام رغم حزنها، وعدم تقبلها لما قاله (ماشي يا ولدي هي فين..؟)
قبّل حمزة رأسها من جديد يرجوها بعطف (متزعليش عشان خاطري مجدرش على زعلك والله خوفت عليكي)
انتحبت بمرارة وانهزام، ليسحبها من كفها متجهًا بها للحجرة وهو يواسيها (خلاص عشان خاطري متحسسنيش بالذنب)
فتح الباب فاندفعت راضية تجاهها تناديها (بت يا سكينة)
زاد بكائها لما رأت كفها، وجلست أرضًا منهكة
اعتدلت سكينة منكمشة تطالع عزيز قلبها أن يساعدها على تخطي الموقف، يشير لها على الطريق لتسلكه.. فمنحها الإشارة التي لم يفهمها سواها (فوجي يا سكن كلمي راضية جلجانة عليكي)
أمسكت سكينة بكف والدتها المتغضن توّقف بكاءها الحاد بهمسها (متبكيش يا أما أنا بخير)
توقف بكاء راضية، رفعت لها نظراتها غير مصدقة، لتبتسم سكن مشجعةً لها؛ فنهضت راضية على الفور واحتضنتها بقوة باكية، وقد عادت صغيرتها إليه ولحضنها الذي جف بعدما انكوت بجفائها وابتعادها
رفعت نظراتها للواقف يبتسم محركًا شفتيه بهمس (بحبك)
فغرت فمها لا تصدق ما ترجمته من حروف على شفتيه، تكذّب ما فهمته فكررها مرات كأنه يرويها بها ويؤكد.
يكتبها في صفحات ذاكرتها عن هذا اليوم.
جلست معها راضية لتطمئن عليها متدفئةً بعودتها لها سالمة، دخلت مودة وورد بينما هو غادر ليُطمئن جده كما طلبت منه عمته، فهي كانت عنده منذ الصباح تعتني به لاشتداد المرض عليه وعودته إليه من جديد.
عاد بعد مدة قليلة دخل للإطمئنان عليها فوجد مودة بينما غادرت عمته مع ورد.
همس وهو يجلس جوارها (عاملة إيه..؟ حاجه بتوجعك يا غالية..؟)
أجابته بصوت مبحوح (كويسه بخير)
رفع حمزة نظراته لعاليا التي تقف على عتبات الحجرة بملامح غير مفهومة وخلفها مودة.
دخلت عاليا الحجرة دون أن تطرق، يتملكها الغضب من فعلة صديقتها وتهورها وغبائها، التقت النظرات المتفاجئة فوق وجه عاليا المشحون بشتى الانفعالات المبهمة
خاف حمزة من تهورها ولسانها وعتابها الذي قد يعود بنتيجة عكسية على سكن، تأملتها واطمأنت قبل أن تصرخ بها في حدة :(يا جزمة يا حيوانة)
تأففت سكن منزعجة تغمغم بحنق، لتستطرد عاليا وهي تتقدم مشمرة ذراعيها في استعداد :(إنتِ عيزالك علجة يابت يمكن تتلمي)
ضرب حمزة جبهته مستنكرًا قبل أن تقترب عاليا من سكن في دلالة على ضربها واستعداد، ابتعد حمزة عنهما، راقب بصبر ودقات قلبه المزعورة تتخطى المعقول، لكن عاليا فعلت العكس ضمتها منفجرة في بكاء حار جعل دقاته تعود لمعدلها الطبيعي ولأنفاسه الرقص براحة.
ضمتها سكن تهدئها عكس ما توقع، لكن حينما يئست ابعدتها بضجر صارخة: (بت ما تكتمي شوفتيني مت)
قالت عاليا وهي تمسح دموعها: (كنت هفتقدك يا جزمة ومش هلاجي حد يجولي يا راس الكلب )
ضحكت مودة بخفر، بينما ابتسم حمزة ممتنًا،
ابتسمت سكن أيضًا قائلة: (طيب اكتمي يا رأس الكلب)
فأشارت عاليا لحمزة عن قصد لتختلي بصديقتها :(دكتور معندكمش حاجه تتشرب أو تتاكل ساندوتشات زي بتاعة مرتك مثلا ومتخافش مش هعملها حاجه)
قالتها بإبتسامة واسعة كاشفةً له دواخله وما قرأته من سطور ملامحه حين دخلت متأهبة لمعاقبتها
ابتسم حمزة بحرج متفهمًا ونهض قائلًا وهو يضم سكنه بنظرة شوق ليس لها مثيل كأنه يسلب منها قلبها ويضمه أو يلثم روحها بحراره :(عندنا بس توكلي صاحبتك) اخفضت سكن نظراتها بعيدًا عنه
أكدت عاليا وهي تجلس متربعةً أمامها:(جيب بس وأنا هوكلها)
خرج حمزة وتركهما في براح الإفصاح والحديث، لتهتف عاليا مؤنبة بسخرية وفكاهة وهي تلكز سكن: (عايزه تموتي يا حزينة ويبجا حمزة أكل أبوه ومرتينه، لا وإيه مكملتوش شهر جواز)
زوت سكن ما بين حاجبيها في اعتراض ورفض لكلمات عاليا وتوبيخها،مستنكرة قولها  لتسخر منها عاليا ضاحكةً متفكهةً تقلدها :(بس فالحة تصرخي زي الحمارة فوشنا محدش يجول على حمزاوي حاجه، متتكلموش عنه وطالجة لسانك علينا ينهش فينا زي الكلب، منظره إيه هو دلوجت ها جوليلي يا كتلة الغباء)
أطلقت سكن أفكارها كلها لكلمات عاليا، سخرت وعيها كله ليتقصى لها داخلها عن صحيح ما تفوهت به تلك الساخرة، لقد أصابت كبد الحقيقة بقولها الذي لم تلتفت له ولم تلتفت لهذا الصموت الذي يبتلع أفعالها في بئر روحه تاركًا صدى حبه واحتوائه فقط هو من يخرج لها، كانت أفعالها صوت خبيث نفثه داخل بئر روحه فكان صدى كلماتها ونفثها همسًا رقيقًا محبا ،منذ متى كانت أنانية وعلى مَن..؟ عزيز قلبها يا ويل قلبها من فعلتها ويا ويل عقلها من اللوم والعتب
ترى ما كان موقفه وهو يحملها بين ذراعيه.. .؟ ما هو شعوره وهو يقاسي نفس الألم والعجز يخترق صدره من جديد ويحطمه، كيف هان عليها أن تضعه في هذا المأزق وتكرر عليه نفس اللحظات القاتلة، هل يستحق.؟ لكنه رغم ذلك لم يعاتبها لم يتفوه بكلمة عن حقيقة ما شعر به،حتى نظرة عاتبة لم يمنحها لها بل دثرها بمعطف الحب الذي صنعه خصيصًا ليحاوطها بحنانه ويدثرها بدفئه كعادته، يبتسم وإن لاح في نظراته الحزم، يشاكسها وإن امتلئت نبرته بمرارة فعلتها وخوفه الذي يظهر رغمًا عنه.
لانت عاليا وهتفت من جديد بحكمة بعدما نهضت وأغلقت الباب لمزيد من الخصوصية :(ليه عاملة فروحك كده يابت، وحمزة والله الراجل كان هيموت عليكي هان عليكي تعذبيه عليكي كدِه)
قالت متأوهة متعذبة بأفكارها وجنون هواجسها(كله علشانه، حاسة إنه اتغصب عليّ يا عاليا ومتبهدل معايا، متحمل وساكت وصابر)
جاورتها مودة تهوّن عليها قائلة متدخلة في الحوار تصرف عنها السوء (هو ايه يغصبه لو مش عاوزك.؟ ياريتك شوفتي حالته وهو شايلك وبيجري بيكِ في الطريج،  فوجي يا سكينة ومتستسلميش لوساوس الشيطان الي هتدمر حياتك وتخربها)
مسحت سكن دموعها بصمت، لا تقدر على البوح شيء ما يمنعها من ذلك، مازالت الحواجز بينها وبين مودة قائمة فيما يخص علاقتها بحمزة، لا تقدر على إطلاق سراح كلماتها ولا التفوهه بما تشعر به ومشاركتها ما يؤرقها،
دخل حمزة حاملًا بيده صينية بعدما طرق الباب،التقت نظراته بها وكلما هربت صبر حتي منحتها له فأخذها وضمها بين حنايا صدره وتنهد صابرًا، يخبرها كلما التقت بنظراته أنه هنا ويطمئن هو أنها معه وبخير.
نهضت مودة وأخذتها منه شاكرة ليغلق بعدها الباب ويتركهم، لقد أخذ زاده من عينيها الجميلة وخرج، لقّمته من يم روحها شربة ماء باردة منعشة فتركهم
وضعتها مودة أمام سكن قائلة بحزم (هناكل كلنا يا سكينة ومتجوليش لاااه، اعجلي كِده واستغفري ربنا، كل حاجه عدت وحمزة مجصرش معاكي، اجعدي معاه ياسكينة واتكلموا وفهميه حمزة والله بيسمع ويفهم وبياخد ويدي فالكلام)
نهشتها الغيرة حين تفوهت مودة بكلمات تعرفها جيدًا عنه، تخبرها عن رجل هي أول من عرفته
هي أول من نالت منه هذا وأحست به.
فصمتت تخفي غيرتها, تخفض نظراتها لطعامها المخصص الذي عرفته جيدًا من  الورقة الصغيرة فوقه المكتوب عليها اسمها، ابتسمت لفعلته البسيطة
بينما هتفت عاليا: (والله حمزة دِه رايج، دِ متربي يجي سبعتاشر مرة كِده)
سخرت مودة قائلة وهي تلتهم الطعام (بجول يوزع السبعتاشر على عمار وسعد)
قالت عاليا بتهكم مقصود: (وباجي العيلة كمان)
أردفت عاليا مبتسمة بشهية واستمتاع: (جوليله يعلمنا الطبخ يا سكينة يمكن حاجه تنفعنا)
انزعجت سكن قائلة: (كلي وإنتِ ساكتة مليح عليكي وكّل أمك)
هزأت عاليا وفمها يمتليء بالطعام: (دِه كامل الدسم وبيكتم نفسنا)
ابتسمت سكن قائلة :(هو دِه المطلوب تكتمكم)
قالت مودة التي شردت قليلًا وتقلصت شهيتها وأصابها الغم (بجولكم إيه.؟ عايزه احكيلكم حاجه حصلت)
تركت مودة الطعام ونفضت كفيها بزهد وشبع، لتنتبه عاليا وتسأل (ايه بتحبي)
زجرتها مودة بنظراتها اللائمة لتتراجع عاليا قائلة: (خلاص جاكي خابط)
سالت سكينة بتردد :(خير يا مودة في إيه..؟)
رفعت مودة نظراتها توزعها بينهما قائلة :(هجولكم)
قصت عليهما مودة ما حدث لها، فابتسمت سكينة بفرحة وسعادة بينما هتفت عاليا بهيام: (يا خراشي على الرومانسية وظابط كمان)
لكزتها مودة معاتبةً في استنكار وغيظ (التركي هيجننك يا عاليا وإن شاء الله تجعي وجعة زفت)
عادت عاليا لهيامها :(آه من التركي)
هدأتها سكينة منزعجة: (إنتِ بتحبي على نفسك يا عاليا، بجول اسرجي دهبات أمك وروحي تركيا)
لوّحت عاليا بإستنكار وملامحها تنكمش بإمتعاض متذكرة والدتها: (عايزه تجوزني واد خالي الي شبه شحيبر، مش عارفه شوال الرز دِه يتبصله من أي زاوية.. حاولت اتخيله مثلا بيبوسني بيجولي كلام حلو ملجتش فرج بينه وبين الثلاجة برودة ووكل محشور فيها فجولت أجعد فبيت ابوي جنب الثلاجة أحسن)
ضحكتا الفتاتين بإستمتاع حقيقي مما قالته، لينتفض الجالس بالخارج جوار والدته، ممسكًا بقلبه الذي رفرف منطلقًا ببهجة حين استمع لضحكاتها العالية، اتسعت ابتسامته يشاركها فرحتها وإن كان بعيدًا، قال وهو يلتقط الأنفاس من زخم المشاعر والعاطفة (ضحكت يا ورد أخيرًا)
ضحكت ورد منتشية، تسخر منه (وااه يا واد عبدالحكيم ضحكتها عملت فيك كده وبعدين)
التفت يشاكسها (يعني عبدالحكيم مكانش كده، أبوي كان صوته يهز رجاله بشنبات وصوتك إنتِ بس يهز روحه ويبدل كيانه)
زفرت ورد متذكرة بحنين، قالت والذكريات الحلوة تسكرها (هو في زي أبوك يا حمزة)
داخل الحجرة كانت عاليا تلكز سكينة قائلة بمشاغبة (بجولك إيه ما تجومي كده و تفوجي وركزي واعمليلنا جصة حب حلوة إنتِ ودكتور البهايم حجك، وتبجا ورد وحكيم وحمزة وسكنه والله ولا أجدعها مسلسل تركي)
تضجرت وجنتاها بخجل من كلمات عاليا، ضربتها سكن بحرج شديد وحياء: (اكتمي وجومي روّحي)
نهضت عاليا واقفة تخبرها بإمتعاض :(خيبة تاخدك يا بجرة دِه إنتِ محتاجة كورسات، شكل ورد مبتتوضاش زين قبل ما تدعي لولدها)
ضربتها سكن بغيظ وضجر من سخافتها وهزارها الذي لا ينتهي، لتلوّح عاليا قائلة :(غوري بهيمة) التفتت لمودة قائلة: (تعالي إنتِ يا مودة اوريكي جبت ٥جمصان نوم و٦ بجامات حكاية)
احتُبست ملامح مودة خلف زجاج الجمود والحياء لتستنكر عاليا: (خيبة عليكم والله)
سألتها سكن متهكمة :(وان شاء الله كده كملتي كام جميص)
قالت عاليا وهي تفرد قامتها متفاخرة بصنيعها :(١٢٠ جميص نوم)
سخرت سكينة منها :(هتدخلي الموسوعة يعني)
اقتربت منها عاليا ومالت تهمس بخبث: (انوي إنتِ بس وركزي مع الفجري الي بره واجبلك نصهم والله مش خسارة طالما هتجبولنا انتاج فخم يحسن السلالة)
صرخت بها سكينة وهي تضربها بالوسادة حانقة غاضبة :(متجوليش عليه كده مفيش فايدة فيكي)
تهكمت عاليا في استياء وهي تبتعد: (دِه بس الي فهمتيه من كلامي)
أمسكت بمقبض الباب تنوي الخروج لتقول مضيقة نظراتها على سكينة: (آه منك إنتِ جلبي بيجولي هشوف منك العجب يا كهينة)
زعقت سكينة طاردةً لها :(طيب غوري يا راس الكلب)
خرجت عاليا وخلفها مودة ألقوا السلام علي حمزة ووالدته التي طالبتهم بالمكوث قليلًا لكنهما رفضتا فقالت لهما: (خدوني عند راضية معاكم)
مالت عاليا لمودة هامسةً: (بتخليله الجو ولا إيه.؟)
تأففت مودة هامسةً (أوف منك ومن أفكارك)
كتمت عاليا ضحكتها وانتظرت بصبر حتى جاءت ورد وغادرت معهما بعدما أغلقت الباب خلفهم.
*************
خرجتا الفتاتين وتركتاها، دخل خلفهما ورتب المكان ثم جاورها متمددًا يميل برأسه للخلف على حافة الفِراش، بينما كفه تمسك برسغها المذبوح والمغطى بضماد، يمرر ابهامه حوله بلطف ورقة مغمضًا عينيه سابحًا في أفكاره التى حجبها عنها وتركها لحيرتها ونظراتها المترقبة المنتظرة، همس قائلًا بصوت مبحوح  (أحكيلك حاجه يا سكن)
انتبهت له فاضت عيناها بحنان غزير وهي تهمس له :(احكي)
بصوت فقد بريقه وحيويته، كأنه غُمس في الوهن غمسًا قال
:(عارفه يا سكن فكرتيني بأبوي ودمه، الدنيا لفت بيا ومكنتش عارف أعمل إيه نفس العجز ونفس الخوف ونفس كسرة الضهر)
همست متأثرة وهي تخفض نظراتها في حزن :(سلامتك يا حمزة)
أردف وكفه تمتد لكفها يتخلل أناملها بأنامله هامسًا :(صعبتيها عليا جوي يا سكن، خوفت تموتي فحضني زيها وكأني مستهلكمش، مرعوب تحصلك حاجه ساعتها كنت هصدج إني شؤم عليكِ وفجري )
أغمضت عينيها تزهق دموعها حرقةً وندمًا على ما أقترفت في حقه وأنانيتها وغفلتها عنه وعدم إحساسها بمعاناته؛همست معتذرة ببكاء (آسفة ياحمزة والله)
ترك واقعه ورحل للذكريات التي تؤلمه، صندوق ماضيه الأسود وندبة روحه، سرد وأنفاسه تتسارع (عارفه إحساس إنك تكوني مع الي بتحبيه ويكون فحضنك خلاص بعد تعب، وفجأة مش يوم ولا شهر ولا سنة لاااه دِه ساعات.
خدتها فحضني مطمن الدنيا مش سيعاني خلاص هرتاح وحياتي بتترتب هعمل بيت وأسرة وأمي تفرح، الصبح....)
سحب كفه المرتعش من صقيع الذكرى، هبت داخله رياح الهم عاتية، تقتلع كل سعادة بناها، اعتصر عيناه ونازع،
همس بحشرجة متألمة (ماتت فحضني ياسكن، صحيت وملجتش روحها سابتني.. امتى وإزاي معرفش، شيلتها زيك وجريت بيها كان عندي أمل، ومتخيلتش يحصل كده، الدكتور جال سكتة قلبيه، وجتها أن الي جلبي سكت يا سكن، سكت عن الكلام عن الحزن وعن الفرح وعن الإحساس، اتهد العالم بتاعي فلحظة معملتلهاش حساب رجعت تاني من جديد لوحدي بس المرة دي جرح كبير وحزن أكبر، سنة اتنين تلاته مش عارف اتخطى إنها راحت مني فلحظة جبل ما أنا أفرح أو حتى هي)
أعتدلت جالسة على ركبتيها أمامه، تشهق ببكاء حار وهي تهمس بوجع لا تدري من كلماته أم من شدة غيرتها عليه مما قال(خلاص يا حمزة)
أردف موضحًا بإنكسار وهو يفتح عينيه المغرورقة بالدمع (شوفتي عملتي فصاحبك إيه..؟)
هالتها دموعه، ووجعه المختبيء بزوايا عينيه كوحش متربص، أحاطت وجهه بكفين يرتعشان فقال (هتعمليها تاني يا سكن..؟)
هزت رأسها برفض قوي، تستنكر (لاااه مش هعملها يا حمزة، أبدًا)
اعتدل مستعيدًا رباطة جأشه وثباته، سألها وهو يمسك بكفيها ويقبل باطنهما برقة (عملتي كدِه ليه..؟)
صمتت مفكرة، تتنازع رغبتيها داخلها لتحسم الأمر وتتنهد مُصارحةً له (خوفت عليك مني ومن مشاكلي مهانش عليا تعبك وحيرتك وتوهتك جنبي)
أوضح لها بعاطفة انبثقت من نظراته (غلطانة ياسكن أنا ميتعبنيش غير الي بتجوليه دِه، هتخفي وتبجي تمام ويمكن ساعتها إنتِ الي مترضيش بعمو حمزاوي )
استنكرت وهي تمسك كفيه (لو مرضتش هيبجا علشان عيزالك الأحسن مني يا حمزة)
هتف حمزة بمرح مستعيدًا جزء من روحه
مرر أنامله على خدها يهدهدها بكلماته الدافئة
(تعالي نتفج اتفاج ياسكن)
مسحت دموعها وشاركته مرحه وشقاوته
(موافجة يا شيف جول)
اعتدل، جلس متربعًا أمامها قائلًا
(الورجة الي معذباكي ومخلياكي تبعدي انسيها واعتبريها تذكرة تسافري بيها معايا وتغيري جو وتفضلي مع صاحبك شوية، إيه رأيك..؟)
صمتت بتفكير عميق ثم هتفت (إن حبيتي ترجعي فأي وجت مفيش مشكلة وأنا كمان كِده  نتعامل كإننا أصحاب لغاية ما نشوف نكمل ولا لاااه، من غير ما تحسي إنك اتجبرتي أو تحسي أنا اتجبرت )
اتسعت ابتسامتها موافقةً على كلماته (موافجة)
فقال بإبتسامة حماسية ومرح (بس في شروط)
قطبت مستفسرة (إيه هو...؟)
هتف في حزم  (منخبيش حاجه عن بعض، ونحكي كل الي مضايجنا لبعض، منكدبش، الي يغلط يعتذر.. الي يزعل من التاني يجوله ويعاتبه وميبعدش كِده وكل يوم حد يحكي للتاني حاجه ميعرفهاش عنه أو احساس حس بيه
هتفت مستحسنة الشروط: (ماشي بسيطة)
تابع بشقاوة: (وتفضلي تجوليلي يا حمزاوي بلاش دكتور)
اتسعت ابتسامتها بالموافقة، ليردف متنهدًا: (إيه رأيك أبدأ أنا وأجولك سر تاني..؟)
اشتعلت بالحماس نظراتها التي عرجت لملامحه بإنبهار وسعادة ليسترسل حين لمعت عيناها بالموافقة (الشهرين الي غبتهم عنك كانوا غصب عني، كل يوم كنتِ توحشيني أكتر من الي جبله وببجا نفسي أكلمك بس مش عارف علشان إنتِ زعلانه)
ابتسمت تقص بمرح وشغف وبعض الأريحيه :(لما كلمت مودة وأمي كنت هموت وأكلمك وأسمع صوتك بس هشام كان هنا ومعرفتش ولما جفلت ومكلمتنيش أنا اغمي عليا وشوفتك بتكتب على ايدي إني وحشتك برضو)
انتبه يخبرها بذهول :(سكن أنا كتبت كدِه علي يدي لما جفلت ومكلمتكيش)
رفعت رأسها تمنح نظراتها له تشاركه ذهوله (بجد)
هتف مبتسمًا لا يبالي سوى باللحظة: (توارد خواطر بجا)
سألته بإهتمام :(هنمشي مِتى.؟)
أخبرها وهو يعود ليريح ظهره على الوسادة خلفه (يومين كِده إن شاء الله)
سألت بتردد: (ينفع احكي كل حاجه؟)
اخبرها بتفاؤل وابتسامة مرحبة: (طبعا)
قالت بإرتباك متسائلة بحذر لما يجلبه الاسم من سخط وغيرةً في نفسه :(لو تخص هشام)
تراجع تفاؤله وعبس قليلًا يقول (اكتبيهولي عالفون)
همست :(حمزاوي)
أجابها بلطف :(نعم)
قالت بعفويتها المعتادة: (مبسوطة إننا رجعنا أصحاب من تاني، إنت صاحبي المفضل )
قالتها وضمته بقوة ليضمها هو أكثر قائلًا: (وحشتيني وافتقدتك يا حلوة)
همست بعاطفة شديدة متألقة، تفتحت على يديه :(وإنت كمان يا حمزاوي)
حثها وهو يمسك بكفها ناهضًا نافضًا الدثار (جومي نعمل شوية حاجات ناكلها ونسمع فيلم أو أي حاجه)
طاوعته ممتنة، متخلية عن ضعفها لأجله، تتبعه بحماس مشتعل وقد عادت إليها روحها، تريد التخفيف عنه
بعد ثواني
سألته وهي تقف وسط المطبخ عاجزة، حائرة:(هنعمل إيه يا حمزاوي.؟)
ضيق عينيه مفكرًا قبل أن يسألها: (إيه رأيك فكري معايا)
اقترحت بنظرات مشاغبة: (عايزه أكل بان كيك ياحمزة)
ابتسم قائلًا وهو يتجه ناحية البراد: (يا سلام عنيا يا سكن)
توسلته ببراءة وعفوية (اعمله بالشيكولاته وتاكل معايا )
ضحك قائلًا وهو يفتش في البراد (حاضر ولو إن ماليش فالحلو)
اأغلقت البراد خلفه، واتجهت معه تجاه الموقد مذكرةً له (فاكر يا حمزاوي البسكوت الي سهرنا نعمله)
لوى فمه بإمتعاض قائلًا (دي ليلة تتنسي برضو إحنا اتعذبنا)
ضحكت قائلة بصدق ونظراتها تتابع ما يفعله بدأب (بس أنا كنت مبسوطة لإني كنت معاك)
مط شفتيه قائلًا (كِده دِه سر تاني)
هزت رأسها بتأكيد وهي تطالعه بإنبهار وشغف كما تعودت، ليصارحها هو الآخر (يومها جولتيلي وحشتني وبعدها جلب حمزة مرجعش زي ما كان)
تضجرت وجنتاها بخجل من اعترافه، لتبدأ في مساعدته ويلهيها عن شرودها بالثرثرة لتهاجمه بإستياء وعبوس :(بقيت رغاي يا حمزة)
ابتسم لها قائلًا بصدق نبع من قلبه ونظراته اللامعة تخترقها  :(علشانك)
بدلت مجرى الحوار وهي تجاوره في وقفته متابعة ما يفعل :(هنسمع إيه.؟) ثم أخبرته بإمتعاض دنس ملامحها :(ياريت مش رومانسي علشان مبحبوش)
تعجب منها وسؤاله يفرض السطوة على عقلها :(مبتحبيش الرومانسي.؟)
أكدت بعبوس وهي تساعده  :(أيوة سخيف)
مال بوجهه ناحية وجهها حد التقارب واللمس وهو يهمس بتنهيدة (ماشي هجبلك رعب)
تقابلتا ضحكة مبتورة بالوجع منه  وهمس مستاء منها: (أكتر من رعب الي عايش فيه معايا؟)
تابعت مقترحة :(خليه أكشن أحسن.. أو أجولك نرغي أحسن أو نلعب لعبة عالفون )
اتجه للموقد وعندما صنع واحدة  أشارت سكن لفمها تريد أن يطعمها:(هات أدوق)
تراجع أول الأمر، مقررًا الرفض ونظراته تركن عند شفتيها بحيرة، ليتناول قطعة ويقربها من شفتيها بأنامل مرتجفة، تناولتهما لاهية عن التأثير الذي ضرب ثباته حين لمس ثغرها، حمحم متسائلًا: (ها إيه رأيك)
أجابته بحماس وإعجاب نضحت به نظراتها (حلو جدًا) أكد ونظراته تمر ببطء علي ملامحها :(هو فعلا حلو ويارب يكون طعمه زي شكله)
أشارت متعجبة شروده :(ما تدوق وتشوف) انتزع نظراته يخبرها بيقين وابتسامة واثقة: (أكيد هدوقه آمال هو لمين)
هكذا انقضت ليلتهم حتى آتى اليوم التالي محملًا بالكثر
**********
في المساء اليوم التالي عصرًا
ارتفعت فوق الدلو تطالع الشارع الفاصل بين منزل حمزة ومنزل عمتها، ربما تعثر نظراتها على أحد، أو تستمع للحديث الدائر بين الرجال في فضول ورغبة لمعرفة على ماذا تم الأمر.
هتفت عاليا بإمتعاض شديد وهي تكرمش وجهها بإنفعال، مطلقةً سؤالها الأحمق (هو دِه الشيخ الي صوته حلو يا مودة أخو أبرار الزفتة.؟)
أجابتها مودة بغير اهتمام، مشغولة بأمرها الخاص بعدما لمحت زين وسط الحضور والذي ما إن لمحها مارة حتى ابتسم لها ابتسامة جانبية مستفزة أثارت حنقها:(مش عارفه بيجولوا )
قالت عاليا متأففة بإنزعاج متذكرة ما مضى في سخرية لاذعة: (شكله هو الشيخ الي مكسر رجلينا في التراويح بجاله كم سنة، فاكر نفسه في الحرم، كرهني فروحة الجامع الله يسامحه)
ووصلته سخريتها كاملة لكنه رغم ذلك ابتسم،نادمًا على خروجه الآن ووقوفه ليرد على مكالمة مهمة أسفل نافذتهم العالية، لتتابع عاليا بما ضيّق عليه صدره وجلب حزنه وغضبه في ذات الوقت: (بدل ما مطلع عنينا في الصلاة كان يربي أخته)
مسح وجهها مستغفرًا ثم همس لائمًا بضيق :(الله يسامحك ويهديكِ يا أبرار خليتي الي رجلها وجعاها من التراويح تأذيني فيكِ)
هتفت عاليا لمودة التي تعدّ القهوة والشاي للضيوف: (هاتي تفاحة حمرا يابت يامودة، اشمعنا سكينة الي تاكل)
ابتسمت مودة لمزاح ابنة خالها، قبل أن تسحب تفاحة من طبق الفاكهة الجانبي وتناولها لها قائلة (خدي)
أخذتها عاليا ومالت للنافذة تطالع ما أسفل النافذة، وهي تهمس بضجر: (طيب يعلوا صوتهم هبابة خليني أسمع)
في غفلة منها سقطت التفاحة من كفها فوق رأسه، ليرفع رأسه للأعلى مدهوشًا، مقيدًا بالذهول، التقت نظراتهما لثواني ارتجف لها داخله قبل أن يخفضهما غاضًا بصره فسارعت عاليا قائلة بحرج: (معلش يا عم آسفة بس ارميلي التفاحة دا أنا اصلًا سرجاها)
رفع حاجبيه مندهشًا من كلماتها، رغم ضيقه منها ومن كلماتها الموبخة التي سبقت الفعل ابتسم قائلًا :(هي السرجة مش حرام زي الي عملته أختي يا آنسة)
تدلى فكها ببلاهة مما قال والذي أفصح به عن سمعه لما قالت، لتنفخ بسأم قائلة بغلظة (والتصنت برضو مش حرام يا شيخ..؟)
ابتسم موضحًا برزانة :(لااه إنتِ الي اتكلمتي فوج دماغي)
كزت على أسنانها من جداله وحواره، لتسارع قائلة: (طب هات التفاحة يا شيخ وخلصنا)
نظر للتفاحة بين أنامله مُفكرًا قبل أن يجيبها بإبتسامة :(لااه أعذريني نيوتن مش أحسن مني يا عالية المجام)
هبطت عاليا من علوها مزمجرة بعدما غادر وتركها، قالت بتأفف :(شكله شيخ مجنون)
عادت مودة لها قائلة :(سما جايه يابت يلا نفذي الي جاله حمزة)
خرجت عاليا من المطبخ متحمسة في استعداد
جاء علام بصحبة ابنة أخته لتنفيذ ما اتفقوا عليه، خطت لداخل المنزل في وجود مودة المتحفزة وعاليا التي جاءت عن عمد، وراضية وورد.. نهضت ورد مرحبةً بها تستقبلها بجمود فبدت منكسرة بعض الشيء بالرغم من حدة نظراتها، آثار الضرب واضحة على وجهها، شفت غليل مودة
جلست منكسة الرأس تلعن خالها الذي هددها وجاء بها عنوة وتلعن سامي، وحمزة هذا الماكر الذي قلب حياتها لأجل دلوعته، لم يزدها الضرب إلا كرهًا ولا تزدها القسوة إلا حقدًا.
التهمتها عاليا بنظراتها الشرسة، تود لو مزقتها بأسنانها الآن لكن مودة منعتها برزانة ممسكةً بذراعها
تحدثت راضية :(ليه يا بتي كِده هي المسكينة دي كانت عملتلك إيه.؟)
فركت سما كفيها بتوتر، صامتة بإجبارٍ وقهر، لتصرخ عاليا: (سبيني يا مودة أكلها بسناني الكلبة الي متمرش فيها)
هتفت ورد داعية  (الله يهديكِ  ويسامحك على كسرة جلب المسكينة الي جوا)
كانت تجلس أمام النافذة كعادتها، الأصوات تصلها واضحة، رن هاتفها بإسمه هو الذي تسلل من بين الرجال وانزوى يهاتفها ليطمئن عليها ويبثها دعمه ويمنحها الشجاعة، ليكون جوارها ويشد عضدها بكلماته، لن يتركها في لحظة كتلك إن كان لا يقدر على الدخول لكنه يقدر على الحديث معها ومؤازرتها.
(ايوة يا حمزة)
سألها بلهفة (جاتك ولا لسه.؟)
قالت متجاهلة سؤاله (إنت فين.؟)
ضم شفتيه بحزن، تريده جوارها ولن يقدر
على اقتحام جلسة النساء الآن والتدخل
:(أنا جنبك، جريب منك يا سكن)
همست ترجوه: (تعالى عايزه أشوفك يا حمزة)
لبى على الفور لم يستطع تجاهل نداء قلبها، وحاجتها له، تسلل حتى وصل لنافذة الحجرة وقف مبتسمًا: (جيت اهو)
حدجته بنظرة ممتنة شاكرة، ليهتف هو بقوة موصيًا:(هتجيكي يا سكن اعملي الي عيزاه فيها ومتعمليش حساب لحد، خدي حجك وتولع الدنيا)
همست بدموع :(أنا خايفة ياحمزة)
جن جنونه من دموعها وارتجافتها الواضحة هتف بتعقل مسيطرًا على انفعاله: (سكن بوصيلي)
رفعت نظراتها فابتسم مشجعًا لها :(خايفة ليه.؟ وإيه يخوفك من الأساس.؟ جومي ودوسي على راسها وأنا هعرف كيف أحميكي بعدها)
استأذنت ورد الدخول، تبادلت النظرات مع ولدها الذي هتف بعدما رأي والدته (سلام)
اختفى وبقيت هي حائرة لا تعرف ما يتوجب عليها فعله ولا كيف ستتعامل معها، لا تطيق رؤيتها وما كانت تحب تلك المواجهة لولا حمزة وإصراره وحفاظًا على كلمته وتقديرًا له ما رضيت فهي أوكلت أمرها لله وكفى.
دخلت سما مطأطأة الرأس في انكسار كاذب تتصنعه ليمر الأمر، وقفت بجانب سكن التي احتفظت بما استمدته من قوة منحها لها عزيز قلبها، تجمدت دموعها وتصلب جسدها في ثبات، نفور احتل كيانها حتى طفا كغثيان كريه ورغبة في التقيؤ، همست سما وهي ترفع نظراتها الحاقدة لسكن تخبرها سريعًا بكرهها واستخفافها بالأمر،قيمتها بنظرة قائلة بسخرية (علّموا على وشك يا صاحبتي معلش.؟ كان نفسي أشوفك بتضربي بس ملحوجة)
كزت سما على أسنانها بغل، لتردف سكن بإنتقام (أسعد يوم دِه ولا إيه؟) احمر وجه سما من شدة الغضب، قالت بتلعثم منهيةً العبث :(جاية أجولك حجك عليا ومتزعليش وأدي راسك أبوسها)
ما إن اقتربت حتى دفعتها سكن بعنف (لااه رجلي مش راسي)
بهتت ملامح سما وزاد غلها، هتفت ورد منبهةً (خلاص يا سكينة ومن عفا وأصلح)
حدجتها بشماته وتشفي، قبل أن تلوي فمها بسخرية قائلة (العتاب لأمثالك أذى)
استجمعت شجاعتها ووقفت بكبرياء اقتربت خطوة منها وبصقت في وجهها صراخة (بره)
حملقت فيها سما بذهول شديد،الفعلة كانت شديدة الوطأة على كبريائها اللعين، تحاول استيعاب ماحدث وهذا الذل الذي أحاطها وسيبقى عالقًا بذهنها لن تغفره لها ولن تتركها وشأنها مهما كلفها الأمر، دفعت نظراتها لسكن تصب جحيم الغضب والحقد فوق رأسها صبِا قبل أن تركض للخارج تتبعها نظرات مودة المتشفية وتركض خلفها شتائم عاليا مطاردةً.. توقفت مستندة على الحائط تلتقط أنفاسها بعنف، رفعت نظراتها لتصطدم به واقفًا أمامها بقوة نظراته كجحيم يبتلعها، ارتعشت من هيئته التي اخافتها فتطلعت حولها علها تلمح خالها أو سامي فتستنجد بهما لكن باءت محاولتها العقيمة بالفشل. هتف بحدة وخشونة مقصودة (قبل ما تفكري مجرد تفكير في واحدة اسمها سكينة بعد كدِه، فكري ألف مرة  واعملي حساب إن ليها جوز فوتلك مرة واتعامل بالأدب والأصول، بس المرة الجاية لو شيطانك وزك تيجي ناحيتها لا هيعرف الأدب ولا الأصول  ومش هيخليكي إنتِ واهلك تسووا حاجه)
وقفت مرتجفة مزعورة، تنكمش على نفسها متمنية أن ينتهي ويتركها، محظوظة هي تلك المغرورة دائما…
بلحظة كان يختفي من أمامها كأنه لم يكن أوأنها تتوهم مجيئه، تطلعت حولها بريبة قبل أن تُخرج هاتفها وتتصل بخالها قائلة (أنا خلصت)
مازال موضع البصقة من وجهها يشتعل نارًا، تحسست وجهها عدة مرات متشككة، هل ما تشعر به حقيقة أم خيال نسجة عقلها الباطن المغدور به،مسحت وجهها عدة مرات وكل مرة تود الصراخة مازال الأثر عالقًا بنفسها كأن البصقة اخترقت وجهها نافذةً لروحها.
لعنت سكن وزوجها وعائلتها وتوعدتها بما هو أشد عذابًا وتنكيلًا.
انتهت المقابلة وجلس مع والدته وعمته ومودة، يستمع ولا يصبر، يود الدخول لها وعناقها بعد ما كان.. أثلجت صدره بفعلتها، أطفأت الحرائق المشتعلة بقلبه منذ أيام بقوتها ووقوفها أمام صديقتها وأخذ حقها منها بمكر.
كلما سردت عليه والدته ماحدث كانت نظراته تلمع اعجابًا بصغيرته التي نال منها الألم وطعن الخذلان قوتها.
استأذن من الجميع ودخل، بلهفة كان يدخل المندرة حيث تمكث وحيدة كعادتها وبناء على رغبتها التي احترمها الجميع اشفاقًا عليها.
هتف يثني عليها وهو يجلس أمامها (جدعة يابت يا سكن ريحتيني بالي عملتيه)
ابتسامة ناعمة جاهدت لتقفز على ملامحها، همست شاكرة (إنت الي عملت كل حاجة يا حمزة)
تنهد قائلًا بصدق وهو يسحب كفها الأيمن ويضمها إلى صدره (لاه أنا فخور بيكِ ومبسوط إنك وجفتي ومسحتي بيها الأرض)
نظرت إليه بقوة بعدما سحبت جسدها من بين ذراعيه ثم قالت ساخرة (دي بتاعة هشام يا حمزة فاكرها.؟) رفعت أناملها لوجهها تمسحه متذكرة بصقة هشام على وجهها، فأردفت بوجع
(علمت فجلبي والله  لما شوفتها افتكرته وافتكرتها ولجيتني بردهالها هي)
انقبضت ملامحه بألمٍ وضيق من ذكرها تلك الحادثة واسمه الذي يكره، لكن ابتسم يعاتبها متجاهلًا (عايز أجولك سر)
ابتسمت مرحبة(جول يا حمزاوي)
أخفض نظراته وقال بإرتباك (مبحبش تنطجي اسمه جدامي ولا تجيبي سيرته)
عانقته في اعتذار رقيق مثلها ثم همست (خلاص لو اضطريت هبجا أجول الواكل ناسه أو راس الكلب)
ضحك موافقًا على قولها (اتفجنا)
أردفت بتنهيدة دون أن تترك عناقه
(ربنا يخليك ليا يا حمزاوي وميحرمنيش منك أبدًا ولا من وجودك جنبي ومعايا)
ضحك نصف ضحكة بسعادة قائلًا: (كِده كتير والله يا بت عمتي)
ابتعدت متعلقةً برقبته مبتسمة فضمها إليه بذراعيه يعاتبها (زعلان منك أنا ياسكن)
شهقت متفاجئة، ابتعدت قليلًا تسأل (ليه يا حمزاوي.؟)
قال مبددًا عبوسها بإبتسامته وروعة لمساعته على وجهها (ورد جالتلي إنك متغدتيش)
مطت شفتيها قليلًا مفكرة تحصد من أفكارها اللائق قبل أن تهمس به (مستنياك نعمل الأكل سوا وناكل يا حمزاوي عشان نرغي)
نهض متحمسًا قال بضحكة رائعة، وهو يمسك بكفها (طيب يلا عشان أنا كما جعان )
ضحكت بإستمتاع أمام نظراته التي تضمها (يلا)
سحبها خلفه للمطبخ، تشاركا صنع الطعام وتجهيزه، تشاكسه أغلب الوقت وتشغله أحيانا عن مواصلة العمل حتى جلسا  بعدما افترشا الأرض، حاولت سكن تناول الطعام لكن حرارته منعتها، لامها وهو يضربها على كفها (سكن الأكل سخن اصبري)
لكنها تناولته ضاحكة غير مهتمة برفضه ولا نظراته التي تقع على فعلتها بالرفض واللوم.
دسته فمها تعيظه بفعلتها،دخلت ورد المطبخ لتجد هما جالسان أرضًا يتناولان الطعام بسعادة، رمقتهما بابتسامة ورضا تام استقر بقلبها بعدما وجد كلا منهما نصفه التائه عنه وعادا  للطريق الذي سيقطعانه معًا، غادرت وتركتهما دخلت الحجرة واستقرت فوق الفراش منتظرة مجيئهم.
*****
جلس سليم قرب والدته يمرر أنامله فوق حبات المسبحة، يحكي لها بشرود عما حدث لكنه رغمًا عنه أسقط ما سمعه من عالية المقام وحوارهما الذي جلب ابتسامة خفية فوق شفتيه.
سألته والدته وهي تنظر للتفاحة الموضوعة فوق الطاولة الصغيرة بجانبهما (بيوزعوا تفاح ولا إيه يا شيخ سليم.؟)
ابتسم سليم ابتسامة واسعة نصف وعيه مع تلك العينان ونظراتهما التي أهلكت فؤاده وفعلت به الأعاجيب، مندهشًا كيف لنظرة عابثة عابرة أشبه بصدفة  على الطريق تُحدث هذا الاصطدام المدوي داخله وتُهلك دقاته بهذا الشكل الذي روع هدوئه وطمأنينة قلبه.
همس وهو ينهض واقفًا: (دي تفاحة سليم يا حاجة الي اكتشف بيها جاذبية عالية المقام) ثم أردف بشرود متذكرًا عيناها ( طلعنا من الجنة بتفاحة وولدك شاف جنة على الأرض بتفاحة )
ابتسمت والدته لا تفهم ولا تعي ما يقوله لكنها صمتت مبتسمةً داعيةً له كعادتها، خطا تاركًا والدته بعدما تناول التفاحة من فوق الطاولة، وضعها بحجرته وغادر ليطمئن على أخته، طرق الباب فأذنت له معتدلة مترقبة لمعرفة النتائج، جلس جوارها بعدما أهداها حقيبة بلاستيكية تحوي الكثير من الحلويات التي تحبها والبطاطا المقرمشة التي تفضلها، أخذته منه بنظرات شاكرة ولا رغبة لها سوى المعرفة بما دار..
قال سليم وهو ينكس رأسه خجلًا مما سيقوله وكأنه يعيد الشعور بالخجل على نفسه مما سمعه من عالية المقام (انهردا حد جلي بدل ما تكسر رجلينا في الجامع يا شيخ ربي أختك)
شهقت أبرار مصدومة، صفعتها الكلمات بقوة على وعيها لتترك كل شيء وتقترب من أخيها دامعة معتذرة تضمه بحنو، ربت سليم على ظهرها قائلًا بعتب لطيف (معرفتش أرد معاهم حج)
ابتعدت منتحبة بقوة غير مصدقة ما فعلته بأخيها ولا الموقف السيء الذي وضعته فيه ليتنهد سليم صامتًا بتفكير قبل أن يهمس بما فاجئها (سامحيني يا أبرار أنا جصرت معاكي وفكرتك كبرتي)
قالت من بين شهقات ندمها (حجك عليا يا أخوي أنا غلطانة)
داعب ذقنها بحنو مهونًا عليها (منتيش غلطانة أنا الي جولت أبرار كبرت خلاص ومش محتاجاني، بس عرفت انهردا إنك كبرتي أيوة بس مشاكلك كبرت معاكي ومحتاجاني أكتر من الأول)
انحنت أبرار تقبل كفه في اعتذار حار، ليربت على رأسها قائلًا ببعض الحزم (متبكيش الحمدلله كل حاجه عدت بس بعد كِده الوضع هيختلف ومعلش يا ست أبرار هنسحب منك جزء من الثقة وهتحكيلي كل حاجه)
هزت رأسها بالموافقة على كلماته وقراره الذي أبلغها به بلطف ولين كما عهدته.
حاوط وجهها بكفيه يمسح دموعها قائلًا بمشاكسة (في حد بيبجا حلو وجميل وهو بيبكي كدِه)
ابتسمت من بين دموعها ممتنة له، قبل أن يضمها مقبلًا رأسها وينهض قائلًا بحنان ومشاكسة عكست روحه الحلوة ولين قلبه(جومي اعمليلي كوباية شاي من يدك الحلوة، شربت شاي عند الناس معجبنيش جولت أما أرجع أختي حبيبتي تعملهولي)
خرج عائدًا لحجرته مختليًا بنفسه بينما مسحت هي دموعها وغادرت للمطبخ تُعدّ له كوبًا من الشاي كما طلب.
جلس خلف مكتبه ممسكًا بقلم طوحه بين أنامله قبل أن يفتح مدونته ويكتب
(عيناكِ يا صاحبة المقام، فتنة والفتنة أشد من القتل)
#انتهى

ملاذ قلبي سكن Where stories live. Discover now