الفصل السادس❤️

1.6K 42 17
                                    

الفصل السادس
خرج من حجرته يفرك عينيه متثائبًا، أبصر والدته أمامه فابتسم وتقدم ناحيتها يقبل باطن كفها هامسًا (صباح الخير) ابتسمت ورد بحنو تبادله صباحه، وهو يجلس أمامها منشغل الفكر بما رأه، ومازال تأثيره يعبق صدره برائحة السعادة (اعمليلي جهوة يا ورد)
(حاضر) قالتها وهي تتأمل صمته وابتسامته التي تتسع وأنامله التي تتحسس شفتيه من وقتٍ لآخر كأنه يزيل آثار شيئًا ما عنها
(مالك يا حمزاوي صاحي رايج ومبسوط .؟)
توتر من كلماتها إعتدل مبررًا بإرتباك(أنا لا... عادي)
حدجته بنظرة متصيدة وهي تقول بخبث (أمال في إيه.؟ مش عوايدك سرحان ومبتسم)
أكد شاردًا وابتسامته تجاور ثغره متذكرًا الحلم (شوفتك بتبسطني من غير حاجه يا ورد)
ضحكت ورد ضحكة رائقة وهي تقول بفطنة (ماشي يا حمزاوي هصدجك.؟)
مد ذراعه يتناول فنجان قهوته مغيرًا الكلام بإرتباك (فطرتي)
ضحكت وهي تتأمله بسعادة، مما زاد ارتباكه، لتسأله غامزةً(مش هتجولي مالك برضو..؟)
أسقط فنجانه أرضًا قبل أن تلتقي نظراته بوالدته التي مازالت تحتفظ بإبتسامتها وتعبير السعادة المرسوم في نظراتها، جلس على ركبتيه يقول(أنا لا مفيش..؟حلم عادي)
هتفت ورد ضاحكة (يعني فيها حلم اهو)
ضرب جبهته مستاءًا من نفسه!ثم نهض هاربًا من أمامها تتبعه ضحكاتها..
وقف في المطبخ لدقائق مُقيدًا بخواطره، فكره منشغل بما رآه وشعر به، مازال كل ماحدث مطبوعًا داخله، تأثيره لا يزول كأنه عاشه حقًا واستمتع بما نال..
شعر للحظة أنها أقرب إليه من أي شيء، كأنها قطعة التصقت بروحه ودمغت حتى صارت جزءًا منه.. مازالت رائحة أنفاسها عالقة بأنفه كأن تلك الأنفاس التي سرقها منها حقيقية. كل شيء حتى ندائها بإسمه
تنهد وهو يستند على الطاولة بحيرة،
أمسك هاتفه ونقر فوقه بسرعة مفتشًا عنها مترددًا يهاتفها أم لا...؟
كانت هي قد أفاقت من حلمها منتفضةً، تنظر حولها باحثةً عنه كأنه كان هنا بالفعل ما رأته قد عاشته حقًا، رفعت أناملها تتحسس شفتيها متذكرة لمسته لها وتلك القبلة الرائعة التي نالتها منه.. نظرته تطارد أفكارها ومخيلتها أيضًا، كانت أشهى وألذ من تلك اللمسة لثغرها، كأنه يضم كل ما فيها بحب، يسرد في سطورها قصيدة عشق.
تطلعت حولها نافضة تأثير الحلم لتشهق مصدومة مما ترى..
نسيت نفسها حتى نامت هنا وحدها بمنزله فوق فِراشه، كيف سحبها النوم لعالمه وغيبها عن الواقع...؟ ماذا ستفعل الآن.؟
تحمد الله أنها أخبرت مودة كاذبةً أنها ستذهب لعليا وإلا كيف كانت ستخرج من هذا المأزق..؟
تطلعت حولها مرتبكة، مشتتة بين واقع وحلم لا يتركها... أغمضت عينيها تعيد الشعور به على نفسها.. ضمت جسدها متدثرة بعباءته لتصلها رائحة عطره المميزة، أكان ينقصها هذا الآن.؟ ليتها تخرج من تأثير حلمها...!
تنهدت ممسكة بالهاتف تفتش فيه بغير هدى، منذ مجيئة وهي تبتعد قدر المستطاع عنه.. تغلق الأبواب على نفسها.. مقررة أن تبتعد عنه، لكنها تفشل وتعود منجذبةً له من جديد.
جاءتها رسالته التي أرسلها أخيرًا (صباح الورد يا حلوة..؟)
انتفضت غير مصدقة، محملقة في اسمه الذي ظهر فوق رسالته على الشاشة (صباح الخير يا دكتور)
شعر بشيء خاطيء فسألها (مالك يا سكينة.؟)
أجابته بتوتر شديد (حمزة أنا نمت فالبيت ومش عارفه هرجع بيتنا إزاي ولو حد شافني هجول إيه.؟)
أجابها ببساطة ممتصًا توترها (ولا حاجه جولي كنت عند عليا)
قالت مؤكدة(فعلا عملت حسابي بس جلجانه)
طمأنها بحنو
(متخافيش يا حلوة ساعتها هجول إن ورد كلمتك تدوريلها على ورج مهم)
شكرته متنهدة (شكرًا)
طال بينهما صمت خانق، أغلق هو على أثره وغادر ليجاور والدته التي تنتظره..
أما هي فغادرت لمنزلهم خائفة تترقب.. أكثر ما يقلقها أن تراها مودة، قد تتفهم أمها ويرضخ عمار لكن مودة بماذا ستقنعها..؟
قابلتها مودة على باب المنزل متسائلة (كنتِ فين يا سكينة.؟)
اندفعت للداخل متخطية أختها تقول بتوتر (جولتلك كنت عند عليا)
عادت مودة تسأله بنظرات ثاقبة (أمال جاية بدري جوي كِده ليه.؟)
تأفف بانزاعاج مدعية، تخفي بما تفعل إرتباكها.. ربما ترحمها مودة وتتركها لشأنها
(عادي جلجت يا مودة)
زحفت نظرات مودة لما حول عنق سكينة، لتهتف مندهشة وهي تقترب منها (سماعات حمزة دي.؟ )
ابتلعت سكينة ريقها وقالت تبحث عن كذبة تقنع بها أختها(آه كنت خدتها منه ونسيت أديهاله)
هزت مودة رأسها مبتسمة توصيها  (طيب حافظي عليها علشان لما يرجع)
صعدت سكينة أول سلمة من الدرج لتوقفها مودة (تعالي أفطري معايا يا سكينة الأول)
تثاءبت سكينة بإرهاق لتهرب من أختها (لا هنام علشان معرفتش أنام الليل كله)
ابتسمت مودة بحنو (ماشي ياحبيبتي روحي ارتاحي)
ركضت سكينة للأعلى بسرعة محتمية بجدران حجرتها، وضعت السماعات بالخزانة بجانب فستانه وبعدها رمت جسدها فوق الفِراش بإنهاك وتعب.. دقائق قضتها في التفكير قبل أن تنهض، متجهة لمرآة الزينة تتأمل، شفتيها.. تتلمسها مفتشة عن سبب إحساسها بأن الأمر قد حدث بالفعل.. وليس حُلمًا.
تمرر أناملها فوقهما متذكرة خطيئة حلمها وجرم رضوخها، تبحث بين أفكارها عن سبب لكل هذا.. تنهدت بضياع من شتات أفكارها ونزاعها الداخلي.. هربت للفِراش، للنوم رغم خوفها بتكرار الحلم إلا أن بداخلها قطعة تتمنى لو تكرر وجاءها ضيفًا مرةً أخرى.
أمسكت بالهاتف لتجده قد أرسل ليطمئن عليها (رجعتي يا سكينة.؟)
ظلت دقائق مفكرة تقرأ رسالته متحيرة في أمرها.. (ترد أم لا)
ووجدت في نفسها حاجةً لأن تفعل (أيوة يا دكتور)
اختصر كما فعلت، حبس لهفته التي صنعها الحلم لمواصلة الحديث معها، يريد التخلص من أثم القرب
(تمام)
مقتضبة، ناهية... ودت هي لو أخبرته أنها لأول مرة تنام دون أحلام مزعجة،نومًا متواصل هنيئًا في منزله الذي كلما دخلته سرت الراحة في أوردتها وتغذت بالطمأنينة وهدوء النفس.
عبت من كثرة التفكير الذي يشوشها دون طائل أو فائدة حتى رحمها النوم  وسحبها  لعالمه.
*********
في المساء
هتفت مودة بنظرات مهزوزة حينما دخل من باب المنزل (عمار أمك عيزاك فوج)
ارتبك، شردت نظراته لاعنًا سعد (ماشي)
ضمت شفتيها بضيق من فعلته الحمقاء، تحبس الكلمات في جوفها خوفًا وتأدبًا، بداخلها ألف رغبة تتنازع للصراخ بوجهه وتعنيفه على حماقته وكأن حمزة هذا الوحيد الغريب ينقصه سخافات سعد وتهور عمار..
صعد عمار الدرج متباطئًا.
صعدت مودة خلفه في انتظار الآتي ورغبةً في التشفي،.
طرق عمار الباب متنهدًا يستأذن الدخول، أخذ نفسًا عميق يعبق به صدره مستعدًا لتلك المواجهة لاعنًا سعد ومصائبة.
أذنت له والدته فدخل يرسم ابتسامة باهتة مهتزة برياح القلق.. التقت نظراته بعيني راضية فارتجف داخله من تلك النظرة التي يعرفها جيدًا والتي تنذر بهبوب عواصف لا قبل له بها.
(مساء الخير يا أما..؟) قالها بنبرة لينة، خاضغة تعلن الاستسلام والرضوخ.. أمسكت راضية مسبحتها مجيبة بصوت راكد يتجمع الألم في زواياه
(مساء الخير..)
قالتها وصمتت مستغفرة بصوت مسموع جلب له التوتر، كأنها تعذبه بإنتظاره مصيرًا غامضًا ستنطقه كحكم من بين شفتيها..
(مودة جالتلي إنك عيزاني يا أما.؟)
رمقته بنظرة سريعة خاوية قبل أن تعانق مسبحتها وتصمت يترقرق الدمع في مقلتيها وهي تحكي بحنين (عبد الحكيم أخوي مكانش أخوي بس كان أبويا وأخويا وصاحبي حتة من جلبي.. لما مات جه فحجري ومات، جالي حمزة وأمه  أمانة ودمي  الي اتحنيتي بيه يا راضية بيني وبينك كيف العهد..) انهمرت دموعها وهي تسرد متابعةً بينما هو يزداد ارتباكًا وفزعًا، يحاوطها بنظراته المتأرجحه بين الأسف والرجاء (حمزة أول فرحتنا.. اتولد على يدي.. كل الدنيا عندي فكوم وهو فكوم لوحده هو الي مصبرني على فراج الغالي.. زعله يزعلني يا عمار جوي ويوجع جلبي وإنت وجعت جلبي)
قال بتوتر (أنا يا أما)
أكملت دون أن تمنحه عفو نظراتها، واناملها تداعب المسبحة (جولتلك بَعِد سعد عن حمزة، سعد شارب من أمه الكره لواد أخوي.. جولتلك حمزة زيه زيكم ميفرجش وإنت مفيش فايدة فيك ماشي ورا سعد وخالك وأنا مش عارفه أخرتها ومعدتش جادرة عليك)
أوضح لها بأسف (مكانش جصدي والله)
قالت متوسلة وهي تمسح دموعها السخية (متخيبش أملي فيك يا عمار.؟ ومتضيعش عمري هدر..)
أقترب منها متأسفًا، ضمها طابعًا قبلة فوق رأسها معتذرًا لها (حجك عليا يا أما أنا مجصدش)
صمدت بجفاء، صلبة لا تلين.. تلقي كلماتها الحادة وحكمها (هتروح لواد خالك وتعتذرله ومش هترجع  غير وهو وأمه فيدك يحضروا فرحك.. أنا مفرحش من غيرهم ولو مش هييجوا أنا اعتبرني موت وكمل فرحتك من غيري)
طبع القبل فوق رأسها بتقدير مطيعًا (حاضر بعيد الشر عنك يا أما، هروح وأجيبه)
قالت مؤكدة (يا ولدي أفهم إنت مالكش غير حمزة، دِه الي لو وجعت يشيلك ويسندك ويجف جارك، دا مفيش أطيب ولا أحن من جلبه دِه أنا مربياه وعرفاه)
هز رأسه بطاعة (حاضر يا أما بس متزعليش)
قالت محتفظة بثباتها (اتصل عليه دلوك وخليني أكلمه وإنت امشي)
أطاع وأخرج الهاتف، رغم شكه في إجابة حمزة لكنه رضخ واستسلم.. ليأتيهما صوت حمزة الرزين الدافئ (السلام عليكم)
صمتت راضية منتظرة أن يدلي عمار بدلوه في بادرة منه (وعليكم السلام ازيك يا حمزة عامل إيه.؟)
رد حمزة بلين رغم غضبه منه (الحمدلله بخير أخباركم أنتوا.؟)
قال عمار ونظراته تقع فوق ملامحه والدته المترقبة نجاح ولدها أو رسوبه (الحمدلله.. حمزة كنت عايزك متزعلش من الي حصل.. والله معرفش كان هيعمل كدا...؟)
أجابه حمزة بجفاء منزعجًا من تذكيره بالأمر (محصلش حاجه عادي بسيطة)
أشارت له والدته ليسلمها الهاتف قائلا (عمتك عايزه تكلمك)
تسلمت الهاتف وأشارت له بحسم أن يغادر، خرج على الفور زافرًا براحة بينما هتفت راضية باكية (ازيك يا حبيبي عامل إيه طمني عنك وعن ورد.؟)
وصلها صوته رائقًا لطيفًا (الحمدلله ياعمه عامله إيه.؟ طمنيني عنك)
شهقت قائلة مفصحة بحزن (متزعلش يا حمزة يا حبيبي حجك عليا أنا)
نهض من جلسته مفزوعًا من بكائها، موجوعًا لأجل دموعها يحاول تهدأتها بحنو (مفيش حاجه يا عمه أنا مش زعلان حصل خير)
قالت من بين شهقاتها ( جولت هتيجي تشيل معايا يا واد الغالي، تسندني.. مشيت وسبت كل حاجه فالأول جولت ميهمش يا راضية ورضيت بغيابك عن عيني إنت وورد كله لجل خاطركم وراحتكم.. لكن تمشي تاني يا حمزة وتسيبني للهم التجيل دِه ولعمك وبلاويه كتير عليّ)
تنهد حمزة بحزن متأثرًا من كلماتها التي لامست قلبه، ليوضح بإشفاق (مكنتش هجدر يا عمه ولا ورد.. ولا ينفع دلوجت اهد كل الي بنيته وأرجع.. خاطرك على عيني يا حبيبتي)
قالت في مهادنة (طيب شوية هنا وشوية هنا يا ولدي متغبش كتير وتقطع بينا)
قال في حنو ورضوخ وهو يفرك جبهته (حاضر يا عمه)
بشت قائلة (متزعلش من عمار يا حمزة أمانه عليك واعتبره أخوك الصغير)
تكسر الألم من حول نبرته لتخرج رائقة مبهجة (حاضر مش زعلان، بس إنتِ متزعليش ولا تشيلي الهم يا حبيبتي)
قالت بسعادة (حبتك العافية يا غالي..)
دخلت سكينة الحجرة مندفعة، قفزت فوق الفِراش قائلة (بتحبي فمين يا راضية اعترفي -)
تربعت فوق الفِراش أمام والدتها التي لكزتها مؤنبة لكنها تابعت متأثرة وهي ترى عينا والدتها الندية (بتبكي ليه يا أما مين زعلك.؟)
سحبت الهاتف في شقاوة، لمسته لتضىء الشاشة وتعرف هوية المتصل.. الذي ما إن عرفته حتى دق قلبها وابتهجت روحها قالت (مزعل عمتك ليه يا حبيب جلب عمتك.؟) أجابها مشاكسًا(متدخليش ولا تتحشري)
ابتسمت راضية وهي تتابع مشاكستهم.. ليهتف حمزة (عمتي ليا طلب عندك)
قالت سكينة مشاكسة (دا عايز فلوس ولا إيه..؟)
قالت راضية في لهفة (تأمر يا حبيبي)
قال بجدية (تديني الأذن أقطع لسان سكينة لما أرجع)
هتفت سكينة ساخرة (هتعمله طاجن.؟ ولا هتشوحه ببصل؟)
قال مشاكسًا يرد لها سخريتها (لا دا مسموم مينفعش، عايز أعمله مساحة جزم)
قفزت سكينة صارخة مغتاظة (سامعة يا راضية.؟)
ضحكت راضية من كلماته، خبأت فمها بطرف طرحتها السوداء كأنها تخشى انقلات الضحكة من قيود الحزن وهي تؤكد (والله عنده حج.؟)
قالت سكينة بغضب (بجا كِده ماشي يا دكتور البهايم مش هعديهالك)
قال بغرور (براحتك يا سكّينة يلا سلام )
أغلق الاتصال وتركها تصرخ في حنق (شايفة وكمان جفل فوشي)
أشارت راضية منزعجة من صوتها (جومي رجعي التلفون لأخوكي وذاكري الله يهديكِ)
خرجت تغمغم بكلمات غير مفهومة متوعدة حمزة أن ترد له الصاع صاعين.
***********
بعد مرور ساعتين، أثناء وجودها بالمنزل
تذكر شيئًا ما قد نسيه بالمنزل فأرسل لها (سكينة محتاج تصوريلي ورج مهم نسيته فالبيت أخر مرة)
فكرت دقائق مترددة قبل أن تُجيبه ببرود مُذكرةً له بقوله الفظ(لااا مش فاضية، بمسح الجزم بلساني)
ابتسم مرسلًا لها يطيب خاطرها بحنو
(متزعليش يا حلوة بهزر معاكي)
قالت حانقة تحذره (لااا متهزرش)
أجاب طائعًا (حاضر)
لانت قليلًا مبتسمة لتكتب
(جول يلا عايز إيه.؟ وفين المكان.؟ علشان مش فاضية)
كتب لها وهو ممتنًا لتفهمها وطيبة قلبها التي لمسها في أفعالها رغم سخافة أقوالها (تمام يا حلوة.....)
شرح لها ماذا عليها أن تفعل وأين تجدها
فعلت كما أمرها بإهتمام
ليشكرها بشدة (تستاهلي مكافأة على فكرة.. يلا اطلبي )
رفضت راميةً سخريتها
(مش عايزه حاجه شكرًا أنا عادي بعمل الخير وأرميه البحر)
كتب ضاحكًا يؤكد بمشاكسة
(إنتِ الي عايزه تترمي في البحر وتغرجي)
كزت أسنانها تكتب منفعلة
(برضو.. ماشي شوف مين يساعدك)
هزء من قولها (التصوير دِه حسبتيه مساعدة..؟ )
سألته بضجر (مش لسه بتشكرني وهتجبلي مكأفأة.؟ )
قال يحبط أملها ويزيد من غضبها(لا دي صدقة)
كتبت بغضب شديد منه
(غور من وشي يا دكتور البهايم)
أجابها بهدوء (غورت..)
ضحك حمزة بإستمتاع وهو يضع الهاتف جانبًا، لتتنبه له ورد متسائلة وهي تتأمل ضحكته السخية (بتكلم مين يا حمزة..؟)
أجابها وهو يتمدد واضعًا ساقية فوق الطاولة الصغيرة التي أمامه.. (دي البت سكينة.. كنت نسيت ورج فالبيت صورتهولي)
سحب جهاز الحاسوب ووضعه أمامه متهربًا من نظرات والدته المستكشفة كعادتها حينما يُذكر اسم سكينة..
قالت بخبث (خدتوا على بعض بسرعة يا حمزة)
أجابها بنظرات لاتبرح شاشة حاسوبه، يخفي ارتباكه(لا عادي..أنا ملجتش حد غيرها... غير إن مودة خجولة وهادية زيادة إنما دي لا)
هزت أمه رأسها بتفهم وابتسامة غامضة تركن فوق ثغرها، قبل أن تتركه لعمله وتنشغل بكتابها مُفكرة في المسار الجديد  الذي تتخذه حياة ابنها.
نشر العديد من الصور  على صفحته الشخصية والصفحة الخاصة بمطعمه وكتب فوقها ((كُنْ كَالْفَرَاشَةِ ؛ أَثَرُكَ لَا يُرَى وَلَكِنَّهُ لَا يَزُولُ)🦋💜
تلقفت مودة تلك الصور بسعادة ومحبة، تأملتهم بإعجاب واضح قبل أن تركض للأعلى تشارك سعادتها البسيطة سكينة، فلا أحد غيرها يمكنها أن تقتسم معه الفرح وتطلعه على شيئًا من نفسها..
دخلت الحجرة مندفعة لاهثة، لتعنفها سكينة بعدما إرتج جسدها من الفزع (في حد يدخل كِده يا مودة..؟)
جلست مودة فوق الفِراش متربعة، تشهر الهاتف في وجهها قائلة بإبتسامة واسعة (شوفتي صور حمزة يا سكينة.؟ شوفتي المكان)
قالت سكينة بلامبالاة متجاهلة بتصنع (لا.. بس عادي يعني)
أقتربت منها مودة قليلًا تمرر إصبعها فوق الهاتف لتريها الصور، نضحت نظرات سكينة بالإعجاب والسعادة، مبتهجة لأجل ضحكته المتسعة وفرحته التي تظهر جليًا.
قالت مودة بفخر (دِه دار أيتام هناك..)
شردت سكينة هامسةً (جدع حمزة)
عادت للصور من جديد تتأملهم كأختها، حادت لاسم صفحته وحفظته ثم أبعدت مودة قائلة (روحي بجا شوفي حالك مش هنجعد قصاد الاستاذ حمزة وصوره)
تدثرت بالدثار لكن هيهات أن تنام، بعدما خرجت مودة أعتدلت ممسكة بالهاتف تفتش عن حسابه حتى وجدته..
أرسلت له عبر الواتساب قائلة، وهي تتأمل صوره (حمزاوي هو إيه ده.؟)
أجابها بفظاظة  (وإنتِ مالك شوفي وإنتِ ساكته .؟ )
ألحت متجاهلة وقد تعودت مشاكسته لها (بجد إيه دِه مش فاهمة ؟ )
عرف أنه لن يستطيع الهرب منها ولا إسكاتها، أجابها(أممم، بصي المطعم كل فترة بيطلع وجبات كاملة، الأغلب بيبجا لأي دار أيتام بعد ما نعمل قرعة بأسماء الدور الموجودة )
قالت بأعجاب لا تخبئه(أنا مبهورة بيك يا حمزاوي بجد)شكرها معتادًا على اندفاعها وكلماتها العفوية (شكرًا يا حلوة)
عادت لتكتب متسائلة (مين الي معاكم دي)
أجابها ببساطة (دي هند)
كررت السؤال بتأفف(أيوة يعني مين هند ياحمزاوي.؟ )
انزعج من سؤالها وإلحاحها (إنتِ فضولية يا سكينة وأنا مبحبش كده)
سخرت منه كعادتها(بطل جو الغامض دا مش ناجصه )كتب مستاءً(ربنا يهديكِ)
سألته وكلها لهفة لعودته من جديد(مش هتيجي لبهايمك..؟ )
أجابها بصدق (صدجت ما مشيت من عندكم هرجع.؟)
سألت من جديد (ورجعت ليه طيب من الأول)
قال بصدق(علشان ورد طلبت)
حكت له بإهتمام (أخر مرة شوفتك من ٥سنين لمحتك بس لإنك مرضتش تبات سلمت ومشيت أخر اليوم)
أخبرها ما في نفسه(أنا أصلا مكنتش فاكرك ياسكينة)
أغتاظت منه ومن تجاهله (إنت سخيف)
أكد وهو يغمس كلمات الجادة بالمزاح
(بتكلم جد.. بعدين اهو شوفتك خدت إيه.؟)
كتبت بغرور (ليك الشرف، دِه إنت دخلت التاريخ)
هزء منها هو تلك المرة(جصدك ليك النكد)
أفصحت بعفوية (إنت وحشتني يا حمزاوي)
ضاق من كلماتها واندفاعها(إنتِ كده مع كل الناس.؟)
أجابت متفهمة سؤاله(أكيد لا... مع الجريبين بس، بعدين إنت عادي )
نصحها بصبر مشفقًا عليها(مش كل حاجه تنفع يا سكينة، ولا أنا عادي )
انزعجت منه بشدة لا تروقهاالنصائح(متحبكهاش يا حمزاوي)
غيّر الحديث متسائلا (مودة عاملة ايه.؟)
أجابت (كويسة)
صارحته بما يضايقها ويسبب لنفسها الحزن
(أجولك حاجه تبجا سر بينا.؟ )
ابتسم وهو يكتب لها بحنو(جولي أكيد)
كتبت له مهمومة
(خايفة مودة تزعل لو شافت الفستان)
شاركها نفس الهم(معاكي حج وأنا خايف برضو)
سألته ربما ينقذها من ورطتها(طيب هعمل إيه.؟)
أوضح لها (طبعا هتكدبي ياحلوة..لغاية ما ورد تجبلها واحد لما نيجي)
قالت ممتنة لصنيعه(ماشي يا حمزاوي)
نصحها بلطف مهتمًا لشأنها(ذاكري ياسكينة)
قالت شاردة في همها العظيم
(الموضوع أكبر مني يا حمزاووي ياريت تصدجني ومتعملش زيهم وتفكره دلع )
طلب توضيحًا ربما يستطيع مساعدتها (إزاي فهميني..؟ لو هجدر أساعدك مش هتأخر)
أرجأت الأمر لوقته قائلة
(بعدين أجولك، رايحة بيت خالي لجدتي دلوجت)
حذرها بضيق لا يعرف مصدره(أوعي تباتي)
قالت بغلظة، متفاخرة بنفسها
(أنت بتكلم واحدة ماسكة ببرونة.؟ متخافش عليا ولا سعد ولا عشرة زيه يضايجوني..
استرسلت بإبتسامة متسعة ( افتكرت حاجه)
أجابها بصبر  (إيه يا حلوة..؟ )
حذرته بغضب (متجوليش ياحلوة)
حذرها هو أيضًا (متجوليليش حمزاوي)
عادت لموضوعها
(المهم قبل ما انسى.. بص عملت إيه)
أرسلت له عدة صور وفيديوهات ساخرة  لسعد قد صنعتها بنفسها ونشرتها
انتفض من جلسته المسترخاه غير راضيًا، خائفًا عليها مما فعلته وجنونها
(يخرب عجلك عارفه لو حد عرف هيعملوا فيكِ إيه َ..؟)
قالت بلا مبالاة
(عادي متعودة المهم أردله الي عمله معاك)
حاول يوضح لإثنائها عما تفعل
(أنا رديت وخلاص)
كتبت قائلة بعزم صلب (زيادة الخير خير  متجلجش عليا، وسلام بجا يا حمزاوي)
ودعها بحنو (سلام يا حلوة)
غادرت هي وبقيّ هو يقلب في الصور ضاحكًا ناعتًا لها (يا بنت المجانين يا سكينة)
******
في اليوم التالي مساءً
دخل المطعم متهاديًا يفتش عنه بنظراته، ربما يعثر عليه.. جلس حول أقرب طاولة وأشار للنادل الذي جاء ملبيًا
(لو سمحت دكتور حمزة موجود انهردا.؟)
أجابه النادل بإبتسامة عملية
(موجود يا فندم)
هتف الأخر قائلًا (بلغه إني مستنيه بره وعايزه ضروري)
سأله النادل (نقوله مين حضرتك.؟)
أجابه بإبتسامة لطيفة وهو يشور في الماضي (قوله جلال هيعرف علطول)
هز النادل رأسه بإستحسان وغادر ليبلغ حمزة الذي قفز على الفور يردد اسمه بنصف ضحكة وحماس (جلال معجول)
هتف حسن الذي كان يجاوره (جلال آه)
قالها وهو يتحسس رأسه (الله يمسيه بالخير)
ترك حمزة ما بيده وخرج على الفور مبتسمًا متحمسًا للقاء بعد غياب طويل وخلفه كان حسن يرسم فوق ملامحه الإنزعاج
نهض جلال على الفور منتظرًا حمزة الذي عانقه بمودة حينما وصل إليه، مرحبًا به بشدة
ليجلسا، أشار حمزة للنادل وطلب مشروبًا (حاجه يا ابني بسرعة)
هتف بها ثم عاد بنظراته لجلال (ازيك أخبارك إيه.؟ وعامل إيه.؟)
ابتسم جلال قائلًا (الحمدلله أخبارك إيه.؟ مبرووك فرع أسيوط يا حمزة تستاهل كل خير)
قال حمزة (الله يبارك فيك الله يكرمك.. طمني عليك وأحوالك)
ليتدخل حسن قائلًا بحنق (بس عايز اطمن اتجوز المُزة ولا لا) قالها حسن وهو يتحسس رأسه) ليبتسم جلال وينهض (ازيك يا حسن)
قال حسن بنظرات مشعلة (أهلا نورت)
هتف حمزة وهو يدفعه قائلا بضحكة (يا ابني إنت خدت على الضرب من جلال ولا إيه.؟)
تأفف حسن بضجر (الله يسامحه بقا، المهم اتجوزت السمرا ولا إيه..) ختمها بغمزة جعلت جلال يهتف بهدوء مشيرًا لحمزة (قوله يمشي..)
هتف حسن بإلحاح (عايز أعرف بعد العلقة الي أخدتها بسببها اتجوزتوا ولا لا..؟)
أخرج جلال سيجاره وأشعله قائلًا بخجل  (اتجوزنا ياسيدي ارتحت)
تنهد حسن بإرتياح وهو يقول (دمي الي ساح فالمطعم مينفعش يروح هدر)
شاكسه حمزة متذكرًا الماضي (ملجتش فكل الجامعة غير براءة الي تعاكسها وتمشي وراها)
تذكر حسن (آه.. أنا خدت ٨غرز فدماغي يومها)
ضحك حمزة بإستمتاع قبل أن يصرفه قائلًا (جهزلنا عشا بجا)
رفض جلال وهو يطفيء سيجاره ويستعد للنهوض (لا مش هينفع )
أكد حمزة بتفهم (يبجا تاخده معاك ليك وللمدام)
نهض جلال واقفًا يشكره بإمتنان (لا لاا.. لقيت نفسي قريب من هنا جيت اسلم واطمن عليك يا حمزة)
أمسك به حمزة مصرًّا بعناد (والله ما ينفع)
ليسخر حسن بغلظة (دفعه وهياخده اسمع مني)
نظر حمزة لجلال ملتقطًا رد فعله الذي لم يكن سوى الرفض، لكنه أمام إصرار حمزة وافق مع شرط دفع ثمنه.. رحب حمزة بشرطة، مشيرًا لحسن الذي التقط معنى نظراته وإشاراته أن يضبّط له الفاتورة جيدًا.
غادر حسن وبقيّ جلال بصحبة حمزة، يتبادلا الحديث.. طلب جلال وهو يميل ناحيته (عايزك فخدمة يا حمزة)
أجاب حمزة على الفور(أأمرني يا صاحبي خير)
ابتسم جلال ممتنًا شاكرًا قبل أن يطلب منه ما يريده وجاء اليوم لأجله، أخبره جلال بما يريده فاتسعت ابتسامة حمزة وهتف بمرح على غير عادته بينما اشتعلت مقلتيه بالحماس (بس كدا .. دا إنت تأمر..)
سأله جلال بنظرات ثاقبة (إزي مرام يا حمزة.؟)
اضطرب حمزة من سؤاله إعتدل في جلسته متحفز الجسد  قائلًا بتوتر امتزج بحزنه الوقور (كويسه)
حاول جلال الحديث لكن هتاف حسن وقدومه الصاخب بعدما رنى لمسامعه سؤال جلال، ابتلع باقي اسئلته وينهض مصافحًا حمزة بعجاله فقد تأخر الوقت ولابد أن يعود لبراءة التي تنتظره منذ وقتٍ طويل (هكلمك تاني يا حمزة)
ابتسم حمزة ابتسامة مهزوزة وهو يبادله المصافحه ويودعه..
سأله حسن وهو يجلس مكان جلال (سأل على مرام..؟)
هز حمزة رأسه بتأكيد، ليرمقه حسن بأسف قائلًا (مقولتلوش ليه.؟)
مال حمزة للطاولة يستند بمرفقيه فوقها وهو يخبره بحزن، كان السؤال شق صدره شقًا (محبتش أزعله وهو جايلي بعد مدة)
مال حسن يربت فوق كتفه قائلًا (قوم امشي طيب الوقت اتأخر)
نهض حمزة متنهدًا بحزن وهو يهمس بصوت خافت (تمام)
أبدل ملابسه وتناول أغراضه من حجرة مكتبه وغادر تحت نظرات حسن المتوجعة لأجله.
'**********
خرجت من منزلة مغلقة خلفها، جلست أول الأمر فوق عتبة المنزل مفكرة تستجمع شتاتها قبل أن تغادر لمنزلهم وتقابل الجميع
كلما دخلت منزله غفت وكلما غفت رأته، نفس الحلم يتكرر ونفس الشغف يتجدد.
أحساس غريب يتضخم داخلها ويكبر دون أن تستطيع السيطرة عليه أو تحجيمه ومنحه هوية واضحة محددة، احساسها مجهول يقودها لطريق لا تعرف نهايته، هو.. وهوفقط
نهضت بتثاقل ململة أغراضها التي لملمتها وجمعتها من الداخل مقررةً عدم العودة مجددًا.. اتجهت ناحية منزلهم بخطى ثقيلة
في الأعلى كانت مودة ترتب خزانتها لعلمها وتقديرها إنشغال سكينة تلك الفترة بمذاكرتها، داعيةً لها أن يمر عامها بسلام وتتخطىء كل شيء 
سحبت مودة الفستان من الخزانة وفردته أمام نظراتها، تشمله بنظرة طويلة منبهرة بتفاصيله ورقته..
دخلت سكينة الحجرة، لتتفاجىء بأختها تمسكه وتسأل بدهشة (منين دا يا سكينة.؟)
حافظت على ثباتها مخفية انفعالها وضيقها من انكشاف أمره، مقدرة أن الأمر قد يجرح أختها، أجابت منتزعةً نظراتها من هديته التي تجدد داخلها المشاعر وتجعلها تطفو (كنت طلباه أون لاين مع صحباتي)
سألتها مودة بإبتسامة رقيقة (مجولتليش يعني ولا طلبتي فلوس تكملي زي عوايدك.؟)
ارتمت سكينة فوق الفِراش محبطة وهي تقول بحزن عميق تسرب لروحها ليقينها بضياع هديته وعدم قدرتها على الاحتفاظ بها وبتلك الذكرى الجميلة (كان معايا فلوس ومكانش غالي يا مودة علشان أخد منك)
قالت مودة منبهرة به (عاجبني جوي يا سكينة ينفع أخده لفرح عمار.؟)
ابتلعت سكينة ريقها الذي جف من توترها، ثبتت نظراتها فوقه مرتبكة مترددة، الحيرة تنهشها والرغبة في الاحتفاظ به تمزقها وتغيم سماء روحها بالوجع والحسرة
لتحسم أمرها وهي تراقب ابتسامة أختها الودودة وسعادتها بالفستان (تمام يا مودة خديه هبجا اجيب غيره لما يجي وجتها)
دارت مودة فرحة، قبل أن تقترب وتشكرها بحنو وهي تضمها (شكرًا يا سكينة)
رسمت سكينة فوق ثغرها ابتسامة مهزوزة.. والدموع تتجمع في عينيها أسفًا وحزنًا على ضياعه منها وفشلها في الاحتفاظ بتلك الهدية التي تقدرها وتبقى المفضلة لقلبها، فلأول مرة يتذكرها أحد ويهتم بها لهذا الحد، لكن لا يمكنها إخبار أختها، مودة لا تستحق أن يكسر خاطرها وتبتئس، خاصة حين تعلم هوية الذي أهداها لها... لكن مالاتعرفه ولا تفهمه لما خصتها ورد.؟ هل لأنها دافعت عنها.؟ بالتأكيد أخبرها حمزة لذلك أرسلت إليها الهدية امتنانًا وعرفانًا بالجميل.
هتفت مودة بخجل وهي تتأكل الفستان (تفتكري حمزة هيجي يا سكينة الفرح.؟)
اجابتها سكينة بقلة حماس وضياع احتل نظراتها (مش عارفة)
دعت مودة بلهفة (يارب ييجي يا رب)
حاولت سكينة السيطرة على حزنها وحبس دموعها خلف قضبان الصبر والصلابة، ما مزقها أكثر هو اعتراف مودة التالي (نفسي يحس بيا يا سكينة.. تفتكري ممكن يحصل.؟)
ضمت سكينة شفتيها بأسف قبل أن تهمس بخفوت وكأن روحها تنازع (إن شاء الله يا مودة ربنا هيججلك إلي فبالك)
صارحتها مودة بحياء (بجالي كتير مستنيه ييجي ولما ييجي يمشي) قالت متأسفة
(الله يسامحه عمار كل ما أقول هتظبط الدنيا يخربها)
همست سكينة بوهن ومعدتها تنقبض بألم (بإذن الله ييجي ويحصل الي مستنياه.)
أممت بسعادة وأمل يشرق في روحها (يارب)
غادرت مودة وتركتها لوجعها تحاربه وحدها، ليتها ماصارحتها مودة بحقيقة مشاعرها، ليتها صمتت كعادته وإن كان كل شيء مكشوفًا لها لكنها لم تخبرها صراحة بحبها لكنها اليوم والآن بالتحديد أفصحت لها بإطمئنان، شاركتها سرها الصغير وقلقها المتخفي، أطلعتها على أمنيتها مستأمنة، أودعت رغبتها في رعايتها لتحفظها وتدعو لها.
الفستان هو حق مودة، اعتذرًا عن تلك المشاعر التي تهاجمها ولا تملك إيقافها أو قتلها..
إرتاحت لذلك الخاطر الذي جعلها تتقبل منح أختها الفستان دون ذرة ندم أو حزن.
غاصت سكينه بين الأغطية، ممسكةً بهاتفها تقلب فيه بغير هدى وإن كانت تعرف وجهتها التي تريد قصدها لكنها تمنع نفسها  وتهذب رغبتها،
وقفت نظراتها دقائق فوق اسمه متحيرة، تريد ولا تريد.. منجذبه له بشدة بعدما حدث، ترغب الحديث معه ولا تمله..وتلك الأحلام الذي تدفعها دفعًا ناحيته ولا يفارق مخيلتها كأنه أصبح لها.. لا تطيق فراقه ولا إبتعاده من وقتها.
هبطت دموعها في حرقة ويأس مستوحشة الطريق الذي تُرغم نفسها على السير فيه، لا تطيق ولا تحب أن تُرغم هكذا.
جاءتها رسالته فانتفضت غير مصدقةً
(سكينة.؟)
أجابت بروح خاوية، رغم فرحتها أنه فعل (نعم يا دكتور..؟)
أرسل لها عدة صور قائلًا (اختاري معايا فستان لمودة يا سكينة، ورد تجبهولها هدية)
اعتدلت تتفحص الصور التي أرسلها لها ورغم سعادتها بما يفعله والمسار الذي يتخذه، لكن بداخلها شيء من ضيق لا تعرفه ولا تستطيع التكهن به.. إن كانت حزينة لأجل مودة لما لا تفرح بإهتمامه ورغبته الطيبة مراضاة أختها والتقرب منها..؟
(سكينة... نمتي)كتبها بتوتر 
قالت برغبة منطفئة وحماس مفقود (اختار الي يريحك يا دكتور.. وبالمناسبة عايزه ابعتلك المفتاح.؟)
(خير يا سكينة في حاجه.؟حد شاف حاجه.. عمار كلمك.؟)
كتبت ودموعها تتساقط في ألم وحسرة (لا بس مش عيزاه ولا هروح هناك تاني)
سألها مندهشًا (ليه برضو..؟)
قالت بحدة وانفعال مقصود منها (لاااا أنا حرة مش حابه ومبرتاحش هناك يا أخي الله! )
اختصر كلماته، ابتلعها في جوفه كما اعتاد.. قال بصبر (تمام يا سكينة لو مش حابه يجعد معاكي.. اديه لعمتي هتحافظ عليه)
تفاجئ بعدها برد فعل منها غير متوقع، جعله يسبها ويلعنها بحنق.. فبعدما اكتفت قامت بحظره لألأ يراسلها  مرةً أخرى ولا يصل إليها... وتبتعد هي ماضيةً في طريقها الذي اختارت.
انفعل حمزة بشدة مما دفع ورد لتنتبه متسائلة (في ايه يا حمزة.؟)
قال شاتمًا بغيظ شديد (الحيوانة عملتلي بلوك وبتقولي تعالى خد مفتاح بيتكم مش بحب أجعد فيه.؟)
زوت ورد ما بين حاجبيها مفكرة بشك، قبل أن تسأله (حصل حاجه..؟ جولتلها حاجه زعلتها.؟)
تأفف قائلًا (ابدًا جولتلها تختار معايا فستان لمودة زي ما جولتلك واتفجنا)
انزعجت ورد وضاقت معاتبة له (يا حمزة ما أنا جولتلك هختار أنا.؟)
أجابها بضيق (جولت هي هتعرف ذوجها وهجدر اجبلها حاجه تبسطها)
مسحت ورد وجهها مفكرة ثم قالت (خير خير... يمكن حاجه مضيجاها أو حصل حاجه)
نهض قائلًا بحسم وهو يدخل لحجرتها (تغور بجا.. والله ما أنا معبرها تاني الجزمة دي).
********
ذهبت لبيت جدها تبدد وحشة قلبها وتمحي أثار حزنها ببعض المشاكسات..
جاورت جدتها متربعة فوق آريكة خشبية واسعة بصالة المنزل الكبيرة، تقشر لها حبات البطاطا الساخنة وهي تقول مستحسنة (بطاطا بيضة يا جدة.؟)
قالت الجدة منزعجة بشدة رافضة (مش بحب البيضا دي مفيش حمراء يا سكينة..؟)
فتشت سكينة في الطبق الكبير الواسع ثم رفعت نظراتها تخبرها بخيبة (لا مفيش تلاجيها خلصت)
دخل سعد مقتحمًا جلستهما محمحمًا، رمى السلام وجلس أمامهما فوق آريكة أخرى
غمغمت سكينة بضيق(استغفر الله العظيم يا جاعدين يكفيكم شر الجايين)
شملها سعد بنظرة متفحصة غائمة بالمشاعر، لتتأفف سكينة منه ومن وقاحته
(ازيك يا سكينة) قالها بإبتسامة أزعجتها
مال فمها وهي تجيبة بكراهية (مرحب)
نهض متقدمًا ناحيتها يطلب قطعة بطاط مشوية، دفعت الطبق ناحيته دفعًا وهي ترمقه شذرًا، تناوله وتراجع للخلف يقول بإبتسامة سمجة (ماشي)
أمسكت بهاتفها متجاهلة تقلب فيه، خطر ببالها حمزة وتحذيره لها من الذهاب، شعرت بالحنين له والعودة لمشاكسته وتتبع أخباره لكنها عاجزة وإن رغبت.
(شوفتي حمزة يا جدة.. جال طباخ بيطبخ ويوكل الناس)
نفخت سكينة مغمغة (ياربي على الحمار دِه.. الي مبيفهمش)
ابتسمت جدتها ابتسامة متشفية، وهي تقول تشاركه مزاحة واستهزائه (يعني ورد هتطلعه إيه.؟)
هتفت سكينة وحاجبها يرتفع تحديًا (طلعته دكتور يا جدة، وهو مبيطبخش دِه شيف وصاحب مطعم كبير مشهور وعنده بدل الفرع اتنين ماشاء الله ربنا يكفيه شر البهايم)
أكل الحقد سعد لتفاخرها به ليستطرد محاولًا  (صورته وهو لابس لبس الطبخ شوفتي الفيديو يا جدة )
قالت السيدة متلهفة (وريني أشوف خيبة ورد)
ضحكت سكينة مستهزئة تثير غضبه وتستفزه (جصدك الفيديو الي اتهزجت فيه يا سعد وريهولها خليها تشوف الخيبة الأصلية الي اتمسح بيها الأرض بالأدب)
صرخ في غضب من رعونتها وتحديها له بالكلام (بت يا سكينة ما تلمي نفسك)
نهضت منتفضة فزعة من كلماتها، تخصرت قائلة وهي تشمله بنظرة محتقرة (اتكلم على كدك يا سعد، إنت عايزني اسكت وإنت بتتكلم عن حمزة كِده..؟)
سألها وهو يبصق اسمه (وإنتِ تدافعي عنه ليه المحروس واد أمه)
قالت مدافعة (واجب أرد غيبته وهو مش موجود يرد، واد خالي زيه زيك ومجبلش أي كلمة عليه)
امسكت جدتها بذراعها ناهرة (اترزعي يا ملكومة وجصي لسانك هتساوي سعد بواد ورد)
عبست بغير رضى، تولت معرضة في غضب (ليه مساوهوش، ينجصه إيه حمزة..؟ ومالها خالتي ورد.؟ ست تتحط عالجرح يطيب والله)
تدخلت نفيسة التي جاءت راكضة حينما وصلها صوت سكينة العالي (مين دِه يا مضروبة الي زي سعد ولدي (حمزة.؟)
بصقت اسمه مستنكرة، لتجابهها سكينة مدافعة بصلابة وقوة (أيوة.. ماله حمزة.. راجل متربي ومحترم ربته واحدة رباية مربهاش رجالة بشنبات.. لا متدلع ولا بتاع حشيش.. عمل الي غيره معملوش)
نهرتها جدتها بغضب (اخرسي)
وزعت سكينة نظراتها بينهما في تحدي وهي تقول (هخرس وهمشي اصله الحج بجا يزعل الأيام دي الي ميعرفهوش)
طردتها زوجة خالها بغضب، وهي تمنع نفسها عن ضربها (امشي غوري يلا)
رمقتها سكينة بنظرة مستهينة وهي تمر من أمامها قائلة بإبتسامة (يعني هغور من الجنة..؟ روحي زغطي المحروس يا خالتي نفيسة ولا أبعت لحمزة يجبلكم وكل..؟)
ختمت كلماتها بضحكة عالية مستفزة، مما دفع نفيسة أن تقترب منها محاولةً ضربها لولا هتاف الجد العالي وإيقافه لها (نفيسة)
تراجعت نفيسة غاضبة، سعد يمسك بكتفها مانعًا مهدئًا.. هتف جدها بإستحسان بعدما استمتع لكلماتها وتأديبها الجميع (جدعة يا بت راضية.. وكلتيهم مراكيب)
مالت تهمس لجدها (راضي يا جدي..؟)
ضحك قائلًا بهمس (شكلي هحبك يا ملكومة.؟)
أكدت بفخر (لازم تحبني بدافعلك عن حمزة)
نظر لزوجته التي تتميز غيظًا في جلستها (جدتك هتولع فيكِ)
هزت رأسها بلا مبالاة (عادي مش مهم، المهم خدت حج حمزة منهم)
تململت نفيسة في وقفتها منزعجة من الهمس الدائر والذي تعرفه جيدًا، همس سعد مُبعدًا والدته عن ساحة النقاش والتوتر والذي سيأتي فيما يخصه ارتباطه بسكينة بنتائج عكسية (روحي يا أما مش ناجصين جدي دلوجت)
لامته والدته بغضب (هي دي الي عايز تتجوزها.؟)
ابتسم موكدًا ومازالت نظراته تنضح بالإعجاب  (هتجوزها وأربيها)
انتفضت نفيسة مقررة بإصرار (على موتي يا واد بطني تتجوز دي) قالتها وغادرت بعدما رمت سكينة الواقفة في حماية جدها تتهامس رمتها بنظرات سامة حاقدة.. قابلتها سكينة بأخرى مستهينة ساخرة..
انسحبت بعدها سكينة، مغادرةً لمنزلهم.. في طريقها جلست فوق عتبة منزله.. تقلب هاتفها بين كفيها تريد أن تعود إليه هاربة تخبره بما حدث وتحكي له ما فعلت لأجله بفخر.. رن هاتفها فأجابت متلهفة لا تصدق حينما أنارت شاشته بإسمها (خالتي ورد)
علي الفور أجابت، لتبادر ورد بصوتها الحنون الدافيء (ازيك يا سكينة.؟ عاملة إيه.؟)
(الحمدلله بخير.. إنتِ بخير وحم..)
قطعت كلماتها ومزقت اسمه مانعة نفسها السؤال عنه ومعرفة أخباره.
لكن ورد أجابت بفطنة وتفهم (حمزاووي بخير ياسكينة)
صمتت سكينة، تستمع بإنصات وكلها شوق لسماع صوته.. قطع شرودها سؤال ورد المفاجيء (عملتي لحمزة بلوك ليه يا سكينة ومبجتيش تتكلمي.؟)
فغرت سكينة فمها مندهشة لم تكن تتصور أن حمزة سيخبرها أو أنه اشتكى لها فعلتها الطفولية.، أجابت لها ورد عن أسئلتها التي تدور بذهنها (حمزة مشتكاش يا سكينة بالعكس.. إنتِ لو فيكِ دواه تاني مش هيكلمك بعد عملتك دي الي ملهاش سبب)
توترت سكينة من كلمات ورد.. بينما تابعت ورد (إنتوا كنتوا كويسين حصل إيه.؟ هو زعلك ولا ضايجك..؟ في حاجه خايفة تجوليها.؟)
اقتحم صوته المكالمة (ورد إنتِ فين.؟)
انتفض قلبها، استمعت لصوته بشغف مبتسمة، سعيدة بتلك المصادفة
(تعالى يا حمزة أنا هنا يا حبيبي)
وجدها فوق كرسيها الهزاز ممسكةً بالهاتف، جلس أمامها قاطبًا يستفسر (بتكلمي مين.؟)
نظرت لعينيه قائلة (سكينة)
وقف صامتًا ملامحه تنقبض بضيق، حاول المغادرة لكن والدته تشبثت بكفه مانعة رحيله.. حدجها بنظرة مستفهمة ركلتها وعادت تسأل الأخرى (حمزة زعلك.؟ حاجه حصلت منه)
كررت سؤالها أكثر من مرة وكل مرة لا تجد ما تجيب به ليهتف حمزة متخلصًا من هذا العبث(ما تسبيها يا ورد تعمل الي تعمله... عندها حاجه تجولها معندهاش براحتها..)
أمرتها ورد (الغي البلوك يا سكينة)
وجدت نفسها تهمس بطاعة (حاضر)
رفعت ورد نظراتها لتطلب من ولدها وعدًا (حمزة لو شالته مترجعوش)
هتف حمزة وفمه يميل بإبتسامة ساخرة (مش هرجعه يا ورد.. أنا أحط عيني فعينها ومشوفهاش بردوا،  ومش شيل البلوك هيصلح عملتها المهببة دي الي ملهاش سبب)
سكب كفه واندفع ذاهبًا لحجرته، منفردًا بنفسه، يحاول استيعاب ما يحدث.. بينما عادت ورد لسكينة قائلة (الله يهديكم إنتوا الاتنين)

انتهي
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد

ملاذ قلبي سكن Where stories live. Discover now